|
حلم جسد بموتها
يوسف عزالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2613 - 2009 / 4 / 11 - 00:46
المحور:
الادب والفن
في اعماق جرح قديم مدمی، کسنين عمري التي هدرت عبثا، في ازقة زمن مليء بکآباتها و عذاباتها المريرة و عنجهيتها الفريدة و وحشيتها الازلية والابدية، وسط ظلام دامس لآفاق وهمية..کانت تسقط بهدوء و سکينة من جسد في غرفتي، قطرات دم لربما لانهائية!؟. قلت لنفسي: ( این انا في زمن يتدحرج في فراغات لامتناهية، الی مالانهاية خيالاتي المتشنجة و المضطربة..اراها کفقاعات سطح ماء عکر، لوثها صورا شتی للحواس و آراء من بقايا نظريات حلزونية هشة قابلة للذوبان تحت شعاع احلام فيثاغورية). کان قطرات الدم الساقطة من الجسد تتخذ ارضية الغرفة مکانا لعبورها نحو جميع موجودات الغرفة، بعد تحولها الی مخالب اشبه بالعناکب شکلا. کانت جميع الأشياء الموجودة في الغرفة، من شدة الحرارة المرتفعة تفرز عرقا، ماعدا الجسد التي کانت بأستمرار تسيل منها الدم، کذبيحة قد ذبحت لتوها. في البدء کانت لون الجسد اصفرا و بعد استمرار تساقط الدم منها، تحولت الی السواد، مشابهة بلون ارض معركة دامية بعد انتهائها. ( ماهذا الجسد ومن اين اتی؟!). سؤال سألته لنفسي.. هل کانت ماأراه في غرفتي حقيقة او مجرد حلم من احلامي الغريبة، بل اغرب من کل احلامي، أذ لم اکن قد شممت اية رائحة في اي حلم من احلامي، ولکن الآن اشم رائحة نتنة!؟. نظرت الی المرآة المعلقة قرب سريري، رأيت الهلع و القلق في وجهي التعيس، کنت اشبه بظل شخص قد فقد نفسه وسط معمعة الذات مع الأشياء.. فکرت في نفسي، من انا؟! عندما حاولت تصفح الکتاب الوحيد التي کنت أقرأها حينما اکون وحدي، بدأت بألتقيؤ... رأيت کلماتها مشابها بقطرات الدم المتساقطة من الجسد، وبعدها تحول الکتاب کليا الی جسد مدمی. اختلط علي الوقت في مکان لربما لا أنتمي اليها، تداعيات وأفکار مشتتة و مبتورة أخذني بعيدا فيما کنت فيها. سمعت صوتا ما بداخلي: ( أين أجد نصف الآخر من حلمي لکي استنطق بنصفه الآخر؟!). في وسط حالم هوجاء، عالم اشبه بصرخة الغيظ و حشرجة المحتظر، مجدولة بالآف الطرق لکي نصل الی سرمدية الاشیء و عدمية الوجود، في غابة الروح المحصورة دوما. بدا لي اني اسمع صوتا: ( انت حارس جسد قد حلم بموتها). ما ادهشني فعلا في حينها، هو استمرار تساقط الدم من الجسد و باستمرار.. رأيت غرفتي کسفينة في لحظاتها الأخيرة قبل الغرق، مع رؤيتي لطيور مائية بشعة المنظر تسيل من عيونها دماء. اخذ العرق يتصبب مني من جديد، مع ارتجاف و خوف طفولي من المجهول الذي کان ينتظرني!؟. انبطحت علی الأرض عاريا، ارتعش من هول اللحظات المضطربة، التي کنت احس بوجودها کهلوسات لا متناهية وسط ظلام دامس من نداءات و تداعيات داخلية عقيمة. بدا لي لبرهة اني اری ضوئا ما في خارج الغرفة.. وبعدها رايت عجوزا ينظر الی عناکب ينسجون شباکهم؟!. سمعت اصواتا غريبة کنواح خافت لنساء يندبن عزيزا فارق الحياة.. نواح غاية في الوجع، تطلقها قلوب احتشی بلزوجة حزن مضطرب، غريب غرابة الموت نفسها. لحظة اشبه بضباب يحجب الرؤية، اشبه بلحضة عطش قاتل بين رمال ملتهبة في صحراء جرداء، ليس الماء فيها الا سرابا. هل استطيع ایجاد لغة مشترکة بيني وبين الموت القريب مني، ربما اقرب من الجسد الموجود في غرفتي؟!. زحفت الی الجسد زحفا و لرعبي رأيته يتخذ اشکالا و الوانا غريبة مع سماعي لأصوات تراتيل حزينة.. کأن يدا وهمية کوت لساني، کنت کالخرساء وحتی محاولتي للصراخ باءت بالفشل. انا وحید مع جسد غارق في دمه؟!. بعيد عن واقع دامس بظلماته، وقريب من حقيقة کابوس بات واقعا لي، يجذبني الی دواماتها الساخنة. من العسير ان اتصور نفسي من جديد، وانا واقف تحت سماء حقيقي، احس بما يحس به اي کائن حي.. انا الآن جسد عاري من ذکريات و رغبات و آمال، آتية مع رياح الأرض الندية... من جديد سمعت صوتا ما بداخلي: ( أين أجد نصف الآخر من حلمي لکي استنطق بنصفه الآخر؟!).
[email protected]
#يوسف_عزالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|