أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - داود تلحمي - من ستالينغراد، عام 1943، الى معارك جورجيا 2008... تطورات القوقاز، والأزمة الإقتصادية، ونهاية مرحلة -القطب الأوحد-















المزيد.....



من ستالينغراد، عام 1943، الى معارك جورجيا 2008... تطورات القوقاز، والأزمة الإقتصادية، ونهاية مرحلة -القطب الأوحد-


داود تلحمي

الحوار المتمدن-العدد: 2637 - 2009 / 5 / 5 - 09:59
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


قررت قوات حلف شمال الأطلسي إجراء مناورات عسكرية مشتركة، ابتداءً من أواخر الأسبوع الأول من شهر أيار/مايو 2009، في إحدى القواعد العسكرية على أراضي جورجيا، الجمهورية السوفييتية السابقة الواقعة في منطقة القوقاز، على حدود روسيا الجنوبية. وتأتي هذه المناورات في وقت تتزايد فيه تحركات المعارضة الداخلية الواسعة لنظام ميخائيل ساكاشفيلي الموالي للغرب في جورجيا، بعد تعدياته المستمرة على الحريات الديمقراطية، وبعد مغامرته الفاشلة في صيف العام 2008 للتدخل العسكري في إقليمين كانا قد انفصلا، منذ مطلع التسعينيات، عن جورجيا. المادة التالية تتناول الترتبات الكبيرة على التطورات التي شهدتها منطقة القوقاز في الأشهر الماضية، في سياق الأزمة الإقتصادية العالمية، وإعادة رسم الخارطة السياسية العالمية، الجارية منذ بضع سنوات:
***
ربما يبدو الربط بين ما جرى من معارك (محدودة نسبياً) في شهر آب/أغسطس 2008 على أرض جمهورية جورجيا (السوفييتية سابقاً) وحولها، في جنوبي منطقة القوقاز، وبين المعركة الكبيرة، والفاصلة والمُكلفة بشرياً ومادياً، التي جرت في مدينة ستالينغراد (فولغوغراد حالياً) ومحيطها، شمالي القوقاز، في النصف الثاني من العام 1942 ومطلع العام 1943، ربما يبدو هذا الربط، للوهلة الأولى، مفتعلاً.
ذلك ان روسيا اليوم لم تعد تسعى لبناء الإشتراكية، بل عادت الى نظام رأسمالي، له سماته الخاصة طبعاً، ولكنه نظام سوق رأسمالي بالكامل. هذا، في حين كانت روسيا الأربعينيات جزءً من الإتحاد السوفييتي، البلد الشاسع ومتعدد الجمهوريات والقوميات واللغات، الذي كان يسعى للقطيعة مع النظام الرأسمالي ومحاولة الإنتقال الى صيغة من صيغ "الإشتراكية".
وفيما شكّلت معركة ستالينغراد إنتصاراً حاسماً لموسكو (السوفييتية آنذاك) على قوات ألمانيا النازية، وجاءت منعطفاً بارزاً في مسار الحرب الألمانية النازية على الجبهة الأوروبية، وبداية العد العكسي لخسارة أدولف هتلر لحربه الكونية التوسعية، ولسعيه لتأمين "المجال الحيوي" الجغرافي للدولة الألمانية، فإن معارك جنوب القوقاز في صيف العام 2008 كانت محدودة زمنياً، كما على صعيد الخسائر البشرية والمادية، بالمقارنة مع معركة ستالينغراد. فمعركة ستالينغراد، التي دامت بين 17/7/1942 و2/2/1943، تُعتبر المعركة الأكثر دمويةً في تاريخ الحروب البشرية، حيث وصل عدد ضحاياها، العسكريين والمدنيين، من الجانبين، السوفييتي، من جهة، وتحالف المحور بقيادة ألمانيا النازية، من جهة أخرى (والذي كانت تشارك فيه، الى جانب القوات الألمانية، قوات من كلٍ من إيطاليا ورومانيا والمجر وكرواتيا)، الى زهاء المليون وثمانمئة ألف ضحية.
لكنّ المجابهات في جورجيا والجمهوريتين المنفصلتين عنها، أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، على محدوديتها، دقّت، وإن بشكل رمزي، ناقوس نهاية مرحلة القوة الكونية الواحدة، التي كانت قد بدأت، تحديداً، مع انهيار الإتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات الماضية، وها هي تنقضي وتفتح الباب أمام إعادة رسم الخارطة العالمية وتوازناتها الجديدة.

نهاية مرحلة "القطب الأوحد"

وقد ذهب شوماس مايلن، أحد المحررين الرئيسيين في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، الى وضع عنوانٍ صارخ لمقالة له نُشرت في عدد 28/8/2008 من الصحيفة، يقول: "جورجيا مقبرة عالم أميركا أحادي القطبية".
أما بول كينيدي، المؤرخ البريطاني الشهير الذي يعمل أستاذاً للتاريخ في جامعة ييل الأميركية، وصاحب زهاء العشرين كتاباً، أشهرها كتاب "صعود وسقوط القوى العظمى" الذي ترجم الى 23 لغة من لغات العالم، فكان قد نشر في الصحيفة ذاتها، في عدد 16/8/2008، مقالاً بعنوان: "جورجيا مهمة، ولكن ما تقوله لنا حول السياسات الكونية أهم بكثير". وتحدث في هذا المقال عن كون التحرك الروسي في جورجيا أظهر تلاشي "النظام الأوروبي الجديد" لما بعد 1991، قائلاً أن الأمور "سارت مسافة بعيدة منذ أن سقط الجدار في نوفمبر 1989"، ويقصد جدار برلين، طبعاً. وأضاف: "تستطيع أن تدفع بالتأثير الغربي شرقاً في أوروآسيا الى هذا الحد فقط: نابليون تعلّم ذلك، وهتلر تعلّم ذلك، والآن جاء دور جورج بوش". وأستخلص: "ان العقد الذي تلا 1991 لوضع الولايات المتحدة كالرقم واحد غير القابل للتحدي... أو "مرحلة القطبية الواحدة" قد انتهى". مع انه رأى "أن التحدي الحقيقي للولايات المتحدة في المستقبل، وربما للغرب عامةً، هو الصعود المتواصل لآسيا، وخاصة الصين.".
كل هذا مع العلم بأن عملية التحول هذه في الوضع العالمي كانت قد بدأت بشكل متدرج قبل ذلك، وعلى أكثر من صعيد، مع تراجع الدور الأميركي الكوني، خاصة بعد التورط في حربي أفغانستان والعراق، ثم تفاقم الأزمة المالية والإقتصادية الأميركية، وبالمقابل التنامي المتواصل لدور وثقل أكثر من قوة عالمية جديدة مرشّحة لدور كوني، تبلور صعودها هذا خلال السنوات الأخيرة، وفي المقدمة، كما أشار بول كينيدي، الصين، بالإضافة الى قوى أخرى مرشحة لدور عالمي متزايد الأهمية، مثل الهند والبرازيل، بالإضافة طبعاً الى عودة روسيا الى الواجهة العالمية كقوة ذات شأن، وإن لم يكن بحجم قوة الإتحاد السوفييتي السابق.
وقد ذهب جون غراي، الفيلسوف السياسي البريطاني والأستاذ السابق في الجامعة الشهيرة المعروفة باسم كلية لندن للإقتصاد، بدوره، في مقال له في الصحيفة ذاتها "ذي غارديان"، في عدد يوم 28/9/2008، الى حد الحديث في العنوان عن "لحظة مهشِّمة في سقوط أميركا من موقع القوة"، وفي سياق عنوان فرعي تحت العنوان الرئيسي أورد هو أيضاً أن "مرحلة السيطرة الأميركية انتهت". ويقول جون غراي في مقالته: "ما هو واضح هو أن القوة تتسرب من أيدي الولايات المتحدة بوتيرة متصاعدة. جورجيا أظهرت روسيا تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية، بينما بقيت أميركا متفرجةً لا حول لها". ويضيف: "إن القيادة الكونية الأميركية تنحدر بسرعة. وعالم جديد يأتي الى الوجود، بشكل تقريباً غير ملحوظ، حيث أميركا هي واحدة من عدة قوى عظمى، تواجه مستقبلاً لم تعد تستطيع أن ترسم ملامحه".
ومن جانبه، وضع المعلق البريطاني بيتر بومونت لمقالٍ له في أسبوعية "ذي أوبزيرفر"، اللندنية أيضاً، عنواناً يختصر هذا التحول الكبير الذي تبلور في صيف العام 2008: "الأسبوع الذي دفن النظام العالمي الجديد". ومعروف أن تعبير "النظام العالمي الجديد" استُخدم مراراً على لسان مسؤولين أميركيين وغير أميركيين، ومن بينهم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، الذي ألقى خطاباً تضمن هذا التعبير، وذلك أمام الكونغرس الأميركي يوم 6/3/1991، مباشرةً بعد الحرب الأميركية الأولى في الخليج في مطلع العام 1991، وهي الحرب التي تُسمى أحياناً "حرب الخليج الثانية"، على أساس اعتبار الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) هي الأولى. وحديث جورج بوش الأب عن "نظام عالمي جديد" لم يكن يشير فقط الى الدخول الأميركي العسكري المباشر الى منطقة الخليج وإخراج القوات العراقية من الكويت وضرب القوة العسكرية للعراق، بل كان يؤشر الى التلاشي، الذي كانت مقدماته واضحة آنذاك، لدور الإتحاد السوفييتي ولحضوره الدولي الفاعل، وذلك قبل أشهر من الإعلان الرسمي عن انتهاء وجوده كدولة موحدة في أواخر العام ذاته 1991، عام البداية الرسمية لمرحلة "القطب الكوني الأوحد"، التي يشير بومونت أعلاه الى كونها مرحلة قد انتهت، على خلفية صدامات جنوب القوقاز في صيف العام 2008.
هذا، بينما رأى الفيلسوف والمحلل الإقتصادي السياسي الأميركي ياباني الأصل، فرانسيس فوكوياما، المعروف بمقولته الشهيرة عن "نهاية التاريخ" في أواخر القرن الماضي، وهي المقولة التي تجد نفسها الآن في وضع حرج، أن الموقف الروسي لن يذهب أبعد من ذلك. وهو توقع متروك للوقائع اللاحقة لتقرير مدى صحته.

