عمرو إسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 806 - 2004 / 4 / 16 - 11:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أن الانفصال الحادث بين الحكومة والشعب في مصر و الدول العربية الأخرى هو السبب الرئيسي لما يحدث لنا الآن علي يد أمريكا و إسرائيل و زيارة مبارك و شارون لأمريكا كانت اكبر دليل علي ذلك. فبوش انحاز تماما لشارون وللأسف أحرج الرئيس مبارك بهذا الانحياز ضاربا بالقادة العرب جميعا عرض الحائط و هو فعل ذلك استرضاء للناخب الأمريكي من اليمين المتعصب وللناخب الإسرائيلي تأييدا لشارون ولو كان القادة العرب يمثلون شعوبهم فعلا لما ذهبوا لأمريكا الآن في المقام الأول و عرضوا أنفسهم لهذه المهانة أو علي أقل تقدير لكانت احترمت أمريكا الرأي العام العربي ولكنها تعرف أن الشعوب ليس لها قيمة فيما يتخذه القادة من قرارات فلماذا تأخذ أمريكا هذه الشعوب في الحسبان.
وهذا الانفصال بين الشعوب و الحكومات له أسباب كثيرة أهمها في رأيي غياب بعد العدالة الأجتماعية في غالبية النظم الحاكمة في العالم العربي , فقد تتخلي الشعوب عن الحرية و الديمقراطية و تقف مع حكوماتها أن هي أحست أن هذه الحكومات تقف الي جانبها في مجال العدالة الاجتماعية وتنحاز الي الغلابة من غالبية الشعب و توفر لها الأمن في نفس الوقت.
أن الأمن وتوفر الحد الأدنى من المعيشة الكريمة هو أهم ما تحتاجه هذه الشعوب وهي أن أحست أن القيادة بعد ذلك تعبر عن كرامتها فهي مستعدة أن تضحي بحياتها في سبيل هذه القيادة لأن القيادة في هذه اللحظة تكون انعكاسا للشعب نفسه وهذا ما حدث في الحقبة الناصرية حديثا وفي عهد الفاروق عمر قديما مع الفارق طبعا.
لست ناصريا أو حتى يساريا ولكني كنت و مازلت ليبراليا أومن بالحرية و الديمقراطية كضمان للمستقبل ولكني في نفس الوقت أومن أن الحرية ليست لها معني بدون عدالة اجتماعية و أمن ولهذا أعيد التذكير بالتجربة الناصرية للاستفادة من إيجابياتها وتفادي سلبياتها رغم أنني كنت في شبابي من أشد المناهضين لهذه التجربة لغياب عنصري الحرية والديمقراطية.
ولكن هاأنذا بعد كل هذه السنين و ما آل إليه حال مصر و المصريين أجدني أترحم علي هذه الفترة رغم كل سلبياتها , أترحم علي كرامتنا التي كانت مصانة رغم هزيمة 67 فما كانت أمريكا و إسرائيل تستطيعان الاستهانة بعبد الناصر لأنهما يعرفان أن الشعب المصري و الشعوب العربية كلها ورائه.
و لا أستطيع ألا التذكر أن والدي لم يكن يعاني مثلما نعاني جميعا الآن لتوفير الحياة الكريمة لأولادنا .. و لا أستطيع ألا التذكر أن الشباب المتفوق كانت أمامه كل السبل مفتوحة وللأسف أن الكثيرين ممن يتسلطون علينا الآن و يعتبرون أنفسهم من علية القوم ويحتكرون لأنفسهم ولأولادهم فرص العمل والثروة وينشرون قيم النفاق و الواسطة ما كانوا يصلوا الي مافيه الآن لولا عبد الناصر الذي أعطاهم فرص التعليم و ابتعثهم للخارج للحصول علي الشهادات العليا ثم تنكروا لأصلهم ولذويهم وللشعب الغلبان الذي أوصلهم لما هم فيه ولعبد الناصر نفسه وتحولوا من الدعاية لحتمية الحل الاشتراكي الي الدعاية للخصخصة و اقتصاد السوق الحر .. من يقودون مصر الآن وينشرون الفساد كان الكثيرون منهم من أعضاء التنظيم الطليعي و كنت في شبابي أنفر منهم باعتبارهم عملاء النظام و أعتقد أني كنت علي حق.
ولعل هذا كان الخطأ الرئيسي الذي وقع فيه عبد الناصر , فرغم انحيازه للشعب فلم يثق فيه ولم يمنحه الديمقراطية ولو فعل ما كان تسلط علينا هؤلاء الانتهازيون الذين يتلونون حسب الحال و يحرمون الشعب من عرقه وجهده ويغلقون أبواب المستقبل أمام الشباب المكافح .
أن اقتصاد السوق الحر لا يعني أطلاقا غياب العدالة الاجتماعية و إعادة توزيع الثروة بطريقة عادلة ووظيفة أي حكومة خلق فرص العمل و منع الاحتكار وتحصيل الضرائب بصورة عادلة من الجميع و خاصة الأغنياء و ليس مثل ما يحدث عندنا حين تكون حصيلة الضرائب الأساسية هي من الغلابة أصحاب المرتبات الأساسية بينما يهرب الأثرياء من ألاضيش السلطة بفلوسهم الي الخارج و يضاربون في كل شيء من العملة الي قوت الشعب.
أن اقتصاد السوق الحر لا يعني أطلاقا أن يكون دخل رجال الأدارة العليا فى المصالح الحكومية بالألاف بينما دخل الباقي لا يكفي اساسيات الحياة والمفارقة الغريبة أن دخول المجموعة الأولي لا تخضع للضرائب , هل تريدون معرفة كم يدفع صفوت الشريف أو ابراهيم نافع من ضرائب , لا داعي حتي لا أتهم بالتحريض.
أن أي دولة تحترم نفسها في العالم يكون معروف تماما فيها دخل الوزير ووكيل الوزارة و المدير العام وبالمناسبة الدخل هو المرتب و لا يوجد شيء اسمه الحوافز و الأرباح و بدل الأجتماعات الي غير هذه المسميات التي هي غطاء شرعي للفساد .. ويعرف هذا جهابذة الأقتصاد من حملة الدكتوراه الذين يحكموننا و لكنهم لا يطبقون ما درسوه أو يدرسوه في الجامعات .. أن الأرباح لا تعطي الآ لحملة الأسهم في الشركات والمؤسسات المنتجة .. وعن الربح الحقيقي و ليس المزور علي الورق.
أن العدالة الأجتماعية هي الضمان الحقيقي في النجاح في الحرب علي التطرف و الأرهاب و كما قلت في مقال سابق فأن عبد الناصر و رغم عدم موافقتي علي أسلوبه فأنه نجح في ضرب التطرف الديني علي جميع الجبهات وبكي الناس عبد الناصر و لم يتذكروا سيد قطب ولم تكن هناك فتنة طائفية وكان الشعب بجميع طوائفه متحدا خلف قيادته .. هذه حقائق رغم أني لم أستطيع استيعابها في وقتها فخروج الشعب لمنع عبد الناصر من التنحي كان تلقائيا رغم أنكار البعض لذلك أو استغراب البعض مثلي في ذلك الوقت وأنا أبن السادسة عشرة ولكني أفهم الآن مالم أفهمه حينئذ وكذلك خروج الملايين في جنازته وبكاءها الهستيري عليه أستطيع أن أفهمه الآن , فالشعب كان منحازا لعبد الناصر لأن ناصر كان منحازا لشعبه و رغم كل أخطاء عبد الناصر فلم تستطيع كل مؤامرات أسرائيل و امريكا والرجعية العربية أن تقضي علي هذه الرابطة القوية بين عبد الناصر و شعبه و احساس كلاهما بكرامته وقيمته ولكن للأسف الموت انحاز لأعداء مصر من الخارج و الداخل.
كما قلت سابقا لست ناصريا او حتي يساريا ولكني ضربت الأمثلة من الحقبة الناصرية لايضاح وجهة نظري و هي أن العدالة الأجتماعية و الأمن هما الشرطان المطلوبان من أي حكومة أو نظام مهما كان اسمه جمهوري ملكي , أسلامي أو قومي وهما الضمان لوقوف الشعب مع حكومته ضد الأطماع الخارجية والمؤامرات الداخلية .. وهما الضمان ألا يحدث ما حدث في واشنطن من أهانة للقيادات العربية .. وهما الضمان ضد التطرف و الأرهاب .. أما أن أضفنا البعد الديمقراطي للعدالة الأجتماعية و الأمن فهذا هو الأمل و لكنه يبدو أملا بعيد المنال بعض الشيء.
ولا يسعني في النهاية الا القول أن حكومتنا الحالية نجحت في مجال و احد وهو البعد الأمن وقد نستطيع أن نصبر علي الحرية و الديمقراطية ولكني أعتقد أننا لا نستطيع أن نصبر أكثر من ذلك علي غياب العدالة الاجتماعية .. لنا الله
د. عمرو إسماعيل .. مصر
#عمرو_إسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