|
أفاق اشتراكية - وموقف اليسار المصرى من قضية الديمقراطية
عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 806 - 2004 / 4 / 16 - 11:13
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
صدر العدد الثانى من " افاق اشتراكية " وهو كتاب غير دورى تصدرة دار العالم الثالث والثقافة الجديدة ويرصد هذا العدد العديد من الموضوعات المهمة وهو متوفر حاليا بالاسواق , ومن ابرز هذة الموضوعات هى موقف اليسار المصرى من قضية الديمقراطية , ولكن قبل ان اعرض هذا الموقف نرصد اولا افتتاحية العدد والتى اعدتها هيئة التحرير و تبدأ بما يلى :كنا قد انتهينا من إعداد مواد العدد الثاني من مجلة اشتراكية» بينما يطل من جديد المشروع الأمريكي لإخضاع الشرق الأوسط للوصاية الأمريكية وفقاً لخطة محددة نص عليها ما تم نشره أخيراً وسمى بـ «مشروع الشرق الأوسط الكبير» ذلك المشروع الذي كانت قد سبقته مبادرة «كولن باولن» في ديسمبر عام 2002 تحت مزاعم ترسيخ الديمقراطية أو نشرها في الدول العربية. والتي قوبلت بالهجوم والرفض من كافة القوى الوطنية والتقدمية والسياسية ليس في مصر فحسب بل في البلاد العربية ومن شعوبها، ويبدو أن الإدارة الأمريكية انتظرت حتى تنتهي من مهمة احتلال العراق وترسيخ وجودها العسكري فيه لتعيد طرح مشروعها الجديد داعية الدول الثماني الصناعية وحلف شمال الأطلنطي إلى تبنيه والشراكة في تنفيذه، وهو ما سوف يتم مناقشته لاتخاذ موقف حياله في قمة الدول الثماني في الولايات المتحدة في شهر يونيو القادم وفي قمة حلف الأطلنطي في نفس الفترة تقريباً.
ولسنا هنا بصدد التأكيد على أن هذا المشروع هو تدخل سافر وواضح في شئون دول مستقلة وذات سيادة بالتخطيط لهذا التدخل والإشراف على تنفيذه في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة أي أنه مشروع يعيدنا للوصاية الاستعمارية القديمة… ويصرف الأنظار عن القضايا الرئيسية في المنطقة مثل الصراع العربي الصهيوني والاحتلال الأمريكي للعراق ..
وقد نقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي عربي قوله : «إن الزعماء العرب يشعرون بأن مستقبلهم مطروح على المائدة في وقت لا يجلسون فيه حولها». نعم تستطيع أمريكا طرح مستقبل الزعماء أو الحكام العرب على مائدة لا يجلسون عليها وتستطيع أن تفعل بهم ما تشاء فهم الذين جعلوا من ظهورهم مطايا لأقدام أمريكا وسياساتها، ولكن المعادلة ليست أمريكا وحكام العرب فقط، ففي المعادلة شعوباً لها إرادة اختبرها التاريخ وسوف تدخل للمحك في المستقبل لأنها لم تقبل في الماضي ولن تقبل الآن أن يخطط لها عدوها المستقبل ويعيدها تحت الوصاية الاستعمارية.
إن الطريق الوحيد لمواجهة هذا المشروع «الوصاية» هو طريق المواجهة الشعبية والتي لن تتحقق إلاّ من خلال انتزاع الحقوق السياسية والديمقراطية للشعب المصري وعلى رأسها إلغاء حالة الطوارئ، وانتخاب رئيس الجمهورية لفترتين من بين أكثر من مرشح، ورفض التوريث، وحرية قيام الأحزاب والنقابات دون وصاية وغيرها من قضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي المعروفة. تلك الحقوق التي تمكّن القوى الوطنية والديمقراطية والجماهير الشعبية من دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لإسقاط الجدار العازل وتحقيق تسوية عادلة تضمن الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، ودعم الشعب العراقي ومقاومته الباسلة لإسقاط الاحتلال الإنجلوأمريكي للعراق ومواجهة الهيمنة والعربدة الأمريكية في المنطقة.
ولأننا كنا قد انتهينا من الإعداد لمواد العدد فلم نتمكن من عرض جوانب هذا المشروع بالتفصيل وسوف نتناول أبعاده وكيفية مواجهته في العــدد القـادم .
ومما يثير السخرية أن يتبنى الحزب الوطني الآن على لسان كبار مسئوليه، شعار الدفاع عن محدودي الدخل ومواجهة الفقر !! رغم أنه المسئول الأول عن استشراء الفساد، والارتفاع الجنوني للأسعار وتفشي البطالة وانهيار الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وإسكان وخلافه، ونحن نؤكد أنه لن يتصدى لتغيير هذه الحالة المأساوية إلاّ العمال والفلاحون والكادحون الفقراء والقطاع العريض من الفئات الوسطى والقوى السياسية المعبرة عن مصالحهم، وذلك من خلال تنظيم قواها واستخدام كافة أشكال النضال الديمقراطي الجماهيري المنصوص عليها في الدستور بداية من تقديم العرائض والقيام بالمظاهرات والمسيرات والإضرابات لتغيير الأوضـاع والسياسـات بشكـل جذري فالكيل طفح والوضع لم يعد يحتمـل المـزيد.
إن طرح شعار «التغيير بالجماهير» هو السبيل الوحيد للتصدي للفساد والاستبداد والتبعية ولإزاحة حكم الحزب الوطني والدولة البوليسية التـي تحكمنـا.
ونظراً لأهمية قضية «الديمقراطية» واعتبارها قضية الساعة الآن للقـوى السياسيـة المختلفـة في مصر فقد نظمنا ندوة العدد حول «موقف اليسار المصري من قضية الديمقراطية» وقد شارك فيها رموز من اليسار المصري من مختلف الأجيال والاتجاهات. وكانت هناك محاولة للإجابة عن الأسئلة الملحة والمتعلقة بمفهوم الديمقراطية ورؤية اليسار للطريق الديمقراطي للتغيير الذي أصبح ضرورة مع تفشي الفساد المنظم والمنهجي والمحمي بترسانة من القوانين التي سهلت إهدار حقوقنا وثرواتنا الماديـة والبشريـة.
وقد قدم النقابي «مصطفى نايض» ـ قراءة في أحوال الطبقة العاملة ـ تلك الأحوال التي تردت وتزداد سوءاً نتيجة لسياسات الحكم التي أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة بين العمال الذين خرجوا للمعاش المبكر لينضموا وهم في سنوات العطاء إلى طابور العاطلين والباحثين عن عمل.
وكما انقضت الحكومة على شركاتنا بالبيع وبتسريح العمال دون أن نعرف إجابة لسؤالنا «أين ذهبت حصيلة هذه الشركات» فها هي تنقض على أموال التأمينات الاجتماعية أي على أموال المعاشات لتستولى على 175 مليار جنيه تعجز عن ردها بل وتسعى لتمرير قانون جديد للتأمينات يطلق يدها في أموال أصحاب المعاشات والأرامل واليتامى ويقضى على أمان 18.3 مليون مواطن مؤمن عليهم وهي القضية التي يطرحها الباحث القانوني والحقوقي «خالد علي عمر» المحامي ومدير مركز هشام مبارك للقانون، وهي القضية التي ندعو أصحابها للدفاع عنها حتى لا نفاجأ باستيلاء الحكومة على ما تبقى من أموال التأمينات وتمرير قانونها المشبوه في غفلة من أصحاب المصلحة في التصدي له. وقد تشكلت «لجنة تحضيرية للدفاع عن الحقوق التأمينية» من كافة القوى الوطنية سوف تناضل بكل الوسائل القانونية والسياسية لمواجهة هذه الهجمة الحكومية التي صادرت حاضرنا وتريد الآن مصادرة المستقبل.
وعن «الطبقة العاملة وديمقراطية السلطة» يقدم النقابي «حمدي حسين» تحليلاً للأوضاع التي تحكم الوطن والمواطنين في ظل حكم ديكتاتوري يفرض ما أسماه بديمقراطية السلطة الحاكمة التي تتحكم في كافة الأجهزة والمؤسسات وفي المقدمة منها النقابات العمالية والمهنية، ووسائل الإعلام والثقافة لإحكام السيطرة على الاقتصاد والسياسة على المجتمـع بأسـره.
وسياسات الحكم تستند في حمايتها إلى ترسانة من القوانين سيئة السمعة والمهدرة لحقوق الإنسان وفي القلب منها قانون الطوارئ. لذا فقد أصبح التعذيب المنهجي المحمي بالقانون في أقسام الشرطة ظاهرة وهذا ما رصدته الزميلة «بهيجة حسين» من خلال ـ بعض حالات التعذيب في أقسام الشرطة خلال عام 2003 ـ وهو ما أطلق عليه «عام تعذيب الشرطة للمواطنين».
ولأن الفلاحين المصريين يظلون في القلب من تاريخ اليسار المصري يقدم المناضل «عريان نصيف» " مستشار اتحاد الفلاحين المصريين تحت التأسيس " ملفاً حول «تاريخ نضال اليسار المصري وسط الفلاحين» مؤكداً دائماً على أن مصر هبة الفلاحين.
وانطلاقاً من واقع فعلي لا يستطيع أحد إنكاره يؤكد الكاتب «محمد الجندي» ـ حق الشيوعيين في الوجود الشرعي ـ مستنداً للتاريخ الوطني للحركة الشيوعية منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى الآن، ومستنداً أيضاً إلى حقيقة وجودها الفعلي على كافة مستويات العمل السياسي والوطني والنقابي بقيادة ومشاركة رموز الحركة الشيوعية ومناضليها في نضالات الشعب المصري بلا توقف ومما يؤكد أن حجب الشرعية لا يعني حجب الوجود ولا يعني سوى حجب قوى سياسية وطنية أساسية وفاعلة عن حقها في العلنية والشرعية.
ومن شمال الوادي إلى جنوبه تأخذنا الزميلة المناضلة «الأستاذة/ فريدة النقاش» حيث تقدم قراءة نقدية لكتاب ـ «الشيوعيون السودانيون والديمقراطية .. للشراكة أم للزود عن مر الثمر» ـ للكاتب والمفكر السوداني الشيوعي «كمال الجزولي» وهو كتاب يحتاجه كل مناضل ديمقراطي وكل باحث عن الحقيقة حول دور الحزب الشيوعي السوداني المحوري في الحياة السياسية والفكرية في البلد الشقيق.
ونحـن نتطلـع إلى المقاومة العراقية، يطرح الكاتب «محمد فرج» " أمين التثقيف المركزي بحزب التجمع " سؤالاً وهو ـ المقاومة العراقية: هل تمنع نقل البترول إلى إسرائيل ؟ ـ راصداً حركة المقاومة وتطورها من المسيرات إلى العمليات العسكرية وخاصة «قطع الطريق على نقل النفط العراقي إلى إسرائيل فهل ستنجح وهل ستجد الدعم الإقليمي والمساندة أم لن تجد سوى التعتيم والحصار والتفكك والتناحر العربي».
