|
عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 2627 - 2009 / 4 / 25 - 09:40
المحور:
كتابات ساخرة
لا يخجل العرب و المسلمون من تخلفهم، بل يفخرون به على الهواء، و لا يتركون فرصة تمر دون أن يُضحكوا عليهم العالم، وهم يعتبرون كل ذلك "نخوة " و "ممانعة" و "نصرة". وقف الرئيس السوداني المبحوث عنه دوليا أمام جمهور من أتباعه و شيعته، المتيمنين بطلعته و الشامتين في أعدائه، وقف ملوحا بعصاه وهم يتصايحون من حوله و يهتفون بحياته، لم تعد عصا الحاكم العسكري ـ الذي جاء إلى السلطة عبر انقلاب على الديمقراطية ـ تعني عند رعيته ما تعنيه من تسلط و احتقار للكائن البشري الذي يساق كما تساق القطعان، بل أصبحت لها كل معاني التحدي و الرجولة و الشهامة، هكذا تنقلب القيم ومعاني الأشياء في بلاد العربان . و عندما انتهى الحاكم العسكري من خطبته رقص ببطنه المتدلي، و قد علت محياه ابتسامة زائفة يخفي بها الإهانة التي لحقته من المنتظم الدولي، الذي يلاحقه بمذكرة اعتقال و بتهمة مجرم حرب. رقص البشير و كأنه يرقص على هامات ضحاياه من الأطفال و النساء و الشيوخ الذين ذبحوا و أحرقوا في دارفور بتخطيط منه و بأوامره و أسلحته، و الذين بلغ تعدادهم ثلاثمائة ألف و يزيد، دون ذكر مليونين ونصف من اللاجئين المشردين. رقص البشير ثم خطب في الناس بعد التهليل و التكبير و الحمدلة، و وجه سهام كلماته لأعدائه الغربيين و كل قوى العالم التي أدانته قبل أن يسحقهم جميعا تحت حذائه، جريا على عادة العرب الذين ربحوا كل حروبهم منذ قرن و نصف،، فوق منابر الخطابة . و بإجماعهم في قطر على مآزرة الرئيس السوداني قاتل الأطفال و النساء في دارفور ، برهن الحكام العرب على أنهم عند حسن الظن، و على أن "الدم العربي" لا يمكن أن يصبح ماء، و على أنهم في النهاية تجمعهم لحمة "الثقافة المشتركة" : يأتون إلى الحكم دون أن ينتخبوا من طرف الشعب انتخابا حقيقيا وشفافا، يظلون في السلطة إلى أن يموتوا أو يقتلوا، و يمكنون من بعدهم لأبنائهم الذين يرثون السلطة و الناس كما يورث المتاع، و شعارهم في ذلك العبارات النمطية التي وفق أحد الكتاب في جمعها في الكلمات التالية : "الحفاظ على ثوابت الأمة وتفادي الانزلاقات وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة الأعداء وقطع الطريق على المتربصين بوحدة البلاد و على الأيادي الأجنبية و الصهيونية" و هي العبارات التي تعتمد عند الإنقلابات العسكرية و عند اعتقال مواطنين و تعذيبهم، و عند تكميم الأفواه و إرهاب الصحافة المستقلة، و عند تعديل الدستور بهدف الخلود في السلطة أو توريث الحكم. هناك دائما عدو أجنبي ينبغي الحذر منه، و هل هناك عدو أقسى من الذي يقتات من دماء الناس و رغيفهم يوميا في الداخل؟ و وقف الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بدوره في منبر آخر، لم يكن منبر خطابة عربي أو إسلامي هذه المرة ، كان منبرا أمميا التمّ فيه ممثلو المنتظم الدولي ضد العنصرية، و لم يفهم العرب و المسلمون ـ كعادتهم ـ الأسباب التي جعلت ممثلي العديد من الدول الغربية ينسحبون أثناء إلقاء الرئيس الإيراني لكلمته، و إدانته لإسرائيل بوصفها كيانا عنصريا، اعتبروا ذلك ـ كعادتهم ـ من مظاهر مساندة الغرب لإسرائيل و عدائهم للإسلام و للعرب و المسلمين، غير أنّ السؤال التالي كفيل بإبراز الجانب الخفي من الموضوع : هل كان ممثلو الدول الغربية سينسحبون لو أنّ الذي وصف إسرائيل بالدولة العنصرية هو أحد ممثلي الدول الغربية الديمقراطية ؟ بالطبع لا، فمن حق دولة ديمقراطية تصان فيها كرامة الإنسان و حقوقه أن تبدي انتقاداتها لما تعتبره ممارسات عنصرية داخل دولة عسكرية أو دولة احتلال، و الذي يمنح هذه الدولة الديمقراطية هيبتها هو علاقتها بمواطنيها و مدى التقدم و الرفاه الذي حققته لهم ، المشكل في حالة الرئيس الإيراني هو أنه قادم من بلد هو آخر من يحق له الحديث عن العدل و الحرية و المساواة و الديمقراطية و مناهضة العنصرية، بلد يكرس نسقا سياسيا مدينا في استمراره للرقابة البوليسية اليومية و للنهج القمعي الشديد القسوة، بلد أمكن فيه للسلطة أن تصادر 32 منبرا صحفيا في بضعة أيام، و أن تمنعها منعا نهائيا بقرار من شخص لم ينتخبه أحد، و هو الإمام المرشد الجاثم على صدور الناس إلى أن يموت، و الذي بيده الجيش و الشرطة و القضاء، أي كل وسائل القهر التي تحتاجها العمائم السوداء لكي تبقي مجتمعا بكامله في حالة حجر، و تصرف الأنظار عن أوضاع الداخل المتردية بإشعال نار الفتن في العراق و لبنان و فلسطين و بالتلويح بالأوهام النووية. بلد يلقى فيه القبض على الأستاذ الجامعي و هو يحاضر و على الشاعر و هو يلقي قصيدته و على الفنان و هو يصور فيلمه، و تحوم فيه طائرات الهيليكوبتر فوق السطوح لمصادرة بارابولات السكان التي يتنفسون عبرها بعض هواء الحرية و أنسامها، بلد ما زالت تُحرس فيه خصلات شعر النساء ببنادق الحرس الثوري، بلد هو آخر من له الحق في إدانة عنصرية دولة إسرائيل، هذه الدولة التي تحتل أراضي الفلسطينيين و تضطهدهم، و لكنها في هياكلها و قوانينها و علاقتها بمواطنيها ما فتئت تعطي الدروس تلو الدروس لمحيطها العربي و الإسلامي البئيس. لهذه الأسباب تهون عنصرية إسرائيل ضد الفلسطينيين في عيون الغرب أمام عنصرية العرب و المسلمين، و لهذه الأسباب يفقد الخطاب العربي و الإسلامي مصداقيته في المحافل الدولية عند الحديث عن الديمقراطية و الحريات أو عن العنصرية ، مما يعني أن أمام العرب و المسلمين ـ الذين يكرسون في بلدانهم كل أنواع الميز و اللامساواة ـ الكثير مما يمكن عمله في ترميم بيوتهم الداخلية حتى تكون كلمتهم مسموعة في الأوساط الدولية، فالذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهر الميز ضد الأمازيغ و السود و اليهود بالمغرب إلى الوزير
...
-
نداء من أجل الحرية
-
أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة
-
لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟
-
التضامن الإنساني و التضامن العرقي
-
حين يباع الوطن و يهان المواطن
-
33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين
-
المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية
-
الوطنية المغربية و الطابو التاريخي
-
انتحار امرأة
-
الجذور الفكرية لإيديولوجيا التعريب المطلق
-
نظرية المؤامرة في السجال العمومي
-
الأمازيغية في مفترق الطرق أسئلة الحصيلة و الآفاق
-
الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني
-
ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية
-
أصابت امرأة و أخطأ الشيخ
-
في ضرورة الإصلاح الديني
-
العلمانيون و الإسلاميون: قوة الحق و قوة العدد
-
معنى القيم الكونية
-
الأخلاق و الحريات بين المنظور الإنساني و التحريض الديني(2)
المزيد.....
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|