|
الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية - التناقض بين المنهج المادي للتاريخ و منهج لينين في (الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية) -2-
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2645 - 2009 / 5 / 13 - 09:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية)
1) البورصة:
يقول لينين: "إنَّ حلول الرأسمالية الجديدة التي يسيطر فيها الاحتكار، محل القديمة التي تسيطر فيها المزاحمة الحرة، يتجلى أكثر ما يتجلى في انحطاط أهمية البورصة".
على العكس من أوهام الهوبسنية – اللينينية، فاليوم كالأمس، تحتل البورصة، أهم مكانة في الإنتاج الرأسمالي العالمي. وإذا رجعنا إلى تاريخ البورصة، سنرى أنَّها أكثر الأدوات فعالية في تنشيط رأس المال الصناعي، والزراعي، والتجاري، والمالي، منذ طفولتها، لذلك تتعاظم أهمية البورصة في الإنتاج الرأسمالي أكثر فأكثر وعلى مدى تاريخ وجودها. ونظراً لمكانتها في الإنتاج الرأسمالي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أشار الماديون قبل أكثر من قرن ونصف القرن، إلى أنَّ كلَّ الإنتاج الصناعي، والزراعي، ومجمل المواصلات، إلخ... تتركز على المدى البعيد، في أيدي رجال البورصة، بحيث تغدو البورصة أرفع ممثلي الإنتاج الرأسمالي، بل والقوة الأكثر فعالية لإنشاء الاحتكارات في الأسواق الداخلية، لافتين الانتباه إلى أهمية تكوين شركات المساهمة، والمتمثلة في اتساع حدود الإنتاج، بحيث لم يكن من الممكن بعد أداؤه برؤوس أموال منعزلة.
وهكذا، وعلى العكس من الهوبسنية – اللينينية فإنَّ الدافع التاريخي وراء نشوء المؤسسات الاحتكارية (الكارتلات والتروستات) كان تركيز الإنتاج تحديداً في شكل شركات مساهمة، ووجود السوق التي تنظمها، وهي البورصة بالذات، فماذا يعني إذاً، انحطاط أهمية البورصة؟ وكيف نفسر يا ترى، هذه النظرة العامية التي لا ترى أي علاقة مادية بين الاحتكارات الصناعية و الأرضية التاريخية لنشوئها، أي البورصة؟ النظرة التي تقع بالفعل، خارج دائرة الإنتاج الرأسمالي، والناتجة عن مخيلة هوبسنية – لينينية مشوهة لا ترى التاريخ إلاَّ في العيون المجردة؟
في الواقع، بقدر ما يدحض التاريخ، هذه الأوهام، يدحض أيضاً الأوهام الهوبسنية – اللينينية بخصوص إحلال الاحتكارات محل المزاحمة الحرة.
2) الاحتكارات و المزاحمة الحرة:
يقول لينين: "الإمبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية .. وهي حلول الاحتكارات الرأسمالية، محل المزاحمة الحرة الرأسمالية، فالمزاحمة الحرة هي أخص خصائص الرأسمالية والإنتاج البضاعي بوجه عام؛ والاحتكار هو نقيض المزاحمة الحرة المباشرة، ولكن هذه الأخيرة أخذت تتحول أمام عيوننا إلى احتكار".