نقطة تقاطع معارك 1942- 1943 و2008: الصراع على النفط

لكن، بالرغم من الفروقات الكبيرة بين المرحلتين التاريخيتين المختلفتين، مرحلة معركة ستالينغراد الكبيرة في العامين 1942-1943 وصدامات جنوب القوقاز في العام 2008، سواء في ما يتعلق بطبيعة الأنظمة السياسية-الإقتصادية القائمة لدى أطراف الحربين في كل مرحلة، أو ما يتعلق بحجم المعارك طبعاً، حيث تُعتبر معارك جورجيا ومحيطها محدودة مساحةً وزمناً بالمقارنة، كما ذكرنا، هناك شيء مشترك بين الحدثين، اللذين تفصلهما 55 سنةً، شهدت خلالها البشرية الكثير من التطورات والتغيرات الدرامية والعميقة: وهذا المشترك هو، بالتحديد، الصراع على مصادر الطاقة، والنفط خاصةً، أحد الموارد الأهم للطاقة في حقبة الحرب العالمية الثانية، كما في زمننا الحاضر، وهي المادة التي تُشكّل منطقة القوقاز أحد مصادرها الهامة في العالم (وإن يكن ليس بأهمية منطقة الخليج المشرقية طبعاً). ففي الحالتين، في الحرب العالمية كما في الصراع الأخير الذي جرى في جنوب القوقاز، كان النفط عنواناً رئيسياً، وعنصراً بارزاً في اعتبارات وأسباب الحرب والصراع... وإن لم يكن العنصر الوحيد طبعاً.
فأحد أبرز أهداف اجتياح جيوش أدولف هتلر للإتحاد السوفييتي ابتداءً من 22 حزيران/يونيو 1941 كان السعي للوصول الى مصادر النفط الهامة في جنوبي القوقاز وعلى ضفاف بحر قزوين، وفي مرحلة تالية الإنطلاق جنوباً، وفق خطط هتلر وقادته العسكريين، نحو إيران والعراق والمنطقة الخليجية، التي كان النفط قد فرض حضوره فيها... منذ السنوات الأولى للقرن العشرين بالنسبة لإيران، أي قبل الحرب العالمية الأولى، ومنذ العقد الثالث، أي العشرينيات، بالنسبة للعراق، والعقد الرابع، أي الثلاثينيات، بالنسبة للبحرين، ثم للعربية السعودية. فيما لحقت بلدان الخليج الأخرى بالركب النفطي لاحقاً، أي بعد الحرب العالمية الثانية.
***
ومن المعروف أن النفط قد استُخرج في روسيا القيصرية على نطاق تجاري، وخاصةً في منطقة القوقاز وبحر قزوين، منذ أواسط القرن التاسع عشر. فتحولت روسيا منذ تلك الحقبة الى أحد مراكز النفط الرئيسية في العالم، الى جانب الولايات المتحدة، وعدد قليل آخر من مناطق العالم التي تم اكتشاف النفط فيها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وكان النفط في بدايات تلك الحقبة مصدراً، بالأساس، لمادة الكاز (الكيروسين) المستخدمة آنذاك للإضاءة، قبل أن يتم انتشار القنديل الكهربائي (اللمبة) في أواخر ذلك القرن، من جهة، وقبل أن يتم توظيف أحد مشتقات النفط الأخرى، البنزين، في آلات الإحتراق الداخلي والبدء في بناء السيارات الأولى المرتكزة الى هذا النظام في السنوات الأخيرة من القرن ذاته (كان أبرز المبادرين لبناء أولى السيارات، التي تسير وفق نظام الإحتراق الداخلي، الصناعي الألماني كارل بنز- تُلفظ بينتس بالألمانية-، وما زالت إحدى السيارات التي أنتجها من بين السيارات الأشهر في العالم، وقد حملت اسم مرسيدس منذ أن بدأت شركة كارل بنز في تصنيعها في العام 1901، ثم تحوّل اسمها ابتداءً من العام 1926 الى مرسيدس بنز، أو بينتس، على اسمه واسم شركته، وهو الإسم الذي ما زالت تُعرف به هذه السيارة الألمانية حتى الآن).
وشهدت مشتقات النفط (الكاز، البنزين، الخ...) اتساعاً في استخدامها منذ بدايات القرن العشرين، خاصةً كوقود لوسائل النقل البرية، ولاحقاً لوسائل النقل البحرية والجوية، وخاصةً في سياق السباق الذي شهدته الحرب العالمية الأولى بين القوى المتنافسة، بحيث تحول النفط، شيئاً فشيئاً، الى مصدر رئيسي للطاقة طوال القرن العشرين، الذي يمكن أن يُعتبر قرن النفط بامتياز.
والوضع على هذا الصعيد لم يختلف كثيراً في هذه السنوات الأولى من القرن الجديد. فما زال للنفط دور مركزي في توفير الطاقة في مختلف مناحي الحياة، فهو ما زال المصدر الأول للطاقة (حيث يوفر قرابة الـ 40 بالمئة من الطاقة المنتجة في العالم)، ويأتي بعده، بالترتيب، الغاز الطبيعي، ثم الفحم، وثم المصادر المتجددة (المياه المتدفقة، الشمس، الرياح، بعض المواد الزراعية، الخ...)، ومن ثم الطاقة النووية.
***
أما علاقة الحرب الأخيرة في جورجيا ومحيطها بالنفط، فقد تبدو، للوهلة الأولى، أقل وضوحاً، خاصةً وأن جورجيا، التي استقلت في العام 1991، بعد انفراط عقد الإتحاد السوفييتي، لم تكن قط بلداً نفطياً.
ولكنها، بالمقابل، تحوّلت الى ممرٌٍ هام لنقل النفط والغاز الطبيعي من منطقة بحر قزوين، ممرٍ ازدادت أهميته منذ ذلك الحين. حيث ان موقعها الجغرافي بين تركيا، الواقعة الى الجنوب الغربي منها، من جهة، وأذربيجان المجاورة، البلد القوقازي النفطي الواقع الى الجنوب الشرقي من جورجيا والمشاطئ لبحر قزوين، جعلها ذات أهمية إستراتيجية لنقل النفط والغاز الطبيعي من منطقة قزوين، خاصة عبر الأنابيب. وهذه الأهمية تنبع من رغبة بعض الأطراف الدولية المهتمة، وخاصة الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا وشركاتها المعنية بالنفط والغاز، في الإلتفاف على طرق النقل الأخرى، أو منافستها، وتحديداً طرق النقل عبر روسيا، شمالاً، أو عبر إيران جنوباً. والطريق الأخيرة، أي عبر إيران، مستبعَدةٌ مسبقاً من هذه الأطراف الدولية، بالرغم من كون إيران، الواقعة الى الجنوب من القوقاز، بلداً مشاطئاً، في آنٍ واحد، لبحر قزوين وللخليج، البؤرة النفطية الأهم في العالم. ولكن إيران بلدٌ يُعتبر من قبل هذه القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بلداً منبوذاً أو من غير المرغوب التعاطي معه، أو تسهيل الأمور أمامه إقتصادياً.
أما أذربيجان، الواقعة جنوب شرق القوقاز وعلى الحدود الشمالية الغربية لإيران، والتي كانت، هي أيضاً في الماضي، جزءً من روسيا القيصرية ثم من الإتحاد السوفييتي، فقد أصبحت، منذ إعلانها دولة مستقلة، بلداً محورياً في الصراع الدولي الكبير على النفط والغاز الطبيعي في تلك المنطقة. ومنذ مطلع التسعينيات، بدأت الشركات النفطية الأميركية والأوروبية الغربية، مشجّعةً ومدعومةً من قبل حكومات بلدانها، أو سائرة في ركاب موفدي هذه الحكومات، تسعى الى توسيع نشاطها في تلك المنطقة ولعب دور أساسي في عمليات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي واستخراجهما ونقلهما الى مناطق الإستهلاك، وخاصة وأولاً باتجاه القارة الأوروبية.
هذا علماً بأن هناك جمهوريات سوفييتية سابقة أخرى، واقعةً الى الشرق من بحر قزوين، لديها مصادر هامة من النفط والغاز، وخاصة كازاخستان وتركمانستان. وبالفعل، تم وضع مشاريع لمد أنابيب لنقل النفط والغاز من هاتين الجمهوريتين، المطلتين على الضفاف الشرقية لبحر قزوين، عبر البحر نفسه، الى أذربيجان، ليتم، بعد ذلك، النقل في الأنابيب التي تنطلق من أذربيجان، وتمرّ عبر جورجيا، إما باتجاه الموانئ الجورجية على البحر الأسود، أو براً عبر تركيا، المتاخمة لجورجيا، الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط التركية.
وقد تم العمل، بالفعل، في السنوات الماضية، على إقامة أنبوب لنقل النفط من منطقة باكو، عاصمة أذربيجان، عبر جورجيا، ثم تركيا، وصولاً الى ميناء جيهان على ساحل تركيا الشرقي على البحر الأبيض المتوسط، وقد عُرف باسم انبوب باكو- تبليسي – جيهان، وهو أنبوب بدأ النفط يتدفق فيه من باكو في ربيع العام 2005 وبدأ يصل الى ميناء جيهان التركي في أيار/مايو 2006، أي بعد زهاء العام تقريباً من انطلاقه من باكو. ويمتد هذا الأنبوب الناقل على مسافة تزيد عن الـ1700 كيلومتر. وهو يُعتبر الأنبوب الثاني من حيث الطول في العالم، بعد الأنبوب العابر لسيبيريا لنقل النفط الخام الى شواطئ المحيط الهادئ، بهدف التصدير الى بلدان شرق آسيا، وخاصة اليابان والصين وكوريا (طوله 4700 كم).
والى جانب أنبوب النفط هذا، أنبوب باكو- تبليسي- جيهان، تمت إقامة أنبوب لنقل الغاز الطبيعي، أيضاً عبر جورجيا والى شرق تركيا، وهو الأنبوب المعروف باسم باكو- تبليسي- إرزوروم. وتبليسي هي، بالطبع، عاصمة جورجيا، أما إرزوروم فهي مدينة تقع شرقي تركيا، ومنها يُفترض أن يتم استكمال بناء خط أنابيب "نابوكّو" لنقل الغاز نحو وسط أوروبا، وتحديداً نحو النمسا، مروراً ببلغاريا ورومانيا والمجر. و"نابوكّو" هو اسم عمل أوبرا شهير للموسيقي الإيطالي المتميز جوزيبّي فيردي. وكلمة نابوكّو هي اختصار لاسم نبوخذنصّر، حاكم بابل الكلداني في النصف الأول من القرن السادس قبل الميلاد، صاحب الإنجازات المعروفة.
ومن شواطئ تركيا المتوسطية، يتم نقل نفط وغاز المنطقة القزوينية الى أوروبا، وأيضاً الى جنوب وشرق آسيا، إما عبر قناة السويس، أو عبر أنبوب عسقلان- إيلات الإسرائيلي، الذي يختصر الطريق ويُعتبر أكثر ضمانةً وتوفيراً بالنسبة لبعض الأطراف الغربية والآسيوية، خاصةً لقصر المسافة البحرية بين ميناء جيهان التركي وميناء عسقلان (حوالي 400 كيلومتر). كما تقوم إسرائيل، في السياق ذاته، بأخذ حصتها من نفط منطقة قزوين لاستهلاكها الخاص.
هذه المشاريع لإقامة أنابيب نقل النفط والغاز عبر هذه الطرق، وخاصة عبر جورجيا، تقف وراءها شركات كبرى غربية، أميركية وأوروبية، والى حد أقل يابانية. وتستهدف، كما ذكرنا، الإلتفاف على طرق نقل النفط والغاز الأخرى، وخاصة عبر روسيا، البلد المنتج للنفط (الثاني بعد السعودية في العالم) وللغاز الطبيعي (الأول في الإنتاج، كما في حجم الإحتياطي المكتشَف)، والمصدر الحيوي، خاصة في مجال الغاز، للعديد من بلدان أوروبا الشرقية والغربية.
ومن حيث المسافة، فإن الطريق من أذربيجان الى تركيا أقرب عبر جمهورية أرمينيا (السوفييتية سابقاً أيضاً) منها عبر جورجيا، لكن أرمينيا في حالة صراع وعداء مع أذربيجان حول منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها بين البلدين المتخاصمين، واللذين أغلقا الحدود في ما بينهما. وهو موضوع سنأتي عليه لاحقاً.
وهكذا نعود الى المربع الأول: الصراع على جنوبي القوقاز مرتبط بشكل وثيق بالصراع العالمي على مصادر النفط والغاز الطبيعي، وعلى ممراتها.

