أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء هاشم مناف - حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي















المزيد.....



حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي


علاء هاشم مناف

الحوار المتمدن-العدد: 2586 - 2009 / 3 / 15 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


" المقدمـــة"
تشكل هذه الدراسة خاصية "ابستيمية" لتراث المتنبي الشعري باعتبارها اعلان عن وقائع واشارات تؤكد مضامينها وفق نظم مكفولة بمنطق الأشياء وكالعلاقة السيميولوجية بين " الدال والمدلول" وهي التي تشكل منظومة معرفية لرابطة قائمة على فكر ومنطق يمثل طبقية ثنائية من الوعي لعصر تضمن التشابه في تكوين النسق الموحد والإختلافية الاستبدالية – بتركيبة النص الشعري . والمتنبي هو الاشارة الى هذه الثنائية من الكينونة ، ولذلك جاء بحلقة التطور والتجديد والاستقلالية بتفاصيل المدركات الحسية والمنعكسة بحلول داخل منعطفات " الفكرة والصورة" والتمثيل "للأثاره"باعتارها التنظيم الرئيس للفرض المتحول الى ممثل لهذه الاشياء . ان الفكرة القائمة والدالة وبنظرة جدلية تأريخية تعطينا القدرة الاختلافية بعملية التمثيل باعتبارها مضمون مشار اليه في هذه الاختلاقية الشعرية . والمتنبي اشار الى هذه المضامين وفق استشفاف دلالي يسكن النص الشعري وفق مغزى مثله منعطف البيت الشعري ورموزه . لقد ترك ابي الطيب تراثا شعريا كبيرا علينا ان نقف امامه لنعيد قراءته ودراسته دراسة علمية تصلنا الى هذه الخريطة وما مثله شعر المتنبي من خفاء استبطاني اتصل بخصوصية فكرية كنا قد أشرنا اليها في هذه الدراسة وما مثله المتنبي من طرح فكري يتضمن الترتيب الدقيق للإشارة الفكرية التي تحل محل التنظيم الثوري . فالمتنبي : كيفيات اختلاقية متركبة داخل النص رغم مرور " أكثر من الف عام على وفاته" هذا الامر هو نتاج من المعارف وامتداد من التصور داخل منظومة هذه الايديولوجية ومفاتيحها وامتداداتها داخل الفكرة المجردةالتي تعني المداخل والمخارج الفكرية المتجسدة بمنهجية الادراك الحسي .أليس هو القائل:
عش عزيزاً أومت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنـود
فرؤوس الرماح أذهب للغيــ ظ وأشفى لغل صدر حقـود
لاكما قد حييت غير حميــد وإذا مت مت غير فقيــد
فاطلب العز في لظى ودع الذ ل ولو كان في جنان الخلود
لقد تظمنت هذه الحفريات " الأبستيمية" تشكيلاً معرفياً في عملية التوسع لهذه الدراسة لانها تقوم على منطق نظري للوعي الباطني للنص الشعري لذلك جاءت بحصيلة منطقية شفافة لتشكل شبكة واسعة من الانساق الدلالية وانشطة مثلت انطلاقة جديدة في دراسة النصوص القديمة بتخارجات استدلالية دقيقة .والحفريات الأبستيمية هذه قد بدأت بنبذة تأريخية عن العصر الذي عاش فيه المتنبي ثم النشأة وشروط الأمكانية الفكرية بدعوته الأسماعيلية القرمطية الى المنهجية الاختلافية في المنظومة الشعرية وطروحات التأويل على المستوى الادبي والفلسفي وظهور مدرسة المتنبي والتجديد في النص الشعري الى اصرة الخطاب المربوط بخطاب النص وما يتعلق بالمنحى الافقي والعمودي داخل منظومة السرد الشعرية واختراع المتنبي للمعاني والتبطين الخطابي وما يشكل من جوهرية في البنائية الجديدة عند المتنبي والمطارحات داخل هذه البنائية ورؤية جديدة ومنحى حسي جديد وما يتعلق – بتفاصيل العلامة السيميولوجية الصوتية والكتابية في التفكيك المتعالي وما واجهه المتنبي من "الصاحب بن عباد والحاتمي" من مضايقات ومامارسة في فكر الحاتمي من صيفة عزل للمتنبي . فكانت طعنة قاتله للمتنبي . لكن المتنبي بقي يحمل المصدرية في جوهرية الكينونة رغم ما لاقاه من مضايقات من "صاحب كتاب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني" الذي لم يذكره في هذه الموسوعة الادبية والتأريخية على الاطلاق في حين ان ابي الفرج الاصفهاني عاصر المتنبي وتوفى المتنبي قبله . ورغم ذلك بقي المتنبي تلك القدرة الفعلية والفضاء للكتابة . وقد اشترك المتنبي مع "شكسبير" في تشكيلة متشابهه من الفروضات الفكرية والسيكلوجية الى "انسكلوبيديا الصرخة- الايمانية" بعيداً عن المنطق الفيزيقي وما يتعلق بالتناص والبنية الصوتيةواحكامها عند المتنبي والبنية والتناسب في القصيدة وفق رأي الحاتمي ثم تأتي لغة التناص لتؤكد الزاوية الدلالية للبنية التركيبية الى الرد على الرسالة الموضحةاو الحاتمية الى ما يتعلق بمنطق اللغة الى حقيقة " الوحيد الازدي وابن وكيع – التنيسي " والاشكالية النقدية في شعر المتنبي وما يتعلق "بجراما تولوجيا ابي الطيب المتنبي " التي عرض فيها ثنائية العلاقة عند ابي الطيب ويطالعنا موضوع اعجاز المعنى واشكالية الدال عند ابي الطيب الى العلاقة الصوتية ومركزيتها والمنهج البنيوي وشفرة الدال الى المنظومة الصوتية – والتشكيل الصوتي والانساق الجمالية للغة الى المعنى واللفظ والنص والاسلوب والاشكالية في المعنى الدلالي الى التأريخية الفلسفية والصورة الشعرية واختلافية المعنى فيها "والمفهوم النظري – للوقت والثورة والمركزية الشعرية" وتنتهي بهذه الدراسة الى "الغموض او الابهام في شعر المتنبي" واسبابه والتقابل الثلاثي للابهام حسب التطابق البيرسي . لقد تمخضت هذه الدراسة عن سلسلة غير متناهية بالنتائج في شعر المتنبي وطبيعة نتائج تفكيره وحدود الأنبثاق داخل المنظومةالاختبارية التي تم توزيعها بشكل يظهر منظومة المتنبي الابستيمية وهي لا تنغلق – وهذه الدراسة جهد متواضع على طريق المعرفة والتقدم العلمي شكري الجزيل لكل من أعانني بالمراجع للمتنبي الذي علمنا الكثير وشكراً.







علاء هاشم مناف
مدينة الحلة : في 13 من ذي الحجة 1426هـ
الموافق 13/1/2006م


نبذة تأريخية عن العصر الذي عاش فيه
أبو الطيب المتنبي
في النصف الاول من القرن الرابع الهجري ، عاش ابي الطيب المتنبي ، وكانت الدولة العباسية في القرنين الثاني والثالث الهجريين قد بلغت من الرقي الحضاري أقصاه ، بعد ان بلغت المنال في جميع فروع الآداب والعلوم والفنون . ولكن منذ القرن الرابع الهجري بدأ يصيبها التفكك لأجزاءها ، وذلك لاستقلال الولاة العباسيين ، وتدخل الموالي في شوؤن الدولة والقيام بتولية من يتوسمون فيهم الضعف ، حتى يبقى الأمر طوع يديهم . وكانت الدولة العباسية في هذه الفترة : دولة غريبة الاطوار ، فنرى الخليفة العباسي جالسا في قصره ليس لديه أي صلاحية ولا يستطيع أن يعمل شيئا ، وترى دولة بني حمدان على حدود بلاد الروم في حرب مستمرة ومع الإستقلال الذي حصل لأمرائها عن دولة الخلافة ، فانهم يدافعون عن دولة الاسلام بقوة وإستبسال وشجاعة وكان الخلفاء يعقدون لهم الأولوية ويلقبونهم بسيف الدولة وكذلك ناصر الدولة نظرا للمهام الوظيفية التي كانوا يقومون بها من خلال تواجدهم على الثغور ، ودفاعهم عن الدولة ، واستمرار حروبهم داخل أراضي البلاد الاجنبية ، ثم تشاهد دولة بني بويه تستقل بفارس واستطاع خلفاءها ان يتقلدوا الوزارة والإمارة إضافة الى أنهم لقبوا بعماد الدولة – وعضد الدولة – وركن الدولة وكأن الدولة موجودة بهم ، وقائمة عليهم مع خصوصية انهم كانوا شيعة متعصبون لمذهبهم وهم أول من احيى مأتم (الامام الحسين في يوم عاشوراء) وقد أحياه (معز الدولة في العام 352هـ) وامتد هذا التقليد الشيعي حتى في بغداد بعلم الخليفة العباسي ، ثم واصلوا الاخشيديين في مصر يتوارثون الحكم بأمر من الخليفة العباسي . في هذا العصر المضطرب عاش (ابي الطيب المتنبي) وكان اتصاله بامراء هذه الدول المختلفة في نزاعاتها ، واخذ يمدحهم في شعره لان علاقته بهم جيدة ويهجوهم اذا ساءت علاقته بهم وهو الاتصال الاول بسيف الدولة الحمداني – ثم بكافور الاخشيدي في مصر ، ثم بعضد الدولة بن بويه . ورغم هذا الوضع المزري والمضطرب ، كانت الحياة الأدبية بصحة وعافية حيث بلغ الشعر مبلغا عظيما على يد المتنبي ، وكان الكل ينشد الشعر حتى الخليفة العباسي (الراضي بالله كان شاعرا) ومحبا للعلم ولم يكن نظم الشعر محصورا ومقصورا على الامراء او المتعلمين بل كان منهم من كان أمّيا يجهل القراءة والكتابة مثل (نصر بن أحمد ابو القاسم البصري) والذي إشتهر بالخبز الأرزي لأنه كان خبازا يخبز الخبز الارزي ليعتاش منه وكان يقول الشعر في دكانه ، وكان الناس يزدحمون عليه لشراء الخبز وسماع الشعر ، ويتعجبون من جزالة شعره وقوله :
رأيت الهلال ووجه الحبيب
فلم أدر من حيرتي فيهما
ولولا التورد في الوجنتين
لكنت أظن الهلال الحبيب
فكانا هلالين عند النظر
هلال الدجى من هلال البشر
وما راعني من سواد الشعر
وكنت أظن الحبيب القمر


(حياة أبي الطيب المتنبي)
القسم الاول
نسبه :
هو أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الجعفي ، وقيل بن عبد الصمد الجعفي بن سعد العشيرة من مذحج من كهلان من قحطان .
ولادته :
ولد أبو الطيب احمد بن الحسين المتنبي بالكوفة سنة ثلاث وثلاث مئة في محلّة يقال لها كنده وكان والده يعّرف بعبدان السّقّاء يسقي الماء لاهل المحلّة ، وقد ترفع احمد بن الحسين عن ذكر نسبه – وقبيلته – واستعاض منهما بخلال نفسه ويقول في هذا :
لا بقوْمي شرُفتُ بلْ شرُفُوا بي
وبنفسي فَخَرْتُ لا بجُدُودي( )

ولقب المتنبي : لانه ادعى النبوة في بادية السماوة وهي ارض بحيال الكوفة .
نشأته :
نشأ المتنبي في الكوفة نشأة علّوية ، وبها اختلف الى الكتاتيب والوّراقين كما يختلف الى العلماء ومجالس العلم والأدب وفي سنة 925م استولى القرامطة على الكوفة ، ففّر المتنبي مع ذويه الى بادية السماوة وهي ارض بحيال الكوفة ، وقدم الشام في صباه وبها نشأ وتأدب ولقى كثيرا من أكابر علماء الادب : منهم (الزّجاج) وابن (السّراج) و(ابو الحسن الأخفش) و(ابو بكر محمد بن دريد) و(ابو عليّ الفارسي) وغيرهم وتخرج عليهم فخرج نادرة الزمان في صناعة الشعر( ) . ثم عاد الى الكوفة واتصل بأبي الفضل الكوفي احد اتباع المذهب (القرمطي) فتأثر به وبالمبادئ القرمطية وهكذا كان ابي الطيب المتنبي .

(علّوي النشأة – اسماعيليّ المذهب – قرمطي النزعة)
وفي الشام : كان المتنبي في الثامنة عشرة من عمره عندما غادر العراق الى الشام يطلب الشهرة والمجد – والرفعة وليحقق بعض الاهداف الاسماعيلية – والقرمطية في قلب نظام الحكم وفي ازالة الملك الفاسد وكانت بلاد الشام إذ ذاك موضوع منازعات جديدة استقر فيها – سلطان الاخشيد الى ان ظهر سيف الدولة الحمداني واستولى على حلب في العام 944م وبقي الاخشيديون في دمشق وهذا مما شجع أبا الطيب في مغامراته هو ضعف الدولة او السلطة المركزية في بغداد وتفكيك الدولة العباسية .

(تنصيب نفسه داعية من دعاة الاسماعيلية)
وراح في دعواه هذه يجمع الكثير من الأعراب في منطقة السماوة فأراد ان يثبت ذلك ، فسار وراءه جماعات كثيرة (ووصفهم حنا القاخوري بانه جيش رهيب الجانب) قال الخطيب البغدادي (ان ابا الطيب لما خرج الى كلب وأقام فيهم إدعّى أنه علويّ حسنيّ ، ثم ادعى بعد ذلك (النبوة) ثم تارة اخرى ادعى انه علويّ إلى ان أشهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحبس دهرا طويلا واشرف على القتل ثم أستتيب وأشهد عليه بالتوبة واطلق) وجاء في الصُّبح المنبي أن أبا الطيب قدم اللاذقية بعد نيف وعشرين وثلاث مئة ، فأكرمه معاذ ثم قال له : والله انك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير . فقال : ويحك! أتدري ما تقول ؟ أنا نبيُّ مُرْسل ، ثم تلا عليه جملة من قرآنه وهو مئة واربع عشرة عبرة فبايعه معاذ وانتشرت ببقية بلاد الشام ، وعندما أشيع ذكره ، وخرج بارض سلمّيه من عمل حمص قبض عليه ابن عليّ الهاشمي ، وأمر ان يجعل في عنقه ورجليه خشبتان من الصفصاف .
(أن ابا الطيب عدّ نفسه داعيا اسماعيليا)
أي انه اعترف بنزعته القرمطية وأنه مرّ بالسلمّيه مقر الاسماعيلية ثم احتك برجال المذهب الاسماعيلي احتكاكا مباشرا ووثيقا حتى نشب خلاف بين ابو الطيب وابن عليّ الهاشمي لسبب مجهول لنا وقد يكون الاختلاف في الرأي – او لتطرف في اراء ابي الطيب المتنبي كما يقول حنا الفاخوري اضافة الى أنه عندما فشا أمره خرج اليه لؤلؤ امير حمص وهو نائب الاخشيد فحبسه زمانا ثم اطلق سراحه ، واخذ المتنبي يتردد في اقطار الشام يمدح امراءها حتى التقائه بالأمير سيف الدولة عليّ بن حمدان العدوىّ صاحب حلب سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة فحسن موقعه عنده واحبه وقربه وأجازه الجوائز السنيه وكان يجري عليه كل سنة ثلاثة آلاف دينار خلا الاقطاعات والخلع والهدايا . ثم اختلف مع سيف الدولة ففارقه سنة ست واربعين وثلاث مئة وقدم مصر ومدح كافور الاخشيدي واختلف معه لأنه لم يرضه في تولي عمل من اعمال مصر فهجاه ففارقه في اواخر سنة خمسين وثلاث مئة وسار الى بغداد متوجها الى بلاد فارس فمر بارجان وبها ابن العميد فمدحه وله معه مساجلات لطيفة ثم ودع بن العميد وسار قاصدا عضد الدولة بن بويه الديمي بشيراز فمدحه ثم استأذنه وانصرف عنه فعرض له فاتك بن أبي جهل الاسدي .
مقتله :
عندما عرض له فاتك الاسدي في الطريق بجماعة من اصحابه ومع المتنبي جماعة من اصحابه ايضا فقاتلوهم فقتل المتنبي وإبنه مُحسّد وغلامه مفلح بالقرب من دير العاقول في الجانب الغربي من سواد بغداد وكان مقتله في اواخر رمضان من السنة المذكورة .
(حياة المتنبي في قسمها الثاني)
1- غلام علوي النسب ، يولد بالكوفة سنة 303هـ ويقيم بها حتى يصبح فتى الى اواخر سنة 320هـ .
2- خرج الى بادية الشام واظهر نسبه العلوي فقبض عليه وسجن واقام بالسجن في اواخر سنة 321هـ الى سنة 323هـ وهذا معناه (ابطال النبوة) التي زعموها في الاخبار الواردة .
3- خروجه من السجن ورحلته بعد ذلك الى الشام منذ سنة 323هـ وعودته الى الكوفة سنة 325هـ ورجوعه الى الشام مرة اخرى في سنة 326هـ حتى سنة 336هـ .
4- اول لقائه بأبي العثائر الحمداني ، ثم لقاء سيف الدولة من سنة 336 هـ الى 346هـ .
5- حبه (خوله) اخت سيف الدولة ثم فراقه سيف الدولة الى مصر من سنة 346هـ الى سنة 354هـ وكانت فيها وفاته .
6- مجيئه الى مصر ، وبقاؤه عند كافور الاخشيدي ثم فراره من مصر ورجعته الى الكوفة ثم الى فارس عند ابن العميد وعضد الدولة ثم مقتله من جمادي الآخرة سنة 354هـ وخروجه من مصر يوم عرفة (9 ذي الحجة سنة 350هـ) ثم دخوله الكوفة سنة 351هـ ثم سائر رحلته الى يوم مقتله بالعراق عائدا من فارس في 27 من شهر رمضان سنة 354هـ)( ) .
7- هناك كتاب لابن العديم (558 – 660هـ ) بخط بن العديم نفسه – محفوظ بمكتبة أحمد الثالث (بالقسطنطينية) وهي من الجزء الاول وفيها ترجمة ابي الطيب المتنبي (من الورقة 25 الى الورقة 52) وهي اطول ما موجود من تراجم ابي الطيب .
قال ابن العديم :
(أخبرني صديقنا ابو الدُّر ياقوت بن عبد الله الرومي ، مولى (الحموي البغدادي) قال : رأيت ديوان ابي الطيب المتنبي بخط أبي الحسن عليّ بن عيسى الربعيّ ، قال في أوّله : (الذي اعرفه عن ابي الطيب أنه : أحمد بن الحسين بن مُرّة بن عبد الجبار الجعفي وكان يكتم نسبه وسألته عن (سبب طيه) فقال ... وهذا الذي صَّح عندي من نسبه قال : واحتجزتُ أنا وأبو الحسن محمد بن عبيد الله السّلامي الشاعر على الحبس ببغداد وعليه من جملة (السُّوَّال رجل مكفوف . فقال لي السّلامي : هذا المكفوف (أخو المتنبي فدنوت منه فسألته عن ذلك فصّدقه) وانتسب هذا النسب (ومن هنا انقطع نسبنا) وكان مولده بالكوفة سنة ثلاث وثلاثمئة ، وارضعْته إمراة علوية من آل عبيد الله)( ) .
وقد تعلم المتنبي في كتاب فيه اولاد العلويين الأشراف الى ان اصبح فتىً في الخامسة عشرة يمدح علويا من آل عبيد الله – واول شعره في الخامسة عشرة من عمره منبئا عن حُبٍ ظاهر لمحمد بن عبيد الله العلوي فيقول :
خيرُ قريش أباً وأمجدها
تابعُ لؤيِّ بن غالبٍ وبه
وقد أجمعتْ هذه الخليقةُ لي
وأنْكَ بالأمسِ كنتَ محتلِماً!
ذ أكثرها نائلاً وأجودُها
سما له فرعه وحتدُها
أنَّك ، يا ابن النبيِّ ، أوحدُها
شَيخُ معدٍ وأنت أمردُها( )

