|
الخنازير وأمراضها
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 09:18
المحور:
كتابات ساخرة
الكل يدرك، ما لحيوان الخنزير من مدلولات ذات طبيعة حساسة، واستفزازية أحياناً، في باطن، وعمق الوجدان الشعبي لهذه البقعة من العالم القابعة على صفائح أزلية ساخنة ومتوترة، تتحسس كل شيء، ومن أي شيء، وارتبط المفهوم، بالتابو والمحرم والمقرف الملعون المذموم، وبكل ما هو رث وقذر وخسيس، فما بالك حين يقترن ذاك المفهوم والمدلول بأمر كارثي ووبائي وقاتل؟ لا بد أن الألم سيكون مضاعفاً، والصدمة ستكون، عندها، أكبر من أن تحتمل؟
وبداية، وفي وجه آخر سايكولوجي لعوارض أنفلونزا الخنازير، فلا بد أن عملية تطبيع، تتم بشكل ما، على قدم وساق، مع هذا المفهوم ودلالاته، حين يداهمك في صحوك وغفلتك، وليلك ونهارك، بحيث تصبح "الخنزرة"، وبشكل خاص السياسة منها، بمختلف أشكالها، ومفرزاتها أمراً مألوفاً، وعادياً.
فهل نحن، وهذه الحال، في طور جديد من إعادة تشكيل للصورة النمطية التي ترسخت في الأذهان عن الغرب كواحة تصدر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وأنماط حياتية وسلوكية وفكرية أخرى اتسمت بالجمال والحرية والتعايش والسلام الذي ستتفيأ في ظله البشرية جمعاء، غير أنه ما انفك اليوم عن تصدير أزماته، ومشاكله الكبرى، وأمراضه المستعصية والمستفحلة، وحروبه المدمـّرة، وزعبراته المستمرة، مرة بعد الأخرى، وقذف كل ما في جوفه من سلبيات؟
فسلسة التشويه المتتالي تلك، تكاد لا تنقطع. لذا من كان سيعلم، مثلاً، بالجمرة الخبيثة؟ ومن كان سيعرف أي شيء عن القنابل الذرية القادرة على محو الحياة البشرية وتدمير الكوكب الأرضي عشرات المرات المتتالية؟ وماذا عن الفوسفور الأبيض، والأسود، و"المنيل" بستين ألف نيلة، بلغة أحبتنا الدارجة في أرض الكنانة؟ واليورانيوم المخصب، والمنضب والمستنفذ؟ من كان سيعلم عن الإيدز، والحمى القلاعية ، وإنفلونزا الطيور، وجنون البقر، وتهور البشر، وأخيراً وليس آخراً وباء إنفلونزا الخنازير القاتل، الذي بات يشكل رعباً حقيقياً، أفضى لإعلان حالات الطوارئ الصحية في كل من كندا، والولايات المتحدة، والمكسيك، ودول أخرى في العالم؟ بل من كان يتوقع أن حمى وإنفلونزا الانهيارات والأوبئة الاقتصادية التي ما زال الجميع يعاني من سكراتها وضرباتها الموجعة، والذعر والهلع الذي رافقها على كافة المستوية، شعبياً ونخبوياً، محلياً وعالمياً، والسقوطات المدوية، واندحار قيم الرأسمالية والنيوليبرالية مرة واحدة وإلى الأبد، وإفلاس البنوك، وانهيار البورصات، ومديونيات الكارتلات الكبرى، وخسارة الشركات، وتسريح الملايين من العمال، والكوارث المالية المتوالية التي محت الطبقة الوسطى من الوجود يعني، تماماً، كمجتمعاتنا الناطقة بالعربية، و"ما حدا أحسن من حدا" التي لا أثر لطبقة متوسطة فيها وما لهذه الطبقة من دفع عملية النمو والتمدن والحداثة نحو الأمام، ومنهجية الإفقار الشامل التي تتكرس اليوم في الغرب، نقول من كان يعلم بأمر هذا كله، وبأن هذه المناخات المرعبة ستكون فواتح، وعناوين عريضة للقرن الواحد والعشرين، الذي من المفترض أن يكون، واحداً من أميز الحقب البشرية نظراً لما توصلت له هذه الأخيرة، من إنجازات حضارية عملاقة وهائلة، في شتى الميادين، ولاسيما في حقل ثورة الاتصالات والمعلوماتية وبروز قطاع استثماري جديد، هو الأبرز، ويتمثل في هذا النمو المرعب لاقتصادات المعرفة، وإذ بنا نعود القهقرى، وإلى نقطة الصفر والبداية، إلى حقب الفقر، والأوبئة، والمجاعات، والتوترات، والتشتت والضياع، والزلازل العنيفة التي تعصف بالبنى المجتمعية في مختلف القارات، الخضراء، منها، والصفراء، والسوداء.
لقد كان كل ما يأتي من الغرب، أيام زمان، يعني "بريستيجاً"، وفتحاً، وتميزاً ومدعاة للفخر والاعتزاز باقتنائه، وتمثله سلوكاً، وأخلاقاً؟ ودخلت المنظومة اللغوية التي حملتها رياح الحضارة والابتكارات العلمية في صلب منظوماتنا اللغوية، وأزاحتها، وباتت تهدد وجودها ومستقبلها، وباتت الرطانة، بتلك المصطلحات القادمة من العوالم السحرية والساحرة البعيدة مظهراً من مظاهر الأبهة والكمال، لكن قبل أن تسيطر على نفس الغرب الهمجيات الأصولية والنزعات العنصرية وتنكشف ما ورائياته وأبعاده الحقيقية كحاضن ومولد للأزمات والحروب وشتى الملمات والتهديدات، وأصبح اليوم باعثاً على القلق، ونذير شؤم ماحق.
قد يكون وباء إنفلونزا الخنازير الـ Swine Flu على درجة كبيرة من الخطر الماثل، ولا بد ستتم معالجته والسيطرة عليه، لكن هناك أخطاراً أخرى، قائمة ودائمة، قد تأتي من "خنازير" أخرى، لا تقل خطورة، أو كارثية عن إنفلونزا الخنازير الوبائية، والله وحده يعلم، ماذا في جعبة أولئك "الخنازير"، بعد وباء الخنازير الخطير هذا.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدالة المأجورة
-
العرب والتخلف الإليكتروني
-
تحوّلات إيران الكبرى: هل تعترف إيران بإسرائيل؟
-
استقبال الفاتحين الأبطال: عودة نجاد وأردوغان!!!
-
أيُ الوصفات تفيد؟
-
هل دماء ابن لادن شيعية؟
-
فقه الجنس: برامج إباحية، أم وعظية؟
-
اعترافات مصريّة خطيرة
-
القاهرة وحزب الله: من يتهم من؟
-
المطلوب من إخوان سوريا
-
سقوط بغداد: عِبَرٌ وغموض وتحديات
-
من الوحدة والتضامن إلى إدارة الخلافات العربية
-
انهيار جبهة الخلاص السورية
-
أنسنة العولمة
-
أبو عنتر في ذمة الله
-
في سجال خطوة إخوان سوريا
-
خرافة الاقتصاد الإسلامي
-
هل تتخلف الدول الدينية؟
-
هل يكره النصارى المسلمين؟
-
أوباما والعودة للشرق الأوسط القديم
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|