أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصفعة في السينما المصرية















المزيد.....

الصفعة في السينما المصرية


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 07:19
المحور: الادب والفن
    



1
حالُ الوصلة المثيرة ، التي تؤديها الراقصة الشرقية في أيّ فيلم مصريّ ، ميلودراميّ ، فالصفعة لها الأهمية ذاتها هنا ؛ طالما أنّ المبتغى منها هوَ تزلف ذوق الجمهور ذي الخلفية الثقافية البسيطة أو المعدومة . ميزان هذا الذوق ، الشعبيّ ، مرجوحٌ غالباً لكفة الذكورة في هكذا مجتمع مسلم ، محافظ ، ما فتأ يرهن نصفه الآخر ، الأنثويّ ، لما يُشبه حياة " الحرملك " ؛ أي علاقة السيّد بالجارية . وليس جديداً التنويه بهذه المقولة ، المفيدة بأنّ وضع المرأة ، سلباً أو إيجاباً ، هوَ ما يعكس وضعَ المجتمع ككل . وبما أنّ السينما ، طوال قرن من الزمن ، كانت بمثابة مرآة المجتمع المصريّ ـ ولحدّ اليوم بهذه الدرجة أو تلك ـ فسنحاول هنا ، من خلال ثيمة " الصفعة " ، المُجادَلة بصحّة تلك المقولة ، الموسومة ؛ وهيَ الثيمة ، التي نزعمُ منذ البدء بحضورها القويّ ، الضروريّ ، في معظم الأفلام الميلودرامية . بقيَ أن نذكّر في هذا المستهل بحقيقة اخرى ، لا تقلّ أهمية في الواقع ، تؤكّد مدى تأثير الفنّ السابع ، المصريّ ، على جمهور عريض من محبّيه في منطقتنا وإمتداداً حتى دول شمال أفريقية . ولن نكون مغالين كثيراً إذا ما ذهبنا إلى حدّ التأكيد ، على أنّه تأثيرٌ أسهمَ بشكل أو بآخر في تشكيل ذائقة ووعي ذلك الجمهور ، بدءاً من عشرينات القرن المنصرم وحتى وقتنا الحاضر . فلا غروَ أن تنعت القاهرة بحق بـ " هوليوود الشرق " .

2
الصفعة ، سينمائياً ، هيَ تجلّ لسلطة الرجل ، المطلقة ، في المجتمع الإسلاميّ والمُستمدّة غالباً من أحاديث تمّ نسبها للرسول ؛ أحاديث إعتباطية ، تتمحور على التأكيد بأنّ طاعة الزوج من طاعة الربّ . الجناب الأقصى ، للسيّد المذكّر ، كان لا بدّ أن يشمَسَ أنسه في سماء الفنّ السابع ، المصريّ ، إبتداءً بالفيلم الأول ، " زينب " ، المأخوذ عن رواية لمحمد حسين هيكل . ومن المهم الإشارة إلى مفارقةٍ طبَعت هذا الفيلم ؛ حينما جعلَ المخرجُ بطلته ـ وبحسب النصّ الروائيّ ، الأصل ـ تهرع إلى الشيخ لكي تؤدي طقس الإعتراف أمامه ، مع علم الجمهور لدينا بأنه طقسٌ مسيحيّ وليسَ إسلامياً ! وبعد مضي حوالي نصف قرن ، تكرر مثل ذلك المشهد الرومانسيّ في فيلم " أقوى من الأيام " ؛ حينما قامت بطلته ( النجمة نجلاء فتحي ) بالإعتراف لشيخ البلدة بمأساة إغتصابها . الفترة الزمنية الطويلة ، الفاصلة بين ذينك الفيلمَيْن ، الموسومَيْن ، لم تغيّر إذاً من المفاهيم التي يبثها الفيلم المصريّ ، الميلودراميّ ، أو على الأقل ، من بنيته الفنية . إلا أنه في موضوعنا هنا ـ الصفعة ـ نلحظ أنّ إنتكاسة حقيقية قد جدّتْ ، تاريخياً ، في سينما موطن النيل . فأفلام مرحلتيْ التأسيس والتأصيل قد شهدَتْ مشاهدَ خالية تقريباً من العنف ، المدروس ، المسوّق منهجياً ضد المرأة ، وعلى النقيض من المراحل اللاحقة ، التي كرّست هذا العنف . الصفعة ـ كرمز ، كان عليها أن تضحي إذاً علامة للعبودية ، بوصف الأنثى مخلوقاً " ناقصَ عقلٍ ودين " ؛ كما تختزله المقولة الشنيعة ، والتي ما زالت تجترّ في هذا الفيلم على الشاشة الكبيرة ، أو في ذاك المسلسل على الشاشة الصغيرة .

