|
في الفكر البرجوازيّ 2
أحمد زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 2619 - 2009 / 4 / 17 - 07:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
النفس هي مركز الفرد، و الفرد هو أقلّ أقليّة موجودة في شرائح المجتمع، و إذا كان الفرد موجود بذاته الموضوعيّة، فالمحتمع و الدولة و الدين غير موجودين. الإختلاف النسبيّ بين الأفراد يبرز في بصمة كلّ فرد ماديًّا كبصمات الأصابع، و الشفاه، و القزحيّة، و الصوت، و الشكل... إلخ، أمّا البصمة المعنويّة فهي تكمن في إبداع الإنسان، فإذا لم يكتشف إديسون المصباح الكهربيّ لكان اكتشفه آخر حتمًا، و لكن ما كان أحدًا غير موتسارت ليعزف السمفونيّة الخامسة و العشرين. إذن فالتفرّد ليس إلّا تحرر النفس من كلّ ذوات الآخرين إلّا ذاته. و الإبداع، كعمليّة إنتاجيّة للهوس، ليست عصيّة على المتحررين من العصبيات، بل هي من الأمور البديهيّة بمكان بحيث لا يصف المبدع إبداعه بالصعوبة أو السهولة، بل لا يصفه على الإطلاق؛ لأنّ المبدع لا يحتاج لفهم أو ثناء العالم على منتوجه. إنّ الإبداع عمليّة فرديّة بحتة لا يرقى لها إلّا المتحرر الكامل، و هي تعلو مدرّج ماسلو للحاجات، حيث رفعها إبراهام ماسلو، عالم النفس الأمريكيّ، لقمّة هرمه المدرّج الشهير، و عنونها تحت "حاجات لتحقيق الذات." الهرم المنظّم تمامًا بحيث يجمع أكبر عدد من الكائنات على قاعدته الضخمة، العدد الذي يقلّ تدريجيًّا كلّما اقتربنا من قمّة الهرم، حتى يصل لحاجات تحقيق الذات، و التي ليست تقتصر فقط على الإنسان المرتقي أعلى درجات التطوّر البيولوجيّ، و لكنّها تنتقي بدرجة أكثر تفصيلًا، عندما تقتصر على الإنسان الأعلى “Übermensch”، المرتقي لأعلى و أمثل و أجود درجات التطوّر الحضاريّة الحاليّة. حاجات تحقيق الذات “Self-Actualisation” عبّر عنها أيضًا كورت جولدشتين، عالم و طبيب النفس الألماني، في كتابه الكائن بوصفها الدافع الأوحد التي يُعزى لها دفع الكائن للحدّ الأقصى لطاقاته و قدراته، و كتب عنها أيضًا عالم النفس الأمريكيّ كارل روجرز، و بطريقة أخرى اقترب منها فيلسوف الوجوديّة الأعظم فريدريش نيتشه بمفهومه الشهير "المشيئة للقوّة" “der Wille zur Macht.”
كونك فردًا لا تنتمي إلّا لنفسك يعدّ قمّة الموضوعيّة و لا شكّ، أمّا كونك تنتمي لسلالة الثدييات أو جنس البشريّة على سبيل المثال يعد الأقلّ موضوعيّة على الإطلاق، بل و الأقلّ أهميّة أيضًا، و في التوضيح أدناه نوضّح ترتيب أولويات الهُويّة من وجهة نظر برجوازيّة، أعتقدها موضوعيّة لحدّ كبير؛ فالفرد هو الدائرة الواحدة الكاملة حول ذاته، و هي الدائرة الأقرب و الأكثر موضوعيّة و الأعظم أهميّة على الإطلاق، و ما عداها من دوائر فهي غير مكتملة للهويّة، قد يرتّبها فرد بطريقة أخرى حسب أولويّاته، و لكننا سنظلّ متّفقين لحدّ كبير بأنّ النفس هي المركز الموضوعيّ الكامل، و كلّ ما عداها أقلّ موضوعيّة و ناقص في الوقت ذاته، فالعلاقة التي تدوم خلال حياة الفرد جميعًا هي علاقته مع النفس، أمّا مدى قربه أو بعده من أيّة من الهويّات الموضّحة أدناه، أو حتى تفضيله لبعض منها على الآخر، أو حتى إلغائه لبعض الخانات للأبد و التخلّي عن عصبيّاتها هي كلّها أمور نسبيّة بحتة، و ما نحن بصدده الآن ليست أزمة هويّة بقدر ما هي تعريفًا جديدًا للفرد.