إنَّ كلَّ تاريخ المئة وخمسين سنة الأخيرة للمجتمع الرأسمالي، يؤكد بالضبط عكس ما يقوله لينين، وحتى الدولة الاحتكارية السوفيتية التي كانت من اكتشاف الهوبسنية – اللينينية، لم تستطيع أخيراً تجاوز حدود المنافسة الحرة في السوق العالمية، فالاحتكارات المحلية، كانت تعني تنشيط المزاحمة في السوق العالمية، ورغم اتحاد الرأسماليين المشروط بتراكم وتمركز رأس المال، ورغم اتفاقاتهم المستمرة، وتشكيل الهيئات، والأسواق الموحدة، وتنظيم الإنتاج والتسعير، فالإنتاج التنافسي يتحرك في الأخير، خلافاً لكلِّ هذه الاتحادات والاتفاقات الرأسمالية، وحقاً لاحظ كارل ماركس بصورة صحيحة، أنَّ الرأسماليين لا يصلون إلى توقيع هذه الاتفاقات الاقتصادية، وتوحيد تلك الأسواق المشتركة، حتى يواجهوا من جديد ضرورة إلغاء هذه الاتفاقات والأسواق المشتركة - مجلس التعاضد الاقتصادي على سبيل المثال – والمباشرة باتفاقات، وتشكيل هيئات أخرى لمسايرة المزاحمة الحرة في السوق العالمية على الأخص، لأنَّ الرقابة المشتركة، لا تطابق القوانين العامة للانتاج الرأسمالي، لذا تنحصر هذه العملية في الأخير في مجرد تدابير مشتركة استثنائية في بعض الحالات، كما يقول كارل ماركس، وكما نرى اليوم، فعلى العكس من أوهام الهوبسنية – اللينينية، تتزايد المزاحمة في السوق العالمية دون انقطاع، والسبب هو النمو المستمر للقوى الإنتاجية، وظهور بلدان صناعية جديدة، ونهوض آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية كمنافسين جدد في السوق العالمية، وتفكك الإمبراطورية السوفيتية الاحتكارية وأسواقها المشتركة مع أوروبا الشرقية. هذه هي طبيعة المزاحمة الحرة، فهي من جهة تجري الاتحادات، أمَّا من جهة أخرى تجري العكس، هذا ورغم أنَّ التمركز ومن ثم الاحتكارات، صفة مميزة للإنتاج الرأسمالي، وهذا يعني، على العكس من أوهام الهوبسنية – اللينينية، أنَّ انتهاء المزاحمة الحرة، يجري فقط أثناء الاستعاضة عن الإنتاج الرأسمالي، بإنتاج منهجي في المستوى العالمي، والسيطرة على التناقضات التي تسبب المزاحمة والاحتكار والأزمات وما إلى ذلك. على العكس من لينين وأساتذته، يقول كارل ماركس: إنَّ زيادة حركية رأس المال، وبالتالي زيادة سهولة نقله من دائرة إلى أخرى، أو من مكان إلى آخر، تفترض حرية كلية للتجارة داخل المجتمع وإلغاء كلِّ الاحتكارات ما عدا ما يكون طبيعياً.
وهكذا، فإنَّ وجود الاحتكارات، أي المؤسسات الاحتكارية، هو مستوى أوسع من المزاحمة الحرة، وليست نقيضها، كما يتصورها لينين، ولا تعطي عبارات لينين عن الاحتكارات والمزاحمة شيئاً عن الرأسمالية، سوى توهمها الخاص عن الامبريالية الهوبسنية.
ولكن ما يهمنا هنا، هو استنتاجات لينين ممَّا تتوهمه الهوبسنية – اللينينة بخصوص الاحتكارات، ثمَّ أولوية الصراع بين (الأمم الظالمة) و (الأمم المظلومة) بدل الثورة الأممية، وهذا بحجة التفاوت الاقتصادي بين البلدان الصناعية، وبلدان حديثة النشوء في السوق المنافسة العالمية.
3) الأمم الضعيفة و الأمم القوية:
يقول لينين: "إن الاحتكارات، والطغمة المالية، والنزوع إلى السيطرة بدلاً من النزوع إلى الحرية، واستثمار عدد متزايد من الأمم الصغيرة أو الضعيفة من قبل قبضة صغيرة من الأمم الغنية أو القوية – كلَّ ذلك خلق السمات المميزة للإمبريالية التي تحمل على وصفها بأنها الرأسمالية الطفيلية أو المتقيحة".
وما هي الاستنتاجات الأخيرة للهوبسنية – اللينينية بصدد الرأسمالية التي كانت دائماً طفيلية؟
اذا كان آخر تشخيص للهوبسنية – اللينينية هو (وقوع الأمم الضعيفة في قبضة الأمم الغنية) و(اضطهاد أكثر من نصف سكان الأرض في البلدان التابعة، وعبيد الرأسمال الأجراء في البلدان (المتمدنة) كما يقول لينين، فيجب أن يكون الهدف الأخير، هو النضال ضد الاحتكارات (ضد الامبريالية)، وهكذا، فمن منظور الصراع الطبقي، كان الهدف المنشود لدى نظرية الهوبسنية – اللينينية، هو محاولة التأثير على مجرى النضالات البروليتارية، وتحويلها من حركة مناقضة للرأسمالية العالمية، إلى حركات وطنية ضد الامبريالية، لذلك، ليس من المستغرب أن ينشر لينين الأوهام التالية: " لمَّا كانت خواص الإمبريالية السياسية هي الرجعية على طول الخط، واشتداد الاضطهاد القومي بسبب ظلم الطغمة المالية وإزاحة المزاحمة الحرة؛ فقد أخذت الامبريالية، تواجه المعارضة الديمقراطية البرجوازية الصغيرة في جميع المدن الامبريالية، منذ بداية القرن العشرين على وجه التقريب – لينين".