واحتفالاً بعيد الميلاد الثاني والثمانون للكاتب الكبير والمفكر الماركسي والمناضل «محمود أمين العالم» نقدم نص محاضرة بعنوان «الماركسية وسرير بروكست» ألقاها في ندوة خاصة عن الماركسية في مجلة «اليسار» المصرية ونشرت بكتابه «الفكر العربي بين الخصوصية والكونية» صدر عام 1996 عن دار المستقبل العربي ونظراً لأهمية المقال واسترشاداً بفكر الكاتب وعطائه الكبير نعيد تقديمه في عددنـا هذا ونتمنى له دوام الصحة والعافية.
ونظراً لأهمية القضايا الفكرية والنظرية، قررنا تخصيص باب تحت عنوان «وجهات نظر» ونبدأه بمقال للكاتب والروائي «د. شريف حتاته» الذي يطرح فيه رؤيته «حول اليسار اللينيني ومساره». ونأمل أن يصبح هذا الباب في الأعداد القادمة مجالاً للاجتهاد الحر والجدل الفكري والنظري والفلسفي، هذا المجال الذي نعترف بالقصور الشديد فيه من جانب قوى اليسار الماركسي فـي مصـر.
كما يقدم «الدكتور حمزة السروي» " مدرس الفلسفة بكلية التربية بجامعة قناة السويس " عرضاً لكتاب «سيدني هوك» " التراث الغامض ـ ماركس والماركسيون ". إن عديداً من الأفكار الواردة في الكتاب قد تثير اعتراضات وأفكاراً هامة، هناك ضرورة لفتح النقاش حولها حتى يمكننا تطوير الفكر الماركسي في ضوء المتغيرات الكبيرة التـي حـدثت.
كما نقدم أيضاً باباً «للتواصل والتعقيبات» للتعليق والنقد وإبداء الرأي حول الموضوعات التي تنشر في المجلة والتي قد نختلف أو نتفق معها ولكنها تفتح آفاقاً جديدة للحوار وللـرأي من أجل وطن نسعى فيه لتحقيق العدل والحرية والاشتراكية وإلى العدد القادم.
هيئة التحرير
ندوة العدد
موقف اليسار المصري
من قضية الديمقراطية
المشاركون في الندوة
أ. أحمد نبيل الهلالي ـ المحامي والمناضل الماركسي المعروف
أ. بهيج نصار ـ عضو اللجنة التنفيذية لمجلس السلم العالمي
أ. حسين أشرف ـ أمين القاهرة بحزب التجمع
أ. حسين عبد الرازق ـ الأمين العام لحزب التجمع
د. حمزة السروي ـ مدرس الفلسفة بكلية التربية بالعريش/ جامعة قناة السويس
أ. عادل المشد ـ عضو الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب
أ. عبد الغفار شكر ـ نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية
أ. عريان نصيف ـ مستشار اتحاد الفلاحين المصريين
أ. يسري زكي ـ باحث
وشارك في الندوة من هيئة تحرير المجلة
أ. محمد الجندي
أ. بهيجة حسين
أ. صلاح عدلي
● أدار الندوة : أ. أحمد عبد القوي زيدان
● أعد الندوة للنشر : أ. صلاح عدلي
ورقة عمل
حول موقف اليسار المصري من قضية الديمقراطية
أصبحت قضية الديمقراطية اليوم في مصر قضية الساعة ومثار الحديث اليومي للمفكرين والقادة السياسيين، وتصدرت مطالب «الإصلاح السياسي والدستوري» أجندة كافة الأحزاب والقوى السياسية والعديد من منظمات المجتمع المدني على اختلاف مواقفها السياسية ومواقعها الطبقية.
ورغم اتفاق هذه القوى على ضرورة وأهمية انتزاع الحقوق الديمقراطية للشعب المصري إلاّ أنه من الملاحظ عدم وضوح ما تقصده هذه القوى بالديمقراطية واختلافها حول الموقف من العلمانية والدولة الدينية، وحول وسائل النضال التي تنتهجها هذه القوى من أجل تحقيق أهدافها حول هذه القضية ..
واختلطت الأوراق أكثر عندما تردد الحديث عن الديمقراطية وضرورة فرضها على الشعوب العربية في مبادرة «كولن باول» وخطاب الرئيس «بوش» باعتبارها أحد مفاصل المشروع الأمريكي لفرض الهيمنة الأمريكية على شعوب وبلدان الشرق الأوسط، وهو مشروع يضم قضايا أخرى مثل الثقافة والتعليم .. ونحن نلاحظ أن معارضة عدد كبير من القوى السياسية والمثقفين المصريين على ما طرحه «باول» و«بوش» بشأن الديمقراطية تكاد أن تنحصر في رفض طرحها من قوة خارجية وضرورة أن يأتي الطرح من بلدان وشعوب المنطقة نفسها، ومع تسليمنا بصحة هذا الطرح، إلاّ أن الأمر الأهم من وجهة نظرنا هو ارتباط الديمقراطية التي تريدها إدارة بوش بالسياسة النيوليبرالية الجديدة وحرية التجارة والخصخصة وانفتاح الأسواق على الشركات الاحتكارية الأمريكية بما يجعل هذه الديمقراطية أداة لتعميق التبعية وللتغطية على الأهداف والأطماع الحقيقية لفرض الهيمنة الأمريكية وتتويج إسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة كقوة إقليمية كبرى ووحيدة على المنطقة.
وهذا كله يدعو إلى ضرورة الحوار بين فصائل اليسار المصري لتحديد مواقفه من هذه القضايا، وتقديم بدائل لتوطيد نظام ديمقراطي حقيقي يخدم مصالح شعوب المنطقة انطلاقاً من خبرة الشعب المصري خلال نضاله العملي والتاريخي لبلورة مفاهيم صحيحة حول قضية الديمقراطية تنبع من ظروفنا واحتياجاتنا للخروج من النفق المظلم الذي دفعتنا ومازالت تدفعنا إليه سياسات وممارسات النظام والدولة البوليسية التي تحكمنا.
ومن جانب آخر هناك ضرورة لإبراز دور وتاريخ وتضحيات اليسار المصري وفي القلب منه الحركة الشيوعية في النضال من أجل انتزاع الحقوق والحريات الديمقراطية للشعب المصري، ذلك الدور الذي تعرض للتشويه بشكل لم يسبق له مثيل من أجهزة وأبواق الدعاية الرسمية للدولة المصرية والعديد من خصوم اليسار طوال أكثر من ثمانين عاماً .. لقد ربط الشيوعيون دوماً بين النضال من أجل الدستور والحريات السياسية وبين النضال الوطني من أجل الاستقلال قبل عام 1952 واستمر نضالهم ضد الاستبداد وضد التبعية للإمبريالية الأمريكية ومواجهة الأطماع الصهيونية وحماية الأمن القومي المصري منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن .. كما كان الشيوعيون دائماً من أنصار الربط بين النضال من أجل الديمقراطية السياسية والنضال من أجل انتزاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري وطبقاته الكادحة على وجه الخصوص.
لهذا كله رأت مجلة «آفاق اشتراكية» في عددها الثاني، تنظيم ندوة يتم فيها دعوة ممثلي قوى اليسار المصري للحوار حول هذه القضية من كافة جوانبها النظرية والعملية للوصول إلى تفاهم مشترك يحدد المفاهيم ويتفق على الأولويات ويقترح الوسائل الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف.
وفي هذا السياق هناك عدد من الأسئلة التي تقترح المجلة أن يدور حولها النقاش :
1ـ ما المقصود «بالديمقراطية» في فهم القوى اليسارية ؟ وهل تتوقف عند حدود نيل الحقوق السياسية وحرية الانتخابات وتداول السلطة أم هناك ضرورة لطرح قضية العلمانية بما تشمله من رفض الدولة الدينية وتأكيد حرية العقيدة والفكر والإبداع والبحث العلمي ؟
2ـ ما هي رؤية اليسار للطريق الديمقراطي للتغيير ؟ وما هي التحالفات المطلوبة لانتزاع الحقوق الديمقراطية للشعب المصري ؟
3ـ هل قضية الديمقراطية هي قضية نخبوية ؟أم هي قضية مصيرية للشعب المصري وطبقاته الكادحة لتحقيق أهدافها، وبما يضمن مشاركتها الفعالة في مجمل مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق التنمية وللخروج من دائرة التبعية والاستبداد والتخلف ؟
الجلسة الأولى
أحمد عبد القوي :
أرحب بالأساتذة المشاركين في الندوة الثانية لمجلة آفاق اشتراكية وهي تناقش اليوم قضية تعد من أكثر القضايا إثارة في الواقع السياسي المصري والعربي وهي قضية الديمقراطية وأنا أعتقد أن قضية الديمقراطية تحولت إلى أسطـورة لأن البعض يعتقد أنها بآلياتها هي القادرة على إخراج المجتمع من أزماته، وتعددت لذلك الدراسات واللقاءات حولها. ونحن هنا كمجلة ماركسية نقدم مشاركتنا من خلال دعوة عدد من ممثلي اليسار إلى رؤية تفاهمية حول هذه القضية.
ولذلك نحن قدمنا هذه الورقة على أساس أننا نقدم رؤية عن الديمقراطية من وجهة نظرنا، بمعنى أن الماركسيين لهم وجهة نظر في الديمقراطية قابلة للنقاش وقابلة للتطوير وقابلة للإبداعات الفكرية.
عبد الغفار شكر :
سوف أقدم تعريفاً للديمقراطية من وجهة نظري وبصفتي مواطنا اشتراكيا. إن أبسط تعريف للديمقراطية هو حق الشعب في اختيار حكامه وتغييرهم بإرادته الحرة، بهذا المعنى تكون الديمقراطية صيغة لإدارة الصراع والمنافسة في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية من خلال قواعد متفق عليها من كل الأطراف هدفها تنظيم عملية تداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة.
بهذا المعنى يجب أن تتوفر في المجتمع مجموعة من الشروط الأساسية أولها احترام الحقوق والحريات الأساسية للإنسان بما فيها حرية اعتناق الأفكار وحرية التعبير عنها وحرية التنظيم. ثانياً الاعتراف بالتعددية السياسية بما يكفل حرية إنشاء الأحزاب دون قيد أو شرط في ممارسة نشاطها، ثالثاً خضوع المجتمع كله حكاماً ومحكومين لمبدأ سيادة القانون، رابعاً استقلالية المنظمات الجماهيرية في إطار مجتمع مدني قوي يعزز استقلالية المبادرة الشعبية، وبالتالي سوف تكون المحصلة لكل هذا تداول السلطة بين مختلف الطبقات والقوى السياسية، عن طريق انتخابات حرة دورية باعتبار ذلك التأسيس الحقيقي لحق الشعب في اختيار حكامه وتغييرهم دورياً.
