|
دموع الجدة ، وضلوع علي
سلام العيسى
الحوار المتمدن-العدد: 2627 - 2009 / 4 / 25 - 09:38
المحور:
كتابات ساخرة
فقراء ، جوعى ، يتزاحمون على طعام يملئون به بطون ابنائهم واخوانهم واهليهم ، في بلد النهرين وخزائن النفط وارض السواد ، تجمعوا بلا حساب لغدر الحياة التي لم يروا منها الا الموت يطل برأسه في كل لحظة ، يمدون اياديهم علها تلقف شيئا فيكونوا قد ضمنوا لانفسهم واطفالهم رزق يوم اخر ، وهكذا تبدأ القصة كما ترويها النيويورك تايمز.. الفقراء يجتمعون على موقع لتوزيع المعونات الغذائية ، تقترب منهم امرأة ترتدي العباءة مظهرها ككل امهاتنا واخواتنا ، لايبدو منها سوى انها شريكة للاخرين في الجوع والبؤس اللامنقطع ، تصحب معها طفلة صغيرة لتشق الصفوف جاذبة اشفاق من حولها ممن يستحقون الشفقة ، وهل هناك اقسى على القلب من طفل جائع واحن على الروح من ام تريد سد رمقه ، حالما تستقر بين الحشد ضامنة انها اكثر قربا من اغلب الجياع ، تفجر نفسها ومعها طفلتها ، ومعها كل الجياع الاخرين ... بعدها ، تلتصق عباءة ممزقة بجدار شرفة لشقة قريبة ، المكان يزدحم بفوضى من اكياس المعكرونا واوراق الشاي ، ولحم الجوعى... أمرأة تجلس على الارض وتندب ، لقد فقدت زوجي وابني وابنتي وستة من أحفادي .. لم يكن واضحا بعد كم طفل قد مات ... على مقربة في مسشفى ابن النفيس كانت النساء اللائي يزرن الجرحى يندبن بصوت عال ، المصابون ملقون على النقالات ، الجراح تغطي اجسادهم .. علي ، 30 عاما ، بقال يبيع الخضروات في مكان قريب مع اخيه حيدر ، قال ان اخاه لاحظ تجمع النساء والاطفال وذهب ليعرف مالذي يجري . اما انا فبقيت في مكاني . بعد لحظات ، مات حيدر ، واصيب علي بجروح . في المستشفى ، كان علي يتنهد متكأ على الباب الحديدي لثلاجة تضم جثة اخيه ، قال : كأنني فقدت ضلوعي... (انتهى) عذرا ايها الفقراء ، يامن حملتم مأساتنا بين اضلعكم ، يامن جعتم لنشبع فننام قريري العين في بيوتنا وانتم تذرعونها دنيا حقيرة بحثا عن لقمة كريمة ، عذرا فقد كانت هذه اللقمة مرة مرارة الدنيا وكل مافيها من لؤم وحقد وخبث ودناءة ، عذرا ايتها الصغيرة فقد قادتك اللعينة الى حتف لم تختاريه وكأنني ارى كفيك الناعمتين يطيران فوق راسي يهمسان بسؤال يكاد يخنقني: لماذا قتلتني ؟. عذرا ياجدتي ، فلست قريبا لاجالسك الرصيف وابكي احفادك دما واقبل ارواحهم النقية وهي تحلق هناك .. عذرا ياحيدر ، قتلوك لأنك حيدر ، و لأنك كادح ، ولأنك الهدف الاسهل حينما يستعصي على اولاد الزنا الوصول الى خصومهم الانداد من أولاد الزنا ... عذرا فلست قريبا لاقبل الارض التي عليها سالت دمائكم ، لابكي موتكم كما ابكي جوعكم ، لاصرخ في هذا العالم الدنئ اللامبالي : ياربّاه ، لقد قتلوا الجوعى ... وانتم ايها السفلة ، يامن اعماكم الحقد عن ان تبصروا ، افرحوا بموت الجوعى ، اهنأوا بمجزرة الفقراء ، بضلوع علي التي كسرتوها ، وبالاجساد الغضة لأحفاد الجدة ، فالحقد الذي تزرعون لن يكون قطافه الا رؤؤسكم التي تعفنت كراهية ولؤما .. وانتم يا من في حصن السلطة ، يامن اتخمتم بطونكم على حساب الجياع ، يامن لعقتم مظلومية الفقراء ، وسرقتم لقمة اليتامى ، الا تخجلون ، الا تهتز قلوبكم لمصير الابرياء ، اليس بينكم من استنطقت المأساة مشاعره وغيرته فخرج من تلك القوقعة فمسح دموع الجدة وربت على كتفي علي البقال . اقسم بمن تعبدون ، ان دموعهم اطهر من صلاتكم وصيامكم وحجكم وعمرتكم ، ان دمائهم أطهر مما يجري في عروقكم من نجاسة تسمونها دم ، وان اجسادهم المحترقة لاطهر من اجسادكم المغتسلة بصابون البطر الذي لن يمحو مهما مسحتم قذارة السنين الطوال وانتم تلحظون الجوعى حول مواكبكم ، فتغضون البصر ... وانتم يا انصاف الكتاب ، ويامرتزقة الكلمة ، ياملمعي القتلة ، ومبرري القتل ، يامحامي الشيطان ، ايها المتسكعون في عواصم العهر والكراهية تشربون من ماء كراهيتهم لابنائنا ، وتسعرون نار حقدهم على مساكيننا ، هلا استصرختم ماتبقى في عقولكم المريضة من غريزة تعاطف تمتلكها كل الكائنات ، فكففتم لعبا على مأساتنا ، تشفيا بفقراءنا ، شماتة في جوعانا ، هلا احترمتم عيون تلك الطفلة البريئة التي قادتها رسولة الموت شريكتكم الى حتف لم تختره ... ربّاه ، ابحث عنك فلاغيرك جدير بان ينتقم لهم ، ولاغيرك قادر على ذلك ، ربّاه لقد قتلوا الجوعى ، فلا باك لهم ولا سائل عنهم ، ذبحوا البراءة بدم بارد ، سجلوا انتصارا عبر فتك اجساد الطيور الضمئى ، ربّاه لقد أرخى ليل الحقد بسدوله ، فهل من فجر جديد يعيد الطمانينة لارواح الابرياء ، لقلب لجدة الحزينة ، لضلوع الفقير المنكوب بأخيه وفقره ..
#سلام_العيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماقاله بندر عن صدام : بعض مايعنيه ان نكون مجتمعا مأزوما
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|