|
فقاعات..
آسيا علي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 805 - 2004 / 4 / 15 - 13:16
المحور:
الادب والفن
كم هو صعب أن تتعلق المرأة برجل عربي،،يستحيل الحب ساعتها فقاعات هواء ،، تلوح في سماء المستحيل،، تعلو ،،، وتعلو ،، وتعلو ،، لكن ،فقط ، لتنفجر .
أدخل غرفة الجلوس ، أضغط على زر التلفاز ، موعد نشرة الواحدة ، ليس لدي ما أفعله ،تمددت على الكنبة ، ليس تعبا ما كنت اشعر به ، فقط فراغا عجيبا ، أو امتلاء من نوع جديد . لم يكن يشغلني شيء و لا أحد.. هذا يريحني ،تعودت دائما أن انشغل بفكرة ما ، أراجع حساباتي ، تفاصيل تجربة ناجحة أو فاشلة ،أخطط لغد قريب أو بعيد ،أتصفح ورقة الماضي ، أحلم أحيانا ، أتألم كثيرا ، لكن كنت دوما مشغولة البال ..بخيبة أو أمل. لكنني يومها كنت فارغة ،خواء ما كان بداخلي . كثيرا ما كنت احلم بيوم أفرغ داخلي ،أكنس كل ما علق بي ، أهوي غرفي السرية ، أفتح نوافذ النفس و الخيال لتلقي ما بجوفي و .. أرتاح . أن أحس بلا شيء ،، لم أتخيل أني سأنجح في هذه العملية المغايرة لكل قوانين الطبيعة ... الفراغ .. كيف وصلت إليه ؟ الأصح أنني لم افرغ نفسي إلا من الآخرين ،،لكنني قررت أن أمتلئ بي ،قررت أن أعيش يوما واحدا دون التفكير في أحد، و هذا أعطاني إحساسا بالامتلاء بشيء ما حددت ماهيته ، هلاميا،لم يكن شيئا كان لا شيء ،لعل هذا أفضل .. يظهر المعلق على الشاشة ، بأخباره السيئة دائما " مقتل فلسطينيين .. " عملية انتحارية في تل أبيب .. " سيارة مفخخة ببغداد ... "اغتيال عشرة مواطنين في حاجز مزيف في الجزائر.. "قضية الحجاب في فرنسا .. " القاعدة تتوعد ... " زلزال عنيف بدرجة 7 على سلم ريختر .. أهرع إلى آلة التحكم أغير القناة ، لا أريد اليوم أن أمتلئ ما زلت مفرغة و هذا ما احتاجه على الأقل يوما واحدا .قررت ليلة أمس أن أقوم بتجربة: - لم لا تكون بدايتي مع الحياة ،، أن أقصي كل أحاسيس المشاركة ، أو الاحتواء ، التقاطع ، الاتحاد ،، أردت أن أكون بمفردي مجموعة خالية، تخلصت من خيط الهاتف و أغلقت جهاز الكمبيوتر عصافيري أعرتها لابن الجيران الذي طالما ترجاني أن أتركه يطعمها و يستمتع بتغريدها ، قطعت جرس الباب أيضا ،لم أشتر جرائد اليوم ، أغلقت كل كتبي و خبأت كل أوراقي و أقلامي ،، ومسحت كل برامجي من الذاكرة . كنت في انتظار المسلسل المد بلج ، هذا ما سيمنحني فعلا إحساسا بالفراغ ، أو فراغا في الإحساس . ما يهمني أنا لو انفجرت سيارة مفخخة في العراق أو في هاييتي .. ما يهمني لو قتل كل عبيد الأرض ؟ ما ذنبي لو قبض على ذلك الديكتاتوري الجبان ؟ ما عيبي أن يذبح الأطفال في الجزائر ؟ ما ينفعني أن اعرف من يقتل من ؟ أن تقام مستوطنات جديدة أو يقام حائط عازل ؟ من يدبر لإرهاب العالم ؟ من يجوع الخلق و يستولي على خيراتهم ؟ من يظلم ؟ من يعدل ؟ من يكره أو ينقم ؟ من يملك قلبا أو من يملك معدة ؟ من يفكر ؟من يكفر ؟ من يزني ؟