الخيط الإسرائيلي في جورجيا

وفي سياق الحديث عن موقع جورجيا ودورها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، لا بد من الإشارة الى أن نظام الحكم الذي أُقيم في هذا البلد بعد وصول ميخائيل ساكاشفيلي الى الرئاسة في العام 2004، لم يعمل على توطيد علاقاته العسكرية والأمنية والإقتصادية مع الولايات المتحدة فحسب، وهو ما كان متوقعاً مسبقاً نظراً لخلفية الرئيس الجورجي الجديد السياسية، وإنما أيضاً مع إسرائيل، على كافة الأصعدة، بما في ذلك على الصعيدين العسكري والأمني. الى حد أن عدداً من المسؤولين الكبار في هذا النظام هم من حملة الجنسية الإسرائيلية، الى جانب الجورجية، وفي مقدمتهم وزير الدفاع الجورجي، دافيت كيزيراشفيلي، الذي درس وعاش في إسرائيل ويتكلم اللغة العبرية بطلاقة. والوضع نفسه ينطبق على وزير آخر في الحكومة الجورجية على الأقل، هو وزير الدولة للإستيعاب تيمور ياكوباشفيلي، كما أورد موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على شبكة الإنترنت بتاريخ 10/8/2008.
وتشير بعض المصادر السياسية الغربية الى أن الحضور العسكري والأمني الإسرائيلي الكثيف في جورجيا، البلد الواقع على حدود تركيا الشمالية الشرقية، كما ذكرنا، والذي لا تفصله عن حدود إيران الشمالية سوى أراضي دولة أرمينيا، كان من بين أهدافه التحضير للإنطلاق من هناك لضرب إيران، في حال تم إقرار اللجوء الى القوة تجاهها من قبل إسرائيل، بضوء أخضر من قبل الولايات المتحدة طبعاً، حيث لا يمكن أن تُقدم إسرائيل على عمل خطير النتائج كهذا بدون غطاء أميركي كامل. وفي كل الأحوال، فإن الحضور الإسرائيلي في جورجيا اتخذ شكل تحالف حميم، حيث تم توفير أسلحة إسرائيلية متطورة لجيش جورجيا، بما في ذلك طائرات حربية مقاتلة وطائرات تجسس بدون طيار، كما تم بناء مصانع إسرائيلية متطورة للأسلحة والطائرات الحربية في البلد، وتم تنظيم دورات تدريب واسعة للقوات الجورجية، بما في ذلك في مجال "العمليات الخاصة" التي اشتهر بها الجيش الإسرائيلي.
وعندما اندلعت المعارك في جورجيا ومحيطها، وأبرزت وسائل الإعلام العالمية هذا الحضور الإسرائيلي المكثف في جورجيا بشكل واسع، حاولت الجهات الإسرائيلية المسؤولة التخفيف من الظهور العلني على الساحة الجورجية، وتخفيض العلاقات الظاهرة مع الحكم هناك، خشيةً على المصالح الإسرائيلية الكبيرة في روسيا ومعها، وتحسباً لاحتمال تنامي دور روسيا العالمي وفي مناطق الجوار الروسي، أي في ما يعرف بأورو- آسيا، وهو الإسم الذي يشمل في ما يشمل المناطق والبلدان المحيطة بروسيا، والممتدة على عرض القارتين الأوروبية والآسيوية، من الشواطئ الأوروبية للمحيط الأطلسي غرباً الى الشواطئ الآسيوية الشمالية للمحيط الهادئ في أقصى الشرق.
وجدير بالذكر ان إسرائيل حاولت أن تعزّز علاقاتها مع روسيا ومع مجمل جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، بعد انهيار هذا الإتحاد وتفككه، وكذلك مع دول حلف وارسو المنحل السابقة، أي دول أوروبا الشرقية التي كانت متحالفة مع الإتحاد السوفييتي، مستفيدةً من حالة الفوضى التي سادت معظم هذه البلدان في مرحلة الإنتقال الى شكل من أشكال الرأسمالية المتسيبة والفوضوية في بداياتها، بما في ذلك في روسيا نفسها. وقد برز، منذ مطلع التسعينيات، عدد من الشخصيات الروسية اليهودية الوثيقة الصلة بإسرائيل، وبعضها تحول الى مصاف كبار الأثرياء في البلد، وكبار المتنفذين في القطاع الإقتصادي وفي مجال وسائل الإعلام الكبرى، وإن كان قد حصل هناك بعض التراجع لدور وحجم حرية حركة هذه الأوساط داخل روسيا مع تنامي سطوة الدولة الروسية في عهد فلاديمير بوتين في المجالين الإقتصادي والإعلامي.

القوقاز: منطقة تنازع وصراعات تاريخية

والقوقاز هي المنطقة الجبلية الواقعة بين بحر قزوين، شرقاً، والبحر الأسود، غرباً. ويشمل شمال القوقاز مقاطعات روسية وجمهوريات حكم ذاتي، كلها تُعتبر الآن جزءً من الإتحاد الروسي، وهي: مقاطعتا كراسنودار وستافروبول الروسيتان، ومناطق أقليات قومية وإثنية في جنوبي روسيا، هي مناطق الشيشان، وإنغوشيا، وداغستان، وأديغيا، وكاباردينو- بالكيريا، وكاراشاي- تشيركيسيا، وأوسيتيا الشمالية. وبعض هذه الأسماء مألوفة في منطقتنا، خاصة في البلدان العربية المشرقية التي تعيش فيها أقليات من الشركس والشيشان، الذين هاجر عدد كبير منهم طوال القرن التاسع عشر، بعد المذابح التي تعرضوا لها على يد حكام روسيا القيصرية، من نمط مذابح العام 1864، وهي المذابح والملاحقات المختلفة التي دفعت العديد من عناصر هذه الأقليات للهجرة الى مناطق أخرى من السلطنة العثمانية، بما في ذلك بعض المناطق العربية، حيث يعيش نسلهم حتى الآن.
وكانت فترة التسعينيات، بشكل خاص، قد شهدت إنفجارات وحروباً متواصلة في منطقة الشيشان (تشيتشنيا، بالروسية)، حيث شهدت هذه الجمهورية الصغيرة (أكثر قليلاً من مليون نسمة)، الخاضعة للنظام الفيدرالي في إطار الإتحاد الروسي، حربين كبيرتين (1994-1996 و1999-2000)، شهدتا معارك عنيفة بين الجيش الروسي وحركات محلية كانت تدعو الى الإستقلال والإنفصال عن روسيا. وهما حربان خلّفتا حجماً كبيراً من الضحايا والدمار في هذه المنطقة.
وأهمية جمهورية الشيشان بالنسبة لروسيا تتأتى من كونها تشكّل، بدورها، ممراً لأنابيب النفط والغاز المتجهة من منطقة قزوين الروسية الى شاطئ البحر الأسود والى قلب روسيا، ومن ثمّ الى أوروبا الوسطى والغربية. وإن كان بإمكان روسيا أن تستخدم طريقاً آخر، عبر داغستان مثلاً، لكن مشكلة روسيا تكمن في كون القبول باستقلال منطقة مثل الشيشان يفتح الباب أمام مطالبات أخرى بالإنفصال عن روسيا، مما قد يقود الى تفكك روسيا نفسها، بعد تفكك الإتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات الماضية.
علماً بأن روسيا، حتى بحدودها الحالية، حدود ما بعد تفكك وزوال الإتحاد السوفييتي، هي بلد متعدد القوميات واللغات والأديان، وإن كان الروس أغلبية كبيرة فيها (في روسيا حوالي 160 قومية وإثنية يتكلم أفرادها زهاء المئة لغة، ومع أن اللغة الروسية هي اللغة الرسمية على صعيد البلد ككل، إلا ان لغاتٍ أخرى معترف بها كلغات رسمية في بعض الجمهوريات والمناطق الإثنية داخل روسيا الإتحادية. ومن حيث الدين، فإن الإسلام هو الدين الثاني في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، ويُقدّر عدد المسلمين في روسيا بين 15 و20 مليون نسمة من أصل 142 مليون مواطن في روسيا، أي بين 10 و14 بالمئة من السكان).
وفي سياق الحديث عن تفكك الإتحاد السوفييتي، فقد لفت الإنتباه، في حينه، كلام ورد على لسان الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي، فلاديمير بوتين، في سياق خطاب "حالة الأمة" أمام البرلمان الروسي، في نيسان/أبريل 2005، اعتبر فيه انهيار الإتحاد السوفييتي "أكبر كارثة جيو- سياسية في القرن العشرين". وهي صيغة استنفرت، في بعض الأوساط الغربية، مناخاً من النقد والتشكيك في صدقية تخلي بوتين عن طموحات روسيا لإعادة ضم جمهوريات سوفييتية سابقة اليها. وفي الواقع، ليس هناك أي مؤشر على وجود توجهات فعلية لدى بوتين، وخليفته في الرئاسة ديميتري ميدفيديف، سواء للسيطرة بالقوة على جمهوريات سوفييتية سابقة أو للعودة الى نظام إقتصادي قائم على ملكية الدولة لوسائل الإنتاج. أما الحؤول دون توسع نفوذ قوى أخرى، وخاصة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، في مناطق متاخمة لروسيا الإتحادية، فهو يدخل في إطار آخر، ويستند الى حسابات الأمن الخاص لروسيا ودورها الإقليمي والكوني.
هذا، وما زالت هناك حالياً حركات في شمالي القوقاز تدعو الى الإنفصال عن روسيا، لكنها ضعفت كثيراً في السنوات الأخيرة.
أما جنوب القوقاز، فهو يضم، بالأساس، ثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة، استقلت في مطلع التسعينيات، وهي جمهوريات جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. والأخيرة، أي أذربيجان، ذات الأغلبية السكانية -أكثر من 93 بالمئة- المسلمة (شيعية بالأساس، مع أقلية سنية)، وذات اللغة المنتمية الى عائلة اللغات التركية، فهي وحدها منتجة للنفط والغاز بين هذه الجمهوريات الثلاث. وتُعتبر عادةً مناطق تركيا الشمالية الشرقية أيضاً جزءً من المنطقة القوقازية، من الناحية الجغرافية.
وكانت هناك في الجمهوريات الثلاث المذكورة، في جنوب القوقاز، والتي استقلت في مطلع التسعينيات، كما ذكرنا، مشكلات إثنية: مشكلتا منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في أراضي جورجيا ما قبل انهيار الإتحاد السوفييتي، ومنطقة ناغورنو- كاراباخ، ذات الأغلبية السكانية الأرمنية، التي كانت، في العصر السوفييتي، جزءً من جمهورية أذربيجان، لكن نتيجة الحرب التي وقعت بين أرمينيا وأذربيجان في أوائل التسعينيات واستمرت حتى العام 1994، تمكّنت أرمينيا من السيطرة العسكرية على هذه المنطقة. ولا زال الوضع القانوني لهذه المنطقة غير مبتوت به حتى الآن، حيث لا زالت أذربيجان تطالب باستعادتها، في حين لم تقُم أرمينيا بإعلان ضمها رسمياً أو إعلان جمهورية مستقلة فيها.
أما منطقتا أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، اللتان رفضتا سيادة جورجيا عليهما منذ ما بعد تفكك الإتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، فقد أعلنتا الإستقلال بعد الهجوم الجورجي الأخير على أوسيتيا الجنوبية والصدامات التي أعقبته مع القوات الروسية في آب/أغسطس الماضي. وقامت روسيا بالإعتراف بهما كدولتين مستقلتين، وأعلنت في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2008 عن إقامة سفارتين لروسيا فيهما. وهي قرارات روسية لم تُثِرْ غضب حكام جورجيا فحسب، وإنما غضب الإدارة الأميركية الحليفة لها واستياء بعض بلدان الإتحاد الأوروبي، الذي يرى في ذلك إضعافاً لجمهورية جورجيا، قليلة السكان أصلاً (أقل من 5 ملايين نسمة)، ولكن ذات الموقع الإستراتيجي الحساس، كما سبق وأوضحنا.
وجدير بالذكر أن بعض الدول الأوروبية الغربية لم تكن بنفس حماسة الولايات المتحدة لإدانة روسيا في المجابهة التي دارت رحاها على أرض جورجيا ومحيطها، سواء بسبب العلاقات الإقتصادية المتطورة مع روسيا أو الحاجة لنفطها والغاز الطبيعي اللذين توفرهما روسيا بكميات كبيرة لبلدان القارة الأوروبية، أو بسبب التحفظات على نظام ساكاشفيلي في جورجيا وتجاوزاته السلطوية داخل البلد، كما ومبادرته "الحمقاء"، برأي بعض المعلقين الأوروبيين، لاجتياح أوسيتيا الجنوبية يومي 7-8/8/2008، وهو الإجتياح الذي شكّل استفزازاً كبيراً للقوات الروسية المتواجدة في هذه المنطقة، بتوافق دولي، منذ مطلع التسعينيات. وعلى سبيل المثال، أورد موقع مجلة "در شبيغل" الألمانية واسعة النفوذ على الإنترنت بتاريخ 15/9/2008 وبعنوان "الغرب بدأ يشكّك في الزعيم الجورجي" تحليلاً إخبارياً يشير الى اعتراض الحكومة الألمانية، بلسان وزير خارجيتها، على الطلب الأميركي بإدانة روسيا بشأن تطورات الصراع في جورجيا، ورفضها لفرض عقوبات أوروبية عليها.
وفي كل الأحوال، فقد واصل حكام روسيا، سواء رئيسها الجديد ديميتري ميدفيديف أو رئيس وزرائها فلاديمير بوتين، صاحب النفوذ الكبير في البلد على الأقل بحكم كونه رئيس حزب الأغلبية الحاكم، التأكيد على مضيهم قدماً في التعامل مع قرارهم بالإعتراف بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كدولتين مستقلتين كقرار لا رجعة عنه، كما قال الرئيس الروسي في حينه. وهو موقف أظهر تشدداً روسياً واضحاً ليس تجاه حكومة جورجيا فحسب، وإنما بالأساس تجاه الولايات المتحدة.

