|
عندما يتحدث السيد الرئيس...
جمال الهنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 2648 - 2009 / 5 / 16 - 09:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
من الاشكاليات العضال المتوارثة والمعمرة والعصية على الحل في منطقتنا..عدم القدرة على التفريق في توجيه الخطاب الاعلامي ما بين المواطن العادي داخل اسوار المحميات العربية وما بين التوجه الى الرأي العام في الدول الاخرى..بل يمكن ان نعد مسالة التعامل مع ثقل وأهمية الرأي العام لدى النظام المؤسسي الرسمي الدولي من اكثر مواطن سوء الفهم مأساوية لدى النظام الرسمي العربي.ولن تكون تصريحات السيد الرئيس السوداني السيد عمر البشير استثناءاً أن لم تكن نموذجاً.. فلقد تحدث السيد الرئيس الى دار الاذاعة البريطانية مأخوذاً بحملة التضجيج الاعلامية الضخمة التي رافقت مذكرة الاعتقال الشهيرة الصادرة ضده من المحكمة الجنائية الدولية..ومعتمداً على عبقرية وبلاغة المفندين والمحللين الستراتيجيين الذين اكدوا لسيادته وللامة العربية والاسلامية خطل الاجراءات التي اتبعها اوكامبو وسذاجتها وعدم مطابقتها للمعايير المعتمدة في التعامل مع الرؤساء. ومستندا الى الفيض الالهي والانوار الرحمانية التي تكفل بتوفيرها علماء الامة الاعلام..ومنتشياً بالنصر المبين الذي تحقق لطلعاته الجوية المتحدية للمنظومة الدولية... ومطمئناً للقرار الذي تحصل عليه من المنظومة العربية.. والاهم من كل ذلك..كان سيادته يتحدث عن" عمل اعلامي عدائي منظم لتشويه صورة الحكومة، وجزء من الحرب المعلنة علينا." وهو مصدقا لقدرته على الاقناع اعتمادا على حرارة التصفيق-العفوي-الذي يتحصل عليه بعد كل خطاب حماسي يزلزل الارض تحت اقدام الغزاة..ًخصوصا مع تراجع الاهتمام الاعلامي الدولي مع قضية الاعتقال لمصلحة قضايا اهم واكثر الحاحاً.. يقول السيد الرئيس أنه يتحمل كل المسؤولية عما يحدث لمواطنيه، "لكن ما يقال انه حصل في دارفور لم يحصل. بل ان عدد الخسائر لا يساوي حتى عشر الارقام التي تتردد."ولكن العشر يبلغ بضع عشرات من آلاف المواطنين سيدي الرئيس.. غالبا ًما يفسر النفس الطويل للحكومات الغربية في تهيئة الرأي العام لقرار ما –خصوصاً اذا كان يمثل نوع من التدخل في شأن خارجي معين-كنوع من تجاهل المجتمع الدولي للقضية او اعتبارهاً شأناً ثانوياً ..ودائماً ما ينظر الى المناقشات والاعتراضات التي تتخلل مراحل اتخاذ القرار كدليل على حالة انقسام معرقلة لاتخاذ أي خطوة عملية في اتجاه انشاء آليات تؤدي الى فرض قرار معين قد لا يجده النظام المعني ملبياً لطموحاته. وخصوصاً اذا تزامنت تلك المناقشات مع تظاهرة هنا أوهناك من هذه المنظمة او تلك النقابة حتى وان كانت مجهولة او مدفوعة الاجر اوممولة من قبل نفس النظام العربي المعني بالقضية ومن تنظيمه.. والمتابع لأي من الكوارث التي لحقت بمنطقتنا يجد أنها جميعها بدأت بمقال هنا اوتصريح هناك ويستطيع بدون كثير جهد ان يرصد تكون كرة الثلج وتعاظمها ومرورها من تحت انف النظام الرسمي المشغول بتمجيد الحاكم دون ان ينتبه اليها ودون ان يتخذ أي خطوة للحيلولة دون تفاقمها. وهنا لا يحتاج استقراء مستقبل العاصفة العاتية التي تقترب من فضاء منطقتنا الى فراسة خارجة عن المألوف او نوع من التنبؤ الما ورائي او التأمل الطويل في النجوم..