|
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (4)
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 2607 - 2009 / 4 / 5 - 09:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(2) - تعريب الماركسية وضع الياس مرقص نفسه في مواقع المحاور الماركسي للحركة الشعبية القومية والديمقراطية ولقيادتها الناصرية، بأمل أن تتلقح الحركة الشعبية الأرقى في تاريخ العرب الحديث بالوعي الماركسي. وقد أدرك أنّ هذا العمل " ثورة كبرى "، كان شرطها توطين الماركسية في الواقع العربي، أي إعادة إنتاجها في هذا الواقع، بحيث تكون ماركسيته دون غيره، ملبية لحاجاته دون سواه، وليست ماركسية المجتمع البورجوازي التي وصلتنا في شكل معاد لماركسية ماركس، هو ستالينية، أيديولوجية الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، التي رأت في ثورة بلدانها تكرارا لثورة أكتوبر الروسية. وفي هذا السياق " أعاد الستالينية إلى المكان اللائق بها كأيديولوجيا مقطوعة الصلة بالماركسية والعلم، تفتقر إلى الروح الجدلية والترابط المنطقي والعقلانية، وتضرب عرض الحائط بأسس المعرفة العلمية وبالواقع ". لقد رفض مرقص الاعتقاد بأنّ الماركسية تتضمن حقائق معصومة، وأخذ يعيد اكتشاف أدواتها في الواقع العربي المتعين في الزمان والمكان العربيين. وقد وجد أنها ستكون حقيقية بقدر ما تعيننا على اكتشاف واقعنا بصورة مطابقة لذاته، وتساعدنا على تقديم قراءات مطابقة له. بهذا المعنى اكتسب واقعنا عنده أولية نسبية على النظرية، واكتسبت هذه قيمتها في نظره من كونها نظريته. لذلك أعاد إنتاج الماركسية عربيا، وأخذ يستخدم ما تتيحه من أدوات علمية متطورة للتعرف على واقع جديد بالنسبة لها هو الواقع العربي، بغرض " ضبط هذا الواقع وجرده " بأكبر قدر ممكن من الدقة والعلمية، وإنتاج الماركسية، حتى من جوانبها الفلسفية، كفلسفة توطنت في الواقع الجديد، الذي أسهمت في التعرف عليه فأسهم في تعيينها وإغنائها بخصوصياته. وطالما أنّ الماركسية لا تحمل طابعا إطلاقيا يضعها فوق الواقع، فهذا يعني أنّ الماركسيات قد تتباين بتباين الواقع الذي يتلبسها، وأنّ ماركسية ما ستكون أقرب إلينا من أخرى، لأنّ الواقع الذي تعالجه أقرب إلينا من غيره. إلا أنه يعني أيضا أنه لم توجد بعد الماركسية التي تغني عن الماركسية العربية، وإنّ " تعريب " الماركسية هو إعادة إنتاج كاملة لماركسية ماركس ولينين في ظروفنا، بحيث نتخلى كليا أو جزئيا عن ماركسية ماركس أو لينين أو ماوتسي تونغ ...، إما لأننا لسنا موضوعها، أو لأنّ الواقع المسجل فيها لا يشبه واقعنا. لقد وصّف مرقص مخاطر التيارين الشيوعي الرسمي والقومي التقليدي على حركة الثورة العربية، فهي " تكاد تختنق بين أيديولوجيا ماركسية عظمية تجريدية إقليمية، وأيديولوجيا قومية تاريخية وعاجزة عن تحقيق الأهداف القومية ". وضمن إطار الإشكالية التي وجّهت فكره وعمله (إعادة تأسيس العقلانية في الفكر العربي المعاصر، وإعادة بناء الوعي العربي والارتقاء به من وهدة التأخر والفوات إلى مستوى