|
البابا.. والماما..!!
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 2648 - 2009 / 5 / 16 - 09:56
المحور:
كتابات ساخرة
في طفولتنا الجافة والقاسية كنا نسخر من أقراننا أبناء الفينو القلائل الذين ولدوا ،وفي أفواههم ملاعق من ذهب ،ولم يعانوا تحت الباطون ما كنا نعاني تحت الشادر والقرميد ،ونقهقه بحقد طبقي طفولي نادر عندما كانوا ينطقون بدلع باسكال مشعلاني "البابا والماما" ..!! كانوا يتميزون عنا في الشارع أو المدرسة بالبياض والسمنة وطعام الاستراحة..!! فنحن كنا بوجوهنا المخربشة أشبه بقرون الباميا الجافة المسمرة من أثر مطاردة الطيارات الورقية فوق رمال السوافي الساخنة وتحت شمس يوليو ،ومن الدقة والفلفل الاحمر الذي حرق قلوبنا بينما هم يتفتحون تحت الظل ،وينعمون بساندويتشات الحمص و الجبنة البيضاء ويعانقون في الظهيرة أو المساء صواني اللحم بالبطاطا..!! كنا ككل أولاد المعسكر نجرف كلمتي يابا ويما جرفا ،ونفخر بذلك لأنه يتلائم والواقع الخشن الذي كنا ولازلنا نعيش..!!
واليوم عندما اسمع كلمة "البابا " في الأخبار أو أرى صورة الحبر الأعظم لا امنع نفسي من الابتسام أو حتى الضحك حتى أقع على قفاي لسببين أولهما تلك الذكرى المرتبطة بالكلمة ،وثانيهما عدم اقتناعي بالهالة ،والمكانة التي يحظى بها رجال الدين اليوم بدءا من البابا والحاخام الأكبر وشيخ الجامع الازهر..!! ،وانتهاء بأصغر عمامة ،أو قلنسوة..!! ليس كرها في رجال الدين لا سمح الله وإنما من باب مقاربتي البحتة بين حال رجال الدين اليوم ،وحال رجال الدين في الماضي..!! فرحال الدين اليوم إلا من رحم ربه يكاد يقتصر دورهم على خدمة أولياء النعمة وتوفير مايناسبهم من فتاوى حريرية لتحليل أو لتبرير ،ومجابهة الحاسدين الناقمين بفتاوى نووية رادعة من تحريم و تكفير..!! بينما رجال الدين في الماضي كانوا ،ولازالوا علامات بارزة ومضيئة في الثورة على الظلم والظالمين..!!
من ينكر تاريخ عز الدين بن عبد السلام الذي أصر على بيع ملك البلاد في سوق العبيد لكي يسترد حريته ويصبح ملكا شرعيا..؟!! من ينكر فضل البابا السابق الذي أدان الاحتلال أكثر من مرة..؟!! من ينكر دم الشيخ عز الدين القسام الذي قاد مقاومة شعبه قبل 70 عاما..ولم يجرح أخا له بكلمة..؟!! من ينكر رفض بابا الأقباط الأنبا شنودا الذي رفض التطبيع ولم يزر إسرائيل حتى الآن رغم شتى الضغوط والتوسلات..؟!! كل هذا الاسترسال ساقتني إليه تلك الضجة الغاضبة التي أثيرت حول زيارة بابا الفاتيكان لإسرائيل ،ومبالغته في إظهار واجبات الولاء والطاعة..!!
لم يرق لي هذا المزاج العصبي الغاضب عمال على بطال ،ولم تدهشني هذه البلادة الإنسانية من أكبر رمز للمسيحية في العالم..!! وكان من الطبيعي أن يغفل غزة وأطفالها من حساباته الربوبية .. لأنه لن يجد ما يقوله بعد أن نفذ رصيده في بنك الخجل..!! ولا استغرب أن يصل سحر استر العبرانية إلى روما كما وصل من قبل إلى مخادع حكامنا وأمرائنا..!!
