|
مقابلة مع الكاتب والشاعر أبراهيم الخياط
توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية
(Tawfiktemimy)
الحوار المتمدن-العدد: 2613 - 2009 / 4 / 11 - 09:55
المحور:
مقابلات و حوارات
لم يستعير من الشعر الذي تهجئه بين بساتين بعقوبة اطيافه الحالمة وخيالاته السرابية، حينما يؤكد ان بعقوبة التي يعرفها عبر ذاكرة السنوات،لايمكن ان تكون الا بستان يجمع العشاق وملاذا يحتضن جميع العراقيين حينما تداهمهم الخطوب وتواجههم المخاطر. ابراهيم الخياط الشاعر والاعلامي لم يتوقع ان حبيبته ورفيقة حياته (ام حيدر) ستسبقه الى رحمة السماء المنتظرة قبل ان تتطاول على حرمة انوثتها ذئاب القاعدة والبعثية الوحشية ،لانه توقع ان موته كان محتملا في زمن السلطة الغاشمة السابقة. فلم يتصور ان المدينة المفتوحة لمدى العشق والمحبة ونكهة البرتقال ستغتصبها عصابات البعث المهزومة وفلول القاعدة وشذاذها من ايتامه والآتين من كهوف الظلام والعفونة الماضوية . لم يتصور ان مدينة بهذه الرحابة والسعة والمدى ستكون قبرا لحبيبته وتتلطخ ارصفة عشقه بدماءاها ودماء المئات من العاشقات والحبيبات اللاتي اثكلن قلوب احبتهم . رغم ما يمكن ان ينكأه الحوار من جراحات ويهيجة من اوجاع، الا ان حلم الشاعر ويقينه بالصورة التي لاتفارقها ذاكرته عن مدينة لاتملك ماركة مسجلة لها بين المدن الا عناقيد البرتقال وفتنة البساتين الخضراء وطيبة ابناءاها الذين لم يتذكروا في يوم من الايام هوياتهم وانتماءاتهم وسط احضان وطن البرتقال الذي يصهر هذه الانتماءات تحت ضلاله الوارفة والرؤومة فأن الشاعر سجل انتصاره على مائدة الحوار كما سجل انتصاره على احزانه بمكابرة الحلم وشكيمة الصبر وهكذا كشف لنا اسرار استعادة المدينة لطباعها وسجاياها الاولى قبل الاغتصاب الاسود من عصابات الشر الطارئة على المدينة وتاريخ مسراتها، في هذه المقابلة :
* قبل عامين سقطت حبيبتك وام اولادك مضرجة بدماءاها على قارعة ارصفة مدينة البرتقال والحب.. هل كنت تحسب يوما ما لان تتبرقع حبيبتك باكليل من الدماء امام منزل المسرات الاول ؟
*كلا كنت اتوقع ان حبيبتي الشهيدة هي من ستصنع تعازيم العزاء لي وكنت اتوقع باني سأسبقها للموت الذي كان يداهمني باشباحه بين الحين والاخر، في الايام السوداء من ايام نظام القسوة الصدامي ،اتذكر آخر مرة استدعاني فيها رجال الامن للنظام السابق كانت زوجتى حاملا فا اوصيتها ان تسمي المولود (حباري )وهو اشارة باني ساسبقها الى القبر وكنت اتوقع موتي قبل التغيير الذي حصل في نيسان 2009 وليس بعده لان احتمالات الموت في ذلك الزمن كانت اكثر من احتمالات الحياة وخاصة بالنسبة لاصحاب الراي المخالف للبعثيين والمتمردين على حزبهم من طبقات المثقفين والاكاديميين وغيرهم .
*اتذكران بساتين بعقوبة كانت ملاذ للعراقيين جميعا بكل طوائفهم ، كيف تحولت بساتين هذه المدينة الوادعة الى مجازر لقتل الانسان والاشجار والطيور؟
لونطقت اشجار الليمون والربتقال لما نطقت الا بالاغاني والتنهيدات واسرار العشاق وذكريات السفرات العائليةوالمدرسية والنضالية،كانت هذه البساتين ملاذا للسفرات الجامعية لاسيما في مطلع سبعينيات القرن الماضي ،بساتين شفتة وخرنابات وهويدر. نفس هذه البساتين لم تتوقع انه سيغتصبها قتلة اشرار لانه حتى في سنوات ملاحقة البعثيين الهاربين من الخدمة الاجبارية والمعارضين السياسيين الذين يلجأون لهذه البساتين هربا من بطش وقسوة السلطة الصدامية،كانت البساتين عصية على ذئاب النظام الوحشية،ولذا نرى ان البساتين تمردت ولفظت هؤلاء الشراذم والآفاقين القادمين من كهوف الظلام واحقاد التاريخ الموروث. لااحد يصدق في العالم ان خلال السنتين الاخيرتين كانت السلال المعدة للرمان والبرتقال تعبئ بروؤس البشر من قبل هؤلاء الجزارين الظلاميين
*هل نستطيع القول بان ديالى الان تعافت تماما من اغتصاب الغرباء والمجرمين؟
المسالة التي لايعرفها الكثيرون بان الهجرة التي حصلت من بعقوبة كانت طائفية، نعم ولكن الحاضنة لم تكن كذلك،لان الحاضنة كانت حاضنة حزب البعث ومدرسته المعروفة بتقاليد القسوة ولذا كان اغلب افراد حزب البعث المهزومين هم نواة القاعدة الاولى ،فمثلا ان الشاعر (ابوظفار) استهدف بالقتل والتصفية من قبل ابناء طائفته من المتطرفين كما ان الكثير من اسماء الامراء التي يتداولها الاعلام هم ينتمون الى عوائل معروفة في ديالى ومعروفون في قيادات البعث السابق ،الهجمة كانت طارئة ولاتملك عوامل ديمومتها وهي رفسة النزع الاخير للجثة البعثية المتفسخة. في الشهر الاخير قمت بزيارةللمدينة مرتين مرة بصحبة الكاتب والمبدع الدكتور عقيل الناصري رئيس اتحاد الادباء العراقيين في السويد واقمنا له محاضرة حضرها العشرات من الشباب وبعد اسبوع ذهبت مع الشاعر المعروف رياض النعماني ،وشعرت خلال الرحلتين بان المدينة استردت وداعتها ونفضت عنها غبار الدم وسحابات الشر،حيث لاوجود لااشباح القاعدةفي شوارعهاولااحتمال لعودة العصابات اليها .لان اهالي ديالى شعروا بخسارة الصمت ازاء جرائم القاعدةخلال العامين المنصرمين.
*اعط باناورما لصورتين متناقضتين بين السواد والبياض عن ديالى تتصارعان في ذاكرتك؟
سأبدا بالصورة القبيحة واختم بالصورة الجميلة لتزيلها من ذاكرة القارئ الصورة القبيحة تتعلق بعضو القيادة القطرية السابق والمشرف على تنظيمات البعث في ديالى لحد 2003 ،عندما دعا الى عقد اجتماع في سوق ديالى الكبير وهدد الناس جهارا بهدم بيوتهم ومحلاتهم على رؤوسهم ودكاكينهم فيما لوتم التقاط بث (قناة سحر الايرانية )من تلفزيوناتهم المحلية. وا لصورة الجميلةحينما تم سحل تمثال الطاغية يوم 12- 4 من بوابة بغداد الى وسط السوق، كان المارة والاهالي واصحاب المحلات يضربون التمثال المجرور بنعالاتهم وسط كرنفال شعبي من اصوات المنبهات السيارات احتفاءا بتلك اللحظة التاريخية ووسط هذه الصورة التي لايمكن نسيانها كانت ارتال السيارات الكبيرة تقفل عائدة بالعوائل البغدادية الى العاصمة التي سقطت عن جدرانها صور القائد الاوحد الى الابد وهم يلوحون لنا بعلامات النصر والفرح الذي لايوصف بنهاية الكابوس الصدامي ونهاية ايامه السوداء.
*كيف تنظر الى الفترة الجميلة التي قضاها العراقيون في ديالى في موسمي هجرتهم من مخاطر الحروب المحتملة وغازات الخردل التي كان يلوح بها النظام دائما لمداراة انكساره وهزائمه؟
لمرتين تحتضن بيوتات بعقوبة اهالي العاصمة بغداد المرة الاولى كانت 1991 والثانية في ربيع 2003 واغلب هذه العوائل كانت تأوي عوائل لاتعرفها ولاتمت لها بصلة قرابة.لابل ان الكثيرين من اهالي بعقوبة يبحثون في المقاهي والمدارس عن ضيوف لهم ويوزعون الاخبارهنا وهناك بان بيت فلان الفلاني فارغا منتظرا عائلة بغدادية لتسكنه. ويذكر ان زيجات رائعة حصلت بفعل هذه التوأمة بين اهالي بعقوبة واهالي العاصمة تحت تهديد الحرب المحتملة وتوقع حماقات يستخدمها النظام السابق ضد المدنيين ،والاروع بان الكثير من اهالي بعقوبة قد زاروا هذه العوائل فيما بعد الى بغدادانطلاقا من الشعور بان مقدمهم الى بعقوبة لم يكن الالزيارة الاحباب ليس الا.
*ماذا تقول للذين يتحسرون على ايام صدام السوداء؟
النخب السياسية العراقية التي تصدرت المشهد السياسي بعد التغيير هي التي قدمت نموذجا بغيضا وفق مبدأ المحاصصة التي دفعت الناس غير الواعية ومن الذين لم يتضرروا من حكومة صدام يترحمون على ايام النظام السابق،وهم في ذلك يدينون انفسهم اولا لأن الامان المزعوم الذي كان سائدا ايام النظام السابق ويفقدونه الان هو بالتاكيد اقل من الامان الذي عشناه بعد سقوط الطاغية . وثانيا الناس تتكلم عن الملموس والمحسوس والقريب من مشاهداتهم ومعايشتهم فتراهم يتكلمون عن قنبلة تنفجر او مفخخة تدمر سوقا او عزاءا ولكنهم يتناسون ان اعداد الضحايا في معركة واحدة من المعارك التي كان النظام يفتعلها بين الحين والاخر يفوق بكثير ضحايا العنف الذي ظهر بعد غيابه عن الساحة علما ان احد مصادر هذا العنف المستجد كانت عصابات البعث وراءاها .
*ماذا بوسعالمثقفين والتربويين والاعلاميين ان يقدموه لتنهض عملية التغيير في تحقيق اهدافها واحلام المضطهدين على افضل وجه؟
عليهم ان يتجردوا من الاصطفافات الطائفية والفئوية الضيقة ويتعاملون مع المواقف بروح الوطنية والمسؤولية . وان تسترد هذه النخب دورها البطولي والرائع ايام الدكتاتوريات عبر وسائل الابداع التي يمتلكوها دون سواهم ولانهم يمتلكون مفاتيح التغيير ومؤهلين ان يكونوا قادة التغيير في المجتمع فان لديهم رصيد من الواقعية بين الناس يفوق غيرهم من الشرائح حتى السياسيين منهم .
ابراهيم الخياط في سطور
*مواليد 1960 *اعتقل وسجن ابان النظام السابق لانتمائه للمعارضة اليساري
*استشهدت زوجته (ام حيدر) امام منزلها على يد عصابات ارهابية اغتصبت بيتهم في بعقوبة، تم الاغتيال في صبيحة يوم ربيعي من آذار عام 2007
*صدر له ديوان شعري بعنوان (جمهورية البرتقال)عن وزارة الثقافة العراقية عام 2007
#توفيق_التميمي (هاشتاغ)
Tawfiktemimy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجد للعملاء واللعنة على الوطنيين بيوم التحرير من الاحتلال
...
-
من يسرق فرح الاطفال؟
-
لاتستوحشوا طريق التنوير
-
أيهما يستحق الجنة؟
-
فالنتاين عراقي
-
العزاء للعراقيين بيوم 8 شباط الاسود
-
نريد ثقافة للافراح والميلاد
-
مصيدة الشعار الانتخابي
-
فتاوى التكفير تلاحق ميكى ماوس الوديع
-
الشهيد مصطفى العقاد المقتول قبل آوان فيلم التسامح
-
التدين في واد وشبابنا في واد آخر
-
من الضحية المقبلة بعد كامل شياع ؟
-
من هو الآخر في وطني وكيف أتعايش معه؟
-
مؤتمرات عشائرية
-
كامل شياع المطرود من الغابة الوحشية
-
علاقتي مع يوسف شاهين
-
أسمى التهاني والتعازي
-
الفنانة والآثارية والروائية العراقية أمل بورتر: جاء أبي ليحت
...
-
ملايين الزائريين للمراقد المقدسة يعاملوها معامل المحاكم والم
...
-
الجامعة في تلك الايام
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|