العصر الحديث)، فقد انتقد الفكر القومي على اختلاف تياراته وتلاوينه، كما كان من السباقين إلى نقد الماركسية، ولا سيما الدوغمائية الستالينية ونسختها العربية، وكشف النقاب عن طابع الأخيرة " الاقتصادوي " ومنهجها الوضعاني. وكتب مرقص، منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، مقالته الشهيرة حول " الستالينية والمسألة القومية "، فنّد فيها نظرية ستالين في الأمة، وبيّن تهافتها وتضاربها مع الواقع التاريخي للأمم المختلفة. كما كشف التشويه والتحريف الذي ألحقته الستالينية باللينينية، حين أهملت الكثير من الحقائق الواقعية، وشوهت العلاقة بين الممارسة والنظرية، خاصة عندما اعتبرتها " جاهزة وكائنة وليست صائرة إلا بنسبة محدودة. وظيفة الممارسة أن تثبتها وتبررها، وهي لا تسهم في تكوينها إلا بقسط محدود ثانوي وتافه ". وحدد عناصر الظاهرة الستالينية في عدد من الخصائص: البيروقراطية والقيادة الفردية والشوفينية الروسية والمذهبية الفكرية، حيث وصلت إلى ذروتها في العام 1952 " استشراء البيروقراطية، والإرهاب البوليسي، أزمة خانقة في الزراعة، انخفاض مستوى معيشة الجماهير، جمود وتحجّر في ميادين النشاط الفكري ... أزمة مكبوتة في الدول الاشتراكية وعلاقاتها الاقتصادية. تعثّر في السياسة الخارجية ... الديمقراطية المتمثلة في مجالس السوفييت سقطت منذ زمن بعيد، ثم ألغي دور الحزب الشيوعي ولجنته المركزية، فقد انقضى 13 عاما بين المؤتمرين الثامن عشر والتاسع عشر، واستعاض ستالين عن المكتب السياسي المؤلف من 13 عضوا بمجلس خماسي أو سباعي يدعوه للاجتماع بين وقت وآخر، مستبعدا الأعضاء الآخرين في المكتب السياسي". إنّ أبرز نقد وجهه الياس مرقص للستالينية ورد في كتابه " الماركسية في عصرنا " حول تعريف ستالين للأمة في علائمها الأربع، حيث قال " إنّ هذه العلائم ذات أهمية بالغة. غير أنّ ستالين أحالها إلى علائم مطلقة وكأن العلم الاجتماعي ضرب من الجبر. إنّ مقولة الأمة مقولة مرنة، ديالكتيكية (قابلة للزيادة والنقصان). فالأمة الهندية لا تتوفر فيها وحدة اللغة، وهي مع ذلك أمة ... إنّ تعريف ستالين المشتق من تجربة محددة في الزمان والمكان (أوروبا البورجوازية الصاعدة) لا يمكن تحويله إلى أداة عامة كونية ". وعن طبيعة الحركة القومية، كما رأها ستالين في العام 1925، كتب مرقص " إنّ ستالين على حق في تأكيده أنّ المسألة القومية أصبحت في محتواها الأساسي مسألة فلاحية. هذا من الوجهة النظرية. ولكن، عمليا وسياسيا، إنّ تحوّل الحركة القومية إلى حركة للفلاحين وللجماهير الكادحة أمر لا يتحقق ولم يتحقق في جميع البلدان في وقت واحد: في أعقاب ثورة 1917، وكذلك القيادة البروليتارية للحركة. يجب التزام الوقائع المشخصة في دراسة كل حركة قومية ". لقد انطلق الياس مرقص في نقده للأحزاب الشيوعية العربية من وقوعها تحت تأثير الفهم الستاليني للماركسية، حيث قال " وقد دفع خالد بكداش وأقرانه في البلاد العربية منهج التفكير الستاليني إلى نهايته شبه المنطقية. رفضوا القيام بأي دراسة