|
الصراع الطبقي ووحدة نضال البروليتاريا الجديدة
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:05
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يشكل انقسام المجتمع الى طبقات اجتماعية متفاوتة الظاهرة الرئيسية التي تميز النظام الرأسمالي. وقد عرفت الطبقات الاجتماعية في ظل الرأسمالية الحديثة تحولات عميقة، فلم تتوقف هذه التحولات خلال القرنين الأخيرين من الأزمات والتوسع. وتطال هذه التحولات على الخصوص علاقات الهيمنة، وأشكال تدبير العلاقات الانتاجية بما يتضمنه ذلك من استغلال العمال اليدويين وفئات المثقفين من طرف الطبقة المسيطرة.
وتتحدد الطبقات الاجتماعية من خلال مكانتها في إطار علاقات الهيمنة في الإنتاج، سواء تعلق الأمر بإنتاج السلع المادية أو التجارية أو سلع التجهيز، أو إنتاج الخدمات، وما إن كان هذا الإنتاج قد تم في القطاع الخاص أو في القطاع العمومي.
ونقصد بالطبقات الاجتماعية أيضا العديد من مكونات الجماهير الشعبية، والتي ترتبط بالفئات المشكلة لعلاقات الإنتاج: الأسر، الشباب، الفئات غير النشيطة، المتقاعدون، العاطلون ... والمقصود بالصراع الطبقي، الصراعات التي تحدث داخل وحدات الإنتاج كالشركات أو تتعلق بالعمل عامة، وبوضعية العطالة، وبالأعمال الهشة، والصراعات التي تحدث داخل المجتمع عندما ننفاقم تناقضاته.
وقد عرفت الحدود الجغرافية للطبقات الاجتماعية في ظل الرأسمالية الحديثة تحولات عميقة. أما بالنسبة للطبقة الرأسمالية فالمقصود بها مجموع الفئات التي توجد في مركز القيادة في الانتاج وفي المجتمع، والتي تقرر في كيفية توزيع فائض القيمة. وقد أضيفت الى البرجوازية التقليدية المتصفة بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، الشرائح التي واكبت تطور نمو الوحدات الانتاجية الكبرى والدولة: البيروقراطية والتقنوقراطية. أما البروليتارية الحديثة فلا تقتصر فقط على العمال، حتى ولو ظل هؤلاء يحتلون مكانة مركزية في المجتمع. وتضم البروليتاريا حاليا مختلف المجموعات الاجتماعية التي لا تتوفر على سلطة حقيقية في قرارات الإنتاج، وتكون باستمرار مضطرة لبيع قوة عملها على شكل أجراء. وتتشكل هذه المجموعات في قاعدتها من طرف العامل اليدوي، والعمال بصفة عامة والمستخدمون. والى جانب هؤلاء هناك العمال المثقفون الذين يخضعون لهيمنة رب العمل: التقنيين، المدرسون ... هناك جزء هام من البروليتاريا الحديثة تتعرض للعطالة والعمل الهش، والذين أصبحوا يشكلون عنصرا بنيويا وكثيفا في العلاقات الاجتماعية الحديثة.
وقد تطورت فيما بين الطبقات الرأسمالية والبروليتاريا، شرائح جديدة من الأجراء المتوسطين (الأطر، التقنيين ...)، والذين يحتلون مهام التدبير والتأطير. وتتوفر هذه الشرائح تتوفر على وزن كبير في علاقات الانتاج، له دور سياسي وآخر ثقافي. وتفترض قيادة الصراع الطبقي التمييز بين هؤلاء، بين الفئات التي تعتبر أن التدبير هو مجرد أداة تقنية ومهنية، وبين الفئات التي تساهم في إتمام حلقات الإنتاج.
وفي اطار هذا التنوع، فان الشرائح المتوسطة للأجراء الجدد تبدو كما لوكانت محتلطة بالطبقات الرأسمالية حيث تبدوا كما لو كانت لا تختلف عنها الا بابتعادها أكثر عن مواقع القرار، بينما تضل قاعدة هذه الشرائح مندمجة مع البروليتاريا. وقد أدى نمو القطاع الثالث، الى تزايد كبير في عدد التقنيين، والى تراجع في عدد عمال الصناعة في الدول المتقدمة، من خلال تجزئة القواعد المنظمة، العمل الهش، العطالة، لها كنتيجة لاندثار وضعية اجتماعية رئيسية ظلت منذ مدة طويلة تقتصر على العمال الصناعيين.