وبعد دخوله السجن في العام 321هـ على مجموعة من العلويين والذي لقيه من السجن وفي السجن كانت قسوته وشراسته كافية في تذكيره بجبروت هؤلاء العلويين . وبعد خروجه من السجن في العام 323هـ (علويا) كارها للعلويين وفي هذا يقول ابن العديم : (خرج مخالفا للشيعة) واضمر هذه الكراهية وانطوى عليها وترك بلاد الشام على أثر استدعاء جدته له الى الكوفة سنة 325هـ وبقي في الكوفة زمنا لكنه اكره على الخروج منها ثم عاد الى الشام في العام 326هـ ثائرا يائسا ثم نراه يمدح على بن سّيار بن مكرم التميمي بمديح نفسه اولا في قصيدته التي أولها :
أقلُّ فعالي بلْة أكثُرهُ مجدُ
سأطلبُ (حقي) بالقنا ومشايخٍ
وذا الجُّد فيه ، نلتُ أو لم أنل جدُّ
كانّهُمُ من طولِ ما التثموا مُرْدُ

ثم نفاجأ مرة اخرى بذكر (العلويين في العام 336هـ) بعد مضي ثلاث عشرة سنة منذ خورجه من السجن في العام 323هـ وكان العلويين قد تآمروا عليه وقد أعدوا له السُّودان بكفر عاقب ليقتلوه وهو في طريقه الى ابن طعج وهذا يتضح من القصيدة التي قالها في رثاء جدته فهي التي تكشف عن أثر هذه الحادثة ، والقصة التي تقول بأن جدته ارسلت اليه قبل ذلك بسنة تقريبا أي في العام 335هـ تشكو شوقها اليه لطول غيبته عنها لمدة عشر سنوات أي في العام 325هـ فتوجه المتنبي الى العراق فقام العلويين بمنعه من دخول الكوفة ، فأرسل كتابا يشرح فيه المسير الى الكوفة وما تعرض له من منع وحبس عند دخول الكوفة فقبّلت الكتاب وفرحت فما أرادت ان تفعل ، ابلغها العلويين أن المتنبي قد مات ، فأصابتها الحمة وماتت قهرا ، وهكذا كانت مرثية أبي الطيب الى جدته . وبعد سنوات الغربة فهو يتذكر ما حصل لجدته حيث بقي هذا الهاجس يحرك وجدان أبي الطيب حتى جاءت سنة 351هـ أي بعد ست عشرة سنة حين خروجه من مصر / حتى بلغ الكوفة فدخلها منتصرا مراغما للعلويين حين يقول :
فلما أنخْنا ركزنا الرِّما
لتْعلم مصرُ ، ومَنْ بالعراق
واني وفيتُ ، واني أبيتُ
وما كُلُّ من قال قولا وفَى
ح بين مكارمنا والعُلى
ونمسحُها من دماءِ العِدى
وأني عتوتُ على من عتا
ولا كُلُّ من ِسيمَ خسْفاً أبى( )

ويحدثنا ابن جني قال : اخبرني بعض اصحابنا قال : جيء بالمتنبي الى أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد ، فقيل : إنه شاعرٌ . فقال : انشدنا يا فتى ، شيئا من شعرك ، فانشده المتنبي :
متُ إن لم تأخذوا بدمي
بالقَحْطاني ويعربَيْه

قال : فمسح ابن دريد يده على رأسه وقال : لا ، بل نأخذ بدمك( ) . ويذكر ان ابن دريد كان ببغداد في العام 321هـ وكان دخول المتنبي بغداد وهو شاعر طموح يريد أن يتألق ، فإن عظمتها وفتنتها وزحمة الشعراء فيها لم يفكر المقام فيها حيث فارقها الى الشام فتىً عربياً متجاوزاً ما شاهده ببغداد من سيطرة للاعاجم على مرافق الدولة وسلطان الخليفة ، وهذا ادى به الى اظهار (علويته) وهي وسيلة لجمع الناس والمناصرين في هذا الصراع على السلطان لعله يصيب في ذلك بحالتين (حالة العروبة – وحالة النسب العلوي) وهذا اول طموح له في السلطة حيث يقول :
عش عزيزاً أو مُتْ وانت كريمُ
فاطلبِ العِزّ في لَظى ودَعِ الذلَّ
بين طعْنِ القنا وخفْقِ البُنودِ
ولو كانَ في جنان الخُلُودِ

والى قوله :
إنْ أكنْ مُعْجَباً ، فَعُجْبُ عجيبٍ
لم يَجِدْ فوقَ نَفسهِ من مزيدِ

كان العروبة والنسب العلوي هما القضيتان الجوهريتان اللتان شغلتا ابي الطيب حيث بلغ اقصى هذا التوهج والجوهرية في سنة 326هـ حيث يجده في العربي (بدر ابن عمار بن اسمعيل الأسدي) والي طبّرية فيحمل شعره في بدر نفس ثورة الوجدان التي تلقاها عند لقائه سيف الدولة العدوىّ العربيّ في العام 336هـ بعد تجارب طويلة ، وكانت حالة المتنبي في العهدين : هي حالة رجل سياسي يرقب ما يحيط به من احداث وكان شعره في سيف الدولة قد تجاوز الإحساس الكامن الى صيغة الملحمة التأريخية في عهد الرسول محمد (ص) بين النصرانية والاسلام والتي ظلت تتصاعد على ثغور الشام حتى ظهور زمن سيف الدولة فظهر الابداع عند المتنبي ، أي ان هموم المتنبي في عروبته ونسبه كانت تنازعه قبل التقائه سيف الدولة في العام (336 الى 346هـ) عند سيف الدولة .
وهو يدافع عن القضية العربية ضد سلطان الاعاجم ولكن عند التقائه سيف الدولة أصبح المتنبي شخصية سياسية اضافة الى شعريته المبرزة . كان حبه لخولة اخت سيف الدولة منذ كان ابي الطيب ملازما لسيف الدولة وبقي هذا الحب شاخصا في شعر المتنبي حتى بعد فراق سيف الدولة في العام 346هـ وإقامته عند كافور ، ثم فراقه كافورا ورحلته الى العراق ثم الى فارس الى مقتله ، فكان شعر ابي الطيب تكنه العواطف الفكرية والانسانية منذ مطلع شبابه ، فكانت عاطفته تجاه جدته التي كفلته يتيما وقومته وكشفت عن سر مولده ونسبه فكان هذا العمق من الحب ترك آثارا كبيرة في ثنايا شعره من اللفظ المكظوم وكذلك مقدار الصدق في ذلك . وبعد فراق سيف الدولة كان المتنبي في الثالثة والاربعين من عمره ، ففراقه ما كان مختارا ، فسيف الدولة كان مثالا حيا له ، والسنوات العشر التي لازمه فيها كانت سنوات مليئة بالحب والاحترام ، وعرف سيف الدولة المتنبي معرفة جيدة وكذلك المتنبي وكانت الغايات السياسية بينهما واحدة ، وكانت غايات المتنبي ليس المركز ولا المال كما توهم بعض الكتاب ولكن الوشاة اكثروا السعاية في ذلك حتى بلغ اليقين من ان سيف الدولة قد تغير عليه وكان هذا يحدث لفرط حساسية ابي الطيب وتوجسه ، ولكن القضية الأهم هو (حبُّ خولة) الذي بلغ به شفا الهاوية وذروة متصاعدة ومحلّقة حتى ضاق بها صدر ابي الطيب ، فكان الليل سميره ورحل الى دمشق وما قاله بعد سنوات :
ضرْبتُ بها التيه ضرْبَ القِمارِ
إمّا لذا ، وإمّا لِذا

فكان أمامه حالتان فامّا راحة النسيان ، وإمّا راحة الهلاك! وهنا قد تلابسا هوى القلب والأمل السياسي عند المتنبي حيث اشتبكا الهّمان وداهمه اليأس وتمنى النهاية بعد ان رمته البوادي والقفار الى مصر الكافورية فاستقبله كافور وكان قوله :
كفى بك داءً أن ترى الموت شافيا
تمنيتها لمّا تمنيت أن ترى
وحسْبُ المنايا أن تكُنَّ أمانيا
صديقا فأعيى ، أو عدّوا مداجيا

وبقي ابي الطيب مع كافور من سنة 346هـ الى العام 350هـ يعيش الغربة والتوحد ويتفجر شعريا . وهو واثقا من نفسه متحديا المصاعب التي تواجهه مع كافور يقول المتنبي :
أنا في أمّةٍ تداركها الله
غريبٌ كصالحٍ في ثَمودِ

بعدها يأتي الوجع والهم السياسي في الغربة مع كافور وما تمليه الظروف الصعبة عليه حين يقول :
بم التعّللُ لا أهّلٌ ولا وَطنُ
أريدُ من زمني ذا أنْ يُبلّغني
ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ
ما ليس يبلغهُ في نفسه الزمنُ

ولكن قبل هذا هناك مخاضات كثيرة واجهها ابي الطيب ابتداء من موت أمه وهو وليد فكفلته جدته واختارته ليكون حظها من هذه الدنيا وتعدته بالرعاية والتربية والنشأة والنصيحة ومنحته حنان الام والاب ، وكانت جدته من (مصلحات النساء الكوفيات) كما وصفها ابي الطيب (حازمة ، طيبة الروح ، زكية النفس) غير أنثى العقل ويقال : كانت إمراة موتورة ، لكنها طيبة . فكان المتنبي شخصية غريبة وكما يقول ابن رشيق (ملأ الدنيا وشغل الناس) ونشأ المتنبي وهو محب للعلم والادب ولا شك ان وراء ذلك كانت جدته بحزمها تدفعه وتشجعه ، فتأدب الفتى على العلم الذي كان ينهله من كتاب اولاد أشراف الكوفة كما قلنا في البداية ، فإجتهد وبرع وتقدم على اترابه بفضل جدته وتأثيرها عليه حتى استطاعت ان تحقق ما تريد في مجال المعرفة العلمية والأدبية وهذا ماثلا في شعره . وكان الفتى وهو الكتاتيب له وفره من الشعر يفوق بها أقرانه فقال له بعض اصحابه من الفتيان العلويين (يا أحمد ما أحسن هذه الوفرة) فكان جوابه اعجب من فتى في الكتاتيب :
لا تحسن الوفرة حتى ترى
على فتىً معتقلٍ صعدةً
منشورة الضّفرين يوم القتالْ
يعُلُّها منْ كلِّ وافي السِّبال

وهنا يتحدد في هذه الأبيات العمق والتجربة البسيطة ولكن طريقة التناول للمواضيع والمعاني والصورة الشعرية وتفاصيل الحدث الشعري وحضوره والتي يراها وهي متداخلة ، والصورة الشعرية المركبة يوم ينشر مضفورها في القتال وتصاعد الغبار والدم المهراق وهذا تحقيق لمنعطف الخيال الشعري في بداية صباه وتعطينا هذه الإلتفاتة الشعرية المعنى في طلب الرجولة والانصراف الجدي للحياة والإبتعاد عن الهوامش الى المركز والنظرة الابعد الى هذه المجاهيل ومنذ لحظة بناء البيت الأول ونحن نلاحظ البناء اللّغوي المتين والمعنى المتدفق في البيتين التاليين :
سبحانَ خالقَ نفسي كيف لذّتُها
الدّهرُ يعْجبُ من حملي نوائبهُ
فيما النفوسُ تراه غاية الألم
وصبرِ نفسي على أحداثه الحطمُ

وهذا هو الأصل في تشكيل المعنى السيكولوجي الذي ظهر في انساقه ليصبح اعلانا عن القدرة السيكولوجية في طاقة التحمل . والمتنبي صاحب الثورة الدائمة في بواعث الشعر العربي وما يضمره من معنى داخل تشكيلة المعنى نفسه ، فهو ينشأ المعنى ويقوم بنقل الحدث من تشكيل الى تشكيل في الصورة ، ويرافق ذلك تدبر في البناء القوي والمتين ومن إثراء في تفاصيل المعاني المتداخلة ، وما خفي من مقاصد من محاربة عدوه وقد قال (كُلّ وافي السًَالِ) فالذي يعنينا من هذه الأبيات هو قدرة أبي الطيب على تحقيق الوعي المركزي في البنية الشعرية وهي تتجه الى تحقيق استمرارية تنظرية في خلاصة الثورة المستمرة بدون توقف فثورة المتنبي تشمل كل معالم الوعي وتجسيدها في حركية الواقع الاجتماعي الذي تهمش على يد ثلة من المرابين والتافهين وكل الذي حصل كان مخزّن في عقل المتنبي منذ يفاعته حتى اخرجته من طفولته الى رجولته فكانت الطفولة هي الطفرة النوعية في الحلقة الأكبر للرجولة وما تعنيه الثورة الدائمة عند المتنبي ، هي حالة التغيير في حركة الواقع والتاريخ فالثورة كبرت في صباه في الكتاتيب وعبر عنها بهذه الأبيات وغيرها ولكن الثورة بقيت حتى اصبح شهيدها . فالثورة عند المتنبي هي حقيقة واقعة وحدث كان قد تركب في شخصيته منذ كان فتى وحتى مماته بقيت هذه الثورة مبثوثة في ثنايا وفضاءات قصائده المحرضة على التمرد .
(الاختلاف في شعره)
من علماء الادب ، منهم من يفضله على ابي تمام ، والبحتري ومنهم من يفضلهما عليه ، وقد شرح ديوانه علماء في الكلام نحو الخمسين من أفاضل اهل العلم وهذا دليل على علوّ طبقته ومتانة حسه البلاغي وسعة معرفة في التصرف بالمعاني وان اول شعر نظمه وهو صبيّ :
أبي مَنْ وَددتُهُ فافترقْنا
فافترقنا حولاً فلمَّا التقينا
وقظى الله بعدَ ذاكَ اجتماعا
كانَ تسليمهُ علىَّ وداعا

وقال وهو صبي :
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدمي
روحٌ تردَّدَ في مثل الخلالِ إذا
كفى بجسمي نحولاً أنَّني رجلٌ
وفَرَّقَ الهجرُ بين الجفن والوسنِ
أطارت الريحُ عنهُ الثوب لم يبن
لولا مخاطبتي إيّاك لم ترني

وقال ايضا في صباه يمدح محمد بن عبيد الله العلوي المشطب :
اهلاً بدارٍ سباك أعندها
ظلْتَ بها تنطوي على كبدٍ
يا حاديي عيرها واحسبني
أبعدُ ما بانَ عنكَ خُرَّدُها
نضيجةٍ فوق خلبها يدُها
أوجدُ ميتاً قُبيل أفقدُها( )

وقال ايضا في صباه :
يترشَّفن منْ فمي رشفاتٍ
كُلُّ شيءٍ منَ الدماءٍ هرامٌ
ما مُقامي بأرضٍ نخْلة إلاّ
هُنَّ فيه حلاوةُ التوحيد ...
شربهُ إلاّ دمَ العُنقودٍ ...
كَمُقامٍ المسيحٍ بينَ اليهودٍ( )

يتحرك النسق المعرفي عند المتنبي باضطلاع الصيرورة وتطورها في تناول الذات العارفة والمعرفة في تأسيس مفهوم (أبستمولوجي) من موقع يتجانس في وجهة الصيرورة والتحول ضمن باقي الأجناس على ضوء الطروحات النظرية وتحولاتها من انطلاقة تشاكل الحقيقة ومميزاتها والإحاطة بكل المداخلات والملامح المتعلقة بالسرد الشعري وسيرورة التجربة الشعرية عند ابي الطيب فتحت ممارسة فلسفية ادت الى عقلانية صارمة في الخروج بالانسان الى المسوؤلية في الوجود وترك حالة العجز واستخدام الفكر والعظمة عند الانسان وتعالقه بالآخرين ذلك في اتخاذ القرارات والممارسات الفعلية في قيادة الآخرين ثم الانطلاق والاجتياز واخذ الناصية المتقدمة لتكون الشجاعة هي المطلب الفكري المتقدم . والمتنبي في حياته طلب العظمة وكانت تتمثل بالقوة والسلطان – والمال والثورة اضافة الى حجر الزاوية في العبقرية الشعرية . والمتنبي كان قد زاوج بين حرية الفكر والجاه – والعظمة والمدح للولاة والحكام ، وهنا ليس بالضرورة ان يكون الحاكم او الوالي شخصا بعينه ربما يكون القانون او المؤسسة الفكرية باعتبارها المنظومة التي توجه الأفراد والجماعات – واطروحة المتنبي المكسوة – بالغموض ليس على مستوى الشخصية بل الغموض على مستوى الشعر حيث ضاعفته الظروف حتى أحكمت الأطروحة الذاتية التي جاء بها المتنبي في صياغتها للعظمة الذاتية . وان تحديد منهج للحرية لا يتناقض مع خلاصات التنوير في حسن الاستعمال والحفظ للعقل – والاخلاق من الناحية العملية – فكان الاستخدام الكامل لمجسات العقل وحّد الخاص العقلي مع العام في لغة استخدام محسوسة في عملية التأويل لصياغات النص الشعري سرديا .
(اطروحة التأويل المتنبّية)
ان معنى الجدل الدائر حول حقيقة التطورات الفلسفية والفكرية عند المتنبي التي اعقبت اشكاليات التسلح بسلاح الداعية الاسماعيلي – وسلاح الشعر + سلاح العبقرية . كل هذه الأشكاليات الثلاثة أدت الى القيام بترتيب جديد في فلسفة المتنبي بثنائية العقل والأختلاف في الطرف التنظيري فاصبحت المنظومة العقلية وفق الترسيم التالي :
ثنائية العقل + الاخلاق + التنظير الاسماعيلي + المنظومة الشعرية + العبقرية = جملة طروحات المتنبي والمرتسم رقم واحد يوضح ذلك.
مرتسم رقم (1)
ثنائية العقل / الاخلاق التنظير الاسماعيلي المنظومة الشعرية العبقرية
+ + +

