|
إذا فشل الحوار فعلى شعبنا أن يحاكم قياداته
طلال الشريف
الحوار المتمدن-العدد: 2613 - 2009 / 4 / 11 - 04:48
المحور:
القضية الفلسطينية
ماذا فعل الانقسام بالتواصل الجغرافي بين الضفة وغزة ؟ ماذا فعل الانقسام بالتواصل الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والعاطفي، والديني، والتربوي، والصناعي، والصحي، والتجاري، والزراعي، والتنموي، والعائلي، والحزبي، وهلم جرا، إلي آخر منظومات التواصل المتمثل بالقيم، والأخلاق، والسلوك.
كل ما ذكرته، حتماً، ستظهر نتائجه، ومضاعفاته، بالتتالي، علي مجمل الحالة الفلسطينية، الآنية، والمستقبلية ،كنتاج للحالة، التي صنعنها قيادات الشعب الفلسطيني بنزقها، وقصر نظرها، والتي، شارك فيها الجميع بلا استثناء، سواء بالانقلاب على الديمقراطية ( حماس )، أو بتهيئة البيئة ( فتح )، أو، التقاعس والانكفاء ( اليسار ).
ولا أستثني تلك اللامبالاة والسلبية، من باقي شرائح العمل السياسي، والاجتماعي، والثقافي الفلسطيني المستقل وغير المؤطر حزبياً. هؤلاء، الذين، هادنوا الخطأ، وسكتوا عن التجاوزات، والانتهاكات، في البدء، وفي السياق، وفي المحصلة، والتصرف كمحايدين عن خطر يتهدد الكل الفلسطيني الحزبي وغير الحزبي، والذي أوصلنا إلي هذا الضعف، والشرذمة، والانتكاس، لقوة قضيتنا الفلسطينية وعدالتها، والتي لم تصل في لحظة من اللحظات إلي انحدار، كالذي، وصلت إليه على مدار العامين السابقين.
أردت أن أبدأ مقالتي، بسؤال عما فعله الانقسام بالتواصل الجغرافي، الذي تبلور في ذهني، وأنا أفكر فيما هو مطلوب من الشعب الفلسطيني في حالة ما فشل حوار المصالحة.
ورجعت إلي الوراء فترة زمنية، كنا نفكر فيها جميعنا، بكيفية الإبداع، لاختراع طرق جديدة لتمتين وتسهيل عملية التواصل الجغرافي لنا كشعب فلسطيني في الضفة، وغزة، في حال قيام الدولة الفلسطينية، والتي، كان الحد الأقصى للتفكير فيها، هو بناء جسر، أو، نفق طويل، يوصل الضفة بالقطاع، وكيف كان الإسرائيليون يحاولون إجهاض كل تفكير يتعلق بإمكانية التواصل، لإسقاط الدولة الفلسطينية العتيدة، جغرافياً، وعلي كل الصعد، والاهم إسرائيليا، هو إسقاط الوطن الفلسطيني عسكرياً.
لنفاجأ في لحظة نزق، بأننا نحن الفلسطينيون نسقط دولتنا التي نتمنى تواصلها، بالانقسام عند انقلاب حماس علي صندوق الانتخابات التي أتت من خلاله، وليس كما يسميه البعض الانقلاب علي فتح، أو، منظمة التحرير الفلسطينية، لأنني على قناعة تامة بحال التنظيمات الفلسطينية حقيقة، والتي تنتابها، بل، وترعرعت معها، من مهدها، حالة الاستئصال، والإقصاء حين الاستطاعة، وهذه الصفة أصيلة في تنظيمات بنيت علي الاستقواء، والتفرد، عند الإمكانية، وتبني المهادنة، وادعاء الديمقراطية، وتشجيع التعددية صورياً في حالات ضعفها.
نعم، تتحمل حماس القسط الأكبر، فيما حدث من قطع التواصل الجغرافي كلية، بالإضافة، لمحاولات إسرائيل الدائمة لقطع هذا التواصل، وذلك، عندما استخدمت القوة بدل السياسة والدبلوماسية، لتطبيق برنامجها، وبغض النظر، عما، كان يواجهها من معوقات، لأنها ارتضت المشاركة بالعملية الديمقراطية، وهذه العملية الديمقراطية، ليست فقط، صندوق الانتخابات، ومن ثم ممارسة ما يحلو لها ، العملية الديمقراطية هي صندوق انتخابات، واحترام التعددية، والتغيير المدني، وليس العنفي، وعبر المجلس التشريعي، والقوانين الصادرة عنه، والذي يمثل جموع الشعب، وليس بميليشيات التنظيم، أو، الحزب. وقد زادت حماس الطين بله، حين حاولت الهروب بالانقلاب إلي الأمام، في محاولات حثيثة لم تتوقف، لفتح ثغرة إلي العالم الخارجي، وكأنها تريد القطيعة مع الضفة الغربية نزقاً أو تدبراً، ولم تنجح، في محاكاة لملكية فتح، بإمارة حماس.