نستخلص مما مضى أنّ بإمكان أيّ فرد أن يتخلّص من عصبيات الهويّة واحدة تلو الأخرى حتى يكتمل بنفسه و يتحرر تمامًا من تبعات أيّ عصبيّات بإرادته الحرّة، و لا يعود في حاجة نفسيّة لبقيّة العلائق، بل فقط يتعاون مع الأفراد الأخرى على أساس التعاون من خلال التبادل الإراديّ الحرّ “Cooperation through voluntary exchange”، و الذي ألقينا عليه الضوء قبلذاك في سلسلة الحرّيّات الفرديّة. على اعتبار أنّ الموقفين الأكثر تطرّفًا هما: أولًا، الانتماء للنفس فقط و عدم الإعتماد على أيّ فرد آخر سيكولوجيًا، كما ذكرنا مسبقًا، و هذه هي أقصى مراحل الفوضويّة أو حكم النفس ”Self-Governance“، و ثانيًا، الانتماء لكلّ ما سبق ذكره، و الاعتماد السيكولوجي التامّ عليهم جميعًا مع العصبيّة الشديدة لكلّ منهم، و ليكن المثالان الأكثر تطرّفًا هما أمثلة وهميّة كخطوط إقليديّة لا تُبلغ عمليًّا، فإنّ ما يقع بينهما بالتأكيد هي عدد لا نهائيّ من النقاط يمثّلون أفرادًا يؤمنون بالنفس بدرجات متفاوتة من أقصى الموضوعيّة لأقصى اللاموضوعيّة، على اعتبار أنّ النفس هي العامل المشترك لكلّ فرد، فبالتالي سيكون المثال حسب أولويّة القرب أو البعد عن المركز.
أنّ كلّ فرد عليه التحرر من كلّ العصبيات واحدة تلو أخرى ليكون نفسه فقط، و عليه فإنّ الأفراد المؤمنين بذواتهم تقلّ درجات اهتمامهم بالآخرين، و بالتالي تزيد موضوعيّتهم و إنتاجيتهم، فيلتحقون بتطوّر أعلى. الصورة الأكثر زهوًا، حسب ما أعتقد، هي حرّيّة التبادل التجاريّ العالميّ “Global Free Trade” بين الأفراد على مستوى العالم بلا أدنى قيود أو تنظيمات، إنّ هذا التطبيق العولميّ الضخم “Globalisation” الذي نعيش في رحابه الآن، و الذي يحوّل المجتمعات و المناطق الصغيرة لمجتمعات و مناطق منتجة و متبادلة مع المجتمعات الأخرى، و بالتالي مدرجة عالميًّا. إنّ العولمة، و التي هي النتيجة الحتميّة للرأسماليّة و تراكم الثروات، مسؤلة بشكل كامل عمّا تحياه البشريّة الآن من تسارع عالميّ للتقنيّات الحديثة و وسائل الاتّصال عالية الجودة، و إذا كانت كلّ البشريّة تقفز نفس معدل الوثبات بفضل العولمة، فإنّهم لم يكونوا متساويين على خطّ البداية، منذ فتح الأسواق العالميّة، و كانت، و لا تزال، هناك أعراق و أمم متفوّقة بيولوجيًا و حضاريًا على أعراق و أمم أخرى، و إذا كان هناك سببًا لتأخّر أعراق و أمم بعينها عن أخرى على السلّم البيولوجيّ و الحضاريّ غير الانتخاب الطبيعيّ، فهو بالتأكيد سيكون نتيجة نقص التبادل التجاريّ الحرّ في العالم القديم، إمّا نتيجة قلّة وسائل النقل الحديثة، أو بسبب تأخّر تطوّر الإنسان الحضاريّ في الماضي، مما نتج عنه نقص إدراكه أنّ طريق المجد لكلّ فرد هو عالميّة التبادل التجاريّ الحرّ بلا حظر و لا قيد و لا شرط و لا تنظيم.