ثنائية العقل + الاخلاق





المنظومـة الشعرية

وهي وقائع بعد ان أصبحت طروحات المتنبي انقلابات ذاتية وموضوعية الغرض منها نزوعه الى اجتهادات في النظرية وسردا في التاريخ . ومدحا للوصول الى هدفه العقلي من خلال فلسفته التكوينية وقد هيمنت شخصيته على المواقف التاريخية ، فقد نقل الإهتمام الفلسفي من منهجه النظري الى الانطولوجي التقليدي الى البحث عن تجريبية (أبستمولوجية) ومعايير في نطاق التجارب الانسانية فانزل المنهجية الفكرية من الحدود المنطقية المجردة الى حدود منطق الحدث الشعري وصلته الفردية والجماعية . فالمتنبي ما يمكنه ان يعتقد يمكنه ان يعمل حتى يقلّب الأسس التقليدية للطروحات النظرية ، وان منطق التفلسف يمكن قلبه من الكشف عن مكامن الحقائق الى مهمة معيارية تؤكد كل الحقائق التجريبية حصرا والحقيقة المطلقة بمعيار الحقيقة المطلقة ذاتها والكشف عن معيار الأخلاق السياسية والأدبية حصرا التي ترتكز على الحدود المعرفية ولكن المتنبي عمل جاهدا منذ البداية على تحرير المعنى والبحث عن المنظومة الشعرية من خلال هذه الطروحات وبملء نفسه وكامل قواه العقلية حيث كون كيانا متطورا وامتزج بهذا المفهوم إمتزاجا وكان متنبئا لما سوف يحدث وما يتصوره وما يطمح اليه وراح يفجر هذه الطروحات ليخلق منها وجودا يستقل فيه عن تلك الاشكال المبتسره ليخلق العرف الابستمولوجي ليبلغ حقيقة فعله الزمكاني مستقبلا النظرية الابستمية . لقد حاول المتنبي ان يقيم السلطة المعيارية مقابل السلطة المطلقة وبذلك فتح الطريق واسعا امام الابستمية لتحقيق مضامين تتعلق بالجزء أو الكل أو بنسبية الإثنين وامام ارادة فلسفية وطروحات نظرية تتناول البعد السيكولوجي وفق حكمة عامة عن اصول هذه الاشكاليات حتى يمكن ، معالجتها (ابستمولوجيا) والتحقق من مضامينها الجديدة وفق جهد ينصب في عملية تحرير الدفعات النظرية من طغيان المطلقات في رحلة يطوق فيها الموقف النقدي ليحرر رحلة اطلاقية لهذه الطروحات نحو تجريبية محكمة .
لم يكن المتنبي خارج رؤيا طروحاته (الإسماعيلية – القرمطية) لذلك جاء نقد المنهجية الفلسفية المجردة الى قضية صياغة تاويل المعنى لكي يرمز الى الأبستمية وتشبيهها أي تشبيه نفسه بالمسيح ليثور ثورته القرمطية وهي ثورة ابستمية والمتنبي لا تفهم محاور تفكيره الا وفق هذه النزعة الفلسفية (الاسماعيلية القرمطية) وهي التي تسيطر على كل مجساته وتصرفاته وتفكيره ، الذي يتوجب حسب المنطق الزمكاني .
يقول المتنبي :
اين فضْلي ، اذا قنعتُ مِن الدَّهْـ
أبداً أقطعُ البلادَ ، ونحْمي
ـرِ بعيشٍ مُعَجَّلِ الّتنْكيدِ
في نحوس ، وهمَّتي في سُعُودِ

ثم يقول :
وترْكُكَ في الدُّنيا دًوٍيّا كأنّما
تداولُ سَمْعَ المرءِ أنملُهُ العَشْرُ( )

في طروحات المتنبي معادلة تحقيق حلم اخلاقي يتعلق بالذات بافتراض ما يعنيه المعنى الفلسفي لمحتوى أو فحوى هذا السلوك القائم على فعل الواجب كمبدأ في حد ذاته والاطاعة لمنطق مفصل من هذه الطروحات وهو يتقدم بنظرة فردية تجعل من الأخلاق من غير ان تتوازن ، هذه النظرة مع ضرورة تتعلق بالوجوب من قبل الحاكم ورؤيته الى الآخر ، وكادت تحدث هذه المداخلة لكنها تكللت بالفشل ، وهذا الذي حدث مع كافور الأخشيدي وعوتب فقال : (يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد (ص) أما يدعي المملكة مع كافور ؟) وبعد ان اخلف كافور عهده المعروف مع المتنبي عندها اصابت المتنبي الحمّى فلزم الفراش ونظم قصيدته المشهورة :
مَلُومكما يجلُّ عن الملامِ
وَوَقعُ فِعالِهِ فَوْقَ الكلامِ

وهو في هذا معرضا ببخل كافور ، يائسا من اخلاص البشر ، متشائما في ثورة نفسه الجامحة :
وَلمّا صارَ ودُّ النَّاس خباً
وصيرتُ أشُكُّ فيمنْ أصطفيه
جزيتُ على ابتسامِ بابتسامِ
لعلمي أنَّهُ بعضُ الأنامِ


(الطروحات وفق المنظومة الشعرية)
ابتداءً من القاعدة الخصبة التي أسسها ابي تمام وهي تتعلق بظهور ، مدرسة المتنبي اضافة الى وجود القاعدة الاختلافية التي اصبحت أشد ميلا الى الجديد والمحدث في انساق المنظومة الشعرية ، ويمضي الواجب في الذوق العام ومداهمة حالة الاقصى منطقيا . هكذا اصبح المنطق الاختلافي في قبول ابي تمام أو البحتري ، اما المنعطف الجديد في المنهجية الشعرية هو : في طروحات المتنبي وظاهرته الجديدة والمعاصرة . لقد جمع المتنبي فضاءات عديدة من هذه الشعرية الحديثة جمع القديم + الحديث والمنهجية التحديثية والرؤية والجزالة ومرتبة القوة البيانية في الغوص الى عمق النص لاكتشاف المعنى ، فكانت منهجيته منهجية فلسفية : تقوم برصد التطورات التي تتعلق بماهية الحياة بشكل عام والشعر بشكل خاص ، وبناء النص الشعري عبر جوهرية تنتمي في تفاصيلها التاريخية في الادب الى النصف الاول من القرن الرابع الهجري وهذا ما شغل التصور النقدي وما احدثه الصراع بين القديم والحديث وما نهجه ابي تمام من نزعة بحترية . كل هذه التأويلات – والتفسيرات بالنسبة للنقاد وضعت فوق الرف ، فالمتنبي ليس مرحلة تقليدية بين التجريد في النص الشعري وبين طروحاته الاخرى ، فالشعر بالنسبة له اصبح جزء لا يتجزأ من حركية هذه الطروحات بشخصية متعالية متعاظمة وجريئة في بناء النصوص الشعرية من ناحية التركيب للمفردات المبهمة احيانا والمبالغ فيها في عملية التصعيد النظري وفق المنظومة العقائدية والتي تتجذر وفق آراء تفكيرية تتعلق بالطروحات الفلسفية – الاختلافية وفق تساوق في المنظومة اللّغوية باعتبارها تشكيل جدلي تاريخي يتعلق بتفاصيل البنية . ويظهر ان المتنبي في هذه الخصوصية هو الوضوح للعلاقة الجدلية بين كل هذه الطروحات من خلال نواظم سيكولوجية مسيطرة . وبدات هذه الطروحات تأخذ مجالها الواسع حتى نشب الخلاف بين مؤيد لهذه الطروحات – ومخالف لها ولكن في النهاية اراد الخصوم تحطيم المنظومة الشعرية التجذيرية للمتنبي وكسر شوكة ذاتيته المتعاظمة والتشكيك في معاني شعرية المتنبي . ورغم كل هذا الايضاح في الخصائص التركيبية في المنظومة الشعرية ، كان الخصوم يناقش قضايا تتعلق بالشكل ، ولكن على العموم كانت الجبهة المضادة متفقة هو ان شيئا جديدا قد حل ، وان هذا الشيء الجديد هو التجديد الشعري عند المتنبي والانطلاقة السيكولوجية في اظهار المدارك الجوهرية لهذه الطروحات واعتمادها كمضامين للصيرورة النظرية الجديدة حتى على مستوى النقد في تلك المرحلة وما حدث مع الحاتمي في الرسالة الموضحة في نقد شعر المتنبي بتحريض من الوزير المهلبي لمهاجمة المتنبي . فالرسالة ، فيها حقد وتجني وارضاء للمهلبي . ولنا عودة الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة . وقد تجلّت طروحات المتنبي في اطلاعه على الحكمة والفلسفة اليونانية وقد سبر المتنبي غور التفكير والوجود وحمّل الذات مسؤولية التغيير بالافكار والمفاهيم وما معنى التغيير في المشهد الفكري وتأثيره على المشهد الشعري والممارسة في القراءات المتعددة لمنطق الوجود واختلافية المعاني ما هو الا قراءة للنص قراءة علمية وللمعنى ومداخلاته الجوهرية ومكوناته عبر اللّفظ والملفوظات واثراها الكبير في انتاج المعاني وتوليد الدلالات . والنص في طروحات المتنبي هو حقيقة مقابل خواص المعنى في التغيير الدلالي واستخدام الكنايات باعتبارها خلاصات من الملفوظات موظفة مجازيا بدلالات يتعلق امرها بالمعنى عندما يصبح المعنى هو التعبير عن معنى المعنى . وهكذا تستمر الدورة الجدلية عند المتنبي في اختلافية المعاني والتعريف بها ومن ثم تأويل الخطاب بتأويل آخر يتحرك وفق مفردة المعنى وتعالقه مع النصوص المفتوحة التي تحدد مصادرها واستقبال معانيها لا يتوقف على مجمل التفسيرات الموضوعية الكامنة فيه وفق حالته الانغلاقية باعتباره قائم الدلالة لا يتحمل التفسيرات من الناحية القانونية والعلمية فالانفتاح والانغلاق للنص في فلسفة المتنبي يغاير الاساليب القديمة في تحديداتها (الابستمولوجية) لهذه الدلالات وعلاقتها بالنصوص الشعرية . والنص المفتوح في منظومة المتنبي الشعرية يطلق عليها (النصوص السردية الحوارية) والتي لا تتعلق بالنهايات وحدودها . فالنص عند المتنبي يظل مفتوح – ومنفتح لاستقبال الفواصل النهائية عند المتلقي ، اما فيما يتعلق بالنهايات المحدودة للنصوص فيظل فيها النص مغلقا اغلاقا كاملا على نهايات مرسومة وهذه النهايات هي تعبير فني عن تكوين بداية جديدة تحكي السرد الشعري بشكل مباشر على ضوء خاصية الشاعر والتي تتعلق بالانتاج الفني وهو يهدف الى اشاعة حركة الظروف التفصيلية للحدث والازمات وما يتعلق بالاخبار التي تشكلت في الواقع باسلوب العرض وكتابة السيرة والمسرحيات وهذا يعود الى فحص المدلول وضبطه . في مثل هذه المنهجية الاكاديمية والأمر يعود الى ترجمة مصطلح (Recit)( ) الى شتى اللّغات ولكن بقي السرد والحكي قائما رغم كل محاور التغير التي انتجت هذه الفعاليات .
وفيما يتعلق بالمصطلحات القديمة من اشكالية اللفظ للسرد في اللّغة الفرنسية (Narratologie, Narration ثم Narrative’) وما يقابلها باللغة العربية من مصطلحات ، هو السرد – والقص – والحكي – والاخبار – والرواية فضلا عن شيوع الاصطلاح (R’ecit) في المعرفة الاصطلاحية وهو : الحكي – والمحكي لدى جمهرة من النقاد وهو السرد – والمسرود لدى طائفة من الناس ، وان استحسان السرد جاء نظرا لشيوعه في اصطلاح الثقافة العربية( ) .







المتنبي
(الخطاب المربوط بخطاب النص)
وهو ما يتعلق بالشكل الافقي للسرد الشعري لانه الشكل الغالب على النصوص الشعرية باعتباره ينتمي الى المتشاكل المفتوح حيث اصبح السرد الشعري افقيا لانه يتمثل الشخص بتتابع الحدث . في رحيل ابي الطيب عن مصر وهذا ما جاء في شرح ابي العلاي المعري وقد اعد كل ما يحتاج اليه في رحلته وكان يظهر الرغبة في المقام حتى ليلة عيد الاضحى .
قال المتنبي قصيدته :
عيد باية حالٍ عُدْت يا عيدُ
بما مضى أَمْ الأَمرِ فيك تجدْيدُ

لقد شكل المنعطف الافقي في هذه القصيدة قدرة في الاشتراطات الابستمية وتحليل لتاريخية الحدث ، والحكائية السردية ومناهجها الشعرية وتعدد (السيميوطيقية السيكولوجية) من خلال تداخل آليات القصيدة الافقية ومداراتها الحقيقية المباشرة حيث تندرج ضمن معرفية (فتغنشتين) الذي يعتمد عليه (دو سارتو في تحديده للعرفان) المسكوت عنه ما لا يمكن النطق به (I’indicible) لان الفضاءات في القصيدة فضاءات عائمة المنظور ومتموجة فلا تجد وقائعها في حركية الواقع المحسوس فهي تقع في تشكيل اللامنطقي( ) ويشكل المغلق من هذه الواقعة باعتباره يعتمد الخواص الدائرية حتى ولو كان مختلفا منهجيا في بعض التعارضات حيث تكون (البداية – هي نهاية الموقف) ويبدأ المتنبي بنص يتنبأ به او ما يتشكل في النهاية رغم الجهود المبذولة في نسق الحركة والبناء وما يعنيه معنى الانغلاق – والانفتاح الافقي في القصيدة لانه يتعلق بالنوعية وحيث الالتحاق بالنصية بوصفه استدعاء للقراءة ومزاولة التأويل والمناقشة والتفسير والاحتمال بتعدد الناتج الدلالي والقراءة تعني ربط كل هذه الخطابات والمعاني ربطا جديدا وتأريخيا بالنصوص وقدرة اصيلة على استئناف الانتاج وهو المعيار الذي مثل النص الافقي المفتوح وتاويلاته بوصفه آلية ملموسة .
وتودروف يضع مفاهيمه في تفاصيل المخالفة بان يجعل المغلق من لوازم النصوص الابداعية ويجعل الانفتاح للنقد في نصوصه لانها تعبر عن نهاية اكيدة وهذا واضح في رثاء اخت سيف الدولة .
يقول المتنبي :
يا أخت خير أخٍ يا بنت خير أب
كنايةً بهما عن أشرف النسب

ولرولان بارت في تحديد مفهوم الانفتاح – والانغلاق افقيا ، يرى ان النص المغلق يساوي علاقة جنسية غير مبرمجة باعتبارها علاقة محصورة في الذات . اما يتعلق بالنص المفتوح فهو علاقة جنسية ، وهنا يشكل الفعل الجنسي حجر الزاوية في التجديد ، وهذا يقع بدوره على المتلقي في كيفية تأهيلة وفق قدرات تساعده على هضم معنى النص على نحو تصاعدي او تنازلي وفق اجراء سسيولوجي يحكم طبيعة المجتمع من الناحية السيكولوجية . فالموازنة تحدث في قرارة المتلقي ، والقدرة والموازنة في تقنيات النص حتى يستطيع استخلاص النتائج على مستوى التصريح والتأويل والى ما قصده (أمبرتو ايكو) في عملية التاهيل للمتلقي وامتداده السياقي والهامشي حتى يتمكن من استقبال تشاكيل النص بمنظومة صحيحة يعبر عن خواص الانفتاح بالتاويل لخواص المعنى . وهنا يأتي : دور المنهج التكويني لما يمكن تقديره بالثورة الكبرى في الاساليب وهي جزء من المطارحات التي عرفها التكوين الابستمي للمتنبي من خلال باطنية شيعية وبعبقرية شعرية مطارحة كانت قد رفعته الى مستوى عالم الوحي لكفاءة تؤدي الى عملية الانغلاق على الأشياء او استغلال المعنى الدفين للنصوص (المغلقة والمفتوحة) وتبقى المشاكلة في انتاجية الوعي الموضوعي بمراقبة ذاتية عقلية تنشد الطبيعة العاملة والناطقة ولهذا اصبح الاستنباط هو القدرة والانموذج في رفد حركة الاستحضار لحركية المرجعيات في الآمال العظام والآلام الجسام ، وكان الخروج عن الذاتية يعني الخروج عن اركان النص الشعري ومظهره الفكري وادواته المألوفة وروحه الوثابة وحديثه الذي يتحرك وفق خدمة العظمة الذاتية وكشف الاقنعة الزائفة والرموز الخاوية حتى وصل الى نتائج ليستريح فيها الى اليقين والى معنى يتعلق بتركيب النص الشعري . والمتنبي فرض ذات فلسفية فيثاغورية – رواقية مصهورة في بوتقة شيعية – اسماعيلية – قرمطية ، وتصرف بذات المعنى الزاهد ، ولكن بدون زهد ولا تدين ، وركب المعنى الحرفي للنص في ضرب للفلوات وحياة اللهو ، والغزل ، والحياة الجهادية رافضا الحياة النمطية ، فكان سلاحه في ذلك (الشعر – والعبقرية) وهما فرعان كبيران من طروحاته النظرية . فكانت نصوصه الشعرية محملة باللغة الصافية الصعبة والكفاءة في استخلاص المعاني والملازمة للتأويل حتى يتصل بتأويلات ليمهد لما يليه من خصائص مؤوّلة وتنظير شفاف في النص المفتوح والنص المغلق ، وان مهمة المعنى هي الاشارة الى ما يليه من معنىً ثان كما يقول (عبد القاهر الجرجاني) .
يقول المتنبي :
وهبت على مقدار كفَّي زماننا
إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولاية
ونفسي على مقدار كفَّيك تطلُبُ
فجودك يكسوني وشُغْلُك يسلبُ

وقوله فيه :
ولي عند هذا الدهر حق يلُطّه
وقد كلَّ إعتاب وطال عتابُ

ثم قال بعد ابيات :
ارى لي بقربي منك عيناً قريرةً
وهل نافعي أن تُرْفعَ الحجُب بيتنا
أقلُّ سلامي حبَّ ما خفَّ عنكم
وفي النفس حاجاتُ وفيك فطانةٌ
وما أنا بالباغي على الحبِّ رشوة
وما شئت إلا أن أدُلَّ عواذلي
وإن كان قرباً بالعباد يشابُ
ودون الذي أمّلْتُ منك حجابُ
واسكت كيما لا يكون جوابُ
سكوتي بيانُ عندها وخطابُ
ضعيف هوىً يُبغي عليه ثوابُ
على ان رأيّ في هواك صوابُ( )

والذي يتعلق بالمعنى في النص يمكن محاورته بانفتاح ويمكن تحويله الى مغلق عندما يغيب الحوار مع المتلقي الذي تؤهله الثقافة لكي يصبح بمستوى النص . والمتنبي في هذه الطاقة الأبستمية وضعه في موضع اشكالية الابهام في بعض النصوص الشعرية ولعل هذا الموضوع هو الذي أشكل شعريتة على أحد الاشخاص لأن يقوم بطرح سؤال موجه الى أبي تمام (لم لا تقول ما يفهم) وكان رد ابو تمام عليه هو مطالبته : (بان يرتفع بوعيه الى مستوى النص ، أو يدعوه الى تأهيل نفسه لكي يستقبل النص وان يبذل جهدا ابستميا يوازي الجهد المبذول من قبل المبدع في انتاجية النص . فقال في رده عليه – (ولم لا تفهم ما يقال) .
حدث هذا الاشكال مع البحتري مثل قوله :
فؤادي منك ملآن
وسري فيك إعلان

وقوله :
على أي ثغر تبتسم
بأي طرف تحتكم ( )