وهكذا، فالهوبسنية – اللينينية، ليست سوى نظرية (أنتي الامبريالية) نظرية الوطنيين والقوميين، أي البرجوازيين، والتي تستهدف في الأساس جرَّ البروليتاريا إلى ميدان مصالح البرجوازية، بحجة حركة أنتي الامبريالية في الغرب كما قي الشرق. وبالفعل أصبحت الدولة السوفيتيتة في القرن الماضي، منبراً للأيديولوجية الهوبسنية – اللينينة التي لم تستهدف سوى تطوير حركة أنتي الامبريالية، ثمَّ أنتي الفاشية في العالم، وضدَّ الحركة الأممية للبروليتاريا، أمَّا تعظيم دور السوفيت فيما يسمى بالدفاع عن (الأمم المظلومة) والنضال ضد الفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية، لم يكن سوى نشر لأوهام الهوبسنية – اللينينية بغرض تشويه الطابع الأممي للثورة البروليتارية، لذلك لم يكن من المستغرب أن تظهر الهوبسنية – اللينينية منذ البداية، كنظرية معادية للمنهج الأممي البروليتاري والثورة الأممية، وما يمكن ملاحظته هنا، أنَّ القارئ لا يجد حتى كلمة الثورة في نسخة عام (1916) من كراس لينين (الامبريالية) - (أعلى مراحل الرأسمالية) من الفصل الأول إلى الفصل الأخير، وأنَّ لينين يأخذَ كلَّ الأرقام ويستخدمها كأرقام صحفية مجردة ميتة، لا علاقة لها البتة بالواقع القائم إلاَّ في المخيلة الهوبسنية – اللينينية البرجوازية وأنَّ كلَّ تحاليل لينين للامبريالية بوصفها نهاية المزاحمة الحرة وسيطرة الاحتكارات المالية، هي تحاليل واستنتاجات الاقتصاديين البرجوازيين كهوبسن، وريسر، وييدلس، وآخرين، و لم يؤدِ لينين نفسه شيئاً سوى تكرار ممل لهذه المفاهيم البرجوازية.
ولكن في الواقع، فإنَّ العصر الحديث كالعصر القديم، هو أمثل مختبر تاريخي لتبيان مدى تفكير لينين، وأساتذته البرجوازية حول العالم، ونتائج الصراعات العالمية، فالمزاحمة التي لا تفسرها الهوبسنية – اللينينة إلاَّ بصورة مقلوبة، موجودة في الواقع وتتطور أكثر فأكثر في السوق العالمية، و إنَّ احتكار السوق العالمية من قبل الرأسمالية الصناعية، وظهور بلدان جديدة نامية في العالم، لم يغير شيئاً من المجرى الأممي للثورة البروليتارية، بل أدى إلى ضعف في الحركة الأممية، ونشوء ثورة مضادة، جعلت من الاشتراكية القومية، وهماً شائعاً حتى في الأوساط البروليتارية في العالم في زمن معين من التاريخ، ومادامت المزاحمة الحرة، موجودة في السوق العالمية، فيجب أن تواجه الرأسمالية، اختلال التوازن، أي الأزمات في نفس المستوى، ولا بدَّ أن تتقدم الأحداث نحو إعادة الذاكرة التاريخية للثورة الأممية، رغم سيطرة الهوبسنية – اللينينية في زمن معين من التاريخ، وما يثبت وجهات النظر التاريخية هذه، هو بالضرورة ما يدحض وجهات نظر الاقتصادي البرجوازي هوبسن و تلميذه لينين، وفي الواقع يدحض التاريخ، هذه الاستنتاجات، مثلما يدحض أيضاً الاستنتاجات الآتية.
