|
ماراثون المفاوضات وأولمبياد المباحثات
توفيق أبو شومر
الحوار المتمدن-العدد: 2645 - 2009 / 5 / 13 - 09:14
المحور:
القضية الفلسطينية
قرأتُ خبرا في صحيفة هارتس أثار استغرابي للوهلة الأولى يقول الخبر: " حذّر مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية الدول الأوروبية بأن إسرائيل لن تسمح بإشراك هذه الدول في عملية السلام بينها وبين الفلسطينيين إذا استمر نقدها لحكومة نتنياهو. وكان بنيتا فيريرو مبعوث الدول الأوروبية قد طالب بتجميد العلاقات مع إسرائيل. واستدعى رافي باراك مسؤول قسم أوروبا في وزارة الخارجية سفراء الدول الأوروبية في إسرائيل لشرح وجهات نظر الحكومة الجديدة، وحذَرهم قائلا : " إن حكومة إسرائيل الجديدة تحتاج إلى وقت لصياغة سياساتها، وليس إلى حربٍ إعلامية ضدها !" هارتس 29/4/2009 و يعود سببُ استغرابي إلى العقوبة التي تنوي إسرائيل فرضها على دول السوق وهي [ عدم إشراكهم في مفاوضات السلام المبتغاة مع الفلسطينيين ]!! حاولتُ أن أُحلل هذا اللغز، مستعملا التحليل المنطقي بعيدا عن السياسة، إذ أن المنطق الصحيح يؤكد عكس ما هددت به إسرائيل دول أوروبا، فكان يجب أن يكون التهديدُ من دول أوروبا لإسرائيل، فهم المفروض أن يهددوها بمقاطعة مفاوضات السلام، لأنها ستكون المتضررة من ذلك ، وليس هم !! فالمفهوم السريع من الخبر يوحي بأن هناك منافع ستجنيها الدول الأوروبية من الاشتراك في مباحثات السلام، وهذا يجعلني أستنتجُ بأن عدم إشراكها هو خسارة كبرى لها. فأين تكمنُ الأرباح؟ فهل يعني الخبر أيضا بأن إسرائيل وحدها، هي التي تحتكر قرار إشراك الدول الأوروبية في (الربح) التفاوضي؟ أم أن التحذير الإسرائيلي للدول الأوروبية يعني أيضا بأن التفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليس سوى [ مهرجان] سيندم كل من تفوته المشاركة فيها؟ أم أن إسرائيل نجحت في تحويل المفاوضات من مفهومها العلمي الصحيح الذي يعني؛ التقاء طرفين متنازعين لعقد اتفاقٍ بينهما ينصُّ على استرجاع الحقوق المشروعة،وهذا هو المفهوم الفلسطيني والعربي ، إلى لُعبة من ألعاب التفاوض، أو [ أولومبياد رياضي] وفق الرؤية الإسرائيلية؟ إن الحقيقة الثابتة ، هي أن إسرائيل قد نجحت فعلا في تحويل المفاوضات على الحقوق إلى احتفالية ، هي أقرب إلى الرياضة منها إلى أي شيء آخر! وأصبحت رائدة في ابتداع رياضة [ الألعاب التفاوضية] فهي وحدها التي تملك قوانين هذه اللعبة، وهي وحدها التي تضع شروطها، وهي وحدها التي تُحكِّمُها، وهي وحدها التي تُحدد ساحتها المكانية ، وموسمها الزمني ! وإزاء ذلك فالمشاركة في هذه الاحتفالية الفريدة أصبح مطلبُ كل الأمم ، ومُبتغى الراغبين في اكتساب الخبرات الجديدة في فن [ ألعاب التفاوض]! ولم تُخفٍ إسرائيل مخططها، بل إنها قد أعلنته مرارا ، بدون أن يستوقف أحدا، أو حتى يُثير استغرابا فهي قد اعتادتْ أن تُطلقُ على المفاوضات بينها وبين الفلسطينيين اسم[ المفاوضات الماراثونية] فهي مسابقات ، وليست مفاوضات أزلية، مساحتها كمساحة رياضة المارثون التي بدأت قبل الميلاد بأربعة قرون، وما تزال مستمرة حتى اليوم ، وحتى إشعارٍ آخر ! وعلى كل راغبٍ في المشاركة أن يُراجع إسرائيل ليحجز له مكانا فيها، طبعا للتدريب على قواعدها وفنونها وشروط تحكيمها! ولتأكيد ما سبق فإن الإسرائيليين ، اعتمادا على أن المفاوضات ليست سوى مارثون أزلي، فقد