|
استراتيجية اليد الممدودة للرئيس اوباما
عبد الحميد العيد الموساوي
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
واشنطن- طهران وإستراتيجية اليد الممدودة للرئيس أوباما
بقلم:د. نيكولاس مارتين لالند(*). ترجمة: د عبد الحميد العيد الموساوي(**). [email protected]
منذ (30) عاماً مضت غذت العديد من القضايا والمنازعات الثنائية، الخصومات الدبلوماسية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية، والجمهورية الإسلامية في إيران، بيد أن الأهمية الجيوبوليتيكية لإيران، وتلاقي المصالح حول العديد من الرهانات الدولية الكبرى، ورغبة الرئيس الجديد الأمريكي (باراك حسين أوباما) بالبدء بإستراتيجية اليد الممدودة، يمكن أن تمثل أو تجسّد مقدمة لعلاقات عمل بناءة. وقائع القطيعة المعلنة بين الولايات المتحدة وإيران: تعد الخصومات الأمريكية- الإيرانية نتاج تنازع نفوذ جيوبوليتيكي، الذي انكبت عليه واشنطن وطهران في الساحة الشرق أوسطية منذ أن بدأت واشنطن تلعب دوراً مهماً فيها، ففي المنطقة، أي منطقة الشرق الأوسط، تتحرك كل واحدة منهما، وتعمل من اجل توسيع منطقة نفوذها، وحصر منطقة نفوذ الأخرى، وفيما ترفض الخطابات الدعائية لإحداهما التوسّع الثوري الشيعي-تصدير الثورة-، تدين الأخرى التدخل الامبريالي الغربي في المنطقة، وتتصاعد التوترات، وتتصادم المصالح هناك، فيما تشتدّ المنافسة الإستراتيجية إلى حد الانزلاق نحو النزاع، وفي الأثناء، ولان كان النزاع دائماً نزاع خفي ومقنّع ، فأن واشنطن وطهران لم تتحاربا أو تتقاتلا إلى حد الآن. تقليدياً، تتهم الولايات المتحدة الأمريكية إيران بالسعي جاهدةً إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل، لاسيما الأسلحة النووية منها، وبأنها عرّابة الإرهاب الدولي، وترفض الاعتراف بدولة إسرائيل، وتساند المعارضة العنيفة لعملية السلام في الشرق الأوسط، وتهدد بقيادة نشاطات تخريبية ضد جيرانها( زعزعة استقرار أفغانستان، وإرباك الأوضاع في العراق، ومحاولة تشكيل حلف مضاد دبلوماسي استراتيجي بديل لهندسة الأمن الجماعي الإقليمي الذي ما تزال واشنطن محركه الأساس)، وتنتهك حقوق الإنسان، ومن ناحيتها تتهم إيران الولايات المتحدة الأمريكية بأنها وراء قيادة عملية (أجاكس) في العام 1953م، وبأنها قد ساعدت عدوّها في تطوير منشآته لإنتاج الأسلحة الكيميائية في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية في الأعوام(1980م-1988م)،وبأنها قد أسقطت طائرة مدنية لشركة الخطوط الجوية الإيرانية في العام 1988م، كما قامت بتجميد الأرصدة الإيرانية منذ العام 1979م، وعملت على مساندة بعض التنظيمات الإرهابية المعارضة الإيرانية(منظمة مجاهدي خلق (OMPI)، والحزب من اجل الحياة الأفضل في كردستان PJAK)، والتحريك السياسي للحركات الاثنية الاستقلالية( حركة البلوش في سيستان-بلوشستان، والعرب في خوزستان، والأكراد في الشمال الغربي، والاذريين في الشمال)، والمحافظة على الحضور والوجود العسكري المهم في أربع دول مجاورة هي:(العراق، وتركيا، وأفغانستان، وباكستان)، وانتهاك حرمة الأجواء الإيرانية بشكل غير شرعي منذ العام 2003م. وتعود الخصومة في الحقيقة إلى تاريخ 19 آب العام 1953م، إذ كانت العلاقة الثنائية آنذاك حميميةً جداً بينهما، إذ أن الولايات المتحدة الاميريكية كانت الشريك الأول لإيران اقتصادياً وعسكرياً، لكن