أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الأموية والفتنة















المزيد.....


الأموية والفتنة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2633 - 2009 / 5 / 1 - 08:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إن صعود الأموية هي بداية الفتنة الكبرى، وذلك لأنها طوعت كل الرذيلة المتراكمة في مرحلة عثمان بن عفان ووظفتها لاحقا في مجرى الصراع ضد فكرة الشرعية الفعلية ومبادئ الدولة والحق وقيم العدل. مما جعل منها بداية الخراب الشامل للدولة والأمة والثقافة. وهو خراب طبع تاريخ الإسلام حتى اليوم. وهو الأمر الذي يعطي لنا إمكانية القول، بان الفتنة كانت في البدء، وان الفتنة هي الأموية. وبالتالي لا فضيلة فيما قامت به من الناحية التاريخية. على العكس. أنها أسست لآلية الانغلاق. أما الانجازات الكبرى اللاحقة فقد كانت في اغلبها نتاج التمرد الهائل للمثقفين الأحرار في مواجهة الانحراف الدائم للسلطة.
إن كل ما صنعته الأموية كان يخلخل وحدة الذات الإنسانية ويسحق مكوناتها الأخلاقية والعقلانية. ومن ثم كل ما صنعته هو مجرد طبقات في صرح العبودية وإذلال العقل والضمير. وهي حالة لم تكن معزولة عن الإرث المرواني السفياني الذي كان للامس القريب ألد أعداء الفكرة الإسلامية الصاعدة. ومن ثم لم يكن بالإمكان تذليل رواسبها في النفس القبلية العريقة في البيت السفياني المرواني. وهي نفسية برزت بقوة عنيفة زمن عثمان بن عفان، بوصفه داعيتها وغلافها "السلطوي". كما نراها لاحقا في كمية ونوعية المكر السياسي الخالص والدهاء المجرد من ابسط مقومات القيم الأخلاقية. ولعل حادثة "التحكيم" وسلوك عمر بن العاص فيها وبعدها يكشف عن مستوى الرذيلة والانحطاط الأخلاقي في النخبة "الإسلامية" الصاعدة. بحيث نرى حتى أبو موسى الأشعري، يقول بعد مهزلة ومأساة التحكيم: "حذرني ابن عباس غدره الفاسق، ولكنني اطمأننت إليه، وظننت انه لن يؤثر شيئا على نصيحة الأمة" .
لقد كانت الثقافة الإسلامية ورجالها الكبار الأوائل نقية وتقية للدرجة التي كانت تقترب من السذاجة في المواقف، أو ما أطلق عليه القرآن كلمة الفطرة. بمعنى اقترابهم من الطبيعة والحق بقدر واحد بحيث حرر العقل من هواجس المكر. وهي فكرة وثقافة إسلامية خالصة. لكنها مكون لم يكن بإمكانه التحول على نسوغ شامل وعام عند الجميع بسبب الإرث العريق لتقاليد الجاهلية. وهي تقاليد جسدها بصورة نموذجية بعض "الصحابة". وهي حالة لا غرابة فيها. وذلك بسبب طابعهم التاريخي والبشري وبقايا الغريزة التي يصب القضاء عليها. والإمكانية الوحيدة هو تحديدها بالقانون.
لكن تقاليد القانون لم تتحول إلى منظومة في الدولة والمجتمع آنذاك. أما الانحراف العفاني فقد أرهق تاريخ ومستقبل الخلافة بكل الإرهاصات المريرة، بسبب تيسيره صعود القبلية وانبعاث السفيانية المروانية ونفسية الغنيمة والمكر. من هنا إمكانية تأثيرها في الجميع دون استثناء، وذلك لما فيها من قدرة على العدوى. من هنا ظهورها المبكر بعد أو توجس خائف لها بعد تسلم علي بن أبي طالب الخلافة. بحيث تحولت ولايته إلى سلسلة عصيان وتمرد وحروب كشفت عن كمية ونوعي الرذيلة المتراكمة زمن عثمان بن عفان. وهي رذيلة كانت بدايتها عصيان أهل الجمل وخاتمتها اغتيال علي بن أبي طالب وشعارها المعلن "الثأر لدم عثمان"، أي كل ما كان يستجيب لنفسية وذهنية الأموية بتياريها السفياني والمرواني. وبهذا المعنى كان التجسيد الأول والأكبر لهذه النفسية والذهنية وواضع الأسس الأولية للانحراف التاريخي من خلال استعاضة الخلافة بالملك، والحق والحقوق بالإكراه وشراء الذمم، والجماعة والأمة بالعائلة والقبيلة، مع ما ترتب عليه من انحراف شامل هائل في مسار الدولة والأمة. وفي هذا يكمن سر التضحيات الهائلة التي قدمها "رجال العلم" المسلمين الأوائل من اجل الوقوف أمام تيار الانحراف الجارف.
وليس مصادفة أن يقول الحسن البصري عن معاوية" "أربع خصال كن في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة. انتزاءه على هذه الأمة بالسيف حتى اخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة، واستخلافه من بعده ابنه سّكيرا خمّيرا يلبس الحرير ويضرب الطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله (الولد للفراش وللعاهر الحجر)، وقتاله حجرا وأصحاب حجر" . أما حلقات الحكم الأموي فقد كانت سلسلة من خلافة أو استخلاف الرذيلة السياسية. والاستثناء الوحيد "ليزيد الناقص" (أو بصورة أدق الكامل) وعمر بن عبد العزيز. وليس مصادفة أن تجمع الأغلبية المطلقة من مفكري الإسلام وفقهاءه ومؤرخيه وأدباءه وشعراءه الكبار إضافة إلى الأغلبية المطلقة لعامة المسلمين على تقييم "انحراف" الخلافة إلى ملك مع ما ترتب عليه من خروج فعلي على حقيقة الإسلام الأول وأفكاره السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
وقد يكون الانحراف الأعمق والفاعل لحد الآن هو "منظومة" المذاهب المغلقة والمؤسسة بما يسمى بفكرة السّنة. بمعنى تحويل فكرة السّنة إلى شيء لصيق وملازم للسلطة والعبودية لها. وهي ملاصقة جرى طحنها مع عجينة البنية الخاطئة لترتيب تاريخ الأمة بصيغة قيمية مفتعلة عندما جرى وضع "خلافة الراشدين" بمقاييس اللاهوت المزيف وأخلاقية الدهاء والمكر السياسي. وقد وجد ذلك انعكاسه في فكرة "أفضل الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان" التي أضيف لها لاحقا الإمام علي. وهي فكرة كانت تهدف إلى إخراج الإمام علي في البداية من سلسلة "التاريخ المقدس" بوصفه كنز الأمة المسروق من جانب الأموية، ولكي يجري الإبقاء على شخصية الإمام علي في آخر سلسلة "الإمكان" المتحامل على السلطة الأموية.
والقضية هنا ليست فقط في دناءة وخطيئة النفسية الأموية وذهنيتها، بل وفي خطأ الفكرة القاتل بحد ذاتها. فالتاريخ يعرف أفاضل وعظماء فقط. والأفضل جزئي ونسبي لا يحكم تراب الزمن. بمعنى انه لا يمكن لحقيقة الأفضل أن تستمد مقوماتها من الزمن. لان ذلك يجعل اغلب الحيوانات أكثر "قداسة" مقارنة بالإنسان أيا كان لقبه وموقعه في التاريخ. بعبارة أخرى، إن القضية هنا ليست فقط في أن فكرة "الأفضل" المقرونة بتسلسل الزمن تتعارض مع فكرة التقدم والمستقبل، بل وبما فيها من سلب "ابدي" لحقوق الأفراد والأمم بالاجتهاد القادر على تقديم بدائل أوسع وأعمق وأنبل من الماضي، مع البقاء ضمن سياق التراكم الفعلي للتجارب الخاصة وتعميق وعي الذات القومي والتاريخي.









#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شروق الماركسية وغروبها
- ماركس -المرايا المتحطمة-!
- المثقف ومهمة صنع التاريخ القومي
- المثقف العراقي وحقائق المرجعية الأبدية للروح
- أفاق الأصوليات (الدينية) السياسية في العراق
- المثقف وروح القلق واليقين
- الراديكالية السياسية للغلاة الجدد!
- المثقف – الحلقة الرابطة لديمومة الروح التاريخي للأمم
- الراديكالية الشيوعية والبعثية العراقية وانقلاب القيم!
- المثقف وإبداع الأبد
- الموجة الأخيرة للزمن الراديكالي
- طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني
- المثقف ومرجعيات الروح المبدع
- المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية


المزيد.....




- ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد ...
- إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت ...
- كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا ...
- فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين ...
- رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال ...
- سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف ...
- سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق ...
- السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الأموية والفتنة