وتتحمل فتح جزء كبير أيضا، من المسؤولية، حين تصرفت منذ قدوم السلطة، بعقلية الملك الخاص للوطن، أو، بمعني آخر، مملكة فتح، وتركت إدارة شؤون الناس، والوطن، دون رقابة حقيقية، ودون محاسبة، وكانت تصرفاتها، وكأن التاريخ قد توقف عند الامتلاك، والتوريث لعناصرها، وان أردنا التحديد بدقة كان التمليك، والتوريث لعناصرها المتنفذة. وبدا وكأن فتح أغلقت الأفق أمام المشاركة لباقي جموع الشعب، رغم علمها، بأن الأحزاب تنمو، وتتطور، وتتقدم زمناً، وتترهل، وتضعف، وتتراجع في زمن آخر، وكان أنصع دليل علي تلك النزعة هي في رفض التشريعي الفتحاوي السابق لقانون الانتخابات النسبية علي أمل الاحتكار للتشريعي التالي الذي فاجأها بالحصول حماس علي الأغلبية، ولكن غطرسة القوة والنفوذ والأنانية، ورغبة الاستحواذ علي المكاسب، المواقع، والمقدرات، جعلتها وعناصرها، تتصرف بشكل ملكي، حتى خيل للمواطن، بأنها دولة فتح، أو، مملكة فتح، وما، كان، إلا أن فتح أنتجت حماس قوية بامتياز، في لحظة حماس من الناس فالتفوا حولها، وقد وجدوا أنها السبيل للرد علي الهيمنة الفتحاوية علي الوطن عند انتخابات التشريعي الأخيرة، هذا بالإضافة لعناصر ثانوية أخري لها علاقة بالمصالح الذاتية إيجابا، أو، سلبا، لبعض الجماعات ضيقة الأفق، التي تولد لديها نوعا من الانتقام، والغيرة، وهؤلاء موجودين دائما في مواجهة أي سلطة كانت، بغض النظر عن لونها.
واليسار أيضا يتحمل جزء لا بأس به من المسؤولية، وذلك بالتقاعس، والانكفاء، علي قضايا الصراعات الداخلية، و البينية، وترهلها، نتيجة، عدم ممارستها الديمقراطية في داخلها، وانقساماتها، وتشظيها، إلي جماعات، وشلل، تتصارع على المصالح، والمواقع، في داخلها وخاصة، علي خلفية الانتفاع من المؤسسات، التي تسمي غير حكومية ( أهلية )، وأحدد هنا أحزاب، وتجمعات اليسار، على الرغم من وجود مثل هذه الإشكاليات في داخل فتح، وحماس، ولكن لأن تنظيمات اليسار، كانت تدعي، وتنظر للديمقراطية، والنزاهة، والشفافية علي الصعيد الحزبي الداخلي، وعلي صعيد المؤسسات التي تديرها، وهي التي كانت بالمناسبة وراء إقرار قانون العمل الأهلي لحماية مصالحها الفئوية والشخصية.
ان تقاعس اليسار الفلسطيني إبان انفجار الأزمة، وفيما قبل اتفاق مكة، كان خطأ تتحمل مسؤوليته أمام الجمهور، حين حاولت مسك العصي من النصف، ولم تصارح الجمهور حقيقة، ولم تعط المعلومة كاملة للشعب، ولم تحمل الطرف المسئول عن اندلاع الاشتباكات الفلسطينية المسؤولية العلنية، وحكمت علي نفسها، بدور المختار، والوسيط،وكان دورها الحقيقي، يتطلب الجرأة وتحميل المسؤولية بشكل واضح،كقوي تقدمية تتغني بالحميمية الواعية تجاه الجمهور أمام العسكرتاريا البغيضة لفتح وحماس، وفيما كان من الممكن حينها من تعبئة حقيقة لوقوف الجمهور الفلسطيني في وجه الانفلات الدموي الذي انتهي بانقلاب حماس علي الديمقراطية.