البرلمان الإيراني (المجلس) قام بتأميم الصناعات النفطية في العام 1952م، مضراً بذلك بالعديد من الشركات البترولية الغربية، وفي مقدمتها الشركة النفطية الانكليزية- الإيرانية، وفي صيف العام 1953م، قرر كل من الرئيس الأمريكي (دوايت آيزنهاور)، ورئيس الوزراء البريطاني (ونستون تشرشل) الإطاحة برئيس الوزراء الإيراني الوطني، المنتخب ديمقراطياً، (محمد مصدق)، وتقديم المساعدة للإمبراطور السابق الموالي للغرب، الشاه (محمد رضا بهلوي) للصعود إلى العرش، وقد نظمت وكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، ونظيرتها البريطانية (M16)، بشكل سرّي تظاهرات الاحتجاج في سبيل زعزعة استقرار الحكومة-(عملية أجاكس)-، وقد جسّدت تحركات شهر آب مقدمة لتدخلات الحكومات الأمريكية المتعاقبة في الشرق الأوسط: سياسات تدخليه، امبريالية- جديدة ومحافظة تتميز باللجوء إلى العمليات السرية، والانقلابات المضادة. وقد زادت الثورة الإسلامية على يد آية الله (الخميني) في العام 1979م، خطورة العداوة بينهما، ففي شهر شباط، أعلن آية الله روح الله (الخميني) شعاره: الاستقلال، والحرية، والجمهورية الإسلامية، وقام بطرد الشاه من السلطة، وكذلك رئيس وزراءه (شاهبور بختيار)، وقد احلّ محل الملكية، الجمهورية الإسلامية وهكذا بدأ الرجل الأول في النظام الإيراني يراجع السياسة الخارجية الإيرانية بشكل جذري تجاه الدعم المقدم من الشاه السابق، لاسيّما الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ومن هناك فصاعداً طرحت السياسة الخارجية الإيرانية الثورية محورين: طرد التأثيرات الإقليمية الخارجية- لاسيّما التدخلات الغربية. تصدير الثورة الإسلامية. وفي شهر تشرين الثاني من العام 1979م، احتجز الطلبة الإيرانيون الرهائن البالغ عددهم (52) من موظفي السفارة الأمريكية في طهران، وتحت ضغط الرأي العام الأمريكي قطع الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) العلاقات الدبلوماسية مع النظام الثوري في نيسان من العام 1980م، ويسجّل العام 1979م، كذلك ولادة التحالف الاستراتيجي بين طهران ودمشق، وكان الرئيس (حافظ الأسد) من ضمن الأوائل ممن اعترفوا بنظام الخميني في إيران، وكان الوجه السيئ لتحالفه القديم آنذاك، أنه قدم الدعم في أثناء الحرب العراقية- الإيرانية إلى قائد الثورة الإيرانية ضد الرئيس العراقي المجاور (صدام حسين). وقد ساعدت سوريا إيران كمناوب لها للتأثير والنفوذ في الشرق، وكوسيط لها من اجل تمويل (حزب الله)، الركيزة الأساسية للتحالف ، وأسهمت في حصر التأثير الإقليمي للولايات المتحدة الاميريكية، ودعم (حزب الله) في لبنان، وحركة حماس في فلسطين. وقد تكرّس هذا التحالف عبر التوقيع على العديد من الاتفاقيات، ومنها: اتفاق التعاون الاستراتيجي (2004)، ومعاهدة للدفاع المتبادل (2006)، واتفاق للتعاون العسكري بينهما في العام (2007). وقد اتبعت إيران في أثناء الحرب الباردة طريقاً ثالثاً استقلالياً، ورفعت شعار "اللاءات" تجاه الكتل من "الأمم الخائنة" : لا للغرب ولا للشرق، لا لرأسمالية "الشيطان الأكبر"الأمريكي، ولا إلى اشتراكية "الشيطان الأصغر" السوفييتي، وبعد انتهاء النظام ثنائي القطبية، انتهت إلى مناهضة الامبريالية حصراً إلى مناهضة الولايات المتحدة الأمريكية، ومناهضة الصهيونية. وغداة أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م، خوّل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد (علي الخامنئي)، الأجهزة الأمنية الإيرانية المتخصصة بالتعاون مع نظرائهم الأمريكيين ضمن مفهوم تقديم المعلومات الإنسانية، ومن ثم التنفيذ (عبر تقديم الدعم اللوجستي) في أثناء عملية (Enduring Freedom)، وبعد ضبط السفينة (Karine A) عند تفتيشها، (وهي سفينة نقل للأسلحة الإيرانية باتجاه السلطة الوطنية الفلسطينية)، تحت الضغط من الحليف الإسرائيلي، اظهر الرئيس الأمريكي (جورج بوش) نفسه ككافر بالنعمة: عندما ضمّن إيران في خطابه الاستراتيجي يوم 29 كانون ثاني 2002م، ووصفها بأنها أحدى دول "محور الشر". وفي العام 2003م، وضع الرئيس الثالث والأربعين بملقط الجنين نظاماً جديداً في العراق المجاور، وهكذا وعن طريق تشديد العقوبات الأحادية الجانب ضد النظام الإيراني، وعن طريق رفض التخلّي صراحةً عن نظرية تغيير النظام تجاه إيران، وعرّض بذلك مقاربات الرئيس الإيراني الإصلاحي والمعتدل (محمد خاتمي) الذي كان يبحث عن طريق الوفاق على أخراج طهران من عزلتها الدولية. وقد تولى الرئيس المحافظ (محمود احمدي نجاد) في آب العام 2005م، و صرّح علانيةً، وبشكل مباشر العودة إلى تخصيب اليوارنيوم- الذي كان قد أوقفه الرئيس (خاتمي)-، معلناً انه لغايات مدنية من اجل تطوير قدرات أنتاج الكهرباء انطلاقاً من الطاقة النووية. و قد عرض هذا الهدف، وكأنه هدف مشروع (طبقاً للقانون الدولي)، وشرعي (لوجود أجماع وطني عليه داخل إيران)، وإذا كانت إيران لم تنتهك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الذي سبق ان وقعت عليه (بخلاف إسرائيل)(1)، فإنها على العكس من ذلك تنتهك اتفاق (باريس) الذي تم توقيعه منذ سنتين من قبل مع ألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة. ففي سنوات الخمسينات كان الرئيس الأمريكي (دوايت أيزنهاور) هو الذي ساعد الشاه الإيراني آنذاك في أطلاق البرنامج النووي الإيراني (في أطار الاتفاقية الثنائية، وبرنامج "الذرة من اجل السلام")، ومن ثم التحقت بها كل من ألمانيا، والاتحاد السوفييتي، و لكن في العام 2003م، أبدت الدول الغربية الشك حول طبيعة البرنامج أكان برنامجاً مدنياً، أم عسكرياً؟، لشكهم في كونه يتضمن شقاً عسكرياً، كما أن الضمانات لم تكف، والتي قدّمها المرشد الأعلى عندما أعطى الفتوى في العام 2004م، بأن بلده لن يسعى أبدا إلى امتلاك السلاح النووي، وإن إيران ستكتفي بالحصول على التكنولوجيا المدنية فقط. ولأنهم قد جرّبوا التاريخ الانفعالي لإيران – وبعد الاكتشاف الحديث للبرنامج النووي العسكري السري، ومعارضة إيران للزيارات التفتيشية التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية (AIEA)، وعن طريق التعاون مع كوريا الشمالية، وباكستان في سنوات التسعينات من اجل تطوير قدراتها الباليستية، والتكتم عن إعلان برنامجها النووي سابقاً، فأن العواصم الغربية تعذرت (تحججت) بإسقاط الحجة. لقد اعتقدوا أن طهران ارتكبت جرماً ما، ومع ذلك، وفي شهر حزيران من العام2006م، رفض النظام الإيراني عرض الأعضاء الدائمين الخمسة+ واحد (P5+1)، (الخمسة أعضاء الدئميين، فضلاً عن ألمانيا)(2)، قبالة التزام إيران بتطابق برنامجها النووي مع المعايير الدولية، ومع إطلاق قمرها الصناعي الأول، ووضعه في المدار الفضائي في بداية شهر شباط من العام 2009م، صعّدت الجمهورية الإسلامية