أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي















المزيد.....

التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 2638 - 2009 / 5 / 6 - 09:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أقدم المغرب في الآونة الأخيرة على طرد مبشرين أجانب بتهمة نشر المسيحية في بلاد المسلمين، كما تطالعنا بعض الصحف المغربية بين الفينة و الأخرى بعناوين عريضة بارزة في صدر صفحتها الأولى عن "خطر التبشير" و "آفة التنصير" التي تهدّد "كيان الأمة"ـ و غالبا ما تكتسي هذه المقالات طابع ناقوس الخطر الذي يدق بالتحريض الواضح للسلطة لكي تتدخل بالرذع و المنع لـ " إيقاف زحف التنصير" و التصدي لهذا الخطرالذي يهدد الإسلام بالإقتلاع و المحو. و إذ يغلب الطابع التحريضي على هذا النوع من المقالات لا يلتفت كتابها في الغالب إلى معطيات الواقع، كما لا يؤخذ القانون العصري بعين الإعتبار، و تصبح المرجعية في التفكير مرجعية دينية تقليدية بحتة، تستلهم قيم مجتمع لم يعد قائما اليوم، و إن كانت بعض بقاياه طافية على السطح، و لهذا لا ترد في هذه المقالات عبارات مثل "حرية الإعتقاد" و "التسامح الديني" و "التعددية الدينية"، حيث يتم التجاهل المطلق لحق المواطنين في اختيار دينهم و الذي ينصّ عليه الدستور، و يتم صياغة العبارات بطريقة ماحقة و قطعية تحكم على جميع المغاربة بالإسلام، و تعتبر من بدل دينه "مغررا به" أي ضحية وقع في أحابيل مبشرين أشرار يستعملون طرقا غير شريفة للإيقاع بالمؤمنين الذين يولدون جميعا مسلمين بالفطرة . فالمسلم الذي غير دينه حسب منطق هذه المقالات الإستنفارية لم يقم بذلك عن قناعة و اختيار حر بل هو مسلوب الإرادة بسبب الفقر و الحاجة، مما جعل شخصيته من الهشاشة بحيث يقع فريسة هؤلاء المبشرين بسهولة، و يبرر بالتالي أن تنوب عنه الدولة في التصرف.
هذه الصورة الكاريكاتورية تخفي الكثير من الحقائق التي ينزعج منها دعاة الإسلام السياسي، و التي لا يقبلون الخوض فيها و لا يرتاحون لإثارتها، فالكثير من الذين اعتنقوا المسيحية بالمغرب ليسوا فقراء و لا بهم حاجة تجعلهم ضحية إغراء أو نصب من أي نوع، بل إن مناقشتهم تظهر بأن انتقالهم من دين إلى آخر كان باختيار و إصرار مبدئي، حيث يحاججون و يدافعون عن مواقفهم بعقلانية لا جدال فيها، من جهة أخرى نجد الكثير من الذين تنصروا قد سعوا هم أنفسهم إلى البحث عن المبشرين و الإتصال بهم و ليس العكس، و من جهة ثالثة يوجد من بين الذين اختاروا المسيحية من يوجه انتقادات حادة للإسلام و للمسلمين و عاداتهم و قيمهم مما يعني أن اختيار تغيير الدين كان ناتجا عن عدم الرضى عن نمط حياة معين، و عن تفضيل نمط آخر.
و بقدر ما نجد موقف المتنصرين متماسكا و منطقيا، بقدر ما نندهش من كثرة التناقضات في مواقف المسلمين عامة و الإسلاميين على وجه الخصوص، و هي تناقضات و مفارقات تثير أسئلة جوهرية حول مدى قدرة المسلمين على استيعاب قيم عصرهم و الإندماج فيه و المساهمة في رصيده الإنساني، و هي تناقضات يمكن رصدها كالتالي:
1) لا يقبل المسلمون أن يقوم الغير بالتبشير بدينه في بلادهم و يعتبرون ذلك مؤامرة على الإسلام و على كيان الدولة ـ الذي يربطونه ربطا عضويا بالدين ـ و يدعون إلى محاربة ذلك و مواجهته بوسائل السلطة المعروفة من منع و اعتقال و محاكمة و إنزال العقوبات التي وصلت في بعض الحالات إلى 15 سنة !!.