روسيا صعّدت لهجتها تجاه الولايات المتحدة وإدارة بوش منذ مطلع 2007

وما من شك بأن هذا الموقف الروسي لا يشكّل فقط رداً على الهجوم العسكري الجورجي على عاصمة أوسيتيا الجنوبية يومي 7-8 آب/أغسطس الماضي، وعلى التحدي المستمر الذي شكّلته جورجيا لروسيا من خلال توثيق تحالفها مع الولايات المتحدة (ومع إسرائيل) وتكثيف الحضور العسكري والأمني للأميركيين والإسرائيليين في جورجيا على التخوم الجنوبية لروسيا الإتحادية. بل جاء الرد الروسي القوي كرسالة حازمة للولايات المتحدة، بدرجة أولى، ولمجمل حلف شمال الأطلسي، بعد جملة من التحديات الأميركية، سواء بضم عدد من دول حلف وارسو السابق وكذلك جمهوريات سوفييتية سابقة لحلف شمال الإطلسي، والحديث عن ضم جمهوريتين سوفيتيتين سابقتين أخريين، هما جورجيا نفسها وأوكرانيا، بالإضافة الى التوجه الى إقامة شبكة صواريخ مضادة للصواريخ ومحطة رادار داعمة لها في كلٍ من بولندا وتشيكيا.
وتفاقمت الأمور، قبل أشهر من انفجار الوضع في جورجيا ومحيطها، بعد دعم الأميركيين ومعظم الأوروبيين لفصل مقاطعة كوسوفو عن جمهورية صربيا (اليوغوسلافية سابقاً) في منطقة البلقان، الأوروبية الشرقية، واعترافهم بها كجمهورية مستقلة في مطلع العام 2008. وصربيا، التي كانت جزءً من يوغوسلافيا الإتحادية السابقة، هي الدولة الأقرب الى روسيا من بين الجمهوريات التي انبثقت عن تفكك يوغوسلافيا منذ مطلع التسعينيات الماضية.
ذلك انه، بالرغم من كون مقاطعة كوسوفو ذات أغلبية سكانية ألبانية إثنياً ومسلمة دينياً، وهي كانت مركز الحركة القومية الألبانية في القرن التاسع عشر، فإن الصرب يعتبرونها مركزاً تاريخياً لمملكتهم ولكنيستهم الأرثوذكسية في العصور الوسطى. وفي كل الأحوال، اعتبر الصرب هذا الإعتراف الغربي باستقلال كوسوفو إمعاناً في تفتيت ليس فقط يوغوسلافيا الإتحادية منذ مطلع التسعينيات، والتي أصبحت الآن ست دول مستقلة، على الأقل، وإنما في تفتيت صربيا نفسها، بحدودها التي كانت قائمة ضمن الإتحاد اليوغسلافي، وحتى، قبل ذلك، ضمن مملكة يوغسلافيا التي قامت بعد الحرب العالمية الأولى (بين العامين 1918 و1943). حيث كانت صربيا، في الفترة الملكية، تشمل كوسوفو ومقدونيا. والأخيرة، أي مقدونيا، هي الآن دولة مستقلة من بين إفرازات تفكك يوغوسلافيا.
وقد وقفت روسيا الى جانب صربيا في رفض استقلال كوسوفو، معتبرةً هذه الخطوة غير قانونية، ورافضةً بالتالي دخولها الى هيئة الأمم المتحدة، حيث يتطلب الدخول عدم معارضة أيٍ من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وموافقة غالبية أعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. وحتى الشهر العاشر من العام 2008، كانت الدول التي تعترف باستقلال كوسوفو في العالم بالكاد يتجاوز عددها ربع عدد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة: 51 دولة فقط من أصل 192 دولة، لم يكن من بينها، في ذلك التاريخ، سوى دولة عربية واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، وأربع دول إسلامية أخرى فقط، هي تركيا وألبانيا وأفغانستان والسنغال، في حين لم تعترف غالبية الدول العربية والإسلامية بانفصال كوسوفو، لأسباب مفهومة، لها علاقة بالخشية من انفتاح باب انفصال مناطق إثنية وقومية ودينية موجودة داخل حدود العديد من هذه الدول، مثل كردستان العراق وجنوب السودان ومناطق البربر في بلدان شمال إفريقيا المغربية، الخ... والإعتبار ذاته جعل بعض الدول الأوروبية، من بينها إسبانيا وقبرص، تمتنع عن الإعتراف باستقلال كوسوفو. وهذا الوضع الدولي أتاح لروسيا وصربيا التقدم بطرح موضوع إنفصال كوسوفو على محكمة العدل الدولية لأخذ رأي إستشاري منها بشأن قانونية هذا العمل، وهي الخطوة القانونية الأولية التي حصلت على موافقة 77 من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، واعتراض 6 فقط وامتناع 74 دولة، في تصويت جرى يوم 8 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2008.
وهكذا ترى روسيا في اعتراض الولايات المتحدة وبعض حلفائها على اعترافها هي، في الشهر الثامن من العام 2008، باستقلال جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جمهورية جورجيا كيلاً بميزانين مختلفين وإزدواجية في المعايير.
وفي واقع الحال، فإن الرد الروسي على هجوم قوات جورجيا على عاصمة أوسيتيا الجنوبية، تسخينفالي، عبر تقدم القوات الروسية التي كانت متواجدة في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كـ"قوات حفظ سلام" منذ مطلع التسعينيات، بقرار دولي، بالإضافة الى قوات دعم روسية أخرى لهذه القوات، باتجاه الأراضي الجورجية خارج هاتين المنطقتين، بالإضافة الى الإعتراف الروسي باستقلال هاتين المنطقتين وتبادل التمثيل الدبلوماسي معهما، كما ذكرنا، هذا الرد يُعتبر استعراض قوة من قبل روسيا تجاه الغرب، وخاصة تجاه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وهو يُعتبر، كما سبق وأشرنا، عودةً روسية صاخبة الى واجهة الأحداث العالمية، بعد أكثر من عقد من الزمن، إثر انهيار الإتحاد السوفييتي، من الضعف والفوضى وانحدار المستوى الإقتصادي والوضع الأمني للمواطنين، وتراجع حضور البلد على الساحة الدولية، الى حد جعل بعض المعلقين الروس، يتحدثون في التسعينيات عن انحدار بلدهم الى مستوى بلدان "العالم الثالث".
وهكذا أرادت روسيا الناهضة من جديد أن تؤكد أنها قوة رئيسية في عالم اليوم، خاصة بعد الوهن الذي أصاب الولايات المتحدة ودورها كقطب أوحد منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، تحديداً على أرضية تورطها المتواصل في حربي العراق وأفغانستان وتدهور صورتها العالمية ووضعها الإقتصادي، كما عبّر عنه تفاقم الخلل في ميزانها التجاري وفي ميزان المدفوعات وارتفاع حجم ديونها الخارجية، ثم الإنهيارات التي شهدتها مؤسسات الرهن العقاري وبنوك الإقراض والإستثمار والإضطراب الإقتصادي الكبير الذي أحدثته هذه الإنهيارات في أنحاء العالم.
***
وعودةً الى مقالة الفيلسوف السياسي البريطاني جون غراي، نضيف الى ما أوردناه أعلاه قوله في المقالة ذاتها التي نشرتها صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، عدد 28/9/2008:
"ان عصر السيطرة الأميركية قد انتهى"، مشيراً الى إنفجار الأزمة المالية في وول ستريت والبنوك الأميركية. فالمسألة، برأيه أكبر من أزمة مالية: "إنها اهتزاز جيوسياسي تاريخي، حيث ميزان القوة في العالم يجري تغييره بشكل غير قابل للعودة الى الوراء. إن عصر القيادة الأميركية الكونية، الذي يعود الى الحرب العالمية الثانية قد انتهى".
وكان من منطق الأمور أن يطالب الرئيس الروسي ميدفيديف، في ظل أوضاع كهذه، بتجاوز سياسة التفرد الأميركية على المسرح الدولي واعتماد تعددية قطبية، هي، في حقيقة الأمر، أصبحت أمراً واقعاً، وإن لم يجرِ ترسيمه بعد.
وهذا التصعيد في اللهجة الروسية تجاه الولايات المتحدة وسياساتها الدولية لم يبدأ بعد الإشتباك الجورجي في صيف العام 2008، وإنما كان نتيجة جملة من التراكمات، كما ذكرنا، ليس أقلها أهمية ذلك السعي الأميركي الحثيث لتكثيف نفوذ الولايات المتحدة وحضورها العسكري في البلدان المحيطة بروسيا الإتحادية، بما في ذلك تلك التي كانت جزءً من الإتحاد السوفييتي السابق، وبضم عددٍ من بلدان أوروبا الشرقية الحليفة سابقاً للإتحاد السوفييتي، مثل بولندا والمجر وتشيكيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا، وكذلك جمهوريات البلطيق الثلاث، إستونيا وليثوانيا ولاتفيا، التي كانت جزءً من الإتحاد السوفييتي نفسه بعد الحرب العالمية الثانية وحتى العام 1991، الى حلف شمال الأطلسي، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، كبرى القوى العسكرية في العالم، والدولة التي يُشكّل إنفاقها العسكري السنوي زهاء نصف الإنفاق العسكري لكافة دول العالم الأخرى. وما زاد الطين بلةً، على هذا الصعيد، ما ذكرناه أعلاه حول قرار واشنطن العمل على إقامة شبكة من الصواريخ البالستية المضادة للصواريخ وموقع للرادار الكاشف للصواريخ في كلٍ من بولندا وتشيكيا، القريبتين جغرافياً من حدود روسيا الغربية، الى جانب التوجه المعلن من قبل واشنطن لضم كل من أوكرانيا وجورجيا، السوفييتيتين السابقتين والمحاذيتين لروسيا، الى حلف شمال الأطلسي.
***
وفي الواقع، فإن لهجة التصعيد الروسية تجاه هذا "التقدم" الإستراتيجي الأميركي باتجاه حدود روسيا هي، كما أشرنا، ردة فعل تراكمية على جملة من السلوكيات الأميركية طوال التسعينيات وسنوات القرن الجديد الأولى، رأى فيها الروس، سلطةً وشارعاً على حد سواء، سعياً أميركياً لإذلال بلدهم، أولاً، والإمعان في إضعافه ومحاصرته، عبر محاولة اجتذاب الدول المحيطة به، سواء أكانت من بين جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، أو من دول حلف وارسو السابق التي كانت حليفةً له، وإقامة قواعد عسكرية فيها.