من قلق الدول الغربية، لان هذه التكنولوجيا يمكن إن تكون بكل بساطة، موضوع تطبيقات عسكرية: فعن طريق دخولها النادي الضيّق الذي يضم عشر دول فقط مالكة لقدرات وضع الأقمار على المدار، فان إيران بإمكانها امتلاك الصواريخ الباليستية بعيدة المدى بكل بساطة ، وتخشى العواصم الغربية بصورة خاصة أن لا تتجاسر طهران ومندوبيها المسلحين من غير الدول (حزب الله الشيعي، وبدرجة اقل حركة حماس السنية)، وتحثّ مندوبيها على ممارسة المساومة الدبلوماسية، وتصعيد حدة الإرهاب الدولي، وان تقود إلى انتشار السلاح النووي بالتدرّج في المنطقة: المملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا، وربما الإمارات العربية كذلك، وتصفع النظام الدولي لحظر الانتشار المتمثل في معاهدة (TNP)، وبالنسبة للعواصم الغربية، "فإن امتلاك إيران للسلاح النووي هو أمر غير مقبول ولا معقول". ونظراً لسلبيات عمليات القصف الجوي الاستباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية(3)، فأن أدارة الرئيس بوش محورت سياستها لحضر الانتشار حول زيادة التكاليف- الدبلوماسية، والاقتصادية، والتجارية- إذا ما أصرّت إيران عن طريق سلسلة من العقوبات الأحادية الجانب، والمتعددة الأطراف، مع منع الحليف الإسرائيلي وردعه للجوء إلى الضربات الجوية الاستباقية المنتقاة. وهنا يتبادر للذهن السؤال الآتي: كيف ستكون طبيعة التحدي النووي بالنسبة للنظام الإيراني؟:هل هو غاية في حد ذاتها أو مجرد وسيلة؟ بكل تأكيد أن امتلاك السلاح النووي يسمح بتراكم المكاسب السياسية، والدبلوماسية، والإستراتيجية، إذ أن السلاح سيعمل على تأجيج ورفع الروح الوطنية في إيران، ولفت الأنظار عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في أثناء الانتخابات القادمة، ويعمل على حماية الأراضي الإقليمية وتحصينها، ويزيد من مكانة إيران على الساحة الدولية. إلا أن النظام الإيراني (كما النظام الكوري) لا يمكن أن يركن إلى السلاح النووي بمفرده لضمان استمراره، فبالنسبة للقوى "الصغيرة" أو "المتوسطة"، فان الطموح النووي هو وسيلة أكثر منه غاية في حد ذاتها لذلك، فهي ورقة إضافية واقعية يمكن كشفها كخدعة أو حيلة في لعبة البوكر الدولية. واقعياً،حيث أذ الاستمرار في برنامج نووي عسكري هو عملة مبادلة تستخدم في إطار مساومة كبرى- مفاوضات شاملة عوضاً عن مفاوضات خطوة خطوة- من اجل لفت الاهتمام الدولي، وانتزاع تنازلات في مقابل التخلي عنه، وضمن إطار مفاوضات مستقبلية محتملة مع إدارة الرئيس (اوباما) حول أفغانستان، والعراق، ولبنان، والتعاون في مجال الطاقة والتنمية الاقتصاديين في الوقت نفسه، فان البرنامج النووي بالنسبة لطهران هو عبارة عن: " ورقة المساومة" في سبيل انتزاع تنازلين اثنين من واشنطن: • الضمانات من اجل استمرار النظام الإيراني. • والاعتراف الواضح والجلي بنفوذها الإقليمي. وفيما عدا بعض اللقاءات السرية النادرة (مع إدارة الرئيس (رونالد ريغان) في أثناء سنوات الثمانينات مع فضيحة إيران- كونترا)، فأن العلاقات الدبلوماسية الثنائية ظلت منقطعة منذ العام 1979م، ومنذ ذلك الوقت فان الإدارات الأمريكية قد قادت سياسات تراوحت طبقاً للمصالح المتبعة تجاه الحكومات الإيرانية. فعلى امتداد طيف واسع يمتد من التعاون إلى المواجهة ، تذبذبت هذه السياسات بين الانخراط في الحصر، مرورا عبر الاتفاق، والمنافسة، والضغوطات، والعقوبات