|
لعبة الاقنعه في مسرحية العانس للكاتب محي الدين زنكنه
اطياف رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 2607 - 2009 / 4 / 5 - 05:29
المحور:
الادب والفن
يتميز النص لدى المؤلف محيي الدين زنكنه بأنه نص مفتوح ذو مستويات دلالية عديدة . وهو يعتمد في إنشاء مستوياته تلك على إمكانيته الخلاقة في تثوير المفردات من خلال خلق المتناقضات لتلبس المعاني اقنعه تغرينا بالبحث والكشف . وأول هذه الاقنعة تبدأ في العنوان وهو ما يرشدنا الى الحياة الداخلية للنص في مفردة (العانس) التي توحي بمحورية وخصوصية لهذه الشخصية ،وقبل ان يدخلنا المؤلف الى عالم حكايته يضع امامنا بعد العنوان مباشرة اشارة يقول فيها (من الخيال اللاعلمي ). ومعروف ان المؤلف المسرحي يذكر بعض الاشارات فيما يسمى بارشادات المؤلف التي تكشف بعض الغموض الذي يكتنف النص المسرحي كونه نصا غير سردي لا يملك الكثير من التفاصيل ،
غير ان مؤلفنا اضافة كنوع من التمويه يقول في اشارته( من الخيال اللاعلمي) وانها (تخلق واقعا خرافيا مقصوداً ) فوضع الخيال مقابل الواقعي واللاعلمي في مقابل الخرافي . ولهذا فهو يقودنا بصورة غير مباشرة الى الشعور بان هذا الخيال على ما فيه من خرافة غير انه ممكن الحدوث في اي زمان ومكان.تبدأ المسرحية في مشهدها الاول بوجود المراة العانس وهي تضع مساحيق التجميل وتنظر في مراتها جالسة في مقر عملها، الذي نعرف بعد مساحة حوارية انه مكتب يستلم النصوص الثقافية بكل انواعها غير انه جهزبمقاعد من تلك التي تستخدم في رياض الاطفال من حيث الحجم . فقناع مساحيق التجميل هو محاولة لاخفاء عيوب شكلية ونفسية فرضتها حالة العنوسة اولا وتاثير المدير المسؤل عن هذا المكتب /السلطة ، التي تجعل من كل ما حولها الالات جامدة تسهل قيادتها ،وشخصية المدير التي تتخفي في قناع محقق الآمال ومنفذ المشاريع الثقافية غير ان هذه المشاريع والمخطوطات لا تلقى الا الحرق على يديه . فالأفكار عنده أمر سيئ يجب التخلص منه ( لكي يكون الانسان نافعا حقا .. لامن بد ان يفرغ من أفكاره . ويتطهر منها ا وان ينتعلها ويستجدي بها ) هكذا يعبر المدير عن الأفكار والمفكرين . وإذ تحرق الكتب / الأفكار فان نتائج هذا الحرق ، الدخان المتصاعد من مدخنة المحرقة والموجودة في حديقة قرب روضة للأطفال سيؤدي الى موت هؤلاء الاطفال . الامر الذي يحدث توترا وهياجا نفسيا لدى الناس ممهدا لظهور شخصية المواطن وقيادته لهذا التوتر وكشف حقيقة المدير . ومن ثم التمرد عليه ومحاولة قتله اثناء تشييع رمزي للاطفال احتجاجا على وجود تلك المدخنة(الغول المنتصب في وسط الحديقة الذي ينفث سمومه حارقا الخضرة والحياة ). شارك فيه المدير كنوع من التمويه وبدفع من العانس سكرتيرته لحضور ه من اجل ان تحظى بفرصة الاختلاء بالمواطن الذي توقعته شخصاً يحاول التقرب منها فاذا هو احد الاشخاص الذين يريدون طبع نص له ، يصدمها كون هذا الشخص ليس هو من تنتظر ، من يروي ارضها الجدباء ، ليس سوى مخدوع اخر تصور ان في هذا المكتب تحقيقاً لحلمه ،حينما تتفحص اوراقه تجدها سوداء ( ليس فيها حرف واحد)سوداء من الكتابة غير انها لا ترى ولا تميز ان الاسود هو لون الكتابة ، الفكر يلبس اللون الاسود على الورق وان كانت ترى بهذه الصورة اذن فان كل ما حرق هو البياض ، هو الفراغ وان حقيقة الفكر ما زالت موجودة ، وبينما هي منهارة يدخل المدير هاربا من حشد الناس التي اسقطت القناع عنه وكشفته يقول لها ان كل شيء سار على ما يرام وانه كان محاطا بالتقدير حتى ظهر شاب في الثلاثين قال للحشد ان الذي قتل اطفالنا (هو نفس الشخص الذي يحرق كتبنا ومخطوطاتنا ) ف(هجم علي كالنمر ومزق قناعي )، وما ان ينتبه لوجودها حتى يثور عليها ويقتلها .