لكنهم بالمقابل يعتبرون التبشير بالإسلام في أوروبا و أمريكا "صحوة مباركة" و "فتحا مبينا"، حيث تعدّ جمعيات التبشير الإسلامي بعشرات الآلاف في القارات الخمس، و هي تنشط اعتمادا على شبكات تمويل دولية تتوفر على إمكانيات هائلة، دون أن تجد أية عراقيل قانونية أو سياسية في طريقها، كما أن الدول المضيفة لا تعتبر شخصا ينشر الإسلام مهددا لكيانها أو خطرا عليها. فلنتصور أن الدول الغربية قررت منع نشر الإسلام بين ظهرانيها، كم سيكون عدد المعتقلين و المطرودين من المسلمين.
2) يرى الإسلاميون بأن التبشير يستعمل وسائل غير شريفة مثل توزيع الهبات و الأموال و إيجاد فرص الشغل لاستقطاب المسلمين و اصطيادهم و الإيقاع بهم في حبائل النصرانية، و الحقيقة أن المسلمين في بلدان الغرب يعتمدون نفس الوسائل بالتمام و الكمال، فالإغراء بالمال هو من أهم آليات عمل الإسلاميين في المهجر، سواء مع الغربيين أو مع المسلمين أنفسهم للإيقاع بهم في حبائل الوهابية و التطرف الديني، فالفرق الواضح بين التنصير و الأسلمة هو أن التنصير لا يؤدي إلى صنع أحزمة ناسفة وتفجير القطارات و الفنادق، خلافا للأسلمة التي تتم في الغرب على الطريقة الوهابية الخطيرة.
3) يعتبر الإسلاميون بأن حملات التنصير تهدف إلى خلق أقلية من 10 في المائة من السكان المسيحيين للضغط على المغرب بواسطتهم و إحداث القلاقل و صنع الحروب الطائفية، و الحقيقة أن المسلمين هم الذين بدأوا فعلا في تشكيل أقليات مسلمة بالغرب و طوائف تطالب بتعديلات في القوانين الديمقراطية لصالح خصوصياتهم الدينية، إنه استعمال للديمقراطية الغربية بهدف نقضها و هدمها.
4) تتعامل الدول الإسلامية مع من بدّل دينه من "رعاياها" إما بالقتل بعد الإستتابة ـ كما هو الشأن في العربية السعودية ـ أو بالسجن ثم المتابعة و المراقبة و المضايقة بغرض دفعه إلى تغيير دينه من جديد و العودة إلى الإسلام، أو من أجل دفعه إلى مغادرة وطنه إلى الخارج. أما في الغرب، فاختيار فرد ما الخروج من المسيحية و اعتناق الإسلام ليس شأن الدولة و لا المجتمع، بل هو اختيار حر و فردي، و واجب الدولة حماية حق الأفراد في اختياراتهم العقائدية و ضمان شروط التعايش المشترك بين جميع مواطنيها مهما اختلفت دياناتهم أو ألوانهم أو أصولهم . و لا يتدخل المواطنون في بلاد الغرب في اختيارات غيرهم الروحية بل ينظرون إليها باحترام و تسامح . أما "الرعايا" المسلمون فيعتبرون من بدّل دينه منهم خائنا للأمة و مصدر عار و فضيحة و تهديد لأمنهم الروحي، مما يؤدي بهم إلى نبذه اجتماعيا و معاملته بغلظة بعد اليأس من إقناعه بالعدول عن اختياره، و على عكس ذلك يعاملون من دخل الإسلام من الأجانب بحفاوة بالغة، حيث يبتهجون به أيما ابتهاج و لا يتوقفون عن الإفتخار به و الحديث عنه و تهنئته على اختياره الصائب.