والذي يتمركز في بناء النص هو هذا الاشكالي السيكولوجي والتدقيق الشعوري والشاعري الذي يتحول الى مجس غامض باشتداد الارتفاع بالانساق الشعرية الى حالة التسامي ليتحول هذا الشد السيكولوجي الى غموض وهو امر متعارف عليه في اطار منهجية الكتابة للنصوص الشعرية عندما يكون الشد شدا فكريا سيكولوجيا في حالة منعطف اللاوعي فيحدث الابهام والغموض وهو ادراك مختفي لما يحصل في تشكيلة النص الشعري وهذه مهمة النقد في التوثيق – والكشف وربط حالة التحرك للنص بانفتاحه وفق خطاب نقدي على المستوى الموضوعي ، وتودروف كان قد ربط هذه المهمة للنص بالانفتاح النقدي ، وقبله باختين وربطه بحلقة الاحتمالات التي تستوعب حالة المتلقي على كل المستويات ولكن الاستجابة قد تختلف . اما عند ريفاتير ، فالتفاعل متبادل بين مجس الواقع وحقيقة المتابعة وتكييف هذا التفاعل بحالة من التوتر والدهشة . المهم تجنب حالة الجزم وضمن اطار مناقشة الطروحات للمتنبي ، يتعلق افق الاحتمالات بالتحركات التي تتمحور في ثلاثة اتجاهات :
1- الاتجاه الجمالي .
2- الاتجاه التأويلي .
3- الاتجاه التأريخي .
ما يتعلق بافق القراءة الجمالية من الناحية التركيبية الجمالية للنص في صورته وحدود انفتاحه في البناء والانتاج الدلالي . والقراءة الجمالية : هي القراءة التي تحمل التدفق في الخلاصات للمتلقي التي تتوجه الى تفاصيل النص ، وتسمح بالارتباط بالآفاق الزمكانية وبعدها الحضاري واستخلاص الاجابات في افق انتاجي واعطاء سقف زمني للمتلقي لان المرحلة التاريخية كفيلة بتغيير وجوب القراءات التي ربطت النص بتأريخية جمالية محددة المعالم ، واصبح النتاج الموضوعي موازيا للزمكانية الفردية والجمعية فالنص كامن في قدرته ويتحمل عدة قراءات وقد يرجعنا الى قرارات لا نهائية .. هذا الاشكال وقع فيه (ابن جني) في شرح ديوان المتنبي (الفسر) لان ابن جني قرأ شعر المتنبي قراءة تختلف عن قراءات اخرى ربما انحرف بالدلالات الى غير ما يضمره النص ، قد يكون سيكولوجيا او سسيولوجيا الا ان الخوافي الكامنة في النص قد لم يصل اليها (بن جني) والمتنبي في ذلك كان مرسل هذه الشفرات الى المتلقين والمتمكنين من البناء اللغوي والسيكولوجي وهناك استحكامات مركزية في البناء للنصوص تقع في كنه معادلة الاختلاف وصياغة الاحكام بفهم جديد لحركة البناء الشعرية ، بهذه الطروحات بقيت النصوص الشعرية عند المتنبي قابلة للتجديد في القراءة بعد المراحل التاريخية الطويلة واذا ما دققنا بهذه الناحية من طروحات المتنبي نلاحظ انه : اطلق عنان اللغة في تراكيبها الجمالية والتاريخية والسيكولوجية – ورولان بارت يرى ان تركيب النص يتحرك بمجس القراءة ، والقراءة يتم تحقيقها عبر نسق من العلامات التي تضع انتاجية المعنى في المقدمة وتاتي الشفرة المتعلقة بالعملية التأويلية لتهتم بالباطن من النص الذي حدث الاشكال فيه ، وتقع الشفرة الرمزية التي تضع التعارضات في مقدمة القراءة وكذلك التقابلات التي تسمح للمعنى ان يتجدد ويتحول لكي ينعكس ويؤثر في العلاقات السيكولوجية وحتى الجنسية عند البشر ، وتأتي شفرة الحدث الثقافية التي اتصلت بتفاصيل التعاقب والنتاج المنطقي والاشارات المخزنة من الابستمة العلمية ليصبح الانفتاح عبارة عن مبحث دقيق للمعنى وارتباطه بالتشاكيل الايديولوجية والسيكولوجية وتعدد طبقات المعنى وحصرا من الناحية الايديولوجية مثل المنظومة الماركسية والمنظومة الفرويدية . في هذه الحالة اصبح النص ينحو المنحى الكيفي في حين ان القراءة الصحيحة للنص هي القراءة الكمية المتعددة ، وهذا خلاف المنطق الجدلي التاريخي من التحولات الكمية الى الكيفية – والمتنبي يحصر منطق القراءة وفق المقاسات الكيفية (بالتأويل والتأمل) وهنا يرتهن الحضور للنص بالانغلاق ، وقد ارتكن النص الشعري (الى كيفية ذاتية في الانتاج والاستهلاك) وقد مات المؤلف وغاب المتلقي – وتاه الناقد في متاهات الاثنين ، فاصبح النص المنطوق صفة الكيف ، والنص المكتوب صفة الكم .
(المتنبي واختراع المعاني)
حتى غار فيها لانه استطاع ان يسبرها وان يستخرج كنهها بالمعرفة العلمية . وكان لابن جني دورا كبيرا في ملازمته لابي الطيب المتنبي والقراءة الدقيقة لشعره ومحاورته الطويلة له جعله يقوم بهذه المهمة وهي ليست مهمة للشرح بل للشرح – والدفاع عنه خاصة عندما اشتدت سهام الغادرين له ، فكان ابن جني يوضح هذه الامور وفق قناعة تامة (لاننا لم نكن نتجاوز شيئا من شعره وفيه نظر إلا ويطول القول فيه جدا حتى ينقطع فيه الريب ولقد كان يستدعي تنكيتي عليه ويبعثني على البحث لما كان ينتج بيننا ولما كنت اوردته عليه مما لم يكن عنده ان مثله يسأل عنه لينظر فيه ويأمله قبل ان يضطر الى الجواب عنه في وقت ضيق او محفل كبير فلا يكون قدّم الروية والنظر فيه فيلحقه خجل – وانقطاع لكثرة خصومه وتوفر حساده)( ) وابن جني شرح الغوامض في تشكيل المعاني اضافة الى استجوابه للنواحي اللّغوية والنحوية ، والبلاغية ثم اخذ ابن جني على عاتقه تحليل المنظومات الشعرية للمتنبي مع الشرح بالشواهد والتدليل على الطروحات التي جاء بها ، وطريقة القدماء في بنائهم للنصوص واستشهاده بشعر المحدثين رغبة في توضيح المعاني مثل ما حصل من تكثيف في شعر الأقدمين من الالفاظ والصور ، وكان الجواب بجانبه البحثي يعتبر وثيقة مهمة في عملية التناسب والتقدير الجديد في خواص البحث والتقصي لانه وضّح ما دار بينه وبين ابي الطيب من حوار ومن اخذ ورد حول الامور المتعلقة بالهواجس ، وبالتفكير المتعالي على الواقع وقد مثل ودلل على ذلك بهذا الحوار المهم:
(سألته يوما عن قوله :
وقد عادت الأجفان قرحاً من البكا
وعاد بهاراً في الحذود الشقائق

فقلت له : أقراحا منون جمع قرحة أم قرحى – ممالٌ – فقال : قرحا منون ثم قال : ألا ترى بعده وعاد بهارا في الخدود الشقائق – يقول : فكما أن بهارا جمع بهاره ، وإنما بينهما الهاء ، فكذلك قرحا جمع قرحة) ثم يعلّق ابن جني على ذلك قائلا : (فليت شعري هل يصدر هذا عن فكر مدخول أو روّية مشترك!)( ) وللمتنبي رأي فيما يتعلق باللغة وكان موقفه مبني على هامش الابستمية اللغوية وهذا ما دعا خصومه في الاستناد الى اسباب حقيقية في توجيه النقد له ، وكان ابن جني ذلك الشخص الذي يداري الموقف ويعتذر بالنيابة عنه في بعض المنازعات اللغوية ومن هذه المواقف قول المتنبي : (ومصبوحة لبن الشائل) فقد قال : (سألت أبا الطيب وقت القراءة عليه فقلت له إن الشائل لا لبن لها ، وإنما لها بقية من لبنها هي التي يقال لها الشائلة ، فقال : أردت الهاء وحذفتها)( ) وابن جني ، يحاول تقريب المعنى قدر الامكان بان مثل هذا الموقف يجوز للشاعر فقد قال الشاعر كثير عزة : (واخلت بخيمات العذيب ظلالها) اراد (العذيبة) فحذف الهاء ومن ذلك ايضا : (وكلمته في (يتزيا) فقلت : هل تعرفه في شعر قديم أو كتاب من كتب اللغة ؟ فقال : لا فقلت له : كيف استعملته وأقدمت عليه ؟ قال : لانه جرت به عادة الاستعمال فقلت له : أترضى بشيء تورده باستعمال العامة ومن لا حجة في قوله ؟ فقال : فما عندك فيه ؟ فقلت : قياسه يتزوىّ ، فقال : من اين لك ؟ فقلت : لانه من الزي ، والذي ينبغي ان يكون عنه واوا وأصله زوى .. ثم قال : لم يرد الاستعمال إلا يتزيا ، فقلت له : إن العامة ليست الفاظها حججا ..)( ) . رغم ان ابن جني شدد الاعتراض على كل هذه المعايير ولكن في خاتمة المطاف ذهب بهم مذهب الخليل في كتاب العين . واللغة عند المتنبي : هي تعبير خطابي من المتقاربات في السنية الجملة الشعرية وظهورها في العنوان الدلالي كظاهره للمعنى الذي نبع مجددا من بحوث منطقية عند هوسرل( ) . ويتشكل التحليل اللغوي في البحث عن جدولة المعنى في الخطاب الشعري( ) وفق حقيقة قطب المعنى ، بان الخطاب هو الواقعة التي تميز اللغة وفق بنية الانظمة الزمنية التي تقع في المنظومة الابستمية للسانيات . والمتنبي حاول ان يبرز قوة هذه المنظومة من خلال علم دلالة الخطاب ولابد من المعالجة في المقام الاول في الضعف الذي حصل في طبيعة المنظومة الشعرية وفي بعض الابيات المنفلتة قياسا بالرؤية وبالنظام الذي تربطه اسبقية وجود الخطاب الذي انتجته طروحات ابي الطيب المتنبي على مستوى اللغة كما وضحّناه في بداية الحديث . وكان ابن جني الذي يعتذر ويدافع عن هذا الموضوع بالرجوع الى كتاب العين للخليل بن احمد الفراهيدي .
(التبطين الخطابي)
وللخطاب الشعري له وجودا زمنيا متناوبا في مفهوم الدوام والتتابع من هنا كانت حلقة الوقعة التزامنية للشفرة وهي تقع خارج (المنظومة الزمنية التتابعية) وهنا يقع الفعل الزمني في الخطاب موقع الفعل من الحقيقة ، لان في النظام الزمني وجود مفترض، والخطاب هو الذي يضفي مشروعية الفعل على اللغة ، والخطاب يتحرك بشكل خفي ليمتّن وجود اللغة الخطابية المنفعلة بالخطاب وهذا هو التفرد المنفصل في اللحظة الزمنية والذي يكشفه المتنبي اثناء السرد الخطابي بفعل الشفرة المعيارية الخفية في كنه الخطاب – ويبدأ المجس ببروز الواقعة الخفية في فضاء النص وتبرير وجودها واتجاهاتها في اسبقية انطولوجية ، والبرهنة على وجودية الخطاب ولحظة دلالته وثمرة فعله ولحظة اعادة الصياغة في لغة تبرهن . على الخفي من الكلمات في النصوص الشعرية وهي القادرة على الاحتفاظ بالنص وهويته الدلالية والتي يمكن وصفها بالمعيارية الخطابية واعتبارها صياغات جدلية وفق منظومة التشكيل الخطابي باعتبارها العلاقة الودية بين الجدل الخطابي وتأمل الواقعة الكلامية . وفي سياق هذه الطروحات النظرية يبرز المبطّن من المديح عند ابي الطيب وهو يأخذ جانب التشكيل الخطابي خاصة في مدائح كافور لانها مبطنة بالهجاء وان حلقة الازدواج هذه كان يقصدها المتنبي ، وقد استنتج ابن جني : (بان المتنبي كان يقصد ما يقوله في قوله :
وشعر مدحت به الكركدن
بين القريض وبين الرقي

وقوله :
وما طربي لما رأيتك بدعة
لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب

فان ابن جني قال له : اجعلت الرجل أبا زنة (أي قردا) فضحك المتنبي وفهم ابن جني من هذا الضحك أن الشاعر كان يرمي الى ما وراء المدح من معنى ، ولهذا خرج بهذا الاستنتاج ، وهذا مذهبه في اكثر شعره لانه يطوي المديح على هجاء حذق منه بصنعة الشعر وتداهيا في القول . وقد وعى ابن جني الظاهرة السيكولوجية وكشف عنها رغم معارضة الخصوم له والدرس والتمحيص هو المستوى الافضل للوقوف على حقيقة الامر في قوله :
يعلمن حين تحيا حسن مبسمها
وليس يعلم الاّ الله بالشنب

فقال معلقا : (وكان المتنبي يتجاسر في الفاظه جدا) . الا تراه يقول لفاتك يمدحه :
وقد يلقبه المجنون حاسده
إذا اختلطن وبعض العقل عقال

افلا ترى كيف ذكر لقبه على قبحه ، وتلقاه وسلم أحسن سلامه ، ولولا جودة طبعه وصحة صنعته لما تعرّض لمثل هذا ، وكذلك ذكره مبسمها وحسنه وشنبه ، ومفرقها في البيت الذي يتلوه . ومن ذا الذي كان يجسر على تلقي سيف الدولة بذكر مثل هذا من أخته ، وآل حمدان اهل الانفة والاباء وذوو الحمية والامتعاض واكثر شعره يجري هذا المجرى من اقدامه وتعاطيه ، فاذا تفطنت له وجدته على ما ذكرت لك)( ) . وان التعاطي مع هذه النصوص والخطابات الشعرية وانساقها يضعنا امام لحظة تأمل في كشف المستور عن نصوص المتنبي الشعرية باعتبارها نصوص مفتوحة لانها لم تتفرغ من اداء مهمتها لانها اصبحت مهيأة للقراءة ثانية وثالثة ،وليس استقبال الاحكام ، لان مهمة النصوص الشعرية عند المتنبي هي : تجدد في الكشف عن الدفين في هذه البوتقة وهي استنتاج لافق جديد في القراءة والذي يمثل المرونة المتفتحة على التحديث هو النص المنفتح الذي اثبت وجوده موضوعيا وتاريخيا وما يعنينا هو : المحتوى والتميز في المحمولات او المسندات وفئة مستوى الوحدات ونظامها الامكاني وترابطها الوظيفي في معالجة الملمح في هذه القضية او تلك . والخطاب يعتبر واقعة وقضية اسنادية متداخلة ومتفاعلة بوظيفة النص الشعري الذي يعتمد على الوحدة الجدلية في المعنى . وفيما يتعلق ببلاغة الخطاب الشعري عند المتنبي ويتشكل بالتداولية التحليلية والاشارة الى خواص التجديد في الموقف العلمي وما يمثله من حالة متغيرة في ابستمة اجرائية متعلقة بمصطلح البنية (structure) والكشف عن المنظومة الداخلية للوحدات وطبيعة هذه العلاقات الجدلية وتفاعلاتها الاختلافية في حدود الممكن من مفهوم البنية فالخطاب يتقدم ليقدم لنا خلاصة بارتباط الوحدات الجزئية باعتبارها المجس البلاغي . وحتى يتمكن من تجاوز سياقات الكلمة او الجملة المقطعية ، هو ان تتجاوز السياقات المغلقة للنص في التوصل الى استخراجات لهذه المغلقات والوصول الى مفاتيح الخطاب البلاغي ومنه الى الغوامض في المعاني والانفتاح على مستوى الصياغات العميقة وعمليات التغاير التي تحدد فواصل الانفتاح على النص في نتائجه الدلالية ومن ثم التجديد للقراءة في وقفة بلاغية تتصل بالنسق الصياغي للخطاب وارتباطه بالوحدات الجزئية وهي تنتهي الى القدرة في تحليل الدلالة . ويتضح هذا من المفاهيم الكلية في نظرياتها وفاعليتها التي اندرجت بكثافة في سياقات النص ومنظوماته التي اشتملت على انساق كانت قد تعالقت بكفاءة تعبيرية وجمالية واستوعبت الشبكة التراتبية من تصورات ومفاهيم استخدم فيها ابي الطيب المتنبي التحليل للاشكال البلاغية وفق منطق المفهوم الحسي الذي كون البنية في انموذجها التجريدي ، والذي توازن بمرونة الوحدات المفتوحة بكل عناصرها الفعّالة والتراتبية ، وادراكه شكل البلورة في المراحل (الابستمولوجية) ونجد حيال هذا المنطق مادة في الانساق الشعرية تتبلور في الجانب الايقاعي ، والموسيقي المرتبطة بالوزن – والقافية كما يقول (قدامه بن جعفر) وهذا يتعلق بالتطابقات الداخلية والخارجية وجانبهما التخيلي والدلالي عندما يكون الايقاع : هو ادراك لمستويات شعرية تتعلق بالبنية باعتبارها محورا في التحليلات البلاغية للخطاب وفتح مستويات جيدة تتعلق بالحس ، من باب المواضعة في اللغة – وتحريك معناها بشكله المادي وفق تراتبات في عملية الانفتاح – والانغلاق للنص بمعنى تجديد دلالته في القراءة المعمّقة – للخطاب البلاغي ، ويعكس هذا الجدل بين واقعة المعنى وسلّم الخطاب وما يشكله هذا الاقتران من مهمة في تحديد الوظيفة الاسنادية للخطاب البلاغي والحالة المرتبطة بالخاصيات الافتراضية وما يعنيه النظام (المشفّر) ومايشكله من مبالغة في منطق الخطاب وقضية الاحالة في خواص المعنى (ويروي ابن رشيق في العمدة : من موازنة بين ابي الطيب وابي تمام وقال : بعض من نظر بين ابي تمام وابي الطيب : إنما حبيب كالقاضي العدل : يضع اللفظ موضعها ، ويعطي المعنى حقه ، بعد طول النظر والبحث عن البنية ، أو كالفقيه الورع : يتحرّى في كلامه وتحرج خوفا على دينه . وابو الطيب كالملك الجبار : يأخذ ما حوله قهرا وعنوة ، أو كالشجاع الجرئ : يهجم على ما يريده لا يبالي ما لقى ، ولا حيث وقع)( ) ما يتعلق باصطلاح البنية من ناحية المحور البلاغي وسياقات الخطاب وهو كفيل بالخلاص من الاصطلاح الذي لف الاشكال البلاغية واضافة الى الانموذج الذي يتعلق بالعلم أي الانموذج العلمي في هذا النسق . والمتنبي انتج الصيغ الدلالية وكوّن استحالة في ازالة ما علق بالخطاب البلاغي من حلقة وهمية وبالتالي فضّله على المعترك التعبيري رغم ان المتنبي لم يتجاوز التعبير الكلاسيكي للاقدمين محاولا اجماله بالصفة العلمية بقليل الفهم – والكثير الذي لا يسأم او الربط بين اللفظ والمعنى بحلقة جدلية ، والاصابة بالايجاز + المعنى + السهولة في البناء اللفظي + السرعة في البديهية كما هو معروف عند المتنبي . فالشكل البلاغي (figurerhetorigue)( ) باعتباره يتشكل من بنية في حدوده المنطقية باعتباره لمحة دالة كما يقول (خلف الاحمر) اداؤه يكون كلمة باكتشاف بقية السطر . واجمالا هو المحافظة على الكينونة والسياق في المنظومة الشعرية من خلال التعيين للقوة والتوصيل لها بموازين فاصلة بينها وبين غيرها من الاعمدة التي شكلت المنظومة في الخطاب البلاغي وهو : الايجاز + الاستعارة + التشبيه + البيان ، النظم والتصرف + المشاكلة + المثل في تنمية اسم الوظيفة البلاغية أي انها قد تحققت في اشكاليات اختلافية جديدة في المنظومة الشعرية وهي : انعطافة ذات تركيبة بنيوية في جوهرها ، والمحور التحليلي في الصياغة البلاغية للخطاب يكون اصطلاح البنية التحديثية التي تتجاوز كل الإشكال والتشاكيل التي الحقت بالمفهوم البلاغي للخطاب ، والبنية هي الاصالة في الانموذج الدلالي وانتاجيته وتكوينه الذي يستند الى الوحدات والمجاورة بين هذه الوحدات والتماثل اللغوي للوحدات الصوتية التي تعادلت في الوزن وهذا مظهر موضوعي في انساق المنظومة الشعرية للمتنبي ، وعن التزاوجات المنتظمة في منظومته الشعرية والتي تتعلق بالسلطة الصوتية بل بالمستوى الدلالي والاستعارة التخيلية في خواص المرتكزات الآلية الشعرية ، وهذا الذي يجعل الفعل ، الصوتي وتشكيلاته الدلالية ، هي التي تربط الدال بالمدلول وشبكات المنظومة الشعرية ، في حين نجد عند المتنبي اللغة الاشارية او لغة الشفرة التي تحقق منعطفا في التشكيلات السيكولوجية وهي تربط بين الصوت والمعنى وفق حلقة التشفير للمنظومة الدلالية التي تتعلق بالمعنى والصوت وجانبه السيكولوجي الذي يستعرضه المتنبي في امتدادات هذه المفاهيم وفي بنية بلاغية خطابية مشفرة فانه يقوم باستخدام جانب الوحدات الصوتية – والسيكولوجية أي ان المتنبي يركّب نظام + اجراء من اجل خلق منعطف سيكولوجي وصوتي داخل الابيات ، وهو الارتكان الى فعل الشفرة وفعل المنظومة الصوتية وهذا ما تنبه اليه ابن جني أي تنبه الى الظاهرة السيكولوجية في المنظومة الصوتية وتبقى وظيفة الشفرة اللغوية والمتركبة على مرتكزات الاصوات داخل النصوص الشعرية باعتبارها دلالة ترتكز الى الوظيفة البلاغية . ويبقى الصوت الخفي في النص ينشئ الدلالة عبر انشاء العلامة في لغة استنتاجية داخل المنظومة الشعرية للمتنبي ، ويبقى الخطاب الشعري هو الجدوى والصلابة في البحث عن خواص لتعريف البنية الشعرية . وارتباط هذه الادلة بالوحدات الاجتماعية وفق مركبات قاعدية لبناء قويم ومميز ونوعي يعي معنى هذه السمات والعلامات التي شغلت حيزا في المكان ومكون لغوي بين الوجود والعلامات التي شغلت عمق الزمكان ، واستغرقت زمنا . هذه النمطية من البنية الوجودية والتي تميز مجموعة من الادلة ولطالما شكلت منعطفا في تناول الاساليب الموسومة بالقواعد البنائية وفق تحريك ينتقل بين المفسرين ، والمؤولين الى شرّاح النصوص الشعرية . ويأتي (الزوزني) يشرح المعلقات ، ويتناول الاحتمالات الدلالية وفق الادلة المرتبة والمرتبطة على نحو عشوائي ولكن في كل الاحوال يتكهن ولا يخضع هذه النصوص الى قواعد بنائية ، فهو يقوم بشرح بيت امرئ القيس على سبيل المثال :
وما ذرفت عيناك الا لتضربي
بسهميك في اعشار قلب مقتل
فلم يصل الى حتمية النص من الناحية البنائية ، بين الخفي من الاصوات في النص الشعري وبين صورة الخطاب ومعالم دلالته وكنه انفتاحه في قول المتنبي :
أنا الذَي نظر الأعْمى الى أدبي
أنامُ ملْءَ جُفُوني عن شوارِدِها
واسمعْت كلماتي من به صممُ
ويسْهر الخلْقُ جرّاها ويخْتصمُ