الأحادية الجانب( على سبيل الذكر: قانون العقوبات ضد ليبيا/ إيران في العام 1996م) الأهمية الجيوبوليتيكية لإيران، وتماثل المصالح الوطنية: تكتسب إيران أهمية جيوبوليتيكية، وجيواستراتيجية، وجيواقتصادية كبرى، بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، أولا/: قيمة جيوبوليتيكية، فهي قوة إقليمية، (إذ تحتل المرتبة (17) عالمياً من حيث المساحة)، وديمغرافياً (الترتيب السادس عشر عالمياً)، وهي قلعة كبرى محاطة بسلسلة من الجبال ومحيط)، وان إيران هي دولة – امة متعددة الأعراق والطوائف، راسخة في بوتقة هوية امبريالية موروثة عن الإمبراطورية الصفوية. وهي تسعى جاهدة إلى نسج روابط وثيقة مع منظمة المؤتمر الإسلامي، وحركة عدم الانحياز التي هي عضوةً فيها. وفي الوقت نفسه يتحكم الإقليم الإيراني في مضيق هرمز، الذي تعبر منه قرابة (40%) من الصادرات النفطية العالمية، وهي خط ربط بين البحر المتوسط، وشبه القارة الهندية، وتشكل "مفتاح القبة" (للحزام الشيعي) الذي يضمّ المجموعات الطائفية الإقليمية الموالية للسلطات الدينية الإيرانية. ومن ثم قيمة جيواستراتيجية، إذ أن إيران تمثل مصداً قبالة التوسّع الروسي، وهي منطقة عازلة بين روسيا الاتحادية وشبه الجزيرة العربية، ومنحدراً نوعاً ما لحماية الواجهة الشرقية للحليف التركي، ومحوراً كان قدره وما يزال تحقيق الاستقرار في المناطق الغنية بالنفط من القوقاز وآسيا الوسطى. وأخيراً قيمة جيواقتصادية، إذ تمتلك إيران ثاني احتياطي للنفط والغاز المكتشف على المستوى العالمي، وهي رابع مصدر للنفط في العالم، وغنية كذلك بالاحتياطات من الفلز، والمعادن. وتتقارب المصالح القومية الأمريكية والإيرانية، وتتلاقى إلى حد التماثل، إذ أن كل واحدة منهما لها المصلحة في الاستقرار الدائم، والسيادة، والوحدة الإقليمية، في أفغانستان، والعراق،إذ ترغب الولايات المتحدة الأمريكية في منع تشكيل وإقامة ملاذ امن للإرهاب، وتعزيز وتقوية الأنظمة الصديقة كي تتمكن من سحب جيوشها، وتخشى إيران من التهديد الاصولى (تنظيم القاعدة، وحركة طالبان- اللذان شكلا لها تحدياً منذ العام 1998م)، وتتطلع إلى مد دوائر نفوذ مصالحها عبر نقاط التناوب المتمثلة في المجموعات الاثنية القريبة، منها: (العرب الشيعة في العراق، ولاسيّما أن السلطات الجديدة في العراق كانت في طهران أيام اللجوء في عهد نظام البعث). ومن جانب أخر/ تجتهد إيران في منع تقسيم الدولة العراقية، إذ أنها تخشى من أن ذلك سيؤجج التهديد الانفصالي الكردي، وهو تهديد لوحدتها الإقليمية، واستقرار لنظامها القائم. وفي تموز من العام 2007م، أقرّ المؤتمر الثاني الثلاثي المنعقد في بغداد بشكل شبه رسمي المصالح المتبادلة للولايات المتحدة الأمريكية، وإيران، والعراق، عندما انشأ جهازاً دائماً من اجل عقد حوار ثنائي أمريكي- إيراني حول الرهانات الأمنية الأمريكية، إذ أن كل واحدة منهما لها مصلحة في محاربة الأصولية السنيّة في أطار" الحرب الشاملة ضد الإرهاب"، فالولايات المتحدة الأمريكية ترغب في أضعاف تنظيم القاعدة (الإرهابي) الذي يهدد مباشرة مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية، وتخشى إيران من أن تتغير صورة الزعامة الثورية في مناهضة الامبريالية، ومناهضة الغرب في العالم الإسلامي، وتفتك منها. اليد الممدودة للرئيس اوباما: بعد (30) عاماً من انقطاع