من الواضح إنني أنطلق هنا من الديمقراطية البرجوازية أي أن نقطة الانطلاق من الصيغة التي تحققت عملياً حتى الآن وأنتجت قدراً من حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية التفكير وهي الديمقراطية البرجوازية، صيغة تحالف قوى الشعب العامل التي بنتها الناصرية لم تحقق هذا، الديمقراطية الاشتراكية من وجهة النظر السوفييتية لم تحقق الديمقراطية وسقطت في التطبيق. وأنا أرى أننا كاشتراكيين يجب أن ننطلق مما حققته البشرية من صيغة يمكن أن توفر الحد الأدنى وهذه الصيغة وإن كنا نسميها الديمقراطية البرجوازية إلا أنها جاءت نتيجة لنضال الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.
فالرأسمالية لم تكن ديمقراطية عند نشأتها، وآفاق فرض هذه الشروط وتداول السلطة هو نضال الطبقة العاملة في المجتمعات الصناعية الحديثة المتقدمة، وبالتالي هي مكسب للطبقات الكادحة والطبقة العاملة أكثر منها معطى من معطيات نظم الحكم الرأسمالي.
بهذا المعنى أستطيع أن أقول أن الديمقراطية عملية تاريخية وقضية مجتمعية. عملية تاريخية بمعنى أن لها نقطة بدء وأن هناك طريق طويل للنضال الديمقراطي لكي تتحقق هذه الشروط والمواصفات، نقطة البدء عندما يتمكن المجتمع المعني من السيطرة على مصادر العنف فيه ويقبل الكل حكاماً ومحكومين مبدأ تداول السلطة من خلال وسائل سلمية، وليس من خلال الحروب الأهلية والصراعات الدموية. وقد قبلت هذه الطبقات الرأسمالية تداول السلطة من خلال الوسائل السلمية حفاظاً على مصالحها للمدى البعيد، وبالتالي هي عملية تاريخية تبدأ من نقطة بدء وتتطلب نضال طويل الأمد لكي تتوفر بقية الشروط التي يجب توافرها في هذا المجتمع حتى نصفه بأنه مجتمع ديمقراطي.
هنا تأتي نقطة ثانية وهي أن الديمقراطية قضية مجتمعية أي أنها ليست مجرد مسألة خاصة بحرية الانتخابات، وأن هناك جوانب أخرى تلعب دوراً في انضاج التطور الديمقراطي أو إفشاله منها أولاً قضية الثقافة أي القيم الثقافية السائدة، ثانياً قضية توافر وبناء المؤسسات التي يتم من خلالها ممارسة الديمقراطية لتنظيم هذه الصيغة من خلال المنافسة والصراع في المجتمع الطبقي، ثالثاً نضج الآليات التي تحقق هذا.
وبهذا نستطيع أن نقول أننا في بداية موضوع الديمقراطية ولكن نحن كاشتراكيين، الديمقراطية البرجوازية ليست كافية لتحقيق ما نتطلع إليه وبالتالي فإن إبداعنا أن نصل إلى صيغة تضيف: أولاً تجاوز الديمقراطية التمثيلية أو تجاوز البرلمانية التمثيلية إلى صور أوسع من المشاركة الشعبية المباشرة متمثلة في وجود دور للنقابات العمالية ودور للنقابات المهنية ودور للتعاونيات ودور للمحليات، وبالتالي لن تكون الديمقراطية مجرد وجود برلمان منتخب كل خمس سنوات ويعاد انتخابه كل خمس سنوات وكل فرد في الشعب يذهب إلى حال سبيله وينتهي دوره.
إن دور الشعب لابد أن يظل مستمراً من خلال صور للمشاركة الشعبية المباشرة من خلال النقابات والتعاونيات والمحليات والجمعيات الأهلية، وبالتالي يتوفر للمجتمع أن تكون الديمقراطية فيه أسلوب حياة يشمل كل جوانبه وليست فقط العملية السياسية، النقطة الثانية التي يجب أن نضيفها كاشتراكيين وهي أن الديمقراطية لا تتحقق بالحريات السياسية فحسب ولكن لابد من توافر حد أدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتبار أن الحرية السياسية لا تكفل تكافؤ المنافسة بين الطبقات. وبالتالي الحرية الاقتصادية تلعب دوراً أساسياً ومهماً في هذه العملية، وإنهاء كل القيود المتواجدة والتي تحول دون وجود مجتمع مدني قوي باعتبار أن المجتمع المدني هو البنية التحتية للديمقراطية في أي مجتمع وباعتبار أنها أسلوب حياة يجب أن يمارس في كل المجالات، ومؤسسات المجتمع المدني بكل أنواعها هي المدارس الأولية التي من خلالها يتعلم الشعب كيف يناقش وكيف يعرض رأيه وكيف يصل إلى حلول وسط، وكيف يَنتخب وكيف يُنتخب، وكيف يتخذ القرار. إذاً الديمقراطية التي تمارس من خلال مؤسسات المجتمع المدني هي المقدمة الحقيقية لوضع سياسي ديمقراطي ومحصلتها أن الشعب أصبح طرفاً في العملية السياسية وشريك ويمارس حقه في اختيار حكامه وتغييرهم دورياً.
وأنا في اعتقادي أن في مصر لم يحدث حتى الآن لدى التيارات السياسية من اليسار والناصريين والإسلاميين إعادة النظر في مقولاتهم الأساسية بما يجعلنا نصفهم بأنهم قوى ديمقراطية فعلاً. فلم يحدث نقد جذري للمقولات السوفيتية حتى الآن، ولم يحدث نقد جذري لفكرة الناصرية عن تحالف قوى الشعب العامل، لم يحدث نقد جذري لموقف الإسلاميين من كونهم المعبرين عن الموقف الصحيح وبالتالي نحن مازلنا نشهد أن القوى السياسية الرئيسية في مصر تطرح مطالب ديمقراطية تساعد في وصولها إلى الحكم لكن ليس عندها طرح فكري حقيقي يقول أنها قوى ديمقراطية ويعرض رؤيتها كاملة عن الديمقراطية.
وأنا أرى أن هذا الطرح يتطلب قيام دولة مدنية دولة كل المواطنين التي تخضع لدستور والمواطنون فيها يشكلون مؤسسات وبالتالي نحن نرفض فكرة الدولة الدينية.
يسري زكي :
على الصعيد النظري هناك اتهاماً موجهاً للنظرية الماركسية بمدى تعارضها أو تطابقها مع قضية الديمقراطية، من وجهة نظري لابد من الاشتباك مع هذه القضايا الموجودة لأن تجاهلها وعدم النظر إليها بروح نقدية ليس حلاً للمشكلة بل هو إخفاء لها أو تأجيل لها لنوضع في موضع المساءلة مع غيرنا من القوى السياسية الأخرى حتى التيار الديني، فكل هذه القوى تسأل عن مدى مصداقيتها في تعاملها مع قضية الديمقراطية هل هو موقف لحظي أو وقتي، كلنا يعتقد أن الفكر الماركسي باستمرار فكر متجدد، ان الفكر الماركسي يرشدنا باستمرار لمراعاة الواقع والظروف والنظر في المستجدات والمتغيرات الموجودة، ولم تكن النظرية الماركسية جامدة على الإطلاق بمعنى أننا لن نطبق الآن ما كان يطبق على الواقع منذ مائة وخمسين عاماً، ليس هذا فحسب بل نحن مطالبين بطرح رؤية لكل المفاهيم السابقة مثل قضية الدولة وغيرها من القضايا. حتى مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا هذا التعبير الذي كان محل خلاف حتى في ظل وجود الاتحاد السوفييتي عندما اختلفت الأحزاب الأوروبية مع هذا الشعار لإنها تعمل في واقع مغاير واكتشفت أن هناك إمكانية لتصل إلى الحكم حتى من الناحية النظرية من خلال صندوق الانتخاب، فتخلت عن هذا المفهوم في بعض برامجها ووصم هذا الاتجاه باعتباره ما يمثل الشيوعية الأوروبية وكنا نحن كأحزاب شيوعية في المنطقة العربية عشنا فترة من الفترات نحكم على هذا الحزب أو ذاك بأنه شيوعي بمدى تضمينه لمبدأ ديكتاتورية البروليتاريا، وأعتقد أنه منذ المقارنة الشهيرة التي عقدها ماركس بين ديكتاتورية الأقلية وديكتاتورية الأغلبية ، وليس تبريراً أن أقول أن الثورات الاجتماعية في ذاك الوقت كانت تستلزم ما قاله ماركس. وجوهر النظرية الماركسية في التطور الاجتماعي من مجمل ما تبحث عنه هو قيمة الإنسان وإعلاء هذه القيمة وأصبحت اليوم الديمقراطية جزءاً أساسياً من قيمة الإنسان وشأنه وقيمه المادية والروحيـة، من ضمن القضايا أيضاً قضية الثورة الاشتراكية، وتداول السلطة هل هو شعار وقتي أم شعار أصيل نتمسك به ونطالب به حتى في المجتمع الاشتراكي حتى لا تكون قضيتنا ليست مجرد وسيلة تبرر لغاية، في هذا السياق لن أختلف كثيراً مع ما قاله الأستاذ عبد الغفار شكر حول الديمقراطية حتى بالشروط أو المعايير الموجودة بها لكن علينا كماركسيين أو شيوعيين تنقية أو التعامل مع بعض هذه القضايا بنظرة نقدية حتى نكون ديمقراطيين حقيقيين وليس معنى هذا أن نوضع في خندق المراجعين أو الانتهازيين لكن في هذا درجة من درجات التمسك بالأفكار الماركسية التي تنطلق من أن نضالات الطبقة العاملة هي التي دفعت المجتمعات الصناعية إلى ما تحقق من مكاسب ديمقراطية، وهي التي تدفع الثمن نتيجة خطر الطغمة العسكرية والمالية حيث يتم التراجع عن هذه المكاسب. لذا هناك اتجاهات أصبحت معادية للديمقراطية وللحرية عموماً وللحريات الخاصة التي كانت جزءاً من قيم الإنسان في الغرب لذا نجد التجمع المهول في حركات المجتمع المدني في المجتمعات الغربية، بعضها يسار وبعضها غير يسار لكنها استشعرت خطورة هذه الإدارات اليمينية المتوحشة التي تنتقص من مكاسبها الديمقراطية تحت مزاعم مقاومة الإرهاب وغيره.
أحمد عبد القوي :
نحن نحاول أن نقدم بالفعل نقد حقيقي. أنا أعتقد أن للماركسية مواقف أساسية، أن لها رؤية طبقية للديمقراطية هل نستطيع أن نبني على هذه الرؤية الطبقية أم نستطيع أن نرفضها ؟ الماركسية ليست أخلاقية كبقية الأفكار كالقومية كل مفاهيم الماركسية تركز على العيني وعلى الرؤية الواقعية والنضال الواقعي. أنا لا أرى مطلق في الماركسية سوى التغيير نفسه، كيف إذاً نطرح هذه المفاهيم الماركسية الأصيلة لنرى كيف نطورها أو نتجاوزها ونحن عندما نعود للنصوص فنحن لا نعود لها كسلطة نص إنما لأننا نرى أن ماركس تحدث عن الانتقال السلمي للديمقراطية وأنه ممكن في إنجلترا، ممكن الانتقال للاشتراكية عبر الاقتراع، هناك مفاهيم إذاً لابد أن نحرص كماركسيين على رؤيتها وتطويرها أو الاستغناء عنها وأن نمارس النقد بالفعل وليس الدعوة له.
