عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 808 - 2004 / 4 / 18 - 10:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إستدراكا للجزء السابق , يُعيد التساؤل طرح نفسه ثانية : أين بلغ به المطاف ؟ ما الذي فعله ؟
لم يتغير شيء , كل الأشياء التي سخرها في الحرب الأولى لخدمة مشروعه القومي التحرري هي ذاتها واصلت تطبيلها له , بل إستفحلت أكثر : من عملاء وسماسرة ومؤسسات ومنظمات ورؤساء أحزاب إلى غير ذلك .. وهذه المرة ثمة ورقة ربما تكون أكثر بريقا من ورقة : - كل شيء من أجل النصر- في الحرب الأولى . إنها ورقة الإنقراض البشري - والأطفال بالدرجة الأولى - الذي يفعله الحصار الإقتصادي !
يعتلي - عبد الرزاق عبد الواحد - المنبر في مهرجان مربد 1995 مفتتحا إياه بالقول:
من شدة الزهو أم من شدة الغضب
يكاد صوتك يغدو الآن صوت نبي
مؤذِنا , مستفزِّا , موغرا , أنفا
وإن بدت فيه سيماء من التعب
وكيف لا ولخمس أنت يا وطني
من لحمك الحي تُلهي النار بالحطب
ذلك صحيح أيها الشاعر العفريت , لكن كان بإمكان هذا الذي يأكل لحمه أن يأكل لحم غزال ومختلف أنواع الحليب والأدوية وكل شيء بالكوبونات المليارية للبطل المغوار !!؟؟ . الواقع أن الواحد حين يعتزم أن يكتب عن أشياء من هذا القبيل , لا أعرف , يُصاب بالقيء , بالتراخوما , بالسعال الديكي , بالطاعون , وربما بنوبات غريبة لم تعرفها أو بالأحرى لم تدركها الأجناس , فقط العراقيون على علم بها !!!!؟؟؟
وبالطبع حتى على المستوى العالمي لعبت ورقة الحصار دورها , أو بمعنى آخر إستخدمها أو إستغلها النظام لإستقطاب التعاطف معه , رافقها كذلك الضرب الجوي الأميركي والتهديدات بين الحين والآخر . تقول صُحفية أميركية تُدعى - روبن رايت - تعمل في صحيفة - لوس أنجلس تايم - إن أجهزة التبويق والترويج التابعة للنظام العراقي , كانت تعمل بفعالية وتحقق إنجازات مهمة في هذا المجال داخل الولايات المتحدة الأميركية . وكانت هذه الصحفية تُعقب على حديث ل ( مادلين أولبرايت ) وزيرة خارجية كلنتون ,خلال زيارة لها إلى جامعة ( أوهايو ) في فبراير 1998 . تحدثت - أولبرايت - التي كان يرافقها عضوان من الحزب الديمقراطي من ضمنهما المرشح الحالي لمنصب الرئاسة - جون كيري - تحدثت - في قاعة ضخمة ممتلئة بالطلاب - عن دكتاتورية صدام الفريدة من نوعها وضرورة التعامل بحزم معه فيما إذا تعامل بسلبية أو بخداع مع المفتشين الدوليين الذين كانوا حينها في أزمة مع الحكومة العراقية حول تفتيش بعض المواقع . وحين أنهت حديثها - الذي رافقه صراخ بعض الطلاب - كان لها بالمرصاد أحد الطلبة - الذي كان واقفا وعلى أهبة الرد عليها - قال لها حين إنتهت : وماذا تقولون عن النظام الدكتاتوري في أندنوسيا الذي تدعمونه وتقدمون له السلاح ؟ وماذا تقولون عن إسرائيل التي تمتلك أسلحة دمار شامل , وأنتم أيضا تساندوها ؟ وماذا وماذا .. " وكان يرافق تساؤلاته ضجيج الطلاب تأييدا له . ثم نهض لها طالب آخر وأخذ يتحدث بإنفعال مشددا على إنه إذا كنتم تطلبون صدام , إذهبو لصدام وإجلبوه أو إقتلوه ولا تتسببوا في اي ضرر لشعب العراق وأطفاله . وعلى أثر ذلك ضجت القاعة بالإحتجاج ضد أولبرايت .
