أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الطوزي - هي/ انعكاس














المزيد.....

هي/ انعكاس


طارق الطوزي

الحوار المتمدن-العدد: 2636 - 2009 / 5 / 4 - 07:59
المحور: الادب والفن
    


انبثقتِ الفقاعةُ من فمها، تنتهجُ مساراً عشوائياً إلى السطح. كانت غارقةً في حوضِ استحمامِها تبحثُ عن راحةٍ مفتقدة. تتحسسُ جسدَها في مواطنَ الرؤيةِ و الحرامِ، فتشعرُ بحضورِها القلق. تنفخُ بشدّةٍ فتبرزُ الفقاقيعُ على السطحِ مهتاجةً وقحة. في بَرنامجِها اليومَ موعدٌ مع رعبٍ قديم؛ ستتحدى هاجساً بليداً لا يحملُ معنىً. تبتسم. تخرجُ بعنفٍ من الماءِ، فتتناثرُ قطراتٌ عديدةٌ خارجَ الحوض. تتأملُ أثرَها على الأرضية؛ سيكونُ عليها تنظيفَ كلّ هذا الهرجِ بعدَ موعدِها اليوم. تبتسمُ في حيرة. يتحوّلُ نظرُها إلى السقف. تركّزُ انتباهَها على الفانوسِ المضاء. تحدثهُ ضاحكة: " سيكونُ عليك اليومَ عبءَ الشهادة ". تواصلتْ ضحكتُها العابثة، قبلَ أنْ تتحولَ إلى ابتسامةٍ ساخرة.
أغمضتْ عينيها. أخذت نفسا عميقا، و عادتْ إلى ما تحتَ سطحِ الماء. تحسّستْ بيدها اليسرى نهدَها. داعبته بحنوّ. تلمّستْ بنشوةٍ الحلمةَ بسبّابتها. لم ترَ حياةً تنتفضُ خارجَ رداءِ الصّمت؛ قذرٌ هذا التشتّتُ في عُتْهِ الشوق. كانت سبابتُها تعبرُ حِمَى البطنِ قبلَ أنْ تبلغَ مملكةَ الفرْج. تلج عقال المحرج، فتستقرّ عندَ موطنِ الخبث. تداعتْ إليها صورُ الشيخِ وهو يحدّثُ عصبتَهُ الأتقياءَ قائلاً: " و ختانُها أن تقطعَ أعلى الجلدةِ التي كعرْفِ الدّيك! ". انتفضتْ خارجةً من تحتِ الماءِ وهي تضحكُ في لؤمٍ مردّدةً في صَخَب: " نِعمَ التشبيهِ هو يا شيخَنا الأقدس! ".
تقفُ داخلَ الحوض. تتناولُ منشفة. ترفعُ عن جسدِها الشقيِّ بعضاً من حركةِ الماءِ الماكرة. تتركُ شعرَها مبتلا. تقفُ خارجَ الحوضِ لتستقبلَ الموعد. يتلبّسُها دُوَارُ الرهبةِ من توقّعِ الخيبة، فهي تعلمُ ببساطةٍ مدى عجزِها عن مواجهةِ صورتِها في المرآة؛ لأنها متى وقفتْ في مُواجهتِها، يتملّكها شعورٌ منهِك بالخوفِ و الضعفِ و الألم، ثمّ ينتهي بها المطافُ إلى غيبوبةٍ مُطبِقة. إنها لا تعرفُ سبباً لهذا، لكنّ ما تعرفُه فعلاً مدى تحرُّجِها من غيبتِها القسريّةِ عن عينِ المرآةِ حتى لا يسكنَها نداءُ الغياب. لا ملمحَ يتبدّى منعكساً فيتمثّلها كما تكون. هكذا بلا هدي صورِ المرآةِ تحيى على هامشٍ غيرَ معلوم. فكان عليها الآن أنْ تواجهَ هاجسَها بتحدٍّ، و أن تقفَ أمامَ مرآتِها تلعنَ خوفَها.
تمسحُ البخارَ عن المرآةِ بمنشفتِها، و تنطلقُ في غمارِ محنةِ اللقاء. تتطلّعُ إلى المرآة. تبحثُ عن وجهِها فلا تلقاه. تحدّقُ في دهشة؛ هي ليستْ هناك! يتملكُها صداعٌ شديد. تواصلُ بحثَها منزعجةً عن وجهِها، فيتواصلُ غيابُها. تفكّرُ أنها من الضآلةِ بحيثُ لا تُرى، أو ربما هي مخفيةٌ في قبوٍ سِحريٍّ قديم. تنتظرُ و تنتظر، عسى أنْ تتبدّى أخيراً هناكَ في هذا الفضاءِ المبهم. تبرزُ في صدرِ المرآةِ نقطةٌ سوداءُ صغيرةٌ، تتعاظمُ بشكلٍ تدريجيٍّ، لتكتملَ أخيراً.. مشهدٌ لوجهٍ يلتحفُ سواداً، وتبرزُ منه عينانِ فاجرتان. كانت هيَ هي، على عتبةِ الظهورِ تنبلجُ كخسوف. تملكَها الجزعُ. دُوَارٌ شديدٌ يهزُّ ثباتَها. ترتعشُ أطرافُها. يصيبُها الغثيان...
تطوفُ على ذاتِها في دورانٍ سريع. تكتسي قنوطاً وهي تقدّرُ هزيمتَها.. لم تكنْ إلّا غياباً. توارتْ خلفَ رعبِ المرآةِ فامَّحى أثرُها. صارتْ فتنةً تُعدمُ في محفلِ قيامةِ الشيخ. كلمة لا تنطق. فراغ في مدىً بورٍ. لا شيءَ. هي مجرد نزوةٍ تُخفى في ديارٍ محروسة. ما هي سوى زينة تُمتلكُ فتُكتنز في أروقةِ المتاهاتِ البعيدة، وحسنُها من حسنِ طوقِها! هي صمتٌ في باحةِ عيشِ مجازاتِ الدِّيكة. عاودتِ النظرَ في مرآتِها. كانتْ مازالتْ هناكَ، بغطائِها الأمين، وعينيْها اللعوبَين. خمَّنوا في تَقواهم أنَّها مومسٌ توبتُها الغياب؛ تندثرُ فتُبرّأُ من فجورِ صفتِها. نظرتْ بحنقٍ في المرآة.. لن تكونَ في ميزانِهم إلّا بغياً خلفَ ستارِ القهرِ تعلنُ توبتَها: أنتِ الخَبيئةُ. أنتِ الدَفينة. أنتِ المطمورة. أنتِ الموءودة؛ و يبقى بعدَ ذاكَ الحجب من وراءِ الحجابِ يطمسُ لُغَتَكِ!...
تمسكُ زجاجةَ العطرِ بقبضتِها. تنهالُ على المرآةِ مكسرة. تُصابُ يدُها. ينسابُ دم.. تعاودُ الولوجَ إلى حوضِ الاسْتحمامِ. تستلقي. تغمضُ عينيْها. تغطسُ إلى ما تحتِ السّطح. تُسكنُ حركتَها. تتأملُ زمهريرَ حلقةِ الخلق...
حدَّثني الفانوسُ المضاءُ، قال: ثمَّ بُعثَ جسدُها من تحتِ رداءٍ أحمرَ قاتم....



#طارق_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقم
- عيون وقحة
- عجوز الستوت
- الكأس و المعاد
- الرحيق المختوم


المزيد.....




- من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق ...
- الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق الطوزي - هي/ انعكاس