والبنية تتركب من مستويات ذات قيمة دلالية تتوحد بالنصوص حيث تكون واضحة المعالم ، وواضحة الاداء وعلى كل المستويات المختلفة وما يتعلق بالبنية الشعرية عند المتنبي : فهي تفضي الى قيمة دلالية حتى تتأكد بالمعنى الوافي باستبعاد المعنى الجزئي وادخال النص الشعري في تكوين متركب ببنية تخرج أحيانا عن منطق اللغة فهي محددة بها على مستوى خواص التعبير كما في قوله يعاتب سيف الدولة :
ما لي أكتم حُباً قد يرى حسدي
انْ كان يجمعُنا حبُّ لغرَّته
قد زُرْتهُ وسيوفُ الهند مغمدةٌ
فكان أحسن خلقِ الله كُلِّهم
قوتُ العدوِّ الذي يممتهُ ظفرٌ
وتدعي حبَّ سيفِ الدولة الاممُ
فليتَ أنَّا بقدرِ الحبِّ نقتسمُ
وقد نظرتُ إليه والسيوفُ دمُ
وكانَ أحسن ما في الأحسنِ الثِّيمُ
في طيِّه أسفُ في طيِّه نعمُ( )

هناك رأي (لجاكوبسن) من ان البنية داخل المنظومة الشعرية المراد مناقشتها ، ان تلبسها اللّبس وعدم الفرز والتحديد لمنطوق النص الشعري ينتج عدم الرؤية وسيادة الضبابية بل حجب الرؤية الجمالية وحرية التأويل للنص ، والابتعاد عن منهجية البنية وعلاقتها باللغة وبالتالي الابتعاد عن التوليد للمعاني المتشكلة بالاختلاف التحليلي ، وتعدد المحاولات التي يمكن فيها التحليل ان يتضمن المنهج القانوني ومناهج تطبيقات (علم الاجتماع) وهذا في حد ذاته ليس قاعدة في بروز بنية هذا الاختلاف في النصوص الشعرية . ويعنينا من يراه : أي نحله واضناه وهي صورة فيها مركب شديد الحساسية للمضمرة في النص وما خفي : وهو المركب في هذه البنية التي ناقشناها . هذه المبالغة وضعت الصورة الشعرية ومنطقها اللغوي في ضعف وكذلك الكتمان هي صفة من المبالغة تسند الحساسية الاولى في براه وهما : صورتان طرديتان في بيت شعري واحد افصحتا عن مبالغة هشة فهما خروجا عن العرف البنائي ، هناك الطلعة التي تجمعه وغيره من المحبين في شراكة لهذا الحب فليتنا نتقاسم فضائله وعطاياه وابن جني أنصف في هذا ، وقدر ان هذا الحب الموضوعي المتباعد لحب هذه الغرة فليتنا نقتسم هذا البر + الحب أي ان ابن جني أعطى في هذا الحب (الذات + الموضوع) في حين اعطى البرقوقي (الذات + الذات) وهذا خلاف منطق التأويل في صورة البيت الشعري وسيف الدولة ، هو المحور سواء في الحرب او السلم وهو مكمن الصورة في هذه النصوص . وتتمتع المنظومة البلاغية بقدرة على الخلق الذي يجعلها ان تستقر وتوحي الى مجس المعنى وتعدد احساساته الجدلية حتى ينتهي الى الوصول الى تشكيل النص . وهذه النتيجة متوقعة في الوصول الى منطق دلالي يؤكد حقيقته بالعمل المهم بعكس الاشكالية في التحليل والتأويل في تفاصيل الدلالة ذاتها بحيث تتجه عدة من الاستكشافات في اقنعة من النصوص والتحليل للبنية يتموضع في الكشف عن التعدد في خواص المعاني . والمعنى في اثره القانوني لا يخضع الى المنظومة التاريخية ولا يخضع الى حالة التفرد او التعدد ولو كان كذلك لتم الاختيار وفق قواعد المنظومات المتفتحة – والمنظومات المغلقة ولكن الاشكال هو في الاختلاف في منظومة المعاني لانها لا تخضع الى المطلقات التي اتت بها النظرية النسبية( ) بل العودة الى الاختلاف في المناهج السسيولوجية وهي محصلة طبيعية لخلاصات البنية والمعنى وقابليتهما في وعي الحياة من وجهة نظر ورؤية في اتجاهاتها المتعددة في تفاصيل المعنى – والتأويل وعلاقتهما المتبادلة – واختلافهما في منطوق الصورة أو في الأشد كثافة في منطق الحوار . وكان ابن جني ينطلق في موقفه من الناحية النقدية ، بان الآراء والاعتقادات في الدين لا تؤثر في الجودة الشعرية ، والشاعر هو موقف فلا يتناقض في شعره اذا تغيرت الاحوال واختلفت الحالات السيكولوجية ولذلك كان يقوم بعملية التوافق بين قول المتنبي :
إذا كنت ظاعنة فإن مدامعي
تكفي مزادكم وتروي العيسا

وكذلك قوله :
لا سقيت الثرى والمزن مخلفة
دمعاً ينشفه من لوعة نفسي

ولكن ابن جني كان يتجاوز ما حدث في البيتين الاولين من اختلاف الى الاعجاب والمسامحة لما حدث من تركيب للالفاظ التي استعملها المتنبي فهو يقدم مدحه لانه ادخل في تركيبة شعره بعض الالفاظ التي تدخل في مناهج الصوفية ويقول (وقد افتنّ في الفاظه كما افتنّ في معانيه) وفي تركيب منهجية المعاني ، هو ما حققه ابن جني في تحبيب شعر المتنبي الى استاذه (علي الفارسي) يقول ابن جني (ولقد ذاكرت شيخنا أبا علي الحسن بن احمد الفارسي بمدينة السلام ليلا وقد اخلينا ، فأخذ بقرظه وبفضله ، وانشدته من حفظي (واحر قلباه) فجعل يستحسنها فلما وصل الى قوله :
وشر ما قنصته راحتي قنص
سهب البزاة سواء فيه والرخم

فلم يزل يستعيده مني إلى ان حفظه وقال ما رأيت رجلا في معناه مثله ، فلو لم يكن له من الفضيلة إلاّ قول ابي على هذا فيه لكفاه لان ابا علي مع جلالة قدره في العلم ونباهة محله واقتدائه سنة ذوي الفضل من قبله لم يكن يطلق هذا القول عليه الاّ وهو مستحق له عنده ، فماذا يتعلق به من غضّ أهل النقص من فضله وهذا حاله في نظر فرد الزمان في عمله والمجتمع على اصالة حكمه)( ) . ان ما يحدث من تمكين للعمق في نصوص المتنبي تكتشف بنى عميقة من خلال تسليط الاضواء عليها بعد ان يفصح النص تمام الافصاح عن منعطف الحد البالغ الذي يفصل التفسير فيه ليكون الشرح والتأويل هما من المسائل التي تناولها المتنبي للكشف عن الحقيقة وابراز نقاط القوة ونقاط الضعف في هذا الباب ، وكان الرد على ابن جني تتعلق بنقطتين : في انواع التفسير واشتقاقات ابن جني في ذلك ليشمل الاعتذار عن ابي الطيب في بعض المواقف والمآخذ في حدود الشرح للنصوص أو فيما يتعلق بالمآخذ عن المعنى الذي يقصده المتنبي من عدة زوايا مختلفة الاشكال والالوان وعلى مر الازمان ، والامر الذي يتعلق بالمعنى يقول ابن جني :
فحب الجبان النفس اورده التقى
ويختلف الرزقان والفعل واحد
وحب الشجاع النفس اورده الحربا
الى أن ترى إحسان هذا لذا ذنبا

وهنا يأتي الفعل لكلا الرجلين متساويا ، فلماذا يرزق احدهما ويحرم الآخر ، فالإحسان شمل واحدا منهم ولكن المسألة حسب تفسير ابن جني ، تأخذ بعدا آخر في المعنى . يقول ابو العباس (احمد بن علي الازدي المهلبي بقوله (واقول : أنه لم يفهم معنى البيتين ، ولا ترتيب الآخر منهما على الاول ، ومعنى البيت الاول : ان الجبان يحب نفسه فيحجم طلبا للبقاء ، والشجاع يحب نفسه فيقدم طلبا للثناء ، والبيت الثاني مفسّر للأول يقول : فالجبان يرزق بحبه نفسه الدم لا حجامه ، والشجاع يرزق بحبه المدح لإقدامه ، فكلاهما في الرزقين اللذين هما الذم والمدح ، حتى أن الشجاع لو احسن الى نفسه بترك الاقدام كفعل الجبان لعدَّ ذلك له ذنبا ، فهذا هو المعنى وهو في غاية الاحكام بل في غاية الإعجاز لا ما فسّره)( )( ) نقول في مجال التأويل لهذين البيتين : هو ان المتنبي في حكمته هذه ، اراد ان يربط الحدثين بحدث واحد هو الفعل ، ولكن هذا الفعل ترتبت عليه سياقات كثيرة : منها حب النفس وحب النفس تأويلها يعود الى الجبان لأن الأنا تتعلق بالذاتية ، وهذه شيمة الحيال ، اما الشجاع في اقدامه لا يبغي حب نفسه او ذاته ، لان التضحية من شيمة الشجاع وليس الجبان ، فلماذا الشجاع تسري عليه احكام الجبان اذا ترك الاقدام ويعد ذلك ذنبا ، ومن جانب آخر يتساوى مع الجبان في حبه لنفسه نقول : ان الشجاع لا يبالي في النفس اذا كان الاقدام هو الفيصل اما الجبان فيحب نفسه ويحب الرزق ، ولكن رزق الشجاع هو الفعل والحدث وهو الهدف . فالمعنى في هذا الاشكال في معنى هذين البيتين هو ما يتعلق بفلسفة المصادفة كما اعتقد بها المتنبي هو ان الشجاع دائما هو الذي يدفع الثمن في النهاية ، نتيجة دفاعه عن القيم بكل معاييرها ولا ننسى ان في نصوص المتنبي الشعرية هناك بنى ايديولوجية تحرّض على الاقدام والتضحية والانجاز العقلي بالحدث القيمي .
(البنائية الجديدة في شعر المتنبي)
ان التصورات الدقيقة للمنظومة البنائية للمتنبي : هو اكتشاف يرتبط بتصوراته في (الطروحات الفلسفية واللّغوية) والمنظومة الفلسفية تتكون من المنظومة اللّغوية لانها تتشكل بخلاصات في التماسك وفي ابراز التشكيلات . ويعتمد النص عند المتنبي ، على الوحدات المكوّنة وتاتي عبر ابنية عليا بشروطها وصيرورتها التكوينية وعلاقتها بخواص التاويل وطروحات المعاني في اجزاء متركّبة – ومركّبة من مجموع الوحدات بتفاصيلها اللغوية والفلسفية والاسهام في الكشف عن خواصها النوعية ، وفق اعتماد بالكشف عن البنائية المكونة بالوظيفة والكثافة في التحليل وانسجة في الخواص المكونة للبنية وشروطها الضرورية والاسهام في التجريبية الجمالية الموغلة في تفاصيلها . والمتنبي في طروحاته في الغلو : فهو اكثر الناس غلوا وابعدهم فيه همة (كما يقول ابن رشيق في عمدته – والغلو موجود في شعر المتنبي حتى تكاد لا تجد بيت الاّ وفيه غلوّ كقوله :
يترشفن من فمي رشفاتٍ
هُنّ فيه أحلى من التوحيد

فالتوحيد هو الغاية ويقول :
لو كان ذو القرنين اعمل رأيه
او كان صادف رأس عازر سيفه
او كان لجّ البحر مثل يمينه
لمَّا أتى الظلمات صرنَ شموسا
في يوم معركة لأعْيا عيسى
ما انشقَّ حتى جاز فيه موسى

ويتصاعد الغلوّ في شعر المتنبي ليشبه نفسه بالقادر القدير ويتصاعد النسق الشعري وبتوتر ثم تنخفض همة المتنبي في التشبيه بالاسكندر الذي بنى السد ولكن بعزمه وهو الطرف المساعد في بناء السد :
كانِّي دحّوتُ الأرض من خبرتي بها
كأني بنى الاسكندر السد من عزمي

وتبقى لازمة الغلوّ في كأني – وتأتي في العجز كذلك وهذا التكرار يضعف البيت في تشكيل المعنى – والبناء البلاغي للنص ثم يقول :
إذا قلته لم يمتنع من وصوله
حدارٌ مُعلّى أو خباءٌ مطنب

هذا البيت يتعلق بالظرف المكاني وهو لم يمنعه ثم يقول :
تصدُّ الرياحُ الهوجُ عنها مخافةً
ويفزع منها الطيرُ أن يلقط الحبا

هنا يتشكل الزمان عند المتنبي في خوف الرياح + فزع الطير من ان يلتقط الحب وهو تشبيه فيه حنكة المجرب . يقول ابن رشيق في عمدته وقد رجح صاحب الوساطة هذا البيت على قول ابي تمام :
فقد بثََّ عبدُ الله خوف انتقامه
على الليل حتى ما يدبُّ عقاربه

فاعتبروا يا اولي الابصار .
مما يشاكل قول المتنبي في الفاظه قول نصر الخابز أرزي :
ذبتُ من الشوق فلو زُجَّ بي
وكانَ لي فيما مضى خاتم
في مقلةِ النائم لم ينتبه
فالآن لو شئتُ تمنطقتُ به( )

فمعنى التأويل في الغلوّ هو : الامكانية في دخول الصياغات التبادلية مع العنصر المتركب بشكل جيد ، أي ان هناك تكوينية في البنية الشعرية تتركب من عناصر سيكولوجية + عناصر لغوية لتقويم النص + منظومات اجتماعية حددت موازين هذا الحدث ، ثم يأتي الاستنتاج في خلاصة تركيب هذه المنظومات : يعطينا صورة تتعارض مع صورتها التركيبية الاولى كونها أشد كثافة في الغلوّ وهي تتحدث عن منطق حواري داخلي او خارجي ويتم تحديد خصائص شخصية الشاعر من خلال منطق التركيب في الالهام او المنطق الرمزي ، وفي هذه الحالة يصبح الشاعر هو نقطة الانطلاق في وصف وتحليل وتطابق حجم الرموز التي تناولها فيتعلق بالاشكال البلاغية والايحائية في المفردة ، والملامح المهمة في مجملها تشمل الرموز التي تتجاوز حدود اللغة الفلسفية اضافة الى منطق الشعرية والوحدات الاخرى يقتضي شروطها ابتداء من الوحدات المتكونة اصلا والمكونة للبنية والوحدات التي تصل تبعا لمنظومة الطروحات اللّغوية والفلسفية وبين الاغراق في الغلوّ – والاغراق هناك العلاقات السياقية التي تفصح عن التوافق في المنظومات اللغوية ، او مستوى الحبكة او الخط في الكلمات المتعاقبة – او المتتالية وهذا الاشكال يتعلق بمفهوم المجاورة والاغراق في مفهومه الثاني يغير ما يتعلق بالعلاقات الايحائية او مفهوم الاستبدال أي العلامات السياقية مع عناصرها او علاقة كل عنصر في المنظومة السياقية او ما يتعلق بعناصر المخالفة ، وهذا الغلوّ يعتبر عنصر من عناصر الاختلاف وهو تتابع للدلالات السياقية ، ولكن في النتيجة تعتبر قيمة تتعلق بالابنية اللغوية ومنظوماتها الفلسفية . وافضل ما يتعلق بالاغراق ما قاله الشاعر مقارنة بقول المتنبي المار الذكر يقول زهير :
لو كان يقعدُ فوق الشمس من كرم قومٌ بأحسابهم أو مجدهم قعدوا

فبلغ ما أراد من الإفراط ، وبنى كلامه على صحة المنطق الكلامي، ومما استحسنه الرواة ونص عليه العلماء قول امرئ القيس يصف سنانا :
حملتُ رُدْ بنياً كأنَّ شباتهُ
سنا لهبٍ لم يتَّصلْ بدُ خانِ

