|
كفاكم استئساداً على -المبادرة-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:30
المحور:
كتابات ساخرة
لولا "مبادرة السلام العربية".. لولا وجودها.. لولا الإبقاء عليها ولو إلى حين..
لو دَعَوْنا خصومها ومعارضيها ورافضيها إلى ملء الفراغ، أو تحويل تلك النُقَط إلى كلمات وجُمَل، لَفَهِمْنا وفسَّرْنا، بفضلهم، كل، أو معظم، أو جزءاً كبيراً من، السوء في الحال السياسية والتفاوضية.. والإستراتيجية للعرب على أنَّه الثمرة المرَّة لتلك المبادرة، التي لو أمكنها أن تدافع عن نفسها لقالت إنَّها هي من الثمار المرَّة لسوء الحال العربية؛ لقد أنتجتها الأحوال السيئة للعرب قبل أن تشرع هي (وربَّما من أجل أن) تضيف إلى تلك الأحوال مزيداً من السوء.
أمَّا لو دَعَوْنا أهلها وذويها والمحامين عنها إلى أن يفعلوا الشيء ذاته لشقَّ عليهم الأمر وتعذَّر، ولأشفقنا عليهم قائلين إنَّ الله لا يكلِّف نفساً إلاَّ وسعها، فليس من نتيجة إيجابية واحدة يعتدُّ بها يمكن نسبها إلى "المبادرة" مُذْ وُلِدَت "عَظْمَة"، أو مُذْ تولَّت القمة العربية في بيروت كسو تلك العَظْمَة بشيء من اللحم، الذي لو لم تُكسَ به لاستسهلت إسرائيل قبولها، والوقوف منها موقفاً إيجابياً. وهذا الشيء من اللحم إنما كان، على وجه الخصوص، وفي المقام الأول، تضمين "المبادرة الجنينية" عبارة "ضرورة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بما يوافق القرار الدولي الرقم 194، وعلى نحو متَّفَق عليه بين المتفاوضين".
ولقد ظل الجدل في أمر المبادرة أسير السؤال بـ "هل"، والذي هو بحكم طبيعته لا يسمح إلاَّ بإجابة من قبيل "نعم"، أو "لا"، فهل لمؤيديها ومعارضيها أن يقفوا منها موقفا يتعدى "نعم"، أو "لا"، إذا ما سُئِلوا أسئلةً من قبيل "هل أنت مع المبادرة ؟"، أو "هل أنت مع الإبقاء عليها ولو إلى حين؟".
إنَّ هذا الجدل سيظل على فقره، ولن يغتني سياسيا وفكريا، ولن يغدو، بالتالي، مُنْتِجا لفرق حقيقي في المواقف بين المتجادلين، إذا لم نتخطَ "هل" إلى "لماذا"، فالمجيب بـ "نعم"، أو "لا"، ينبغي له أن يعلِّل إجابته.. أن يقول لنا لماذا هو مع المبادرة، أو لماذا هو ضدها؛ لماذا هو مع الإبقاء عليها، أو لماذا هو ضد الإبقاء عليها.
في قمة الدوحة، سمعتُ الرئيس السوري بشار الأسد وهو يقول إنَّ "إسرائيل الشعب"، وليس "إسرائيل الحكومة" فحسب، ترفض المبادرة والسلام..، وإنَّ هذا قد ظهر وتأكَّد إذ صوَّت معظم الناخبين الإسرائيليين (تصويتا حرَّاً لا ريب في حريته) تأييداً لبرامج حزبية هي قلبا وقالبا ضد المبادرة والسلام..
هذا قول لا ريب في صدقه، فالمجتمع الإسرائيلي أظهر وأكَّد أنه يجنح لأحزاب وبرامج سياسية ولمبادئ وأفكار وأشخاص.. لا جامع يجمعها إلاَّ العداء للمبادرة والسلام..، فإذا شذَّ بعض الإسرائيليين عن هذا الإجماع فهذا إنما يعني، ويجب أن يعني فلسطينيا وعربيا، أنَّ هؤلاء الشاذين يحاولون إقناعنا ببديهية هي أنَّ الاستثناء يؤكِّد، ولا ينفي، وجود القاعدة!
قلتُ إنَّه قول لا ريب في صدقه؛ ولكنه لا يعبِّر إلاَّ عن نصف الحقيقة، فهل نستنتج من قول الرئيس الأسد إنَّ المجتمع الإسرائيلي، وعلى الرغم مما نشرناه في الصحافة الإسرائيلية من شروح وتفاسير للمبادرة وأهميتها وجدواها ومزاياها، قد عبَّر عَبْر انتخابات الكنيست الحادي عشر عن عدائه لمبادرة السلام العربية، أنَّ "المجتمع العربي"، وليس الحكومات العربية فحسب، يؤيِّد المبادرة، ويدعو لها بالتوفيق، ومستعد للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل نجاحها، وإعلاء كلمتها؟!
لو قيِّض لـ "الشعب" في الدول العربية، التي تبنَّت، أو أقرَّت، المبادرة، والتي من قبل، ومن بعد، أشهرت إيمانها بأن السلام مع إسرائيل (الكافرة بالسلام) هو خيار العرب الإستراتيجي، أن يقول كلمته في المبادرة، في الطريقة الإسرائيلية ذاتها، أي عبر انتخابات حرَّة..، لما استغربنا ودهشنا إذا ما قال قادة إسرائيل: ليس في دنيا العرب من مؤيِّد للمبادرة والسلام مع إسرائيل (الكافرة شعبا وحكومة بالسلام) إلاَّ الحكومات العربية، وإنَّ الشعوب العربية قد أظهرت وأكَّدت، في طريقة ديمقراطية لا لبس أو شك فيها، أنَّها لا تقل عن "الشعب الإسرائيلي" عداءً للمبادرة وللسلام.