مجدية للأشياء الحسية، واعتبروا الحقائق العامة أمورا تنبثق من الفراغ، فقلبوها إلى صيغ مجردة صرفة، واستنتجوا من هذه الحقائق العامة والصيغ المجردة وضع الشعوب العربية وتاريخها ومستقبلها ". لذلك اعتمدوا على المخطط العام المشتق من دراسة المجتمع الأوروبي، وعزلوا الماركسية عن جذورها التاريخية الواقعية الحسية، وبالتالي فقدت حيويتها وأصبحت ترسيمات ميتة عن مراحل تطور المجتمع الإنساني. وعلى هذا الأساس، فقد رأى أنّ هذه الأحزاب، عدا استثناءات محدودة، ظلت خلال الفترة الممتدة من العشرينيات وحتى منتصف الخمسينيات ترتكب أخطاء جوهرية فيما يتعلق بخطها السياسي وتنظيمها " ليس المهم تبنّي الماركسية قولا وصراخا، ولكنّ المهم تمثّل الماركسية ". ثم تساءل عن أسباب فشل الأحزاب الشيوعية في العالم العربي ؟ فرأى أنّ الأسباب ذاتية في الدرجة الأولى، لأنّ التحوّل الثوري كان ممكنا، وقد حدث ولكن خارج إرادة هذه الأحزاب وفي غيابها عن ساحة العمل الجماهيري، وإلى حد ما ضدها. وقد استنتج من تجربته في الحزب الشيوعي السوري " أنّ الحزب لن يقدر على محاورة الحركة الشعبية بالزاد الفكري والمعرفي والأيديولوجي الرث الذي يقتات منه، وأنّ تجدده الفكري والثقافي هو شرط نجاحه في الحوار والاندماج في أوسع حركة شعبية عرفها التاريخ العربي ". لقد كان مرقص يرمي إلى مصالحة الحزب مع مجتمعه ومع الواقع، وكان يتطلع إلى جسر الهوة بينه وبين الشعب، بدفعه نحو تبديل جذري لاختياراته المعرفية والسياسية، وبإحداث قطيعة حقيقية ونهائية بين واقعه القائم وبين ما يجب أن يكون عليه. لكنّ جولاته التثقيفية، التي كان يقوم بها بين منظمات الحزب، جعلته يرى في الجهل معضلة الحزب الكبرى، ويتيقن أنه جهل وظيفي، وليس مجرد افتقار إلى المعرفة. إنه جهل ينبع من بنية معينة مترسخة في الحزب، محمية بقوة قيادته. (3) - نقد الفكر القومي كان نقد الياس مرقص للشيوعيين يضعه مباشرة في خندق القوميين، ولكنه استخدم الأدوات النظرية نفسها ليدين حملة الفكر القومي على الفكر الماركسي، إذ قال " باسم الفكر القومي انتشرت أيديولوجيا انتقائية، مثالية، غيبية، تحتقر الحياة المادية وتكره الاقتصاد السياسي، منحت نفسها صفة الأصالة العربية. ولم يكن (الفكر القومي الأصيل)، في رده وهجومه على الفكر اللاقومي، إلا مزيجا من أفكار برغسون وفيخته ونيتشه وشبنغلر وغيرهم ". ويعتبر كتاب مرقص " نقد الفكر القومي - ساطع الحصري " الذي ألّفه مباشرة عقب كتابه " الماركسية في عصرنا "، بداية مشروعه في نقد الفكر القومي، وإعادة تأسيس نظرية الثورة العربية الاشتراكية، اعتمادا على نقده للستالينية. وكان حجر الأساس في بناء نقده للفكر القومي هو أنّ القومية مبدأ تقدمي " فقد تضمنت القومية جوهرا إيجابيا هو الطموح إلى الاستقلال القومي والوحدة القومية، النزوع إلى تكوين الدولة القومية كمطلب ضروري من مطالب التقدم التاريخي ". غير أنّ هذا الجوهر محدد في فكر الياس مرقص بحدين: النشوء والتكوّن التاريخي من جهة، وصراع الطبقات من جهة ثانية. وفي إطار