وكانت صحيفة "موسكو نيوز" الروسية نشرت مقالاً على موقعها على شبكة الإنترنت بتاريخ 26/7/2007 تحت عنوان "10 أسباب لعدم استطاعة روسيا الوثوق بالعم سام"، تحدثت فيه في ما تحدثت عن أسباب الإستياء الروسي تجاه قرار الرئيس الأميركي بوش الإلغاء من طرف واحد، في كانون الأول/ديسمبر 2001، للمعاهدة المتعلقة بأنظمة الصواريخ البالستية المبرمة بين الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في العام 1972، أي في عهدي الزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف والرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. كما أشارت الصحيفة الروسية الى غزو العراق بدون تفويض من الأمم المتحدة، والزيادة الكبيرة في الموازنات العسكرية الأميركية، والأهم توسع حلف شمال الأطلسي ليشمل ليس فقط دول حلف وارسو السابق في أوروبا الشرقية، وإنما ثلاث جمهوريات سابقة كانت جزء من الإتحاد السوفييتي، هي جمهوريات إستونيا ولاتفيا وليثوانيا، كما أوردنا، فيما يجري الحديث عن احتمال ضم جورجيا وأوكرانيا للحلف، وهو ما قالت الصحيفة إنه "إقتراب شديد من البيت" بالنسبة لروسيا. كما أشارت طبعاً الى المشروع الأميركي لنصب نظام لمواجهة الصواريخ في بولندا وتشيكيا.
وكان تحليلٌ لباحث في المركز البحثي والسياسي الأميركي النافذ المعروف باسم "مجلس العلاقات الخارجية"، هو ليونيل بينر، قد نُشر بتاريخ 14/2/2007، أي قبل زهاء العام ونصف العام من أحداث جورجيا الأخيرة، على موقع المركز على شبكة الإنترنت، تحت عنوان "المصالح الأميركية – الروسية على سكة التصادم"، قد تناول أيضاً قضايا انسحاب واشنطن من معاهدة الحد من الأسلحة البالستية الموقعة في العام 1972، وتوسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، وإقامة نظام الصواريخ في بولندا وتشيكيا، وإقامة قواعد عسكرية أميركية في بلغاريا ورومانيا، و"الثورات الملونة" في جورجيا وأوكرانيا. كما أشار المحلل الأميركي في مقاله الى ردة فعل الرئيس الروسي، آنذاك، فلاديمير بوتين، الحادة على السياسات الأميركية في مداخلته خلال مؤتمر ميونيخ، الذي كان قد انعقد قبل ذلك بأيام، وهي ردة فعل سنتناولها أدناه. ولخّص الباحث الأميركي الأمر كله في عنوان داخلي في المقالة، يعبّر عن المشاعر الروسية المجروحة والغاضبة تجاه هذه السياسات تحت عنوان: "المطالبة بالإحترام".
ومن المؤكد أن الروس قد كتموا غيظهم لفترة طويلة منذ تفاقم أوضاعهم بعد سنوات قليلة من انهيار الإتحاد السوفييتي، وطوال ولاية بوريس يلتسين في التسعينيات الماضية، كما في السنوات الأولى الحَذِرة لولاية فلاديمير بوتين الأولى (2000-2004). ولكن مع بدء تحسن الأوضاع الإقتصادية في روسيا، على خلفية إرتفاع إنتاج روسيا من النفط والغاز الطبيعي، وإرتفاع الأسعار العالمية، مقابل تورط الولايات المتحدة في حربين داميتين في كلٍ من أفغانستان والعراق منذ أواخر العام 2001، وفشل استراتيجية واشنطن في تثبيت هيمنتها الإنفرادية على العالم، وسيطرتها على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية الحيوية، وخاصة مصادر الطاقة، من نفط وغاز، بدأت روسيا تستعيد ثقتها بنفسها، وترفع لهجتها تجاه السياسات الأميركية، سواء تلك المتعلقة بروسيا نفسها أو بقضايا عالمية أخرى، وخاصة مسألة الحرب على العراق، التي كانت روسيا معارضة لها عشية شنّها في آذار/مارس 2003.
وكانت إحدى الإشارات العلنية الأولى الأبرز لهذا التصعيد في السياسة الروسية باتجاه التعاطي الحازم مع ما اعتبرته موسكو تحدياً أميركياً – أطلسياً لها، مداخلةً للرئيس الروسي آنذاك، فلاديمير بوتين، يوم 10/2/2007، في "مؤتمر ميونيخ الثالث والأربعين حول سياسات الأمن" الذي انعقد، كما يشير اسمه، في مدينة ميونيخ الألمانية، انتقد فيها بحدةٍ ووضوح تفرد الولايات المتحدة بالقرارات المصيرية في الشأن العالمي، وبالمبادرة في التدخل في شؤون بلدان ومناطق أخرى في أنحاء العالم، بما في ذلك على الصعيد العسكري، متجاوزةً كل الهيئات الدولية وقواعد القانون الدولي، حسب تعبيره.
وهي مداخلة فاجأت الحضور، بمن في ذلك وزير الدفاع الأميركي، المشارك في المؤتمر، روبيرت غيتس، والذي ذهب في رده على الرئيس الروسي باتجاه استخدام لهجة ساخرة ومستخفّة به عبر تذكيره بكون كليهما، أي بوتين وغيتس، خريجي أجهزة المخابرات في بلديهما. ومعروف أن غيتس كان رئيساً للمخابرات الأميركية (سي آي إيه) بين العامين 1991 و1993.
لكن الوزير الأميركي لم يكن، في حينه، قد أدرك، بالضبط، كم ان الأمور تغيّرت في المزاج الروسي، الرسمي والشعبي، تجاه الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، عما كانت عليه في السنوات الأولى التي تلت انهيار الإتحاد السوفييتي، وكذلك في خارطة العالم السياسية. وتتالت بعد ذلك إشارات التشدد الروسية تجاه السياسات الأميركية التي تعتبرها روسيا إستفزازاً لها وتهديداً لأمنها وأمن محيطها المباشر. وهو تشدد رسمي روسي من الواضح أنه كان يلقى تجاوباً كبيراً لدى الشارع الروسي، كما أشارت لذلك استطلاعات الرأي وكذلك نتائج الإنتخابات الرئاسية التي جددت لبوتين في ربيع العام 2004، حين حصل على أكثر من 70 بالمئة من الأصوات منذ الدورة الأولى، وهو ما أعطاه المزيد من التفويض الشعبي للحكم بدرجة عالية من الثقة، وذلك بمعزل عن بعض الأساليب السلطوية التي كانت تطبع سياساته الداخلية.
وجدير بالإشارة أن القيادة الروسية رأت يد واشنطن وراء ما أُطلق عليه تعبير "الثورات الملونة"، وخاصة "ثورة الورود" في جورجيا في أواخر العام 2003 والتي أطاحت بالرئيس الجورجي إدوارد شيفاردنادزه وجاءت برئيس موالٍ للغرب، هو ميخائيل ساكاشفيلي، الذي انتُخب رئيساً في الأيام الأولى للعام التالي 2004، ثم "الثورة البرتقالية" في أوكرانيا إثر الإنتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2004، وأوكرانيا هي كبرى الجمهوريات السوفييتية السابقة بعد روسيا، من حيث عدد السكان، وهي "الثورة" التي قامت بعد التشكيك بنتائج الإنتخابات الرئاسية المعلنة في حينه، مما دفع لإجراء دورة أخرى جاءت بالرئيس فيكتور يوشتشينكو، ذي العواطف الغربية، بديلاً عن المرشح الذي كان يُعتبر قريباً من موسكو، فيكتور يانوكوفيتش. وبعد أن جرى طرح فكرة ترشيح البلدين، جورجيا وأوكرانيا، للإنضمام الى حلف شمال الأطلسي، رأت موسكو أن عملية حصار حقيقي تجري لها من قبل الولايات المتحدة غرباً وجنوباً، وقبل ذلك شرقاً، مع تكثيف المحاولات الأميركية، منذ التسعينيات، لاجتذاب الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، ذات الأغلبية السكانية المسلمة، والواقعة جنوبي روسيا الآسيوية، ولإقامة قواعد عسكرية أميركية في عدد منها، علاوة على تكثيف الحضور الأميركي في مجال استخراج ونقل النفط والغاز الطبيعي في تلك المنطقة، والذي سبق وتحدثنا عنه.
ولم تكن محاولات الإدارة الأميركية، في حينه، لطمأنة حكام روسيا عبر التصريح بأن نصب الصواريخ وشبكة الرادار المضادة للصواريخ في بولندا وتشيكيا موجهة بالأساس لمواجهة "خطر التسلح النووي والصاروخي الإيراني" مقنعةً بالنسبة لحكام روسيا، الذين عرضوا جملة من الإقتراحات البديلة، بما في ذلك نصب رادار في موقع روسي في جمهورية أذربيجان المتاخمة لإيران، وهي اقتراحات رفضتها إدارة جورج بوش الإبن كلها، مؤكدةً عزمها على نصب هذه الأسلحة الإستراتيجية في المواقع المقررة، أي على مقربة من الحدود الغربية والجنوبية الغربية لروسيا.
وجدير بالتذكير أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق في عهد جورج بوش الأب، جيمس بيكر، كان قد تعهد للرئيس السوفييتي الأخير، ميخائيل غرباتشوف، عشية التسليم السوفييتي بتوحيد شطري ألمانيا، الذي جرى في العام 1990، بألا تقوم الولايات المتحدة بتوسيع حضور حلف شمال الأطلسي وقواته وقواعده في البلدان والمناطق التي كانت جزءً من حلف وارسو أو من الإتحاد السوفييتي. لكن من الواضح أن ضعف روسيا في السنوات التي تلت الإنهيار السوفييتي جعلت الأميركيين ينكثون بتعهدهم هذا، ويواصلون التمدد شرقاً حتى باتجاه الحدود الروسية، وهو ما أشعل الضوء الأحمر لدى القادة الروس في السنوات الأخيرة، بعد أن شعروا بمزيد من الثقة بالنفس مع عودة وضعهم الإقتصادي للتحسن وتدعيم قوتهم العسكرية وتطوير علاقاتهم الدولية، بما في ذلك في المناطق التي غابوا عنها منذ الإنهيار السوفييتي، في مختلف قارات العالم، بما في ذلك في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، أميركا اللاتينية، دون أن يكون لذلك كله أي مضمون أيديولوجي طبعاً، أو أي سعي لمواجهة ساخنة مع واشنطن.

