أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - اغنية من قعر زجاجة














المزيد.....


اغنية من قعر زجاجة


عبد العظيم فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 07:15
المحور: الادب والفن
    


" ها أني مع تفاحة ، وهذا يكفي "
جان دمو


أطفو ، مثل قنينة زجاجية ، فوق مياه التاريخ : في جوفي آهات بشرية وضحكات . تقودني الأحلامُ من بحر الى آخر ، لكن لمّا لم يعد هناك صياد يرنو الى الشاطيء ، منتظرا ظهور الحوريات بقلب أخضر القلب ، شربتُ الزجاجة . أعرف أنني تماهيتُ في ذلك ، لكنها الرغبة في ان استخلص معناي من بين لجة العصور .

كان دليلي في الرحلة هو الرحلة ذاتها ، حتى رأيتُ أن الزجاجة لم تعد هي الزجاجة ، وانا نفسي أضحيتُ كائنا خرافيا ، كشهريار في الحكاية ، ينحدر اصله من اللازجاجة والزجاجة ، لكن الفرق هو أنني أفتقد الى الصلابة الداخلية ، فأنا كالطيف مما يعرضني للانتهاك ، لذلك أبقيتُ حياتي بعيدة عن التداول : هكذا تحصنت ُ بوحدة الناسك ، وقلعة المهاجر عن نفسه الى البعد ، لأن ما يحصل في الخارج يفتقد الى الحرارة .
آه ، لقد هربتْ الشاعرية ، وشاخت الصبايا الجميلات في القصائد .

كان قلبي يضع مركز ثقله في شهرزاد ،
وكانت شهرزاد نائمة في التفاحة ، لولا نيوتن .
كان العالم ، في ذلك المقطع من اغنية الخليقة ، أكبر من التفاحة قليلا ، لولا قراصنة البحر .
كان ممكنا ، ان نمد خيط الخيال ،
فننتقل الى السكن في التفاحة ، لولا دارون .
كانت شهرزاد ، كل ليلة ، تخدع شهريار ، وتسرق لي تفاحة من بستان خيالها ،
لكنني كنتُ آخذ قضمتي من خدها ، فيما تاخذ قضمتها من التفاحة ،
ونندهش من هذه الصورة الشعرية الفاتنة ، لولا أن شهريار صار ناقدا .
كان ممكنا أكثر من التفاحة ،
لولا أعين الحكومات التي تحرس المطابع .

كان ..

وحين سمعتُ الكذبة المستحيلة : أن القمر هو حفنة احجار ، وليس زجاجة على هيئة مصباح بيد النجوم ، هجرتُ العالم ، ولجأتُ الى السَحَرة في كتاب الف ليلة وليلة ، فعوّذوني بالخيال : شقّوا قلبي ، وزرعوا فيه التفاحة ، ثم خيّروني بين أن أعصر خمرا أو أشربه ، فاخترتُ أن اسكنَ في قعر زجاجة ، أتنقل بين العبيد والازقة ، من غلام الى جارية ، ومن ملك الى صعلوك : أملكُ الحضارات ، ولا تملكني ، اعبأ خرافتي المصابة بالترحال وبشاشة الخيال ، احتفظ بها داخل قناني ، اعبُّ خمرتها ، ثم بعد ذلك انقلُ النورَ ، الذي يقدحُ كالشرارة في داخلي ، الى قناني اخرى : أختمها بعَضّة قوية من القلب ، كماركة مسجلة ، لكن حزني كان قويا جدا ، ومنفاي أعمق من قعر الزجاجة ، ذلك مما كان يعرضها للانفجار ، ساعتها أنحنى باكيا ، لأجمع أحشائي من بين الشظايا ، قبل أن تُداس بأحذية المؤرخين ، اما شهرزاد فقد كانت تفاحة ذابلة تغني ، على مائدة شهريار ، وهي تشير إليّ في غيابة القعر :

كانت للزجاجة حياة ساحرة ، مثله
كان لها كيان متألق ، مثله
كانت لها رحلات ، مثله
وخذلانات ، مثله
غير أنه
كان يتوق الى الشجاعة لأن ينفجر بحزنه ، على الحائط ، مثلها .

كنتُ أرضعُ منها حليبا خالصا ، كامل الاشراق ، يحولني الى سفينة أقودُ البحرَ حسب طقس الغيوم في سماء مخيلتي ، غير أني احيانا امطرُ دون مناسبة ، وأهطلُ بلا استئذان : هكذا هو الشعر ، فأمطاري سرعان ما تُغرق السفينة ، ورغم أن هذا كان يحصل حتى للسحَرة في الف ليلة وليلة ، إلا أن بعض المتشاعرين يتعاملون مع الامر بعقلية المؤامرة ، فينددون باخلاقي وسيرتي ، وبعضهم يقول متعاطفا : إن الخمر كانت مغشوشة . ذلك أنهم لا ينتمون الى عالم الكتابة من الخلف : لا خرافة مشعة في الداخل . لا يسكـرون إلا للنزهة ، و لا رغبة لهم في الاقامة : الاقامة مع تفاحة ، في الفراغ المريع ، البارد ، والمدمر ، في جوف زجاجة .



#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغنية التحليق بريش النثر ..
- اغنية أمشي ضائعا في جمالكِ ..
- اغنية كيف يكون الجمال صاعقا
- ملف : جان دمو الساطع كصلاة صباحية / رؤيا اخرى وقصائد ضائعة
- صورة كمال سبتي في شبابه
- اغنية عندما يعود السندباد الى بيته
- اغنية البلبلُ المشرَد
- كيف خسرتَ الوردة ، كيف ربحتِ العاشقَ ؟
- بورتريه المخلّص
- أغنية لتحطيم أنف العالم
- كمشة فراشات
- اغنية جمعية الشعراء الموتى
- اغنية عقيل علي
- ساحر من ألف ليلة وليلة
- أغنية حب بغدادية ومدينة الاشارة
- بورتريه الخطر
- أغنية الليل تحت عدسة مكبرة
- ثلاث قصائد
- النافذة
- قصيدتان


المزيد.....




- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - اغنية من قعر زجاجة