و حقًا إن كنّا لم نرتقِ بعد لحرّيّة التبادل العالميّة المنشودة، فالعالم مازال يخطو الدرب، فيقترب الإنسان رويدًا رويدًا مما يصبو إليه كلّ فرد حرّ في العالم. كتبنا قبلذاك عن مدى فداحة الضرر الاقتصاديّ الناجم عندما تمارس الحكومات سياسات تمييزيّة على نطاق واسع بين الأفراد، و هكذا فإنّ أيّة ضرائب على المواطنين أو رسوم على المنتجات الأجنبيّة أو حماية المنتجات المحليّة كلّها طرق فاقدة للنظر الموضوعيّ على الأمور، بل و قصيرة المدى “Short-sighted” لإنعاش الاقتصاد المحليّ، و الذي ستنشأ فيه الأسواق السوداء لا محالة، بل و كلّها حلول قوميّة خاوية التفكير و رخيصة المنطق، و الاقتصاد الحرّ عمّا قريب في سبيله لإرساء كلمته عن طريق قوّة السوق، و محيه لكلّ خرافات العصبيّات، و أوّلهم على الإطلاق العدو اللدود للإقتصاد الحرّ، ألا و هي القوميّة. أمّا التميير الفرديّ في الإقتصاد، و هو تجنّب الفرد نفسه من التعامل مع آخرين بسبب هويّتهم، فقد يكون معقولًا و مقبولًا بشطل كبير، إن كان السوق حرًّا من أيّة قيود تعوق التبادل الحرّ من عدمه. و من هنا كان ترتيب الأولويّات في حالة التبادل الاقتصاديّ الحرّ بين الأفراد، و المشار إليها في التوضيح أعلاه، فمثلًا قد يميّز الفرد لصالح شريكته أو أخوه أو أيّ فرد في نطاق أسرته، ثمّ قد يميّز على نطاق أوسع لفرد آخر من طبقته الماديّة أو الاجتماعيّة، ثمّ على نطاق أوسع لعرقه، و من ثمّ على نطاق أوسع لأشخاص يعتقدون فيما يعتقد فيه من فكر فلسفيّ، أو توجّه سياسيّ، أو دين، أو حتى مشجعي لفريق الكرة المفضّل لديه و الذين قد يجتمعون كلّهم تحت مسمّى العقيدة “Belief.”
و حقًّا إذا كانت أعتى و أقصى مراحل الزهو و الاعتزاز بالنفس “Egocentrism” تكمن في انتماء الفرد لذاته فقط، فإنّ هناك تابعَين لهذه النظريّة، أوّلهم تحدّثنا عنه قبلذاك، و هو تمييز الفرد في معاملاته الاقتصاديّة لصالح الأفراد الموجودين في الدوائر الأقرب له، حسب أولويات هويّة كلّ فرد، و ثانيهم، أنّ الاعتزاز بالأسرة و النسب، و الطبقة، و العنصر هم من المكمّلات الأساسيّة للإعتزاز بالنفس و لا شكّ، فالإحتفاء بالعنصر الأبيض، على سبيل المثال، هو من ثوابت الفرد الأبيض الكامل لأنّه في فخره المباشر بنفسه، يحوي فخرًا ضمنيًا بأجداده، و بمن جاء من سلالتهم، و العكس صحيح، ففخره بإنجازات عنصره و سلالته مباشرةً، يعدّ فخرًا ضمنيًا أصيلًا بنفسه، و هكذا في كلّ الهويّات الأخرى، فكلّما اقتربت الهويّة من دائرة النفس كلّما كان الفرد أكثر موضوعيّة و العكس صحيح.
العنصريّة “Racism” و الطبقيّة “Classism”، باستبعاد شبهتيّ التعدّي على أرواح الآخر أو ممتلكاته أو استعباده، يعدّان اكتمالًا لعنصر الفخر و الزهو بالذات معًا. أي العنصريّة و الطبقيّة الخاليّتان من عدم استهلال العنف “Non-initiation of Violence” يعدّان الضامن الفعّال لما نحن بصدده من مجتمع فوضويّ يتركّز فيه الفرد كحاكم لذاته و بذاته “Self-Governance”، و هذا الحكم الذاتيّ هو الضامن بدوره لأقصى مراحل الحرّيّة الفرديّة التي نؤمن بها، بل و لسنا مستعدّين، كأفراد، للمساومة حول حقّ الفرد في حرّيّة مطلقة غير مقيَّدة، و غير مشروطة، بل و غير منظَّمة من قبل أيّة حكومة أو فرد آخر تحت أيّ مسمّى كانت. إيمان الفرد بعدم استهلال العنف يضمن مجتمع خالٍ من العنف، و خلوّ المجتمع من العنف يعقب وصول الأفراد لدرجة متقدّمة من التطوّر الحضاريّ الذي يملي على كلّ فرد التعاون من خلال المصلحة الشخصيّة “Self Interest”، بل أكثر من ذلك، أنّ وصول أفراد مجتمع ما لهذا التطوّر الحضاري يضفي بعدًا جديدًا خالٍ من نظام دولة تستعبد الفرد و تُملي عليه ما يجب و ما لا يجب أن يفعله، و هو التطوّر الذي شرحنا فيه باستفاضة في الجزء الأوّل.
فكر النخبة البرجوازيّة و إنتاجهم الماديّ و الإبداعيّ هم دائمًا، و لا يزالون، المحرّك الرئيسيّ للمجتمعات البشريّة على مدار جميع العصور و في جميع الحضارات. و كما علّق يومًا لودفيج فون ميسس، الإقتصاديّ النمساويّ العظيم، بأنّ الرأسماليّة، كفلسفة مسؤولة بشكل أساسيّ عن تطوّر الحياة المذهل على هذا الكوكب، لم نرتقيها إلّا عن طريق تزكية من نخبة قليلة “Élite”* و لا يعني اكتساحها لجميع النظريّات الاقتصاديّة على الإطلاق، و بقائها المذهل، و تجديدها المستمرّ، مع كونها فكر نخبويّ، إلّا لأنّ طبقات أقلّ اعتقدت بأنّها الطريق الاقتصاديّ الأمثل للتوزيع حسب الإنجازات “To all according to their accomplishments”، و نجاحها يعني موضوعيّتها؛ لأنّ الفئات الأقل تبغي ارتقاءًا، بغضّ النظر عن موقعهم الاجتماعيّ، فجعل العالم كلّه بفئاته المختلفة يتّجه إليها، سواء بحسّ العامّة، أو بالحسّ الماديّ، أو بالحسّ الفلسفيّ، جميع الطرق تؤدّي للرأسماليّة. بل و يؤكّد أ.ج.ب. تايلور المؤرّخ الإنجليزيّ و مترجم كارل ماركس للإنجليزيّة بأنّ حتى الثورات و الإضرابات، التي يأخذ عليها الفكر الرأسماليّ استهلالها للعنف مما ينافي قيم الرأسماليّة تمامًا، لم تنجح إلّا عن طريق مساعدة النخبة لها، نفس النخبة التي ساعدت كارل ماركس نفسه في انجلترا لنشر أفكاره المضادة لهم في الأساس، و على رأسهم فريدريش إنجلز.**
صنّاع النخبة، و تُجّارها، و مفكّروها هم المسؤولون عن الحراك الجذريّ الذي يحدث في أيّة مجتمع يتواجدون فيه، بل و منتجاتهم الاستهلاكيّة و الإبداعيّة تنتشر بفضل وعيهم و اتّجاههم للربح لخدمة المستهلكين، و رواج سلعة أو خدمة أو منتوج ثقافيّ ذات جودة عالية هو ما يحفّز منتجيها على الإنتاج بكميّات أكبر، فيستوعب المستهلكون هذه الكميّات، لتتحوّل في خلال سنين معدودة المنتجات و السلع و الخدمات الترفيهيّة إلى منتجات و سلع أساسيّة، بل و تجعل الرأسماليّة من المنتجات و السلع و الخدمات الترفيهيّة منتجات و سلع و خدمات أساسيّة.
