|
حول الحركات العلمانية في العراق
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 2607 - 2009 / 4 / 5 - 10:10
المحور:
مقابلات و حوارات
لقاء مجلة مدارك مع عصام شكـــري اجرى اللقاء يوسف محسن مدارك: هل هناك تاريخ للحركات العلمانية في العراق (الحقل الثقافي، الحقل الفكري ، الحقل السياسي ) ؟
عصام شكـــري: نعم. المجتمع في العراق يمتلك تاريخا علمانيا بمعنى ان الحركات العلمانية موجودة في العراق وبدأت مع نشوء او تشكيل المجتمع المدني. اسمحوا لي ان ابين بعض المفارقة في السؤال نفسه. ان السؤال حول وجود تأريخ لاي ظاهرة يعني ان هناك ظواهر ليس لها تأريخ. هذا غير ممكن. لا يوجد شئ بلا تاريخ. ومن جهة اخرى فان قصر العلمانية على الحدود الوطنية امر غير واقعي ايضا. هل هناك علمانية عراقية وعلمانية فلسطينية؟ ان الموضوع اشمل من ذلك. قد يكون ذلك جزء من صراع التيار العلماني مع المعادي للعلمانية اي التيارات الاسلامية والرجعية حول ان المجتمع في العراق اسلامي، وليس للعلمانية تاريخ في المنطقة وانها مستوردة ودخيلة وغربية وثقافة غازية على "ثقافتنا" الاسلامية.. الخ . ارجو ان يسمح لي بالاجابة على تلك المزاعم لاني اعتقد ان السؤال كان من الممكن ان يكون : ما هو تأريخ نشوء العلمانية في العراق وماهي خصائص تلك الحركات ؟ وغيرها. مجتمع العراق وكل مجتمعات المنطقة والدول التي يسيطر عليها الاسلام السياسي له تأريخ علماني برأيي تماما كما ان للعلمانية تاريخ في فرنسا او الهند او روسيا او الولايات المتحدة. كل ظاهرة تمتلك تأريخا كما قلت ولم ”تسقط من السماء“. ذلك ينطبق على الافكاركما الحركات المادية. الدين او فكرة وجود الاله نفسها كان قد صنعها الانسان في مخيلته منذ قرابة 150000 سنة. اما العلمانية او مفهوم فصل الدين عن الدولة والمجتمع المدني وهو مفهوم حقوقي وسياسي فهي بالمقارنة مفهوم حديث نشأ في عصر النهضة الاوربية اي قبل حوالي 400—500 سنة ( ظهرت الكلمة في نص وثيقة معاهدة سلام ويستفاليا في العام 1648). توج انتصار العلمانية بشكل عملي في الثورة البرجوازية في فرنسا. بلا شك، في العراق وعموم المنطقة فان العلمانية تمتلك تأريخا اكثر حداثة بسبب سيطرة الخلافة الاسلامية العثمانية حتى اوائل القرن العشرين. وفي اوربا فان العلمانية نشأت كحصيلة لتطور الفكر المادي الفلسفي والعلمي من جهة والصراع الذي قادته الطبقة البرجوازية الناشئة ضد السلطة الاقطاعية وحلفاءها في الكنيسة وخلق مناخ ثقافي راديكالي نقدي وملحد واحياء مبادئ الحضارات الكلاسيكية ( اليونانية والرومانية ) من جهة اخرى. في العراق لم تكن الثورة الفرنسية صاحبة الحضوة في التأثير على نشوء التيار العلماني بل برأيي ثورة اكتوبر الاكثر حداثة والاكثر جبروتاً وانسانية. ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا قادها الحزب البلشفي وهي ثورة انسانية بكل المعايير كان فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم جزءا اساسيا من برنامجها للمجتمع. ثورة اكتوبر وضحت للجماهير مكانة الدين في حياة البشر ومعنى ان يكون ”افيون“ اجتماعي ومغزى سعي تلك الثورة الى نقد الدين وتحويله الى ممارسة شخصية وردعه عن ممارسة الضغوط ونفوذه على الجماهير. مع تأسيس الدولة في