4) الرأسمال المالي:
حسب الهوبسينية - اللينينية: "إن القرن العشرين هو نقطة التحول من الرأسمالية القديمة إلى الحديثة، من سيطرة الرأسمال بوجه عام إلى سيطرة الرأسمال المالي – لينين".
مرة أخرى يقع لينين في مستنقع أساتذته البرجوازيين، فنظام الأسهم كما أشار إليه ماديو القرن التاسع عشر أيضاً، هو إلغاء للصناعة الرأسمالية الخاصة على أساس نظام الإنتاج الرأسمالي الاجتماعي نفسه، وإذا كان نشوء المؤسسات الاحتكارية، نتيجة مباشرة لارتقاء الشركات المساهمة ذات الإنتاج الصناعي الموسع، فإنَّ تطورها نابع هو أيضاً، من تطور الشركات الصناعية نفسها، وسيطرتها على مجالات أوسع لاستثمارات جديدة في العالم، أي أنَّها كانت نتيجة مباشرة لتوسع سلسلة أفاعيل إعادة الإنتاج الرأسمالي في المستوى الأممي.
إنَّ ظهور شركات المساهمة، ثم شركات صناعية احتكارية، تعني بكل بساطة، تركز رأس المال الصناعي، وتوفير الإمكانية التاريخية لديه في التصرف برأس مال الآخرين اجتماعياً، فطليعة رأس المال في السوق العالمية، هي رأس المال الصناعي، ورأس المال الصناعي، وراء كلَّ اختلال في التوازن وظهور الأزمات في السوق العالمية، لأنَّ الاختلال لا يعني سوى انخفاض نسبة استغلال العمل في السوق العالمية، مقارنةً بالارتفاع في الآلات والأدوات الإنتاجية (انظر خضوع الرأسمالي الصناعي للبنك).
5) تصدير رأس المال:
يقول لينين: "ينبغي علينا أن نتناول بوجه خاص، ذلك الدور الذي يلعبه تصدير رأسمال في إنشاء شبكة التبعية، والترابط العالمي لرأسمال المالي".
إنَّ تصدير رأس المال لم يكن ظاهرة من ظواهر عصر الكارتلات والتروستات، وإنَّما كان سبب التصدير هو جلب أرباح أعلى، ومن ثم َّتعزيز الموقع التنافسي من جهة، وإعادة التوازن المختل لبرهة أثناء الأزمات الاقتصادية من جهة أخرى.
"إذا صدرت رؤوس الأموال فليس ذلك، لأنَّه لا يمكن إطلاقاً تشغيلها في البلاد، بل لأنَّه يمكن تشغيلها في الخارج بمعدل ربح أعلى، ولكن هذه الرساميل تؤلف فائضاً مطلقاً من رأس المال بالنسبة للسكان العاملين المستخدمين". هكذا قال كارل ماركس قبل أكثر من نصف قرن من كراس لينين.
ومن جانب آخر فإنَّ (شبكة التبعية والترابط العالمية للرأسمال المالي) التي يتكلم عنها لينين، قديمة قدم الرأسمال بوصفه نظاماً شاملاً، وما هذه التعابير وربطها بتصدير رأس المال، سوى جمل خالية من المعاني، لأنَّ تصدير رأس المال ليس له علاقة تاريخياً، بإنشاء ما يسمى بشبكة التبعية والترابط العالمية للرأسمال المالي، أمَّا إذا كان القصد هو شبكة تبعية الدول، حديثة النمو في العالم، للدول الاحتكارية، فهذه الشبكة هي تبعية لرأس المال الصناعي وليس لرأس المال المالي، حيث إنَّ رأس المال المالي نفسه، تابع لشبكة رأس المال الصناعي. و هنا يظهر بجلاء، أنَّ ما يشغل بال لينين على الدوام هو التنافس بين الدول، وأنَّ ما يعالجه لينين في أطروحاته هو النزاع الدولي بين الاحتكاريين والاستقلاليين، وليس نتائج الصراع بين الطبقتين العملاقتين في العالم البرجوازية والبروليتاريا.