بهيج نصار :
ما أريد أن أتحدث عنه هو تصوري عن الديمقراطية في المرحلة الراهنة التي يمر بها النظام المصري لأنني عندما أتحدث عن برنامج استهدف منه تحقيق أشكال من الممارسات الديمقراطية لابد أن أمتلك مفهوماً للديمقراطية يساعدني أن أنتقل إلى مرحلة استراتيجية أخرى.
أولاً ما هي مرجعيتنا سأقول أنها أولاً الواقع وهذا ما فعله الماركسيون والعلماء بشكل عام سواء كانوا برجوازيين أو اشتراكيين وهو كيف نعالج الواقع. بالنسبة للاشتراكية العلمية مرجعي الأساسي فيها هي الواقع المصري وخبرة التاريخ المصري بالإضافة إلى ماركس وإنجلز ولينين وهي التجربة الهائلة التي خاضها ثلث البشرية لتشييد الاشتراكية خطأ أو صواب نجاحاً أو فشلاً وهي القلب الأساسي الذي لابد أن أتعلم منه وأتعلم كيف استفيد من الأخطاء.
وبالنسبة للواقع المصري سوف أتحدث عن الديمقراطية قبل 52، السيد " عمر مكرم" لعب دوراً كبيراً في قيادة الأهالي نحو تحقيق الديمقراطية، محاولة ثورة عرابي ومحاولته لتحقيق الديمقراطية ثم الديمقراطية التي حاولت أن توفرها ثورة 19 وانتهيت إلى نتائج محددة هي أن ثورة 19 فشلت لأنها تجاهلت الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وتمسكت بالديمقراطية السياسية. ونحن نعرف قصة سعد زغلول عندما كان موجوداً في لندن مع عبد الرحمن فهمي واتفاقه على كيفية القضاء على الشيوعيين. أيضاً تردد الشيوعيين في أن يتحالفوا مع الوفد لأن الأممية الثالثة كانت ضد البرجوازية وهذا أدى إلى فشل وجود قاعدة ثابتة من أجل أن تنتصر الثورة. أيضاً ابتعاد ثورة 19 عن شعار "دعه يعمل دعه يمر" وهو شعار البرجوازية. والإخوان لم يكن لهم نفوذ لأنه كان جوهر الثورة هو التمرد السياسي والنضال التحرري وهو الذي يغيب عن الجماعـات الإسلاميـة، ثم تعود عندما يغيب التحرر الوطني كما حدث أيـام السادات.
الفترة الثانية هي فترة ثورة يوليو وقد تميزت هذه الفترة بتعاظم دور الشيوعيين في النضال المصري وبالتالي تعاظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كجزء أساسي من الديمقراطية كي يضاف إلى الديمقراطية السياسية.
فأول ما فعله عبد الناصر هو الإصلاح الزراعي وغيره وأنا أرى أن الشيوعيين كان لهم دور أساسي ليس فقط الشيوعيين في «حدتو» سواء كانوا من أعضاء مجلس قيادة الثورة ولكن من مجموعات أخرى ومن الصف الثاني من الضباط الأحرار والأهم التوجه العارم الذي شهدته مصر بفضل الشيوعيين من أجل الحقوق الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وقد أثر كثيراً في مجموعة عبد الناصر وتوجهاتها ودليلاً على ذلك أن عبد الناصر قام بتصفية الأحزاب السياسية والإخوان المسلمين ولم يصفِّ الشيوعيين إلا عام 1958 لأنهم عارضوه في قيام الوحدة بين مصر وسوريا ووضعهم في السجون ثم أجرى تسويات مع أصدقائه من الضباط الأحرار وسمح للشيوعيين أن يناضلوا في فترة تأميم القناة والعدوان الثلاثي واشتركوا في قيادة المقاومة الشعبية في بور سعيد كل هذا تم وهذه ظاهرة تنتهي إلى أن فشل ثورة 23 يوليو 1952جاء نتيجة لأنها مارست الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية وتجاهلت الديمقراطية السياسية عكس ثورة 19. المحصلة النهائية التي تعلمنا منها جميعاً هي ضرورة دمج الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية. وأقول هنا أن الشيوعيين المصريين رددوا مقولة الديمقراطية بعد انهيار النظام الناصري على يد السادات وقد قالوه قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وأنا أقول أن دمج الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية مسألة حاسمة.
ولكن الآن ما العمل ؟ ما الوضع الآن ؟
الواقع أن جميع قوى اليسار تقول الحقيقة التي قالها صديقنا العزيز عبد الغفار شكر وهي أن الديمقراطية هي تداول السلطة بضمان الحرية لنشاط الأحزاب والعمل الجماهيري فهل هذا صحيح ؟، إنني أتحدث عن شكل الديمقراطية في المرحلة النهائية ولا أتحدث عن برنامجي الآن، ما معنى تداول السلطة ؟ هل انتم متصورون أنه في الولايات المتحدة الأمريكية قوى اجتماعية تنتكس بسلطة الرأسمالية وتعود مرة أخرى للنظام الإقطاعي ثم بعد ذلك أي بعد دورة أو دورتين برلمانيتين تعود الرأسمالية مرة أخرى هذا لا يمكن ومستحيل أن يتم تداول السلطة إلا في حدود واقع اقتصادي اجتماعي واحد سواء كان اشتراكية أو رأسمالية، قد تحدث نكسة كما حدثت نكستين أو أكثر بالنسبة للدورة البرجوازية بعد الثورة الفرنسية. قد تحدث نكسة كما حدثت نكسة في البناء الاشتراكي. ولكن أن يصور تداول السلطة بمعنى تداول الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية فهذا مستحيل، وهذا لا يمكن أن يقبله لا مفهوم الرأسمالية ولا الاشتراكية. إذن ما العمل ؟
المسألة الثانية في الديمقراطية أنني كيف أتصور الديمقراطية التي تساعدني أن أجعل المجتمع المدني وهو الذي لم ينجح في بناء مؤسساته حتى الآن، أن يسعى من أجل إدارة مؤسساته وليست الدولة لأن خبرتنا تؤكد التناقض بين الدولة وبين مؤسسات المجتمع المدني إذاً فكيف أحل هذا التناقض ؟
المسألة الثالثة من الذي يسيطر على وسائل الإنتاج وكيف ؟ والسؤال الأهم هل هناك أوضاع اجتماعية واقتصادية موضوعية تسمح لنا بإحداث كل هذه التغيرات إيجابياً من أجل الانتقال إلى مرحلـة أخـرى وتلك هي القضية التي سوف أتناولها في الجزء التالي من الندوة.
عبد الغفار شكر :
اسمحوا لي أن أضيف معلومة قبل أن يتحدث الزميل الدكتور حمزة:
أريد أن أؤكد أن الأستاذ بهيج نصار طرح مسألة بالغة الأهمية وهي المتعلقة بتداول السلطة في مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية. سمير أمين في آخر مؤلفاته قال إنه إذا كانت الرأسمالية قد احتاجت إلى ثلاثة قرون لتنضج بعد الإقطاع فماذا يمنع أن يتم الانتقال للاشتراكية عبر فترة انتقالية طويلة الأمد تستغرق قرن أو أكثر يتم خلالها تداول السلطة ويحدث التراكم الذي يغير علاقات القوى بين الطبقة العاملة وحلفائها وبين البرجوازية وحلفائها وبالتالي يحدث التراكم.
أحمد عبد القوي :
نحن بمداخلة الأستاذ بهيج انتقلنا إلى رؤى متعددة لقضية مفهوم الاشتراكية ولكنني أريد أن أضيف أن الأستاذ بهيج عندما تحدث عن المرحلة الليبرالية وأكد على شعارها «دعه يعمل دعه يمر»، ولكن في المفهوم البرجوازي الشعار «دعه يعمل دعه يمر دعه يعتقد»، وهذا ما نقص عند الليبرالية والبرجوازية المصرية أنهم لم يؤمنوا بـ«دعه يعتقد» أي حرية الفكر والاعتقاد.
هذه هي أحد الأسباب الحقيقية في انهيار الليبرالية في مفهومها العام لأن الليبرالية لها جانبها الثقافي وهي حرية التفكير وحرية الاعتقاد وأعتقد أنها غائبة في الليبرالية المصرية وخاصة إذا تذكرنا كتاب «على عبد الرازق» وكتاب «طه حسين» إلى آخر هذه الأسماء.
د. حمزة السروي
موضوع الديمقراطية موضوع في غاية الأهمية بالنسبة للإنسان من حيث هو إنسان وبالنسبة للإنسان من حيث هو مناضل، ولكنني أريد أن أوسع مفهوم الديمقراطية فلا نقصره فقط على قوى اليسار فضلاً عن قوى الماركسيين لأن الديمقراطية يجب أن تكون أوسع من أن تخص فريقاً بعينه من الناس وإنما هي تخص الإنسان بصفة عامة، فأنا أريد أن أوسع مفهوم الديمقراطية حتى يصل إلى أن يصبح أسلوب حياة شامل وعـام للإنسان من حيث هو إنسان وخاصة أن من يقدّر هذا هو الإنسان العاقل ومن هنا نرى ارتباط الديمقراطية بالعقل.
إن الديمقراطية هي إنسان عاقل يؤمن بحقه في أن يعقل بقدر ما يستوعب، وأن يفعل بقدر ما يستطيع أن يعقل، بحيث يكون السلوك عنده مرتباً على القناعة، هذا الإنسان بقدر ما يحترم نفسه وبقدر ما يحترم الجنس البشري الذي ينتمي إليه سوف يعطي الآخر نفس الحق الذي أعطاه لنفسه. وبالتالي سيسمح للآخر بحرية الاعتقاد وحرية المنافسة ومن هنا تصير الديمقراطية أسلوب حياة يمكن أن يمارسه الأب مع ابنه، ويمارسه الأستاذ مع تلميذه، ويمارسه الناس في الشارع على جميع المستويات، بهذا تكون الأرضية الديمقراطية في المجتمع سوف يتفاعل الناس معها بحيث تصبح منهجاً للحياة. لذا عندما يحترف البعض السياسة سوف يكون عنده الأسلوب الديمقراطي التربوي الذي نشأ عليه في أسرته ومدرسته نشأ أن يحترم ذاته كإنسان ونشأ أن يحترم الآخر وحقوق الإنسان وبذلك تصير الديمقراطية منهج حياتي عام وليست مجرد مفهوم سياسي وتصير الديمقراطية قيمة تخص الإنسان بصفة عامة ولا تخص فقط فصيل بعينه.