هذا التأثير المباشر الذي تمليه الطبقة البرجوازيّة على المجتمع، يضاف إليه تأثير غير مباشر، نتيجة الارتياح النفسيّ الذي يبعث الطبقات الأخرى على اقتناء الرفاهيّة تشبّهًا بالطبقة البرجوازيّة، و كأنّ هذه الطبقة البرجوازيّة، بتأثيريها المباشر و الغير مباشر، تجذب طبقات المجتمع جميعًا بقوّتها الماديّة و الفكريّة لمصاف ارتقاء أعلى، مع الحفاظ على الفروق الاجتماعيّة و الماديّة بين الطبقات. تظلّ الطبقات المتوسّطة و الدنيا تحاول الارتقاء للطبقة البرجوازيّة تمامًا كما يحاول الإنسان دائمًا الارتقاء للإنسان أعلى، و لكن على الطبقات المتوسّطة و الدنيا أن تتوافر فيها الإرادة الحرّة، و الطاقات الذهنيّة و الإبداعيّة، بالإضافة للقدرة الماديّة حتى ترتقي لتطوّر الطبقات البرجوازيّة، و تستطيع توريث صفاتها المكتسبة الجديدة للأجيال القادمة. على سبيل المثال فإن الطبقة البرجوازيّة التي كانت تمتلك تلفازًا في الخمسينات و الستينات جذبت الطبقات الأخرى لاقتنائه، بالإضافة إلى التقنيّات الأخرى، فأصبحت كلّ الطبقات الآن تملك جهاز التلفاز الذي كان حكرًا برجوازيًّا في الماضي.*** هناك مثال شائع في مصر حول ما نحن بصدده، و هو سوق التليفونات المحمولة، و التي كانت في بداية تشغيلها عام 1998 حكرًا على الطبقات البرجوازيّة الثريّة بنسبة استخدام تقلّ عن 1%، بيد أنّ هذه النسبة قفزت بعد عشر سنوات إلى 43% في يونيو 2008، بحسب الإحصائيّات الرسميّة للجهاز القوميّ للإتّصالات.****
الآن يجب ترجمة هذه الأرقام المجرّدة لحقائق لا تقبل التشكيك، و هو أنّ الطبقة البرجوازيّة، و في سبيل ربحها، تنهض بالمجتمع ككلّ، بل و تشكّل هذه الطفرة الهائلة، و تجعل من ثانويّات الماضي أساسيّات الحاضر، و كأنّ الطبقات تتعاقب على التطوّر الحضاريّ مثلما تعاقب الإنسان عليه، فإن كانت الطبقة المتوسطة حاليًا تأخذ مكان الطبقة البرجوازيّة في الماضي، من حيث الإمكانات الماديّة و التقنيّة، فإنّ الطبقة البرجوازيّة تحرّكت هي الأخرى و قفزت درجة أخرى على سلّم التطوّر اللانهائيّ، و كأنّ الحراك الذي تبادر به الطبقة البرجوازيّة ينتج عنه لحاق الطبقات المختلفة بتطوّر حضاريّ و بيولوجيّ أعلى، و كأنّ الطبقة البرجوازيّة هي الجاذب و الدافع معًا لتطوّر البشريّة ككلّ و لحاقها بتطوّر أعلى. أو كما قال لودفيج فون ميسس، فإنّ الرأسماليّة تفكّ حصار بروليتاريّة الرجل العادي، و ترقى به لمصاف الطبقة البرجوازيّة.***** أمّا ضعف الإمكانات و القدرات هو الذي يقود الضعفاء لمعاداة الطبقة البرجوازيّة، و الرأسماليّة التي تمثّلها هذه الطبقة “Anti-Capitalism”، و ليس التفكير الموضوعي.******
