|
نداءٌ إلى قادةِ العالمِ-تفهُّم مغزى أحداثِ التّاريخ
راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 2646 - 2009 / 5 / 14 - 01:11
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
تنظرُ الجامعة البهائيّة العالميّة إلى الاضطرابات الرَّاهنة والظُّروف المُفجعة التي تمرُّ بها الشؤون الإنسانيّة على أنَّها مرحلةٌ طبيعيةٌ من مراحل التّطوُّر العضويّ الذي يقودُ حتماً في النِّهاية إلى وحدة الجنس البشريّ ضمن نظامٍ اجتماعيٍّ واحدٍ، حدوده هذا الكوكب الأرضيّ.
لقد مرَّ الجنسُ البشريّ، كوحدةٍ عضويّةٍ متميِّزةٍ، بمراحل من التّطوُّر تُشبهُ المراحل التي تصاحب عادةً عهد الطُّفولة والحداثة في حياة الأفراد. وها هو الآن يمرُّ في الحقبة الختاميَّة للمرحلة العاصفة من سنوات المُراهقة، ويقترب من سنِّ الرُّشد الذي طال الانتظار لبلوغه. إنَّ عمليّة الاندماج والتّكامل العالميّ في مجال المال والأعمال والاتِّصالات – وهي الآن حقيقة واقعة – قد أخذت طريقها إلى عالم السِّياسة أيضاً. عدّة مفكّرين عرفوا حقيقة الوحدة والاتّحاد، وأدركوا مضامينها وتبعاتها فيما يتعلّق بتنمية المجتمع الإنسانيّ، بمن فيهم العالم البليونتولوجي Richard Leaky الذي قال: "نحن عبارة عن كائن واحد. كلّ فرد على هذا الكوكب هو عضو في العائلة المتماثلة (Home Sapiens). والتنوّع الجغرافيّ الملحوظ فيما بين البشر ما هو إلا مجرّد اختلافات بسيطة في العنصر الأساسيّ. إن قدرة الإنسانيّة على استيعاب الثّقافة تساعد في اتّساع الثّقافات وتعدّدها بطرق مختلفة الألوان. إنّ الاختلافات العميقة بين هذه الثّقافات والتي غالباً ما تلاحظ، يجب أن لا تفهم كبوادر انقسام بين الشّعوب. بل على العكس، يجب تفسير الثّقافة بحقيقتها الفعليّة وهي: الإعلان الأمثل عن الانتماء للجنس البشريّ". Richard E. Leakey, and Rodger Lewin, Origins: What new Discoveries Reveal about the Emergence of our Species and its Possible Future, (New York: Dutton, 1977.) عموماً، تقدم كتابات حضرة شوقي أفندي عرضا عميقاً وواسعاً في مفهوم وحدة الجنس البشري. ويمكن الاطلاع على هذا المفهوم من وجهة النظر البهائية في كتاب (The World Order of Bahá’u’lláh). Shoghi Effendi, The World Order of Bahá’u’lláh. (Wilmette, Ill.: Bahá’í Publishing Trust. 1938.) pp. 42-43. لقد تسارعت هذه العمليّة عبر التّاريخ بسبب أحداث مأساويّة مُفجعة ومفاجئة. فالدَّمار الذي أحدثته الحرب العالميّة الأولى ثم الثَّانية أنجبَ عصبةَ الأمم ثم الأمم المُتّحدة على التَّوالي. فهل ستتحقَّق لنا الإنجازات المستقبليّة بوسيلة تجارب لا يمكن تخيُّل ما فيها من رعب وهلع، أم بفضل الإرادة على التَّشاور والحوار؟ إنّه خيارٌ يواجه سكَّان الأرض قاطبةً. وعليه سيكون الإخفاق في اتّخاذ موقفٍ حازمٍ مخالفاً لما يُمليه الضَّمير، وتقصيراً في تحمُّل المسؤوليّات.
