جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2615 - 2009 / 4 / 13 - 04:57
المحور:
كتابات ساخرة
المد الإسلامي خطير جداً , ومن أقوى شعاراته الخطيرة : أن المرأة المسلمة ملكة في بيتها وعلى زوجها وأولادها ,حتى في باص القرية يظنونها ملكة , ولكن الأصح أنها عاجزة وليست ملكة , وعلى كل الأحوال فالكل يطلب رضاها وهي لا تخرج للعمل , الراجل(بشتغل) الرجل بشتغل ..إلزلمه بشتغل , بس الحرمه لا, المرأة لا, النساء لا , فهن عبارة عن ملكات في بيوتهن وفي الباصات , فإذا صعدت أنثى إلى الباص قام الشباب كعنترة العبسي يتنططون في الباص هنا وهناك يدفشون بعضهم ويدزون بعضهم البعض من أجل إجلاس الأنثى مكانهم , وهم بهذا يتصورونها ملكة , غير أن واقع باص المدينة يكشف لنا غير ذلك , والمرأة في باص القرية لا يعاملها الناس معاملة ملكات النحل , أو الملكات البشريات , كما يظنون ,بل يعاملوهن معاملة العجزة الأذلاء الذين لا يقدرون على شيء أومعاملة الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض.
عندما قمت من مقعدي في باص المدينة (عَمان) وأجلستُ رجلاً كبيراً في السن, نظر كل من في الباص لي بتعجب ,!!!!! وطبعاً أنا خجلت من نفسي وشعرت وكأنني فعلت ُ شيئاً غير لائق بي أو بأخلاقي , وفي الحقيقة إحمرّ لون وجهي حتى أصبح كلون تفاحة لبنانية , وشعرت كم هو أنا متخلف جداً , إبن القرية يقوم من مقعده من أجل أن يجلس مكانه رجلاً طاعناً في السن ..شو هذا إللي أنا عملته يا عيب العيب أي أكيذ هسع رايحين يحكوا عني هذا واحد مجنون..بس طبعاً أنا مش مجنون وإنما معتاد على هيك عادات في قريتنا .
كان الرجل يمسك بأشياء تتدلى من السقف خشية أن يقع على الأرض وهو يلهث وبجانبه أيضاً فتاة جميلة أيضأ تقف بمحاذات رجل آخر كبير في السن, وشكرني الرجل على حسن خلقي وسألني : إنت قروي,؟؟؟ من سنين ما حدى عمل معايه هيك .
فقلت في نفسي : أحساااااااااان ! إتبهدلنا , كمان إشويه بحكيلي (طفيلي) أو (حمصي) أو (صعيدي) أو (منغولي) هههه, بعدين كيف عرف إني قروي ؟ مع إني لابس أشيك من شباب المدينة فأنا دائمن ما ألبس على الكتلوج حتى أنني مثلُ للشياكة في قريتنا , بس كيف عرفني ؟ طبعاً ما سألتهوش على شان المجتمع المدني تخصصي وأنا بعرف صفاته .
البنات يجلسن في مقاعد بعيدات عن الشباب , هذا طبعاً عندنا في القرية ... والشباب يجلسون في مقاعد بعيدة عن النساء , ولا أحد يجلس بجانب أحد إلا إذا كانت زوجته أو إحدى المحرمات عليه , وفي باص القرية يفسح المجال للنساء بالأولوية في كل شيء , وحين تصعد إحدى بنات القرية لتركب في الباص يقوم الشباب بإعطاء البنت الأولوية , وفي حالة عدم وجود مقاعد في الباص فارغة يقوم أحد الذكور بالتنازل عن مقعده لأجل ألأن تجلس بنت القرية .
وفي القرى كل الناس أقارب وأبناء عم وأبناء خال(خؤولة) ورغم أن شباب القرية قد إنتقلوا إلى المدن للعمل بهن غير أنهم مازالوا يحتفظون بعاداتهم تربيتهم التقليدية , حتى وإن عثرت من بينهم على عشرات بل العشرات والمآت من خريجي الجامعات والمعاهد والكليات العلمية .
