ورد الجمري
الحوار المتمدن-العدد: 794 - 2004 / 4 / 4 - 09:49
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
باحثة اجتماعية من البحرين
جرت العادة؛ أن يأتي أهل العريس ليطلبوا يد الفتاة من أهلها, في جو اجتماعي مفعم بالتقليدية. ولائم و بخور و نساء تنتظر إشارة لإطلاق زغرودة تٌسمع كل الجيران.
و في تلك الليلة جاء دوري لأكون إحدى المشتركات في هذه العملية الاجتماعية, في الواقع لم تكن الأولى من نوعها, و لكني أظن.أنها الأخيرة.
هذه الليلة, ستبدأ مقدمة من مقدمات الزواج التقليدي. سيأتي العريس مع أمه و شقيقاته و خالاته و ربما بعض من جيرانه. لا أخفي عليكم إنني لا أحبذ هذه النوع من طرائق الزواج, يخيل لي بأن المرأة كالسلعة, يتفحصونها جيداً, و هي تمشي و هي جالسة, وهي تتحدث, تشعرين بالخوف بمجرد شعوركِ بأنكِ مراقبة في كل سكناتك و حركاتك. و اذكر انه ذات مرة دار بيني و بين "الوالدة العزيزة" حوار حول ذلك الأمر, فأخبرتني بأن الفتاة كالقماش, يختار منها الرجل و عائلته ما يريد ويترك ما لا يريد..! هذا التشبيه, أثّر فيّ كثيراً.. كما أخبرتني, حفظها الله, أن الرجل لا يٌعاب, و ما على المرأة العاقلة إلا الموافقة على كل رجل يتقدم لها يراه والدها جيداً في الخلق و الدين و العائلة. و هذا أمر آخر لا أتفق معه البتة. إذن المرأة كقطعة قماش و الرجل "لا يٌعاب!"...
عموما, ضحكت وأنا أتذّكر كلام الوالدة. و كنت أعتقد أنها أفكار عجوز من جيل الأربعينات و كفى. حتى اكتشفت أنها أفكار نساء لازلن يراوحن في الثلاثينات أو أقل بكثير. اذن فهذه هي القاعدة الاجتماعية التي تسير عليها معظم الزيجات في مجتمعي. الرجل يختار ما يريد.. و المرأة لا تختار, بل تقبل بالواقع. هي "مٌختارة" و ليست مٌخيّرة.
لنعود لقصة الخطبة هذه, جاءت صاحباتي ليقمن بدورهن في التزيين و النصح و مشاركة الفرحة, أو لنقل للتخفيف من وجع الأزمة التي وقعت فيها!, و اشعر أنهن يستبقن الأحداث و هن يروين مدى سعادتهن بهذه الزيجة !.. تتزينين جيداً و ترتدين أجمل فستان لديك, لتبدين جميلة في عين أم العريس و شقيقاته, فهن يشكلن العمود الفقري لهذه الزيجة, فكلمة واحدة من الأم أو الأخت ستٌجبِر العريس على الموافقة من عدمها. لذلك, عليكِ أن تكوني لطيفة جداً مع "عمتكِ"!..
دخلت المكان المخصص لاستقبال النساء, ففي ثقافة عائلتنا, هناك فصل بين الرجال و النساء في المناسبات الاجتماعية, فصلٌ يصل لدرجة الاقتتال, هناك تحريم شديد لأي اختلاط و لو كان بطريقة الصدفة بين أي رجل وامرأة. لذلك تجلس النسوة في مكان خاص يبعد عن المكان المخصص للرجال. و بالتالي فما يدور في مجالس الرجال لا يٌسمع في مجالس النساء و العكس صحيح.
كالعادة, قمت بإلقاء التحية على الحضور, هناك كما توقعت حضور جيد, على الأقل خمس نساء, الأم و بنتين لها و الخالة و صديقة الأم. يعني مجموعة جيدة للحكم على الزوجة من كل النواحي. الأم في حوالي الستين, و بناتها عشرينيات و الخالة أربعينية و الصديقة كبيرة في السن و لكنها تبدو بصحة جيدة. حاولتٌ تقبّل الواقع كالعادة, شعرت كأنه مؤتمر. ترى ماذا سأقول؟! بطبيعتي ثرثارة و لكن لا أثرثر في اللاشيء.. لكن أمي حذرتني مراراً أن لا أتحدث كثيراً فالمرأة الجيدة, هادئة, لا تهش و لا تكش, هي التي تصبح محبوبة لدى عمتها.. حتى إني أفكر وأقول و ما دخل العمة هنا.. هل سأتزوجها؟؟
ثم بدأت "العمة العزيزة" بذكر محاسن ابنها و بطولاته: " لا يترك فرضاً ( تقصد انه يواظب على أداء صلاته).. لا يرفع طرفه ( تقصد انه رجل عفيف و ملتزم).. أحسن إخوانه في الطاعة و الالتزام.. و أكثرهم شهامة و كرم.. لا يخرج كثيراً( و هنا ابتسمتٌ ساخرة, المسكينة تظن إنها ميزة).. لديه شقة وووو...".
رغم إن مجتمعنا بدأ يتغيّر في نواحِ عديدة؛ التعليم و السياسة و العمران وأمور كثيرة.. لكن ثمة أمور ثقافية لا تتغير, و هي تتصل بالموروث الشعبي. طرائق الزواج, طرائق التفكير, التعامل مع المرأة أياً كانت و بأي مستوى, بطريقة واحدة أقرب إلى البدائية.
ثم يأتي وقت الوليمة أو العشاء, و أتذكر حينها, قامت النسوة في عائلتي بتحضير وجبة ضخمة للحضور, و جرت العادة أن يٌقدَم الرجال على النساء في تقديم الطعام.. و لا أدري هل هذه العادة تتصل بالقوامة الذكورية؟!.. و ما أن ينتهي الرجال من تناول الوليمة حتى تبدأ النسوة في تحضير الوليمة للنساء اللاتي بدأن يتضورن جوعا.
في السابق, أي قبل عشرين عاماً على الأقل, لم يكن هناك- حسب ما تروي لي أختي الكبرى- تقليد يسمى "مقابلة الخطبة", بل كانت المرأة تتزوج الرجل الذي يختاره لها الأهل دون أن تتحدث معه أو تعرف شيئا عنه. فالمقابلة. إذن الآن شيء مستحدث نسبياً.
ثم جاء وقت المقابلة.. و هنا عليّ أن ارتدي الحجاب و أزيل كل مظاهر الزينة, لأدخل برفقة شقيقته إلى المكان المخصص للمقابلة. كنت مرتبكة ليس لشيء سوى إني كنت اضمر نية مسبقة بعد القبول بهذه الزيجة, فكل المؤشرات حتى لحظة المقابلة, تعطيني مؤشراً بعدم الارتياح. بدا الرجل خجولا, لم يرفه طرفه كما قالت أمه, إذن ماذا سنفعل هنا, هل سيبقى مطأطأً رأسه طويلاً؟ كل ما قاله هو انكِ فتاة جيدة كما قالت أمي.. و أتمنى أن تسير الأمور على ما يرام. و هنا بدأت أفكر.. أي أمور هذه التي ستسير على ما يرام ؟ و هل يتعلق الأمر بي؟ هنا تأكد لي قول الوالد العزيزة: إن المرأة في الغالب لا تختار,و لكن ثمة شيء جديد عرفته ان الرجل أيضا لا يختار في كل الحالات, و إنما أم العريس هي من تختار.. و هو يتزوج وفق ما تختار..
لم يكن هذا الرجل أبدأ بمستوى يؤهله للزواج, على الأقل في حالتي, و لكني أجد هذه الخبرة مفيدة, خبرة اجتماعية تفيدني على الأقل في الكتابة, و نقل واقع, قد يكون متكرر و لكن بصور مختلفة.
#ورد_الجمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