هذه الآراء والإحتجاجات هي ذاتها التي شهدها العالم قبل أكثر من ثلاثين عاما ضد حرب فيتنام , وهي ذاتها التي شهدها العالم ضد الحرب الأخيرة , ومن هنا فهي ليست نتيجة لفعالية أجهزة الدعاية الصدامية بقدر ما هي مفاهيم ثابتة لمنظمات مناهضة الحرب وأنصار البيئة والمنظمات الإنسانية والحركات اليسارية - التي هي أصلا ضد التوجهات الأميركية في أية بقعة في العالم - . لكن , قل عن المضاهرات التي حدثت في العالم العربي هي نتيجة ( البروبكندا الصدامية ) نعم , لأنهم ببساطه - رُعاع - ينعقون مع كل ناعق !
لكن هل عاش العراق طيلة أكثر من عقد كامل على التطبيل ؟ فهذه المرة ليس حصانا يمتطيه ليطوف به بين الحشود , ليس بندقية صيد وسدارة رعاة بقر وسيكار كوبي , ليس حربا وردحا ونياشين .. كان يا ما كان في قديم الحرب كانت هناك إمبراطوريات مال يركن إليها وعمالات بالملايين من جميع الجنسيات - وكانت جميع أجهزة الدولة في وضع مستقر رغم الحرب , الآن تعطل كل شيء , الإفلاس يضرب في صميم الدولة والمجتمع , الآن الناس تعيش على الحصة التموينية, بل وصل بها الحال أن تبيع كل ما تمتلكه لأجل لقمة العيش أو لأجل أن تهاجر لتأمين هذا العيش , الآن تشتري 2000 دينار بدولار واحد فقط , الآن والآن و...و .... كل ذلك صحيح , وهو يدخل ضمن أحد العلوم ويسمى علم الإقتصاد , لكن صاحبنا ليست له علاقة بالعلوم , فالأميركان والأوربيون هُمْ عبدة الكومبيوتر , وبإمكان راعي الغنم عندنا أن يغير أو يشوش على طائرة الشبح ب - كفْ - تراب ينثره في وجهها القبيح العدواني !! صاحبنا فوق التصور , علاقته ليست بتلك القطع المعدنية الصماء, علاقته بالإلهام الروحي الذي هو أسمى من كل العلوم والتقنيات الحديثة !!! إزاء كل ذلك هل ثمة شيء يدعو إلى الغرابة , إلى الضحك , أو تأليف الأساطير ؟ كل المخلوقات تكتسب العبر من التجارب وردات الفعل والإنكسارات , إلا هو , البطل المغوار !! يقال إن ضباط الحرب اليابانيين ظلوا متشبثين بالإستمرار بالحرب رغم الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما وناكازاكي , بل رغم تهديد أميركا بأنها سوف تُهاجم جميع مدن اليابان بالسلاح الذري إذا لم تستسلم , لكنهم رضخوا لمنطق العقل الذي نطق به إمبراطورهم - هيرو هيتو - بالإستسلام والتوجه إلى البناء !!