العلاقات الدبلوماسية، هناك اليوم عوامل عدة ملائمة للوفاق، وإرساء الثقة المتبادلة التي من الممكن أن تمثل مقدمة لعلاقة عمل بناءة. وبكل تأكيد، ما تزال هناك عدة عراقيل ،أولا/: التوقيت الأمريكي، إذ أن الرئيس (باراك اوباما) لا يرغب في أن تشجّع مبادراته الدبلوماسية على إعادة انتخاب (احمدي نجاد) الذي يحظى بشعبية واسعة خلال انتخابات حزيران 2009م، القادمة في حين يظهر الوضع الحالي (احمدي نجاد) ضعيفاً أمام الناخبين نظراً للأوضاع الاقتصادية المتردية (15%) من البطالة، و(30%) من التضخم ، وتراجع سعر برميل النفط إلى الثلث، والأوضاع الاجتماعية: (8 مليون إيراني تحت خط الفقر، وافتقار الطبقة الوسطى)، والأوضاع السياسية (خسارة المحافظين للانتخابات البلدية في العام 2006م)، والأوضاع الدولية: (تدهور العلاقات مع الغرب، وزوال تعاطف الناخبين العراقيين تجاه المجلس الإسلامي الأعلى في العراق، والذي هو الشعاع الرئيس للنفوذ الإيراني في العراق)، إلا أن الرأي العام الإيراني يمكنه أن يفسّر بداية المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، كـ(انتصار) يضاف إلى الرصيد السياسي للرئيس الحالي (احمدي نجاد)، والأسوأ من ذلك: أن الرئيس (نجاد) يمكنه التفكير في وضع حد لذلك، ورفض استقبال العرض لغايات انتخابية، ولهذا السبب تردد الرئيس الأمريكي الجديد حول اللحظة المناسبة لمد يده إلى إيران: قبل أو بعد الحملة الانتخابية؟ ومن ثم الحسابات الانتخابية لـ(احمدي نجاد). وعلى العكس، فان الرئيس الإيراني المحافظ يتردد في قبول اليد الممدودة للولايات المتحدة الأمريكية نظراً لأنه يخشى الكلفة السياسية الداخلية للمصالحة مع (الشيطان الأكبر)، في الوقت الذي كانت مناهضة الولايات المتحدة الأمريكية تعدّ أحدى مرتكزات الهوية الإيرانية من (30)عاماً. وأخيراً تبعاتها السياسية، وريما سيكون المبعوث الخاص للرئيس (بيل كلينتون) في الشرق الأوسط، (دنيس روس) مبعوثاً خاصاً للرئيس الجديد إلى إيران(***)، علماً أن المبعوث (دنيس روس) من أنصار التشدد الدبلوماسي تجاه الجمهورية الإسلامية، اذ ينادي بمزيد من الضغط الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وقطع العلاقات التجارية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي، ويحافظ (باراك اوباما) من جانب أخر على (وليام برنس)، مساعد وزير الخارجية للشئون السياسية الذي يشارك ويحضر بهذا الصدد في اللقاءات مع (P5+1)(الدول دائمة العضوية الخمسة فضلاً عن ألمانيا). ومع ذلك، فالرئيس الأمريكي الجديد يضاعف من ضمانات التغيير في الشكل والأسلوب، ولكن كذلك في العمق، (أي في المبادئ)، وقد انخرط الرئيس (اوباما) في مراجعة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران في مجملها، وليس في إعادة ضبط سياسة الرئيس بوش وتغييرها فقط، ومن اجل تجاوز القوالب الإستراتيجية الجاهزة، فإنه يرغب في التجديد، و التحريك ،والسعي بان يبدأ عهده مع إيران بـ(إستراتيجية اليد الممدودة النابعة من الرغبة الصادقة): فقد شجّع علانية السلطات الإيرانية على (أطلاق أشارات)، و(أرخاء القبضة)، وأكد الرئيس (اوباما): أن معالجة الرهانات الدولية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة في (الاستقرار في أفغانستان، وتماثل العراق للشفاء والنقاهة، وحضر الانتشار النووي) تعني بالنسبة لواشنطن: التعاون مع طهران، وقد