وقول ابي صخر :
تكاد يدي تندي إذا ما لمْستُها
وينبتُ في أطرافها الورقُ النَّضْرُ

وقول ابي الطيب :
عجبتُ من أراضٍ سحابُ أكُفَّهمْ
مِنْ فوقها وصخُورُها لا تُورِقُ

ثم يقول ابن رشيق :
(لم يخف عنك وجه الحكم فيهما ، على ان قول أبي الطيب بعض الملاحة والمخالفة لطبعه في حب الإفراط وقلة المبالاة فيه ، اذا كان ممكنا أن يقول : إن الصخور اورقت ، ولغة القرآن أفصح اللغاتِ ، وانت تسمع قول الله تعالى : (يكادُ البرقُ يخْطفُ أبصارهم) وقوله : (إذا أخرج يده لم يكدْ يراها) وقوله : (يكادُ زيتُها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ)( ) .
وفيما يتعلق ، بمطارحات – وطروحات المتنبي فانهما يرتبطان كل الارتباط بالبنية الاسلوبية وتخصيصا (الصور البلاغية) وما يتعلق بالبنى الاسلوبية وتظهر ارخنة جمالية تتعلق بالمستويات المتعلقة بالنص ومستوى الاصوات والجمل المقطعية والبنى الفوقية واللّغوية وكل ما يتعلق بطبيعة ووظيفة مسار الفاعلية الرئيسية لحركة النص الحكائي فهو الذي ينحو المنحى البلاغي ذلك متأتي من تمتين خواص وتكنيك النص السردي داخل المنظومة الشعرية وهي حالة تقتضيها صنعة النظم او الحدث السردي او لاقتضاء الفعل الابستمي في حين ان المتنبي تعامل مع البنى الاسلوبية بالمتغيرات التي تحدث في كنه النص ، ففي المنظومات البلاغية تلعب تلك المقولات كفعل الوظيفة . والمتنبي في مطارحاته وطروحاته حدد التدقيق في هذه العمليات عبر الاضافة والحذف والقلب وحتى الاستبدال احيانا وبتوقيت هذه المطارحات وفي العديد من التعديلات والتحولات التي تقتضيها تفاصيل هذه الابنية عن طريق عمليات الاستبدال البلاغي في المعنى داخل تركيب النصوص .
يقول ابن جني في شرح هذا البيت :
وترى الفضيلة لا ترد فضيلة
الشمس تشرق والسحاب كنهورا

(أي اذا رأتك هذه المرأة رأت منك الفضيلة مقبولة غير مردودة ،كالشمس إذا كانت مشرقة والسحاب إذا كان كنهورا ، وهي القطع من السحاب العظام يريد وضوح أمره وسعة جوده) ثم يرد عليه ابو القاسم الاصفهاني صاحب كتاب الواضح في مشكلات شعر المتنبي بقوله : (رواية ابي الفتح بضم التاء ولا يصح للبيت معنى على هذا وإنما الرواية الصحيحة التي قالها المتنبي (لا تردّ) بفتح التاء ومعنى هذا البيت : أي ان فضيلتك في علوم العرب لا تردّ فضلك في علوم العجم لتناسب الفضائل ، كما ان الشمس تشرق في افق من السماء والسحاب في آخر ...) وهو تفسير انسب للسياق من تفسير ابن جني . وكما اخذ الشراح على ابن جني انصرافه عن ادراك بعض المعاني أخذوا عليه ايضا إسرافه احيانا في ايراده مسائل نحوية يستهلك فيها جهده ويغفل عن شرح اللفظ والمعنى وكذلك شكوا في قوله عند بعض المسائل المحيرة (بهذا أجابني المتنبي عند الاجتماع به)( ) هذه الاجراءات الابستمولوجية تتجلى فيها تلك الصياغات المتعلقة ببلاغة المعنى التي تسمح بالتاويل على المستوى الصوتي والصرفي – والنحوي – والدلالي اضافة الى التأثير بالوحدات اللغوية التي يتأثر بها المعنى . ولم يرد هذا الشرح كذلك في الفسر الموجز وإنما فيه (وترى فضائلك مثل الشمس – والسحاب أي نيرة مشرقة بارزة ... الخ) وإنما النقل هنا عن شرح ابن جني لابيات المتنبي . وان خلاصة راي ابي القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الاصفهاني انه سريع الهجوم على المعاني ونعت الخيل والحرب من خصائصه ، وما كان يراد طبعه في شيء مما يسمح به ، يقبل الساقط الرد كما يقبل النادر المبدع ، وفي متن شعره وهي وفي الفاظه تعقيد وتعويص (ص27-28) وهو يقيم نظرته الى الشعر عامة على ايمانه بأن (المعاني مطروحة نصب العين وتجاه الخاطر يعرفها نازلة الوبر وساكنة المدر) مرددا فكرة الجاحظ( ) .
(مطارحات البنائية)
تناول المتنبي العلاقة السياقية ، والايمائية في فلسفته النظرية للغة فكانت التركيبة الفلسفية للغة تتعلق بالعلاقات التجاورية والتشابه في الاسلوب الرسمي القديم . والمتنبي لم يغادر هذا الاسلوب الاّ بملّمح سيكولوجي يؤكد وظيفة اللغة به وهذا يأتي بعد معترك ذاتي حيث تم التغلّب بالمنطق العام على الخاص حين تتحدد تقاطعات طبيعية تستدعي الشكل الجزئي الخاص او منطق الحكمة الذي يتعلق بالحياة ، والوجود حيث يستخدم ثنائية تتحرك وفق ارتباط الاسلوب الباطني ، وياتي الاسلوب الايمائي في التقابلية ، والاستبدال وهذان الموضوعان يتعلقان بالمنهج السيكولوجي . والعلاقات السياقية عند المتنبي هو كل ما يتعلق بالجملة الشعرية او النص الشعري ، هذا الموضوع يتم تصنيفه حتى يصل الى الوحدات الدالة . والمتنبي : تأثر بالفلسفة الاسماعيلية وكان اكثر تعبيرا عن المنهج القرمطي والفلسفة الباطنية ، وكان المتنبي قبل ان يتصل بالحمدانيين يمدح نفسه والاعتداد بها ويرى في ذلك شأنا كبيرا في الذات العارفة والشجاعة ، ثم انتقاله الى معترك الحياة وما تشكله من اختلاف في وجهات النظر ، وما يختمر في سيكولوجية المتنبي من عوامل (الوقت والثورة) وعندما إتصل بسيف الدولة اصبح اكثر رصانة وتفكيرا (بالوقت والثورة) وكانت شخصيته ممدوحة اكثر بروزا وتقديما ، والمرحلة القادمة هو مغادرته البلاط الحمداني حيث اشتداد الالم الذاتي بعد ان شاهد بأم عينيه من وراء هذه الخيبة وكان رد فعله يغلب عليه الاشمئزاز لكنه من الجانب الآخر مضيء ورائع سيكولوجيا . لقد استخدم المتنبي خصخصة التجربة في اللغة ، وكانت حلقة البدائل تترتب عليه عملية التغيير في المدلول السياقي اذا ضغط عليه الظرف اللّغوي بتبديل وحدته الدالة . فقد قسم المتنبي سياق النص الى وحدة دالة تقوم بتحديد القوانين وتسلسلها المتعلق بتتابع مركزية النص الشعري والانطلاق به وفق قوانين من الحرية ، ولكن خواص هذه الحرية ما يتعلق بمنطق نظرية المتنبي الباطنية والتي تخضع لشروط موضوعية تتميز بخاصية العلاقات المختلفة في سياقاتها وفي علاقة التضامن حيث يقتضي وجود الوحدة الطردية في هذا التضمين السردي والعلاقة التوافقية التي تؤدي الى الصيرورة . والمتنبي حرر الوسائل الامكانية في العلاقات السياقية في مجال الدراسة التجديدية للغة بوضع صيرورات وقوانين تضع الجمل الشعرية في منظومة لغوية ايمائية حيث يكون عمل الذاكرة الاحتياطي في اعتماده على العمل التقابلي الاختلافي مما يجعل هذه المنظومة اللغوية الايمائية تقوم بوظيفة المنطق الدلالي .
يقول المتنبي في مدح سيف الدولة :
هو البحرُ غضْ فيه اذا كان ساكناً
هنيئاً لكَ العيد الذي انت عيدهُ
ولا زالتِ الأعيادُ لبسك بعدهُ
فذا اليومُ في الأيَّامِ مثلكَ في الورى
على الدُّرِّ واحذرهُ إذا كان مُزْبدا
وعيدٌ لمنْ سمَّى وصحَّى وعيَّدا
تسلِّمُ مخروقاً وتُعْطي مجدَّدا
كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا

وتأتي المقابلات الثنائية باشتراك العنصر الإيمائي وبالتقابلات المتعددة الاتجاهات وبنسبيتها المعتادة مع الفارق في المقابلات داخل المنظومة نفسها .
مثال ذلك :
اذا انت أكرمت الكريم ملكته
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
أزِلْ حسد الحسادِ عني بكبتهم
وإنْ انت أكرمت اللئيم تمردَّا
مضَّر ، كَوْضع السيف في موضع الندى
فانتَ الذي صيرتهم لـــي حُسدا( )

وتتأكد هذه المقابلات عبر كنه هذه المطارحات التي أكدها المتنبي بقوانينه الموسومة بالاستخدامات حيث تكون هذه المقابلات ذات اهمية منطقية في الجملة الشعرية لتنال أهمية خاصة في المحايث الذي تنطلق منه التعادلية اللغوية والمنطقية في لغة المتنبي الشعرية لتعتمد الثنائية في المنظومة اللغوية ويترتب عليها شيء من هذه الصيرورة المقطعية في اللغة ، وهذا لا يترتب عليه أيّ خلاف أو تغيير في المعاني ليتعالق في تفاصيل المخالفات التوافقية وسوف نعود الى هذا الموضوع في الصفحات القادمه حول اشكالية البيت الثاني (ووضع الندى) .
مثال ذلك :
وربَّ مُريد ضَدَّه ضَدَّ نفسه
ومستكبرٍ لم يعرف الله ساعةً
وهادٍ اليه الجيش أهدى وما هدى
رأى سيفه في كفه فتشهدا( )

والعملية الاختلافية في شبكة التوقيت عند المتنبي يستوقفها المنهج التطوري في التشكيلات اللغوية ، فانها توجد بوضع تتمركز فيه حول مركزية اللغة من الناحية الفكرية وجدلية التاريخ الذي يسوق تاريخ اللغة ونظامها بمطارحات اختلافية (المتنبي) والتغيرات المختلفة التي تحصل بهذه الاختلافية ، وكان لابد لنا ان نحصر هذه المتغيرات وفق المنهجية الجدلية التاريخية ونظامها وحدوثها الذي يشوبه الخلط والابهام ، ونحن نبحث عن المستويات الفكرية العليا في المطارحات التي جاء بها المتنبي ومستوى تطورها من ناحية تكنيك الصورة الشعرية ، لان اللغة عند المتنبي هي مستوى تطوري خلاّق يستند الى ثنائية اختلافية تتمركز فيها المستويات العلائقية من تكنيك – وصورة – وتوقيتات سيكولوجية .
والامثلة على ذلك :
ويمشي به العُكَّاز في الدير تائباً
وما تابَ حتى غادر الكَرُّ وجهه
فلو كان ينجي منَ عليّ ترهبُ
وكلُّ امرئٍ في الشرق والغرب بعدهُ
وما كان يرضى مشى أشقر أجردا
جريحاً وخلَّى جفنهُ النفعُ أرمدا
ترهَّبت الأملاكُ مثنى وموحدا
يُعدُّ لهُ ثوباً من الشعرٍ أسودا( )

والتوقيت اختلافي غير ثابت في اللغة ، فهو يتعلق بالدرجات الاسلوبية والمنظومة اللغوية تخضع لزمكان رمزي مضيفا اليه دلالة توقيتية تنطلق منها المتغيرات اللغوية ، والمتنبي شاكل التطور التاريخ في اللغة ولذلك جاءت ابياته الشعرية مرتبطة بالحس التوقيتي التاريخي ثم تاتي المنظومة الدلالية باعتبارها الطرف الآخر الذي يدخل في تكوين المنهج اللغوي باعتباره التحديث المستمر في اللغة بعدها تاتي الاصوات التي تظهر في النصوص الشعرية عند المتنبي والتي تسبق الدلالة وقبله النحو . والمنظومة اللغوية عند ابي الطيب هي : منظومة لا شعورية ، فالعلاقة القائمة في خواص التحليل التركيبي عند المتنبي هي الخلاصة الرئيسية في التوقيت الاختلافي واستنتاجا للمعلوم في النصوص الشعرية .
مثال على ذلك :
وما الدهرُ إلاّ من رواة قصائدي
أجزني إذا أنشدتَ شعراً فإنما
إذا قُلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
بشعري أتاك المادحون مُردَّدا


(مطارحات الرؤية)
شكل المتنبي ، منذ اندماجه المنهجي بعمق الصورة الشعرية واستمرار الرؤية التي اندمجت في اندماج عالمه الاختلافي حتى تلابست معه فجوته القلقة بين شعوره العميق في المفارقة ، وهي تستوطن الغور العميق الذي شقه بعناء وصبر يعتبره عالم متسامي فوق عالم البشر وفق الاشياء المحسوسة وهذا ما وازنه والتزم به بين معاناته وكبريائه ومشكلات هذا العالم الذي يتعامل معه والذي يعيش فيه . وما يتعلق بانواع هذه المشاهد ونحن نتأمل الفخامة في انتاج (النص والمعنى والدلالة) الى حد الحلم الذي ينتقل الى عالم نهائي عالم يتحرك من خلال رؤية الذاكرة والتأمل واستعادة هذا المعراج في التأمل والفخامة التي تعيد وحدة الوعي وقدرة التفحّص للصورة الشعرية دون حدود . ومنذ تلك اللحظة وفي حدودها الكبيرة ، كان لعطاء المتنبي بعدا فاعلا ، والمسافة حملته حتى وهو في منفاه في الفيافي ، وكان المتنبي يحدد رؤياه الحربية ويبدع في التقاط تفاصيلها وتشكيلها في الصورة الشعرية لان صورة المتنبي الشعرية صورة ملحمية يقوم بعرض الوقائع للحرب عرضا ايجازيا مع تفصيل مكاني دقيق مطعّم بسرديات حكائية أي انك تقرأ ملحمة شعرية متكنكة بتقنيات السرد .
يقول المتنبي :
رمى الدَّرْبَ بالمجردِ الجيادِ الى العدى
فلما تجلَّى من دلوكٍ وضجةٍ
فما شعروا حتىَّ رأوْها مغيرةً
وما علموا أنَّ السِّهامَ خيولُ
علتْ كُلَّ طودٍ رايةٌ ورعيلُ
قباحاً وأمَّا خُلقُها فجميلُ

لان حرب الثغور في رؤيا المتنبي هي حالة من الاظهار للبداعة والقوة . والمتنبي كان يرى في سيف الدولة شاخصا بسيفه في رؤياه واتصاله به ، عملية سيكولوجية ومرحلة تاريخية يفوق بها المتوقع من الاشياء . ورؤياه لما بعد هذه الرؤيا الذاتية هو : الاتصال الذهني بفجوات غير مرئية في عالم من الحكمة والاحكام في ادراك ما وراء التجديد العقلي ، وهنا ياتي فعل الرؤية في الشخصية الممدوحة فيعطيها معنىً آخر من خلال القراءة الدقيقة للنص الشعري بالفعل الظاهر – والفعل الباطن وفق تركيبات في المعاني تضمر نصا خفيا يفصح عن حكمة فلسفية منتشرة في فضاء النص . والمعنى الذي يظهر القراءة واضحة في النص اضافة الى التحريض السياسي الذي يضمره المتنبي ضد الدولة العباسية . يقول المتنبي :
يدق على الافكار ما أنْتَ فاعلٌ
إذا شدَّ زنْدي حُسنُ رأيك فيهم
وما أنا إلاّ سمهريٌّ حملتهُ
فتركُ ما يخفي ويؤخذُ ما بدا
ضربتُ بسيفٍ يقطعُ الهامَ مغمدا
فزَّينَ معروضاً وراع مُسدَّدا

عبر هذا النسيج السيكولوجي يظهر ان المتنبي يمتلك رؤية فلسفية ومنطقية قياسية عقلانية تربط منعطفات ايديولوجية وفق صياغات عقلية في الترتيب الدلالي واستعمال الالفاظ الفلسفية فهو يتفهم في تفاصيل هذه القصيدة بمدارك خاصة به وتعبيرات مكتشفة من قبله ، فاراد في هذه القصيدة ان يضع ثقله الفكري والفلسفي والسيكولوجي والسياسي في رواق الخليفة فالجملة كانت قد بدأت بقياس منطقي وفكرة العقيدة فكرة فلسفية مبدئيا ترتكز على تفاصيل علمية عمل بها أبي الطيب بمصدرية افعاله الغريبة في (الظاهر والباطن) والحسد والحساد وما افضت عليَّ من نعمتك يقول له فاصرف شرهم وحسدهم عني اذا قويت ساعدي بحسن رأيك وانا لك سمهري أي كالرمح ان حملته مسددا راع اعداءك والمتنبي في رؤياه هذه كان متماسكا في خوض غمار المعترك الشعري بحجة فكرية ولغوية اضافة الى الايجاز والدقة والعمق في التشكيل المعرفي بالاعتماد على المنظومة الفلسفية واللغوية والبيان والمعنى واللفظ وموسيقى الشعر وموقعها في الجملة الشعرية والحكمة الموحية والمهارة في القوة والبناء والبيت ادناه وهو من الابيات المهمة في القصيدة :
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
مُضر كوضع السيف في موضع الندى

والندى في البيت يعني الجود ، فالمتنبي يحتاج الى سيف الدولة لأنه الندى ويقول بالعلى : يقصد مضر فالبيت يتركب من انسجة في الحكمة السسيولوجية والسياسية ، أبي الطيب في بناء تفاصيله الشعرية يستند الى الكثير من الدلالات الطردية في اللغة ويلازمها تصاعد في الانساق الشعرية ويتحرك النص الشعري في الكثير من الاحيان باستعارات وطباقات وطرديات ، وان كل هذه الخواص تأتي على رأس المنظومات (الشعرية – واللغوية) لكي تتحقق وتتجسم الصورة الشعرية بشكل دقيق وعميق ، وحتى تنتشر في فضاء الصورة المتسامي في رحاب النص . فالصياغة الدقيقة للنص من الناحيتين (الشعرية – واللغوية) افضت بالرؤية لان تتحرك وفق معنى سياقي ينتج موضوعة لغوية لتؤكد منحى شعريا يضم معنى دلاليا متجددا عبر خواص النص من الناحية التراثية وتفاصيل الوعي من خلال انفتاحه على النص . والخطاب الشعري وهو الآخر معني بالرؤية والتأويل لهذه الرؤية والمعنيين (الظاهر – والباطن) والتحاقهما بالجملة الشعرية عبر رؤية وكذلك الجملة في تركيبها في بعض المعاني فهي حلقة تتعلق بمنطق الرؤية المتنبية . والمتنبي على العموم يقوم بحصر النص وفق فضاءات مسكونة بالوعي الشعري وصورته وبالاعتماد على اصول وفلسفة النص وفق عدة دلالات تتعاقب باطر فلسفية وباطنية وصوفية وسياسية – وسيكولوجية . فأبو تمام يقول :
لو كان يفنى الشعر افنته ما قرت
لكنه فيض العقول إذا انجلت
حياضك منه في العصور الذواهب
سحائب منه اعقبت بسحائب

ثم تاتي شرارة المتنبي في تفصيل الرؤية على مستوى الذات ، والمعترك ، لان المتنبي بانفتاحه على هذه الرؤية يعطينا اختلافية منطقية في تفاصيل النص ويبلغ بنا حد الاختلافية (الباطنية الفكرية) وجدل الذات المتميزة بالصوت الحي والمصورة للاشياء بان خارج حلقات اللاوعي في ظروف جدلية ناطقة ، منذ سقراط الذي لم يترك شيئا وراءه ابدا . والمتنبي في هذه الرؤية استحضر المداخل الدقيقة لهذه النصوص الشعرية ليعطينا وضوح اكثر في هذه الاشكالية الاختلافية في منطق الوعي الشعري ومعنى الصياغة وربط هذه الالفاظ في مجسات شاعرية فهو لم يترك الاعمى والاصم الا وحلّق في رؤياه وترك الاشياء تحلّق متسامية في إدراكه ووعيه لتختصم في هذه الرؤية : وقد تم شرح بيت المتنبي (أنا الذي) في الصفحات السابقة من ناحية تركيب البنية الدلالية وتوحده في تشكيلات النصوص الاخرى وان المتنبي ليس كباقي الناس يقنع بما يقنعون الآخرين او من الذين تأخذهم ملذات الحياة وان عمره لو طال لاستطاع ان يبالغ به حد الذهول ولكن العمر له حدود فهو كهبة اللئام ، فالخوف كل الخوف في ادارك ما اصبو اليه وفي هذا المجال يقول الواحدي : وكأن هذا من قول أبي تمام :
وكأنَّ الاناملَ اعتصرتها
بعد كَدّ من ماءِ وجه البخيل