إن النِّظام العالميّ يحتاج إلى درجةٍ من التَّوجُّه العالميّ والتّنسيق الدّوليّ: بعيداً عن أية محاولة لتقويض الأسس الرّاهنة التي يقوم عليها المجتمع الإنسانيّ، يسعى مبدأ الوحدة هذا إلى توسيع قواعد ذلك المجتمع، وإعادة صياغة شكل مؤسّساته على نحو يتناسق مع احتياجات عالم دائم التّطوّر. ولن يتعارض هذا المبدأ مع أيّ ولاء من الولاءات المشروعة، كما أنه لن ينتقص من حقّ أيّ ولاء ضروريّ الوجود. فهو لا يستهدف إطفاء شعلة المحبّة المتّزنة للوطن في قلوب بني البشر، ولا يسعى إلى إزالة الحكم الذّاتي الوطنيّ، الذي هو ضرورة ملحّة إذا ما أريد تجنب الشّرور والمخاطر النّاجمة عن الحكم المركزيّ المبالغ فيه. ولن يتجاهل هذا المبدأ تلك الميّزات المتّصلة بالعرق والمناخ والتّاريخ واللّغة والتّقاليد وتلك المتعلّقة بالفكر والعادات، أو يسعى إلى طمسها. فهذه الفوارق تميّز شعوب العالم ودولـه بعضها عن بعض. إنّه يدعو إلى إقامة ولاء أوسع، واعتناق مطامح أسمى، تفوق كلّ ما سبق وحرّك مشاعر الجنس البشريّ في الماضي. ويؤكّد هذا المبدأ إخضاع المشاعر والمصالح الوطنيّة للمتطلّبات الملحّة في عالم موحّد، رافضاً المركزيّة الزّائدة عن الحدّ من جهة، ومستنكراً من جهة أخرى أيّة محاولة من شأنها القضاء على التنوّع والتّعدّد." . فالشِّعار الذي يَرْفعه هو: "الوحدة والاتِّحاد في التّنوّع والتّعدّد".
Shoghi Effendi, The World Order of Bahá’u’lláh. (Wilmette, Ill.: Bahá’í Publishing Trust. 1974.) pp. 41-42.
• لذلك، وطبقاً لمبادئ اللاّمركزية المذكورة أعلاه، فإنّ المؤسّسات يجب أن تُمنح صلاحيَّة العمل فقط في تلك الشّؤون العالميَّة التي تعجز فيها الدُّول المُستقلَّة عن التَّصـرُّف بشأنها، أو التّدخّل للمُحافظة على حقوق الشّعوب والدّول الأعضاء. أما الشّؤون الأخرى، فيجب تفويضها للمؤسّسات الوطنيّة والمحليّة في الدّولة. في الثلاثينيّات من هذا القرن، كتب حضرة شوقي أفندي الذي أدار شؤون البهائيّين في العالم آنذاك، مبيّناً المهام والمسؤوليّات التي يمكن أن تضطلع بها هيئة تشريعيّة عالميّة في المستقبل. ومما كتبه: "هيئة تشريعيّة عالميّة يكون أعضاؤها وكلاء عن جميع الجنس البشريّ… وتلبّي حاجات الشّعوب والأمم، وتنظّم علاقاتهم فيما بينهم، وتسنّ القوانين الضّروريّة." Shoghi Effendi, The World Order of Bahá’u’lláh. (Wilmette, Ill.: Bahá’í Publishing Trust. 1974.) pp. 203. ويشارك في هذا الرّأي باحثون مثل (Jan Tinbergen) الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1969، والذي قال: "إنّ مشاكل العالم لا يمكن حلّها بعد الآن بمجهودات الحكومات. فنحن بحاجة إلى حكومة عالميّة، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك هو تقوية نظام الأمم المتّحدة." United Nations Development Programme (UNDP). Human Development Report, 1994. Global Governance for the 21st Century. (New York: Oxford University Press.) p. 88.