قبل "مبدأ بوش الإبن" الكوني، كانت هناك وثيقة وولفوويتز في العام 1992

ولا شك أن السياسات شبه المعلنة للإدارات الأميركية المتتالية منذ انهيار الإتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات الماضية حول السعي لمنع تنامي قوى دولية منافسة للولايات المتحدة، أو مرشحة للتحول الى قوى كبرى تهدد التفرد الأميركي بالنفوذ الكوني، جعلت التصريحات والأحاديث الأميركية التي حاولت طمأنة موسكو بشأن حسن النوايا الأميركية تجاهها غير مقنعة بالنسبة لموسكو.
ونشير هنا، بشكل خاص، الى الوثيقة الشهيرة التي تسربت عن وزارة الدفاع الأميركية في أوائل العام 1992 والتي عٌرفت باسم وثيقة "توجيه التخطيط الدفاعي للأعوام 1994-1999"، وكان المشرف على إصدارها بول وولفوويتز، الذي كان مساعداً لوزير الدفاع الأميركي لشؤون السياسات في عهد الرئيس جورج بوش الأب (1989-1993)، ثم ارتقى الى موقع نائب وزير الدفاع في عهد الرئيس جورج بوش الإبن، وكان من بين أبرز المحرّضين على الحرب على العراق وعلى فرض النفوذ الأميركي في مناطق النفط الخليجية. كما نشير الى العديد من الإعلانات والمواقف، المعبّر عنها علناً من قبل من عُرفوا باسم "المحافظين الجدد"، والذين كانوا أصحاب سطوة ونفوذ في ولاية الرئيس بوش الإبن الأولى (مطلع 2001- مطلع 2005)، وهي المواقف والإعلانات التي ذهبت بالإتجاه ذاته.
ومما ورد في "وثيقة وولفوويتز" هذه، في نسختها الأولى التي تم تسريبها الى صحيفة "نيويورك تايمز"، ونشرتها في عددها المؤرخ ليوم 8 آذار/مارس 1992، حول روسيا تحديداً، والتي كانت آنذاك في بداية خطواتها الأولى كدولة منبثقة عن تفكك الإتحاد السوفييتي وإعلان نهاية وجوده في أواخر العام 1991، وكدولة عائدة الى النظام الرأسمالي بعد تخليها عن مشروع التحول الإشتراكي، الفقرة التالية:
"نواصل الإقرار بأن القوات التقليدية، بمجموعها، للدول التي كانت سابقاً تشكل الإتحاد السوفييتي ما زالت تحتفظ بالإحتياطي العسكري الأكبر في كل أورو- آسيا، ولا نلغي المخاطر على استقرار أوروبا من ردة فعل قومية في روسيا أو مجهودات لإعادة إستيعاب جمهوريات مستقلة مثل أوكرانيا وبيلاروسيا، وربما غيرهما، في روسيا. ذلك أن علينا أن ندرك أن التغيّر الديمقراطي في روسيا قابل للتراجع عنه، وانه، بالرغم من أوضاعها الحالية، تبقى روسيا القوة العسكرية الأقوى في أورو- آسيا، والقوة الوحيدة في العالم التي لديها الإمكانية لتدمير الولايات المتحدة". والمقصود بـ"أورو- آسيا" طبعاً هو الكتلة المتواصلة للقارتين الأوروبية والآسيوية، والتي كان الإتحاد السوفييتي يشغل معظم قسمها الشمالي، من المحيط الأطلسي الى المحيط الهادئ.
ومما جاء في الوثيقة أيضاً:
"هدفنا الأول هو الحؤول دون عودة منافس جديد، سواء على أراضي الإتحاد السوفييتي السابق أو أي مكان آخر، يشكّل تهديداً على غرار ما كان يشكّله الإتحاد السوفييتي...علينا أن نسعى لمنع أية قوة معادية من السيطرة على منطقة لديها موارد طبيعية يمكن أن تكون كافية، في ظل سيطرة معزّزة، لتشكيل قوة كونية شاملة"..."على الولايات المتحدة أن تظهر القيادة الضرورية لإقامة نظام جديد ولحمايته، يوفّر الوعد بإقناع منافسين محتملين بأن ليس عليهم أن يتطلعوا الى دور أكبر أو أن يتخذوا خطوات أكثر إقداميةً (التعبير المستعمل، بالإنكليزية، هو "أغريسيف"، التي لا تُترجم دائماً بمعنى "عدوانية" في اللغة السياسية الأميركية، كما هو معناها الحرفي المألوف) لحماية مصالحهم المشروعة...علينا أن نؤمّن آلية لردع المنافسين المحتملين حتى من التطلع الى دور إقليمي أو كوني أكبر"!
هذا النص الذي نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، وأثار، في حينه، ردات فعل غاضبة واسعة في العالم، كما ذكرنا، دفع الإدارة الأميركية، إدارة جورج بوش الأب، الى اتخاذ قرار بإعادة صياغة الوثيقة بلغة أقل حدةً وإثارةً، لكن مع الحفاظ على جوهر الموقف. وجرت إعادة الكتابة هذه بإشراف مباشر من وزير الدفاع آنذاك، ديك (ريتشارد) تشيني، ورئيس أركان الجيوش الأميركية، آنذاك، الجنرال كولن باول، وتم نشر النص المعدل في 16/4/1992.
ومن الواضح أن إدارة جورج بوش الإبن، التي تسلمت الحكم في مطلع العام 2001، والتي تولى فيها كل هؤلاء الأشخاص المذكورين، وغيرهم من المسؤولين عن هذه الوثيقة الشهيرة، مهمات أساسية، أعادت تبني مضمونها كنهج استراتيجي لها، بما في ذلك في وثيقة أٌعلنت يوم 20/9/2002 وصدرت عن مجلس الأمن القومي الأميركي تحت عنوان "استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة"، واعتُبرت إحدى ركائز ما بات يُعرف باسم "مبدأ بوش". وقد شددت وثيقة العام 2002 على اعتماد "الحرب الإستباقية" لمواجهة أية تهديدات للمصالح الأميركية أو أمن الولايات المتحدة، وهو المبدأ الذي استخدم لتسويغ الحرب على العراق.
وما من شك أن الإرتياب الروسي تجاه هذه السياسة الأميركية، والذي لم يكن معبراً عنه بوضوح خلال فترات التقارب مع الغرب والفوضى الداخلية في ظل إدارة بوريس يلتسين (1991-1999)، كما في مناخات الحذر التي طبعت السنوات الأولى لحكم فلاديمير بوتين، هذا الإرتياب خرج الى السطح بشكل واضح مع تتالي تطبيقات مضمون الوثيقة الإستراتيجية الأميركية، بما في ذلك في قرار الحرب على العراق واحتلاله، كما ذكرنا. ومعروف أن قرار الحرب الأميركية هذا اتُخذ ونُفّذ من خلال اجتياح العراق بالرغم من مناخ معارضة دولية، شعبية ورسمية، واسع، وبالرغم من غياب غطاء شرعي من منظمة الأمم المتحدة، وذلك بعد أقل من عامين على الحرب التي أُعلنت على أفغانستان، والتي تم تبريرها في حينه بكون حكام هذا البلد، من الجماعة المعروفة باسم "طالبان"، رفضوا تسليم أسامة بن لادن، المفترض انه كان يقيم في ذلك البلد، والمعتبر مسؤولاً عن هجمات 11/9/2001 في نيويورك وواشنطن، الى السلطات الأميركية.
وبعد أن أخذ تطور الحربين في العراق وأفغانستان يستنزف السياسة والإقتصاد الأميركيين، ومع تزايد النقمة العالمية على نهج إدارة جورج بوش، ومع تزايد ثقة روسيا بنفسها واستعادة شيء من توازنها على الصعيد الإقتصادي، خاصة مع عائدات النفط والغاز الطبيعي الوفيرة، وبالتالي تخفيف الإحتقانات الشعبية التي سادت خلال التسعينيات، أخذت موسكو ترفع صوتها، وتعبّر علناً عن عدم ثقتها بحسن نوايا الولايات المتحدة تجاهها، وارتيابها من سعي واشنطن لإضعافها ومحاصرتها وإحاطتها بخصوم وأنظمة حليفة لواشنطن وقواعد عسكرية أميركية قريبة من الحدود الروسية.
وعندما جاء الحدث الجورجي في أواسط العام 2008، بدا للعالم وكأن روسيا عادت بقوة الى المسرح العالمي، إبتداءً من المسرح الأورو- آسيوي الواسع القريب منها، مطالبةً بدور يتناسب مع مكانتها كقوة نووية رئيسية، "الوحيدة القادرة على تدمير الولايات المتحدة"، وفق ما جاء في وثيقة وولفوويتز الشهيرة المشار اليها أعلاه، وكبلد قوي عسكرياً ويملك الأسطول البحري الحربي الثاني في العالم، ويتجه لتدعيم وضعه الإقتصادي مستنداً الى ثروات طبيعية غزيرة، ويسعى لتأكيد دوره العالمي، كإحدى القوى الرئيسية في صيغة عالمية جديدة تتجاوز صيغة وحدانية القطبية، التي تم دفنها في القوقاز، وفق تعبير المحلل السياسي البريطاني شوماس مايلن في صحيفة "ذي غارديان"، المشار إليه أعلاه.