نقده للفكر القومي عند الحصري، أكد أنّ تحقيق الفكرة القومية العربية مندمج في الصيرورة التاريخية لنضال شعوب الأمة العربية، مما يستوجب النظر إلى ماضي الأمة من خلال تاريخها المشخص " ... والمطلوب دراسة تاريخ الأمة الواحدة، وبتعبير أدق تاريخ نشوء وتكوّن هذه الأمة، أي تاريخ نشوء وتكوّن مقوّمات الأمة ... والأمة حقيقة تاريخية. فالتاريخ ليس عاملا يضاف إلى عوامل، إنه طبيعة الوجود، طبيعة وجود كل العوامل، والمطلوب دراسة تكوّن هذه العوامل، ونشوء الأمة التاريخية المستقرة. بينما الحصري يضع الأمم فوق التاريخ، حيث لا نجد في كتبه أمة تتكوّن، فالأمة هي الإطار " الطبيعي " لأحداث التاريخ عنده. أما بالنسبة لعامل اللغة، فإنّ مرقص يستعرض تاريخ نشوء اللغات الحديثة بالتواكب مع تطور الأمم الاقتصادي والسياسي، ويبين أنّ مضمون الفكر مستقل عن اللغة، وأنّ الرموز ليست هي التي تحدد المضمون بل يحدده الواقع، فالفكر انعكاس عن الواقع. لكنّ اللغة ليست علامة طبقية بل علامة قومية، وهي ترتبط بعملية الإنتاج لكنها لا تنبع من نظام اقتصادي محدد. لقد ميّز مرقص بين التطور الداخلي للغة، الذي هو نشوؤها وتكوّنها كلغة، وبين التطور الخارجي الذي هو تكوّنها كلغة قومية. وأكد أنّ التطور الداخلي ليست له صلة محددة بتطور المجتمع والإنتاج والأيديولوجيا، في حين أنّ التطور الخارجي يبرز اللغة من حيث أنها ظاهرة اجتماعية لها امتدادها البشري - الإقليمي، ولذلك يرتبط تاريخها بالتاريخ العام للأمة. ومما قاله في ذلك " إنّ دور العامل اللغوي في التوحيد والفصل، يبدأ قبل فيخته بقرون كثيرة ويتعاظم تدريجيا مع نمو الاقتصاد البضاعي والبورجوازية والرأسمالية. هذا ما تبينه الماركسية - اللينية. أما الحصري فهو لا يرى سير هذا النمو المتدرج في دور اللغة ". وعن الأرض المشتركة، فقد سلّم الحصري بأهمية الأرض لكنه لم يجعلها من مقوّمات الأمة، لأنها - حسبما ذكر - خاضعة لسيادة الدولة وقوتها، فهي من لوازم الدولة الأساسية، في حين أنّ الأمة لا يكون لها أرض مشتركة إلا إذا كوّنت دولة قومية واحدة. في حين أنّ مرقص انتقد موقف الحصري، وأكد على اعتبار الأرض عاملا من عوامل الأمة " الأرض موضع تمييز بين الأمة وبين الجماعات ما قبل القومية: العشائر، القبائل المتنقلة، واتحادات القبائل شبه المستقرة. إنّ استقرار هذه الجماعات في الأرض وتمازجها واختلاطها مع السكان الأصليين هو بداية تحطّم العلاقات والروابط القبلية، وبداية تكوّن علاقات وروابط جديدة، إقليمية - قومية. إنّ تكوّن الأمم لا ينفصل عن هذا الاستقرار في الوطن القومي، وبالنسبة للأمم الأوروبية، إنّ تكوّن اللغات القومية لا ينفصل عن هذا الاستقرار في الوطن القومي. وبالنسبة للحياة الاقتصادية المشتركة، لم يدخل الحصري هذا العامل في منظومته عن تكوّن الأمة، فالمصالح الاقتصادية " ليست ظاهرة ولا ثابتة ". كما أنه يفصل القومية عن المنفعة " إن القومية لا تنشأ من المنفعة. إنها عاطفة تصدر من أعماق النفس لا فكرة تتولد من ملاحظات العقل "، ويخلص الحصري