فالامور تتجه بانتظام الى مرحلة انذارات ومناشدات تؤدي بالضرورة الى استصدار سلسلة قرارات ملزمة ومكبلة للسودان..يقابلها مزيد من الهرج والمرج والزيارات التضامنية والاناشيد الحماسية ودخول دول الممانعة بجلال قدرها او بمنظمات تابعة لها على الخط..يقابله تشدد غربي وارتفاع متنامي لسقف المطالب مع حشد تأييد كامل من الدول التي ستتكاثر حتى يجد السودان ان بعضها يقع على حدوده مباشرة..وعندها ستدخل على الخط وساطات وهمية غرضها التكسب السياسي وجني منافع للطرف الوسيط على حساب السودان وشعبه المسكين المذهول من تسارع الاحداث ..ومن ثم يتحول النقاش الى نوع ومدى التدخل العسكري وآلياته كخيار وحيد وقدري مقابل تجاهل السودان للقرارات الدولية..وحتمية انفصال الجنوب بحجة النأي عن الصدام مع المجتمع الدولي ..وستتعامل مصر مع البشير كأي ملف أمني عن طريق الوزير سليمان..وعندها لن يفيد السودان كل الزعيق والصراخ الذي يمكن ان يشترى بالمال .. يقول السيد الرئيس معلقا على التقارير المتحدثة عن العنف الزائد عن المألوف الذي استخدمته القوات الحكومية السودانية في حملتها ضد مخيم كالما للاجئين والذي أدى الى مقتل العشرات، ان العملية "خططت بتنسيق بين الجيش والشرطة وقوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة لكن قوات الأمم المتحدة تراجعت عن المشاركة في آخر لحظة."وأضاف"أن المسلحين داخل المعسكر استخدموا اللاجئين كدروع بشرية وأنهم بدأوا بإطلاق النار من داخل المعسكر فرد عليهم جنود الجيش السوداني بصورة عشوائية وبدون أوامر فوقعت الخسائر" وقال" إنه تم تسوية الموضوع مع أهالي المعسكر بصورة كاملة." قد تكون التسويات الكاملة بين الجيش المدجج بالسطوة والسلاح وبين لاجئين في معسكر أغاثة سهلة نسبياً..ولكن السؤال هنا..هل ستسوي مسائلك العالقة مع المجتمع الدولي بنفس السهولة سيدي الرئيس؟؟
#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكابدات -صوت العرب- في عصر اعلام سمو الشيخة موزة
-
أنباء حزينة..من يمن لم يعد بالسعيد
-
تزييف التاريخ..مابين القرضاوي وجورج اورويل
-
الخنزير.. كسلاح في المعركة
-
قسرية التناقض.. مابين العطالة السياسية والحتمية التاريخية
-
مصر التي في خاطري..
-
قد يكون العقيد على حق...
-
الصنمية السياسية ..ما بين الدخان الأبيض واليوم الأسود
-
جامعة الدول العربية العاقلة
-
قمة الوجاهة العربية
-
هدايا عيد متميزة لايران
-
دفاعاًعن الحوار...دفاعاً عن التمدن
-
صدام حسين والبشير...وليل السودان الطويل
-
علمانية الصحابة..سقيفة بني ساعدة نموذجاً
-
الديكتاتورية العلمانية..حرية الرأي من فولتير الى المنسي القا
...
-
فقه النكوص...الخطر على مستقبل الاسلام كحضارة وتأثير
-
انه الاقتصاد..يا لغبائنا
-
فقه الطغيان.. تداخل التاريخي بالمقدس
-
لك الله يا غزة..
-
فقه الانحراف..شرعنة النخاسة
المزيد.....
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|