حسن الناصر
الحوار المتمدن-العدد: 2632 - 2009 / 4 / 30 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعاب على الاسلام من البعض بانه قد اقر الرق ونُشر بالسيف وقد تكون هذه نصف الحقيقة , الا ان المتمحص للأمور يدرك بان كل رسالات السماء و كل النظريات الوضعية قد تعرضت للتشويه والتسويف والتحريف بعد مغادرة من اوجدوها ومنها الاسلام , ولست بصدد الدفاع عن الاسلام فهناك آلاف الاقلام مازالت تنافح عنه ببسالة لكنني اشير بخصوص هذا الموضوع الى كتاب محمد قطب (شبهات حول الاسلام) الذي يتمنى فيه المؤلف لو ورد نص صريح بمنع الرق حيث يقول (ثم تغلب علينا انفعالات الاستبشاع والأستنكار فنعجب كيف اباح الاسلام الرق , وكل توجهاته وتشريعاته كانت ترمي الى تحرير البشر من العبودية في جميع ألوانه واشكالها , ونتمنى في حرارة الانفعال ان لو كان الاسلام قد اراح قلوبنا وعقولنا فنص على تحريمه بالقول الصريح) , والمترشح بخصوص هذا الامر ان الاسلام استخدم اسلوب التدريج في المعالجة للكثير من الموروثات القيمية التي كانت تزدهر بها الجاهلية مثل الخمر ولعب والقمار وبعض الزيجات المشينة للمرأة ومنها بطبيعة الحال الرق , اذ كان يجسد ظاهرة من الصعب دحرها في تلك الفترة , وقد نستدل من ابيات السليك بن السلكة وهو من شعراء صعاليك الجاهلية وهجين النسب من ابٍ حر وام أمة سوداء على جزء من هذه المأساة اذ يقول :
أَشَابَ الـرَّأسَ أَنِّـي كُـلَّ يَـومٍ أَرَى لِـي خَالَـةً وَسـطَ الرِّجَـالِ
يَـشُـقُّ عَلَـيَّ أَنْ يَلقَيـنَ ضَيـماً وَيَعجِـزُ عَـنْ تَخَلُّصِهِـنَّ مَالِـي
وحينما توفي النبي (ص) وبدأت الغزوات التي يطلق عليها جزافاً ب(الفتوحات الاسلامية) التي كانت سبب مباشر في ابادة وترويع شعوب بأسرها مع سبي اطفالهم ونساءهم وجعلهم أرقاء في ايادي علية القوم من قريش أستفحل الرق حينها بدل ان يترشق ويضمحل كما كان يجب , وبعد ذلك توسع سوق النخاسة في العهدين الاموي والعباسي حتى ولج بيوت خلفاء بني العباس الذين كان غالبيتهم من امهات اماء مثل المنصور والهادي والرشيد والمامون والمعتصم والمتوكل وآخرين , ومن ثم تطورت هذه الظاهرة التي لم تقتصر على العنصر الافريقي فقط وانما دخل في بودقها الفارسي والتركي والقوقازي والكثير من الاجناس الاخرى لتنتج الى الوجود عصراً حكم فيه العبيد اماراتاً وممالك في العهد المملوكي , وتعد ثورة الزنج في البصرة ايام المعتمد العباسي تجسيداً حياً لما عانى منه العبيد العاملين في كري سبخ الارض من ظلم واجحاف وسوء المعيشة في تلك الفترة الزمنية القاتمة . ومن الجدير بالذكر ان الرق الذي يعتبر وصمة عار في جبين الانسانية لم يقتصر على الاسلام فقط كما يدعي البعض وانما ساهمت به باقي الديانات الابراهيمية الاخرى كاليهودية والمسيحية من عدة اوجه .
وقد مورس الرق كتجارة بابشع صوره ضد القارة السمراء افريقيا من قبل دول استعمارية منذ القرن الخامس عشر ومنها البرتغال وهولندا وبريطانيا وفرنسا والدنمارك حيث اغتنت هذه الدول على أثره وتركت افريقيا يطحنها الفقر والفاقة نتيجة استنزاف الطاقات البشرية والموارد الاخرى ويقدر مانزفته افريقيا من رجال ونساء كأرقاء وهم في الغالب من شريحة الشباب ب 210 مليون انسان خلال الخمسة قرون المنصرمة , ولدى بزوغ مشاعل النور والتحضر على ايادي قادة الفكر والتنوير بدأ عصر الرق بالانحسار حتى تصرم .