بالإضافة إلى ذلك، على قادة العالم أن يُمعنُوا النَّظر في مجموعةٍ من أساليب الحُكم ووسائله بهدف التَّوصل إلى صيغةٍ محدّدةٍ للنِّظام العالميّ في المستقبل. فبدل أن يؤسَّس طبقاً لأنظمة حكمٍ قائمةٍ، يمكن للنّظام المقترح أن يستوعب في إطاره تلك العناصر والمفاهيم والأساليـب الإيجابيّة في كلٍّ منها. وعلى سبيلِ المثال، فإنَّ النِّظام الاتِّحادي يعتبر أحد الأنظمة الحاليّة التي جرى اختبارها عبر السّنين، ويمكنه أن يحتضن التَّنوع والتَّعدد ضمن إطار الوحدة والاتّحاد. وقد أثبت كفاءته في تحقيق اللاّمركزية في السُّلطة، وفي صنع القرار بين دول معقَّدة التَّركيب غير متجانسة، محافظاً في الوقت نفسه على مستوى من الوحدة والاستقرار. ونموذج آخر يستحقُّ الدِّراسة هو نظام رابطة الشُّعوب (الكومنولث)، إذا ما طُبِّق عالمياً فإنه يُؤْثِرُ مصالح المجموع على المصلحة القوميَّة. إنّ بذل عناية فائقة في تصميم هيكل النِّظام العالميّ هو ما يجب أن يحوز على اهتماماتنا حتى لا يتحوَّل مع السِّنين إلى شكلٍ من أشكال الاستبداد، أو حكم الأقليّة، أو الغوغائيّة التي تفسد أجهزة المؤسّسات السّياسيّة ذات العلاقة وأنشطتها. في عام 1955، وفي تقييم العقد الأوّل لميثاق الأمم المتّحدة، قدّمت الجامعة البهائيّة العالميّة بياناً إلى الأمم المتّحدة مستنداً إلى أفكار صاغها حضرة بهاء الله قبل قرنٍ تقريباً. إنّ المفهوم البهائيّ للنّظام العالميّ محدّدٌ بالإطار التّالي: " إنَّ شكلاً من أشكالِ الحكومة العالميّة يجب أن يتطوَّر، فتتنازل من أجله جميع أمم العالم طوعاً عن جميع ادِّعاءاتها في شنِّ الحُروب، ويكون له حقّ فرض الضّرائب والحدّ من التّسلّح واقتصاره على حفظ الأمن الدّاخليّ ضمن حدود سيادته. ومثل هذه الحكومة يجب أن تضمَّ، ضمن إطارها، هيئةً تنفيذيّةً عالميّة تستطيع أن تفرض سلطتها العُليا، التي لا ينازعها فيها أحد، على كلِّ عضوٍ معاندٍ من أعضاء الجامعة الدَّوليّة. وأنّ برلماناً عالمياً يُنتخب أعضاؤه من بين شعوب الأقطار، وتصادق على انتخابهم حكومات الأقطار ذاتها، يجب أن ينشأ، علاوة على محكمة عُليا تكون أحكامها ملزمةً للفرقاء المعنيّين حتّى في الحالات التي يمتنع فيها أولئك الفرقاء عن عرض قضيّتهم عليها طوعاً." وبينما نحن نؤمن بأنّ شكلَ هذه الحكومة العالميّة هو الضَّمان الوحيد للإنسانيَّة والمصير الحتميّ لها، فإنّنا نُدرك بأنَّها تمثِّل صورة المجتمع الدَّوليّ في المدى البعيد. وعلى ضوء الضّغوط التي تمثّلها طبيعة المصالح بين الدّول في الوقت الحاضر، فإنّ العالم في حاجةٍ إلى خطط استراتيجيّة جريئة وعمليّة تتجاوز مجرَّد رسم صورةٍ للمستقبل. ومع ذلك، لو ركَّزنا على هذا