|
هل الحروب الدينية جرائم ضد الإنسانية؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2588 - 2009 / 3 / 17 - 09:00
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كانت الحروب الدينية، أو المندلعة على خلفيات دينية وعقائدية هي الأكثر، والأمرّ عبر التاريخ، وهي التي خلـّفت وراءها الكم الأكبر من الضحايا والجرحى والمصابين. غير أنه، وبفعل التطورات والتحولات الجذرية الهائلة التي شهدتها البشرية، ولاسيما، في القرون الثلاثة الأخيرة، فقد تبدلت وتغيرت الكثير من المفاهيم والقيم منذ ذلك التاريخ. إذ باتت البشرية وهيئاتها المدنية المتحضرة تنظر خجلاً إلى لكثير من الممارسات التي قام بها الإنسان عبر تاريخه الطويل، وبما فيه مما يدمي ويؤلم القلب، ويندى له الجبين. وكنتيجة لهذا التفتح التوعوي الأخلاقي والقيمي الجديد، فقد حدث هناك أكثر من اعتذار علني ومن قبل مرجعيات دينية كبرى عن حروب دينية، ومجازر ارتكبت، وشنت هنا وهناك باسم الله وباسم الدين. إذ قام بابا الفاتيكان الراحل، مثلاً، يوحنا بولس الثاني الذي أمضى قرابة الربع قرن على عرش الفاتيكان، وبمناسبة احتفالات الألفية الثالثة، بتقديم اعتذار رسمي وعلني بسبب اضطهاد اليهود وباقي الطوائف المسيحية، وعن الكثير من ممارسات العصور الوسطي التي وصل بعضها حد الإبادة والمجازر الجماعية، لكن نفس الفاتيكان، يرفض حتى اليوم تقديم أي اعتذار مماثل للمسلمين بسبب الحروب الصليبية.
ومن هنا، لقد أصبحت أحداث كبرى، يـُحتفى بها دينياً في التاريخ، ووفق تلك المستجدات المفاهيمية، بحاجة لمراجعة وإعادة نظر وتقييم لنزع كل تلك الهالات الأسطورية، والتابوهات التحريمية التي أسبغت عليها، وربما تتم إدانتها وتجريمها بالكامل.
لذلك، وبناء عليه، لن يكون بمقدور أحد، اليوم، أو أي كان أن يجيـّش الجيوش، ويشنّ الحروب ضد الشعوب الأخرى باسم الغيب والأسطورة والسماء ويرتكب المجازر، ذات اليمين وذات الشمال، من دون حساب وعقاب. فمعايير العصر وانتشار ثقافة حقوق الإنسان، وبالرغم من التحفظ على عورائيتها وتسييسها، أحياناً، لا تسمح لأحد بارتكاب جرائم ومجازر وإبادة أو أي نوع من القتل وزهق أرواح الناس باسم الله.
ولقد كانت الأحلام الإمبراطورية التوسعية، والطموحات الشخصية الفصامية السيكوباتية المريضة، والعوامل الاستعمارية، إضافة للعامل اللاهوتي الأبرز، بعضاً من ذرائع تختفي وراءها رايات الحروب الدينية. وهناك الكثير من المعارك الدينية الحاسمة، التي تحتل رمزية مقدسة في وجدان، ووعي الكثير من المؤمنين، ليست في الحقيقة، توصيفياً، وبمعايير العصر، وقيمه الحقوقية المستحدثة، سوى مجازر، ومذابح، وجرائم ارتكبت ضد الإنسانية، وعمليات إبادة جماعية استهدفت شعوباً وأقواماً آخرين، بغية السيطرة على ثرواتهم، وأراضيهم، والتحكم بمقدراتهم، واستغلالها لمصلحة الغزاة القادمين، من هنا، وهناك. ومن هنا،أيضاً، فقد نكتشف مصدومين ومذهولين، بأن كثيراً من الأبطال الرمزيين، والقادة الأسطوريين الذين ألفناهم وتعلقنا بهم في التاريخ، والذين أسبغت عليهم رداءات من الطهرانية، والتقديس، ويحتلون مقامات مرموقة في الوجدان العام، ليسوا إلا مجرد مجرمي حرب، وقتلة، وسفاحين متعطشين للدماء، وأيديهم ملوثة بدماء الأبرياء الآمنين، وفق معايير العصر الحالية التي لا يجوز فيها النيل من حق الآخر بالحياة تحت أية ذريعة، وسبب كان.