باص القرية لا يشبه باص المدينة , وكأن الباص هنا كائن حي , فباص القرية له مواصفات فريدة من نوعها , وكذلك لباص المدينة نوعية خاصة جداً به هو شخصياً.
باص المدينة تجد به في السقف أشياء تتدلى لكي يمسك بها الركاب من بنات وشباب , ولكن باص القرية لا توجد به مثل تلك المواصفات , وباص القرية يصعد به الناس واقفون ويسافرون مسافات تبلغ مدتها نصف ساعة دونما أن يجلسوا في بعض الأحيان , ولكن بنات القرية من عاشر المستحيلات أن نجد من بينهن إمرأة تصعد الباص وتسافر به وهي واقفة في ممر الباص الضيق , ولكن باص المدينة مختلف جداً , فباص المدينة تركب به البنات والنساء وهن واقفات ممسكات بأشياء تتدلى من سقف الباص خشية أن يقعن علبى الأرض.
أخلاق باص القرية يعتبرها أهل القرية أخلاقهم فقد طبعوا الباصات على أمزجتهم هم , والآن نجد باص القرية وكأنه رجل القرية , ونجد باص المدينة وكأنه رجل المدينة .
وباص القرية يساوي النساء بالشيوخ الكبار في السن ومثل العجزة وأصحاب الإحتياجات الخاصة , وباص المدينة يعامل النساء وكبار السن معاملة الأقوياء , والسواسية والتكافىء في الفرص.
حين تصعد باص القرية ولا تجد لك مقعداً يقوم أحد الشباب بالنهوض من مكانه لإقعادك مكانه , هذا طبعاً له شروط وهي :
-إذا كنت إمرأة عجوزاً أو صبية .
- وإذا كنت شيخاً كبيراً في السن .
إذن باص القرية يعامل النساء معاملة العجزة أما باص المدينة فليس لديه إحساس بالذي نحس ُ به جميعنا في قرانا , فباص المدينة لا يحترم لا الشيخ ولا المرأة ولا العجزة , فكلهم سواسية عنده كأسنان المشط.
باص المدينة هو المجتمع المدني الحديث , وباص القرية هو المجتمع التكافلي والتقليدي واليميني المتطرف جداً .
وباص القرية باص المجتمع المدني الذي لا يقبل بالإعتراف بالمرأة من أنها مخلوق أدنى من الرجل في الخلقة , ولكنه يهتبرها مثلها مثل أي إنسان آخر بعيداً عن الجندريات والعنتريات البطولية .
فحين تصعد أنت وزوجتك باص القرية أو أنت وإحدى المحرمات عليك عاطفياً وجنسياً ولا تجدون مثلاً مقعداً كافياً لكم , يقوم على الفور أحد الشباب وكأنه قائم لمعركة من أجل إجلاس المرأة التي معك أو كبير السن الذي معك , نعم : يقوم بإجلاسه مكانه, وهو بهذا يتصور نفسه أنه بطل عربي لم يهزم في أي معركة من المعارك التي خاضها منذ عام 1948- 2009م فحتى هذا التاريخ يعتبر نفسه بطلاً إداراماتيكياً, ويتصور أنه يحترم المرأة في باص القرية بقدر ما تتعرض المرأة للإهانة في باص المدينة .
غير أن أهل المدينة هم أفضل من أهل القرية من هذه الناحية حتى وإن تعرضت المرأة لمزالجات أو لمماحكات مع الركاب بسبب مد الأيدي والتطاول بها على الأماكن الحساسة من جسم المرأة إبتداءأ من خريطتها التفصيلية من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين مروراً بالأودية والجبال الناهدة والبارزة .
وفي باص المدينة يوجد مجتمع مدني المرأة تعمل به والرجل يعمل وكبار السن يعملون أو يجلسون معتمدين على التقاعد الوظيفي من مؤسسة الضمان الإجتماعي .