اشعر بمدى الحرج والضيق الذي أصاب مسيحيي فلسطين والعالم العربي بسبب مراهقة غير مدروسة للبابا العجوز أساءت إليه قبل أن تسيء إلى شعب وعدالة..!! ولكني أقول باسم كل فلسطيني:أننا نعتز بمسيحيي الوطن اعتزازنا بأنفسنا..وهم لنا دائما الأهل والشركاء..!! وأنا شخصيا لم ولن أعير من اللحظة تصريحات وصلوات البابا أي اهتمام مع كل الاحترام ،مهما كانت مجلجلة ،ونزيهة لان الخطوة الأولى الخطأ تولت رسم الانطباع السيئ في النهاية..!!
للأسف لم يعد أمام البعض منا أمام الهزات الأخلاقية العالمية المتلاحقة من اهانة الأديان أو الأنبياء إلا إعلان الغضب الفاقع العاجز ،والهتاف بشعارات مسجوعة رنانة : والاعتصام لساعة أو لساعتين ،ثم ينتهي الأمر مع زجاجة مكة كولا واعطس ..يرحمكم الله و لا مانع من تكرار الوصفة إذا أريد رفع معنويات فصيل ما..!! أو توفير الغطاء الإعلامي لموقف سياسي ما..!!
بينما أحبط البعض الآخر تماما ،ويئسوا من نهوض عربي ،وإسلامي على المدى المنظور لأنهم يرون من الدلائل غير المشجعة الكثير الكثير.."تشكيلة واسعة من حلويات الممارسات.. التصريحات..والمماحكات والزعرنات..الخ..الخ "
قبل أن نلوم البابا على تصرفه يجب أن نلوم أنفسنا أفرادا وأمة على هروبنا المريع يوميا من وجه قضايانا ومآزقنا ،ومن وجه القدس خاصة التي تغرق رويدا رويدا في رمال الصهينة الناعمة ..بينما قبائل المليار المتشاحنة تكتفي بهتاف "بالروح بالدم".. أو تغني لسلام آت..!! لقد اكتفينا منذ النكسة بتحريرها في دقائق على ورق البلاغات والقصائد والخطب ونمنا في بحر عسل المفاوضات ..!! لنصحو متأخرين على مشهد سلفي معاق في عالم مادي متجهم لا يرحم ضعيفا ولا يحترم متوسلا ..!!
ومما يضحك فعلا حتى البكاء أني شاهدت أكثر من فيلم فيديو لسيوف تجردت من أغمادها على أهلها ،ولا تزال تعيش في غيبو بة الأمجاد الغابرة بطريقة مأساوية ،حينما تعلن للملأ أنها ليست قادرة فقط على تحرير القدس ،و إنما هي في طريقها لتحرير روما وأمريكا في وقت قريب.. وفرض الجزية !! لقد وصلنا بل غرقنا تماما في بحر الخ....... ولازال بعضنا يشم الورد..!! وهو يعلم أن إسرائيل تروج لهكذا خطاب غبي في كل بقاع العالم ،لأنه لاشك يخدم مصلحتها ،ويخفف عنها وطأة صورتها القبيحة في غزة ..!!
لقد رأيت صورا إسرائيلية فاتنة لبندكيت السادس في ياد فاشيم.. ولكني كنت أتمنى أن أرى صورا فلسطينية أكثر فتنة له فوق حطام بيت عائلة السموني..!! أن ما فعل البابا بحق العدالة الإنسانية يثبت أن الدين قد يتخلى عن دوره الريادي الوقور أحيانا ،ويصبح بفضل سدنته ساقيا في ملهى السياسة المفتوح .. حيث لا فرق كبير بين البابا والماما..!!
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طين..في فلسطين..!!
-
كلاب..وقطط..وبني أدمين..!!
-
لصوص.. والله لصوص..!!
-
مجرد وقفة..!!
-
الدينجيون..!!
-
متشائل 2009
-
أيها البغيض..شكرا..!!
-
يميننا.. ويمينهم..!!
-
اللهم فاشهد..!!
-
منتصرون كثيرون و خسارة واحدة..!!
-
يافرحتي..بدل القمة..قمتين..!!
-
ياكلنا.. ياوحدنا..!!
-
هنا غزة..!!
-
الحامي ..من ضرب الصرامي..!!
-
دغام بابور كاز..!!
-
حج..ياحج..!!
-
حوار أم ردح..!!
-
فتافيت من نوفمبر..!!
-
مظاهرة في القاهرة..!!
-
ياااا..عشوائي..!!
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|