نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 803 - 2004 / 4 / 13 - 08:42
المحور:
الادب والفن
يقف في أعلى التل الجنوبي من سهل القرية، ليحرسَ الطريق الذاهب إلى المدينة..لم تتسلل إلى طلعةِ هذا المارد الأسمر تجاعيدُ الزمن ... فهو يرى الأصحابَ والأغراب ، في الليل والنهار ،بعيونِ زرقاء اليمامة .... لا يغيب عن ناظريه قاصٍ أو دانٍ . يستقبل الآتين من المدينة لرؤية المقام العتيق... بقامته البهية الشامخة وبابتسامةٍ لا تفارقه ...ويودع العائدين إليها متمنياً لهم سلامة الوصول ....
تربطه مع جيرانه علاقات حميمة، و يحظى لديهم بالمحبة والإحترام . إسمه دائماً على أفواههم ، كيف لا؟..وهو دليلهم وعلاَّمهم ومقياس مسافاتهم إلى المناطق والحقول والقرى ...لا تغيب سيرته عن حكايا الجدات والأمهات في ليالي كانون، كنَّ يقلن أن في ليالي الثلوج، من يحتمي بحارس الطريق الجنوبي تعزف عن مطاردته الضباعُ الكاسرة ، والذئاب الجائعة وتعود خائبة. ....كانت تغمرنا الفرحة لمَّا كنا أطفالاً ، عندما نذهب إلى الكروم ونحظى بمنظار الناطور ، لبضع لحظات ، كي نشاهد حارس الطريق الجنوبي الشاهق .
لا أنسى ذلك اليوم ، حينما همَّ أحد زملاء المدرسة الابتدائية ( هايل النميري) بخلع حذاءه ، قبل الصعود إلى هذه الصخرة العملاقة ، احتراماَ وورعاَ ، فقد كنا آنذاك نراها عن قرب لأول مرة .... وقد بدت هذه المنحوتة الحجرية الشاهقة ، التي صاغتها الرياح والأمطار والثلوج والصواعق ، كأنها خارجة من بين أنامل فنان عظيم معه مطرقته وإزميله ......
بعد أربعين عاماًً من هذه الزيارة، وصل إلى عندنا في {عتمة عدرا} (خضر التلاوي } أحد روادها الجدد، فأخبرني أن التل الجنوبي قد ضاعت قبعته السمراء التي ارتداها منذ ملايين السنين .... في غابةٍ من العمارات الرمادية الإسمنتية الكالحة الشاهقة، طبقات ثلاث منها تغور في الأرض ، وخمسٌ تتعالى في السماء ، لاستضافةِ الذين لا يتقنون نظمَ القوافي على بحر الهزج....
نقولا الزهر- دمشق –14-7-1992
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