العراق وبدأ تغير ملامح المجتمع وتحوله الى مجتمع مدني ونتيجة الانقسام المتنامي بين طبقاته الاجتماعية بين اغلبية ساحقة عاملة محرومة وبين اقلية رأسمالية ومالكة للارض تقوت العلمانية من خلال الحركة الاصلاحية للاحزاب السياسية اليسارية القومية. تصاعدت العلمانية مع تصاعد نضال تلك القوى اليسارية وجرها الجماهير معها الى ساحة النضال السياسي التحرري للوصول الى السلطة السياسية وفرض الاصلاحات والتغييرات الهيكلية على النظام الرأسمالي وكسر قيوده. الا ان الدولة البرجوازية التي اقيمت على اثر ذلك استمرت في ممارسة نفس المنهج المعادي للعلمانية وظل القانون العراقي يستند الى الاسلام والشريعة الاسلامية (انظر نضال المرأة العراقية في العام 1959 ومطالبتها بتغيير قانون الاحوال الشخصية والغاء فقرات الشريعة الاسلامية كتعدد الزوجات وحقوق الميراث والشهادة في المحاكم وغيرها - اي علمنة القانون ولم تحصل الا على اصلاحات جزئية). وحين سيطرة القوى القومية الرجعية والمستبدة وحزب البعث فيما بعد تراجعت الحركة العلمانية. اليوم فان صعود قوى الاسلام السياسي ودعم الغرب لتلك القوى وتدمير المجتمع المدني في العراق قد ادى الى تراجع الحركة العلمانية ايضا. ان تراجع الحركة العلمانية جاء نتيجة تحالف حكومات الغرب واستجلاب قوى الاسلام السياسي وتنصيبها من خلال مساعدة الخميني في ايران ودعم بن لادن في افغانستان ومشايخ السعودية والعديد من الحركات الاسلامية الاخرى بهدف خلق الاحزمة الخضراء حول خاصرة الاتحاد السوفييتي الجنوبية.
اما فيما يتعلق بحقول العلمانية المختلفة كالسياسية والثقافية والفكرية فاني ارى ان الحركة العلمانية عندما تتقوى او تندحر فانها لا تفعل ذلك كحقول متنوعة بل ككيان واحد لان العملية ديالكتيكية او متفاعلة. اي لا يمكن ان يكون هناك تيار علماني ثقافي في حين ان حقوق المرأة منتهكة قانونا او ان الشريعة هي قانون البلاد السائد.
اود التأكيد هنا على ان العلمانية لم تكن ثقافة في البدء بل سياسة. ان الافكار المساواتية للحركة الاشتراكية والفمنستية الاشتراكية والمطالبين بالمساكن الحديثة للعمال والكادحين والمتنزهات الخضراء وتوفير احدث المنتجات والرفاه للمحرومين كانوا يتقدمون اساسا بمطالب سياسية. تلك الحركة قوت حركة نقد الدين واصبح رجال الدين عقبات امام التطور واصبحوا محل سخرية وتهكم المجتمع لتخلفهم. الا ان المشكلة التي احاول الاجابةعليها هي ان الكثير من المثقفين يعتبرون العلمانية اليوم "اشكالية" او كما يطلق عليها في الفلسفة problematic ان العلمانية لم تكن اشكالية ثقافية بل هي معضلة اجتماعية كما بينت وان حل المعضلة تلك لا يأتي من الحوار الثقافي او الاقناع بل من النضال الاجتماعي للعلمانيين والانتصار على قوى الدين والاسلام السياسي والرجعية؛ بسن قوانين مساواتية ، بضرب محاولات الاسلاميين فرض الشريعة، او اكراه النساء على الحجاب ، وبالغاء تدريس الدين من المدارس ، بكسب حرية الملبس للفتيات ومنع التعدي عليهم، منع تزويج الاطفال من البنات، السماح بالاختلاط وفتح المنتديات، تطوير الحياة المدنية، تقوية الاجواء المنفتحة والحرة. العلمانية ممارسة اجتماعية تنتج عن فصل الدين عن الدولة واجهزتها وليست مدرسة فكرية او اشكالية ثقافية.
نقطة اخرى يجدر ذكرها وهي ان العلمانية واثناء النضال الاجتماعي تأخذ طابع حركة اصلاحية طبقية. ان من يناضل اليوم من اجل العلمانية ليس الملالي والشيوخ واعضاء الحكومة والاحزاب الاسلامية والبرلمانيين ورؤساء الميليشيات والعشائر وبقية الرجعيين. انهم العمال والنساء والكادحين والطلبة والشباب والمعلمين والاساتذة والفعالين والنشطاء المساواتيين في الاحزاب والمنظمات الاشتراكية والانسانية واليسارية. اهداف النضال الاجتماعي تلك هي تحرير المجتمع من طغيان الدين وجثوم رجاله ومعابده ومحارقه وخرافاته على صدر المجتمع الانساني لقرون طويلة. ان تلك القوى معيقة لتطور المجتمع لانها تقف بوجه المساواة بين افراد المجتمع.
اما كتب التأريخ فتعرض الامر بالمقلوب. افتح اي كتاب مدرسي تأريخي وستجد ان سبب عصر التنوير في اوربا هو "ظهور" مفكرين جهابذ من امثال رينيه ديكارت او جون هوبز او فولتير. تلك انصاف حقائق. ان كتب التاريخ حتى في الدول العلمانية تخفي الحقيقة وهي ان العلمانية نشأت مع تصاعد الحركة الاحتجاجية والثورية للطبقة العاملة والاشتراكيين والراديكاليين وبشكل ديالكتيكي لا ميكانيكي. كتب التاريخ تهدف الى نزع ثورية صيرورة التاريخ وتحويل الامر الى افراد منتصرين او افكار مظفرة لمثقفين هادئين يكتبون على اضواء الشموع. ان التغيرات العلمية والتكنلوجية الهائلة والاظطرابات الناشئة عن الاعتراض الاجتماعي – كالاحتجاجات العمالية الضخمة التي ادت الى تغيير قوانين العمل وساعاته وظروفه واعتراضات الملايين من النساء على استغلالهن البشع وتشغيل الاطفال ل 10 او 12 ساعة يوميا اي الصراع المادي اليومي داخل المجتمع يتم احالته الى المرتبة الثانية او الثالثة وفي الغالب كنتيجة للتغييرات الثقافية لجهابذة الفكر. ان تلك التغيرات الثورية الاجتماعية هي التي الزمت الكتاب والمنظرين والفلاسفة على محاولة كسر اغلفة النظريات الميتافيزيقية البائدة والمستندة الى اللاهوت والفكر الديني وتجسيد الامكانيات الجديدة واتاحة اكتشافها امام المجتمع. ومن وجهة النظر تلك فان العملية برمتها ايضا تأريخية وديالكتيكة.