من يفتي ؟ من .. يصنف من ؟؟؟ ما ذا بإمكاني أن أفعل ،، غير قضاء الليالي متقلبة في فراشي ، أنسف غربتي عن هذا العالم العجيب كيف أقتل إحساسي الغبي المشارك للكل في كل شيء ؟ لماذا أملأ نفسي بكل هذه الحقارات البشرية ؟ لا أنكر أنني حاولت أن امتلأ بشيء أجمل .. أن أتمسك بنفس فريد ،، لا يشاركني فيه العالم . بعيدا عن شاشات الفضائع و آلات الدمار . عن شوارع مدينتي التي تفيض قهرا و تكتم غيضها على مضض . بعيدا عن كل ما يعجز عقلي على تقبله .. البدع ، الخرافات ، الظلامية ،اللحى الكثة و الرؤوس المحلوقة . الجلابيب المليئة بأوساخ الشوارع و مقت الحياة . عن وصف الموت بالنعمة الكبرى .. عن كل ما يقتل أملي في غد أنور . بعيدا عن الهرج و التصفيق و النفاق المسكوت عنه ..وعن المغضوب عليهم و الضالين .. وعن ، و عن ،، وعن ،،، وحدتي في هذا العالم . حاولت أن امتلأ بشيء نوراني ،، هذا ما لم أفكر حقا فيه ،، لكنني أحسسته كذلك ، نور الهي ، لم يحدث معي سابقا ، يولد الشيء من نقيضه . بالأمس فقط كنا نتبادل تفاصيل منغصات الكون . بالأمس فقط كنت ممتلئة به .. أبدا كنت أفيض به ، كان يملاني و يفيض حتى أضحيت أنتظر خبرا جديدا أو مصيبة تحل بالعالم كي اطرحها بيننا " مصائب قوم عند قوم فوائد " هل تحولت به و له إلى متلقي ؟ و هل تحول العالم الشاسع إلى نقطة واحدة كانت هو ؟ نعم ، امتلأت حتى فاضت روحي تتيما به ؟ غريب كيف تتحول الحياة الرحبة إلى زاوية واحدة ... أن لا تشرب و لا تأكل و لا تتنفس و لا تفكر حتى،إلا بكائن ضعيف مثلك ؟ كيف يتحول مخلوق في حياتك إلى خالق أفراحك و أتراحك . أن ترى العالم بعينيه و تسمع بكاء الدنيا في أنينه أن تعلق أيامك بتوقيته . أن يمسحك إحساس وجد أساسا ليثبت وجودك . أن يتحول الإنسان الذي يصنع جنونك إلى صانع خرابك . أن تطير اليوم به و تهوي غدا إلى التلاشي بسببه نعم ، أضحيت ممتلئة حتى الهامة كما يقال ، برجل لا أعرفه ، كان رجلا افتراضيا ، صنعته التكنولوجيا الحديثة ، صانعة خراب البشر . بالأمس كنت أقول أنها صانعة سعادة البشر ، بالطبع فنحن نحكم وفق خرائبنا أو أهوائنا ، و تحول العالم بعد رحيله ، بعد قطيعته ، بعد نزقه بعد .... ماذا ؟ بعد أشياء لم تكن لتحدث لو لم اكن حمقاء ، عطشى ، وحيدة ،و غريبة ، لم تكن لتحدث لو لم يكن العالم خرابا . لو لم يكن رجلا كبيرا عظيما ، ما كان ليرحل . و لو لم أكن امرأة ، أنثى ، ما كان ليرحل أيضا. أيهما أحسن الندم أم الأسف ؟ الندم طبعا ، على الأقل هو نتيجة جرأة . أما الأسف فهو حسرة على ما لم يقع ، هو نتيجة جبن إذن. ............................................ " العالم حرائق .." " الوطن رهينة .." " وحده اله الموت يحكم الدنيا.." "القهر فضيحة و الذل الأكبر التسليم له .." "لم يعد في هذه الأرض ما هو جدير بالحلم .." "زمان كانت المرأة تدفن حية مخافة العار، اليوم يؤد الرجال في المنفى مخافة الثورة .."
