أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - صفقة القمح والجريمة الكاملة














المزيد.....

صفقة القمح والجريمة الكاملة


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2647 - 2009 / 5 / 15 - 07:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي يعلن فيها عن واحدة من جرائم الفساد الكبرى، وليست هذه أخطر جرائم الفساد التي صوبت نيرانها الغادرة إلى صدور فقراء هذا الشعب المنكوب. لكنني أشعر باكتئاب فظيع وأكاد أموت غما هذه المرة، ولا أعرف إن كان عجزا مني أو عجزا من اللغة هو ما يجعلني غير قادر على وصف ما يجري.

الجريمة الكاملة، الفساد، الخيانة، المؤامرة – كلها لا تكفي للتعبير عن هذا المشهد العبثي الحالك، كلها لا تكفي لوصف عاصفة الأفاعي اللزجة التي انطلقت من جحيم القبور وآبار الرعب الجهنمية لتبث سمومها اللعينة في الأرض وما عليها من بشر وطير وحجر، ثم تحشد أطرافها السوداء السامة فوق رؤوسنا راسمة صورة دراكيولا مصاص الدماء في هيئة سمسار وسياسي ورجل أمن يبتسم ابتسامة خبيثة ماكرة بعد أن أجهز على أطفال في عمر الورد والتهم أكبادهم وبراءتهم.

أحدهم يقتل ما يزيد على ألف من فقراء مصر حرقا وغرقا في عبارة الموت، وآخر يغرق البلاد بالمبيدات الفاسدة والبذور السامة ليزرع السرطان في أجسادنا الهزيلة، وثالث يبيع للمرضى أكياسا من الدم تهدد حياتهم ويبيع لهم بكتريا وفطريات في أجهزة الغسيل الكلوي، ورابع يبيع ثروة البلاد للأجانب بأسعار مدعومة ويحرم أبناء هذا الشعب من خيرات أرضهم التي وهبتهم الطبيعة إياها، وغيرهم كثيرون وكثيرون لا يتورعون عن زراعة البؤس والموت في أبداننا لتزداد أرباحهم وأرصدتهم في البنوك إلا مالا نهاية، وكأنهم زبانية جهنم يلتهمون أبداننا وأرواحنا ومستقبلنا ويقولون هل من مزيد.

وتكتمل المأساة الإجرامية بمن جاء ليفسد السلعة الرئيسية الباقية التي يعتمد عليها فقراء مصر في البقاء على قيد الحياة، فالقمح مع الحبوب الأخرى هو المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية التي يعيش عليها فقراء لا يستطيعون شراء ما يكفي من الخضراوات والفاكهة واللحوم التي تكتظ بها موائد هؤلاء اللئام.

القمح سلعة استراتيجية لهذا السبب تحديدا، ولكنه أيضا سلعة يسيل لها لعاب الطامعين والذئاب النهمة للأرباح والحسابات المصرفية، لأن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، تستورد نحو 70% من احتياجات الاستهلاك المحلي. وكانت "هيئة السلع التموينية" هي التي تقوم بنفسها باستيراد القمح من الخارج، كما دار حوار ونقاش كثيف حول ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بسبب تقلب الأسعار العالمية وضمانا للأمن الغذائي.

كل ما كان كان ولم يعد قائما، فهيئة السلع التموينية اتبعت منذ فترة – لا أعرف مقدارها بالتحديد – استراتيجية أخرى تعتمد على السماسرة والوسطاء في استيراد القمح إليها (تشجيعا للقطاع الخاص وتحقيقا للكفاءة!) لتفتح بذلك بابا ملعونا للفساد والتربح في أهم سلعة يعتمد عليها قوت المصريين الفقراء. ونتيجة لذلك، تعاقدت الهيئة مع رجال الأعمال على شحنات القمح بأسعار أعلى من الأسعار العالمية، وتجاوزت عن المواصفات الصحية والبيئية والغذائية في القمح المستورد ومخالفات شروط التعاقد وفقا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات في هذا الصدد. وظهرت في أسواقنا أنواع من الدقيق الفاسد حتى جاءت صفقة القمح الروسي الأخيرة بما فيها من حشرات ميتة وحشائش سامة تتجاوز النسبة المسموح بها وتهدد صحة الإنسان.

بدأ النائب العام تحقيقا في هذه الصفقة بعد بلاغ من مصطفى بكري – عضو مجلس الشعب – لكن جميع المتورطين في هذه القضية صرحوا في جرائد الخميس الماضي بأن "أوراقهم سليمة" حتى وإن كانت الصفقة فاسدة. وبغض النظر عما ستنتهي إليه تحقيقات النائب العام، سواء بالإدانة أو البراءة أو التضحية بكبش فداء، فإن الأمر يظل خطيرا. لأن عاصفة الفساد الكبرى في مختلف المجالات تشير إلى ما هو أخطر: أن دولة العصابات تحكم مصر.

فإذا كانت "الأوراق سليمة" – رغم نفي جهاز المحاسبات هذه المزاعم – فمعنى ذلك أن عصابة الفساد تسيطر على الجهاز الإداري للدولة الذي يشرف على إدارة ومتابعة جميع المصالح العامة في البلاد، ومعنى ذلك أيضا أن هذه العصابة أفسدت اللوائح والقوانين المنظمة لعمل هذه الأجهزة لتيسير الفساد والتربح بغض النظر عن سلامة وأمن الغالبية العظمى من أبناء هذا البلد.

ونعود إلى الاكتئاب والغم، فالمسألة إذن أخطر من مجرد صفقة فاسدة، فكما وجد فيروس أنفلونزا الطيور بيئة ملائمة تحتضنه في بلادنا، أصبح الفساد أخبث الأمراض المستوطنة في دولتنا مما يعني أننا في حاجة لما هو أكثر من تحقيق يجريه النائب العام، وتحديدا نحتاج إلى عاصفة من الغضب لمواجهة وكنس الأمراض الخبيثة التي تستوطن أجهزة الإدارة السياسية والاقتصادية والبيروقراطية في بلادنا.





#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة رجال الأعمال تكشف أنيابها في زمن الأزمة
- إنها دعوة وأمل أو أمنية
- دفاعا عن -إبداع-
- المشروع والممنوع في دعم المقاومة
- هكذا يفكر دون كيشوت
- الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
- سيكولوجية القطيع
- عفة زائفة ودعارة مقدسة
- تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
- أمامنا مستقبل لنكسبه
- الخروج من الأسر
- واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
- آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
- انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
- اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
- الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
- لا تنتحر ولا تذهب إلى المملكة!
- اقتصاد الفقاقيع
- الأزمة والفوضى … جوهر اقتصاد السوق
- أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - صفقة القمح والجريمة الكاملة