ثم إن الديمقراطية هي جملة علاقات بموضوعات أخرى أشرت أولاً لعلاقتها بالعقلانية هي تصرف عاقل يتبنى فيه الإنسان ما يقره عقله ويحاسب نفسه ويقبل الآخر، ومن هنا أيضاً نأتي للعلمانية ولها معنيين الأول بمعنى مصادرة الأفكار الدينية، والثاني بمعنى الفصل بين العلم والدين أو بين السياسة والدين وأنا مع العلمانية بالمعنى الأخير بمعنى أن هذا المفهوم للعلمانية والعقلانية يرتبط ارتباطاً عضوياً مع الديمقراطية. موضوع آخر يرتبط بالديمقراطية هو الديمقراطية الاجتماعية التي تعني الاشتراكية وهي مسألة مهمة في ارتباطها بالديمقراطية وأنا أتصور أن مجرد التطور الطبيعي للديمقراطية كفيل أن يؤدي إلى هذا البعد الاجتماعي فالديمقراطية تعني العدالة والمساواة وهي ليست فقط حرية الاعتقاد والتعبير عنه، ولكن أيضاً في التوزيع العادل للثروة وحق الناس في حياة كريمة ومن هنا يكون الارتباط العضوي بين الديمقراطية والاشتراكية ولو عرجنا على تاريخ الاشتراكية وخاصة في شكلها الأرضي والأقرب إلى مفاهيمنا الماركسية فسنجد أن التراث الماركسي لماركس شخصياً لا يخلو من مفاهيم ديمقراطية واضحة، سنجد ذلك في امتداحه لكوميونة باريس في الإدارة، وكلامه عن إمكانية انتقال السلطة من الرأسمالية للاشتراكية عبر صناديق الانتخابات هذا يفيد فهم متقدم لماركس فيما يخص الديمقراطية، أما بالنسبة للينين فلا يمكن أن ننكره فضله في هذه التجربة العظيمة التي عاشها الاتحاد السوفييتي والتي تمثل مرجعاً مهماً بالنسبة لنا، لينين من حيث انتماءه للإنسان والعدل الاجتماعي والقيم الإنسانية بصفة عامة، لكن للأسف لينين ربما بحكم الظروف -في الداخل والعداء في الخارج- وقع في خطأ البناء الحديدي للحزب الثوري بناء يفتقر إلى الديمقراطية فكان الحزب الثوري الهرمي القائم على المحترف الثوري الذي يعتبر نفسه صاحب الحق في التفكير ويعتبر نفسه ممتلكاً للحقيقة أو على الأقل هو الأكثر اقتراباً للحقيقة وصادر حق القواعد في إبداء الرأي. وكان لينين المتأخر تحديداً في السنوات الثلاثة الأخيرة من حياته عندما أصابه مرضٌ عضال أدرك أن الخطر الذي يمكن أن يترتب على شكل الثورة وشكل الدولة في حالة سيادة البيروقراطية التي يمارسها الحزب فبدأ يتحدث عن الديمقراطية المباشرة عندما طالب بإعطاء كل السلطة للسوفيتات ولكن هذا الكلام لم ينفذ وما ساد تاريخياً سواء في الدولة السوفيتية أو في الأحزاب الشيوعية في العالم ومنها الأحزاب الشيوعية في مصر هو المفاهيم اللينينية المبكرة وهي مفاهيم الحزب الحديدي التي تعتبر أن الدولة هي الديكتاتورية وأن الديمقراطية قضية مؤجلة. إلى أن تنتهي الدولة وتعم الشيوعية العالم كله وهذه مسألة بعيدة جداً، وشكل من أشكال الإلغاء، ولكن ومع احترامنا لشخص لينين لا يوجد شخص مقدس ولا فكر مقدس لذا لابد أن نتجاوز كل الأشخاص ماركس نفسه قال: «أنا لست ماركسياً» وكان دائماً يطور أفكاره أو يغيرها وكان دائماً يغير شعاراته تبعاً للمواقف السياسية لذا فنحن يجب أن نتجاوز هذا الموقف اللينيني المبكر من الحزب والديمقراطية إلى لينين المتأخر وأن نتبنى الديمقراطية كمنهج حياة وكأسلوب ممارسة سياسية وأن يكون هذا التبني صادقاً وليس مجرد وسيلة للوصول للسلطة، وبعدها ننقلب على أنفسنا ونقول أننا معنا السلطة ولن نتركها، لأنني بهذا سوف أفتح الباب للعنف فلو كنت في السلطة وأجريت انتخابات وجاء آخرين غيري ولأنني في السلطة ألغي الانتخابات كما حدث في الجزائر فإنني بهذا سوف أفتح باب العنف في المجتمع، وبالديمقراطية نستطيع أن نرسي تراثاً إنسانياً ديمقراطياً في المجتمع كفيل بأن يعيدني للسلطة مرة أخرى وبقدر ما أنا أطرح هذه الطرح كحق للآخرين بقدر ما سوف أحقق لاتجاهـي الوجـود. يتوازى مع ذلك تطور اجتماعي وتطور علماني بحيث عبر مائة عام ستأخذ التجربة مداها ومائة عام في عمر الشعوب ليست طويلة.
صلاح عدلي :
سوف أعقب سريعاً على ما قيل حتى لا أكرر ما أنا متفق عليه أولاً بالنسبة لمسألة الدولة المدنية والدولة الدينية أنا هنا متفق مع الأستاذ عبد الغفار ومختلف معه جزئياً في أنه طوال عصر النهضة في مصر منذ رفاعة الطهطاوي وحتى ثورة 1952 كان التنوير يقف عند منطقة الدولة المدنية والدينية ويزاوج بينهما ويمكن أن نقول أنه لم يتم حسم هذه القضية بين التيار العلماني المدني وبين التيار الديني باختلاف ألوانه. لم يكن هناك حسماً من رفاعة الطهطاوي ولا محمد عبد ولا طه حسين نفسه ولا غيرهم من المفكرين الكبار في قضية الدولة المدنية والدولة الدينية تحديداً رغم كونهم وقفوا في صف الديمقراطية وأنا أرى أنه حتى الآن أن القوى السياسية تتعامل مع قضية الدين والدولة بلا حسم، رغم أنني أعرف ضرورة المواءمة السياسية وأننا نعيش في مجتمع لابد أن نراعي ظروفه ولا نستطيع أن نطرح فيه أطروحات صارخة فترفضنا الجماهير تماماً.
في هذه المسألة وما يتردد حول الشورى والديمقراطية وما يتردد في معارك منها المعركة التي أثيرت مؤخراً ضد أحمد عبد المعطي حجازي وغيره من المفكرين الماركسيين والتي استخدم فيها الدكتور محمد عمارة ألفاظاً مثل العلمانيين والملاحدة والكفرة باعتبارها مترادفات بغرض الهجوم لذا فأنا أرى أن اليسار عليه في هذه القضية أن يحدد موقفاً واضحاً ومفاهيم واضحة. الدولة الدينية ليس معناها حكم رجال الدين كما يقول الإخوان المسلمين فيردوا على هذا الكلام بأن الدين الإسلامي ليس به كهنوت ولا حكم لرجال الدين، والدولة الدينية من وجهة نظري معناها الجوهري أن الدين أيا كان شكل الحكم السياسي يصبح هو المرجع الأول والأخير في الحكم على الأمور الدنيوية والزمانية بداية من قضايا الفن والفلسفة والعلم واضعاً خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها، واضعاً حدوداً لحرية الإبداع التي إن تجاوزتها توضع تحت طائلة القانون وكذلك في العلوم الطبيعية حتى نصل إلى ماذا نرتدي وكيف نحب ! إذا كل الأمور تصل إلى أن الدين هو المرجع الحاسم، وأنا أرى أن مجتمعنا أصابته ردة عما كان موجوداً في بدايات القرن العشرين الذي كان أكثر سماحة وتقدماً والتعامل مع الدين كان سمحاً ولم تكن الأمور قد وصلت إلى ما وصلنا إليه الآن، فأنا أرى أن هذه المسألة واضحة أي أننا عندما نقول العلمانية وأنا هنا أوافق على كلام الدكتور حمزة السروي ليس معناها مصادرة الدين أو رفضه وليس معناها عدم استلهام الدين في مسائل أخلاقية و اجتماعية وأمور حياتية تهم الناس. ولكن الأمر كما قلت تحديداً ألا يكون الدين هو المرجع الأخير وللأسف هذا ما ينص عليه الدستور المصري بعد التعديل الذي أدخله عليه السادات فقد كان سابقاً ينص على أن الشريعة الإسلامية أحد مصادر التشريع أما الآن فالدستور المصري ينص على أن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، لذا أنا أرى أن هذا هو الجوهر، وتيار الإسلام السياسي حريص على عدم تعديل الدستور إلا للإبقاء على هذا النص، وفي لقاء القوى السياسية مع الإخوان المسلمين وقفوا عند هذا النص والذي كان يعوق الوصول إلى وضع مشروع لدستور جديد أو لميثاق عمل وطني سياسي بين القوى السياسية وبين القوى الدينية وللأسف الشديد هناك قوى سياسية تمالئ القوى الدينية المختلفة، لذا فأنا أرى أن الماركسيين واليسار وقوى التقدم والديمقراطية عليهم حسم هذه القضية لأنها في منتهى الخطورة ولها بعد مهم جداً في منع حرية الاعتقاد وحرية الفكر وحرية الإبداع والبحث العلمي ومن هنا أنا أرى أن العلمانية مختلفة نسبياً عن طرح الدولة المدنية رغم أن أساسها هو الدولة المدنية لكن بأي منهج لابد من حسم هذه القضية مع القوى الدينية لأنه لا يجب أن نخضع لأي تهادن وهذا يختلف عن إقامة تحالفات سياسية معهم ضد الطوارئ وضد الاعتقالات إنما في التحالف أو الجبهة في وضع شعار نظام حكم ديمقراطي فنحن مختلفون مع التيار الديني بكل ألوانه بما فيهم من يرفض العنف، أنا لا أقصد هنا الجماعات الإسلامية أو الجهاد فحسب لأنه من الممكن أن يصل للحكم وعن طريق البرلمان الإخوان المسلمين إذاً القضية أنه أيا كان من سيصل للحكم منهم عن طريق البرلمان أو غيره سواء كانوا مدنيين أو سياسيين أو رجال دين سيكون مرجعهم هو الدين، مع الأخذ في الاعتبار كيفية التعامل في ظل الهجمة المتعسفة على الإسلام الآن من الغرب قضية تحتاج إلى حنكة وطرح صحيح دون التنازل عن مواقفنا المبدئية.
النقطة الثانية هي ما تناولها الأستاذ عبد الغفار وأوافق جزئياً عليها وهي أنه لا توجد قوى سياسية قامت بنقد الممارسات الخاطئة لفكرها. وبالنسبة للفكر الماركسي في مصـر، وأنا أرى أنه ربما لم يبذل جهد فكري نظري ومكتوب وممنهج بحيث يقدم تأصيلاً فكرياً نقدياً من قضايا الديمقراطية في الفكر الماركسي وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكنني هنا أفرق بين هذا القصور الفكري وبين ممارسات الشيوعيين المصريين التي كان لها طابع مختلف جذرياً عن ممارسات غيرهم فهم لم يصلوا للسلطة أبداً، وقد تعرضوا للاضطهاد طوال 80 عاماً هو عمر تاريخهم وبالتالي فإن دعوتهم للديمقراطية لم تأتِ من كونهم قد تعرضوا للاضطهاد فقط ولكنها كانت دعوة أصيلة ومبدئية ففي الفترة من 20 إلى 1924 كان اختلافهم الأساسي مع حزب الوفد حول قضية الديمقراطية وحقهم في التظاهر والعمل السياسي في الشارع وفي الأربعينيات كانت الديمقراطية قضية أٍساسية وبدأ الشيوعيون يضعون أيديهم على ضرورة أن يكون هناك بعداً سياسياً واجتماعياً للديمقراطية، ومع عبد الناصر كان خلافهم الأساسي ليس على قضية الوحدة فقط وإنما على قضية الديمقراطية وأيضـاً خلافهـم مـع السادات كان جوهره قضية الديمقـراطية والقضيـة الوطنية.
إذاً أريد أن أؤكد أن تاريخ الشيوعيين المصريين كان منحازاً دائماً للديمقراطية وكان موقفهم الديمقراطي أصيلاً، وهذا واضح في ممارساتهم العملية وفي كتاباتهم التاريخية والنظرية، لكن من ناحية أفكارهم حول الديمقراطية في النظرية الماركسية فأنا أعتقد أنه يشوبه قصور.
عبد الغفار شكر :
ما قصدته هنا هو الفكر الماركسي عموماً عندما يتولى أصحابه السلطة ماذا سيفعلون؟ أنا أسلم معك أن الشيوعيين من أكثر التيارات السياسية دفاعاً عن الديمقراطية أنا أتساءل عندما يحكمون كيف سيحكمون؟
صلاح عدلي :
أنا أفهم ما تقصده ماذا سيحكم سلوكهم السياسي مع القوى الأخرى هل هم مستعدون للتفاعل مع آرائهم أم أنهم سيكفرون غيرهم؟ ولكن سلوكهم هذا به إيجابيات وبالتأكيد كانت تشوبه بعض السلبيات ونراها حتى بين الفصائل الماركسية و بعضها في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات كانت هناك اختلافات حادة جداً إنما أنا أقصد موقفهم من الديمقراطية السياسية كتوجه عام.
النقطة الثالثة التي أثارها د. حمزة حول لينين أنا أرى أنه قد غاب عنه بُعد هام وهو أن الممارسة التي تم تطبيقها من سنة 23 و24 أي من قبل وفاة لينين بعام حتى انهيار الاتحاد السوفييتي كانت هي الممارسة الستالينية هي المنهج وهي الطريقة والنظرية التي كانت تحكم أكثر من اللينينية وليس هذا معناه أنها لم تستلهم تراث لينين في قضية الديمقراطية أوضح هنا أن لينين طرح شعار كل السلطة للسوفيتات قبل أن يصلوا إلى السلطة وأخذت السوفيتات الأغلبية بالانتخابات وعندما وصل للسلطة كان هناك حزب أسمه حزب الاشتراكيين الثوريين وهم الذين انقلبوا على البلاشفة وأنا لا أقول هذا تقديساً للينين ولكنني أريد أن أقول أنه لم يكن عنده منهج تصفية الخصوم أو عدم التفاعل مع القوى الأخرى أو رفض الحوار وعدم قبول آراء مختلفة داخل الحزب. فهذه كلها ممارسات وسياسات ستالينية وعلى سبيل المثال عندما أفشى اثنين من قيادات الحزب بعض أسراره لم يعدمهما لينين، اختلف معهما فحسب، إذاً هناك منهجان حول الديمقراطية بالرغم من أن كتاب لينين «الدولة والثورة» حول اضمحلال دور الدولة وغيرها لابد من إعادة مناقشتها بعد مائة عام المهم أن مرحلة لينين مختلفة عن مرحلة ستالين والتمييز هنا ضروري، وأنا أرى أن السياسة المطبقة من الأحزاب الشيوعية حول المركزية الديمقراطية وحول الحزب الحديدي الصارم وحتى النظرية تم قولبتها في إطار ستاليني بما فيها الفلسفة وبالتالي للأسف كانت الممارسة القمعية غير الديمقراطيـة ستالينيـة أكثـر منها لينينية وليس معنى هذا أن لينين ليس في حاجة لإعادة نظر أو أن أفكاره ليست في حاجة لمناقشة وتغيير ولكنني أردت التوضيح حتى لا نظلم لينين ولأوضح الفرق الكبير بينه وبيـن ستالين.
آخر نقطة قالها الأستاذ بهيج حول تداول السلطة والأنظمة. هل من الممكن في ظل المناخ الديمقراطي السائد في العالم ومع وجود أحزاب شيوعية أن تطرح في برامجها تدرج شديد ولا تطرح انقلابات كاملة على كل شيء، انقلابات كاملة اقتصادية واجتماعية لأنه مستحيل تستطيع قلب نظام اجتماعي اقتصادي عن طريق سلمي في لحظة فالواقع مختلف الآن كثيراً عن بدايات القرن لذلك نستطيع رفع شعار تداول السلطة وأن يحدث تداول للسلطة ويظل النظام رأسمالياً في جوهره لكن هل هذا النظام الرأسمالي شيء واحد في ظل الظروف الحالية هل نستطيع أن نقول أن الرأسماليـة -وهي جوهرها واحد- لا يمكن أن يحدث بها تغييرات وتعديلات مع وصول قوى ديمقراطية وثورية تستغرق مدى طويلاً لإحداث التغيير وإلا فلن تستطيع طرح برنامجك المرحلي لأننا لو طرحنا برنامجاً جذرياً نهائياً سوف نصطدم من أول لحظة، إذاً هذه إشكالية حقيقية بين كوننا نسعى لتغيير النظام الاجتماعي الاقتصادي من خلال الديمقراطية وليس بثورة عنيفة ولا تصفية الآخرين ولا ديكتاتورية البروليتاريا.
محمد الجندي :
بالنسبة لموضوع الديمقراطية، القضية الملحة اليوم في البلد كلها حول مطلب الديمقراطية يتحدد في قضية تداول السلطة، موضوع الحكم الرئاسي أو قضية أن الحاكم فرد، فالرئيس هو الذي يقرر كل شيء وأن المجتمع كله والوزراء يقفون عند ما يراه الرئيس.
إن الاتجاه العام في مصر يرى أن هذا الوضع لابد أن يتغير، هذه القضية نحن نتفق فيها مع الاتجاه العام في الشارع ومع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى في إطار هذا الموضوع سنجد البعض يقول أن الديمقراطية كانت موجودة قبل الثورة وأنا أقول لم يكن هناك ديمقراطية قبل الثورة فعندما نرى الدستور والقوانين كانت تضمن الديمقراطية لطبقات وفئات معينة، حتى في الممارسة السياسية لم يكن مسموحاً لأحد بدخول مجلس النواب إلا بشروط ومن طبقات معينة. وكذلك مجلس الشيوخ كان يشترط لدخوله طبقات معينة، ولما قامت ثورة يوليو أيدناها على أساس أنها ضد النظام الموجود وضد الملكية، وضد الاستعمار كما أنها قامت بتطورات كبيرة على المستوى الاجتماعي. هل معنى هذا إن الفترة الناصرية كانت ديمقراطية لا نستطيع أن نقول هذا لأنه كان هناك موقف من الشيوعيين، وحتى فترة معينة كان هناك رفض للتعامل مع الشيوعيين وكان موجود حزب واحد ولا يوجد حرية إلا من خلال الإطار الذي تحدده السلطة نفسها، بالرغم من ذلك نحن أيدنا عبد الناصر في مواقفه الوطنية والاجتماعية أما بالنسبة للديمقراطية طالبنا باستمرار بحق الشيوعيين في الوجود لأن الشيوعية كفكر وقيمة لابد أن تكون موجودة ثم حدث بعد ذلك انقلاب السادات وحتى الآن مازالت قضية الديمقراطية مثارة، وعندما سمح السادات بتكوين أحزاب قيل أنها الديمقراطية ولكن هذا غير صحيح فالنظام كما هو. القضية الأساسية التي تمنع وجود ديمقراطية هي سيطرة حزب واحد أو أشخاص معينين على السلطة، بالنسبة لقضية الديمقراطية السوفيتية والديمقراطية الماركسية. وقد تحدث ماركس باستمرار عن الديمقراطية وعلى أنها قضية نسبية تتغير مع تطور المجتمع وتغير الظروف وأنا أرى أن مطلب ديكتاتورية البروليتاريا في الظروف الحالية هو مطلب متخلف على أساس وجود قوى جديدة في المجتمع تناضل ضد سيطرة رأس المال وسيطرة الاستعمار فأكيد عند قيام أول تغيير اجتماعي سيحدث تأييد للحرية لكل الناس، لذا فنحن نقول بحق كل القوى وكل الأفكار في الوجود والحرية وأننا ضد الدولة الدينية لأنها تحقق سلطة فئة معينة وليست لكل الشعب. ونحن نؤكد باستمرار أن أكبر دولة برجوازية وهي أمريكا ليس بها ديمقراطية وهناك كتب تشرح كيف تتم الانتخابات وكيف تدعم قوى معينة النواب للوصول إلى الكونجرس وهي المسيطرة مالياً وهي في الغالب اللوبي الصهيوني فهو الذي يكوِّن الكونجرس ويكوِّن مجلس الشيوخ، ومع ذلك تقول أمريكا أنها تسعى لتغيير العالم نحو الديمقراطية حتى بالقوة وهذا ليس ديمقراطية ففرض الديمقراطية بالقوة ليس ديمقراطية وديمقراطيتهم هي سيطرة رأس المال، اليوم في روسيا يقولون أنه مقابل سيطرة الحكم الشيوعي، فهم يقدمون الديمقراطية وهي أيضاً ليست ديمقراطية بل هي محاولة لتكريس سيطرة الماليين والاحتكارات، ونجد من يقول إن إسرائيل دولة ديمقراطية هذا غير صحيح فهي بلد عنصري يفرق بين العرب واليهود.
أما الديمقراطية التي نطالب بها فهي ما تتفق مع احتياجات الواقع، نحن مع حق كل القوى في الوجود ونحن ضد الدعوات التي تؤدي إلى سيطرة اتجاه واحد على المجتمع لذا نحن ضد الدولة الدينية ولسنا ضد الديـن نفسـه.
بهيجة حسين :
بعد التوضيحات والرؤى في مسألة الديمقراطية مازلت أطرح سؤال «ما العمل» نحن نعيش الآن مرحلة شديدة الخطورة وشديدة السوء نعيشها على جميع المستويات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. هناك حالة من حالات الحصار بداية من نهب مقدرات الشعب المصري وحالة من حالات حصار المواطن المصري لذا فنحن الآن أمام ظرف يجعلنا نتساءل كيف يمكن التعامل معه لن أدعي التفاؤل بأن أعمار وحركات الشعوب لا تقاس بالسنوات أو حتى بالقرون لكن على المدى القريب الآن نحن نعيش واقع لنا رؤية في تحليله وقراءته لكن في مجمل ما سمعته لم أصل إلى الإجابة عن سؤالي ما العمل ؟ ماذا نستطيع أن نفعل ؟ ثم أريد أن أضيف من خلال تجربتي الشخصية كصحفية مهتمه بمجال محدد أريد أن أستوضح الموقف عموماً من هذا النظام وهذه السلطة أقصد موقف اليسار أحياناً لا أرى وضوحاً بين التخوم ولا الفواصل أطرح هذا لتوضيحها كخطة عمل على طريق طويل قد يتحقق بعض مما نطرحه في سنوات مقبلة.
حسين أشرف
نحن دائماً نقرن العمل الديمقراطي بالسلطة وتداول السلطة أنا أريد أن أوسع الأمر وهو أننا نحن لا نملك فكراً ديمقراطياً بداخلنا وبعد الهبة الديمقراطية العظيمة منذ رفاعة الطهطاوي وطه حسين انطفأت بسرعة شديدة وأصبحنا نحتاج نحن إلى سلوكيات ديمقراطية بمعنى إثراء المجتمع المدني وإثراء منظمات العمل المدني المتواجدة بين الناس لإثراء قيمة حقيقية داخل الناس لأنهم ليسوا متأكدين تماماً من مسألة الديمقراطية. لقد فقدت الجماهير الثقة في إمكانية تحقق هذه الديمقراطيـة معتقـدة لحد اليقين أن السلطة قادرة وحدها على فعل ما تريد، لذا فنحـن أمامنا مسئولية إثراء الفكر الديمقراطي داخل الجماهير وداخلنا أيضاً.
أحمد عبد القوي :
قبل انتقالنا إلى الإجابة عن سؤال ما العمل ؟ أريد أن أتحدث حول المعوقات الأساسية للديمقراطية في مصر، أنا أعتقد أن أول هذه المعوقات هي الأزمة الاقتصادية وفساد النخبة الحاكمة لأن في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة وتزداد تفاقماً يصبح التغيير الديمقراطي صعباً لأن الرأسمالية كما تعودنا وأوضحت دراسات حقيقية أنها تسحب ما تعطي من ديمقراطية عند الأزمات الاقتصادية، وهنا كما حدث في الفاشية والنازية وكل الأزمات التاريخية هي تعبير عن أزمة رأسمالية طاحنة وخاصة مع نخبة حاكمة فاسدة وهذه أول إشكاليات ومعوقات الديمقراطية في مصر ثانياً وهو الثقافة السلفية السائدة المعادية للديمقراطية وقد تجذرت في الواقع المصري طوال السنوات الماضية خاصة إنه إذا كان الغربيون قالوا «دعه يعمل دعه يمر» قالوا أيضاً «دعه يعتقد» بمعنى حرية الفكر وحرية العقيدة كقضية أساسية لبناء البرجوازية والرأسمالية وبناء ما يُسمى بالديمقراطية البرجوازية والآن يزداد غيابها عمقاً وأصبحت الثقافة السلفية المعادية للديمقراطيـة سمة المجتمع المصري، القضية الثالثة ضعف الحامل السياسي للديمقراطية أي القوى الاجتماعية التي يمكن أن تقود المجتمع لتحقيق الديمقراطية كالطبقة العاملة وقد غيبت قوى المثقفين أيضاً تم تغييبهم بالإضافة إلى ضعف الأحزاب السياسية وعدم وجود تخوم حقيقية بينها وبين السلطة وهذا هو أحد إشكاليات المعوقات الأساسية لتحقيق الديمقراطية في المجتمع المصري وأحد إعاقات الديمقراطية أيضاً الحملة الأمريكية المزعومة من أجل الديمقراطية أن هذه الحملة أدت أيضاً إلى خلط الأوراق، خاصة إن قضية الديمقراطية في مصر لابد أن ترتبط بقضيتين أساسيتين، القضية الوطنية وقضية التنمية… وعندما يكون الداعي للديمقراطية الولايات المتحدة الأمريكية المعادية لمجمل الحركة الوطنية المصرية والتنمية في المجتمع العربي هنا يتم خلط الأوراق. وسوف نفتح الباب في نهاية اليوم الأول لبعض التعقيبات حول مفهوم الديمقراطية وبعض القضايا التي أثيرت.
عبد الغفار شكر :
اتفق مع الأستاذ بهيج في أنه حين نتكلم عن الديمقراطية لابد أن ننطلق من الأشياء الملموسة ولا نتكلم بشكل مطلق .. ونتكلم من دروس تاريخ مصر وواقع التجربة الاشتراكية، ومن هنا أنا لست مع الاستشهاد بأي شيء آخر بما في ذلك لينين .. لماذا ؟ لإنه يتحدث أساساً عن الصراع في روسيا في ظروفها الملموسة، فمثلاً حينما قامت الثورة البرجوازية في فبراير 1917 طرح لينين في أبريل موضوعات نيسان شعار «كل السلطة للسوفيتات» وفي سبتمبر عندما خسر البلاشفة وكانت الأغلبية فيها للمناشفة قال لينين «الثورة» وتجاوز السوفيتات لأنه بعد الحرب وانهيار الجيش القيصري والسلاح في يد الفلاحين تجاوز لينين كل شيء وقال إن الثورة ناضجة، لذلك أنا لا أقيس ما يحدث في مصر اليوم على أي تجربة تاريخية أخرى فنحن لدينا منهج علمي، والدروس المستفادة، والواقع الملموس وهذه هي أدواتنا.
والأستاذ بهيج طرح تساؤلات حول من يسيطر على أدوات الإنتاج وهل يمكن تداول السلطة بين الأنظمة الاجتماعية الاشتراكية والرأسمالية ؟
وماذا يعني تداول السلطة ؟
وهذه التساؤلات هي المطلوب الإجابة عليها ؟ وهو ما لم يحدث، وهذا ما كنت أقصده حين قلت إن القوى المختلفة لم تمارس نقداً ذاتياً لموقفها من الديمقراطية بما في ذلك الماركسيين.
فهل عندما تصل إلى السلطة كاشتراكي ستظل تحتكرها دائماً وستدخل في مرحلة الانتقال إلى الاشتراكية وتصفية الملكية الخاصة وغيرها أم ستقدم برنامجاً متماشياً مع طبيعة المرحلة كما قال أ. صلاح عدلي فيه قدر من التقدم الاجتماعي والسياسي والثقافي، وتحترم إرادة الشعب التي هي أساس الاختيار وتقبل تداول السلطة، وبالتالي ستطول مرحلة الانتقال ولا تصبح المسألة عاجلة مثلما كانت في الفكر اللينيني.
والأستاذ بهيج قال أنه لم يحسم هذه الأمور .. ومطلوب أن تحسمها الأحزاب والمنظمات بعد المناقشة والحوار، واقترح أن تقيم آفاق اشتراكية سلسلة ندوات حول نقد الفكر الماركسي وموقفه من الديمقراطية.
وهذا النقد عندي يتلخص في أن يحدد الماركسيون بشكل واضح موقفهم من تداول السلطة هل سيقبلون تداول السلطة أم سيحتكروها ؟
سمير أمين حسم الموضوع وقال أنه في الظروف الراهنة الانتقال إلى الاشتراكية سيتم عبر فترة طويلة الأمد لعدة أجيال من خلال تنفيذ برامج مرحلية انتقالية تتدعم من خلالها الظروف التي يمكن للطبقة العاملة من خلالها أن تحوز الأغلبية.
المسألة الثانية أنه حين تحدثت عن أهمية الانطلاق من الديمقراطية البرجوازية لم أقل أنها الهدف ولكني قلت أنه لا يجوز لي كاشتراكي أن أتجاهل ما تحقق من ممارسة في ظل النظم الرأسمالية من الاعتراف بالتعددية، وخضوع الجميع للقانون، حرية الاعتقاد، حرية التعبير وحرية التنظيم، مجتمع مدني قوي وكلها مسائل أٍساسية لم تعد تخص البرجوازية وحدها رغم أنها تبلورت في المجتمع البرجوازي. وقد أكد الزملاء إن الديمقراطية لها بُعد اقتصادي اجتماعي وليست فقط حريات سياسية وبدون ذلك لن يكون هناك تكافؤ في الصراع السياسي.
بهيج نصار :
ما قاله د. سمير أمين وهو مناضل ومفكر كبير من أن المرحلة طويلة عبر أجيال عدة، قاله منذ سنوات وقال أيضاً لنترك التلاحم داخل الحلف الوطني الشعبي ليحدد الطريق إلى الهدف المنشود. وبعد ذلك لم يقدم إجابة بل يتركنا أمام مجهول ..
وعلى ضوء ما قاله «أ. عبد الغفار شكر» لابد أن نواجه واقع اليوم وتطورات الثورة العلمية التكنولوجية وما أفرزته من تغيرات جذرية في البنية الخاصة بالقوى الاجتماعية المختلفة وسوف أتعرض لهذه النقطة في الجلسة القادمة,
وحول الأزمة الاقتصادية وتأثيرها السلبي على الديمقراطية، فقد كانت هناك أزمة اقتصادية مخيفة في الثلاثينيات من القرن الماضي ولم تؤدي إلى ضياع الديمقراطية، بل في أعقابها عادت الديمقراطية من جديد ومجتمع الرفاهة. فهناك عدة أشياء مرتبطة تؤثر على الديمقراطية وليست الأزمة الاقتصادية فقط ..
الشيء الآخر الخاص بالعلمانية .. فما من شك أنه إذا قلت علمانية فإنها ستكون مختلفة عن علمانية أوروبا التي كانت متناقضة تماماً مع المؤسسات الدينية. بينما العلمانية في مصر كان بينها تعاون مع الأزهر في ثورة 1919 .. والمناقشات التي تتم الآن حول العلمانية هي مناقشات مثقفين رغم أهميتها، ويظل السؤال هو ما هي الثقافة التي تؤثر على الرأي العام والملايين من الشعب المصري المتأثر بشدة بالثقافة الغيبية ؟.. ما هي الثقافة التي يمكن أن تواجه هذا الوضع ؟ ووفقاً لخبرة الثورة المصرية قبل وبعد ثورة 1952 أقول أن الثقافة المطلوبة هي «ثقافة التحرير» والنضال ضد الإمبريالية .. فثقافة التحريـر هي التي قللت من نفوذ الإسلام السياسي طوال المرحلتين رغم اختلاف طبيعة هذه الثقافة في كلاً منهما .. وأنا أعتقد أن النضال للتحرر من الهيمنة الإمبريالية سيستمر لسنوات عـديدة قادمة.
وحول الليبرالية أعتقد أن الديمقراطية مرتبطة ليس فقط جدلياً بل عضوياً بالنضال الاجتماعي الاقتصادي ففي مصر لم يكن شعار «دعه يعمل دعه يمر» له وجود وكان لنا ظروف مختلفة .. هذا يؤكد أن الليبرالية ليست جزءًا عضوياً أساسياً في النضال من أجل الديمقراطية .. فالديمقراطية موجودة في أمريكا ولكن أي مصالح تخدم ؟ والديمقراطية دائماً موجودة لخدمة مصالح .. والديمقراطية المنقوصة في مصر أيضاً تخدم مصالح فئة محدودة من رجال الأعمال… أما غياب الديمقراطية فأنا لا أستطيع أن أطلقه إلاّ على المجتمعات الفاشية ..