" أحلم فقط ، بامرأة تكفر بكل كل هذا ،بالعالم و الوطن و الآلهة ،امرأة لا ترضخ لعرف صنعه آخر أيا كان هذا الآخر ، لا أخاف النار ،ألفت الحرائق ، و لا أطمع في جنة عرضها السماوات و الأرض ، السماء و الأرض لهم ، وحدي لست ملك أحد ، وحده عقلي لا سلطان لهم عليه ، و أريد امرأة تؤمن مثلي بالكفر بكل قواعدهم و آلهتهم كلها ." و لأنني كنت امرأة ، تحلم بقلب يدفئها و يمنحها الأمان ، لم أجد مكانا في نفسه . لان العالم فظيع ، أناني ، داس قلب رجل . و لان الوطن ، هزيل شاحب ، مكروه على أمره ، فاز ببنوته و أبوته ، و أخذ عشقه ، و أحلامه . و لان المنفى ، دمار رهيب ، خرب إنسانيته . و لأنني امتلأت به ،، كان من الصعب ، أن امتلئ بشيء غيره . فتحولت إلى أنثى أ ما هو فتحول إلى دانكيشوت يطارد طواحين التغيير . كبرت أنانيتي أكثر و كبر غضبه ومرارته .. و امتد العالم رهيبا مقيتا بيننا .. و امتدت آلهة التقويم ، جسورا ممزقة في الوسط ، تحول دون تلاقينا .. و امتدت أعراف و تقاليد ووصايا و .. سجون الآخرين ، بقضبانها المتينة ، تخنق جمالية حزننا تقبض على روح ما كانت لتحيا لو لا كوارث العالم و أهواله .. كيف لا أفرغ ذاتي من كل الآخرين ،، حتى منه ؟ كيف لا أمتلئ بي ،،،بالفراغ ،،؟ ............................................. بدأت موسيقى عذبة ترسل ترانيم أغنية عشقية لاتينية ،، آموري ,, آموري ,, وراحت بطلة المسلسل المد بلج الفائقة الجمال ذات العينين الزرقاوين و الشعر الذهبي المتلألئ ، و البشرة الوردية ، تندب هجر بطلها ذي الساعدين المفتولين ، و خصلة ا لشعر السوداء المتدلية على جبينه ، و العينين النائمتين ، كل ما يلزم لخلق جو يحمل من الحلم سذاجته ، و من الحزن دموعا اصطناعية . كل ما كان يلزمني ، لأمتن عقيدتي بضرورة الإفراغ ، و السخرية من حلم إنساني عتيق ، و راحت أحداث الحلقة تزداد تفاهة ، تقارب ، يتلوه تباعد و تباعد يتلوه تقارب ، ورحت أضحك حتى جلجت جدران الغرفة ،، قهقهت كما لم أفعل في حياتي أبدا .. كانت قهقهاتي حرائق ، تأكل كل أحزاني القديمة ، و المقبلة ،يزداد علوها ، ألسنة لهب ، تأتي على جنوني ،انفتحت شهيتي للضحك أكثر ،هاهاهاها. شعرت بتعب ، ضاق تنفسي ، أحسست قلبي واهنا تصبب العرق على جبيني ، مسحت براحتي ، لكنني تفاجأت بهما تعلقان بوجهي ، تضغطان فتضغطان ،مبللتان ،كانت دموعي رماد حرائقي .. و كنت أفيض ألما .. يولد الشيء من نقيضه .. انهالت يداي على التلفاز ضربا ، أسقطته أرضا ، دوى الانفجار ، ،، انفجاري و انفجار العالم من مستطيل زجاجي .
#آسيا_علي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما لا يقوله الصمت
-
معابر ..
-
هواجس محرمة
-
كوني امرأة
-
رحلة إلى..السراب
-
ما يشبه الابتسامة
المزيد.....
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|