إننا نعلم أنَّ السلام لا يكون إلاَّ مع أعداء، أو بين أعداء، فوجود العداء، أو العداء المتبادل، إنَّما هو في حدِّ ذاته خير دليل على وجود الحاجة، أو الحاجة المتبادلة، إلى السلام.
والرئيس الأسد أحسن صُنْعاً، هذه المرَّة، إذ أضاف كلمة مهمة إلى هذه البديهية إذ قال إنَّ السلام لا يُصْنَع مع "عدوٍّ يكفر بالسلام"، فشتَّان ما بين عدوٍّ يؤمن بالسلام وعدوٍّ يكفر به.
المنادون بـ "سحب" المبادرة؛ وأنا لستُ منهم مع أنني ضدها، عَظْمَةً وعَظْمَةً كسيت لحماً، تشاءموا إذ قرأوا "القرار" و"البيان"؛ ولكنهم سرعان ما تفاءلوا (ولو قليلاً) إذ سمعوا الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يقول، وكأنَّه يتهدد ويتوعَّد، إنَّ العرب ليسوا قوماً من الأغبياء أو السذَّج ليبقوا مستمسكين في مبادرتهم إلى يوم يبعثون، منتظرين أن تتكرَّم إسرائيل بقبولها، فالمبادرة لن تبقى حيث هي، أي على الطاولة، زمناً طويلاً؛ ولسوف يجتمع العرب مع نهاية 2009، أو مع بداية 2010، لـ "يقوِّموا" الأمر، فإذا اقتنعوا بأنَّ إسرائيل قد جنحت، أو توشك أن تجنح، لقبول المبادرة، مضوا في التزامها قُدُماً، وإذا لم يقتنعوا فإنَّهم سيقولون، عندئذٍ، كلمتهم.. لقد أساءوا فهمه، فتفاءلوا! وللمنتظرين أمراً، جَعَلَهُ ضعفهم كمعجزة، نقول إنَّ نتنياهو قد قال لهم إنَّ أوَّل الغيث قطر، فها هو يؤلِّف حكومة "السلام الاقتصادي"، الذي إنْ "سيَّسه" فلن يسيِّسه إلاَّ بما يسمح ببناء "سلام سياسي" من حجارة "حل الدولتين"، المدمَّر أكثر من قطاع غزة.
وكأنه في قوله هذا يريد أن يقول لهم أيضا لا تضيِّعوا وقتم (غير الثمين) في ارتقاب معجزة أن تقبل إسرائيل في عهدها السياسي التلمودي الجديد مبادرتكم، فها هي "رودوس" وقد جَعَلْتُها على مرمى حجر منكم، فمن أراد القفز منها، أو زعم أنه قادر على ذلك، فَلْيَقْفِز الآن، غير منتظِر نهاية 2009!
"المبادرة"، التي لستُ معها، بل أقِف ضدها، تحتاج حقَّاً إلى ما نسميه "التفعيل"، الذي هو، بحسب رأيي، كناية عن إعادة كتابتها بكثير من "الدم الإسرائيلي"، في معنييه الحقيقي والمجازي، فالعرب الذين امتلكوا أخيراً ما يكفي من مقوِّمات "فن الإكراه" هم فحسب الذين في مقدورهم أن يُقْنِعوا إسرائيل، ولو كان ليبرمان رئيس وزرائها، بأهمية وضرورة وجدوى ومزايا مبادرتهم.
إسرائيل، في الظاهِر، هي قاتِل "المبادرة"؛ أمَّا في الباطن فلا قاتِل لها إلاَّ أصحابها، الذين فهموا السياسة على أنها "فن إضعاف الذات"، فأظهروا لإسرائيل من "ضعفهم الإستراتيجي"، الذي لا فرق بينه وبين ذلك "الخيار الإستراتيجي"، ما أغراها بقتلها، وبقتلها كما قتلت الأطفال في قطاع غزة، أي بدم بارد.
وللمبادرين دائما إلى الإبقاء على مبادرتهم، ولو لا يبقي علينا طول بقائها، أقول لِتُعِدُّوا لنجاح مبادرتكم، أي لجعلها حقيقة واقعة، ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، فالعيب الخَلْقي في مبادرة السلام العربية هو أنها وُلِدَت بلسان فحسب، فكيف لها أن تُقْنِع "العدو الكافر بالسلام" بأهميتها وهي التي خُلِقَت على مثال خالقيها، لا أنياب لها، ولا أظافر، يسعون لها وكأنَّهم في صلاة استسقاء؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!
-
غساسنة ومناذرة جاءوا إلى الدوحة!
-
ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!
-
-الاحترام-.. حلال على حكومة نتنياهو وحرام على الحكومة الفلسط
...
-
أوباما ينفخ في -وول ستريت- ما يشبه -روحاً إسلامية-!
-
التَّحدِّي اللغوي!
-
-الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
-
في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
-
-أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
-
شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
-
على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
-
وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
-
-الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
-
أزمة -مقالة الرأي-!
-
-العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
-
حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
-
رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
-
أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
-
-إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
-
-تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|