أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ميثم الجنابي - طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني















المزيد.....

طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2600 - 2009 / 3 / 29 - 09:15
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إن الفكرة القائلة بنهاية التاريخ، لها تاريخها العريق في الأسطورة والدين والفلسفة. لكنها حالما تنتقل إلى ميدان الفكر السياسي، فإنها تصبح جزء من صراع البدائل. فالنهاية المفترضة في التاريخ هي الصيغة "المنطقية" لرؤية النهاية في كل وجود من اجل معرفة حدوده. كما أنها تستمد مقوماتها من نهاية الإنسان والدول والإمبراطوريات والحضارات، مع بقاء الحياة ودبيبها فيما تدعوه لغة الشعر والآثار بعبارة الآمال والأحلام. وهو دبيب يتمثل مختلف مكونات ومظاهر الصراع العلني والمستتر، العنيف والسلمي بين الجديد والقديم، والاجتهاد والتقليد، والحرية والاستبداد، أي بين المكونات الملازمة لوجود الأفراد والجماعات والمجتمعات في مجرى معاناتهم للبحث عن بدائل أرقى وأفضل. وهي معاناة لا يتحمل ثقل وطئتها على العقل والضمير والوجدان غير ميدان السياسة بوصفه عالم الآمال والأحلام، أو ما دعته تقاليد الثقافة العربية الإسلامية بعبارة "الآفاق والأنفس".
وليس مصادفة أن تصبح السياسة مبدأ ومنتهى الفضيلة، وميدان تجريب الفرضيات الكبرى والصغرى للعقل النظري والعملي. وهي حقيقة التقطها أفلاطون بحدسه العميق، عندما تناول في إحدى أجمل محاوراته (بروتاغورس) قضية مشاركة الناس بالحياة السياسية، أو ما يطلق عليه اليوم العلم السياسي عبارة "القوى السياسية". فقد وضع أفلاطون في محاورة بروتاغورس إشكالية السياسة والحكمة والفضيلة من خلال تأويل المعنى الكامن في اسطورة سرقة بروميثيوس "للنار الأبدية"، بوصفها رمزا "للفنون الإلهية" وتسليمها أو إهداءها للبشر لكي يتزودوا بشيء من الحكمة السياسية، التي كانت من نصيب زيوس رب الأرباب. وهي أسطورة أرادت أن تفسر سر تزود الإنسان بنصيب من الصفات الإلهية التي نراها في بناء الهياكل وسيادة الأرباب. وهي الصفات التي يلازمها ضرورة التهذيب والتشذيب العلمي لكي لا ينقرض الوجود الإنساني بسبب الحروب. من هنا إرسال رب الأرباب زيوس لرسول الحكمة هرمس ليعلم الناس الوقار والعدالة المطلوبة للجميع. وهو سبب اهتمام الجميع بالفضيلة السياسية التي تتطلب نوعا من العدالة والحكمة، على عكس الاختصاصات الأخرى. الأمر الذي جعل ويجعل من الممكن مشاركة الكبير والصغير، والعالم والجاهل، والنبيل والوضيع، والرجل والمرأة في السياسة والإدلاء برأيهم فيها، على عكس المهن الأخرى. فالحداد لا يتحدث بالطب، وصانع الأحذية لا يتقبل إسداء النصح واجتهاد الآراء التي يقولها غير الاسكافيين! أما في السياسة، فان الجميع تستطيع القول "أنا اعتقد" و"أنا اجزم" و"أنا أتوقع" وما شابه ذلك. وهو واقع له رائحته في أنفاس الثورة بوصفها الصفة الملازمة لهيجان الثيران، وأصواته العذبة في أنغام الإصلاح بوصفها الصفة الملازمة لروح الصلاح. كما انه الواقع الذي تتقلب فيه قلوب القوى السياسية العربية في العراق والخليج بين أصابع الرحمة والنقمة العاصفة للأحداث الدرامية الهائلة التي أعقبت "تحرير" العراق من الدكتاتورية الصدامية واحتلاله كله! وهي المفارقة الكبرى للتاريخ العربي الحديث، التي تجعل من الممكن القول، بان قرنا من الزمن قد ساد وولى بلا تاريخ، أي بلا تراكم في العقل النظري لقواه السياسية. إلا أن ذلك لا يعدم وجود أو توسع حجم القوى السياسية.