فلقد كانت الأفكار الدينية، والتذرع باسم الله، فيما مضى هي الحجج الأنسب والأفضل والأمضى، لشن الحروب وارتكاب المجازر وقتل الناس، وذلك لأسباب عدة أهمها تبرير ذاك الكم الهائل من زهق الأرواح والقتل والنحر وسفك الدماء، وتالياً، لضمان عدم الإدانة، ولإعفاء أولئك السفاحين والجزارين والقتلة من أية مسؤولية قانونية وأخلاقية، قد تترتب أمام النفس، والآخرين، والتاريخ، ومن ثم لإظهار من ارتكبوا تلك المجازر الوحشية، باعتبارهم، مع من يموت فيها، شهداء وصالحين وأتقياء سيثابون عليها بالفراديس ورضا الغيب واللاهوتي الميتافيزيقي والأسطوري، وأخيراً للتمهيد لمزيد من التورط والإمعان في هذا الهولوكوست الديني الدامي. وحسب معايير العصر، لو كان أولئك "الأبطال" الرمزيين، بين ظهرانينا اليوم، لربما كان مكانهم الطبيعي، في لاهاي، مع المغفور له ميلوسيفيتش، وكارازيتش، وتشارلز تايلور وغيرهم من القتلة والمجرمين.
هذا، وبالرغم من كل ذلك، فما زالت ترتفع اليوم في غير مكان من العالم، شرقاً وغرباً، دعوات علنية لشن الحروب الدينية وقتل الآخرين وتصفيتهم، وإبادتهم والنيل من حياتهم، باسم الله. ويجري ذلك من قبل شخصيات وهيئات ومؤسسات علنية معروفة وفضائيات إعلامية مملوكة لدول، ووزارات رسمية وحكومات، وبكل ما ينطوي عليه ذلك من احتمالية ومخاطر الانزلاق نحو ارتكاب عمليات إبادة جماعية، ومجازر ضد الإنسانية.
ولا يزال بعض المهووسين دينياً يحلمون بشن المزيد من الحروب المقدسة المبنية على خلفيات دينية وأسطورية لا تجد من يقف في وجهها ويحاسبها ويوجه لها التهم الجنائية الدولية. فجورج بوش، مثلاً، قال في معرض تبرير حربه الوحشية الإجرامية على العراق، بأن الله قد "أوحى"، وقال، له بأن يفعل ذلك. وما زال ابن لادن أيضاً يتحصن في جبال تورا بوراً استعداداً لفتح روما المأمول، ولا ينفك هذا الحلم الأسطوري عن مراودته في حله وترحاله، وصحوه ومنامه. فيما يتطلع أحفاد صهيون لإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، بكل ما ينطوي عليه ذلك من احتمال ارتكاب مجازر ضد الإنسانية، ولا يتورعون عن ارتكاب المجزرة وراء المجزرة، وبدم بارد لهذه الغاية والهدف، ولا يجدون أية غضاضة أو حرج أو تأنيب أخلاقي لذلك، لأنهم يعتقدون بأن الله يأمرهم بذلك وسيستحوذون على مرضاته عند تحقيق تلك الغاية. وهذه النماذج الثلاثة الدينية الثلاثة، لا يمكن توصيفها اليوم، ووفق المعايير القانونية والحقوقية والإنسانية المعتمدة، إلا بوصفهم كمجرمي حرب وقتلة وسفاحين وجزارين متعطشين للدم الآدمي، يجب أن يحجر عليهم ويساقوا للمحاكم الجنائية.
فهل تتحرك الهيئات القضائية الدولية للتصدي لهؤلاء الموتورين أم أن الحروب الدينية، ودعاتها، بعيدة، معفيـّة من أية مساءلة قانونية؟ وهل سيعاد النظر، موضوعياً، في كل تلك الحروب الدينية التي شنـّت في غير مكان من العالم، سابقاً، وتتوالى الاعتذارات العلنية عنها، أم ستبقى في حكم الأسطوري، والمنزه، والمقدّس؟
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خرافة الفكر القومي والأمة الواحدة
-
العقلاني المستنير بين الخنزرة والتفئير
-
لماذا تقتلون النساء؟
-
التغريبة العيدية من العقلانية إلى الهاويات الفكرية
-
الممانعة والاعتدال: ولادة نظام عربي جيد
-
المحاكم الدولية والشرق أوسطية
-
سُحقاً للثّقافة الَبدويّة
-
لماذا يَسْجِدون؟
-
محاكم وتقارير أي كلام!!!
-
المطلوب رأس العرب فقط
-
هَذه بَضَاعَتُكُم رُدّتْ إِليْكُم
-
هل يتكرر سيناريو العراق في إيران؟
-
سنة إيران وشيعة الخليج الفارسي
-
رداً على فؤاد الهاشم
-
حروب خمس نجوم
-
العرب وتركيا: القرعاء وبنت خالتها
-
لماذا لا يرحّب العرب بإيران؟
-
نضال نعيسة في حوار صحفي عن ادراج اسمة ضمن قائمة الكتاب العرب
...
-
هذا هو مقال الخارجية الإسرائيلية!!!
-
القوميون العرب: تاريخ أسود وفكر خبيث
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|