إلى القول: إنّ الحياة الاقتصادية المشتركة لا تتيسر إلا بعد تكوين الدولة القومية، فيجب أن تعتبر من نتائج تكوين الأمة واستقلالها، لا من عوامل تكوينها. وقد رد على الماركسية - اللينينية التي لخّص ستالين موقفها من دور العامل الاقتصادي في تكوين الأمة. بينما تناول مرقص المسألة قائلا " من الملاحظ أنّ ستالين يقول (الحياة الاقتصادية المشتركة)، ولا يقول (المصالح الاقتصادية المشتركة). ذلك لأنّ ستالين الماركسي لا يجهل (تضارب مصالح الجماعات داخل الأمة الواحدة). وبالأصح تعارض مصالح الطبقات، مصالح الطبقتين البورجوازية والبروليتارية، داخل الأمة البورجوازية ... فالحياة الاقتصادية المشتركة ليست ميدان توّحد المصالح فحسب، إنما هي أيضا وبالدرجة الأولى ميدان تصارع المصالح في إطار عملية الإنتاج الواحدة. وهناك علاقة جدلية بسيطة بين التصارع والتوحد لا يمكن أن تصل إليها السوسيولوجيا الشكلية المقطوعة عن التاريخ وعن الاقتصاد ". أما التكوين النفسي المشترك، فإنّ الحصري يقول: إنّ السجايا القومية لا تتعلق بالطبقات، فقد نشأت قبل الطبقات، ولا تتعادل مع اللغة، فالإنكليز والأمريكان مختلفون. وهي تشمل على نحو ما الوعي والشعور والعادات والتقاليد والآمال، فهي تعني الأوصاف السيكولوجية لأمة التي تتجلى في بعض خصائص الثقافة كالمشيئة والدين، وكلاهما يؤثّر في الروابط القومية، لكنه يقرر أنّ الرابطة الدينية وحدها لا تكفي لتكوين القومية. ويوافقه مرقص على ذلك " إنّ الملاحظات التي سجلها الحصري حول الدين والقومية صحيحة - إلى حد كبير ـ ولعلها من أفضل ما كتبه "، لكنه شعر أنّ الحصري قد ضاءل من دور الدين في تكوين القومية، ومن الدور الذي يلعبه في حياة الأمم وحتى في الوحدة القومية أو عدمها، لذلك قال " على الصعيد النظري العام يمكن القول: لقد كان الدين الأيديولوجيا الوحيدة للشعوب، في عصر تكون الأمم الأوروبية. وعلى هذا الأساس، فقد أعطى هذه الشعوب عددا من العناصر التي دخلت في شخصيتها القومية ". أما بالنسبة لنظرية المشيئة، فقد رفضها الحصري، على اعتبار أنّ الألزاس - اللورين كان سكانها ألمانا لكنهم ساندوا الثورة الفرنسية ضد الأمراء والكهنوت في منطقتهم. وقد أجاد مرقص في شرح الظروف التي نشأت فيها هذه النظرية، ولخصها بقوله " صارت فرنسا، في وعي وشعور وذاكرة شعب الألزاس تتعادل مع الأرض والحرية، وصارت النمسا الألمانية تتعادل مع الإقطاعية والاستبداد ". وهكذا فإنّ هذه المسألة " المشيئة " تثير مسألة الدولة - القدوة ، أو القدرة على خلق نظام أفضل تكون له جاذبية تستقطب الشعوب المقهورة، لذلك فإنّ مرقص علّق على الموضوع بتوسع " إنّ عدم إعطاء قيمة قومية لعنصر (الطموح إلى مجتمع أفضل) مما يلفت النظر في نظرية قومية محورها الروابط المعنوية. ومؤلفات الأستاذ الحصري تخلو من تعريف للملامح النفسية في الأمة، بالرغم من أنه قد ذكر (الطابع الخاص) في جملة العناصر التي أوجدتها (أهم صفحات التاريخ)، إلى جانب (الثقافة الأساسية واللغة الحية). يبدو إذن أنّ الطابع الخاص لا يعني هذا الطموح إلى مجتمع أفضل، إنه لا ينفصل عن وحدة اللغة. وهكذا فإنّ عامل (وحدة التاريخ) ينحل كليا في عامل (وحدة اللغة). حقا، إنّ الأمة عند ساطع الحصري ما هي إلا الجماعة اللغوية ". (4) - الديمقراطية والمجتمع المدني لقد أقام مرقص نظريته في الديمقراطية على ثلاث أفكار أساسية: أولاها، الفرد الحر المستقل ركيزة بناء الأمة وتطورها، بحيث يكون غياب الـ " أنا أفكر " سبب ضياع الـ " نحن " وتبديده، وبالتالي فالأمة توافق بين الأفراد. وثانيتها، الديمقراطية لا الليبرالية، فالديمقراطية ليست هدفا وطريقا وأداة في العمل السياسي وحسب، بل هي أيضا، موقف في نظرية المعرفة. هي موقف اعتراف بالكائن والواقع، بذات الواقع والتاريخ، موقف اعتراف بالبشرية الأمية صانعة التاريخ. وثالثتها، المجتمع المدني، باعتباره قضية الشعب، وكينونة المجتمع ذاتها، وهي أيضا قضية الوحدة القومية، الوحدة العربية. إنّ مفهوم الأمة عند مرقص مؤسس على مفهوم الديمقراطية، بكل منطوياتها المعرفية والفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، الديمقراطية بما هي حقوق الإنسان والمواطن، وفكرة الأكثرية الانتخابية الحرة التشكلية، وحق الاجتماع وحق تشكيل الجماعات، وحق الاختلاف. لقد أيقن الياس مرقص أنّ الماركسية لا يمكن أن تتضمن كل الحقيقة، ولا يمكن أن تكون الحد الذي تتوقف عنده المعرفة الإنسانية، فقد كان ماركسيا متحررا من صنمية النص، لأنّ انتسابه إلى هذا الفكر لم يكن انتسابا عصبويا. وفي الوقت نفسه انتقد مثالية وذاتية النظرية القومية. كما سعى، بفكره وتنظيره، إلى تقديم تركيب نظري بين القومية والماركسية، إذ اكتشف أنّ المسألة القومية قد جرت معالجتها بشكل خاطىء من قبل كثير من المفكرين الماركسيين، ومن قبل الأحزاب الشيوعية، ومن قبل الحركات التي حملت راية القومية. وقد يكون مصدر نجاحه أنه كان باحثا عن الحقيقة وليس ساعيا وراء السلطة.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (3)
-
أسئلة ما بعد - انتصار - حماس
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (2)
-
الماركسيون العرب والمسألة القومية العربية (1)
-
أي سلام مع حكومة نتنياهو ؟
-
موسم المصالحات العربية
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (6)
-
زمن المحاكمات الدولية
-
آفاق التحول الديمقراطي في العالم العربي
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (5)
-
القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (4)
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (3)
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (2)
-
توجهات السياسة الخارجية التركية
-
المفكرون الماركسيون والمسألة القومية (1)
-
الاتحاد المغاربي .. إلى أين ؟
-
الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (4)
-
الأسس النظرية لأهم قضايا المسألة القومية (3)
-
مفاهيم ومصطلحات أهم قضايا المسألة القومية (2)
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|