6) اجتماعية الإنتاج:
يقول لينين: "المزاحمة تتحول إلى احتكار، وينتج عن ذلك تقدم هائل في اتخاذ الإنتاج صبغة اجتماعية؛ فالرأسمالية في مرحلتها الإمبريالية توصل رأساً إلى إعطاء الإنتاج صبغة اجتماعية شاملة؛ ويغدو الإنتاج اجتماعياً، ولكن التملك يبقى خاصاً، وتظل وسائل الإنتاج الاجتماعية ملكاً خاصاً لعدد ضئيل من الأفراد".
إنَّ هذه الجمل مقتبسة نصاً من كارل ماركس، وليست لها العلاقة إطلاقاً بالاحتكارات الأسطورية التي يوهمنا بها لينين، وقد أشار كتاب رأس المال مراراً وتكراراً، إلى أنَّ الرأسمالية تعني الاستعمال المشترك لوسائل الإنتاج من جانب العمل الجماعي، الأمر الذي يجعل من الإنتاج اجتماعياً، وأنَّ التناقض الأساسي للمجتمع الرأسمالي، يكمن في أنَّ الإنتاج اجتماعي، والعمال يستخدمون الآلات والأدوات الإنتاجية بصورة جماعية، ولكن التمليك يبقى خاصاً.
وهكذا، فإنَّ استعارة هذه الجمل وتأويلها وفقاً لما يسمى بعصر جديد للرأسمالية، لا تساعد لينين في الخروج من مستنقعه الهوبسني، ولا يثبت لينين من خلالها، شيئاً جديداً عن الرأسمالية، و(اتخاذ الإنتاج صبغة اجتماعية) هو التركيب الاجتماعي للرأسمالية نفسها منذ طفولتها، فالرأسمالية تعني تجميع الإنتاج المبعثر في انتاج اجتماعي، ناتج عن تمركز الوسائل الإنتاجية في أيدي قليلة من الرأسماليين، واستخدام هذه الوسائل بصورة جماعية من قبل العمال، الأمر الذي سيجعل من ظهور أسلوب إنتاجي أعلى في التاريخ، أي الأسلوب الكوموني، أمراً لا مناص منه.
7) خضوع الرأسمالي الصناعي للبنك:
يقول لينين: "عندما (يجمع) البنك بين يديه مقادير هائلة من الرساميل، وعندما يكون القيام بعمليات الحساب الجاري لهذا المشروع، يتيح للبنك أن يعرف – وهذا ما يحدث في المعتاد – بصورة أدق وأكمل حالة الزبون الاقتصادية، تكون النتيجة خضوع الرأسمالي الصناعي للبنك خضوعاً أكثر فأكثر".
جملة مشوهة، لا تعكس سوى ما يعكسها موظف غير مؤهل في مصرف لزبائنه، أمَّا خضوع الرأسمالي الصناعي للبنك خضوعاً أكثر فأكثر، ليس سوى استنتاج هوبسني – لينيني غريب، استنتاج اقتصادي لا يرى رأس المال إلاَّ بالعيون المجردة، وبالعقلية المشبعة بكلمات وأرقام مجردة، ومفاهيم، ومقولات الاقتصاديين العاميين، فكان وراء نمو البنوك في الدول الصناعية، وتراكم مقادير هائلة من رأس المال بين يديه، التقدم الهائل والمستمر لرأس المال الصناعي، قبل زمن لينين وفي زمنه وبعده.
إنَّ المزاحمة التي لا تفهمها الهوبسينية - اللينينية إلاَّ بصورة مغايرة تماماً عن الماديين، هي الميزان الوحيد لقياس كل ما يجري من حركة رأس المال في السوق العالمية، ومن خلال قانون المزاحمة فقط، يمكننا أن نفهم كل ما يتعلق بحركة رأس المال، ابتداءً من الاستثمار، ومروراً بدوران رأس المال، وانتهاءً بانخفاض المعدل العام للربح الناتج من ارتفاع رأس المال الثابت، مقارنةً برأس المال المتحول في المستوى العالمي، ومن ثم ظهور الأزمات، إنَّ كلَّ شيء في الإنتاج الرأسمالي، يدور حول عملية متكررة، تبدأ بالازدهار وتنتهي بالأزمة، هذا هو المجتمع الصناعي، لذلك لا يبحث الماديون هذا المجتمع، إلاَّ من زاوية السلسلة الإجمالية لأفاعيل الإنتاج الرأسمالي، وتشخيص الأسباب الاقتصادية للازدهار والأزمة، ابتداءً من الإنتاج، ومروراً بالتداول، وانتهاءً باختلال التوازن، ومن ثم النتائج النهائية لهذا الاختلال في المستوى الكوني.