وقد أدركت قوي اليسار بعد ذلك أنها أخطأت بتقمصها دور المختار، الذي، لا وجود لدوره في الحياة السياسية كما تدعي عن ممارستها للفكر التقدمي والجدل العلمي، إن لم تكن تريد للطرفين المتخاصمين في الساحة الفلسطينية من تآكل حتى يكبر حجمها، ويكبر دورها، وهذه مواقف خاسرة وانتهازية، لأن البناء لا يكون على ضعف الآخرين، ومصير القضية البائس التي أوصلتنا له حماس وفتح، بل البناء يكون بتجميع عناصر القوة لأي تنظيم، وعلي رأس عناصر هذه القوة، هي احترام الديمقراطية، واللوائح الداخلية، وعدم المساومة، ودفع القيادات الشابة لأخذ دورها، بدل استمرار أعضاء مكاتبها السياسية، ولجانها المركزية، بالتأمر للحفاظ علي مواقعهم، فيكتشف التنظيم أنه ضعيف، وليس له امتدا جماهيري، وشعبي، ويبقي يراوح مكانه فلا يؤثر بالحياة السياسية، ويصبح ملحقاً، تتقاذفه الأحزاب ألآخري، مثلما هو حادث بتحالف جزء من فلول اليسار مع حماس، وتحالف الجزء الآخر مع فتح. فالذي يمنع، ويجمد، التغيير في داخله، فكيف له أن يغير في المجتمع؟
وأخيراً فقد كان هناك أيضاً مجموعات من الناس وخاصة في قطاع غزة، تنتصر للقبلية، والعائلية، والعصبية، والمناطقية، والجذورية، ساهم المتنطعون فيها، والمدعون الثقافة فيها، وذوي النفوذ، بإشعال الحريق علي خلفيات شوفينية، وانتقامية، من الذات، ومن المجموع، ليدمروا، ما يستطيعون، ماداموا هم، غير راضين عن تطور المجتمع، في اتجاه ما، وعلى غير ما يروق لهم، وهم يريدون بقاء المجتمع علي حاله، دون حراك اجتماعي، علي خلفيات الكفاءة، والخبرة، والتنوع، ويريدون للباشاوات أن يبقوا علي حالهم جاهلين بحركة التاريخ.
أردت أن أقول إن المصالحة مفيدة، وهي أفضل بكثير من عدم المصالحة للمستقبل الفلسطيني، ولخير الشعب، ولكن، إذا فشلت المصالحة، فعلي شعبنا، أن يقدم قياداته، للمحاكمة، ولو الشعبية، لا، أن يجازيهم بالمناصب، والالتفاف حولهم، بعد كل خطأ يقومون به، لأن القادة دائما، هم المخطئون في حالات كهذه، وليس الشعب، وكادوا أن، إن لم يكونوا قد أطاحوا بقضيته العادلة بإدارتهم البائسة للحياة السياسية في فلسطين.
#طلال_الشريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودوا لنا
-
قولوا لها !!
-
مطلوب من الأحزاب عند العودة مجدداً للحوار !!
-
العبث الاستراتيجي الفلسطيني أخل بالتحرر الوطني !!
-
المعضلة الحضارية العربية !!
-
فرصة انتخابات - ذهبية - قادمة الي فلسطين!!
-
هل توافقت الفصائل الفلسطينية على استمرار حصار غزة ؟!!
-
تجويد المتابعة الجماهيرية في مواجهة تقوقع المحاصصة الفصائلية
-
التنطع بالشرعيات ولزوم ما يلزم للعلم بالشيء !!!
-
وقفة عز أيها الفلسطينيون من المحيط الي الخليج والمهجر !!
-
زهرة كنعانية تتألق على شاطئ السودانية بغزة الحزينة !!
-
رسالة الي العمريين / موسى وسليمان
-
شتاء فلسطيني حار جداً ؟ !!
-
قادمون مع حل نهائي ... أم ؟!
-
لماذا لم تحدث انتفاضة على حماس ؟!
-
درويش مات ومات الذي ما مات !!
-
تأبيد الأقنعة !!
-
فساد السلاح .... والسياسة في فلسطين
-
نداء ... نداء هذا هو المخرج من أزمة الشعب الفلسطيني
-
فساد الاعلام .... والسياسة في فلسطين
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|