الطبقة التي نحن بصددها، هي الطبقة الرأسماليّة بمفهومها الحديث، منذ الثورات الصناعيّة الآوربيّة، طبقة أصحاب الأعمال، و ممتلكي وسائل الإنتاج إمّا عن طريق اكتسابها بالإرادة الحرّة و العمل و القدرات العقليّة المميّزة، أو عن طريق وراثتها من آباء اكتسبوها بذات الكيفيّة. التعريف السابق هو لإزالة أيّ لبس لدى القارئ الذي مازال يُصرّ على الخلط الشنيع بينها و بين الإقطاعيّة، أو بينها و بين الأرستقراطيّة. الإقطاعيّة لم يعد لها وجود منذ سقوط أنظمة الرقّ العالميّة قبل مائتيّ عامًا في المملكة المتّحدة، و قبل أكثر من مائة و خمسين عامًا في الولايات المتّحدة. أمّا الطبقة البرجوازيّة، فهم هؤلاء العصاميّون، بالمفهوم الشائع، الذين تكسّبوا انتمائهم للطبقة الأكثر رقيًّا على السلّم الطبقيّ إمّا لمهاراتهم الفرديّة المكتسبة أو الموروثة، أو لممتلكاتهم الخاصّة المكتسبة أو الموروثة. أضغط في النهاية على قيمة العمل التي نفّذتها الطبقة البرجوازيّة بلا تشدّق و لا افتعال و لا تنظير يوتوبيّ يناقض واقعه، فالقيم البرجوازيّة دائمًا ما كانت تتلمّس طرق الواقع قبل التنظير، و ما أنا بصدده حقائق و ليست أوهامًا... حقًّا، إنّ العالم لا يحتاج لقيمة العطف، بقدر احتياجه لقيمة العمل.
References
* Ludwig von Mises, The Anti-Capitalistic Mentality, Illinois; Libertarian Press, p. 35
** Karl Marx and Friedrich Engels, The Communist Manifesto With an Introduction by AJP Taylor, Penguin Books, Introduction p. 20
*** Ludwig von Mises, The Anti-Capitalistic Mentality, Illinois; Libertarian Press, pp. 42 - 43
**** لقراءة هذا التحقيق المثير، إضغط هنا!
***** Ludwig von Mises, The Anti-Capitalistic Mentality, Illinois; Libertarian Press, p. 1
***** Capitalism deproletarianizes the “common man” and elevates him to the rank of a “bourgeois.”
****** Ludwig von Mises, The Anti-Capitalistic Mentality, Illinois; Libertarian Press, pp. 11 - 15
أحمد زيدان
#أحمد_زيدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الفكر البرجوازيّ 1
-
الحرّيّات الفرديّة 3
-
الحرّيّات الفرديّة 2
-
الحرّيّات الفرديّة 1
-
إقتصاديات التمييز 4
-
إقتصاديات التمييز 3
-
إقتصاديات التمييز 2
-
الفصل العنصري يبدأ بحصص الدين و لا ينتهي عندها
-
إقتصاديات التمييز 1
-
عقل موديل 1200
-
إيماناً بالمرأة
المزيد.....
-
أول تعليق من نتنياهو على الغارات ضد الحوثيين
-
الإشعاعات النووية تلوث مساحة كبيرة.. موقع إخباري يؤكد حدوث ه
...
-
53 قتيلا ومفقودا في قصف إسرائيلي على منزل يؤوي نازحين في غزة
...
-
مسؤول روسي: موسكو لا ترى ضرورة لزيارة جديدة لغروسي لمحطة كور
...
-
-نيويورك تايمز-: شركاء واشنطن يوسعون التجارة مع روسيا ولا يس
...
-
بينها -مقبرة الميركافا-.. الجيش اللبناني يعلن انسحاب إسرائيل
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابط وإصابة اثنين آخرين في معارك
...
-
الكويت.. خادمة فلبينية تقتل طفلا بطريقة وحشية تقشعر لها الأب
...
-
76 عامًا ولا يزال النص العظيم ملهمًا
-
جلس على كرسي الرئيس.. تيكتوكر سوري يثير الجدل بصورة له في ال
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|