إبداعات فقهية لتكريس شقاء المرأة واستغلالها.

سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 2589 - 2009 / 3 / 18 - 09:34
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

حلت مناسبة اليوم العالمي للمرأة على شعوب الأرض ، وحملت معها أسئلة ومعطيات تخص أوضاع المرأة العربية وطبيعة العراقيل التي تحول دون النهوض بها . ومما يزيد هذه العراقيل تعقيدا في مباشرة حلها بالمقارنة مع أوضاع النساء عند بقية خلق الله ، أن المرأة العربية ضحية الأعراف الاجتماعية التي تنتصر لها وتتمسك بها العقلية الذكورية التي لا تأل جهدا ومكرا في سبيل تأبيد وضعية الدونية والشقاء وجعلها قدرا مقدورا على المرأة . وإذا كانت الأوضاع السياسية والأنظمة القانونية يمكن الفعل فيها وتغييرها بما يتوافق مع تطلعات المرأة والمجتمع عموما ، فإن حال المرأة العربية يشذ عن هذا لطبيعة التحصين الذي تركن خلفه الذهنية الذكورية وتتقوى به في مواجهة المطالب النسائية . ويشكل الفقه المجال الرحب لإعادة إنتاج وترسيخ قيم البداوة التي تبخس المرأة وتشيئها وكذا الحصن المنيع الذي يتحصن به ويخفي عجزه عن خوض التغيير وضعفه عن مواجهة حركية المجتمع وقوة الأشياء . ذلك أن واقع المجتمعات يتغير مهما عاند المعاندون ، وإن اختلفت سرعة التغيير ودرجته . وبخلاف باقي المجتمعات البشرية التي تواجه مشاكلها بما استطاعت إليه سبيلا ، فإن المجتمعات العربية ، خاصة الخليجية ، تعرف ديناميكية متسارعة في إنتاج ما يكفي من الفتاوى التي تثير السخرية والشفقة من حال هذه المجتمعات التي لا زالت توفر الحضن الدافئ لمن يجعل الشريعة في خدمة الذكورة وشرعنة الأعراف البالية . بل إن هؤلاء يسابقون ، بشكل دونكشوتي ، إيقاع التغيير لوضع مزيد من العراقيل والعوائق أمام تطلعات المجتمع وحاجة النساء أساسا إلى الانعتاق من أسْر الأعراف التي بات دينا من الدين . فالمجتمعات العربية ، للأسف الشديد ، تعرف تراجعا خطيرا على مستوى حرية التفكير ، وغدا فقه التشدد والبداوة هو المتحكم في توجيه الحياة الفكرية والفنية عموما . وهذا ما نشهده باستمرار من فتاوى التحريم والتحريض ضد أعمال أدبية وفنية على امتداد الوطن العربي . في ظل هذه الوضعية التي تعرف زحف ثقافة البداوة وفقه التشدد تنتعش الذهنية الذكورية وتتفتق إبداعاتها في شكل أحكام "فقهية" وفتاوى"شرعية" . ومما يمكن الاستئناس به في هذا المضمار بعض تلكم الفتاوى التي تجسد فظاعة الذهنية الذكورية وحربائيتها . إذ في الوقت الذي تتعلل فيه بالخوف على المرأة والعمل على صيانة حقوقها وحماية كرامتها باسم الدين والشريعة ، نجد نفس الذهنية الذكورية تشرع أغرب التشريعات لإباحة استغلال المرأة وتجريدها من آدميتها . وهذه نماذج من الفتاوى التي سخرت من تفاهتها الأمم :
1 ـ فتوى إرضاع المرأة لزميلها في العمل التي أفتى بها د.عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر لما أباح للمرأة العاملة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعاً للخلوة المحرمة ، مؤكدا أن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وان المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته . كما طالب بتوثيق هذا الإرضاع كتابة ورسميًا ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلانًا .
2 ـ فتوى تحريم ركوب الدراجة التي طاردت النساء المسلمات حتى في هولندا التي، تعطي الأفضلية لسائق الدراجة في الكثير من الحالات، فضلا عن تميز صناعة الدراجات الهولندية بالكفاءة والتطور . وتعرف هولندا استعمالا واسعا للدراجات حيث تقدر بعض الإحصاءات أن عدد الدراجات الهوائية في هولندا يصل إلى 30 مليون دراجة هوائية أي بمعدل دراجتين في كل بيت . وفتوى التحريم التي انتشرت بين النساء المسلمات أكدها وأيدها الشيخ كمال الفيضي الذي يرى أنها فتوى ملزمة لكل النساء ، بمبرر أن ركوب الدراجة يكون مدعاة لكشف جسد المرأة كذراعيها أو شيء من ساقيها عند قيادة الدراجة، كما أنها تسبب الإثارة الجنسية بسبب وضعية المقعد حيث تضطر المرأة إلى "فرج " ساقيها.
3 ـ ـ فتوى المفاخذة التي أشاعها فقهاء النخاسة لإجازة زواج القاصرات بمن فيهم الرضع . وهم بهذه الفتوى أباحوا الاستغلال الجنسي البشع للإناث ولو في سن مبكرة ، مما يعد شرعنة مفضوحة للبيدوفيليا . ولعل هذا ما ترجمه أحد شيوخ الوهابية في المغرب ـ المغراوي ـ لما أجاز زواج ذات التسع سنين . وتعاني الإناث في السعودية مثلا من ظاهرة تزويج القاصرات لدرجة أن جمعيات حقوقية وعددا من الفقهاء طالبوا السلطات المعنية بالتدخل لمنع زواج القاصرات أيا كان مبرره ، خصوصا وأن المتزوجين من قاصرات يرفضون تطليقهنّ بحجة عدم وجود مانع شرعي في ذلك، وعدم وجود سنّ محدد للزواج في الشريعة الإسلامية.
4 ـ فتاوى تشرعن الاستغلال الجنسي للمرأة تحت أنواع شتى من مسميات الزواج التي باتت منتشرة في دول الخليج وأبرزها : زواج المسيار ، زواج المصياف ،الزواج السياحي ، زواج الوناسة ، زواج القعدة الخ. وباتت المرأة العربية ، خاصة في اليمن ومصر ، ضحية هذه الأنواع من "الزواج" ، لدرجة اضطرت معها الحكومة اليمنية إلى وضع إجراءات صارمة أمام الراغبين في هذا النوع من الزواج ، في مقدمتها موافقة وزير الداخلية وشهادة حسن السيرة والسلوك ،بالإضافة إلى شهادة طبية وموافقة من سفارة بلاده علاوة على تأمين بنكي يصل إلى نصف مليون ريال (2500 دولار أمريكي ) .
هذه مجرد نماذج قليلة من تعبيرات الذهنية الذكورية التي تتسربل بالأعراف البالية وتتمسح بالشريعة من أجل امتهان المرأة واستغلالها . علما أن أصحاب هذه الفتاوى والمستفتين هم أشد الناس ادعاء بالتمسك بالدين وحفظ الحرمات وحماية النساء . ويحق للمرأة المغربية أن تفخر بانخراط إمارة المؤمنين في المشاريع الإصلاحية التي تهم المرأة والأسرة عبر وضع ترسانة قانونية تنسجم ومبدأ المساواة . ولعل الخطوة الجريئة التي اتخذها جلالة الملك في الرسالة التي وجهها للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والقاضية بإعلان المغرب عن رفع تحفظاته بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) ؛ لعل هذه الخطوة دليل قاطع على جدية المغرب في حماية وتعزيز مكتسبات النساء ، ومن ثمة القطع مع فقه البداوة وذهنية الذكورة التي تبذل الحركات الإسلامية قصارى الجهد في إشاعتها واستنباتها باسم الدين . وستظل مسيرة 12 مارس 2000 التي نظمها الإسلاميون بالدار البيضاء دليلا قويا على المخاطر التي يمثلها المشروع المجتمعي للحركات الإسلامية على المكتسبات الحضارية والحقوقية .

#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات