عمار الدقشة
الحوار المتمدن-العدد: 2601 - 2009 / 3 / 30 - 08:23
المحور:
الادب والفن
أحببتها.. عشقتها.. تخيلتها فاتنةً جميلة، كمعشوقة "بجماليون" التي أبدعها قلم الرائع توفيق الحكيم.
فاتنتي تلك لم أرها إلا عبر كلمات جدتي الآتية من خلف الزمن، حيث نفثتها في أذني يوم كنت صغيراً.
قرية حمامة الساحلية الجميلة العذراء، التي دافعت عن شرفها، ولم يفلح من راودها طيلة ستين عاماً في أن يمس خصلةً من شعرها، الذي تهدل على شاطئ المتوسط.
تلك هي معشوقتي التي أحببتها دون أن ألمسها، وتخيلت شكلها دون أن تكتحل عيناي برؤياها.. وقال الشعراء بعد ذلك إن هذا هو الحب العذري.
قريتي الجميلة الرائعة.. التي جثا المتوسط عند قدميها طيلة عقود وعقود، ولكنه لم يحظْ بقلبها، فغدر بها حاملاً إليها صنوفاً شتى من البشر، حاولوا هم أيضاً أن يراودوها فصدتهم.
تلك هي قريتنا أنا وأبي وجدي.. التي وُلدت أنا وأبي خارجها، ومات جدي وجد جدي لأجلها، ولكن شغفي بها أسكنها في داخلي وأسكن خيالي في داخلها.
ربما موروث الوفاء هو من ولَّد بداخلي كل هذا العشق..
أو لربما صدمةُ جدي ومرضه، يوم أن زارها عام 83 ورأى غيره يحاول احتضانها عنوة..
وقد تكون سنوات وسنوات من السجن والمنفى، التي حملها إلي دم شهيدٍ سقط على أرضها، وقالوا إنه جد أبي.. هي مردُّ الهيام السرمدي بها.
أو لربما غير ذلك.. إذ عجز كل علماء النفس بنظرياتهم وأسفارهم العملاقة أن يفسروا ظاهرة الحب الإنساني..
لا أدري.. ولكن الحب وقع، وكان ما كان..
أسرتني بهواها، ولكن قلبي لم يقبل أن يكرر تجربة أسرها مرةً أخرى؛ فعشقتها حرةً طليقة.
* في ذكرى يوم الأرض.
#عمار_الدقشة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