عبد الغفار شكر :
ونحن نريد أن تخدم الديمقراطية مصالح الطبقة العاملة.
بهيج نصار :
نعم وهي ديمقراطية المشاركة، ولكن ما هي المشاركة ؟ وما هو الطريق إليها ؟ وكيف يمكن أن نحقق التداول ونحافظ عليه ؟
ونحن بالطبع لن نضع خطة تفصيلية لأننا لا يمكن أن نعرف الواقع في تفاصيله المستقبلية، ولكننا نستطيع أن نحدد التوجه العام.
نحن مشغولون جداً بالمسائل التي تواجه الديمقراطية الآن، سلطة الرئيس، ضعف العمل الاجتماعي وغيرها. ولكن يجب أن نهتم في برنامجنا أيضاً بقضايا أخرى هامة. وأن نحدد طبيعة الديمقراطية التي نريدها.. وأضرب مثلاً هل لدينا برنامج ندافع عنه ضد برنامج الحكومة حول الحق في المعلومات والمعرفة ؟ هم يستخدمون ذلك لمصلحة رجال الأعمال ولكن علينا نحن أن يكون لنا برنامج لتعميق الثقافة العلمية التكنولوجية لصالح العمال والكادحين. ولقد قال إنجلز إن العمال يوماً من الأيام سيكونوا مثل المهندسين ..
المسألة تحتاج إلى رؤية نقيضة .. ماذا يفعل الشيوعيون عندما يصلون إلى الحكم ؟ والشيوعيون مثلاً وصلوا إلى الحكم في فرنسا إلى جانب الاشتراكيين ولكنهم شاركوا في إطار تشكيل اقتصادي اجتماعي برجوازي محدد، وعندما يتغير هذا التشكيل جذرياً سيحدث تداول للسلطة أيضاً، ولكنه سيقتصر على الأحزاب والقوى التي تتفق مع هذا التشكيل .. فمستحيل أنه بعد خمس سنوات نغير التشكيل الاقتصادي الاجتماعي.
عبد الغفار شكر :
أنت تقصد أنه عندما تبدأ لا تستطيع العودة مرة أخرى ولا تتصور أن تؤمم وسائل الإنتاج ثم يأتي من يحولها مرة أخرى إلى القطاع الخاص.
بهيج نصار :
نعم .. خذ مثلاً تجربة عبد الناصر فحينما أرادوا الارتداد على هذه التجربة تطلب الأمر عشرين عاماً .. هل تتصور أن تعيدها مرة أخرى بعد خمسة سنوات وهكذا… ولكن كيف نحل الأمر ؟
يسري زكي :
أريد أن أعقب بشكل سريع حول بعض ما قيل .. أنا أنطلق من مفهومي للديمقراطية، وهي ليست مسألة في إطار التكتيك ولكنها موقف استراتيجي وهذا لا يطرح واقع العصر ولكن كل المتغيرات أيضاً، وجوهر الفكـر الماركسـي لا يتعـارض مع هذا لأنه يؤكد دوماً على قيمة الإنسان وحريته.
ومن هنا كانت الدعوة إلى الاشتباك مع بعض القضايا نظرياً وهي دعوة إلى مزيد من الاجتهادات حول دور الدولة وديكتاتورية البروليتاريا إلـى آخـره.
في إطار الحقيقة الماركسية لفهمنا الفلسفي لمسألة الزمان والمكان لست مطالباً ونحن نقيّم الوقائع التاريخية اليوم أن أقول هل كانت صحيحة أم لا .. وأنا أعتقد أنها كانت صحيحة بحكم زمانها ولكنها ليست صحيحة في ظروف زماننا الحالي.
ويمكن أن نستمر كثيراً حول ماركس قال ولينين قال، وأنا يمكن أن استشهد بأشياء تؤكد أن لينين كان أكثر ديمقراطية من أي أحد آخر .. ولكن يجب وضع ذلك كله في إطاره التاريخي وفي ضوء حقيقة الزمان والمكان التي أشرت إليها. وهناك جمل وفقرات لماركس بعد كومونة باريس عن صناديق الانتخابات كان يدعو فيها إلى جمهورية ديمقراطية شعبية ثم تطرق بعد ذلك إلى ديكتاتورية البروليتاريا التي أشار إليها في كتابه «الحرب الأهلية في فرنسا» عام 1850 وكذلك الحديث عن شعار لينين «كل السلطة للسوفيتات» الذي تعرض له أ. عبد الغفار شكر وصلاح عدلي لم يتم بشكل برجماتي كما قيل ولكن لينين طرحه عشية الثورة وقت أن كانت هناك ازدواجية في السلطة، وبالتالي كان هذا الشعار هو الشعار الثوري والصحيح .. وحين تغيرت الظروف نتيجة تحالف المناشفة والاشتراكيين الثوريين مع الكادحين بدأ في سحب هذا الشعار ..
النقطة الأخيرة .. أننا حين نتمسك بالديمقراطية السياسية فنحن لا ندعو للديمقراطية البرجوازية فالديمقراطية البرجوازية تخدم مصالح محددة وأنا أدعو إلى ديمقراطية تخدم مصالح فئات طبقة أخرى.
صلاح عدلي :
نحن متفقون جميعاً أن الديمقراطية السياسية بمظاهرها التي عددها الزملاء أصبحت مثار اتفاق عالمي تؤكدها ومواثيق الأمم المتحدة .. وهذه الديمقراطية السياسية من الخطأ أن نحصرها في إطار مفهوم الديمقراطية البرجوازية .. فالبرجوازية تريد تحديد هذه الديمقراطية السياسية في أطر ضيقة واستخدام نفوذها وأموالها وأجهزة إعلامها لتزييف وعي الجماهير لكي تخدم مصالح الشركات الاحتكارية الكبرى وصناع السلاح وغيرها..
ولكن من ينقّض على أساسيات ومبادئ هذه الديمقراطية السياسية اليوم ليس الاشتراكيون بل هم الرأسماليون الاحتكاريون والنيوليبرالية الجديدة بحجة مكافحة الإرهاب وغيرها من المبررات، وما تفعله إدارة بوش هو مثال صريح على ذلك .. وفي مصر فإن الرأسمالية الكبيرة هي التي تعادي بشدة كل مظاهر الديمقراطية السياسية حتى في حدودها البرجوازيـة.
ومن ناحية أخرى فإنه من الخطأ نسبه الديمقراطية السياسية المعروفة اليوم رغم محدوديتها إلى البرجوازية وذلك لأنها نتاج نضال طويل جداً للبشرية كلها، وأصبحت منجزاتها ملك للجماهير والشعوب العريضة والطبقات الشعبية الكادحة وليست قاصرة فقط على الطبقة البرجوازية .. ومن الخطأ أن نطلق عليها نفس التعبير بنفس المفهوم الذي كان يطلقه عليها ماركس منذ أكثر من مائة وخمسون عاماً .. وعلينا التمسك بهذه المفاهيم للديمقراطية السياسية لأنها في صالح الطبقة العاملة والكادحين في مصر أكثر من الرأسماليين. ومن مصلحتنا توسيع هذه الديمقراطية والبناء عليها وليس الانقلاب عليها أو رفض منجزاتها بحجة أنها ديمقراطية برجوازية.
وهذه الديمقراطية هي وسيلة ومنهج عمل والنضال من أجلها ليس فوقياً أو نخبوياً ولكنه مرتبط أساساً بالنضال من أجل قضايا اقتصادية اجتماعية ووطنية ومعرفية وثقافية ..
والنضال من أجل تحقيق هذه الديمقراطية السياسية لا يتم إلا بالنضال الاقتصادي والاجتماعي لكل فئات المجتمع من العمال والفلاحين والطلاب والمهنين وغيرهم .. والنضال السياسي كان ومازال في جوهره تعبيراً مكثفاً عن نضال اقتصادي اجتماعي، أي هو في النهاية تعبير عن صراع طبقي.
النقطة الأخيرة أنا أختلف مع أ. بهيج نصار في ربطه النضال ضد الفكر الغيبي والمناخ الثقافي المتخلف «بثقافة التحرير» إذ أنه قصر هذه الثقافة على النضال ضد الإمبريالية والهيمنة الأمريكية.
فقوى الإسلام السياسي تطالب هي أيضاً بثقافة التحرير ضد الإمبريالية، و«ثقافة التحرير» هي التي ركزت عليها التجربة الناصرية، وقد فشلت لأنها تجاهلت الديمقراطية السياسية كما دلل على ذلك الأستاذ بهيج أيضاً في كلامه.
وأنا أؤكد أن المناخ الغيبي يجب أن يقابل بالعلمانية أي بثقافة العقلانية والعلم والدولة المدنية والديمقراطية وأيضاً بثقافة مواجهة الإمبريالية والهيمنة الأمريكية وثقافة التنمية والنضال الاجتماعي الاقتصادي فأنا أتفق مع مفهوم «ثقافة التحرير»، إذا كان المقصود منها الربط الجدلي بين القضايا الثلاثة، وأختلف معها إذا كان المقصود هو التركيز على القضية الوطنية، لأنها تمثل الخطر الأكبر .. وثقافة التحرير بهذا المعنى الذي اقصده هي ثقافة التحرر من الاستبداد والفقر والجهل والإمبريالية والمدخل لها هو انتزاع الحقوق والحريات السياسية والتي بدونها لن نستطيع النضال من أجل التحرر في المجالات الأخرى.
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عجز الموازنة أم عجز الحكومة ؟؟
-
المعارضة المصرية تضع ملامح - الاصلاح الوطنى - المنشود
-
عاجل الى د/ مختار خطاب وزير قطاع الاعمال المصرى
-
حكومة مصر تصنع من - الفسيخ - شربا ت !!!
-
دولة الرئيس !!
-
مصر واسرائيل
-
سلاح البطالة فى مصر
-
قراءة فى الملفات السرية للحزب الشيوعى المصرى
-
عاجل الى الحكام العرب
-
لماذا لا نعيد النظر فى العلاقات المصرية ألامريكية ؟؟
-
فخامة الرئيس مبارك ... هل هذا الكلام صحيح ؟؟
-
أنا والاحزاب وفيفى عبدة
-
خلافات وانقسامات فى البرلمان المصرى قبل السفر الى اسرائيل
-
مهدى عاكف – حبيب العادلى – عزت حنفى .. ثلاثى أضواء الاحداث !
-
الاشتراكيون الثوريون أمام محكمة أمن الدولة اليوم
-
من الذى يشوه سمعة مصر فى الخارج ؟
-
أه يا بلد !
-
بوش يتكلم - عبرى - فمتى نتكلم - عربى
-
المصادر سرية جدا : ننفرد بنشر وقائع جلسات وقرارات القمة العر
...
-
بألاسماء والارقام : وقائع جديدة و مثيرة حول تعذيب المواطنيين
...
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|