3
قلنا أنّ الحال إنتكسَ إلى الوراء ، فيما يتعلق بموقع المرأة في سينما موطن النيل ، قياساً لمراحلها الأولى ، الشاهدة على تأسيسها و" تمصيرها " . هذه المفردة الأخيرة ، تستعمل كثيراً في قاموس نقد السينما وتأريخها على السواء ؛ وهيَ تعني بطبيعة الحال مرحلة التأصيل ، حينما نهضَ الروّاد من أهل البلد بمهمّة صناعة الفيلم المصريّ ، بعدما كانت مقتصرة تقريباً على الأجانب من الجاليات الأوروبية ( أو " الخواجات " بالمحكية المحلية ) . وكانت هذه الصناعة في أوج إزدهارها ، حينما قام تنظيم " الضباط الأحرار " بإنقلاب عسكري وأطاحوا بالملكية في تموز 1952 . وليسَ المجالُ هنا معقوداً للتفصيل في تأثير هذه الحركة الثورية على السينما المصرية ، مع أننا لن نهوّن من أمر بحثه . وعلى كل حال ، فإثر فترة هيّنة من الركود ، المصاحب للأشهر الأولى من الثورة ، نجدُ الإنتاج السينمائيّ ينصاحُ ثماره من جديد . وعلى الرغم من تشديد الرقابة في العهد الناصريّ ، إلا أنه كان يُغض النظر عن العديد من الأفلام الجديّة ، الواقعية ، غير المتوافقة مع فكر وسياسة هذا العهد . وكان ناصر ، في سعيه لتكريس نفسه زعيماً للقومية العربية ، قد أدرك بذكاء التأثير الهائل للسينما على الجماهير المهللة لإجراءاته الراديكالية في مختلف البلدان بين المحيط والخليج . وعلى ذلك ، فقد أُطلِقَ يَدُ صناع الفيلم ، في حريّة نسبيّة ، لتكثيف الإنتاج محلياً بدعم وتمويل كبيرَيْن من لدن الدولة ، والتي بادرَت لتأسيس المؤسسة العامة للسينما ، فضلاً عن إنشاء العديد من صالات العرض والمسارح ، إلى الإهتمام بتقوية بثّ الإذاعة لكي يصل صوتها إلى أسماع الملايين في دول الشرق الأدنى .

4
وعودة إلى ثيمة " الصفعة " ـ المرمّزة لإستعباد المرأة ، على رأينا ـ لنرى أنّ المنقلب الجديد ، سياسياً وإجتماعياً ، قد أسهم بدخول عناصر إجتماعية ، كانت مهمّشة قبلئذٍ ، للسينما المصرية : إنهم أبناء الريف ، المنتمي إليهم غالبية ضباط الثورة الناصرية ، والذين تبوّجتْ نجومهم إخراجاً وإنتاجاً ، علاوة على كتاب السيناريو ؛ هؤلاء المُناط بهم التعبير عن مثل العهد الثوريّ وفكره وسياسته . إنّ إدعاء النظام العسكريّ ، الناصريّ ، الأخذ بالعلمانية والطريق الإشتراكيّ ، ما كان إلا شكلياً بأحسن الأحوال ؛ فلم يُجد في تاريخه سوى أسلوب البروباغندا الديماغوغية والغوغائية . والحقيقة أنه إذا إستطاع الفيلم المصريّ آنذاك الحفاظ بهذه الدرجة أو تلك على جودته وقيَمه ، فما ذلك سوى بفضل عدد من الروّاد المبدعين ، المنتمين للجيل القديم ؛ من أمثال محمد كريم وأحمد بدرخان وحسين فوزي وهنري بركات وصلاح أبو سيف . في أفلام هؤلاء الروّاد ، الكلاسيكية ، من النادر أن نعثرَ على لقطةٍ ما ، تتقصّد تحقير الجنس الآخر ، الأنثويّ . لا بل يحقّ لنا الدهشة ، حينما نتابع في الأفلام الإستعراضية ( المعرّفة نقدياً بالسينما التجارية ) البطلة المتحدّية أعراف محيطها المسلم ، المحافظ ، فتنطلق لتحقيق حلمها بأن تصبح مطربة أو ممثلة أو راقصة : وقد جسّد هذا الدور خصوصاً الفنانة الموهوبة نعيمة عاكف ، التي جمعت تلك الصفات كلها ، وكذلك خليفتها العظيمة ؛ الفنانة سعاد حسني . ولكن في العهد التالي ، المعقب وفاة ناصر في مستهلّ السبعينات ، إشتهرتْ مقولة الرئيس السادات " أخلاق القرية " ؛ هوَ الذي كان يرمي خصومه السياسيين بإنعدام القيَم ، ويدعوهم للعودة إلى الأخلاق الأصيلة ـ كذا ، المُزدهرة برأيه في التربة الريفية . ومن غرائب المفارقات ، أن تبرز في أيام السادات كلّ مساويء العهد البائد ، الناصريّ ، وبالرغم من أنه هوَ من حاولَ ، صادقاً ، الخلاص من ربقة تركته ، الثقيلة . بيْدَ أنّ سيرورة التحولات ، المُبتدئة في الخمسينات ، كانت في الواقع قد نضجت وقتئذٍ وحان موعد جني نتائجها الإجتماعية والثقافية والإقتصادية .