وحرم القانون الدولي أي مظهر من مظاهر الرق باعتباره جريمة دولية تدخل ضمن نطاق الاختصاص الشمولي للقضاء بمعنى ان مرتكبها يلاحق قضائياً في أي بلد كان واينما كان محل ارتكابها , كما انها لاتسقط بالتقادم وقد تبنتها عدة اتفاقيات دولية منها اتفاقية جنيف لعام 1926 والمعدلة ببروتوكول عام 1953 كذلك بروتوكول عام 2000 الخاص بمنع ومعاقبة الاتجار بالاشخاص كالاطفال والنساء . لكن الملفت للنظر ان المدارس الفقهية الاسلامية مثل حوزة النجف او جامع الأزهر او مدارس الوهابية في السعودية اضافة الى باقي المدارس الدينية الاخرى مازالت تدرس حتى الآن مواضيع تخص الاماء والعبيد وحكم ملك اليمين للجارية وغير ذلك وتجتر مواضيع ناضلت البشرية كثيراً للقضاء عليها , ففي حين أبتدء الانسان غزو الفضاء واستحدث حقوق حتى للحيوانات التي ترث اموال مالكيها احياناً تجد هكذا سخافات تدرس ضمن مناهج المدارس الاسلامية , فليس غريباً اذن ان تنتج هذه المؤسسات المتخلفة رجالاً مازالوا مغيبين في الدرك الاسفل من الجهل الى درجة يصرح بعضهم بأنكار دوران الارض حول الشمس لانه مخالف للشرع ويعد كفراً ومروقاً عن الاسلام حسب وصفه .
ومابرح العرف الاجتماعي السائد في اوساطنا الاجتماعية الذي يتكامل مع مؤسساته الدينية المهترئة ينظر بصورة متدنية لأي شخصية سوداء البشرة سواء في العراق او دول الخليج , ونستدل من تجذر هذه الظاهرة حتى الآن وجود الكثير من الخدم الذين يصحبون ملوك وامراء الخليج وبعض شيوخ القبائل الكبيرة في هذه المناطق وفي العراق من ذوي البشرة السوداء وهم في الاصل من نسل آباء كانوا عبيداً لهذه الاسر .
وتطفو على السطح الآن اساليب للاسترقاق بصور متعددة وحادثة سباق الهجن في السعودية والخليج ليست ببعيدة عن الاذهان اذ اثارت امتعاض الكثير من منظمات حقوق الانسان بسبب قيام بعض منظمي سباقات الجمال ( الهجن) باستيراد اطفال من دول آسيا لكي يمتطو الجمال في السباق لخفة وزنهم وقد تبين ان مستوى العناية والرعاية التي يتلقاها الجمل تفوق اضعاف مايتلقاه هؤلاء الاطفال المساكين الذين يتعرضون الى الاغتصاب الجنسي والى معاملة قاسية ومهينة للغاية .
ويوشم جباه سياسينا العار والخزي في حقبة البعث او في هذه الحقبة بسبب استفحال ظاهرة الرقيق الابيض تجاه فتيات عراقيات قاصرات من أسر فقيرة ومعدمة يتم استدراجهن من قبل مافيات الدعارة ليجبرن على ممارسة البغاء في الخليج او سوريا والاردن ويتعرضن للضرب والتعذيب والاهانة وبعلم وتحت انظار ومشاركة البعض من دبلوماسيين وسياسيين عراقيين كانوا ومازالوا يتزينون بالبدلات والاربطة الانيقة ويوقرون آذانهم عن أنين هؤلاء الفتيات البائسات , كما ان المحزن وقوف العرف الاجتماعي والقبلي السيئ تجاه عودة البعض منهن وهن ضحايا الى حياة طبيعية داخل العراق ليجدن سكاكين غسل العار تمزق اجسادهن تحت مظلة القانون المجحف واخص بالذكر المادة (409) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969, التي تجعل هكذا فعل بربري ظرفاً مخففاً للجاني قد يحبس على ضوئه لمدة لاتزيد عن ستة اشهر .
ان هذا الملف الدامي بحاجة ملحة الى صحوة ضمير يشارك فيها المثقف والسياسي ورجل القانون لايجاد حلول لآلاف الضحايا اللواتي مازلن يجلدن بسياط الجهل والتخلف في مجتمع يمتهن المرأة ويسحق كرامتها .
#حسن_الناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