أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - هكذا يفكر دون كيشوت














المزيد.....

هكذا يفكر دون كيشوت


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2612 - 2009 / 4 / 10 - 09:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


يحارب الهواء ويعتقد أنه وحده أقوى من جيش عرمرم، ويعيش وهم البطولة بانتصارات زائفة في معارك وهمية، لم يخضها ولم يتبعه فيها أحد، وتنتهي رحلته إلى مأساة بعد اكتشافه أنه لم يتقدم خطوة واحدة للأمام، فيبدأ في تبرير أمره أمام نفسه، يدغدغ ذاته الجريحة بأن يلقي اللوم على الأتباع المفترضين، الذين لم يستشرهم في خوض المعركة، ولم يفعل شيئا ليصبح قائدا حقيقيا لهم، فلم يكن دون كيشوت يملك إلا سيفا خشبيا وحصانا خشبيا، ولم يتبعه إلا حمار سانشو.

دون كيشوت اليوم سوف يتهم جماهير الشعب المصري بالجبن والخنوع زاعما أنهم يستحقون الإذلال والقهر الذي يعانون. سوف ينظر إلى نفسه في مرآته المقعرة، ويرى هيئته ضخمة هائلة في المرآة، وقد ارتدى بزة مهلهلة حرص على تزيينها بنياشين وأوسمة شتى يعود تاريخها إلى عصور سحيقة، ويقول لنفسه: "ها أنذا بطل لا يبارى، وقد حاربت وحدي صفوفا متراصة من الجنود ذوي الدروع والنصال، لكن أتباعي الجبناء خانوني، وتركوني أعاني مرارة الهزيمة". ويستطرد: "لا أنا لم أهزم، فقد انتصرت لأنني لبيت النداء، وأقمت أساطير البطولة في ساحة المعركة."

بلاهة دون كيشوت لا يعادلها إلا بلاهة من يصدق أوهامه، لأن المعارك الكبرى لا تحددها إرادة أفراد حتى ولو كانوا أبطالا في القصائد الرومانسية، ولأن القادة لابد أن يكونوا قادة حقيقيين، ولا يصبحون كذلك إلا إذا اعترفت لهم الجماهير بالقيادة، والجماهير لا تتبع قائدا إلا إذا اختارت المعركة، وإرادة القائد لا تقرر الانتصار في المعارك، وإنما تحسمها بطولة الجماهير.

إضراب 6 أبريل الماضي لم يحدث، لأن العمال والموظفين لم يقرروا المشاركة، ولأن من دعوا إليه قادة من نوع دون كيشوت، لا صلة لهم بجماهير حقيقية مستعدة للمشاركة. لا يعني ذلك أن هذه الجماهير متخاذلة أو جبانة، لأن هذه الجماهير نفسها خاضت معارك سابقة حقيقية وسقط في صفوفها شهداء حقيقيون، وكان من بينهم أبطال حقيقيون عرفوا خطورة المعارك وقرروا خوضها.

ولأن الجماهير لا تخوض المعارك من أجل المعارك، ولا من أجل حل المشكلة النفسية لأفراد فاض بهم الكيل ولا يطيقون الصبر والعمل الدءوب أو لا يعرفون دروبه، فلم تخرج حشودها معلنة العصيان والإضراب في 6 أبريل الماضي استجابة لدعوة قررها أبطال افتراضيون. وإذا كنا نعتقد أن جماهير الشعب المصري غاضبة وترغب في تغيير الأوضاع السائدة وتعاني من أزمات طاحنة، فينبغي أن ندرك أيضا أن الشعوب لا تتحرك إلا إذا أصبحت واثقة في قدرتها على تحقيق أهدافها.

الشجاعة والحسم يعتمدان على إدراك واضح للخطوة التالية - لا يعرف أحد من هؤلاء الأبطال الافتراضيين الذين دعوا إلى إضراب 6 أبريل الماضي ما هي الخطوة التالية، ولا يستطيع أى منهم أن يزعم أنه أقنع الجماهير بتلك الخطوة التالية، أو حتى عرف ما تصبو إليه الجماهير التي يدعوها إلى الإضراب، لأن هؤلاء الأبطال ببساطة لا صلة لهم بتلك الجماهير.

المراهنة على الأزمة والغضب وحدهما في دفع الجماهير إلى طواحين المعارك مراهنة خاسرة، ونتائجها غالبا ما تكون الفشل كما أثبتت دعوة الإضراب في 4 مايو 2008 وفي 6 أبريل من العام الحالي. ولا يحق لأي "دون كيشوت" أن يلقي بأسباب فشله على شماعة تخاذل الجماهير وجبنها، كما أن فشل هذه الدعوة للإضراب لا ينبغي أن تدفعنا إلى الإحباط والتخاذل مستقبلا، لأنها لم تكن دعوة قائمة على إعداد جيد، ولم تكن نابعة ممن يخوضون المعارك الحقيقية، الذين يحتاجون إلى بناء قدراتهم، وتحديد أهدافهم ووجهتهم حتى يصبحوا أكثر ثقة وشجاعة وحسما في المعارك القادمة، وأكبر شاهد على ذلك نجاح الإضرابات التي قررها أصحابها، ونظموها بأنفسهم بقادة من بين صفوفهم يعرفون مطالبهم ومصالحهم وقدراتهم ويحوزون ثقتهم، وهم في ذلك يختلفون عنك تماما يا كيشوت.

إذا انكسر سيفك الخشبي يا كيشوت، وكل حصانك من الركض العبثي في منطقة الصفر، وتركك الجميع تصارع الوهم وحيدا في صحراء العبث، واخترت بعد ذلك أن تلوم الناس كبرا وترفعا، عليك أن تقنع بصورة هيبتك وبطولتك الزائفة في مرآتك المقعرة إلى أن تموت في مأساتك التي لن يخلدها التاريخ.



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه الحقيقي لديمقراطية رأس المال
- سيكولوجية القطيع
- عفة زائفة ودعارة مقدسة
- تحضير أرواح الموتي … هل يصلح ما أفسده الجشع؟
- أمامنا مستقبل لنكسبه
- الخروج من الأسر
- واقعية سياسية أم استسلام للأمر الواقع
- آلام المخاض لأجمل أطفال العالم
- انتهاز فرصة الأزمة للانقضاض على الدعم
- اقتصاد السوق وخرافة الكفاءة
- الفقراء لا يستفيدون من الرخاء ويدفعون ثمن الأزمة
- لا تنتحر ولا تذهب إلى المملكة!
- اقتصاد الفقاقيع
- الأزمة والفوضى … جوهر اقتصاد السوق
- أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي
- مرجريت في الإسكندرية
- معركة المعارضة الضرورية: سيناريو التوريث أم مواجهة النظام؟
- مواجهة الفساد أم مناورة لامتصاص الغضب؟
- أبو الغيط يغيظ المصريين
- مالي أنا والشورى؟


المزيد.....




- العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب ...
- ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا ...
- الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ ...
- صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م ...
- كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح ...
- باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا ...
- شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
- أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو ...
- زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
- مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - هكذا يفكر دون كيشوت