تأمل للمستقبل في أقامة (علاقات احترام متبادلة)، فيما أرسلت وزارة الخزانة الأمريكية الآن أشارة عندما أدرجت (PJAK)، على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وبعبارة أدق أن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد للقيام بتنازلات. وقد اتخذ حلف شمال الأطلسي (NATO)، قرارات تسمح لأعضائه الذين لهم قوات موجودة على مسرح العمليات في أفغانستان بالتفاوض مع طهران حول طرق بديلة للتموين والإمدادات. ومن ناحيتهم، فان السلطات الإيرانية تبدي نوعاً ما من اللين أن لم يكن من الانفتاح، وأن الوضعية الجيوبوليتيكية لإيران تجبر الحكام الإيرانيين على قراءة واقعية للعلاقات الدولية،إذ أن كل دولة معزولة نسبياً على الساحة الدولية، ومن اجل إدامة مصالحها الوطنية تتطلب نوعاً من المرونة الاديولوجية، وذلك هو السبب الذي دفع آية الله (الخميني) إلى القبول في أثناء الحرب ضد الجمهورية العلمانية العراقية أن تستخدم إسرائيل كوسيط من اجل الحصول على أنظمة الأسلحة المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية (قضية إيران- كونترا)، واليوم وبمناسبة الاحتفالات بذكرى (30) عاماً على ثورة الإمام (الخميني)، فأن المحافظ المتطرف (محمود احمدي نجاد) قد صرّح: بان بلاده مستعدةً للحوار المباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية على قاعدة "الاحترام المتبادل"،و بكل تأكيد أن هذه الانعطافة لا تخلو من خلفيات انتخابية بعد أن قدم الإصلاحي (خاتمي) ترشّحه للانتخابات القادمة(****)، كذلك الحال وفي النظام السياسي الإيراني لا تعود مسئولية اتخاذ القرار السياسي الخارجي إلى رئيس الجمهورية، إذ أنها تعود بالنهاية إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، لكن ومن اجل إعطاء مصداقية لسياسته الانفتاحية، فأن (محمود احمدي نجاد) يفترض، ويقترح بأن يعقد هذا الحوار مع أعلى السلطات في إيران، مع آية الله العظمى (علي خامنئي). ويمتلك (باراك حسين اوباما) هامشاً واسعاً من الخيارات من اجل الموافقة على بعض المطالب الإيرانية، وإرساء الثقة المتبادلة، ومحاولة الخروج من المأزق الدبلوماسي، إذ أن باستطاعته تلطيف العقوبات الأحادية الجانب ضد طهران، ولاسيّما إلغاء تجميد الأرصدة الإيرانية، ولذا فأن بإمكانه استعادة الحوار بدون شروط مسبقة، ومعناها: دون اشتراط فرض تعليق تخصيب اليورانيوم، وقبول المفاوضات الشاملة حول مجمل النزاعات المطلوب تسويتها، ومجمل الخلافات والنزاعات المطلوب تصفيتها ، وان من الممكن كذلك التخلي صراحة عن نظرية تغيير النظام والاعتراف بمركز فاعل وإقليمي كبير لإيران. ومهما كانت خياراته يبدو أن هناك عرضيين أمريكيين لا يمكن تجنبهما أو الالتفاف حولهما: إعطاء السلطات الإيرانية فرصة للخروج من الأزمة بشكل جدير بالاحترام يسمح لهم بعدم فقدان مكانتهم، وإعطاء إيران فرصة الاندماج في أحضان الهندسة الأمنية الإقليمية، الأمر الذي يعطي ضمانة أمنية لمصالحها الإستراتيجية، ويردعها كتحصيل حاصل من امتلاك السلاح النووي الذي تنتفي أهميته عند ذلك. -------------------------------------------------------------------------------------------------------- (*) باحث/ مركز راؤول داندوران للدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية - كندا. (**) مدرس/كلية العلوم السياسية- جامعة بغداد.