5) يمنع في المغرب بناء الكنائس، كما يمنع على الكنائس الموجودة من قبل دق أجراسها، و تلتزم الكنيسة بقانون تمتنع بموجبه عن قبول أي مغربي داخلها، و في المقابل يقوم المسلمون في بلاد المهجر ببناء المساجد بكثافة، بل إنهم حولوا بعض الكنائس إلى مساجد دون أي اعتراض من أحد، و بدأوا يتطلعون من فرط الحريات إلى إزعاج غيرهم، حيث بدأوا يطالبون بدون خجل ببناء صوامع عالية و وضع مكبرات الصوت و الآذان خمس مرات في اليوم منذ الفجر، تماما كما يفعلون في بلدانهم. و لأن الديمقراطية لا تعني الفوضى، و لأن الحرية تحدها حرية الآخر و حقوقه، فإن الدول الغربية تحاول إقناع المسلمين بالعدول عن خطئهم، غير أن هؤلاء مصرون على التنديد بـ"عنصرية الغرب " الذي يعادي دينهم و لا يسمح لهم بفعل ما يريدون كما يريدون و لو على حساب الغير.
و بما أن المسلمين يتمتعون بكل الحقوق في ممارسة شعائرهم الدينية بالغرب، فإنهم لا ينسون الدعاء من فوق منابر المساجد لهؤلاء الغربيين الذين آووهم و استضافوهم في بلدانهم بترميل نسائهم وتيتيم أطفالهم و زلزلة الأرض من تحت أقدامهم وتجميد الدماء في عروقهم ووجوب بغض الكفار و عدم الإختلاط بهم و التآخي في الله مع المسلمين فقط.
6) يلجأ المسلمون من الطوائف و المذاهب و الفرق المختلفة إلى البلاد الغربية من أجل التمتع بحريتهم العقائدية دون إكراه، و لممارسة طقوسهم التعبدية في أحسن الظروف، بينما هم في بلدانهم يعيشون وضعية الحجر و الحصار ، حيث لا يسمح للمخالفين للدين الرسمي للدولة بأداء شعائرهم في حرية تامة، و يتعرضون لأنواع التضييق و الإضطهاد، و يعتبرون بدورهم كالمتنصرين مصدر تهديد للأمن الروحي و لاستقرار البلاد و وحدتها.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات حول مفهوم -الأمن الروحي للمغاربة-
- عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد
- مظاهر الميز ضد الأمازيغ و السود و اليهود بالمغرب إلى الوزير ...
- نداء من أجل الحرية
- أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة
- لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟
- التضامن الإنساني و التضامن العرقي
- حين يباع الوطن و يهان المواطن
- 33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين
- المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية
- الوطنية المغربية و الطابو التاريخي
- انتحار امرأة
- الجذور الفكرية لإيديولوجيا التعريب المطلق
- نظرية المؤامرة في السجال العمومي
- الأمازيغية في مفترق الطرق أسئلة الحصيلة و الآفاق
- الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني
- ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية
- أصابت امرأة و أخطأ الشيخ
- في ضرورة الإصلاح الديني
- العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد


المزيد.....




- استقبلها الآن بأعلى جودة .. تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد ...
- اللواء سلامي: أضطررنا لحشد طاقات العالم الاسلامي لمنع انتشار ...
- سلامي: ايران وبتصديها للتيارات التكفيرية قدمت خدمة عظيمة للإ ...
- اللواء سلامي:التصدي للتيارات التكفيرية خدمة عظيمة قدمتها اير ...
- اللواء سلامي: التكفيريون في الواقع نموذج غربي لردع النفوذ ال ...
- اللواء سلامي: التكفيريون في الواقع نموذج غربي لردع النفوذ ال ...
- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي