|
صولجان البشير
حميد خنجي
الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 11:09
المحور:
كتابات ساخرة
منذ شهرٍ واحدٍ من اليوم، بالذات في 4 مارس الماضي وفي سابقة تعتبر الأولى من نوعها ( اصدار حكم اعتقال رئيس دولة مازال في السلطة) أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بسبب مجموعة من التهم موجهة ضده .. لعل أهمها؛ جرائم إبادة ضد الانسانية وجرائم حرب في إقليم "دارفور" السوداني في البدء.. بعيداً عن كل لبسٍ أوانحيازٍ وانطلاقاً من لغة القانون الدولي المحض، لابد من الاشارة أن هذه المحكمة تنطلق من الشرعية الدولية، تعمل تحت مظلة الامم المتحدة وتستند إلى توجيهاتها، بمعنى أن الدول الاعضاء في الامم المتحدة ملزمة بقرارات المحكمة الاختصاصية هذه، حتى إن لم تكن دولة ما قد وقعت على "اتفاقية روما" الخاصة بإنشاء المحكمة الدولية(1998). جاءت مذكرة الاعتقال بعد سلسلة طويلة من المداولات القانونية والتحقيقات الدولية، دامت عدة سنوات. تمخضت عنها العاقبة التي نحن بصددها الآن. ولتسهيل الامر للقارىء الكريم يكون مفيداً أن نمر سريعاً على أهم المحطات، نوجزها "كرونولوجياً " في الآتـي : • في أكتوبر 2004 شكل الأمين العام السابق للأمم المتحدة "كوفي عنان" لجنة دولية للتحقيق في الأوضاع في إقليم دارفور • في مارس 2005 صوت مجلس الأمن الدولي للقرار رقم 1593 في صالح إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية • في أبريل 2005 سلم "كوفي عنان" المحكمة الجنائية قائمة بأسماء 51 شخصاً يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في دارفور بينهم مسؤولين سودانيين • في يونية 2005 أبلغ المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية "لويس مورينو أوكامبو" مجلس الأمن الدولي عن وجود قرائن واضحة عن الجرائم العديدة وخاصة القتل الجماعي والاغتصابات المنظمة، استناداً الى التقارير الدولية المحايدة، التي اشارت إلى مقتل أكثر من ربع مليون انسان، وتشريد 2,5 مليون أخرين منذ بدء الصراع في إقليم دارفور عام 2003 • في فبراير 2007 أعلن أوكامبو اسم أول متهمَين سودانيَين، هما وزير الداخلية السابق احمد هارون وأحد قادة "الجانجويد" الاساسيين المدعي علي كوشيب. وهذا الاخير أفادت عنه الحكومة السودانية في اكتوبر 2008 على أنه رهن الاعتقال والتحقيق • في 14 يولية 2008 وجه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية؛ اوكامبو في مؤتمر صحفي بمقر المحكمة الجنائية الدولية بلاهاى، ثلاث تهم جنائية للرئيس البشير، ارتُكِبت بحق قبائل الفور والمساليت والزعاوة تتعلق بتطهير عرقي واغتصاب وتعذيب، واعلن أن عدد الضحايا الذين تم تشريدهم من ديارهم يقدر بـ 2,5 مليون، وأشار الي أن 35 ألف قتلوا بشكل مباشر، وان ما بين: 80- 265 الف ماتوا ببطء بعد أن شردهم النزاع، وأوضح ان قرار الابادة من الرئيس البشير بدأ في العام 2003م، عندما أمر الجيش بعدم الابقاء علي أى اسير أو جريح بنيّة الابادة الجماعية. ووصف اوكامبو ان ما قام به البشير، عبارة عن جريمة إبادة جماعية متعمّدة، مطالباً بتوقيف البشير وحظر أرصدته وممتلكاته وتقديمه للعدالة • في يناير 2009 اعتقال الترابي بعد يومين من مطالبته البشير بالرضوخ الى أوامر المحكمة الجنائية الدولية • في 4 مارس 2009 صدور مذكرة الاعتقال، التي على أثرها قام الرئيس السوداني بطرد دستة من منظمات العون والإغاثة الانسانية للنازحين من الحرب في إقليم دارفور، وبررت السلطات السودانية قرارها بدعوى تعامل المنظمات تلك واذعانها لمحكمة الجنايات الدولية • في مارس 2009 (مباشرة بعد مذكرة الاعتقال) اطلاق سراح زعيم حزب المؤتمر الشعبي(الاسلامي) حسن الترابي، غريم البشير الحالي وولي نعمته قبل الانقلاب، حيث أطلق نفس التصريح السابق، الذي من وقته ساد صمت غريب في كل ما يتعلق بأخبار ومصير الترابي • في 30 مارس 2009 تشهد العاصمة القطرية؛ الدوحة مؤتمر القمة العربية الدورية الـ 21، الذي يرحب بالبشير ويسانده متحدياً قرار