أطلقوا على مفاوضيهم لقب [ الفريق المفاوض] وهم بالفعل فريقٌ رياضي لهم من الخبرات المارثونية ما يستحق الإعجاب، لأن الفريق المفاوض يخرج في نهاية الأمرمنتصرا رابحا، يُعجب المتابعين والمراقبين والمحللين والمختصين في العلوم السياسية والرياضية أيضا ! كما أن الإسرائيليين واضعي أسس المفاوضات المارثونية، أسموا مبارياتها بالاسم الصريح والواضح ، وهو [ جولات تفاوضية] ومعلوم بأن (الجولات) في أولمبياد المفاوضات، أو في مارثون المفاوضات التي يشارك فيها الفريق الرياضي التفاوضي هي أنسب التسميات وأصدقها لمفاوضات الماراثون ! وقد تأثَّر كثيرٌ من المفاوضين الفلسطينيين الواقعين تحت تأثير هذه اللعبة التفاوضية،بالإسرائيليين مؤسسي الماراثون التفاوضي وصاروا يستخدمون في لغتهم التعبيرات الرياضية الملائمة لتلك المسابقات ، فقد انتشر تعبير[ أصبحت الكرةُ في مرمى الجانب الإسرائيلي ] ولم يقتصر التأثير على المفاوضين من السياسيين ورجال الحكومة، بل انتقلت العدوى إلى (عوالقهم) من طائفة المحللين والفقهاء السياسيين والمراسلين جامعي الأخبار والتعليقات. فأصبح تعبير (الكرة في مرمى الخصم) من أكثر التعبيرات شيوعا على ألسنة هؤلاء، وهذا بالطبع يؤكد بأنهم أصبحوا مقتنعين بأن المفاوضات أصبحت بالفعل إحدى الرياضات ! حتى أن محللا سياسيا اعتاد أن يستخدم مصطلح الكرة في ملعب الخصم ، وأضاف إلى ذلك مصطلحا جديدا يؤكد ما ذهبتُ إليه ، وهو قوله: يجب ألا تعود المفاوضات في عهد الحكومة الجديدة إلى [ شوطها الأول] وإكمالا لصورة الألعاب التفاوضية، فإن الإسرائيليين مبتدعي رياضة التفاوض المارثونية استخدموا بفعالية تعبيرا آخر مراتٍ عديدة في كل إذاعاتهم وإعلامهم أثناء غزو غزة في يناير المنصرم ، وهو تعبيرُ يكمل دائرة الرياضة ، وهو تعبير" انتهت اللعبة" !! وبعد... فإنني أتوقع أن تكفَّ الدولُ الأوروبية عن توجيه النقد واللوم للحكومة الإسرائيلية، بعد أن لوّح الحكمُ الإسرائيليُ " بالبطاقة الحمراء" في وجه دول أوروبا حتى تتمكن من أخذ مكانها وسط (الحلبة التفاوضية] ، وذلك لكي تتمكن من اقتباس الخبرة في اللعبة التفاوضية الرياضية الجديدة أولا ، ولكي تتمكن من الفوز بعقد الدورةُ الرياضية التفاوضية القادمة في ملاعبها الأولمبية ثانيا ، ثم لتجني الربح السياحي والاقتصادي والتاريخي، بعد أن يُسجِّل التاريخُ بأن جولة التنافس على البطولة قد استضافته هذه الدولة دون غيرها ثالثا ! وإلى اللقاء في أولمبياد تفاوضي قادم !!
#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القرصنة الفكرية وحفظ حقوق التأليف
-
القمع اللفظي للمرأة
-
احذروا إسرائيل الليبرمانية
-
الإعلان سيد الإعلام
-
لاجئ إسرائيلي ولاجئ فلسطيني
-
تعقيم الروح بالفنون
-
عكاظ وأولمبياد القمم العربية
-
تطهير إسرائيل من اليسار والعلمانية
-
الفلسطينيون وهواية جمع الألقاب
-
شرطة مطاردة المجاز في اللغة العربية
-
الإعلام ومراسلو الخوذات والدروع
-
التمثيل النسبي للنساء في الأحزاب العربية امتهان لهن
-
قرنفل غزة الحزين
-
الإعلام العشوائي وفضائيات مصارعة الديكة
-
حق اللجوء الإبداعي إلى دول السوفت وير
-
غزة التي أدمنت الدمار
-
إسرائيل وعقدة شمشون في غزة
-
آخر صلوات بوش أمام الشمعدان
-
قمع المرأة للمرأة
-
قصتان من غزة بمناسبة العيد السعيد
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|