|
تعليق إخوان سورية لنشاطهم المعارض .. قفزةٌ في الفراغ أم خطوةٌ محسوبة؟
الطاهر إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 2619 - 2009 / 4 / 17 - 04:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تعليق جماعة الإخوان المسلمين السورية لنشاطها المعارض فما تزال ارتدادات تلك الخطوة تتفاعل على مستوى الداخل السوري، وحتى إقليميا. ومع أن الإخوان ربطوا الخطوة بما تتعرض له حركة "حماس" من اجتياح إسرائيلي ومحاولة اقتلاعها من غزة وإنهاء وجودها ككيان مؤثر في فلسطين، إلا أن مراقبين زعموا بأنها رسالة إلى النظام أيضا. بهذا المعنى فقد كان رد فعل النظام "باهتا"، بحسب ما قاله "علي صدر الدين البيانوني" المراقب العام للإخوان المسلمين لمحرر موقع "إسلام أون لاين". مسوغات تعليق الإخوان المسلمين لنشاطهم المعارض، كما أفصح عنها بيانهم، كانت استجابة شعورية منهم للحالة التي مرت على قطاع غزة عموما وعلى حركة حماس خصوصا، يوم أن فتحت إسرائيل أبواب جهنم على كل من هب ودب وكل ساكن ومتحرك داخل قطاع غزة. تلك الأيام لم تكن عصيبة على أهل غزة فحسب،بل شملت كل مواطن في العالم العربي من محيطه إلى خليجه. لست هنا في معرض تمييز جمهور الإخوان المسلمين عن غيرهم من العرب، لكن الحقيقة أن الإخوان المسلمين كانوا يشعرون أن استهداف حماس بهذه الهجمة إنما هو استهداف لوجودهم جميعا ابتدأ بحماس ولا يدري أحد أين ينتهي. فقد أرادت إسرائيل –أصالة عن نفسها ونيابة عن أمريكا وأوروبا وبعض الأنظمة العربية- أن تقتلع النبتة التي نما عودها واستغلظ واستوى على سوقه في فلسطين، يعجب الزراع ليغيظ بهم اليهود ومن ناصرها. لذا لم يكن عجبا أن يجد الإخوان المسلمون السوريون رجعَ صدى أحداث غزة في واقعهم وقد ذاقوا مرارة اللجوء في أصقاع الأرض، فأحسوا أن عليهم أن يشاركوا إخوانهم في حماس ولو "بجهد المقل"، فأعلنوا تعليقَ نشاطهم المعارض -وقد أدركوا مدى العلاقة بين حماس ودمشق- مشاركةً وجدانية منهم لإخوانهم في غزة التي تحاصرها إسرائيل من جهات ثلاث، وقد أكملت الشقيقة مصر دارة الإغلاق "الكهربائي" على غزة من جهة رفح، فلا معونة ترفدهم، ولا أحد يستطيع الهرب من أهالي قطاع غزة، فإذا أخطأت القذائف رؤوسهم دمرت بيوتهم. ومع ما يوحي به التوصيف السابق لواقع حماس -إخوان فلسطين- خلال الاجتياح الصهيوني، فقدأعلن الإخوان مبادرتهم رغبة في "توفير الجهود للمعركة الأساسية". إلا أن المراقبين ألمحوا إلى وجود رسالة أخرى متضمنة مع رسالة المناصرة لحماس. كأن الإخوان أرادوها أن تكون رسالةً إلى النظام السوري لعله يلتقط المبادرة ويعيد حساباته. وهذا ما أكده "البيانوني" لموقع "إسلام أون لاين" عندما قال: (دعونا النظام في البيان نفسه إلى المصالحة الوطنية، وإزالة كل المعوقات التي تحول دون قيام سوريا بواجبها في تحرير أرضها المحتلة). من جهة ثانية فقد كان التنسيق قائما بين إخوان الأردن وبين النظام السوري. وكانوا يزورون دمشق وربما أسمعهم كلاما مفاده أن إخوان سورية هم من يرفض الحوار. وربما نصح إخوان الأردن إخوانَ سورية أن يخففوا من معارضتهم للنظام وأن يفتحوا معه قنوات للحوار. لذا جاء تعليق الإخوان السوريين لنشاطهم المعارض للنظام السوري مناسبة لإخوان الأقطار العربية، لاسيما الإخوان في والأردن، لحث دمشق وتشجيعها على إجراء حوار مع الإخوان السوريين، هذا إذا كان النظام السوري يرغب فعلا في هكذا حوار مع الإخوان السوريين. استطرادا، وبصورة أوضح، فإن رسالة التعاطف مع حماس التي أعلنها الإخوان السوريون في تعليق نشاطهم المعارض تأتي في مناخ التحالف بين النظام وبين حماس(إخوان فلسطين). وفي أجواء التناغم والتنسيق الذي يربط النظام بإخوان الأردن وبصورة أقل بإخوان مصر، فإلى أي مدى يمكن لدمشق مراعاة هذه العلاقات إذا ما أرادت فتح حوار مع إخوان سورية، لاسيما أن هناك من يزعم أن النظام كان هو المقصود الأول في تعليق الإخوان لنشاطهم؟ بصيغة أخرى، فهل كان الإخوان السوريون يأملون إن تنهي رسالة تعليق نشاطهم المعارض هذه أيَّ تردد عند النظام، فيشرع في إجراء الحوار مع الإخوان؟ نحن نزعم أن الأخوان المسلمين في سورية أرادوا تعليق نشاطهم المعارض في الأساس، كي يشعر إخوان حماس أن إخوانهم السوريين يعيشون معهم بعواطفهم وأحاسيسهم. ولا يمنع ذلك أنهم أرادوا أن يعلم المواطن السوري أنه ليس صحيحا أن الإخوان لا يسعون إلا إلى الخصام مع النظام، ورسالتهم هذه تثبت أنهم يمدون أيديهم للنظام للمصالحة الوطنية معه. كما يقولون لمن كان يعتب عليهم من إخوانهم في دول الجوار العربي أن الفرصة أصبحت مواتية أمامهم ليتأكدوا فيما إذا كان النظام يريد الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين في سورية أم لا؟ في هذا السياق أشيع مؤخرا بأن جبهة العمل الإسلامي حملت مبادرة تعليق الإخوان السوريين لنشاطهم المعارض ووضعتها على مكتب حزب البعث في دمشق. إلا أننا نستبعد أن يستجيب النظام السوري لهذه الوساطة التي كان قد رفضها مرارا من قبل. أما حماس فليس في واردها طرح مبادرة من هذا النوع، حتى لا تحرج نفسها مع النظام. البعض يؤكد أن رسالة الإخوان محسوبة بدقة، وأنهم ألقوا الكرة في ملعب النظام في الوقت المناسب. فليس مقبولا، سوريا ولا عربيا، أن يمد النظام يده لإسرائيل لإجراء مفاوضات معها -مباشرة أو غير مباشرة لا فرق- ثم يرفض الحوار مع فصيل من فصائل الشعب السوري. وإذا كان النظام لا يجد لدى جبهة العمل الإسلامي ما يدفعه إلى قبولها وسيطا بينه وبين إخوان سورية، فالأمر مختلف مع حكومة تركيا التي لا يخفي رئيسها "رجب طيب أردوغان" تعاطفه مع القضايا الإسلامية في المنطقة (رأينا ذلك في حرب إسرائيل ضد غزة وفي رفض تركيا أن يكون رئيس وزراء الدانمارك أمينا عاما لحلف شمال الأطلسي). لايُستبعد أن تلفِت "أنقرة" التي تحب أن تتحرك بصمت، نظرَ دمشق بأنه ربمايكون من المناسب أن تجري حواراً مع الإخوان المسلمين السوريين، وأن يكون هذا الحوار له أسبقية على المفاوضات مع إسرائيل. ويبقى التساؤل: عما إذا كان هناك علاقة بين تعليق الإخوان السوريين نشاطَهم المعارض وبين انسحابهم من جبهة الخلاص؟ وهل هذا الانسحاب رسالة أخرى إلى النظام؟ ابتداء فقد كان هناك من الإخوان السوريين من يعارض التحالف مع الأستاذ "عبد الحليم خدام"، لكن الأقلية تنازلت عن رأيها لصالح رأي الأكثرية الموافقة. وقد رضي الإخوان -وهم الأكثر في جبهة الخلاص- أن يكون لهم أقل من الثلث في الأمانة العامة لجبهة الخلاص، وهي التي تمسك بمفاصل القرار ولو أرادوا لكان لهم النصف. لا نذيع سرا لو قلنا أن أعضاء في الأمانة العامة كانوا لا يمثلون غير أنفسهم. ويوم أن كانت الأمور بين "البيانوني" و"خدام" على ما يرام لم تكن هناك مشكلة في اتخاذ القرار. فيما بعد، كان وقوف البيانوني مع حماس مثارَ انتقادٍ من أعضاء في الأمانة العامة، وهذا ما بدأ يترك رواسب في الصف الإخواني. ويوم أعلن الإخوان تعليق نشاطهم، واجتمعت الأمانة العامة لبحث الموضوع، أخذ الحاضرون علما بأن انتقاد حركة حماس في البيان الذي سيصدر عن الأمانة، سيجعل الإخوان يراجعون موقفهم من جبهة الخلاص. صدر البيان من دون التقيد بالتحذير الإخواني ما كان له أبلغ الأثر في اتخاذ الإخوان قرارهم بالانسحاب من جبهة الخلاص، وهكذا كان.... أخيرا! بقي النظام السوري حتى الآن يتحاشى التعليق على مبادرة الأخوان السوريين. هذا السكوت قد يوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها، وقد لا يكون وراء الأكمة إلا أكمة أخرى. علينا أن ننتظر لنرى ما وراء الأكمة، وعسى أن لا يطول انتظارُنا!.. الطاهر إبراهيم كاتب سوري
#الطاهر_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حزب البعث والمعادلة المستحيلة بين الشعارات والتطبيق
-
عندما يساوي فنجان القهوة سنتين ونصف السنة سجناً!
-
عندما يعين المسئول حسب درجته الحزبية لا حسب خبرته العلمية
-
قانون الطوارئ عدوان على الحريات وخرق للدستور
المزيد.....
-
لقطات مروعة وثقتها كاميرا مثبتة على جسد ضابط وهو يضرب سجينًا
...
-
بعدما حاول منعه سابقا... ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق
...
-
محلل عسكري: الاتحاد الأوروبي يعاقب نفسه ولا حاجة لروسيا أن ت
...
-
جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يحبط هجمات إرهابية ضد ضابط بوزار
...
-
نصيحة غذائية بسيطة لتحسين صحة القلب وتقليل الكوليسترول
-
أبرز الروبوتات الشبيهة بالبشر في 2024
-
أمل ينبعث من ركام الحرب في سوريا.. زوجان مسنان يعودان إلى من
...
-
زاخاروفا: الإنصات لزيلينسكي خطير لسببين
-
موسكو: الاستخبارات الأمريكية والبريطانية تحضران لاستهداف الق
...
-
وزير خارجية الهند يناقش المشاكل العالمية مع مستشار ترامب
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|