على العكس من الهوبسنية – اللينينية فإنَّ ما يهم الماديين في المزاحمة أو الاحتكار، هو شيء واحد فقط: حدود الأزمات، وتأثيراتها المعاكسة على الثورة الأممية! ومادام السبب الوحيد للأزمات هو، هبوط المعدل العام للربح، الناتج في الأخير عن المزاحمة الحرة، فلا يمكن تفهم هذا الهبوط دون تفهم قوانين المزاحمة في السوق العالمية بالذات، ولا يبحث الماديون فائض القيمة والمعدلات المختلفة، إلاَّ لأجل إظهار طبيعة قانون المعدل العام للربح، المحرك الأساسي لتناقضات المجتمع الرأسمالي.
و مرة أخرى، وعلى العكس من الهوبسنية – اللينينية، فاليوم كالأمس، سيخضع كلُّ شيء في السوق العالمية، لرأس المال الصناعي، وستكون نقطة الانطلاق في الإنتاج الرأسمالي، كالنقطة النهائية فيه، هي رأس المال المنتج، لذلك فإنَّ كلَّ أزمة من الأزمات، بما فيها الأزمة المعاصرة التي نعيشها اليوم، هي في الأخير أزمة اقتصادية، وراءها تطور الصناعة في العالم، وفي الواقع، فإنَّ كلَّ أزمة تعود جذورها إلى حالة من التأزم، أي حالة من التوازن المختل في رأس المال المنتج. ولكن مادام دوران رأس المال الصناعي، يشمل فترة الإنتاج وفترة التداول، أي كلَّ سلسلة أفاعيل الإنتاج، فيجب أن تظهر الأزمة للوهلة الأولى، على أنَّها أزمة مالية على الأخص (انظر: هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ أزمة مالية أم صناعية؟)
إنَّ رأس المال المالي، لا ينفصل عن سلسلة أفاعيل الإنتاج، حيث إنَّه يتولى أمر عمليات سلسلة أفاعيل تداول رأس المال الصناعي، ورأس المال التجاري، لذا فإنَّ كلَّ أزمة مالية في الأخير، ناتجة عن أزمة صناعية، و تشمل كلَّ القطاعات المختلفة للعالم الرأسمالي، و لا يمكن تفيسر الازمات إلاَّ باختلال توازن الإنتاج في مختلف الفروع الانتاجية. وسببها الوحيد هو الارتفاع في التركيب العضوي لرأس المال الاجتماعي الكلي، وانخفاض درجة استغلال العمل الاجتماعي في المستوى الكوني، فنسبة رأس المال المتحول، تنخفض مقارنةً بالارتفاع في رأس المال الثابت، و كلُّ ارتفاع في هذا الأخير، يعني ارتفاعاً في استخدام الآلات الأوتوماتيكية، والأدوات الإلكترونية (رأس المال الثابت) بشكل أوسع في المستوى الأممي، وستنعكس هذه الحالة على العلاقات العالمية بين طبقات المجتمع الرأسمالي، ولن تجد الرأسمالية حلاً سوى قطع لقمة عيش طبقة العمال، وارتفاع الأسعار، وتخفيض الأجور، وازدياد البطالة، وهذه الظواهر كلُّها، وباء يجلبه رأس المال الصناعي لطبقة الفقراء في المجتمع العالمي، أمَّا الهوبسنية – اللينينية، فلا تعالج هذا الموضوع إلاَّ من زاوية التنافس بين (الأمم الظالمة) و(الأمم المظلومة) أي المنافسة بين برجوازية الدول الاحتكارية، وبرجوازية الدول النامية، وكأنَّ المجتمع البشري خالٍ من الطبقات، والنزاع الأساسي فيه هو التنافس العالمي، و إنَّ الهوبسنية – اللينينية بلغت نضجها التام حين طبقت بدرجة من الكمال، منهج القومية البرجوازية في روسيا: الاشتراكية الوطنية! وأعلن لينين صراحة أمام العالم: (نحن من أنصار الدفاع عن الوطن!) وانخرط لينين نفسه في المزاحمة العالمية بوصفه رئيساً للجمهورية.