المفهوم وأخضعناه لاهتماماتنا سينبثق عنه توجُّه واضحٌ متناسقٌ نحو تغييرٍ جوهريٍّ من بين العديد من الأفكار والنّظريّات المُتضاربة. توضيح دور الأمم المتّحدة في إطار النّظام العالميّ الذي أخذت تبرز معالمُه كانت الأمم المُتّحدة محوراً لتنظيمٍ عالميّ شكّلته الدُّول المُنتصرة في الحرب العالميَّة الثّانية. وعلى مدى العقود الطّويلة من الصِّراع الأيديولوجيّ بين الشَّرق والغرب، كانت منتدىً دوليَّاً للحوار، محقِّقة بذلك هدفها الأساسيّ. وعلى مرِّ السِّنين امتدَّ نشاطها اتساعاً، لا ليشمل وضع المعاييـر الدَّوليّة ودعم برامج التَّطوير الاجتماعيّ والاقتصاديّ وتنشيطها فحسب، بل في حفظ السَّلام في قارّات متعدِّدة. استخدم حضرة بهاء الله في آثاره الكتابيّة اصطلاحي "النّظام العالميّ" و "النّظام العالميّ الجديد" لوصف سلسلة التّغيّرات المستمرّة والكبيرة في العالم؛ السياسيّة منها والاجتماعيّة والدّينيّة. وفي أواخر السّتّينيّات من القرن التّاسع عشر قال: "قد اضطرب النّظم من هذا النّظم الأعظم واختلف التّرتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الإبداع شبهه." بالإضافة إلى أنّ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة كانت هدفاً للانتقاد لعدم كفاءتها، وبالرّغم من أن بعض التُّهم تفتقر إلى أساسٍ من الصِّحة، إلا أن هنالك أمرَيْن اثنَيْن على الأقلّ يضعفان من قدرة الجمعيّة العامّة على العمل بفاعليّة: أولهما: إنّ النّظام الحاليّ يُبالغ في تركيزه على سيادة الدّولة مما يضعنا أمام مزيجٍ غريبٍ من الفوضى الاجتماعيّة والسياسيّة والحفاظ على السِّيادة. وفي إعادة تشكيل هيئة الأمم المتّحدة، فإنّ نظامها التّشريعيّ وأسلوب التّصويت يحتاجان إلى تمثيلٍ أكثر دقّة لشعوب العالم ودُوَلِه. ثانيهما: قرارات الجمعية العامة ليست مُلزمة إلا إذا صادقت عليها الدُّول الأعضاء، واعتبرتها معاهدةً واتِّفاقية. وإذا كان النِّظام الحاليّ، الذي يضع سيادة الدّولة فوق كلِّ اعتبار، سيستبدل إلى نظامٍ يُعنى بمصالح بشريّة واحدة مترابطة، فإنَّ قرارات الجمعيّة العامّة المتعلّقة ببعض القضايا المحدودة يجب أن تصطبغ تدريجياً بقوَّة القانون الذي يشتمل على نصوص للتَّنفيذ وأخرى للعقوبات. فنُقطتا الضَّعف هاتان مرتبطتان معاً. ذلك لأنّ معظم شعوب العالم تُبطِن مشاعر الشَّكِّ والرِّيبة تجاه الحكومة العالميّة، ولا تودُّ الخضوع لمؤسّسةٍ دوليّةٍ ما لم تكن ممثَّلةً تمثيلاً حقيقيّاً صادقاً فيها. • الأمن المشترك إنّ أهمّ دور تنفيذيّ على المستوى الدّوليّ هو وضع ميثاق الأمن المشترك موضع التّنفيذ. ويتطلّب الأمن المُشترك ميثاقاً مُبرماً بين الأمم يدعو إلى تنسيقٍ تامٍّ يقف أمام أيّ تهديدٍ يواجه الجماعة. وتعتمد فعاليّة الميثاق على مدى التزام الأعضاء بخير الجماعة، حتى لو كان ذلك بدافع من مصلحة ذاتيّة بعيداً عن الأنانيّة. وضمن نطاق هيئة الأمم المتّحدة، فإنّ الدَّور التّنفيذيّ غالباً ما يأخذه مجلس الأمن، بينما تشاركه الأمانة العامّة في الفعاليّات الأخرى. وكلاهما غير قادر على تنفيذ المهام المناطة به. فمجلس الأمن يعاني من عدم قدرته على اتّخاذ إجراءات حازمة، والأمانة العامّة تئنُّ تحت ثقل مطالب الدُّول الأعضاء. • قبل قرنٍ ونيِّف قدّم حضرة بهاء الله في رسائله إلى ملوك العالم وقادته مبدأ الأمن المشترك: "أن اتّحدوا يا معشر الملوك، به تسكن أرياح الاختلاف بينكم وتستريح الرّعيّة ومَنْ حولكم إن أنتم من العارفين، إن قام أحد منكم على الآخر قوموا عليه إن هذا إلا عدل مبين." ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرؤساء، دار النّشر البهائيّة في البرازيل، ريو دي جانيرو، 1983. ص61.
• اتّخاذُ ترتيباتٍ عسكريّةٍ خاصّة ولدعم عمليّات الأمم المتّحدة في حفظ السّلام، وتعزيز مصداقيّة قرارات مجلس الأمن، يتوجّب تشكيل قوّة دوليّة تنتمي في ولائها للأمم المتّحدة بعيداً عن أيَّة اعتبارات وطنيّة، ويتمّ تسليحها تسليحاً كاملاً، وتوضع تحت قيادة الأمين العامّ وإشرافه، وتحت سلطة مجلس الأمن، كما أنّ الجمعية العامّة للأمم المتّحدة ستحدّد مصادر تمويلها. ولدى تأسيسها، سيعمل الأمين العام على رفد هذه القوّة بكوادر مدرّبة كفؤة من مختلف أرجاءِ العالم.
• نزع السلاح: وإذا ما تشكَّلت تلك القوّة بالشَّكل السَّليم، فإنّها ستخلق لدى الجميع شعوراً بالأمن، ممّا سيدفع إلى خطوات أخرى نحو نزع السّلاح في العالم، ويفسح المجال أمام حظرٍ كاملٍ لأسلحة الدَّمار الشَّامل. إضافة إلى ذلك، وتمشِّياً مع مبدأ الأمن المشترك، فإنَّ الدُّول الأعضاء ستتفهّم بالتَّدريج أنّها بحاجة إلى سلاحٍ للدِّفاع عن نفسها ولحماية أمنها لا لهدفٍ آخر. لا يعني هذا أن الخطوات اللاّزمة لتحريم مثل هذه الأسلحة يجب أن تنتظر تشكيلاً كاملاً وانتشاراً لمثل هذه القوّة. فبكلّ مشاعرنا ندعم الخطوات الحاليّة من أجل تجديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذّريّة وفرض حظر شامل على التّجارب، بالإضافة إلى أيّة محاولات أخرى لإزالة الأسلحة الذّريّة والكيميائيّة والبيولوجيّة. وبالمثل بذل مجهودات أقوى لمراقبة انتشار الأسلحة التّقليديّة وتحديدها مثل الألغام الأرضيّة التي تقتل دون تمييز. في خطوةٍ فوريّةٍ نحو تأسيس هذه القوّة، فإنّه يمكن اعتماد النِّظام الذي يتمُّ بموجبه حاليّاً تشكيل قوّات عسكريّة أساسيّة للانتشار السَّريع عند نشوب الأزمات.