5
إن ترييف المدينة ، بدرجة أولى ، كان أبرز آثار العهد الثوريّ ، الناصريّ ، وخلفه العهد البراغماتيّ ، الساداتيّ ، بكل ما يعني ذلك من هيمنة للمفاهيم البالية ، المتخلفة ؛ من عادات الثأر والإنتقام إلى تقاليد تحقير المرأة وإستصغار شأنها . من ناحية اخرى ، نجدُ الأفلام العائدة لذينك العهدَيْن تدخل ، بمناسبة وبدونها ، حجرةَ النوم الزوجية مصوّرة ، مواربة ً أو بشكل مكشوف نوعاً ، ما يجري ثمة . وقل الأمر نفسه فيما يخصّ اللقطات السينمائية المطوّلة ، المثيرة للنفور ، المصوّرة مخاض المرأة وولادتها ، حيث يعلو صراخها ـ الممثلة طبعاً ـ بأسلوب هستيريّ ، فجّ . هنا وهناك ، كان يُراد بتلك اللقطات إزدلاف الرغبة الجنسية المكبوتة للمشاهِد ، دونما أيّ غاية معرفية ، مشروعة . على ذلك ، فالمرء يعجب من حقيقة ، أنّ أيّ فيلم لم يتناول ظاهرة ختان الإناث ، المقيتة ، المخلفة أسوأ الكوارث على نفسية المرأة . ومن المعلوم الآن ، أنّ هذا التقليد ، الشائع في عموم الريف المصريّ ، هوَ الممارسة الأكثر قسوة في المجتمع : وبإعتقادي ، فهنا يكمنُ ليسَ أساس ظاهرة " الصفعة " حسب ، بل وأساس المفارقة ، التي أشرنا إليها فيما سلف ؛ عن إنحدار مفاهيم السينما خلال العهد الناصريّ ، المدَّعي العلمانية والتقدم ، وأيضاً خلفه العهد الساداتيّ / المباركيّ ، الداعي للحرية والتعددية . فترييف المجتمع ، على جميع الأصعدة ، كان من نتائجه الكارثية هيمنة مفاهيم جديدة / بالية ، كان من أشدها مضاضة تحقير المرأة والحط من قيمتها ، كما سبق وبيّنا . إنّ من يجد ذوقه في الأفلام المصرية ، الكلاسيكية ، سيلاحظ بسهولة أدواتها الراقية ، إن كان على صعيد النصّ المُخاطِب أو اللقطات المصوّرة . فبالرغم من قيام الكثير من تلك الأفلام بتقليد مثيلتها ، الهوليوودية ، إلا أنّ المرء لا يني اليوم منبهراً بمدى مساحة الحرية التي كانت متاحة للمرأة زمنئذٍ قياساً بمنقلبها الفاجع في زمننا هذا ، المتأخر . وبقيَ أن نقول ، بأنّ هذه الحرية تحديداً مُستهدَفة حالياً على الفضائيات العربية ، الخليجية بمعظمها ، المخصصة للأفلام الكلاسيكية : فلن نستغرب ، والحالة كذلك ، أن تغيّب هذه القنوات أفضل ما أنتجته السينما المصرية في تلك المراحل ولصالح تكرار ممل لأفلام سفيهة كان يتعهّد بطولتها مهرّجون على شاكلة إسماعيل ياسين ؛ فيما أنّ خليفته ـ محمد هنيدي ـ يُحتفى بأفلامه يومياً على الفضائيات الاخرى ، المنذورة للأفلام الجديدة .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم حين ميسرة : أكشن العالم الأسفل
- منزل المنفى
- دمشق ، قامشلي .. وربيعٌ آخر
- قلبُ لبنان
- الصراع على الجزيرة : مداخلة تاريخية في جدل مستحيل
- حوار حشاشين
- نفديكَ يا أردوغان !
- فضائيات مقاومة
- عمارة يعقوبيان : موضوع الجنس المحرّم في السينما
- ربحنا حماس وخسرنا فلسطين
- جائزة نوبل للإرهاب
- عامان على إعدام الطاغية
- بشارة !
- طفل طهران وأطفال فلسطين
- سماحة السيّد وسيّده
- النصّ والدراما : إنحدارُ المسلسلات السوريّة
- ثمرَة الشرّ : القِبلة ، القلب
- السّهلة ، المُمتنع 4
- السّهلة ، المُمتنع 3
- السّهلة ، المُمتنع 2


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الصفعة في السينما المصرية