وباص القرية هو باص المجتمع التكافلي بسبب ضعف موارد المواطنين الإقتصادية فبسبب عدم خروج المرأة للعمل تبقى ضعيفة وينظر لها كما ينظر للعجزة أو للمصابين بالأمراض المعدية , فكل الناس في مجتمع القرية يقدمون المساعدات لبعضهم البعض نظراً لضعف إمكانياتهم الإقتصادية , ولكن مجتمع المدينة لا توجد مثل تلك الأمور فالرزق موفور وأساليب الكسب موجودة وإن لم توجد فهنالك طرق أخرى يحصل بها المواطن على إمكانياته المعيشية .
ومجتمع المدينة يرى في المرأة القوة وعدم الضعف وهو يستثمر أيضاً قدرات المرأة الجمالية , فتستطيع المرأة الجميلة أن تحصل على مداليات ذهبية من أصحاب رؤوس الأموال ولا أحد في مجتمع المدينة يقدم مساعدات مالية مجانية , فكل شيء يجب أن يكون له مقابل , وهذا المقابل من الممكن أن يكون تجارة في اللحم الأبيض الرخيص .
وباص القرية يقدم المساعدات بالمجان نظراً لأن الإستثمارات في العقول والقلوب غير محبوبة , فيحب إنسان القرية أن يحصل على مساعدات من الأقرباء , أما رجل المدينة فليس له أقرباء لأنهم بعيدون عنه ولا يعيشون مع بعضهم البعض في تجمعات سكنية قريبة من بعضها البعض, لذلك لا نجد مجتمعاً تكافلياً في المدينة , وكل الذين يصعدون ويركبون باصات المدينة لا يعرفون بعضهم أبداً إلا ما ندر ذلك , أما باص القرية فكلهم من الأقرباء .
ويجب أن يعلم القارىء أنني لا أحمل حقداً طبقياً على أحد ولا أحقد على الإسلام والمسلمين الذين هم أبناء جلدتي , فأخلاق باص القرية ليست إسلامية ولا يهودية ولكنها أخلاق المجتمعات العاجزة ثقافياً وعاطفياً وإقتادياً , أما بخصوص أخلاق باص المدينة فهي تجعل المرأة قوية وتشعر المرأة في المدينة كم هي مساوية للرجل , أما المرأة في باص القرية فهي مساوية للعجزة وللأطفال وللشيوخ الكبار في السن .
ولا أحقد على أبواب الجامعات الاتي يدخل منهن الطلاب إلى صفوفهم وقاعات التدريس , فهذه الأبواب غالباً ما نجد بها مسرباً للنساء ومسرباً للرجال , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق التخلف الثقافي , ففي الجامعات يبدأ الطلاب بالتعلم على التمايز بين الجنسين أو بين المرأة والرجل , فهذه الأبواب يدخل منها اللرجال وهذه االأبواب أبواب تدخل منها النساء فقط لا غير .
ففي الجامعة أيضاً وهي صرح علمي هنالك أبواب للنساء وأبواب للرجال ,تماماً وكأن الجامعات العلمية باصات قروية , وهذا تجهيل للجنسين معاً ولكن العملية الديالكتيكية الجدلية الإستدلالية المنطقية يكشفها لنا باص المدية باص القرية لأن التنظيم هنا صعب جداً أن يكون الباص منظماً أو مجنداً حكومياً , لا , المسألة أعمق من ذلك , باص المدينة يكشف لنا تقدم المجتمع المدني , وباص القرية وأبواب الجامعات يكشف تدخل اللوبي المتخلف في التقدم فهذا اللوبي لا يريد مجتمعاً مدنياً بل على العكس يريد مجتمعاً متخلفاً .
باص المدينة على حسب المجتمع الذي يصعد به ويركبه , فالمجتمع الرأسمالي يقوم على مبدأ إبادة الضعيف , أو على قانون غابة الأسود , أما باص القرية فهو يقوم على مبدأ التضحية من أجل الجماعة ومن أجل المرأة , أما المجتمع الإشتراكي فهو يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص للجميع وإظهار طاقات الجميع وحق المشاركة في الحياة وحق المشاركة في كل شيء وأولهم الجنسين .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