يقول المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم

ويقول في مدحه المغيث بن العجلي :
فؤادٌ ما تُسلِّيه المدامُ
ودهرٌ ناسهُ ناسٌ صغارٌ
وعمرٌ مثلُ ما تهب اللِّئام
وإنْ كانتْ لهُمْ جثثٌ ضخامُ

وفي هذه الرؤية يصبح الزمن تحركه بيادق هي صغار الاقدار والهمم وان امتلكوا في المكان أبدان ضخمة .
وقول حسّان بن ثابت في هذا الاشكال :
لا عيبَ بالقومِ منْ طولٍ ومنْ قصرٍ
جسمُ البغالِ وأحلامُ العصافير( )

وما يتعلق بالتأويل للرؤية عند المتنبي : هو أن مصطلح التأويل يتحرك وفق حقيقة العلاقة التي تربط (بين المنطوق والمفهوم) فالنص الشعري هو توافق الحالات المنطوقة مع مفهوم النطق الذي لا يحتمل التأويل والذي يتوافق مع دلالتين في منطوقه والذي يتأكد بالظاهر من حلقات النص وياتي المؤول ، وهو الذي يجمع دلالتين في منطوقه ويتأكد بالباطن او الخفي من الاشياء في النص ، والمشترك الذي يجمع حقيقتين ليصبح حمل المنطوق متساويا في تركيبة النص( ) ثم يأتي الايجاز في الرؤية عند المتنبي ، فهو يقوم بتركيبة المفهوم على سياق المنطوق في اطار الدرس البلاغي حيث يتساوى فعل المنطوق بخواص المفهوم وكل هذا الموضوع يتعلق بالنقطة الاولى . وما يتعلق ثانية بالمنطوق والمفهوم يحتفظ (السكاكي) في هذه القضية وتعبيرها نسبي حيث ارتبطت كل محتويات (الزمكان الذاتي) فالذي يتحقق من موقعه في هذا الأمر هو المتلقي ومن وجهة نظر اخرى يتعلق بالأمر نفسه أي علاقة (المنطوق – والمفهوم) وعلاقة هذان العنصران بحقيقة الرؤية وانفتاحها على خواص الدوائر المفتوحة والمغلقة حسب المعادلة التي تتعلق بالانفتاح وتتمثل هذه بعلاقة التشبيه . ثم يأتي المعنى داخل خلايا النص ، كالجوهر وهناك رأي (للسكاكي) في انفتاح هذا النص لا يمكن ان يدخل منطقة البلاغة الاّ اذا احتوى على انتاجية التجديد في الدلالة او الانفتاح على عدة مداخل – ومخارج في الرؤية مثال على ذلك ما يقوله ابي الطيب المتنبي( ) :
هل الحدثُ الحمراءُ تعرفُ لوْنها
سقتها الغمامُ الغُرُّ قبل نزوله
بناها فاعلى والقنا تقرع القنا
وتعلمُ أيُّ السَّاقيين الغمائمُ
فلمَّا دنا منها سقتها الجماجمُ
وموجُ المناياحوْلهـــا متلاٍطمُ( )

من خلال ما تقدم شكلت الرؤية المنفتحة نتائج وخواص في التعدد للإحتمالات من خلال المتابعة بالرجوع الى طبيعة انفتاح الرؤية واخراج النص المحكم ثم يأتي البناء الثاني الذي يحكم ماسبقة بحركة ترددية والغوص في ثنايا النص للوصول الى الاستخراج والابتداع . وفي هذا المنطوق وصل عبد القاهر الجرجاني الى اصطلاح (معنى المعنى) من خلال رؤية النص وفق مستويين دلاليان في (معنى المعنى) أي المعنى الاول + المعنى الثاني والمعنى في ظاهر اللفظ والذي تصل اليه بسهولة من خلال السياق العام : ومعنى المعنى ان تتوغل في منطوق اللفظ الى ان تصل الى المعنى ثم يفضي بك هذا المعنى الى جدلية معنى آخر باطني في خصخصة النصوص المنفتحة احتماليا وبنتائج تاتي وفق خواص احتمالية والبنية النصية لا تحتمل الا الوجه الواحد والذي عليه تتشكل المعلومات وان مركزية الصواب في ذلك هو لامركزية في الفصل اذا كان يحتمل منعطف في الظاهر هو غير المنعطف الخفي في النصوص وان هذه الاحتمالية النصية تقع في منطقة الخروج عن المألوف في التكامل مع خصخصة التركيبات التعبيرية ، قد تكون عالية الهواجس الجمالية مثل التشبيه – والاستعارة .
والمتنبي في خلاصات الصور والمعاني ، لا تتغير عندما تنتقل من لفظ الى لفظ آخر ليكون هناك اتساع في المجاز او الاستعاره او التشبيه وحتى لا تأتي الزيادة في لفظ ما وضع في تفاصيل اللغة اشاره الى معانيها معنىً آخر( ) وبهذا الاستدراك اعطى الجرجاني الاحتمال الدلالي وتأثيره على حالة المتلقي ، وبهذا الانفتاح في الرؤية : وازن الجرجاني بين انتاجية المعنى وفق الضوابط الفنية واعطائه خصوصية من الجوهر وبين انتاجية خالية من الشعرية وخالية من ايّ قيمة جمالية . فيأتي البناء مبتذل لا يغني مستوى المعاني . وان ما حسن لفظه فتشهد له بالركيزة التعبيرية وتكسبه خصوصية ويزدك المعنى طلبا وطربا ثم يأتي العمق ليشكل منعطفا قائما في البناء .
يقول المتنبي :
أتوكَ يجروُّنَ الحديدَ كأنَّهمْ
إذا برقوا لمْ تعرفِ البيضُ منهمُ
خميسٌ بشرقِ الارضِ والغربِ زحفهُ
تجمَّع فيهِ كلُّ لِسْنٍ وأمَّةٍ
فللّه وقتٌ ذوَّبَ الغشَّ نارهُ
نقَّطعَ ما لا يقطعُ الدِّرْعَ والقنا
وقفْت وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ
سَرَوْا بجيادٍ ما لُهُنَّ قوائمُ
ثيابُهمُ منْ مثلها والعمائمُ
وفي أذُنِ الجوْزاءِ مِنهُ زمازِمُ
فما تُفهمُ الحدَّثَ إلاَّ التراجمُ
فلمْ يبق إلاّ صارمٌ أوْ ضبارمُ
وفرَّ مِنَ الأبْطالِ مَنْ لا يُصادمُ
كأنَّك في جفْنِ الرّدى وهوَ نائمُ( )

من جهة أخرى ، فان الرؤية المدركة للّغة فهي فاتحة الفعل الادراكي أي انها تعني افتراض سابق في الرؤية لوجود منطق اللغة وهي شبيهة بنظرية (تشومسكي) عن القدرة اللغوية الكامنة في الذهن ثم تأتي الكتابة باعتبارها طاقة فطرية تسبق كل الخبرات الحسية وهي مختفية لا تتضح أو تظهر الاّ عند الاستخدام للّغة . وفرويد أكد هذا الموضوع وحدده (بالاثر القديم) وهي اشارة الى أثر القلم على الشمع بوصفه الأثر اللاواعي . وكان (جاك دريدا) قد طور هذا المنحى ليجربه على الكتابة ، بان هناك علاقة بين فعلية الكتابة وخلجات الكاتب المتأكدة بخواص الكتابة فيخرج دريدا : بان الكتابة كفعل : هو مجرد تحقيق لأثر قديم سيكولوجيا وهذا الاثر ، يعد تعبيرا وجوديا كاملا وهكذا كانت النظرية التقليدية للغة من حيث هي تكوين وتواصل لتأكيد عملية التواصل في المنهج الفكري ، وتحقيقا للمبحث العلمي باعتباره يقع داخل مؤسسة اجتماعية وهو المجتمع . وجاك دريدا انتقد هذه النظرة التقليدية لخواص الكتابة بحالتها المألوفة في النشأة الغربية( ) ابتداء من افلاطون من الناحية التاريخية وحتى القرن العشرين لأنها تقع خارج الذات وتابعة الى الصوت . وهذا الموضوع يشوبه الابهام والآلية التقليدية مقابل وجود البدائل التقليدية في الصوت وهو حضور تصوري فيزيقي وحدته الفكرة التقليدية . فاللغة : هي خطاب فلسفي خفي موجود فسلجيا في الرؤية ، وهي التي ارتكزت عليها بدايات النطق الاولى . فالكتابة ومتغيراتها الفلسفية هي القوة الكامنة في الصوت وقوة وقوعه وشروط دلالته في المنطق الناطق بالصوت . ورؤية الكتابة عند المتنبي وهو ما يعنينا في هذه المقدمة هو المألوف – والمحسوس – والمعادل الحقيقي للاداء الفردي تقوم بتحقيقه اداة وظيفية للتواصل عبر الكتابة وصياغة المنطوق في المنظومة الشعرية . نقول ان حضور المتنبي كان في صوته الذي يقوم بالتحكم بخواص المعنى والدلالة بعيدا عن الغثيان والتشويه لأنه مرتبط جدليا بوعي وآلية وعي اللغة فسلجيا – وتاريخيا ، ويمكن فهم الخطاب عند المتنبي شعريا باعتباره حدًا يتعلق بالمنطق الشفاهي لان ماهية المتنبي الوظيفية من الناحية الشعرية لا تنمو عملية تفكيره من طبيعة صرفة ، بل نمت من قوى ومجسات متحركة رؤيويا بعد ان تم اعادة العملية التكنولوجية في وظيفة الكتابة بشكل مباشر او غير مباشر . لقد غير المنطق الكتابي في الرؤية والصوت واللغة شكل ومنهج الوعي الشعري عند المتنبي ، واصبح الخطاب الشعري وما يحدثه في الآخرين هو خطاب يكاد يكون منفصل عن الشاعر لأنه استقل بالصيغة السيكولوجية الطقسية وبالنبوءات لان اساسيات الخطاب عند المتنبي يعود الى انه تكون من صوت النبي المرسل في مصدرية باعتباره نصا عصيّا بطبيعته اللغوية والفكرية .
يقول المتنبي :
ما مقامي بارض نخلة إلاّ
أنا تربُ الندَّى ، وَرَبُّ القوافي
كمقام المسيح بين اليهودِ
وَسهامُ العِدى وغيظ الحسودِ


الخيل والليل والبيداء تعرفني
إني اصادق حلمي وهو بي كرم
ولا أقيم على مال أذلُّ به
أنا في أمةٍ تداركها اللُه
والسَّيْفُ والرُّمحُ والقرطاسُ والقلمُ
ولا أصاحب حلمي وهو بي جبنُ
ولا ألذُّ بما عرض به درنُ
غريبٌ (كصالح في ثمود)

ان المتنبي رؤية واحساس متميز بالعصر الذي عاش فيه بوضوح في الرؤية المتزايدة والحدس في انتاجه الشعري ، كان متصلا اتصالا وثيقا بحلقات ما قبله من الابستمية الشعرية ، ولذلك كانت صفته في التميز هو المبرر في تكامل الرؤية وحدودها في اطار الكيان الكلي والعام داخل حدود الابستمية . وان التعامل في هذا يجري وفق قياسات تستند في تفاصيلها على التفسير العلمي للحياة من خلال حلقة الانبثاق الشعرية . والمتنبي لديه التفسير ولديه الكنه الابستمولوجي الذي من خلاله يناظر هذا القياس وفق منطق محمول اخرجه الى هذه الحلبة من المنازلة . فالمتنبي يعتقد وبدراية ان ما احس به وما خزّنه من اصغاء الى ذاته والى حركة الاشياء والعناصر وطبيعة ما يحتاج اليه الشاعر . فبدا بدراسة اعمق نقطة في طبيعة الحياة الاجتماعية ، والسيكولوجية والسياسية ، وخرج بنتيجة ، ان اهم قيم التمرد في الشعر هي : الاصالة التي تربط الشاعر بالمجتمع والحياة ومن خلال هذه الاصالة يستطيع ان يحقق الشاعر مهمته الصعبة ، وهي الاشد بدائية حين يتقدم الى الفحص والدقة وادراكه للحس المتوالي والذي يظهر له من لمحة او في حركة تأمل لهذه الحياة المعقدة أو الهروب من الاخطار او الالتحام بالمنفعة الشخصية أو المجد الذي رسمه المتنبي لنفسه أو القول المجافي للحقيقة وعبر مهارة دقيقة في العثور على الخواص التي تتطابق مع هذه الحركة الشعورية او اللاشعورية او الارتباط بحلقات الشر او التلبس بالروح الشريرة والاستمالة الى الشفافية والروح السمحة الطيبة ، وكل هذا وذاك بقي المعنى الابدي في النصوص الشعرية وبقيت مهمة الاكتمال وهي تكتسب عدة اتجاهات من الابهام ، ولا زال الاثر الشعري عند ابي الطيب شاخصا وقائما حين يصور الطبيعة الانسانية الصادقة وحين يصور العذاب – والموت – والقبح – والفزع البشري- وسر قوة هذا الفزع الذي حال بينه وبين مرتسمه الذي نقله باحساس حتى وهو يهجو فهو احساس يغتلى بالطاقة الشعرية وايقاعه يكاد يلامس أقصى المجهودات حين يجعل المتبني الطباع الشخصية هي طباع عامة تسود في نصوصه الشعرية .
وتتجه البنية الشعرية في مطارحات المتنبي الى اشكالين : الاشكال الاول وهو الاشكال الصوتي الذي يتعلق بالمنظومة البنائية وهذا ينقلنا الى علاقة الصوت بالنظومة الدلالية لانها تشكل مستوى الاختلاف في الصياغة الشعرية في حالة الترجمة من لغة الى لغة اخرى صحيح ان المعنى يبقى في حالة تراوحية ولكن يتحول النص الشعري الى نثر ثم بعد ذلك يضيع شكله والاشكال الثاني يتعلق بالشاعر وانتقاله الى حالات تعبيرية متعددة . فالذي يقوله بنصوصه فهو لا يشبه احد او يشبه الآخرين ، فالطريقة في التعبير الكيفي تنتقل الى الحلقة الكمية بحساب المنظومة الشعرية . فالمتنبي محدد في تفاصيل اللغة الشعرية ومكوناتها العملية والتمثل يأتي بصدق الشاعر والشعر لانه يمثل ويتمثل حقيقة التاريخ على ضوء المنهجية البنائية في تركيبة الرؤية الشعرية ، والمتنبي : حدد رموز هذا التمثيل باللغة في اختيار المفردة العملية في طريقة نظمها وصورتها ، وايقاعها وكيفية التعبير عن الرموز والاشياء لتمثل التمثيل الفكري والسسيولوجي والعاطفي والمفردة والجملة الشعرية هي الكفيلة بجعل الحياة ذات ابعاد تتناسب مع ما مطروح من اشكاليات داخل حركية الوعي الابداعي ، وان العلاقة بين المنظومة الشعرية عند المتنبي والحياة هي كالعلاقة بين المقدمة – والنتيجة ، وهذا يتعلق بمنطق المعنى في النص الشعري والتركيبة اللغوية للنص من ناحية الرؤية الجدلية التاريخية فالوصول الى المنهج الشعري وماضيه في حلقات الوعي لأنه حضورًا بيناً ارتبط بآليات الحضور المؤوّلة والتي وسعت المنطق الدلالي فتعددت مهامه واعطته انتاجية في الصياغات الصورية اضافة الى القيام بتنوع سياقاته لان حلقة التاويل في نصوص المتنبي الشعرية قد توثّقت بآلية كانت قد تجاوزت السطوح من هذه الظواهر لتنطلق الى اعماق النص وبواطنه .
يقول المتنبي :
رمانيّ خِساسُ الّناسِ مِنْ صائبِ أسِتهِ

وآخرُ قطنُ مِنْ يدْيهِ الجنادلُ

ومِنْ جاهلٍ بي وَهوَ يجهلُ جهلهُ

ويجهلُ علمي أنَّه بي جاهلُ

ويجهل أنيّ مالك الأرض معسرٌ

وأنيّ على ظَهرِ السماكين راجلُ( )


(المنحى الحسي عند المتنبي)
ما يتعلق بغطاء ووعاء الجذب الذهني في اخذ صياغة المضمون وفق اسلوب يدركه الشكل وهذا مستوى متطور في حلقة الكتابة والقيم الجمالية ، وهي امور تتعلق بالمسؤولية الفنية في تقديم هكذا نص يعي منهجية الاستخدام الذهني في تشكيلة العمل الفردي . ولكن صياغة المضامين تبقى حجر الزاوية في التشكيل المشترك للاشياء . فالمتنبي قدم منعطفا حسيا في القصيدة التجربيبة بصورتها الشعرية وخواصها الذاتية في الشكل ، والشكل في المعادلة الموضوعية هي القصيدة المتفردة بهذا الاطار، فغياب الشكل يعني غياب القصيدة ، ويشكل الادراك تجريبية حسية صادقة تعبر عن تجسيد لمعنى الخواص في الفعل الحسي وما مرهون بالشكل والمضمون يعتبر عطاء في تجربة تعطي اختلافية في صدى ذهني يتعلق بالموضوع ، وينسجم مع استنباط حسي يحدد المعنى وحركية القصيدة وتفاصيل المزاوجة بين (الحلم والواقع) باعتبارهما متعلقان باقيان في الحس منهما بتاكيد النقيض من التفسير التقليدي للعمل الادبي .
والقصيدة تحقق الاثر المباشر من خلال المحاكاة عبر الحس في الشكلية . في هذه الحالة علينا الانتباه الى المداخلة التي تحصل للادراك حيث يكون العمل فوق مستوى الحس بتوافق الحدس ، وهذا يعطينا برنامجا يتكون من خطوط وقواعد – ومساحات – وفضاءات – وعناصر – ومعاني – وموضوعات ، كلها تشكل مستوى تنظيمي عالي ، يبرهن على قوة الفعل العقلي وما أخرجه من مؤثرات في دعم المرتسم الموضوعي ودعم خواص شبكة القصيدة عند المتنبي وهذه القصيدة قالها عند خروجه من مصر :
عيدٌ بأية حالٍ عدت يا عيدُ
أما الأحّبةُ فالبيداء دونهمُ
لولا العلى لم تجب بي ما أجوبُ
وكان أطيب من سيفي معانقةً
يا ساقييّ أخمرٌ في كُؤوسكما
أصخرة أنا ما لي لا تحرّكني
بما مضى أمْ لأمرٍ فيك تجديدُ
فليتَ دونك بيدًا ُدونها بيدُ
وجناءُ حرفٌ ولا جرداءُ قيدودُ
اشباهُ رونقه الغيد الاماليدُ
أم في كؤوسِكُما همٌّ وتسهيدُ
هذي المدامُ ولا هذي الأغاريدُ( )

في هذا المسار الحسي الحكائي يتصاعد الاستخصار في التعرف على شبكة الخطاب ، وفق سياق الملازمة للنصوص الشعرية ونبدأ عملية الحصر للمخيال الذي ساهم في الكشف عن البناء في نواظم القصيدة وفق مقاييس (الزمن – والرؤية + الحس) وهنا يتمركز ميدان الاسلوبية التي تعمل على ادغام كل اختلاف بين منطق الحكاية والخطاب الذي يستحضره الشاعر .
اذا أردتُ كميتَ اللّون صافيةً
ماذا لقيتُ من الدُنيا وأعجبه
وجدتها وحبيبُ النفس مفقودُ
أنيّ بما أنا شاكٍ منهُ محسودُ( )