هذه هي الهوبسنية – اللينينية، وهذه المحاولة ليست سوى تشويه للطابع الأممي للثورة البروليتارية، واستعاضة عن الأممية البروليتارية بأممية برجوازية، تستهدف الدفاع عن البرجوازية الوطنية.
8) الهوبسنية – اللينينية والكاوتسكية:
يقول لينين: "ما من جامع يجمع مع الماركسية النقد الذي يوجهه كاوتسكي للإمبريالية.. إن تعريف كاوتسكي، عدا أنه غير صحيح وغير ماركسي، هو أساس لسلسلة كاملة من نظرات تقطع كلَّ صلة مع النظرية الماركسية والعمل الماركسي على حد سواء".
كلمات وجمل، ليس لها معنى إلاَّ في مخيلة هوبسنية، فالمصدر الذي يعتمد عليه لينين هو جون هوبسن وليس كارل ماركس، فماذا يعني إذاً، قطع الصلة مع النظرية الماركسية؟ و هل هناك في الواقع علاقة بين هوبسن و ماركس؟ أو أنَّ الموضوع يعود في الأساس إلى ما يتوقع لينين من هوبسن أنَّه ماركسية؟ وهنا بالتحديد يظهر بجلاء أنَّ الماركسية نفسها ليست سوى فلسفة وهمية، اكتشفتها الأممية الثانية بكتلتيها اليمين واليسار، وبناءً على الاجتهادات الشخصية لخلافاء الماركسيين أنفسهم حول هذه الاستنتاجات البرجوازية أو تلك بوصفها استنتاجات ماركسية، فإنَّ الهوبسنية نفسها هي الجزء الأعظم من خرافات الفلسفة الماركسية، وتعود خرافيتها إلى ما يجتهده خلفاء الماركسيين (كاوتسكي، وبليخانوف، ولينين، وتروتسكي، وستالين، وماوتسي تونغ) من المفاهيم الصحيحة، والأفكار الخاطئة، ويضيفوه إلى مذهبهم الفلسفي الخاص بهم، والذي لا يعالج سوى أهم القضايا الوهمية والخرافية بالنسبة للحركة الكومونية العالمية، وهي الاشتراكية القومية، والسلطة البروليتارية، والنضال ضدَّّ الامبريالية، والنضال ضدَّ الفاشية، والتعاون الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا بحجة الدفاع عن الأمم المظلومة، والمشاركة في البرلمان البرجوازي والدفاع عن الديمقراطية، فالكلمة الاخيرة للهوبسنية – اللينينية، هي إقناع العمال بالتخلي عن الثورة الأممية، والدفاع عن البرجوازية الوطنية من جهة، وإقامة ما يسمى باشتراكيتهم القومية من جهة أخرى، أي اللجوء إلى ما يسمى ببرنامج الحد الأدنى، بدل النضال الأممي الموحد ضد رأسمالية عالمية موحدة، وهذا بحجة التفاوت الاقتصادي بين البلدان المختلفة، ولم يختلف يسار الاشتراكية – الديمقراطية عن يمينها، أي اليسار الزيميرفالدي الماركسي عن اليمين الزيميرفالدي الماركسي، إلاَّ في العنوان: اليمين يطلب الانحياز إلى جانب حكوماتهم بحجة الدفاع عن الوطن، أمَّا اليسار فيطلب الدفاع عن الوطن بحجة الدفاع عن الاشتراكية القومية، فالكلمة الأخيرة لليسار واليمين هي الوطن، ويتضح من ذلك أنَّ الانقطاع عن الاشتراكية – الديمقراطية، غير ممكن دون الانقطاع عن اليسار الزيميرفالدي.