(1) المادة(5) من معاهدة TNP)) تسمح للدول التي لا تمتلك السلاح النووي تطوير برامجها النووية المدنية.
(2) هذا العرض يتضمن كذلك اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوربي، والدخول إلى منظمة التجارة العالمية(OMC)، وتخفيف العقوبات أحادية الجانب الأمريكية، وبيع مفاعل نووي يعمل بالماء الخفيف، وتقدم ضمانة للحصول على الوقود النووي، والمساعدة لتحديث صناعات النفط والغاز، ودعم فكرة قيام منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
(3) مثل هذه الضربات ستكون: • على الأفضل غير مؤكدة، حتى وان كانت عدة ومتكررة، (نظراً لتشتيت المواقع وتخفيها)، وأنها سوف لا تعمل سوى على الإصرار على مواصلة البرنامج. • على الأسوأ غير مجدية، • انها ستقود إلى ظاهرة الاصطفاف وراء الحكومة القائمة. • انها ستقنع طهران بشكل نهائي لا رجعة عنه بالبحث على امتلاك قدرات الردع الاستراتيجية لحماية الاراضي الايرانية مهما كانت التكاليف والاثمان. • وتؤدي الى ضغوطات تقليدية نوعا ما ضد القوات الامريكية في العراق، والقواعد الامريكية في الشرق الاوسط، والحلفاء السياسيين-العسكريين للولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، وعبر طرقات عبور النفط.
(***) وقد اختارت وزيرة الخارجية (هيلاري رودام كلينتون) المبعوث السابق لسلام الشرق الأوسط (دنيس روس) ليكون أرفع مستشاريها بالنسبة لمنطقتي الخليج وجنوب غرب آسيا. وهو منصب يشمل المساعدة في صوغ جهود حكومة الرئيس أوباما للانخراط مع إيران.
(**** ) لقد أعلن انسحابه لاحقا لمصلحة (مير حسين موسوي).
المصدر: Washington- Teheran: Vers une relation de travail Constructive? Nicalas-Martin LALANDE Chaire Raoul-Dundurand en etudes strategiques et diplomatiques- CANADA Mars 2009.
#عبد_الحميد_العيد_الموساوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعود إلى عام 1532.. نسخة نادرة من كتاب لمكيافيلّي إلى المزاد
...
-
قهوة مجانية للزبائن رائجة على -تيك توك- لكن بشرط.. ما هو؟
-
وزيرة سويدية تعاني من -رهاب الموز-.. فوبيا غير مألوفة تشعل ا
...
-
مراسلنا: تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيرو
...
-
الرئيس الأمريكي: -أنا زوج جو بايدن.. وهذا المنصب الذي أفتخر
...
-
مسيرة إسرائيلية تستهدف صيادين على شاطئ صور اللبنانية
-
شاهد.. صاروخ -إسكندر- الروسي يدمر مقاتلة أوكرانية في مطارها
...
-
-نوفوستي-: سفير إيطاليا لدى دمشق يباشر أعماله بعد انقطاع دام
...
-
ميركل: زيلينسكي جعلني -كبش فداء-
-
الجيش السوداني يسيطر على مدينة سنجة الاستراتيجية في سنار
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|