مدارك: الحركات العلمانية في العراق تعاني ازمة مستديمة منذ سبعينات القرن الماضي حيث ضألة شعبيتها وتشرذمها وختلاط القيم والمفاهيم ( الحرية ، حرية المعتقد الدينى ،المساواة ، التسامح، المواطنة ،) وهذه المفاهيم تبدو شاحبح وغير محدده في البنى الفكرية للحركات العلمانية اين تكمن الازمة هل هي ازمة سياسية ظرفية ام ازمة تأسيسية (ازمة الدولة والمجتمع والثقافة)؟
عصام شكـــري: يبدو السؤال وكانه عن ازمة الاحزاب والقوى السياسية التي ادعت العلمانية والان تتحالف مع قوى الاسلام السياسي اكثر من الحديث عن الحركات العلمانية بشكلها العمومي. وفي كل الاحوال انا لا ارى الازمة هي ازمة العلمانية بل ازمة تلك البرجوازية اليسارية التي سمت نفسها علمانية واليوم هي ليست مترددة فقط بل ومعادية للعلمانية وتدعي انها ديمقراطية ولكنها في الحقيقة رجعية وتقف مع الرجعية الدينية. ان تلك ظاهرة عامة وليست مقتصرة على العراق وليس بدءا من السبعينات او الثمانينات. انها ظاهرة ناتجة عن انهيار الاتحاد السوفييتي وتعالي الصراخ حول موت الشيوعية ونهاية التاريخ ( اي الانتصار الابدي للرأسمالية ).ان القوى العلمانية في العراق قد تخلت عن علمانيتها نتيجة لتحولها الى قوى ديمقراطية. ان الديمقراطية لا تأبه اليوم بماهية وجوهر تلك الديمقراطية. حتى لو كان كل النساء في مجلس النواب يجلسن مرعوبات من سياط الاسلاميين وتهجماتهم اللفظية واوامرهم حول زي هذه النائبة او تلك، او وضع شرائط القرآن في مستهل الجلسات، فان ما يسمى بالقوى العلمانية السابقة ليس لديها اي اعتراض او مانع ماداموا يجلسون في المقاعد الامريكية. واضح انني اقصد طبعا مندوبي الحزب الشيوعي العراقي " الا يقولون انه الحزب العريق في العلمانية ؟ ". ولاطمأنك فان العلمانية ليست في ازمة ولكن امثال تلك الاحزاب هي التي في ازمة. كيف يحلها ، تلك ليس مشكلتي.
وبشكل عمومي ارتبط النضال العلماني في السابق بالطبقة البرجوازية واحزابها اليسارية ولكن الطبقة البرجوازية اليوم اصبحت رجعية مئة بالمئة لانها اما تحولت الى قطب الاسلام السياسي او تحالفت مع الاسلام السياسي ( بالطبع فهي لا تسعى لاكثر من التعددية الفدرالية الخ الخ !). ان الازمة كما قلت هي ازمتهم وليست ازمة الجماهير التي مازالت تريد العلمانية والتحرر والانسانية وابعاد اضرار الدين وتمييزه وتخلفه عنهم. ان الاحزاب الشيوعية التقليدية والتي كانت اما تدور في فلك السوفييت او في فلك اعداء السوفييت ذهبوا الى الملالي ورجال الدين واصبح هؤلاء هم رموزهم وايقوناتهم. ان الحزب الشيوعي العراقي يعلق لافتات سوداء يكتب عليها شعارات استغبائية للناس ويوزع الاكل في المناسبات الدينية حتى يكسب شعبية عن طريق الاسترزاق الديني البغيض ! واليوم لم يحصلوا على مقعد واحد مع حلفاءهم الاسلاميين. لم يكتفوا بنفض ايديهم من العلمانية والشيوعية وصاروا ديمقراطيين لاهثين وراء امريكا بل لقد لفضهم المجتمع لانتهازيتهم كما هو واضح.
بعد ان رسم الفنان الفرنسي ديلاكروا لوحته "الحرية تقود الجماهير" كانت المرأة رمز الحرية التي تحمل مشعل الثورة الفرنسية لتنير طريق المجتمع الجديد اصبحت اليوم البرجوازية تبرز صور السيستاني ومقتدى الصدر والحكيم والضاري وخامنئي وبقية قادة الرجعية كايقونات التخلف والرجعية. هذه خيارات الطبقة البرجوازية الان ويمكن مشاهدتها في كل المدن العراقية. البرجوازية اليوم ( بيسارها ويمينها ووسطها ) ليس فقط لا تريد العلمانية؛ انها تريد محوها. انها تفضل التقسيم الديني والطائفي للمجتمع لانها وسيلة مربحة لهم. الازمة التي تتحدثون عنها في سؤالكم اذن لا علاقة لها بالعلمانية بل بوضع تلك الطبقة.
ان تصور ان العلمانية على انها تحد ثقافي او فكرة ”مستوردة“ خارقة لمبادئ وممارسات مجتمع محافظ ومتضرع الى الله صباحا ومساءا هو الاخر ”كليشيه“ سخيفة تطلقها البرجوازية. انهم يقولون ان العلمانية غير مناسبة ”لبيئتنا وثقافتنا واعرافنا وتقاليدنا وديننا وشعائرنا واخلاقنا... الخ“. ولكن انظر: العكس هو الصحيح تماما. ان "اعرافنا وتقاليدنا وديننا وخرافاتنا وقوانين التمييز الجنسي الدينية ضد المرأة" هي التي تتناقض مع انسانيتنا ومع طموحات الناس في العيش بحرية ومساواة ومدنية. ان تلك الاعراف هي الخطأ وهي الرجعية وهي التي تقف حجر عثرة وليس الناس. الاعراف اصبحت عاجزة ومتخلفة ومقيدة لذا يجب كسرها. يجب نقدها وكشف محتواها. يجب فضح القوى التي تروجها وتبيان ماهي مصالحها في ترويجها. حسنا لا يمكن تغيير الدين الان، ولكن بامكانك كعلماني ان تطالب بان يكون الدين امر شخصي. انت لا تريد ان يتدخل الملله او الشيخ او الشريعة الاسلامية في ملابسك وكيفية تصفيف شعرك او لون قميصك. ابعد الدين عن حياة المجتمع واجعله امر شخصي. لن يمنع جعل الدين امر شخصي المؤمن من دخول الجنة حتما !.
العلمانية تجيب اذن على مطلب الناس وتزيل من امامهم طريق العبودية والتمييز والتخلف. ومن هنا اقول ان العلمانية ليست هي التي في ازمة بل القيم السائدة والقوى التي تحميها من دينية وقومية واثنية او تلك التي تسمي نفسها يسارية ولكنها تعتذر للاسلام وتحاول ايجاد الذرائع لابقاءه مسلطا على حياة الناس.
قبل اكثر من 20 سنة حين اصدر سلمان رشدي روايته الادبية ” ايات شيطانية “ افتى الامام الخميني بقتل المؤلف وخصص مكافأة مالية. اتذكر جيدا ذلك في اوائل الثمانينات مع سيطرة الاسلاميين على الثورة الايرانية بدعم الغرب. حينها اصطف المثقفون العرب بشكل عام ولكن شبه شامل خلف فتوى القتل وبشكل مخز لم ارى مثله من قبل. تابعت السجالات التي حدثت اثر تلك الفتوى الاجرامية وكان موقف الدكتور صادق جلال العظم جريئا وراديكاليا. لقد دافع عن حرية تعبير سلمان رشدي( رغم انه قصرها على حرية التعبير الفني) في حين ان وزير الدفاع السوري والمنتم الى حزب البعث الحاكم قد وبخه وانبه معتذرا للخميني ومبررا ان تلك هي ”اعرافنا وتقاليدنا وديننا ونبينا “ الخ. ومن يقول ان البعثيين هم علمانيون وان صدام حسين كان علمانيا وكذلك النظام في سوريا فليراجع تلك الوقائع وليرى موقفهم من الاسلام السياسي وكيف ان صدام حسين اعدم النساء في الشوارع وعلقهن باعمدة الكهرباء في حملته الايمانية وكتب عبارة الله واكبر على العلم العراقي. ان الحركة القومية العربية وحركة الاسلام السياسي كلاهما ينهل من الشريعة الاسلامية ومعاد لفصل الدين عن الدولة لان الدين بالنسبة لهما سلاح ماض في ترسيخ وادامة نفوذهما في المجتمع وممارسة القمع والاظطهاد. اليوم ليس ثمة قوة في المنطقة تحمل راية العلمانية غير القوة الاشتراكية والعمالية والنسوية التحررية. هل ان تلك القوى في ازمة. كلا. الافاق امامها مفتوحة وهي متخلصة من كل ما يكبلها من تحالفات طبقية رجعية. ان تقدم البشرية مرهون بالدفاع عن راية العلمانية.