تفاعلات في المحيط، إثر انفجار جورجيا

ضُعف ردة الفعل الغربية، الأميركية والأوروبية، على التحرك العسكري الروسي ضد جورجيا، شكّل إنذاراً مؤثراً للعديد من الدول المحيطة بروسيا أو القريبة منها، سواء تلك التي كانت جزءً من الإتحاد السوفييتي أو من حلف وارسو المنحل، أي دول أوروبا الشرقية والوسطى، ومن بينها طبعاً دول القوقاز وآسيا الوسطى.
فمن جهة، بدأت بعض الجمهوريات السوفييتية السابقة، التي اقتربت في السنوات الأخيرة من واشنطن والدول الغربية عامةً، تعمل على إحداث توازن في سياساتها، أو حتى تحقيق تقارب متجدد مع موسكو والسعي لتطوير علاقاتها السياسية والإقتصادية معها: ذلك كان حال أذربيجان، البلد النفطي الواقع الى الشرق الجنوبي من جورجيا والقوقاز والمحاذي لإيران، والذي سبق وتحدثنا عنه. حيث كان النظام هناك قد وسّع في السنوات الأخيرة من علاقاته مع واشنطن وفتح الباب أمام الشركات الأميركية والأوروبية واليابانية للاستثمار في مجالي النفط والغاز الطبيعي. فقد سارع الرئيس الأذري، إلهام علييف، بعد اشتباكات جورجيا، الى القيام بزيارة الى روسيا والإلتقاء مع رئيسها ديميتري ميدفيديف. وكذلك فعل حكام جمهوريات آسيا الوسطى، السوفييتية سابقاً، وأبرزهم رئيس كازاخستان، نور سلطان نزاربايف، الأطول عمراً في السلطة والأكثر خبرةً من بين أقرانه حكام تلك المنطقة، وحاكم البلد الأكبر مساحةً، والأغنى باحتياطي النفط والأكثر إنتاجاً وتصديراً له في تلك المنطقة، بعد روسيا طبعاً.
أما جمهورية أرمينيا، التي كانت تحافظ في السنوات الماضية على علاقات إيجابية مع موسكو، خاصةً لكونها على علاقات متوترة، كما ذكرنا أعلاه، مع اثنتين من جاراتها: أذربيجان، أولاً، المتاخمة لها شرقاً، بسبب الخلاف، المشار إليه سابقاً، بين البلدين حول مقاطعة ناغورنو كاراباخ، التي كانت جزءً من جمهورية أذربيجان في العهد السوفييتي، والتي لا زالت أرمينيا تسيطر عليها بعد حرب أوائل التسعينيات... وتركيا، ثانياً، المتاخمة لأرمينيا غرباً، والتي تُعتبر خصماً تاريخياً على خلفية المذابح التي تعرض لها الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى في مناطق السلطنة العثمانية، وهي المذابح التي ترفض الأنظمة التركية الجمهورية، التي ورثت السلطنة العثمانية، الإعتراف بالمسؤولية التاريخية عنها، فيما تصر أرمينيا على ذلك. هذا، مع العلم بأن النظام الحالي في تركيا، في ظل حكومة طيب رجب إردوغان، سعى لشيء من الترطيب في العلاقات، حيث بادر الرئيس التركي عبدالله غُل، المنتمي الى نفس الحزب الذي يتزعمه إردوغان، الى استغلال فرصة مباراة كرة قدم بين فريقي البلدين في إطار تصفيات بطولة العالم جرت في العاصمة الأرمينية يريفان، لزيارة البلد في الأسبوع الأول من شهر أيلول/سبتمبر 2008، والإلتقاء برئيسها سيرج سركيسيان.
وبما أن أرمينيا لا شواطئ لها، من جهة، ولا حدود مباشرة مع روسيا، من جهة أخرى، فهي تحتاج الى جورجيا كمعبر للإستيراد والتصدير. وهو ما جعلها تبدي بعض الحذر تجاه تطورات جورجيا وتجاه مسألة الإعتراف بجمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. فيما تقيم أرمينيا علاقات سياسية واقتصادية طبيعية وودية مع جارتها الجنوبية، إيران، التي تعيش فيها، منذ زمن بعيد، أقلية أرمنية.
وقد بادر الرئيس الروسي ميدفيديف، في سياق المناخ الذي ساد منطقة القوقاز الجنوبي بعد الأزمة الجورجية، الى دعوة كلٍ من رئيسي أرمينيا وأذربيجان الى موسكو يوم 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، في محاولة للبحث عن حلحلة للأزمة بين البلدين بشأن موضوع منطقة ناغورني كاراباخ، وهي الدعوة التي أظهرت تعزيز الدور المركزي الروسي في جنوبي القوقاز، على حساب الدور الذي كانت تحاول لعبه دول حلف شمال الأطلسي، وخاصة الولايات المتحدة، التي حاولت تثبيت حضورها ونفوذها، خاصةً في جورجيا وأذربيجان، على حساب دور روسيا، في تلك المنطقة.
وجدير بالذكر أن عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة قد شكّل في العام 1997 نوعاً من التحالف الذي عُرف باسم: منظمة "غوام" للديمقراطية والتنمية الإقتصادية. و"غوام" هي الأحرف الأولى بالإنكليزية لأسماء هذه الجمهوريات (جورجيا، أوكرانيا، أذربيجان، مولدوفا). وهو تحالف نظرت إليه موسكو بارتياب، ورأت فيه محاولة من دول التكتل، مدعومةً من الدول الغربية، لمواجهة النفوذ الروسي، مقابل تدعيم العلاقات مع الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. وقد انضمت جمهورية أوزبكستان، السوفييتية السابقة أيضاً، والواقعة في آسيا الوسطى وعلى الحدود الشمالية لأفغانستان، الى منظمة "غوام" في العام 1999، لكنها انسحبت منها في العام 2005. وقد عقدت "غوام" قمة لها في تموز/يوليو 2008 في مدينة باتومي الجورجية، أي قبل فترة وجيزة من اندلاع المعارك في جورجيا. وقد أشار بعض المراقبين الى تناول مسألة تعاطي حكومة جورجيا مع المنطقتين اللتين انفصلتا عنها خلال هذه القمة، التي حضرها بالإضافة الى الدول الأعضاء، رئيسا كلٍ من ليثوانيا، السوفييتية السابقة أيضاً، وبولندا، العضو سابقاً في حلف وارسو المنحل، وكلا الدولتين حالياً عضو في حلف شمال الأطلسي وفي الإتحاد الأوروبي. وقد دعم رئيسا هذين البلدين توجهات رئيسي جورجيا وأوكرانيا، خاصةً، للحد من النفوذ الروسي في بلديهما وعموم المنطقة. مع العلم بأن جمهورية مولدوفا، السوفييتية السابقة، والواقعة بين أوكرانيا ورومانيا، شمال غرب البحر الأسود، لم تعد تشارك بشكل فعال في تحالف "غوام"، حتى قبل الإنفجار العسكري في جورجيا. كما ان أذربيجان، كما أشرنا، اتجهت للسعي لإيجاد توازن في علاقاتها بين الولايات المتحدة وروسيا، بحيث بقيت النواة النشطة من "غوام" مشكّلة عملياً من كلٍ من جورجيا وأوكرانيا.
هذا، مع العلم بأن ما جرى في جورجيا في صيف العام 2008 أحدث تطوراً سياسياً مهماً داخل أوكرانيا، تمثّل في تفاقم الخلاف في الإئتلاف الحاكم بين الرئيس فيكتور يوشتشنكو (تُلفظ يوشتشنكا) وحزبه، من جهة، ورئيسة الحكومة يوليا تيموشنكو (تيموشنكا) وحزبها، من جهة أخرى. حيث أراد الأول تقديم دعم قوي لرئيس جورجيا ابان الأزمة مع روسيا، وأعلن عن احتمال فرض قيود على حركة الأسطول الروسي، الذي لا زال يحتفظ بقاعدة بحرية في شبه جزيرة القرم على الشاطئ الشمالي للبحر الأسود، وهي شبه جزيرة تابعة لأوكرانيا من حيث السيادة، مع ان غالبية سكانها من الروس، وقد جرى الإتفاق بين حكام البلدين في العام 1997 على استمرار استخدام روسيا لقاعدتها البحرية هناك، في ميناء سيباستوبول، لمدة 20 عاماً. من جانبها، حاولت رئيسة الحكومة يوليا تيموشنكو إرسال إشارات إيجابية بعض الشيء الى موسكو، في طموحٍ، على ما يبدو، لتوفير دعم لها في التنافس المحتمل على انتخابات الرئاسة في العام 2009 مع الرئيس الحالي، وهو دعم يمكن أن يأتي من قبل حزب الأقاليم، الحزب القوي (المعارض حالياً) القريب من موسكو، الذي يقوده رئيس الحكومة السابق فيكتور يانوكوفيتش. وبعض المحللين رأوا هذه الخلفية في رفض يوليا تيموشنكو إتخاذ أي قرار ضاغط على روسيا، مما دفع الرئيس يوشتشنكو يوم 3/9/2008 الى سحب حزبه من الإئتلاف الحكومي، بحيث فقد الإئتلاف الحاكم الأغلبية في البرلمان، فأعلن الرئيس يوشتشنكو بعد ذلك دعوته لإجراء انتخابات نيابية جديدة، تحدد موعدها في الشهر الأخير من العام 2008، لكن تم تأجيله لاحقاً، بدون إعلان موعد محدد لهذه الإنتخابات. وفي كل الأحوال، لا أحد يستطيع أن يتنبأ بأن أية إنتخابات يمكن أن تحل الإشكال السياسي المستمر والمتفاقم في هذا البلد منذ عدة سنوات.
بالمقابل، دفع الحدث الجورجي حكومتي كل من بولندا وتشيكيا للإسراع في تفعيل مشروع الإتفاقين الخاصين بإقامة شبكة صواريخ مضادة للصواريخ في البلد الأول، وشبكة رادار لرصد الصواريخ في تشيكيا، بالرغم من وجود معارضة شعبية قوية في البلدين، وخاصة في تشيكيا، لمثل هذه الخطوة، علاوةً على المعارضة الروسية الحازمة المعلنة لهذه الخطوة الأميركية، والتي تحدثنا عنها. وهذه المعارضة الشعبية ربما تكون قد تراجعت بعض الشيء في ظل محاولات تفسير السلوك الروسي في جورجيا وكأنه سابقة يمكن أن تُستخدم مع دول أخرى في محيط روسيا.
وكان قد جرى، بالفعل، التوقيع في شهر تموز/يوليو 2008 من قبل كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، آنذاك، ونظيرها التشيكي كاريل شفارتسينبيرغ على معاهدة إقامة قاعدة رادار على أراضي تشيكيا. وفي النصف الثاني من آب/أغسطس، أي بعد معارك أوسيتيا – جورجيا، وقعت رايس إتفاقية مع وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، تنص على إقامة عشر أنظمة مواجهة للصواريخ في بولندا في العام 2012. لكن الإدارة الأميركية الجديدة، إدارة أوباما، قد تتخذ خطوات مختلفة في سياق تعاملها المختلف مع روسيا.

ملامح خارطة سياسية عالمية جديدة، متعددة الأقطاب

وهكذا، وبالرغم من نفي الأوساط الروسية والأميركية لوجود "حرب باردة" جديدة بين البلدين، بحجة غياب نزاع أو تنافس أيديولوجي بين البلدين، لكون روسيا أصبحت بلداً يسوده نظام إقتصادي رأسمالي، يمكن القول أن العلاقات بين موسكو وواشنطن شابها في أواخر عهد جورج بوش الإبن توتر شديد، حيث دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة شد وجذب، مرتبطة بمخاوف روسيا، من جهة، من وجود مشروع لمحاصرتها وتعزيز الحضور العسكري الأميركي والأطلسي على مقربة من حدودها، ومن جهة أخرى، من استمرار طموحات بعض الأوساط في الولايات المتحدة للحؤول دون تنامي قوة روسيا، وغيرها من القوى الصاعدة مثل الصين، التنامي الذي يهدد الهيمنة الأميركية الكونية المنفردة، حسب ما أشرنا أعلاه. لكن الواقع، على ما يبدو، قد فرض أوضاعاً مختلفة وخارطة سياسية عالمية جديدة غير تلك التي كانت إدارات واشنطن ما بعد العام 1991 تسعى إليها.
لكن انتخاب مرشح الحزب الديمقراطي الأميركي باراك أوباما رئيساً في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر قد يفتح الباب لشيء من التهدئة في العلاقة بين البلدين، روسيا والولايات المتحدة، وهو ما ألمح إليه الرئيس الروسي ميدفيديف في أحد تصريحاته بعد انتخاب أوباما. وهو ما سيتضح في السياسات العملية لإدارة أوباما، التي بدأت تمارس مسؤولياتها الفعلية في 20/1/2009.
وكما سبق وأشرنا، فإن هذه الهيمنة الأميركية المنفردة باتت، حسب العديد من المحللين في أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة وبريطانيا، جزءً من الماضي. فقد انتهت مرحلة التفرد الأميركي التي بدأت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، أو قبله بقليل، وبات العالم أمام مشروع تبلور صيغة جديدة لتوازن دولي، يختلف المحللون على توصيفه.
فهناك من يتحدث عن مشروع تعددية قطبية تضم القوى الصاعدة في العالم، الى جانب الولايات المتحدة، وخاصة روسيا والصين، والبعض يتحدث عن الإتحاد الأوروبي والهند وربما البرازيل، بالرغم عن كون الإتحاد الأوروبي لم يتشكل حتى الآن كقوة سياسية متماسكة. ويذهب محللون آخرون الى الحديث عن دور لعدد أوسع من الدول، مثل صيغة ج20، التي تضم 19 دولة من دول العالم القوية إقتصادياً ومالياً، بالإضافة الى الإتحاد الأوروبي. وتحدث بعض المحللين عن إمكانية حلول هذه الصيغة، أي صيغة ج20، عملياً مكان صيغة ج7 القديمة للدول الرأسمالية الأغنى (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، كندا)، التي كان قد بدأ العمل بها بصيغة 6 دول في العام 1975 بمبادرة من الرئيس الفرنسي آنذاك، فاليري جيسكار ديستان، على خلفية انعكاسات الحظر النفطي العربي أثناء حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 ورفع أسعار النفط في العامين 1973-1974، ثم تمت إضافة كندا لتصبح المجموعة سباعية في العام 1976. ولاحقاً أصبحت ثُمانية بإضافة روسيا اليها، أي صيغة ج8 (7+ روسيا).
وهناك من يتحدث عن عالم جديد "لاقطبي"، وهو رأي ريتشارد هاس، الموظف الكبير السابق في إدارتي بوش الأب والإبن، والمدير الحالي لمركز العلاقات الخارجية، المؤسسة الدراسية النافذة في الولايات المتحدة، وذلك في المقال الذي نشره في مجلة "فورين أفّيرز"، التي تصدر عن المركز، عدد شهري 5/6 للعام 2008، تحت عنوان "عصر اللاقطبية... ماذا سيأتي بعد السيطرة الأميركية".
***
وجاءت، في السياق ذاته، هذه الأزمة المالية والإقتصادية الطاحنة...

