|
العتمة اللامتناهية للفناء
نصيف الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 2599 - 2009 / 3 / 28 - 07:38
المحور:
الادب والفن
{ الراحة والنوم ، ما هما إلاّ صورتان منكَ .... جون دن . قصيدة : يا موت لا تتباه بنفسك } .
سنوات طويلة أمضيناها بصحبة { ايبيس } في أنهار فن التنجيم . لم نعثر على وجه الانسان المتقوض في ضوء الشمس ، ولم نعثر على سوسنة الرجاء المتفسخة . في الممرّ المنخفض الذي يوصلنا الى ليل وأبواب بحر الموت . اختفت أصواتنا وتلوّت الأشجار صائتة في الطريق . كل ما نراه الآن . صراصير تترنح في طيرانها عبر اللهب الأسود لجهات الأرض المهتزة دائماً . لماذا لحظة الرغبة مليئة بالاشارات التي تفصل الثمرة عن شجرتها ؟ الحشائش الجافة التي يجمعها الانسان في الليل ويركنها قرب قفير عسل حياته . تطيرها الريح المسوّدة والمثقلة بمعطفها عليل الأجفان . الى أيّ حدّ نبقى نصيخ السمع الى شجرة الزوال المثقلة بالأعطيات ؟ ينبغي لنا أن نتخلص من الظلال الداكنة والمشرئبة لموتنا ، ونرمي شفرة الصلاة في الأسرار الطنّانة للطبيعة . يحتاج الانسان الى فجر جديد يتجادل فيه مع الملائكة حول الأدوية والأقراص التي تخفف الصدمة المسبقة لموته . الى متى نبقى نستعد ونرحب في العناصر الأكثر ترويعاً في موت الانسان ؟ وحدها مصائرنا التي لم تستنطقها تماثيل الآلهة . معلقة من دون حصانة في أسفل الشجرة التي تصاهر الجذام .
2
حياة كلّ منّا تستمدُ بذرتها من الكلمة التي تنمو في فوضى الماوراء ودائماً نخفي صمتنا قبل انطلاق المراكب في قناديل الفجر الصافية ونؤجل رحلتنا الى الينبوع الضامر للحظة الانبعاث . حياة كلّ منّا ضفة شديدة الانحدار ، لكن احساسنا تحت العوالم الخبيئة للقلق هو ما يمنحنا بداية جديدة لطقوسنا المتحفظة في عبور اللحظات . أحلام الانسان تمرّ كنسمة جافة في الجزر الطحلبية لليله ونهاره ، ويتدفأ موته في التهيجات المرصعة لحصاد قمح أيامه ، وفي الرنّة المتصلبة لصرخته تحت الجذوع العتيقة لشجرة العالم . يكتمل البرق وتنتصب في يقظتها أشرعة رغبته في الوصول الى النيران المفتوحة على الحافة المتلألئة لشواطىء الأمل .
3
عابراً حمم بركان حياتي . أقيسُ الظلال المشنوقة للوردة في الضغائن الشائنة للحظة موتي ، ومثل تفككات لا مرئية في الأعماق المتكتمة لجروح الجنس البشري في ينابيع القرون . تتقدم صرختي بين المرايا التي توّسع المتاهة . هل لي أن أشهد مآثر الصاعقة المجدولة فوق الصواري العظيمة لأحلام الانسان النائم ما بين الموت وما بين الميلاد ؟ غاباتنا المتحجرة الآن بلا بروق ولا صلاة ، وفي بخار تطوافاتنا يتناسل الضجر الطويل لقرابيننا المرفوعة . كل شيء ينغلق علينا في المياه الآسنة لمرايا آمالنا .
4
خلاص الحجارة وتمائمها من الفناء ، خلاصنا نحن وخلاص العشبة المستجيبة لنداءاتنا تحت القلاع الضخمة للخوف وأناشيده المحرمة . هل ينبغي لنا أن نحضر التاريخ في الانفصالات التي نغريها بالقدوم لصعود الديمومة ، من أجل أن لا تفلت منّا اللحظة الأخيرة المطبقة على الانسان الميت ؟ كيف يتسنى لنا أن نتسلل بهدوء من الأفق المعتم للعالم ، صوب أفق آخر أكثر رحمة ورحابة ؟ حيوات تنفست هواء الأرض بالمليارات وغابت . خطّافات مصوّتات . ديناصورات وحيوانات ثعبانية مالت فيها الرياح العظمى للفناء صوب الهاوية . كل شيء ينتهي الى حجر وصاعقة . حيوات أخرى قادمة تنتظر عند الجدار الصريح للصلب . هذه المنظومات التي يسير في فوضى شرائعها العالم . اهانة لوجود الانسان . ينبغي أن نسقط رهاناتنا الصدئة في بئر النجمة الكبيرة ، ونحيا في فراديس الأحلام والسطوعات الأثيرية للفكر .
5
ندفعُ في كل آنٍ مجاذيفنا صوب التدميرات التراجيدية للشيخوخة ، وتتحطم بين رمال تنفساتنا قناديل الزمان . هل لنا أن نصالح ما بين موتنا وما بين الصخرة التي تشعشع في مجدها وغبطتها السرمدية على الشواطىء المتكشفة للطبيعة ؟ طائر الطيطوى بشير الكارثة العظيمة وشاهد اللحظة المنحنية على الهاوية . يصرخ تحت ثقل الرياح الثلجية اللاتطاق فوق رماد مصائرنا وينذرنا : { لا ثمرة شهاب تباغت ليلنا في الماضي والحاضر والمستقبل ، ولا ميراث عيد ينوّر شفاهنا المتورمة في انفتاح الرماد على الأغنية المختنقة ، ولا صلاة تترك ملحها على الرغيف المتعفف لصيفنا قليل الحمولة ، ولا الأنهار تصبّ في التسليات المتغضنة للحظتنا الراهنة } . علامة بلا شكل تتلمس بانتظام كل ماهو حيّ في أصواتنا ، وتغرقنا في العتمة اللامتناهية للفناء . 6
يخاطبُ النفرّي ويتضرع في نار محبته المريضة ، الى فكرة اخترعتها الشعوب السامية ، من أجل خلاصه المرتجى . هل نحتاج نحنُ الجراد المريض في السل الى ايمانات وشعائر وأساطير ، أم نحتاج الى الاخوة والحب والجنس والطعام والموسيقى والأحلام والمعرفة ؟ اخترعنا في حيرتنا وضعفنا ولعثمتنا الفادي ، واخترعنا الهادي . لا الفادي نوّرت في ليل العالم أضاحيه ، ولا أينعت وردة الرجاء ولا الهادي رست سفينة نجاته في مرافئنا التي زلزلتها الأعاصير . حقيقة . حقيقة واحدة يجب أن نتقرب من مصاهرتنا ونتقبلها بمحبة عظيمة . ما نحن إلاّ حشرات زاحفة تتماثل مع كل المخلوقات في الطبيعة ، والأجمل والأكثر قداسة منّا ، هي الرخويات ، والطنّانات في خلاياها المستلقية على العطر اللازوردي للنذور والأشجار الصاعقية للحياة .
7
أيها الموت يا خليلي يا خليلي الذي يكّسر مصابيح وغُصينات حياتي ويقرع للعدم ندى أجراسي ويسهر بثقله الجبّار على الأريج الزعفراني لرغباتي وآمالي . منكَ لا شفيت من ألمي العضال ولا دوّيداتكَ الذئبية التي ستجيء تحنوّ على فضة جثماني وخزامى أنفاسي .
23/ 3 / 2009 مالمو
#نصيف_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يموت الدكتاتور ويبقى الشاعر
-
سهر الشجرة وعطورها المنذرة
-
أجمل العيش ، عيش التشاؤم والشقاء
-
للخلاص من رطوبة السنوات التي عشناها
-
عندما ارتعد عدي صدام من قصيدة دادائية
-
حوار السيد والعبد
-
قصيدتان
-
صلوات الكاهن الغجري الى السيدة الشفيعة المعشوقة والفانية
-
كتاب الحكمة الغجرية
-
3 قصائد
-
4 قصائد
-
عبد الرحمن الماجدي في مجموعتيه الشعريتين { أختام هجرية } و {
...
-
10 قصائد
-
8 قصائد
-
الجثث مجهولة الهوية ببغداد والإرث العراقي في القتل
-
معرفة أساسية :الحرب . الشعر . الحب . الموت . الفصل 12 الأخير
-
نجوم اسمكِ وهندباء مؤامرات شفته المكشوفة للعقيق
-
الأرض الغنائية الشقراء لشفتكِ وقناديلها التراتبية
-
صمتكِ الذي يتصدر الشجرة الكبيرة المحتاطة على هاويتها
-
سهر الانسان المنبطح على ليل الغابة الفانية
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|