مدارك: نتيجة لغياب التأسيسات النقدية والفكرية للحركات العلماتية في العراق تحولت الى نخب ذات نزعات نخبوية منغلقة بالمقابل ظهور نخب شعبوية رثة بدائية وهيمنتها على المشهد السياسي ، كيف تؤسسس الحركات العلمانية ذاتها الان ووجودها الموضوعي في تاريخ العراق الحديث هل عبر تفكيك بنية الدولة الريعية ام عبر نمو الطبقات الاجتماعية الوسطى ام الاندماج بالحداثة ،؟ وهل ان حقل التصورات للمجتمع العراقي الراهن يحمل داخلة بذور جماعات علمانية ؟
عصام شكـــري: لا ارى ان غياب النظرية او النظرية النقدية او ما تسمونه "التأسيسات النقدية والفكرية" هي السبب في تحول العلمانية في العراق الى النخب. ولكي اكون صادقا معكم فاني ارى ان هذا الطرح هو الذي يجعل من العلمانية نخبوية. ان الواقعية تقول ان العلمانية مطلب اجتماعي وليس نخبوي. العلمانية ليست نظرية نقدية ( كنظرية الاجور في الاقتصاد البرجوازي مثلا). انها بالاساس اعتراض؛ انها حركة اعتراضية ضد تدخل الدين في المجتمع المدني. وتلك الحركة الاعتراضية لها مطالب عملية سياسية وقانونية محددة منها مطلب فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم. يمكن اضافة مطالب حرية التعبير الكاملة غير المشروطة والمساواة التامة بين المرأة والرجل والخ. ان الدين اليوم صناعة business وهذه الصناعة جزء من نظام الانتاج البضاعي الرأسمالي. ان فهم دور الدين مهم لانني قلت ان العلمانية ايضا هي نضال او اعتراض طبقي. برأيي العلمانية كالاشتراكية لا يمكن تأسيسها في المكاتب بل في حمى النضال الاعتراضي العملي اليومي. ودون ذلك النضال عبثا تحاول ان تؤسس العلمانية كنظرية معرفية.
قد يقول قائل ولكن تلك العلمانية ارتبطت بتعاليم فولتير وجان جاك روسو وميرابو قبل الثورة الفرنسية. لقد بينت ان حركة هؤلاء كانت جزء من حركة اعتراضية لطبقة معترضة ومكافحة من اجل الاستيلاء على السلطة ولم تكن نزاع مثقفين. العلمانية ليست حركة فكرية محلقة فوق سماء المجتمع بل حركة مادية تعبر عن اعتراض حقوقي وقانوني ولكن فلسفي مادي ايضا.
تقوية الحركة العلمانية ورفع راياتها في العراق والدفع بمطلب في فصل الدين عن الدولة منوط برأيي بقوة ونفوذ الحركة الاعتراضية للطبقة العاملة والقوى الاشتراكية والشيوعية العمالية تحديدا. اقصد حركة الشيوعية العمالية بمعناها الاجتماعي وليس الحزبي فقط: اي تصعيد درجة حدة و قوة الاعتراضات ضد النظام الرأسمالي وتصعيد النقد للاسلام السياسي والاعتراض النسوي على التمييز والدونية باعتباره جزء من النظام الرأسمالي. ان اليسار المتحالف مع الاسلام السياسي اليوم اصبح يسارا تافها وعاجزا، مريضا ومأزوما يسير في ذيول قوى رجعية قرووسطية كحسن نصر ومقتدى الصدر وحركة حماس والجهاد الاسلامي والجمهورية الاسلامية. اما قيم التحرر الاجتماعي للمرأة والمساواة وفصل الدين عن الدولة فلم تعد من ضمن اهتمامات ذلك اليسار الذي يبدو ان السؤال يلمح لهم بوصف: "النخب المثقفة المعزولة".
الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي يرفع في نظريته وفي نشاطه العملي راية العلمانية ولا يفصلها مطلقا عن نضال العامل الاقتصادي من خلال مطلب فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم والنضال ضد الاسلام السياسي. تلك ليست نخبوية بل تجسيد لمطالب اوسع الطبقات الاجتماعية في العراق: العمال الذين سلبهم الاسلام السياسي كل قدرة على الاعتراض او التنظيم او التعبئة وشل نصفها (النساء) من خلال القمع والارهاب الاسلامي للشريعة وبميليشياتهم . اكرر القول المجتمع المعاصر في العراق مجتمع متمدن. ليس ذلك من قبيل اسقاط الفكرة على الواقع. انظر حتى في كربلاء والحلة والنجف والبصرة هناك تيار علماني قوي جدا داخل المجتمع. جماهير كربلاء لا تريد قوى الاسلام السياسي وقد وضحت الانتخابات الهزيلة جانبا من هذه الحقيقة. الافكار العلمانية قوية جدا والافكار الشيوعية والماركسية والمادية قوية. حتى المزاج الاجتماعي للمجتمع مزاج ساخر من الاسلام السياسي وايديولوجيته الخرافية واصبحت شخوصه وحتى رموزه المقدسة مثار للسخرية والتهكم.
ان الطريق لتقوية العلمانية في العراق يأتي لا من خلال "تفكيك الدولة الريعية" او "خلق البرجوازية الصغيرة او كما تسموها الوسطى" فتلك لا يمكن خلقها لانها اندثرت كليا مع تطور الرأسمالية. ان تقوية العلمانية تكمن في تصعيد النضال العلماني الاعتراضي. وكما بينت العلمانية تيار موجود في العراق، تيار حي وواقعي داخل المجتمع وبين الناس، في المقاهي والمدارس والجامعات والدوائر والمتاحف والقاعات الموسيقية، في صالات الفنون وفي المسارح؛ في الملاعب الرياضية وفي النوادي والمتنزهات، كل شئ في العراق يدل على ان الناس لا تريد الحياة الاسلامية ولا تريد "الحضارة الاسلامية" ولا تريد حجاب الاسلاميين وخرافات الاسلاميين وبكائياتهم المزيفة وممارساتهم السادية. كل شئ في المجتمع مدني. ان مهمتنا كعلمانيين هو في البروز كقوة علمانية، في رفع راية العلمانية وتحويل تلك الحركة وذلك الميل الى اكثر راديكالية وعمقا ونفوذا. ان ذلك منوط بنشاطنا العلماني وبمبدأيتنا وجرأتنا.
ادعو العلمانيين والناس الى الالتفاف حول مطالب وشعارات العلمانية تماما كما يطالبون بحقوقهم او زيادة الاجور او الضمانات وان يعتبروا ان العلمانية ستدفع بنضالاتهم الى الامام. اخيرا اقول ان العلمانية ليست ”ابادة للدين“ او ” ترويج الكفر“ كما يحاول ان يشيع الاسلاميون والملالي ومعهم الابواق الرجعية للصحافيين بل هي تحديدا تطالب ب ”فصل الدين عن الدولة وعن التربية والتعليم“ اي تحويل الدين من شأن عام يفرض على المجتمع بالقوة والارهاب الى شأن شخصي خاص بالفرد.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي قانون ؟!
-
حول البنك الدولي: سياساته واهدافه
-
وداعاً يا رفيق
-
البنك الدولي: الخصخصة للعراق والتأميم لامريكا
-
مقابلة - حول الانتخابات الامريكية والاوضاع المعيشية والانسان
...
-
البشر، من يكفلهم ؟
-
حذار حذار من الانسياق وراء سياساتهم
-
الجهاد ضد العلمانية الغربية !
-
هل تقبل النساء بترهات ملالي مجلس النواب حول أين تقف حدود مطا
...
-
لم تنته القصة بعد !
-
الفقر - حقائق واحصاءات
-
الالحاد والفكر المادي
-
الحل بيد الطبقة العاملة
-
اكاذيب الرئاسة
-
البشر لا الاديان !
-
كلاهما رجعي
-
فتنة - فلم يؤجج العداء والكراهية !
-
لِمَ يدافع أسقف عن تطبيق الشريعة في بريطانيا؟!
-
فشل الاسلاميين والقوميين في حل الاوضاع في العراق
-
حفظ الامن والنظام وهدنة الصدر!
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|