فمن الناحية النظرية والعملية ليست "القوى السياسية" سوى الطاقة القادرة على التأثير والفعل في الوجود الاجتماعي للأفراد والجماعات والدولة. ومن ثم فان كل وجود اجتماعي هو قوة سياسية بالضرورة، كما أن العقل وانعدام العقل قوة سياسية. والشيء نفسه يمكن قوله عن الأوهام والأهواء والأيديولوجيات. فهي جميعا قوى سياسية، أي طاقة قادرة على الفعل والتأثير المتنوع بالنسبة لمسار الدولة والأمم. وعموما ليس الأحياء فحسب، بل والأموات أيضا قوة سياسية. ومن الممكن تتبع أثر هذا الواقع في الحاضر واحتماله الفرضي في المستقبل. وهو الشيء الجلي في مختلف مظاهر الإحياء "الجهادي" و"المقدس" لأصنام الأصوليات الدينية والتوتاليتاريات الدنيوية. فابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب يبدوان أكثر حياة وحيوية من الغزالي وابن رشد، أو ابن سينا وابن عربي. وتشير هذه الحالة إلى أزمة الوعي العقلاني والدولة الشرعية وجفاف الاجتهاد الحر وتسطيح الوعي العام وسيادة الثقافة التقليدية، لكنها تعكس الحالة الفعلية للأموات بمعناه المادي والمعنوي من خلال تكريس و"تأسيس" منظومة الانحطاط العقلي والإنساني في العالم العربي المعاصر. وهي حالة عربية عامة. بمعنى أنها تعكس ديناميكية التخلف، التي جعلت من مومياء الأطلال الخربة تعويذة الحلول السحرية المميزة لمختلف نماذج الجاهلية الثقافية، وبالأخص السلفية والأصولية. إذ تعكس هذه الحالة السياسية زمن الانحطاط الفعلي في تاريخ "القوة السياسية" في العالم العربي الحديث، كما كشفت عن نفسها بصورة مرعبة في العراق!
فعندما نتأمل تاريخ "القوة السياسية" بوصفها فكرة وممارسة في العالم العربي الحديث والمعاصر، فإننا نقف أمام تقلبها المشوه في أطوار الولادة والنمو. ولم تكن هذه الظاهرة معزولة عن طبيعة الانقطاع الراديكالي الذي حدث في بداية القرن العشرين عندما تناثرت الإمبراطورية العثمانية ومعها كل التراكم الثقافي السياسي وإشكالاته وهمومه المشتركة. أما النتيجة فهي تجزئة "العالم العربي" من حيث كونه إمكانية واقعية ضمن الكلّ العثماني، وتجزئة ارثه المتراكم في المرحلة العثمانية والنهضة وبداية الإصلاح الديني. ثم التجزئة الجغرافية السياسية التي جرى شحذها بصعود "الفكرة السياسية" الخالية من اثر النخبة الفكرية وإرهاصات الفكرة الليبرالية والعقلانية والنزعة الإنسانية.
لقد أدى هذا الانتقال الراديكالي إلى صعود الفكرة السياسية للقومية الوجدانية بأبعادها الوطنية، في ظل غياب أو ضعف مؤسساتي للدولة (الوطنية) والقومية على السواء. وهو خلل بنيوي عميق لا يغطي شروخه شيئا غير صبغة الأوهام السياسية والأيديولوجية. أما الصيغة العملية والأسلوب الوحيد الممكن لطلائها فهو "تثوير" نفسية العوام وزجها العنيف في سيول السياسة والتمسك بقشة الشعارات الرنانة. وحالما أصبحت هذه الحالة جزء من تقاليد الفكرة السياسية والقوى السياسية الجديدة، فإنها أخذت تتحول إلى آلية مستقلة بذاتها، بحيث أصبح من الصعب التحرر منها ما لم تبلغ حدودها الذاتية. ولا علاقة لهذه الحالة بالجبر والحتمية المفتعلة، بقدر ما أنها تستمد مقوماتها من ثقل التخلف الهائج حالما يتحول إلى عقيدة سياسية.
ومن الممكن تتبع النماذج "الكلاسيكية" لهذه الحالة في مصر وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين، بوصفها المناطق "المثورة" للفكرة السياسية في القرن العشرين وميدان فشلها المريع!! بحيث جعلت هذه النتيجة من الممكن صعود نجم الدول الخليجية، وبالأخص المملكة العربية السعودية إلى هرم "المبادرة السياسية" العربية في القرن الحادي والعشرين، في ظل انعدام بنيوي شامل للبدائل العقلانية والديمقراطية والشرعية فيها!! لكننا نستطيع أن نرى في هذه الحالة المقلوبة للتطور التاريخي احد مصادر الأمل التاريخي الجديد، فيما أسميته ببلوغ "الحدود الذاتية" للانحطاط، بوصفها المرحلة التي تضع مهمة بلورة الفلسفة العربية العقلانية البديلة للإصلاح والتنوير والحداثة.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف ومرجعيات الروح المبدع
- المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
- (أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
- -الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
- الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - ميثم الجنابي - طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني