|
هل تزول أية عقيدة، حتى لو كانت خرافية ، بالعنف والاضطهاد؟
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 2596 - 2009 / 3 / 25 - 10:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يوم الجمعة المصادف ليوم الثالث عشر من آذار عام 2009 انتظرنا قيام الساعة ، ولكن لحسن حظ أغلب الناس لم تتحقق هذه النبوءة التي يعتقد بها بعضنا بأن الجمعة إن صادفت يوم الثالث عشر من أي شهر ميلادي لوقعت الواقعة، وانقلبت الدنيا على عقب. ولكننا ها نعيش هذه الدنيا وهي باقية ونحسها بكل مشاعرنا وجوانحنا . إن هذه العقيدة الخرافية و وآلاف العقائد الأخرى التي يؤمن بها اتباع الفرق والديانات المختلفة سوف تبقى طالما ظلت داخل نطاقات العقيدة والإيمان الشخصيين ، ومادام القيمون عليها لا يقومون بفرضها على الآخرين، ولا يدار المجتمع وفق تعاليمها، فلذلك لا ضير منها مادامت لم تتجاوز حدودها العقيدية إلى السياسية والقضائية مباشرة . عند اطلاعنا على مسير العقائد ، سواء كانت خرافية، أو علمية، نتأكد من مسالة واحدة في غاية الأهمية ،يمكن اعتبارها قاعدة ، وهي انه لم تكن ثمة عقيدة ، او إيمان ، قد انتهت بالعنف ضد معتنقيها وقتل المؤمنين بها ، بل أن العنف والاضطهاد و الملاحقة كان غالبا ما دافعا لأتباع بعض العقائد للصمود و ترسخ إيمانهم بها ، ومصدر الهام لهم ولغيرهم للاستمرار في الإبمان بها. بعث محمد علي باشا اينه ابراهيم على رأس جيش جرار إلى الجزيرة العربية لقطع دابر الوهابيين ،فقام بالتنكيل بهم ، وذبحهم ، وارسال رؤوسهم إلى وجبة ، بعد وجبة وبعد كل معركة معهم، و نظرا لثقل هذه الأحمال من الرؤوس الوهابية التي انهكت عمال النقل والبريد ، غير أسلوبه ، بقطع آذانهم وارسالها ألى الباشا الأمير لخفة وزنها . لكننا رأينا بعد أكثر من مئة عام يظهرون ثانية ، وبزدادون عددا في كل أنحاء العالم ، منها أوروبا. قرأت قبل أيام خبرا يقول إن مؤسسة الأوقاف الحكومية قد أصدرت أمرا بقطع عدد من الأشجار المعمرة في قريتنا بذريعة مكافحة الخرافة والدجل ، لأن أهالي تلك القرية بعتقدون أن هذه الأشجار مقدسات ، وأنهن نمين من عظام موتاهم ، فيقدمون لهن القرابين ، وبقومون باداء طقوس العبادة والاحترام لهن . حسنا ، فلو كانت المسألة تقتصر على الحق في قطع رموز الخرافات ، وابادتها، فما الذي سوف يحدث للبشرية لو كانت هذه الرموز بشرا ؟ وهل علينا ذبحهم من الوريد الى الوريد؟ و ما ذا سوف يحدث إن تصور الآخرون أن الذين قطعوا هذه الأشجار يؤمنون بخرافات من نوع آخر ، فهل يحق ذبح الأخيرين أيضا؟ فمثلا ، أن المسيحيين في المنطقة التي أقيم فيها لاجئا ، لو اعتبروا كل العقائد غير المسيحية خرافة وبدعة ، فهل علينا اعطاءهم الحق في ذبحنا- نحن الذين لا نعتنق دينهم- ؟ لا تتصوروا أن ما أقوله هو من نسج الخيال ، و يخصنا فحسب، إذ أن في المدينة السويدية التي يقيم فيها أحد أصدقائي ، وزرته قبل حوالي شهر، ارشدني إلى أن في وسطها يقوم جبل يطل على وادي عبارة عن هاوية حادة عمودية إلى حد كبير . وعلمت ُ أن القساوسة في القرون الوسطى حيث كانت بيدهم السلطة السياسية بلا منازع ، قتلوا أربع مئة امرأة بتهمة السحر بالقائهن من فوق الجبل الى أسفل الوادي. و قد تبين فيما بعد ان معظم المغدورات كن عالمات و مثقفات و طبيبات ، زاحمن الكنيسة ورجالها بعلمهن ومعارفهن ، إذ كان المرضى يراجعونهن بدل زيارة الكنيسة و العلاج بوسائل الشعوذة و الدجل و الأدعية. والبوم نرى ونعيش أن رجال الكنبسة الدجالين انهزموا ، بعد أن فشلت كل وسائل الدجل والقتل والاضطهاد التي استخدموها ضد أهل العلم والمعرفة و الحق . فانحسرت سلطة الكنيسة اخيرا لصالح العلمانيين والعقلانيين والواقعييون الانسانيين. وبعد كل هذه الانتصار و تحقيق مكاسب كبيرة للبشرية من تقدم علمي وتقني و ضمانات اجتماعية و صحية ، لم يقم أحد من التقدميين والعلمانيين بالهجوم على الكنائس و أماكن العبادة ، وبقيت مصانة من أعمال الانتقام ، مثل عمليات اشعال النيران فيها، والسطو النهب وغيرها، إذ تقدمت العلوم والمعارف بدون أية عمل انتقامي أو عنف أو انتهاك حقوق إنسانية، إذ أن قانون الحياة ، و استناد المؤمنين إلى العلم والانسانية و التقدم هو الذي وضع حدا لسلطة الكنيسة ورجالها. ليست ثمة عقيدة ، لنؤكد مرة أخرى، تفنى بالعنف، سواء كانت على حق ، أو باطل وخرافي. كم أتأسى على أشجار قريتي !! لا لأن بعض سكانها يعتقدون بقدسيتها، بل بسبب الجريمة التي ارتكبت بحق البيئة ، و بسبب شيخوختهن أيضا ، والتي هي جزء من تاريخ قرية و يمنحها الفيء والظلال الوارفة و قد مددن فيها جذورهن ، و أساي أيضا بسبب جمالهن بلا أدنى شك والذي يضفي على القرية و اهلها جمالا من نور وتحولات بين كل اطياف القزح قزح. أتذكر أنه اهداني أحد الأصدقاء في السبعينات من القرن الماضي احد أعداد مجلة " الكاتب" المصرية صدر بالتحديد بعد انقلاب عبد السلام عارف على حلفائه البعثيين والحرس القومي ،وفيه مقال لكاتب نسيت اسمه ، تحت عنوان" البعث وطريق اللاعودة" ، يرجع سبب استحالة عودة البعثيين للحكم والمجتمع لسبب الفقر الإيديولوجي مكررا إياه ثلاث مرات. ولكننا رأينا عودتهم للسلطة عام 1986 ، و حكمهم البلاد حكما جائرا دمويا لأربعين عاما. فهل نفع العنف والطرد والكراهية في منعهم من العودة للسلطة ؟ إنني لا أرى سوى الأجواء اللاإنسانية المخيمة على المجتمع في مختلف مرافقه وانعدام بديل إنساني تقدمي أسبابا لعودتهم ، والتي هيأت الأجواء و المناخ الملائم لهافي ظل حكومات لايشعر المواطن الا بالكراهية تجاهها، وهو يرجو سقوطها بأي بديل عسى أن يكون خيرا من سابقاته. فالطائفية و الرجعية و الاسلام القومي السياسي أعجز ما بمكن أن يكون بديلا للبعث والنحل والملل القومية الأخرى. العقيدة الأكثر إنسانية وتقدمية هي القادرة على إزاحة العقائد الارهابية والمتخلفة والرجعية ، ولكن للأسف فالأفكار الانسانية والتقدمية لا تزال مهمشة ، وضعيفة في يلادنا ، فتهيمن الأفكار الطائفية و القومية الرجعية والعنصرية على الميدان السياسي . من كل هذا يعلم المرء كم هي شاقة و منهكة مهمات الشيوعيين والاشتراكيين والتقدميين ، وخاصة في العراق و الشرق الأوسط والبلدان المسماة بالاسلامية!!!!
2009-03-24
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاث قصائد للشاعر السويدي توماس ترانسترومر
-
في ذكرى ثورة الجماهير الإيرانية على نظام الشاه
-
المقاومة في منظور اليسارالماركسي
-
لي الحضور المضاغف في شِعر فروغ فرخزاد
-
مواقف أردوغان تجاه القضية الفلسطينية تتحطم على صخرة التحالف
...
-
شتان بين إرادة الجماهير في فلسطين وإسرائيل وبين أهداف دولة ا
...
-
حقيبة حنظلة مرميّة بين أشلاء القمر
-
البديل الثالث هو القادر على حل القضية الفلسطينية
-
اله الموت يجول من اشويتس ، إلى العراق ، فغزة
-
من يذبح أهالي غزة؟
-
هل على اليسار الماركسي التحالف مع، أو دعم كل من عارض أمريكا
...
-
أغنية تشي غيفارا
-
في الذكرى الثامنة والعشرين لاغتيال المغني الإنسان والمناضل ج
...
-
من فرسان صلاح الدين إلى مجالس الإسناد ، فموت الفدرالية
-
مريم العذراء- قصيدة للشاعر السويدي أريك آكسل كارلفيلدت
-
رحلة إيليّا السماوية للشاعر السويدي اريك اكسل كارلفيلدت
-
ثمة مبررات للفرح ، ولا مبرر للتفاؤل بإدارة أوباما لأمريكا
-
اوباما ، كان لا بد منه
-
فلم - الحياة رائعة - لروبرتو بنيني
-
نهاية التاريخ ، أم نهاية الريغانية والتاتشرية؟
المزيد.....
-
بيونسيه تتوج مسيرتها بجائزة طال انتظارها ونانسي عجرم تطوي صف
...
-
فرنسا: هل ينجو بايرو من حجب الثقة؟
-
أمريكا - إسرائيل: أي حدود للتحالف بين ترامب ونتنياهو؟
-
بعد تبرعه بـ 100 مليار دولار للأعمال الخيرية، هل يترك بيل غي
...
-
شتاينماير يطالب من الرياض بإطلاق الرهائن وبتطبيق حل الدولتين
...
-
-مازلت متعطشا-.. نوير مستمر في حراسة عرين بايرن ميونيخ
-
ترامب يعلن رغبة بلاده في الحصول على المعادن من أوكرانيا مقاب
...
-
-زومبي من أجناس متعددة-.. زاخاروفا تعلق على عدم قدرة أوروبا
...
-
رئيس البرلمان البولندي يدعو أوروبا لتقليص الاعتماد على الولا
...
-
بيسكوف: لا يوجد أي تقدم في عملية تنظيم لقاء بوتين وترامب
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|