الصراع الطبقي اليوم يحدث تحت أشكال جديدة. منظور طبقة عمالية فقط ، تشكل أقلية، طليعية اجتماعيا والقوة الوحيدة للتغيير قد يشكل خطأ في التحليل لذا يجب استبداله بمشروع وحدة جديدة، تكون أكثر اتساعا، وتنظيما بدون تجاهل خصوصيات باقي مكونات البروليتاريا الحديثة، المثقفة واليدوية، المأجورة والهشة، الصناعية والخدماتية. ان هذه البروليتاريا الجديدة المتعددة الأشكال والتي يمكن توحيدها على أساس وضعيتها المشتركة، متحكم فيها، مستغلة، يجب أن تعمل على التقاء المطالب المشتركة والمناهضة للرأسمالية مع مطالب شرائح واسعة من الأجراء المتوسطين من باقي الشرائح الأخرى التي تهيمن عليها الرأسمالية. هذا الالتقاء في المطالب يتم بنائه عبر النضالات الاجتماعية، والوعي الجماعي وبروز مشاريع جديدة لتحول المجتمع.
ودون الوقوع في الانتظارية للتخلص من العدو الطبقي، فإن موقع البروليتاريا في علاقات الهيمنة والإنتاج، تعتبر حاملة للصراع الطبقي باستمرار، تكون في بعض الأحيان خامدة وفي أحيان أخرى انفجارية. ويفرض هذا الصراع الطبقي على الطبقة المهيمنة اجراء تغييرات وتوافقات متواصلة، تتحدد بواسطة علاقات القوة، المتعلقة بالعمل، وباقتسام الثروات، وبالحق، وبالمؤسسات. لكنه يحمل أيضا إعادة نظر شاملة في الرأسمالية تم التعبير عنه بانتظام وفي اطار موجات ثورية عبر التاريخ. الصراع الطبقي اذن هو في نفس الوقت حامل للتغيير الجزئي، مناقض لمنطق ومصالح الرأسماليين، وانفصال ثوري يضع قواعد مجتمع جديد يحرر كافة البشر. ان مساهمتنا في الصراع الطبقي للبروليتاريا لا يغمض أعيننا عن تعقيد ، وتعدد المجتمع، الذي يقدم مجتمعا متعدد الطبقات، مهيمن عليه من طرف الرأسمالية وبواسطة قوانينه (خصوصا ما يتعلق منها بالسوق) ولكن حيث تتعايش أشكال أخرى من الإنتاج، وأشكال أخرى من استغلال العمال): التعاونيات، الجمعيات، الإنتاج ما قبل الرأسمالية (الزراعة، الصناعة التقليدية...)، الأفراد. وتدخل مختلف المجموعات الاجتماعية في حقل الصراع الطبقي: الفلاحون، الشرائح التقليدية المتوسطة، الشرائح الجديدة من الأجراء المتوسطون، وهو ما يطرح العديد من الإشكاليات النظرية والعملية والتي لا يمكن تجاهلها عند طرح البديل عن الرأسمالية.
ويشكل العمال الزراعيين على الخصوص، الذين يتعرضون في الغالب لاستغلال النظام القائم، يشكلون دائما شريحة اجتماعية مهمة، سواء بالنسبة لنتائج عملها أو بالنسبة لمكانتها في البيئة الطبيعية.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إضراب النقل جاء نتيجة للإفلاس السياسي
-
ماذا عساي أن أفعل لوكنت مكان وزير الاقتصاد والمالية لإنقاذ ا
...
-
القروض الاستهلاكية أداة سياسية لتدبير أزمة النظام الرأسمالي
...
-
لماذا مقاطعة الانتخابات الجماعية ل 12 يونيو 2009
-
ارتفاع الأسعار عصف بكل الزيادات في الأجور
-
الحملة التطهيرية شكلت عملية انتقامية وسط التحالف الطبقي الحا
...
-
قانون حرية الأسعار فشل في ضبط السوق
-
قراءة نقدية سريعة في مشروع ميزانية 2009
-
في الذكرى الستين للاعلان العالمي لحقوق الانسان
-
الأزمة المالية وآفاق الرأسمالية المأزومة
-
الحد من الجريمة والإجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية
-
اندثار الأمل
-
وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
-
السياسة الاجتماعية في المغرب ومواجهة الفقر
-
أثرياء يمارسون التهريب القانوني للعملة
-
الأزمة والانتفاضات الاجتماعية في المغرب
-
حكومة بدون شعب، وشعب محروم من حكومة تعبر عن ارادته الجماعية
-
قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي
-
أسباب فشل الملتقى الرابع لتنسيقيات مناهضة الغلاء
-
نداء إلى تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|