طبعاً، جرت المواجهة العسكرية في القوقاز قبل أن تتخذ الأزمة المالية والإقتصادية الكبيرة في الولايات المتحدة، الناتجة عن تفاقم أزمة الرهن العقاري وبنوك الإقراض والإستثمار، طابعاً درامياً صاخباً، إثر انهيارات أواسط أيلول/سبتمبر 2008، بدءً بإفلاس مؤسسة "ليمان براذرز" المالية-المصرفية، إحدى أكبر المؤسسات المالية الأميركية.
وهي الأزمة التي سرعان ما انتقلت الى أوروبا، ثم الى العديد من دول العالم الأخرى، فاتحةً الباب أمام جملة من الإنهيارات المالية والمصرفية الأخرى في الولايات المتحدة وفي عدد آخر من دول العالم، وأمام مرحلة من الإنكماش والركود في العديد من هذه البلدان، بما في ذلك في بلدان منطقة عملة اليورو، وفي مقدمتها البلد الأقوى إقتصادياً في أوروبا، ألمانيا، وكذلك في اليابان، البلد الذي كان يحتل المرتبة الثانية على الصعيد العالمي في حجم ناتجه القومي الداخلي، الى أن باتت الصين تقترب من احتلال هذا الموقع، على الأقل من حيث القيمة الشرائية الفعلية. من جانبها، تأثرت روسيا بشكل خاص بالتراجع الكبير في أسعار النفط العالمية، في حين تأثرت الصين بتراجع حجم الصادرات مع تخفيض الإستيراد الخارجي في الولايات المتحدة والعديد من الدول الصناعية المتطورة الأخرى، وتلك الأقل تطوراً.
واتخذت هذه الأزمة، بالتالي، طابعاً شاملاً، وتوقع العديد من المحللين الإقتصاديين أن يطول مداها، حيث تحدث مسؤولو صندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية مختصة أخرى عن احتمال استمرارها حتى أواخر العام 2009، على الأقل. وقد بات واضحاً من تصريحات العديد من المسؤولين، بما في ذلك رؤساء دول ووزراء أوروبيين، وليس فقط مسؤولي روسيا، الذين عبّروا عن رأيهم بقوة حول ضرورة إحداث تغيير جاد في النظام المالي العالمي الساري منذ نهايات الحرب العالمية الثانية، ان هذا النظام المالي لم يعد ملائماً للعالم الراهن.
ومعروف أن النظام المالي والنقدي الحالي انبثق عن اتفاق بريتون وودز، على اسم البلدة الواقعة في ولاية نيو هامبشير في الولايات المتحدة، التي انعقد فيها المؤتمر المالي والنقدي الدولي في الشهر السابع من العام 1944، في أواخر الحرب العالمية الثانية، وهو الإتفاق الذي أرسى النظام المالي الدولي اللاحق والقائم على مركزية العملة الأميركية وتنامي دور مؤسسات مالية دولية جديدة تحتل فيها واشنطن موقع نفوذ رئيسي، وخاصة صندوق النقد الدولي ثم البنك الدولي. ويرى العديد من المسؤولين في الدول الغنية أو الصاعدة في العالم أن نظام بريتون وودز بات يحتاج الى تغييرات جذرية، وإعادة الإتفاق على نظام نقدي ومالي عالمي جديد تتوزع فيه المسؤوليات بشكل أوسع، خاصة وأن الولايات المتحدة تعاملت مع إتفاق بريتون وودز بشيء من الخفة، خاصة بعد أن قرر رئيسها في العام 1971، ريتشارد نيكسون، فك ارتباط العملة الأميركية بالذهب، بقرار إنفرادي. وتواصلت بعد ذلك الخطوات الإنفرادية الأميركية، التي كانت تجعل العديد من دول العالم الأخرى تغطي العجز في موازنتها، من خلال شراء سندات الخزينة الأميركية وتقديم القروض للولايات المتحدة والإستثمار في مؤسساتها المالية المختلفة. وهو ما يفسّر هذا الإمتداد السريع للأزمة الأميركية المنشأ الى بلدان عديدة في العالم، بدءً ببلدان أوروبا واليابان.
ومن المؤكد، كما سبق ونقلنا عن الفيلسوف السياسي البريطاني جون غراي، أن مرحلة الهيمنة الأميركية على الوضع الإقتصادي العالمي أصبحت، هي أيضاً، جزءً من التاريخ، وأن قوى أخرى صاعدة في العالم، وخاصة في آسيا، تطالب بنظام أكثر توازناً، بما في ذلك روسيا، كما أشرنا، التي هي دولة آسيوية بمقدار ما هي أوروبية.
وقد اعتبر المسؤولون الروس، سواء الرئيس ديميتري ميدفيديف أو رئيس الحكومة فلاديمير بوتين، أن هناك حاجة، فعلاً، الى صيغة مختلفة، وذهبوا في بعض تصريحاتهم الى حد المطالبة بالتخلي عن الدولار كعملة رئيسية. لكن هذه المسألة ستحتاج الى وقت لبلورتها، وهو ما يمكن أن تبلوره الإجتماعات الدولية المتتالية المقترحة للتداول بشأن الوضع المالي والإقتصادي العالمي، بدءً من الإجتماع الذي انعقد في أواسط تشرين الثاني/نوفمبر 2008 في واشنطن لمجموعة العشرين، ج20، التي تضم، كما ذكرنا، الإتحاد الأوروبي، و19 دولة من الدول الغنية، أو تلك الصاعدة إقتصادياً أو ذات الإحتياطي النقدي الكبير، من كافة القارات.
وجدير بالذكر أن مجموعة العشرين تضمّ، بالإضافة الى أعضاء مجموعة الثماني والإتحاد الأوروبي، 11 دولة أخرى، هي الصين والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وأستراليا والمملكة السعودية وتركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك والأرجنتين. ويشكّل سكان مجموعة العشرين ثلثي سكان العالم، وتنتج أكثر من 80 بالمئة من الناتج الداخلي الإجمالي العالمي، وتستحوذ دولها على أكثر من أربعة أخماس تجارة العالم، باحتساب التجارة الداخلية بين دول الإتحاد الأوروبي الـ27.
يبقى أن نرى كيف ستتطور كل هذه السياسات في عهد إدارة أوباما الأميركية التي بدأت بممارسة مهامها في أواخر الشهر الأول من العام 2009. وكان العديد من المحللين الجادين قد رأوا في الأزمة المالية والإقتصادية العالمية انهياراً مدوياً للسياسة الإقتصادية التي أُطلق عليها تعبير "الليبرالية الجديدة"، والتي كانت رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر(1979-1990) والرئيس الأميركي الجمهوري رونالد ريغن (1981-1989) أبرز دعاتها ومطبقيها في الربع الأخير من القرن العشرين، المرحلة التي شهدت إنطلاق ما تم التعارف على تسميته بتعبير "العولمة".
وفيما يرى المحللون اليساريون، وحتى بعض غير اليساريين، أن العاصفة المالية والإقتصادية هذه هي أعمق من كونها عرضية، وأنها مؤشر لأزمة عميقة في النظام الرأسمالي، إلا ان الظروف الذاتية للقوى الداعية لتجاوز النظام الرأسمالي لا تتيح، في الأمد القريب على الأقل، سوى محاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه من النظام الإقتصادي العالمي القائم حالياً، تفادياً لما هو أسوأ، وإبعاداً لشبح أزمة 1929- 1933 الطاحنة. ومن المعروف أن تلك الأزمة الإقتصادية الكبرى، التي انطلقت أيضاً من الولايات المتحدة، شهدت مآسي رهيبة في أنحاء العالم، مع انتشار المجاعات والفقر والبطالة. وكانت هذه الأزمة، في حينه، أرضية خصبة لصعود أنظمة استبدادية ودموية في قلب العالم الرأسمالي المتطور، وخاصة في أوروبا، مع صعود نجم هتلر والنازية في ألمانيا، وأنظمة شبيهة في بلدان أخرى.
من المؤكد أن احداث العام 2008، التي تتواصل تفاعلاتها في العام 2009، ستُسجّل كمنعطف كبير في تاريخ العالم. ولكن...الى أين؟
من المبكر الإجابة على هذا السؤال. أما ما هو مؤكد، فهو أن العالم سيكون، بعد هذا المنعطف الذي شكّلته هذه الأحداث، مختلفاً عن العالم الذي كان قائماً قبلها.
***
ملاحظة: هذه الدراسة أعدت للنشر في إحدى الدوريات الفصلية التي تصدر في فلسطين.



#داود_تلحمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول سمات وآفاق الوضع الفلسطيني بعد الحرب على غزة (من ندوة لم ...
- هل بالإمكان تجاوز الأزمة الإقتصادية العالمية بدون حروب كبيرة ...
- نجاحات جبهة فارابوندو مارتي الإنتخابية في السلفادور تؤكد است ...
- الحرب على غزة... وخطة شارون- داغان لتصفية مشروع الإستقلال ال ...
- بعد عشر سنوات على رحيل عالم التاريخ والتراث هادي العلوي...ما ...
- نهاية نهاية التاريخ..!
- حول الموقف السوفييتي من مسألة فلسطين في العامين 1947-1948
- حول بعض الملاحظاتٍ على كتاب -اليسار والخيار الإشتراكي-
- في أربعين -الحكيم- جورج حبش... نكبات فلسطين المتعاقبة وتحديا ...
- -اليسار والخيار الإشتراكي... قراءة في تجارب الماضي وفي احتما ...
- 90 عاماً على الثورة البلشفية في روسيا.... هل كان بالإمكان تف ...
- حروب النفط والصراعات على منابعه وممراته مرشّحة للإتساع
- القرن 21 سيكون قرناً آسيوياً؟
- صعود الصين وتنامي استقلالية روسيا...يؤشران لتوازنات عالمية ج ...
- ملاحظات على هامش إنتخابات الرئاسة في فرنسا
- اليسار يرسم خارطة جديدة لأميركا اللاتينية، ومشروع عالم بديل
- تحديات تواجهها المساحة العربية في عصر العولمة الرأسمالية
- اليسار الجذري والديمقراطية التعددية هل يلتقيان؟ فنزويلا قالت ...
- الأيديولوجيا والسياسة... إستقلال نسبي، وضوابط ضرورية
- إنتصارات اليسار في أميركا اللاتينية -الخلفيات والآفاق


المزيد.....




- السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
- الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
- معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
- طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
- أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا ...
- في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
- طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس ...
- السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا ...
- قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
- لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - داود تلحمي - من ستالينغراد، عام 1943، الى معارك جورجيا 2008... تطورات القوقاز، والأزمة الإقتصادية، ونهاية مرحلة -القطب الأوحد-