• تطبيقُ مبدأ الأمن المُشترك على مشاكل أخرى عالميّة بالرّغم من أنّ مبدأ الأمن المُشترك قد استحدث أساساً في إطار التّهديدات بالعدوان العسكريّ، إلا أن البعض يرى فيه إمكانيّة تطبيقه حاليّاً على نطاقٍ واسعٍ لمواجهة جميع التَّهديدات التي تبدو حسب الظّاهر محليّة، إلا أنها نتيجة لمشاكل معقَّدة قد برزت من انحلال النّظام العالميّ القائم. ومن هذه التّهديدات، على سبيل المثال لا الحصر، تجارة المخدّرات والأمن الغذائي وظهور الأوبئة الجديدة الفتّاكة. • محكمةٌ دوليَّةٌ لها سُلطتُها الأقوى في أيِّ نظامٍ لإدارة شؤون العالم، من الضَّروريّ وجود سلطةٍ قضائيّةٍ قويّة تدعم باقي السّلطات، وتحافظ على التّوازن بينها، وتحقّق العدالة وتصونها. إنّ الدّافع لخلق مجتمع تسوده العدالة كان من بين القوى الأساسيّة على مرّ التّاريخ. ولا شكّ أنّ حضارة عالميّة دائمة لا يمكن تأسيسها إلاّ على قواعد متينة من العدل. إنّ العدل هو القوّة الوحيدة التي باستطاعتها أن تُترجم بزوغ وعي الإنسانيّة بوحدة الجنس البشريّ إلى إرادة جماعيّة يمكنها، بكلِّ ثقة، من بناءِ حياة المُجتمعات الإنسانيّة على هذا الكوكب. إنّه عهد، يشهد شعوب العالم، وهي تستزيد من حصولها على المعرفة باختلاف أنواعها وعلى الأفكار بتنوُّع أشكالها، سيجد أنَّ العدل سيفرض مبدأ حيوياً للنّظام الاجتماعيّ النّاجح. فعلى المُستوى الفرديّ، فإنَّ العدلَ والإنصاف هما قدرةُ الإنسان على التَّمييز بين الخطأ والصَّواب. وبالمنظار الإلهيّ، كما يؤكده حضرة بهاء الله، فهو "أحبُّ الأشياء" الذي يدعو كلّ فرد أن يرى "الأشياء" بعينه "لا بعين العباد" وأن يعرفها بمعرفته "لا بمعرفة أحد في البلاد". والعدلُ، عند الجماعة، هو نبراسها في اتّخاذ قرارها. ذلك لأنّه السّبيل الوحيد نحو تحقيق وحدة الفكر والعمل. وبعيداً عن إثارة روح القصاص المتسربلة بالعدل، كما كان في الماضي، فإنّ العدل هو التّعبير العمليّ للحقيقة القائلة بأنّه في سبيل تطوُّر الجنس البشريّ فإنَّ مصالح الفرد ترتبط ارتباطاً وثيقاً وحتميّاً بمصالح المُجتمع. وحتى يكون العدل هاديَ المجتمع الإنسانيّ في تعاملاتـه، لا بدّ من توفير جوٍّ من المشورة يسمح بدراسة الخيارات وتفحّصها، بالحياد اللازم، واتخاذ الإجراءات التّنفيذية المناسبة. وفي جوِّ كهذا، تتنحّى جانباً مؤثّرات النّزعات المتأصّلة نحو التّلاعب والانحياز في عمليّة اتّخاذ القرار.
إنَّ مفهوماً للعدل كهذا يجب أن يتأصَّل في النُّفوس تدريجيّاً بإدراكنا حقيقة التَّداخل الحتميّ لمصالح الأفراد والمجتمعات في هذا العالم المترابط. وفي هذا السّياق، يكون العدل هو الخيط الذي يدخل في نسيج كلِّ تعاملٍ إنسانيّ يَطال الأسرة ومن حولها ليصل إلى العالم بأسره. وفي النِّظام الذي تعمل بموجبه الأمم المتّحدة حاليّاً، نجد أساساً لمحكمةٍ دوليّةٍ أكبر قوّة. وعندما تشكّلت محكمة العدل العُليا عام 1945، لتكون الأداة القضائيّة الرّئيسة في الهيئة الدّوليّة، تميّزت بعدّة جوانب إيجابيّة؛ منها، على سبيل المثال، أسلوب اختيار أعضائها بحيث يمثّلون طبقات مختلفة من فئات الشّعوب ومن مناطق متعدِّدة وأنظمة قضائيّة متنوّعة. قبل أكثر من مائة عاماً تقريباً، قدّم حضرة عبد البهاء الاقتراحات التّالية الخاصّة بمحكمة دوليّة في المستقبل: "على مجلس الشّعب في كلّ دولة ( البرلمان) أن ينتخب اثنيـن أو ثلاثة من صفوة النّاس خبرة في القوانين الدّوليّة والعلاقات بين الحكومات والملمّين بحاجة الإنسانيّة في وقتنا الحاضر. ويجري تعيين عدد الممثّلين لكلّ دولة طبقاً لعدد سكّانها. ويجب أن يصادق على هذا الانتخاب مجلس الأعيان والحكومة، ثمّ رئيس الدّولة أو الملك. وبذلك يكون انتخابهم قد تمّ من قبل الشّعب والحكومة. وبهذه التّركيبة الممثِّلة لجميع الشّعوب ستشكّل المحكمة الدّولية لأنّ كلّ عضو فيها ممثِّل لشعبه تمثيلاً حقيقيّاً. وعندما تصدر المحكمة حكمها في مسألة عالميّة – بإجماع الآراء أو بأغلبيّتها – فلن تكون أمام المدّعي أو المدّعى عليه أيّة حجّة. وإذا ما أهملت دولة قرار المحكمة غير القابل للاعتراض أو إعاقة تنفيذه، تقوم عليها كافّة الشّعوب لأنّها هي الدّاعمة والمساندة لتلك المحكمة العليا. تفكّر كم هو قويّ ومتين ذلك الأساس. وبعكس ذلك لن تتحقّق الأهداف المطلوبة كما ينبغي بهيئة محدودة." [مترجم عن الفارسيّة]. (منتخباتى از مكاتيب حضرت عبد البهاء، مؤسّسة الطّبع والنّشر البهائيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، 1979. صص296، 297) إنّ الخلل الأساسيّ، الذي تعاني منه المحكمة الدّوليّة، هو افتقارها إلى سلطة تمنحها صلاحيّة اتّخاذ القرار القانونيّ المُلزم، باستثناء الحالات التي اختارت فيها الدّول مُسبقاً الالتزام بقرارات هذه المحكمة. فبدون هذه السّلطة تقف عاجزةً عن تحقيق العدالة ونشرها. ومع مرور الوقت، يمكن لقرارات هذه المحكمة أن تكون ملزمةً لكافّة الدُّول, حينئذ تكون القوّة عبدًا للعدل. خاتمة: ...ولا يوجد فيما تركه لنا بهاء الله من آثار كتابية ما يدفع إلى التوهّم بأن التغييرات والتحولات المُنتظرة سوف تأتي بيسر وسهولة، بل على العكس؛ فقد أظهرت أحداث القرن العشرين أن أنماط العادات والسلوك التي ترسّخت وتأصّلت على مدى آلاف السنين لا تُطرح جانبًا ويتخلى الناس عنها تلقائيًا أو استجابة لأي برنامج تربوي أو قوانين تشريعية. فأي تغيير جوهري، سواء كان في حياة الفرد أو المجتمع، لا يتم في الغالب إلا عبر المعاناة الشديدة، ونيتجة لمصاعب شاقة لا تُحتمل ولا يمكن تخطّيها إلاّ بمثل هذا التغيير الجوهري. وقد نبّه بهاء الله إلى أنه لا بد من المرور بتجربة واختبار بهذه الجسامة والخطورة لكي تلتحم شعوب العالم على اختلاف ألوانها وأهوائها لتصبح شعبًا واحدًا متّحدًا. (من يخط طريق المستقبل؟)
...وفوق كلِّ هذا وذاك، يجب أن يتحرَّك قادة الجيل القادم بدافع الرَّغبة الصَّادقة في خدمة المجتمع الإنسانيّ بأسره، وأن يدركوا أنَّ القيادةَ مسؤوليّةٌ وليست مقاماً للامتيازات. لقد أوغل القادة والأتباع على السَّواء فيما مضى في إساءة فهمها على أنّها تكريس السّيطرة على الآخرين. حقّاً فإنَّ عصرنا الحالي يتطلّب تعريفاً جديداً للقيادة، ويستوجب نمطاً جديداً من القياديّين. (مُنعطفُ التَّحَوُّلِ أمَامَ كافَّةِ الأُمَم) تقول مفوضيّة الحكم العالميّ: "لمّا كان العالم في حاجة ماسّة إلى مواجهة تحدّيات القرن الجديد، يساورنا القلق من افتقاره إلى قيادة تعنى بشؤونه الواسعة المتعدّدة. فعلى المستويات المركزيّة والإقليميّة والدّوليّة، ضمن المجتمعات والمنظّمات العالميّة، في الهيئات الحكوميّة وغير الحكوميّة، فإنّ العالم بحاجة إلي قيادة موثوق بها. يحتاج العالم إلى قيادة تسارع إلى المبادرة، لا إلى قيادة تتحرّك مع الحدث بكلّ بساطة. قيادة مبتكرة لا قيادة تعمل كالآلة. قيادة تخطّط لمستقبل بعيد للأجيال القادمة مبنيّ على حاضر هو أمانة بأعناقها. إنّ العالم بحاجة إلى قادة تقوّي مركزَهم رؤيتُهُم، متفوّقين بأخلاقهم، متطلّعين بكلّ شجاعة سياسية إلى ما بعد الانتخابات التّالية. لا يمكن لهذه القيادة أن تحدّها الحدود المحلّيّة، بل إلى أبعد من حدود الدّولة والعِرق والدّين والثّقافة واللّغة ونمط الحياة. يجب أن تضمّ هذه القيادة قاعدة أوسع للبشرية، يسيّرها إحساس بالاهتمام بشؤون الآخرين، وحسّ بالمسؤوليّة تجاه الجوار العالميّ." Report of the Commission on Global Governance, Our Global Neighborhood. (New York: Oxford University Press. 1995.) p.353.
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم ما بين الأمس واليوم
-
محاولة عقيمة لتجريم الفكر البهائي في مصر تبوء بالفشل
-
( ان الله تعالى كامل في ذاته ويجب أن يكون خلقه أيضًا كاملا .
...
-
المفهوم البهائي للطبيعة الإنسانية
-
عصر ذهبي بين يدي إنسانية طال عهدها بالانقسام والعذاب
-
صرخة إلى العالم الإنساني- انقذوا هؤلاء الإنسان
-
خطوة نحو اتحاد الجنس البشري
-
المحافظة على صيانة وموارد الأرض والبيئة
-
فئات المحررين و الباحثين الذين كتبوا حول تاريخ الدين البهائي
-
تتعدد أديان الله ويستمر فيضها فهى تُكمل بعضها وجوهرها واحد -
...
-
الجبر والاختيار
-
الحجاب والنقاب هو الظاهر-أما الجوهر فهو العفة والتقديس
-
من جواهر المعاني
-
زخْم رحمته
-
الخلق الجديد
-
نزع السلاح وأثره على البيئة
-
ستعرفون الشجرة من ثمارها
-
بين القرن التاسع عشر والعشرين
-
صفحات تاريخ من نور
-
ماهية النظام العالمي الجديد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|