و هكذا، فالعجز العلمي للهوبسنية – اللينينية، متمثل في نظرتها العامية إلى الاقتصاد الرأسمالي العالمي، وهذا العجز هو السمة المميزة للاقتصاد السياسي، بوصفه نظرة برجوازية إلى التاريخ و مساره الأممي الطبيعي، لذلك لم تكن صدفة حين كانت الهوبسنية - اللينينية في مقدمة الجمهوريين للقضاء على كلَّ حركة كومونية وأهدافها الاجتماعية أثناء الثورة الروسية الثانية عام (1917) وحين بدأت الثورة الأممية ترتعد بالفعل، في القارة الأوروبية بأجمعها، أقام يسار الاشتراكي – الديمقراطي الروسي، أي البلاشفة، دولة باسم البروليتاريا، وبدأت بالاتفاقات السرية مع الحكومات الأوروبية باسم البروليتاريا، ورفعت شعار الدفاع عن الوطن باسم البروليتاريا، وأثبتت الهوبسنية – اللينينية بالفعل أنَّها حربٌ أيديولوجية ضد الحركة الكومونية العالمية، والطابع الأممي للثورة الكومونية، ومع التجانس أو التفاوت في الاقتصاد العالمي، ستضع الحركة الكومونية العالمية، أممية ثورة البروليتاريا في المقدمة، وعلى العكس من الهوبسنية – اللينينية، فإنَّ انتصار الثورة البروليتارية، أمر غير ممكن دون وقوعها في المستوى الأممي، و مادام التركيب التاريخي للنظام الرأسمالي، تركيباً أممياً فلا يمكن انهياره، دون التغيير في تركيبه الأممي، أمَّا مقاومة البرجوازية، فأمر غير ممكن إلاَّ في المستوى الأممي، لذلك لا تنتصر الكومونة، إلاَّ بوصفها حركة أممية، ولم تكن ثورة (1917 - 1923) سوى ثورة أممية انطلقت في روسيا في شباط عام (1917) وامتدت إلى أوروبا الغربية ابتداءً من عام (1918) واستمرت إلى عام (1923) و أسهمت الهوبسنية – اللينينية في ضرب الثورة الأممية أكثر من أي تيار آخر في العالم، وبالفعل لم تكن اللينينية، سوى نشرٍ لأوهام الهوبسنية البرجوازية وسط العمال في العالم، فـالهوبسينية – اللينينية، أي أوهام ضرورة النضال المشترك بين البرجوازية والبروليتاريا ضدَّ الامبريالية، بدل النضال الطبقي المشترك ضد الرأسمالية العالمية، أصبحت إنجيلاً جديداً في يد البرجوازية لكسب البروليتاريا إلى جانبها، أمَّا في الواقع، فإنَّ هذه الأوهام، لا تقاوم تطور الحركة التاريخية، بل تبدأ بالتراجع بسرعة، حين تبدأ الحركة الكومونية العالمية من جديد بالتقدم، ولا بدَّ أن تتقدم الحركة الكومونية إلى مقدمة مسرح التاريخ العالمي، حين تبدأ الأزمة الاقتصادية المعاصرة بتعمق أكثر فأكثر، "ولن تكون الثورة الجديدة ممكنة إلاَّ نتيجة لأزمة جديدة، ولكنها مؤكدة القدوم تماماً كما أنَّ قدوم الأزمة مؤكد – كارل ماركس".
المصادر: - لينين - الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية - لينين - استيقاظ آسيا - John. A. Hobson: Imperialism. - كارل ماركس – رأس المال – نقد الاقتصاد السياسي - كارل ماركس - في الاستعمار - كارل ماركس – الآيديولوجية الألمانية
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المادية التأريخية و اسطورة الماركسية – جوابا لانتقادات المار
...
-
تصحيح خطأ!
-
الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين ((1))
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد وثورة أممية جديدة؟ 6 أزمة
...
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد وثورة أممية جديدة؟ 5) أزم
...
-
الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية: التناقض ب
...
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 4) لن
...
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد، وثورة أممية جديدة؟ 3) أز
...
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 2) لم
...
-
هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 1) أز
...
-
المجاعة الكبرى في الاتحاد السوفياتي: موت الملايين من الجوع ف
...
-
الاتحاد السوفياتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – المجاعة:
...
-
الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الرا
...
-
الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا
...
-
الاتحاد السوفيتي: أسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا
...
-
الاتحاد السوفياتي: إسطورة إشتراكية القرن العشرين!
-
أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|