|
شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد الهادي
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28 - 05:25
المحور:
الادب والفن
في ديوانه " الرغام " – الصادر عن مركز الحضارة العربية بالقاهرة – ينتج علاء عبد الهادي لغة شعرية تجريبية ، تتقاطع مع مجالات تداخلية جزئية من الخبرات الإنسانية ، و الكونية ؛ مثل أخيلة المادة في علاقتها السرية بالوعي ، و اللاوعي ، و إعادة تكوين الجسد من خلال الانتشار النصي للغرائز ، و اندماج دوال الغناء ، و الصمت ، و الحركية السردية في صيرورة المتكلم ، و الأنثى ، و العناصر الكونية معا . لسنا – إذا – أمام وعي لمتكلم يرصد علاقته بالأنثى ، و الظواهر ، و لكنه جزء من لعب الأخيلة ، و الغرائز ، و الحكايات النصية ، و الوجودية التي تنتج أشكالا مختلفة من الموت ، و الحياة ، دون مركز ، أو فاعل رئيسي في النص ؛ فالأنثى التي تشير إلى الإغواء ، و الخصوبة نجدها تنفك في فراغات الصمت ، و أخيلة الرمل ، و أطياف الماء المتناقضة ، و الأسطورية ، و تجلياتها الذاتية في صوت المتكلم نفسه ، كأنها بديل للكتابة ، و أصواتها اللانهائية التي تقاوم – عن قصد – منطق اللغة ، و الحضور ، و تنتج أطيافا جزئية للذكريات ، و الرغبات ، و العناصر كدوال تخيلية في سياق لعبي مرح . إن علاء عبد الهادي يشكل الجسد من خلال شهوة الكتابة دون أن يسعى لبلوغ مركز ذاتي ، أو اتصالي كامل بالآخر ، و لكنه يظل كامنا في اللذة المنتجة للسلب كاحتمال لا يمكن اكتماله ؛ مثلما تظل الرغبة كامنة فيما وراء الأخيلة ، و الذات كدال جزئي في السياق الشعري . و يأتي الخيال كوسيط يتجلى فيه الحضور المؤقت من خلال ألعاب اللغة ، و ارتباطها باللذة ، سواء أكانت لذة التوحد ، أو الموت ، و لهذه اللذة مظهران ؛ أحدهما نصي ، و الآخر ثقافي ؛ فالتداعيات النصية المضادة للمنطق تؤكد التجسد التجريبي للغة ، و الوعي ، و الجسد ؛ أما عدم اكتمال هوية المتكلم ، و الأنثى فيشير إلى السلب الملازم للإيروس ، و ما يحمله من تناقض يكمن في الشهوة ، و الوجود معا .
• التكرار / تتكرر الدوال الكونية مثل ؛ الهواء ، و الماء ، و الرمل ، و التراب ، و تختلط في الديوان بالصوت الجزئي للمتكلم ، و الأنثى ، و الوسائط الخيالية مثل القبرة ، و غيرها في سياقات أدائية لا واعية ، و لا مركزية ، مما يؤكد الانتشار الإبداعي التوليدي من جهة ، و الغياب المستمر للصوت من جهة أخرى . يرى رولان بارت أن الكلمة تكون شبقية بشرطين متعارضين ، هما ؛ التكرار المفرط ، و هو ما يعني الضياع ، أو الدخول في الدرجة صفر من المعنى ، و كذلك المباغتة ، و الحضور غير اللائق ( راجع / بارت / لذة النص / ترجمة منذر عياشي / مركز الإنماء الحضاري بحلب مع لوسوي بباريس ط 1 ص 77 و 78 ) . و يرتكز بارت هنا على الإيحاءات السحرية التي يولدها التكرار في غياب المركز ، و كذلك حداثة الدال ، و الصورة ، و هو ما نجده في ديوان الرغام من البداية ؛ فنحن أمام ديناميكية أدائية للدوال ، تتسم بطابع تحويلي مستمر يجمع بين التكرار ، و حداثة السياق ، و غياب التحقق الكامل لعملية التوحد التي تميز الإيروس ، مع الإشارة الملحة لحدوث هذا التوحد . إن المتكلم يغيب في تكرار المادة ، و الحضور المتجدد للأنثى دائما ؛ فقد انبثقت من فراغ تخيلي نصي بالأساس ، يسبق المنطق ، و يؤجله في عمليات التوحد ، و الانشطار التي تبدعها اللغة الغريزية المعلقة في مجموعة من الوسائط ، و السياقات اللعبية اللامتناهية . يقول : " ألمك لأما .. ثم التئاما / ألمك مثل الزجاج .. يلم ندى الأرض من قطرة / كل ندى الأرض من محض قطرة / * الفيض * / .. و الهواء الحبيس .. يعدو .. ينز من أطرافها / فترتج رملتها " . ينتج النص هنا بإلحاح معنى الاتحاد الإيروسي من خلال تكرار اللأم ، و تجميع القطرات ثم تفجيرها في سياق الفيض الانتشاري اللامتناهي ، و كأنه يكرر الاندماج ليخرج من بنية الاندماج نفسها إلى الانطلاق الحر للعناصر مثل الماء ، و الهواء ، و الرمل إلى ما وراء العشق ، و لكنها تحمل آثاره ؛ أما المتكلم فقد ذاب في فيض العناصر ، و اختفى عقب فاعليته الأولى ، هل كان قطرة ندى جزئية تتضمن التفاعل ، و التكرار ؟ أم أنه يلج المادة في علاقتها بحالات الأنثى الشعرية ؟ • السلب / يظل طيف الموت كامنا وراء عمليات التوحد بالأنوثة في الديوان ، و يتخذ مظاهر عديدة مثل ، الصمت ، و الفراغ ، و الخوف ، و الصراع ، و الهلاك ، و غيرها . إن تجليات السلب تستعيد التدمير من اللاوعي ، و تدخله في ألعاب الإيروس دون مركز ، فنجده ملحا ، و ينتشر في الاختفاء المتكرر للصوت ، و الأنثى معا . و قد جمع فرويد بين غريزتي الموت ، و الحياة ، كما أعاد هربرت ماركيوز تأويل العلاقة المعقدة بينهما في اتجاه ثقافي يكشف تناقضات الإيروس في الحضارة المعاصرة . إن شهوة الكتابة عند علاء عبد الهادي تصطدم بمخاوف التدمير ، و التفكيك الذاتي للإيروس ، و تلتحم مع الاستعراض الوحشي للجنس عند ماركيوز في اندماجه بالسلب ، و المعاناة . يرى ماركيوز أن فرويد قد ناقش البعد الثقافي للإيروس انطلاقا من البؤس المتضمن عمليا ، و الذي يرجع إلى الاتصال بين البربرية ، و الحضارة ، أو الإيروس ، و ثناتوس ( الموت ) ، و من ثم يؤكد ماركيوز سلب الحرية Unfreedom من خلال سياق الحرية نفسه. راجع / Herbert Marcuse / Eros And Civilization / Chapter1 on : http://www.marxists.org/reference/archive/marcuse/works/eros-civilisation/ch01.htm لقد استوعب السياق الشعري عند علاء عبد الهادي مخاوف العدم الفلسفية ، و الحضارية ، و امتصها في سحر الاختفاء ، فالاختفاء يحمل ذكرى الجنس في صورة مجردة لا يمكن القبض عليها أبدا ؛ فالعاهرة تذوب مثل الصوت في تكوينات تجمع علامتي الذكورة ، و الأنوثة ، و طيران الدوال . ثمة نشوة تكمن في الخوف ، و السلب ، و الانقطاع في الديوان ؛ هذه النشوة تؤول المعاناة عند ماركيوز في صورة جمالية كبديل للتناقض الذي يؤكده الأخير كسمة للجنس في الحضارة . يقول علاء عبد الهادي : " و لي العطش رمية و ارتدادا * الذهول * / أأقلب في حضنها الذكريات / أم أقوض سطري / أنا الصائد / و الضحية / * الغلبة * / أغسل مني يدي / غير آبه بمعمار جسدي .. / * الخوف * " . ينتشر التفكيك الذاتي من داخل دوال الإيروس ؛ فانتشار الماء ، انقلب عطشا ، و ذهولا ، هل كان العدم طيفا للمادة ؟ أم أن الغياب جزء من اللعبة ؟ إن التشابه بين الذهول السلبي ، و استلاب المتكلم في الأداء الكوني / اللغوي يؤكد استمرارية الرعب منذ البداية ، و بخاصة في الماء الذي صار وسيطا للاختفاء ، مثلما كانت القبرة وسيطا للغناء المجرد دون منطق ، إن الجسد يتحلل في سياق الخوف الذي اكتسب قوة الإيروس و نشوته ، فصار متضمنا في غياب سحري أصلي . إن المرأة في الديوان دال ، أو فراغ ثري تعمل فيه اللغة ، و القصيدة ، و أصوات العشاق ، و المتكلم ، و كذلك الأطياف ؛ فهي لعبة يتجلى فيها الوجود ، و يسخر من نفسه في آن . يقول : " هي امرأة بين الحالتين / تفتح أعضاءها كي أرتب فيها القصيدة / أولم تكن هي التي ظهرت / خلف كل المرايا و ندهت / فانتسب زوارها للخفاء / امرأة لها رائحة السؤال / رائحة العقاقير التي تستعيد كهف الطفولة " . إن المرأة تقاوم التجسد الزمكاني بقوة لتندمج في الطيف ، و لكنها تؤكد الشهوة ، و تتوسع فيها ، حتى يذوب فيها الصوت الشعري ، هل كانت طاقة الأنوثة التخيلية الإبداعية ؟ أم أنها تفجر الجسد خارج الزمن ؛ لتقاوم الموت ؟ إنها تجسد للاختفاء في سحره اللغوي ، و الطيفي . هل كانت سؤالا ذاتيا ؟ أم قوة للتوحد و الغياب معا ؟ إن اللغة التجريبية في الرغام تقوم على غناء الرغبة ، و الحكي ، و الصمت ، و التفاعل الموسيقي المتمرد بين الدوال الجزئية التي تحمل أثر المتكلم و الأنثى . يقول : " فسال سرك نورا تحت الأهلة / يؤاخي حولي الجهات / فشب التستر / يعري دمي / و يقفز فوق الصبح الذي يرمم صرخته في سكوني .. / الرقص أجمل إن أعقبه الفراق / أخبريني ( ....... ) / كان شجر السرود يفح / و هي تحكي (...) / و نترك شارب الريح يحك جلد الكلام " . إن الحكاية هنا تكمن في نشيد الصمت الأول ، في الدهشة التي تعرض لها المتكلم حين توحد ببلاغة الكتابة ، و الأداء التفاعلي الديناميكي الذي يقع بين التوحد ، و الغياب ، و لهذا كان الصمت بديلا غنائيا عن السرد ، و لكنه أيضا سردي بالأساس ؛ لأنه يقاوم النهايات ، و الحدود . الحكاية هنا بلا مرجعية واضحة ؛ فهي معاينة لأخيلة مباغتة قيد التشكل ، أو سياقات يستعاد فيها الوعي دائما ، و يمحى كجزء من موسيقى الكتابة ، و العناصر .
محمد سمير عبد السلام – مصر
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا
...
-
التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ
...
-
الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
-
تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد
...
-
صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
-
دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
-
وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل
...
-
انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
-
الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت
...
-
مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
-
السينما .. فن الأشباح
-
الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال
...
-
عن الفوتوغرافيا
-
الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
-
القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر
-
سحر توفيق تستعيد الرجل بلغة أنثوية
-
هارولد بلوم .. و إعادة إنتاج الأثر الشعري
-
تجدد الثقافة الشعبية
-
تعدد الدلالات و الأصوات .. قراءة في اخلص لبحرك لمسعود شومان
-
السياق الجمالي للعقاب .. قراءة في أقلب الإسكندرية على أجنابه
...
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|