محكمة الجنايات الدولية، الامر الذي برزت فيه الحقيقة المُرّة وهي ان المؤتمر المذكور قد دخل التاريخ في سابقة خطيرة مسجلا تمرده على قرارات أعلى هيئة دولية، محاولا اعطاء البشير صكّ الغفران على جرائمه. ولعل هذا يجسّد بوضوح طبيعة المنظومة الاوتوقراطية العربية كحاضنة للإستبداد وطاردة للديمقراطية تعود جذور المشكل السوداني الحالي ومأساة الحروب الداخلية وخاصة في إقليم دارفور، الواقع غربى السودان منذ فبراير سنة 2003، الى خلافات متفاقمة حول خلفيات عرقية وقبلية وليست دينية كما في حال الجنوب حيث أن الغالبية العظمى من الدارفوريين يدينون بالاسلام والمذهب الواحد مثل جُلّ اخوتهم السودانيين. ولكن الامر الجلي، الذي ساعد على استفحال تلك الخلافات الفتاكة هو عدم استتباب الوضع السياسي واستقراره نتيجة انقلابات العسكر، بٍحَثٍّ وتخطيطٍ من القوى السياسية غير الديمقراطية، التي كان آخرها الانقلاب المشؤوم في 30 يونية 1989، المخطط له من قٍبَل حركة الانقاذ "الاسلامية"، حينما أعازت للعسكري حينئذ؛ عمر البشير من الاستيلاء على السلطة وانهاء الحكومة الديمقراطية المنتخبة من قِبَل الشعب السوداني برئاسة الميرغني تعتبر فترة حكم البشير الأطول في السودان، وهو ثالث عسكرى يستولى على السلطة فى السودان بانقلاب عسكرى بعد الفريق ابراهيم عبود فى 18 نوفمبر 1958 و جعفر نميرى فى 25 مايو 1969 .. وما تلا ذلك من تملص حكم البشير من الاتفاقيات ومعاهدات السلام ومجمل الحل السلمي الداخلي الذي كان جاريا بعد اتفاق الميرغني – قرنق. واشعاله حربٍ دينيةٍ وإثنيةٍ، تعدت حرب الجنوب( توقفت بعد سنوات بصفقة) لتشمل الشرق ودارفور، وما تبعها من مآسيٍٍ، تجسّدت في مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية وتصريف الالاف من السودانيين المخالفين للحكم العسكري /"الاسلامي" من اعمالهم، تشريدهم، اعتقالهم، تعذيبهم وقتل العديدين منهم. بالاضافة الى سن قوانين قمعية بُغية القضاء على ما تبقى من قنوات المجتمع المدني، سهّلت وشرعنت في حلّ النقابات العمالية والمهنية والاحزاب السياسية وتدمير كل مؤسسات المجتمع المدني. ونهب القطاع العام واموال الدولة، وتحويلها لفئة قليلة من الطفيليين الجدد واثرياء الجبهة الاسلامية، التي اتخذت لاحقا اسم المؤتمر الوطني ( انشق بعد ذلك الي: وطني وشعبي) كما رفعت الدولة يدها عن التعليم والصحة وبقية الخدمات الحياتية ودمرت القطاعين الصناعي والزراعي. وحتي بعد استخراج البترول لم تذهب عائداته للتنمية الزراعية والصناعية والخدمات العامة. كما ارهقت الدولة كاهل المواطنين بالضرائب (الجبايات) حتي تزايدت حدة الفقر والاستقطاب الطبقي، وصلت فيها نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95% من الشعب السوداني. ونشأت رأسمالية "طفيلية" جديدة خدماتية ذي غطاء "ديني"، نهبت أصول القطاع العام وعائدات البترول وركزت السلطة والثروة في يدها، ونشرت الفساد بشكل لامثيل له، حتي تم تصنيف السودان في قائمة الدول الاكثر فساداً في العالم!
للتواصل مع الكاتب [email protected]
#حميد_خنجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الباطة السياسية
-
الدولة والثورة في ايران بعد ثلاثين عاما
-
رياح بهمن العاتية
-
ثلاثينية ثورة بهمن
-
لماذا لم تعضد -القوى العصرية- قانون الاسرة في البحرين
-
مذبحة غزّة-استان
-
قانون الاسرة البحريني ثمرة الاصلاح الخصبة
-
مي رمز لثقافة البحرين
-
صراع الاخوة الاعداء الى اين ؟!؟
-
خِلاسيّ في البيت الأبيض
-
قراءة نظرية للأزمة المالية
-
قراءة نظرية للازمة المالية
-
ملاحظات اولية حول الزلزال المالي
-
مفارقةٌ بين مُعَمّمٍ عصريٍّ ومدنيٍّ نصِّيٍّ
-
أكرانيا في مفترق الطرق
-
روسيا والعرب بعد حرب القوقاز الأخيرة
-
جذور التوتر الحالي
-
خمسة أيام هزت العالم.. وستظل تداعياتها تترى !!
-
طبيعة دور القوى السياسية في البحرين
-
دور العمال والموظفين المأمول في الحراك السياسي في مملكة البح
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|