|
بابا الفاتيكان يحيي ذكرى النكبة في الناصرة
ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2648 - 2009 / 5 / 16 - 09:56
المحور:
القضية الفلسطينية
عندما يقف اي كان وبغض النظر عن دينه او لونه او جنسه ليقول انه يجب ابعاد العقائد الدينية عن العمل السياسي فهذا لا بد وان يكون محط ترحيبنا وتقديرنا، ولا بد وان نوجه له شكرنا عندما يعترض على استخدام العقيدة الدينية في الصراعات السياسية وهذا ما دعا اليه بابا الفاتيكان خلال زيارته للمنطقة خلال الاسبوع الحالي. والترحيب بالبابا لا ينطلق من اي منطلقات عقائدية وليس لانه ابرز رجال الدين المسيحيين، ويمثل اكبر الطوائف المسيحية (الكنيسة الكاثوليكية) وهذا كافيا لتقديره واحترامه والترحيب به، بل لمواقفه السياسية الحكيمة التي تقوم على رفض العنف بكل اشكاله وتوجيه النقد واللوم لكل من يستخدمه وايا كانت مبرراته، ويدعو الى السلام وحل المشاكل السياسية بالطرق السلمية، معبرا بذلك عن تقديره بل وتقديسه للانسان كانسان رافضا لان تكون انهار الدماء وسيلة لنيل الحقوق او اغتصاب حقوق الغير. ولا ادري ما اذا كان توقيت زيارة البابا للمنطقة مخطط لها كي تتوافق مع ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 ايار او انه جاء بمحض الصدفة لكن ايا كان الامر صدفة او مخطط له فان القداس الذي اقامه البابا بالامس في مدينة الناصرة الفلسطينية وبحضور عشرات الالاف من الفلسطينيين المسيحيين مثل احياء لذكرى نكبة هذه المدينة وجميع المدن والقرى الفلسطينية قبل 61 عاما. واحياء ذكرى النكبة من قبل البابا استمرت اسبوعا بدأت في عمان التي اطلق منها الدعوة الى السلام واكدها في القدس وشدد عليها في بيت لحم وهي تستوجب الترحيب به وتقديره واحترامه. وكانه بدعوته هذه يعبر عن الانسانية جمعاء بوقف اعمال العنف الممتدة منذ عقود والتي لم تسفر سوى عن مزيد من القتل والذبح والتدمير والتهجير وتعميق العداء والكراهية بين الشعوب. وهل هناك نشاطا اكثر تأثيرا وفعالية من قيام البابا باحياء ذكرى النكبة داعيا الى حل الدولتين وهو يقف ووجهه الى حائط الفصل العنصري مبشرا بالسلام مؤكدا زوال هذا الجدار، مطمئنا اهل فلسطين مسلمين ومسيحيين ان حقهم باقامة دولة لهم في ارض اجدادهم حق ثابت واكيد لا يجب ينازعهم فيه احدا . ليرد بذلك على دعاة التطرف من الجانبين نتنياهو وليبرمان في اسرائيل ومشعل وممثلي حركات الاسلام السياسي الفلسطينيين والعرب، وبعض الكتاب المتشيعون ايرانيوا الهوى مثل منير شفيق، وفهمي هويدي، ومعظم المتأسلمون الذين ينكرون على الفلسطينيين حقهم باقامة دولة مستقلة لهم بحجة ان ارض فلسطين هي ارض وقف اسلامي وانها جزء من املاك خليفة المسلمين، وان تحرير فلسطين لن يتم الا على بسيوف فرسان المسلمين القادمين مع صلاح الدين المعاصر الذي لا ندري من اين سيأتي ولا متى سيأتي ولا كيف سيأتي. فالفرق بين البابا وبين شيوخ الاسلام السياسي ان الرجل واقعي يدرك حقائق الصراع وموازين القوى وطبيعة المرحلة فيطالب بحل واقعي منطقي يتيح للفلسطينيين لاول مرة في تاريخهم ان يكونوا شعبا كباقي شعوب العالم لهم وطن ودولة مستقلة، فيما شيوخ الاسلام السياسي ليس لديهم برنامجا سياسيا او حلولا منطقية وثقافتهم ودعوتهم الدينية والسياسية تبشر باستمرار الصراع الى يوم القيامة. ونرحب بالبابا عندما يعيد لبلادنا قدسيتها وقداستها، ويعلن من فوق ارضها ان شعوب هذه المنطقة هم الذين صنعوا بدايات تاريخ البشرية، وعلى ترابها خاضت الانسان صراعاته بحثا عن الحق او ما تعتبره الحقيقة، وان ابنائها هم من صاغوا بدايات الفلسفة بمسياتها وانواعها لتنظيم الحياة السلمية للانسانية، وان الانبياء والرسل كانوا ثوارا في عهودهم بذلوا ما يستطيعوا للارتقاء بالحياة الانسانية وفق تصوراتهم المنسجمة مع عصورهم وقدراتهم وامكاناتهم وما جادت عليه به الخبرة البشرية من معارف ممن سبقوهم. ويأتي البابا ليحج الى بلاد عيسى الفلسطيني ابن بيت لحم ومن شهدت ارض الناصرة خطوات شبابه ومن احتضنت القدس رفاته، في ذكرى النكبة ليقول للعالم ان هذه