محمد أبوعبيد
الحوار المتمدن-العدد: 2603 - 2009 / 4 / 1 - 08:27
المحور:
الادب والفن
المدرك الحقيقي لمكنون ومضمون الثقافة، هو أشد الأشخاص إعجابا بغيره المثقف، وربما هو الأكثر حسداً له على ما امتلكه من مخزون ثقافي في داخله، والمقصود هنا الحسد الحميد لا الخبيث. ولعل هذا ما حدا بالبعض إلى استثقاف نفسه ،بمعنى إسقاط صفة المثقف على نفسه ظناً بأن الإسقاط هذا سيعني التوصيف الصحيح والدقيق له.
كلمة ثقافة هي كلمة مستحدثة في اللغة العربية، ومنها المثقف، وبالعودة إلى الأصل الثلاثي للكلمة سنجد أن المعنى الأصلي مختلف عما تعنيه "ثقافة" حالياً، كما أن الكلمة لم يرد ذكرها في القرآن الكريم ولا حتى في الأحاديث النبوية. الأمر عينه ينطبق على معناها في اللغة الإنجليزية حيث إن جذر الكلمة يأتي بمعنى الحراثة .لذلك ينعدم التعريف الدقيق لكلمة "مثقف" التي يمكن الاستعانة بتعريف ابن خلدون للأدب لتعريف الكلمة، والذي يقول: " الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف " .
إنطلاقاً من هذا التعريف، وإن ما زال ضبابياً، يظهر المستثقِف من المثقَف. فأهم أعراض مرض الاستثقاف، هو استخدام كلمات ومصطلحات ذات دلالات عميقة، تم حفظها عن ظهر قلب، في سياق حديث سطحي يغصّ بالإسفاف ويوجع القلب. كما أنها (أي المصطلحات الكبيرة) لا توظَف في مكانها الصحيح لجهل مردِدها بمعانيها ومضامينها، ظاناً أن التلفظ بها هو شهادة على "عمق ثقافته".
هل لكم أن تتخيلوا معي مَن لا يعرف العزف على آلة موسيقية، فينقر على أوتارها أو يضرب على مفاتيحها، أو ينفخ بها ،وكونه لا يعرف السلالم الموسيقية ولا قواعد العزف، فإن ما سنسمعه منه هو حتما نوطات موسيقية، لكنها خبط عشواء، لذلك لن نسمع سوى الفوضى الموسيقية والنشاز. ذلكم حال المستثقف الذي يتفوه بنوطات الثقافة وكلماتها الوفيرة، من دون أدنى إجادة لقواعد الكلام وأسس الحديث ، فلا نسمع سوى النشاز أيضا وكل ضروب فوضى الكلام .
#محمد_أبوعبيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