ليس ثمة شيء إسمه إنهيار إقتصادي , وتدهور معيشي وموت بطيء . هناك شيء إسمه - رمز للإمة - بخسرانه سوف تخسر الأمة , لذلك يجب الحفاظ عليه بأي شكل من الأشكال - والحفاظ سوف يتخذ عدة إتجاهات , كوبونات تُمنح لكي يتواصل مفهوم الرمز المنقذ , وتتشكل أجهزة دفاعية وقمعية أكثر تطورا وولاءا وأكثر تعويضا للأجهزة الأمنية التي ربما تضررت نتيجة إنتفاضة - 91 - ( فدائيو صدام وفرق منتقاة من الحرس الجمهوري إضافة لجيش القدس كواجهة إعلامية) - طبعا قبل تلك الأشياء كان قرار النفط مقابل الغذاء قد جاء فاتحة خير . وعلى المستوى الدولي يمنح العقود النفطية المغرية للشركات الروسية والفرنسية والألمانية لدفعها لأتخاذ أي موقف تجاه أي خرق يقوم به كما حدث سنة 1996 حين إجتاح أربيل فتعرض على أثر ذلك للقصف الأميركي فجاء الموقف الفرنسي مساندا له بالكامل , وفي ذات الوقت يظل يتربص الوضع داخل روسيا . فالواضح أن القناعات التي تكونت لديه على أثر هزيمة 91 هي أن مسألة الثقل الدولي ينبغي أن توضع في مقدمة الحسابات في أي تحرك مستقبلي , وثقل دولي ليس من النوع الواهن , كما الفرنسي مثلا , أو بوريس يلتسن المجنون , يحتاج إلى عيار ثقيل , دولة موقفها المضاد من الولايات المتحدة ينطلق من تضاد أيديولوجي , على شاكلة الإتحاد السوفيتي . لقد كان أقل إندفاعا في السابق حين حاول إقناع - غورباجوف - بضرورة التعامل بحزم مع الوجود الأميركي في الخليج , غير إنه كان أكثر حرصا عندما أرسل برقية تأييد للإنقلابيين في الإتحاد السوفيتي , ثم يزيد على ذلك بعد فترة فيدعو القومي المتطرف - جرنوفسكي - إلى زيارة بغداد , ثم تتواصل بعد ذلك زيارات جرنوفسكي وزيكانوف سكرتير الحزب الشيوعي الروسي إلى بغداد . ولا ريب أن الوضع في روسيا أبان تلك الفترة قد شكل بادرة أمل لديه , فقد تناوب القوميون والشيوعيون على الفوز في أغلبية مقاعد البرلمان , ثم كاد الشيوعيون أن يفوزوا في إنتخبات الرئاسة سنة 96 بعد حصولهم على
46% من أصوات الناخبين وحصول يلتسين على 39% , لكن في اللحظة الأخيرة ضمَ الجنرال المتقاعد - ليبد - أصواته البالغة 15% إلى أصوات يلتسين بعد أن إشترط عليه إقالة وزير الدفاع , الذي بالفعل أُقيل , لكن هذا الجنرال قد أقيل بعد فترة شهر من منصبه الذي عينه فيه يلتسين , وقد كان هذا المقلب في الواقع فصلا للسخرية والضحك بحق ليبد , بخصوص الدواعي التي دعته إلى تصديق يلتسين المجنون . إلى جانب تلك المستجدات في روسيا في ذلك الوقت , فقد كانت التقارير الصحفية والتحليلات تشير إلى تنامي الروح العسكرية داخل روسيا , وقد أشار مسؤول روسي ذات مرة إن روسيا سوف تندفع بديهيا إلى إيجاد تحالفات جديدة مع الدول التي تقف موقف مضاد من الولايات المتحدة إذا إستمر حلف الناتو في توسعه المطرد في أوروبا الشرقية .
فما الذي حدث ؟ لم يحدث كل الذي كان يأمل فيه . وجاءت سنة 98 ووقعت الأزمة مع واشطن بشأن الأسلحة , ثم إنتهت الأزمة ورحل المفتشون عن العراق , وظلت الأزمة مُعلقة , وكردستان ليست تحت السيطرة , فماذا كان ينتظر , ماذا كان يتوقع ؟ لكن بالتأكيد إن أي شيء كان من الممكن أن يطرأ على عقله , إلا عودة الحزب الجمهوري - حزب الفيل - ( وأرسلنا عليهم طيرا أبابيل .. ) ( يا سبحان الله للمرة الأولى أكتشف إن شعار الحزب الجمهوري هو الفيل !! لكن للأسف لم يُحرق - الفيل - وها هو يعود إليك : مؤذنا , مستفزا , موغرا , أنفا , كما يقول مُنشدك , ويعود تحت إمرة منْ ؟ تحت إمرة إبن عدوك اللدود , عدوك اللدود القديم !! وسوف تُقرع أجراس الكنائس كما يقول - ياس خضر - ( سيدي جكد إنته رائع سيدي ) لكن هذه المرة نحو حُلكة الزنزانة وربما حُلكة القبر الأبدية .
[email protected]
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