الارض المقدسة تستحق التقدير والاحترام، وقبل كل ذلك تستحق السلام، ويستحق اهلها ان ينعموا بحياة هادئة ليس لانهم اهل المسيح بل لأنه من حقهم مثلهم مثل معظم شعوب الدنيا ان يكون لهم وطنا ودولة وحكومة وسيادة. ونقول للبابا مرحبا لانه برهن وهو بين اهلنا وشعبنا على ضرورة التعايش بين اصحاب الديانات ويرفض بصوت عال كل دعوات الاقصاء والافناء ويقول للجميع اننا جميعا نعبد الله كل بطريقته، والله وحده من له القرار في تكريم هذا وعقاب ذاك، ولكننا في الدنيا يجب ان نتكاتف ونعمل سويا على اعمار الارض بمعنى الارتقاء بحياة الانسان ورفاهيته وسلامته وليس فقط اعلاء البنيان وتعبيد الشوارع واقامة الحدائق وتوفير الكماليات، وانه لا يمكن اعمار الارض ان يتحقق الا اذا كان لخدمة ساكنها الانسان. والف مرحبا بالبابا وهو يشيع مناخات التعايش والتسامح والسلام ويتطلع لنصرة الحق، وتعزيز حقوق الانسان بالحرية والعدالة والمساواة، وهو بدعوته هذه برهن انه من قادة دعاة الليبرالية الديمقراطية المعاصرين الذين يؤكدون على ان الانسان هو جوهر الحياة ومركزها، وان سعادته يجب ان تكون هدفا لكل نشاط وفعل انساني مهما كان. ما احوجنا الى هذه الروح والى هذا المناخ، ما احوج شعوبنا الى الطمأنينة على مستقبلها ومستقبل ابنائها، ما احوجها الى بعض الهدوء .. الى بعض الراحة .. ما احوجها الى من يبثها الامل ويشيع في صفوفها اجواء التفاؤل .. ما احوجها الى من يفكر بتوفير لقمة الخبز للافواه الجائعة، ما احوجها لمن يوفر فرصة عمل لملايين الشباب الذين تقذف بهم جامعاتنا الى الارصفة وكراسي المقاهي، وتلقي ببعضهم في اعماق البحار بحثا عن فرصة للنجاة في بلاد تدين بدين البابا. ما احوجنا الى من يصرخ ليقول كفى عبثا بارواح الشعوب، كفى عبثا بمقدرات الاوطان ، كفى اقتتالا من اجل الكراسي والزعامة والوجاههة.. كفى ازدراء بارواح الاطفال والنساء.. كفى تدميرا لطاقات الشباب.. كفى استهتارا بالعقول .. كفى افتراء على الله ورسله والمؤمنين...!!! كانت رسالة البابا صريحة تارة ومستترة تارة اخرى لكنها وصلت الى كل ذي بصر وبصيرة .. ولانها دعوة ترتبط بحياة الانسان ومستقبله في الدنيا وعلى الارض باعتبار ان حياته في الاخرة هي شان لا يختص بها احدا غير الله فان دعوته سوف تجد صداها لانها تنسجم مع رغبات الغالبية العظمى من الناس فمن المؤكد ان يتزايد عدد الذين يعملون على تحقيقها سواء قبل المتطرفون عشاق الدم ايا كان اسمهم او جنسهم او دينهم ام رفضوا . ولاجل هذه الدعوة نرحب بالبابا ونشكره ونتمنى زيارته لبلادنا ثانية وثالثة ورابعة. ونتمنى ان تكون فاتحة لقيام ملايين المسيحيين من انحاء الدنيا بالحج الى بلادنا المقدسة، ليمنحوها الدعم والمؤازرة ويساهموا برفع الظلم والعدوان عن شعبنا وبحجهم يساهموا بتوفير لقمة الخبز الكريمة لشعبنا بدلا من الاستجداء والصدقات والمعونات المشروطة. تحية للبابا ولمن يمثلهم ولكل من يؤمنوا برسالته رسالة السلام والمحبة والتعايش والديمقراطية...
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الذي غيبني عن الحوار المتمدن
-
لماذا فشل الشيوعيون العرب (2)
-
لماذا فشل الشيوعيون العرب (1)
-
ليس دفاعا عن الدكتور حجي .. او تهجما على شخص النمري..
-
المسيحية اهانت المرأة اكثر مما اهانها الاسلام
-
دونية للمرأة المسلمة في الدنيا وفي الجنة
-
حوريات الجنة والجنس في تسويق الدين
-
اوصاف الحور العين تشكك بعالمية الدين الاسلامي
-
كونوا سادة الدنيا فالحلول لن تأتي من السماء
-
شكرا دكتور طارق حجي والى كل النبلاء
-
زعماء العرب في سوق عكاظ الدوحة
-
التوبة القطرية .. ومأزق الاسلام السياسي
-
الدكتورة تسرق.. والاعلامية تنافق
-
الاسلام السياسي بلا فائدة
-
اليسار والمولد والحمص
-
المرأة الفلسطينية المتوحشة
-
اليسار الراديكالي عدوا للديمقراطية ايضا
-
نتنياهو يساري متطرف مقارنة بالزهار او الطاهر
-
الاسلام السياسي عدوا لدودا للديمقراطية
-
حماس لا تؤمن بالديمقراطية فكيف تحاورونها ..؟؟
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|