أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - اسماء














المزيد.....

اسماء


عدنان الدراجي

الحوار المتمدن-العدد: 2634 - 2009 / 5 / 2 - 09:54
المحور: الادب والفن
    


في حضن دجلة الخير تتثاءب قريتنا الطينية الوادعة باسترخاء, ساكنة بسبات ابدي تحت ظلال النخل, كان الملل ينساب كثيفا متدفقا في أزقة قريتنا، لهذا كنا نتلهف لحدوث مشاجرة ما في مقهى القرية لنستمتع بمهارشة الآباء ولنتعلم معايير اللعن وكيف نتنابز بالألقاب وصنوف السب التي تنصب تماما على الأسماء والأسلاف, وما تكاد تنطفئ الشرارات الأولى حتى تتدفق موجات التفاخر والخيلاء.
أعانني الصمت بحضور أبي وأقرانه الكبار على تعلم استراق السمع ونسج خيوط قناعاتي الأولى وأمور أخرى ففي تلك الأيام كان العالم مختلفا إذ كنا لا نملك شيئا يتيح لنا التبختر والكبر فأضفنا الأسماء إلى قائمة مجانية من المفاخر التي لم نبذل جهدا فيها وكانت بحق معينا لا ينضب.
في قريتنا وشمنا بالأسماء فتصاغرنا تحت بهاء قدسيتها وأريقت دماء لا تحصى على جوانب شرف الأسماء, ولمن أبق من رق اسمه أو حاول, يطاح به نحو حضيض لا متناه, ولولا أني شهدت مداولات تسمية أخي الأصغر لمضيت معتقدا أن اسمي قد ولد معي, لا أتذكر متى خوطبت باسمي أول مرة ولا أتذكر أول من ناداني به لكنه قاسمني وجودي ورضيت بذلك.
لم اغتصب اسمي ولم احتكره فليتسمَّ به من شاء فالأسماء متاحة لنا جميعا كالضوء والهواء إلا أني لم اختره, فرضه أبواي أو رضيا به حين اقترحه قريب لهما جاء مهنئا بولادتي, حينها كنت صغيرا جدا حتى أني لا أتذكر كيف اقتنعا باسم لم يخطر على بالهما من قبل.
قالت لي والدتي يوما انك كنت على وشك اكتساب اسم آخر لولا تدخل ذاك القريب المتحضر الذي رأى فيه مسحة تخلف, ومع استقرار هديته بجوار مهدك نطق بالاسم الذي لازال رديفا لك.
لا أنكر أني عشقت حروف اسمي بل حروفا لأسماء جمة غرست حبها في قلبي, كنت ولازلت أطرب لرنة موسيقاها الأخّاذة, تسكرني جلجلة الأحرف في طبلة أذني فينفرج شغافي ويحتضنها قلبي جذلا.
سألني يوما شيخ القرية بحضور أبي:
-أتحب الأرقام؟
- أحب الحروف أكثر منها!
-لماذا؟
- لان الحروف وحدها تستطيع تأليف الأسماء.
- ولماذا تحب الأسماء؟
- لأنها أول شيء علمه الخالق لأبينا ادم!
ربت الشيخ المهيب على كتفي ونفحني قبضة تمر من صحنه ونلت الحظوة لدى والدي فهش لي وتباهى بذكائي, ونجحت يومئذ بمهارة في إخفاء فشلي الدائم في درس الحساب.
عشت حياتي اللاحقة على مبعدة معقولة من الأرقام إذ انحصرت تعاملاتي بها على قدر توفير متطلبات معيشتي إلى أن جاء يوم التهمتني فيه عاصفة غبراء.
تدحرجت في جوف العاصفة ردحا على غير هدى محشورا بعلب (السردين) المكتظة بأسماء انطفأ رنين موسيقاها, حتى جاء اليوم الذي بصقتني العاصفة في قبو مظلم, كدت افقد شعوري بالوقت لولا وجبات الطعام الذي يدس إليّ من كوة بسعة الكف تنفرج في جسد الباب الموصود.
قطرات الماء الساقطة من سقف القبو ولسعات القمل أو الجرب وأصوات ارتجاج الأبواب هو كل ما يصل إلى حواسي الخمس, خوفي من اضمحلال لساني جعلني اردد كل يوم اسمي واسم أبي وأمي وأسماء أبناء القرية وأسماء سور القرآن.
درجت على طقسي اليومي حتى قبل ثوان من انفجار قرقعة الباب المفزع, عصبت عينيّ وقيدت نحو الخلف ثم سحبت لألقى في ظلمة أخرى, تلاقفتني فيها الأيدي لأعلق ثم انهالت على جسدي العاري حزمة سياط وهراوات وصوت مبحوح يلح على بالاعتراف, اغميّ عليّ وأفاقني دلو ماء بارد غمر بدني فأنبعث الألم كالبركان في الأخاديد التي نحتتها السياط على أعضاء بدني.
لم اقو على الجلوس فمكثت على البلاط البارد إلا أن صوتا مرعبا صرخ بي: انهض يا ألفا وواحد, اعتقدت انه يقصد شخصا آخر لكن رفسة عنيفة أفهمتني بصراحة أن اسمي قد استبدل بالرقم ألف وواحد.
كنت على شفا الانهيار, ما الذي فعلته ليصادر اسمي؟ ألا يكفيهم خطفي واهانتي وتعذيبي, يا الهي أنا لم افعل شيئا استحق عليه التوبيخ, فلماذا كل هذا العدوان؟
تلت ذلك اليوم أيام قاتمة لا ادعى فيها بغير ألف وواحد, ولخوفي على اسمي من الاضمحلال عهدت للساني ترديد اسمي في كل يوم ألف مرة ومرة, وعلى هامش إحدى طقوس التعذيب سمعت احدهم يهمس لصاحبه أن ألفا وواحد قد خدش قدسية اسم القائد وعليه يستحق مزيدا من التأديب.
ولازلت لحد اللحظة ألوذ في أحرف اسمي وفي أحيان أخرى أخبئه درءا لشر قضاة الأسماء.


د.عدنان الدراجي [email protected]



#عدنان_الدراجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرة الحصاة البيضاء
- الضباب
- البصيرة
- عندليب المتفائلين
- المذياع
- انتفاخ
- منطق الأمراض
- مواسم الأقنعة
- أسورتك لا بأس بها
- الأستاذ
- عيون
- بشارة سبتمبر
- انزوى صامتا
- احذروا التجهم
- الملجأ
- قيلولة النصر
- هوية
- جسد مجنون
- قصة صولة العواء
- قصة اغتصاب ظل


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الدراجي - اسماء