يرد تعبير الاقنعة ( اقنعة المدير) ثلاث مرات الاولى عندما تدخل الى المكتب شابة غاضبة من عدم طبع مؤلفها تقول (يا سادة ..قد تمزقت عن وجوهكم الاقنعة ) ( الاقنعة التي اخفيتم خلفها وجوهكم البشعة .. ورحتم تمارسون مختلف انواع الغش والخداع والكذب )فيتلمس المدير وجهه بصورة لا ارادية والثانية في اشارة المؤلف (ينزع شعره المستعار وينزع عن وجهه القناع ) والثالثة في حواره (هجم علي كالنمر ومزق قناعي )وعلى الرغم من هذه الاشارات فقد سبق ان تلمسنا وجودها في ظهوره من خلال حائط اسود خشن يهتز ويرتفع ليخرج هو من ورائه كتلة سوداء وينسحب كذلك بنفس الطريقة . ثم هو يخطب واعدا ب(احتضان الفكر الوليد والابداع الحديث في مناخ ديمقراطي يفجر طاقات الانسان ومواهبه الخلاقة ).فبين كتلة السواد التي يظهر بها وبين هذه الوعود الجميلة ثمة مفارقة تنبئ عن الوجه الحقيقي له.فشخصية المدير كما هي ايضا شخصية العانس من نوع الشخصيات التي (لا تصل الى هدفها وتسقط في النهاية بسبب عقبات موجودة داخل طبيعتها الذاتية ). (الشخصية المحورية) من هو البطل ... تكتسب شخصية العانس اهميتها اولا من خلال تصدرها في العنوان وفي فاعليتها ودورها المؤثر في تغيير مسار الفعل من مساره الافقي الى اللحظة الحاسمة بسبب من رغبتها في التخلص من الالية والجمود الى كائن تنبض فيه الحياة ، بذلك الوهم في ان هناك من يتطلع اليها كامراة في ان هناك منقذا ومخلصا .كذلك ما نجده في شخصية المدير من هيمنة سواء في لغته المراوغة حينا والحادة والمسيطرة حينا اخر ، غير انه كان محرَكا ، كما العانس، من قبل قوة شخصية صوتها كان واضحا ومؤثرا وهي شخصية المواطن .اذ كان له الدور الاعظم في تحريك الفعل ورغم ان هذا الحضور لا يملك شرط وجوده / الحوار الذي يمثل الكيان اللغوي للشخصية الا انه كان مؤثرا في بنية النص الدرامية ،ان البطل الحقيقي هو من يقوم بدفع الاحداث الى نقطة الذروة محققا اهم عناصر النص الدرامي وهو تطور وتنامي الحدث .وفي طبع موقف شخصي وحالة نفسية على باقي الشخصيات ،فهي تختلف بين العانس والمدير فبين الرغبة فيه مخلصا وبين الخوف منه مقوضا لكيان تسلطي تبرز أهمية هذه الشخصية ،بين السلطة التي تجعل كل من يحيطون بها كائنات مسلوبة الارادة والفكر والعواطف وبين الضميرالذي يتربص محركا ومؤثرا ومثورا الجمود ورافض للظلم وكاشفا للحقيقة . انه الروح الانسانية التي تخيف المستبد على الدوام . المسرحية تخلق واقعها وامكنتها وزمانها الخاص والمقصود ، فمعالم المكان تتحدد عناصره بشكل واضح من خلال الاشارات الى طبيعة المكان الذي تدور فيه المسرحية وهو مكتب اداري ، وكذلك الحديقة التي تنتصب فيها المدخنة وروضة الاطفال القريبة منها ، فالمكان معرف بين مكان للسلطة واخر للمتسلط عليه .كذلك الزمن فان المؤلف يدحرج لنا اشارات عنه تدل على تغير حاصل بين ماض قاس وبين حاضر اقسى (الشمس اللعينة لم تكن قط بهذه القسوة ،ماذا دهاها هي الاخرى ). فالمكان والزمان لم يكونا خرافيين بقدر ما اشرا علامات قابلة لان تكون في اي بقعه من العالم . لقد عقدت مسرحية العانس الصلة بين عقدتين سياسية وعاطفيه استطاع المؤلف بامكانياته الابداعية ان يرسم لهما مساحة لغوية معبرة وان يجمع خيوط الحقيقي وممكن الحدوث مع الخيالي والغريب ببراعة .
#اطياف_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاث قصائد
-
من الادب النسوي العراقي
-
تناغم الاجناس الادبيه في قصة (مشاهد من اجازه دوريه ) لضياء س
...
-
فصل آخر
-
جماليات نص البانتوميم مسرحية (ايها الطائر ..مكانك الفضاء)نمو
...
-
شجره/ اله
-
ريموت كنترول
-
مزاج سئ
-
شتاء ....
-
هذيان كالمطر
-
الصورة ونقيضها ..قراءة في نص الدرس ليونسكو
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|