فالموجود في الكأس لونه كمتي وصافي كصفاء عين الديك ولكن الوجود بكامله مفقود فالبيت الشعري يتأسس على تعريف يتعلق باشكالية تفهم الحدث ، ثم يقدم تعريفا للخمرة بلونها الاحمر الذي يطغي عليه السواد ثم في هذا التعريف يبرمج هذه الاشكالية في اتمام المقاربة بين وجود الخمرة وغياب الحبيبة . والسؤال سابق الادراك عند المتنبي وهو مثير للادراك نفسه . فالوجود عند المتنبي سابق دائما على التفكير ويأتي السؤال بوصفه اجابة عن سؤال سابق له ، فالمشروعية في هذا تلزم حلقة تعريفية عن رغبة حقيقية في كنه التعريف .
جود الرجال من الايدي وجُودُهمُ
ساقبضُ الموتُ نفساً من نفوسهمُ
من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
إلاَّ وفي يده من نِتْنها عودُ

فليس هناك سياقات متكاملة وجاهزة عن منطق الشيئية او الوجود وعدمه وعن خلاصات جوهرية لهذه الأشياء . فالمتنبي يستنتج من هذه الأشياء جوهر فعلي يتجلى بالحس + الحدس والوجود يمنح هذه الحالة في الامكانية السيكولوجية من حق الانسان ان يقول ما يشاء سيما وان هناك وجود سابق لهذا الادراك ، والسؤال يصبح عمل فعلي للشاعر ، ان يسأل والجواب يتشكل بحقيقة مؤكده مؤداها ان الوجود الانساني (مكان وزمان) متحرك في هذه الاشكالية ، وينطوي على عمق وفير وبقصدية في هذا الوجود بوصفه مجرد الوجود ، بل بوصفه مبدأ مفترض يتحرك في فضاءات حرجة ليس من اجل منحى فردي بل هو خلاصة سيكولوجية لمفهوم متحقق وجوديا . واللغة الشعرية في مقام ما ربما تكون لغة افتراضية تتعلق بالميتافيزيقا سواء على مستوى مفصلها (الموتي او الحياتي) او (بموت الاله كما يقول نيتشه) بوصفه حلقة فيزيقية . فالوجود من رؤية حدسية اخرى ينظر لها المتنبي وفق منظومة التغير الافتراضي سيكولوجيا ، يفعل هذا المتنبي ليكشف هذه اللغة الافتراضية التي وصف بها كافور عن وجوده ومركزه وهي حالة من الكشف تستلزم تحولا جوهريا في لغة الهجاء واتجاها آخر نحو خواص التحول . لكن المتنبي يكشف المفردة الوجودية المقروءة . من هنا تبدأ الدقة في الوصف لكافور الأخشيدي .
صار الخصيُّ إمامَ الآبقين بها
نامت نواطيرُ مصرٍ عن ثعالبها
العبدُ ليس لحُرّ صالحٍ باخٍ
ما كنتُ أحسبني احيا الى زمنٍ
وأنَّ ذا الاسود المثقوب مشفرهُ
فالحرُّ مستعبدٌ والعبد معبودُ
وقد بشمن وما تفني العناقيدُ
إن العبيد لأنجاسٌ مناكيدُ
يسيءُ فيه عبدٌ وهو محمودُ
تطيقهُ العضــاريط الرعاديدُ( )

والمتنبي يتم تحويل خطابه الى مفردة تتعلق بالوجود ، ويبقى النص الشعري يستخدم منحى الدقة بوجود الصيرورة التي انتهى اليها المتنبي بالرجال الجوف فاستخدم المفردة لأن اللغة تحولت الى العمق الوجودي .
ان ادراك وعي تخلل المفردة من مجرد علاقة الى جوهر يعمل على نزع حالة التذكر في مرحلتها الاولى باتجاه ذاكرة تعيد جوهر المعنى تحت سيطرة اكثر متانة في التعبير لان الذاكرة اصبحت ذاكرة وجود عند المتنبي هذه الذاكرة تجنبت الغزو من ناحية وسيطرة الوصاية على الذاكرة من ناحية اخرى ولذلك فقد تعامل المتنبي مع محمولات للغة قديمة ومفردة فاضحة ومباشرة ليخاطر باشكالية التأمل في خواص الجوهر الوجودي ، فهو يخضع لمتطلبات قديمة تتعلق بفحوى الموضوع فهو تحرير المفردة من أسر اللغة لتقديم الخلاص في البيت الشعري .
يقول المتنبي :
ولا توهَّمتُ أن الناس قد فقدوا
من علم الاسود المخصي مكرمةً
أم أذنهُ في يد النخاس داميةً
وأنَّ مثل أبي البيضاء موجودُ
أقومهُ البيضُ أم آباؤهُ الصيد ُمردودُ
أم قدره وهو بالفلسين مردودُ( )

فالمفردة التي انجزها المتنبي هي الأثر الذي يحمل طقوسا تتعلق بالأثر الوجودي لتحرير كل المفاهيم من زيف اصلي وراسخ وفي غاية الثبات ، في عقول تؤكد مرتبتها الادنى ولكن المدلول المتعالي عند دريدا :
Transcenden Tal signified ( )
فالذي يبقيه هو مفهوم يتعلق بالفكرة العليا التي تتعلق بالوجود الحاضر ليقودنا هذا الحاضر الوجودي الى سؤال عن فعل هذا المعنى في اطاره النهائي لأنه اصبح مدلولا نهائيا ومرجعا ترجع اليه الدوال . لكن المتنبي في تهمشه لكل من لا يتضمن خواص في الدلالة لانه في نظر المتنبي ، هو سابق ومتميز في هذه الخاصية لانه يتحكم في تفاصيل المدلول . والمتنبي يكشف عن هذا المستور بمفردة هجومية توضح خواص البيت الشعري وحدوده في استباق المفاهيم الفيزيقية في النصوص الشعرية :
وما تنفعُ الخيل الكرامُ ولا القنا
إلى كم تردُّ الرُّسلَ عمَّا أقوْلهُ
وإنْ كُنتَ لا تعطي الذِّمامَ طواعةً
وإنَّ نفوساً أممّتك منيعةٌ
إذا لم يكنْ فوق الكرام كرامُ
كأنَّهمُ فيما وهبتَ ملامُ
فعوذُ الأعادي بالكريم ذمامُ
وإنَّ دماءً أمَّلتك حرامُ

وما يتعلق بالحضور الشعري ومفهوم العلامة عند المتنبي يأتي عبر توليدية تلقائية وفق مدلول زمكاني في كل الاحوال يقلب موازين في الوعي الشعري من خلال المعترك السيكولوجي ووحدة التولد الذي يأتي بحركة تلقائية وعلامة حضورية تكتنز المدلول من زاوية دينميكية . وتؤكد المفردة بعيدا عن التواصلية والخواص الجزئية للعلامة وبسبب المنطق الاختلافي في بناء النصوص الشعرية ، وبناء على السعي لهذه الرغبة في تشكيل الوعي الاختلافي داخل المقطع الصوتي او العلامة الصوتية المتعلقة بالمنهج الكتابي باعتباره حضورا أزليا ذاتيا في المنهجية الفكرية للذات الصامتة ولكن الذي يحدث ان هناك ابتعاد بين تماثل الصوت وولادة الفكر أي بين الصوت والمنهجية الفكرية الذاتية ، لان عملية الكشف تكون قد ابتعدت قليلا ، لان الدال الصوتي غير الدال الكتابي ، ونحن نناقش فكرة المدلول المتعالي عند المتنبي .
العلامة الصوتية والكتابية
التفكيك المتعالي
يجب ان نحدد خواص الصيرورة التي تجمع البنية الاختلافية الذاتية ، ليس في مجال كنه الوجود ، بل وحتى في الحلقة الاختلافية الملغية في كنه الآخر وفق خصائص المعنى في اطار علامتها وهو غريب الانغراس ويقع في منطقة اختلافية منعرجة ، بحيث ان نصفها لا يقع في هذا الاختلاف وكذلك نصفها المتوالي هو ليس النصف المحدد في هذه الاختلافية بمعنى أن البنية الاختلافية في منهجية المتنبي بالنسبة للعلامة تقع بحدود وجود هذا الآخر والذي يقع في الغياب دائما والآخر غائب الاختلافية وغير موجود ، والمعجم يشير : ان في كشف العلامة الاختلافية تتوالد بعلامة سارية اخرى ، هذا التسامي في العلو ، هو تعبير يقع باطار دلالات كثيرة من التفكير المتعالي الذي يغير في عملية التسامي والعزلة والنقاء والتوحد (الغربة – الوحشة) وكان تفكير المتنبي يتجاوز عصره أي انه قد تفوّق على عصره وتجاوزه في خطابه والمتنبي قد تنفس الهواء الاعلى وهو الهواء القاسي والشديد على الانسان وهو يسبر الجليد والوحدة القاتلة والتفرد الاعلى يأتي بالهواء النقي ، ويستتبعه الشعور بالوحدة والبرد الشديد لكن في النهاية تأتي الحرية حتى تتكشف الانوار . من اصعب ما عاناه المتنبي وكل المبدعين في هذه الحياة وهي الهوة الكبيرة بينه وبين معاصريه ، والاختلاف الشديد في هذا الشعور الذي يترجم الى حالتين في هذه الاختلافية (1) حالة التسامي والتفرد (2) وحالة التفرد والوحشة ، وحيث تسامى ابي الطيب المتنبي ونيتشه في تفاصيل عدم النسبة والتناسب ، بين جسامة هذه الاختلافية الدقيقة .
فالتسامي الاعلى في نظر المتنبي ، هو تعبير عن حالة التفرد الابداعي التي يحياها كل المبدعين في كل مرحلة تاريخية وكل عصر . هذه الايقونة التي حددها المتنبي هي الجسر الذي يربط المبدعين في مختلف العصور ، انه الهواء الذي تعيشه النخبة ، هذه النخبة التي تحدث عنها (ابن المقفع) في كتابه (الادب الكبير) هو ذلك التعالي الانساني الذي ترجمه المتنبي في نصوصه الشعرية التي رثا بها كل من لم يستطع ان يصل الى هذا الارتقاء . كذلك نيتشه الذي كان راثيا معاصريه الذين فقدوا القدرة على السمو وبقوا قابعين في ذلك المستنقع الآسن والذين مثلوا الاختلاف في منظور المتنبي . فكان المتنبي يحس الغربة في غربته الذاتية وحتى الموضوعية ، ولذلك نظر الى كل الاشياء نظرة استهزاء واحتقار حيث يقول :
ضاق ذرعاً بأن أضيقَ به ذرْ
واقفاً تحت أخمص قدر نفسي
عاً زماني واستكرمتني الكرامُ
واقفاً تحت أخمصيَّ الأنامُ

فهو الذي استطاع ان يتسامى باكثر قدرة وان رزح الانام تحته ، وهي اشارة الى العلو والسمو وهذه الحلقة من السمو قد تكون لها رابطة موضوعية تربط هذا الشاعر او هذا الفيلسوف باقرباء له من الاجداد الاموات افضل من الاحياء الذين تربطهم به علاقة زيف وانحطاط وفي هذا يقول ابي تمام في هذه العلاقة المتسامية بين الادباء مخاطبا صديقه علي بن الجهم :
ان يختلف ماء الوصال فماؤنا
او يختلف نسبٌ يؤلِّف بيننا
عذبٌ تحدّر من غمام واحد
أدبٌ أقمناه مقام الوالد

وقول دريدا ويستشهد بـ(لامبرت وبيرس) ويقابلهما بهوسرل وهيدجر ينبغي على الفلسفة ان تختزل نظرية الاشياء الى خواص العلامات . ففكرة التجلي والتسامي الاعلى هي : فكرة العلامة هذا المسمى برداءة
The sign is that ill named thng what is .. ?( )
واصل المتعالي يجعل صيرورته محورا مهما في اثره الاصلي هي الصيرورة ، ان الأثر يتحرك على ضوء محور الأصل من الناحية التبادلية بين الداخل والخارج . فالسلطة التي يطلقها المتنبي في مرجعيته في الاصل هو الاثر الذي يتعلق بالخطاب الفلسفي داخل المنظومة الشعرية بتعبير يحمل نقيضه . فالخطاب الشعري عند المتنبي هو خطاب فلسفي يحمل نقيضه الجدلي التاريخي بضرورة من الميراث الحضاري الذي يحمل اختلافية ، وهذا يأتي في انتقالية متعددة الجوانب في اللحظة الفعلية التي يستخدم فيها المتنبي لغته الجدلية التأريخية بهذا المفهوم فهو يتفق مع (ليفي شتراوس) في المقصد المزدوج في حفظ الاداة الفعلية في تمثيلها الانتقادي اضافة الى حدودها المحورية . فيتعامل معها وكانها مادة يمكن استخدامها ولكن في نظره وقدرته العلمية انها مفاهيم وقيم قديمة لانه حدد حدودها دون أية قيمة علمية . والمتنبي استعمل نفس الفعاليات النسبية الموجودة داخل هذه الأقبية الدنيا ليستخدمها في الوقت نفسه لتدمير المنظومات القديمة وهكذا تتحدد الامور الاختلافية في الخطاب الفلسفي وفي المنظومة الشعرية عند المتنبي ، وهي سلسلة طويلة من التجريبية والقدرة على الدخول الى عوالم يسوقها الوعي الاختلافي وتنكر طبيعتها على الاصعدة السسيولوجية . لكن الاثر الازلي في الرؤية الجدلية يمتن النظرة الى الإمكان الداخلي المؤثر من الناحية العلمية حتى يبدو وكان المتنبي معاديا لكل القيم والاعتبارات القومية والسياسية ولكنه العربي الشاعر الذي صاحب اعتراضه على النزوح عن حالة التدني الى هكذا مستوى والارتفاع بالوعي الفكري والسيكولوجي وحتى الشعري الى مستويات متسامية . فالمتنبي بهذه العزلة والنقاوة كانت له عينان ثاقبتان تميزان الالوان الجميلة ، فكان الخلاص من الحضيض ، هو جوهر هذه الاشكالية . لقد تدفق السيل الواعي الى الأعلى الى النبع الاول الى صفات التموضع الى التحرر من التدني ، انه النبع الطري في السعادة الابدية . كان المتنبي يدعو الى خطاب المنطق المتعلق بتكنيكية نوعية تشدها اشياء كبيرة هدفها الغايات الكبرى في الانثروبولوجية في تشكيل العلامة واطار المعنى . فالعلاقة جدلية (مثل الدال – والمدلول) في حالته الجدلية لنصل الى حقيقة : هو ان المعرفة ليست حقيقة مختفية تحت ركامات من التفاصيل المبهمة . فالحقيقة هي شمول الكمال والوعي والسيادة أي ان الحقيقة : تعني المدلول المتعالي في صومعة من الحنين الى الحضور الاختلافي والنقاء بالسعادة وهي نتيجة معرفية وحضورا فرديا في المناهج (الصوتية والكتابية) باعتبارها نماذج تؤكد على الحل الابستمولوجي . فالتأسيس الانساني يقوم على الضرورات التفصيلية ذات العمق بحدود البنية القانونية العامة . فالوقائع يجب دراستها لا تكديسها ، ويتم اختيارها بطريقة علمية ، لان هذا الموضوع يوصلنا الى المعرفة العلمية والاحكام الشرطية في التمثيل القانوني ، والبحث عن المنطق البنائي وفق ابستمة انثروبولوجية . يجب التحقق من هذه المناهج ، ذلك لأن المعرفة العلمية هي ليست الدراسة السطحية المبسطة والنتائج التي تفرزها القيمة العلمية وهي تفضي الى دراسة المنظومات المتعلقة بالكشف عن الميكانزمية للواقع وتركيب نموذج اصيل يتعلق بهذه الجدلية الانثروبولوجية والنتيجة التي نتوصل اليها هي : المنهجية البنائية التي تتوافق بشكل علمي بقيمة الاستنتاج والاستنباط للمنظومات البنائية الانسانية افضل من الاعتماد على المنهجية الاستقرائية ، لأن الاستنتاج والاستنباط طريقتان معرفيتان للحضور الذاتي لانهما يقعان في التشكيل الطردي لحركية (المناهج الصوتية والكتابية) باعتبارهما منهجان علميان في الانساق الانثروبولوجية . وهكذا شاع مفهوم هندسة الصورة الشعرية عند ابي الطيب بالاستناد الى اشاعة الرغبة في النمذجة المعرفية وتطلعاتها الاسطورية في المنظومة الشعرية للمتنبي . وهنا يعنينا تركيبة هندسة النص الشعري واسطرته كانت دائما عن المتنبي وتقع في المعيار الأعلى وحضوره يكوّن الحقيقة ، لان النص المحدد نص مطوق ، ولذلك جاءت هندسة النص الشعري عند المتنبي هندسة حوار + هندسة خطاب تحدد فكرة العلة العليا وحدودها الاختلافية وحركتها الامكانية وهي اشارة الى مكامن الوعي في البنية الشعرية وقبلها البنية الانسانية وهي تطوي العبارة والجملة الشعرية والاثر الملحمي الذي تجاوزه النص الشعري المتعالي في الايضاح والبساطة والتمييز بالحلول والمناظرة في المواقف والاحتفاظ بالحالة الاختلافية (بالمعنى – والمنهج) والمتنبي ينمي المناهج الشعرية القديمة وهو لا يخرج عنها وهي مرحلة ستراتيجية جادة بالنسبة له لانها تختص باعادة تشكيل اللغة الشعرية القديمة الى حد ما تتلبس الميتافيزيقا الشعرية القديمة وهي لحظة حرجة تعيد المتنبي الى بداية تفكيك منطقه الشعري التاريخي بوصفه نقطة ارتكاز في زمنية موغلة بالتركيب اللغوي وهو عمل يخلقه ابي الطيب ليناقش به زمنية تعريفية ومعرفية داخل منطقية من التماثل من اجل احداث تسوية وموازنة وابراز الدائرة الجديدة من الوحدات وغلق وتسوية النمطية الشائعة التي يتجاوزها النص البنائي داخل هذه الرغبة الملحة في تشكيل داخلي يحاول فك وفتح هذا المغلق النصي بوصفه حضورا تعريفيا لفك اشكال المفردة الشعرية القديمة والاخذ الامكاني بها باعتبارها مجالا بنائيا يتعلق بتفاصيل الدقة في التشبيه – والاستعارة – والمجاز – والكنايات – وتركيبة هذه الموازنات وتعيين وجودها لأنه حضور في المفردة الشعرية ومعنىً يتوضح بالاسس والقيم المتمركزة بالحضور الدائم لانه التجلي بخواص المنطق الشعري .
يقول ابي الطيب :
وما مطرتينهِ من البيضِ والقنا
فتىً يهبُ الإقليم بالمالِ والقُرى
ويجْعلُ ما خوّلتُهُ مِنْ نوالهِ
فلا زالت الشمْسُ التي في سمائهِ
ولا زالَ تجْتازُ البُدورُ بوجههِ
وروم العبَّدي هاطلاتُ غمائمهِ
ومَنْ فيه فُرْسانه وكرامه
جزاءً لِما خُوِّلتُهُ مِنْ كلامهِ
مطالعة الشمْس التي في لثامهِ
تعجَّبُ من نقصانِها وتمامهِ( )

ويقدم لنا المتنبي المقاربة في الخطاب السيكولوجي ومفهوم الوعي البلاغي فتأريخ فلسفة الخطاب الشعري باعتباره (الوجود والمعنى) وكذلك الظهور والإختلاف مفهوم المنظور القائم والمتصل بالمدلول الخرافي في النص الشعري المتعالي . والمتنبي يقاسم المناهج الفلسفية الحدثية في القيمة الوجودية والشك في قيمة الحقيقة كما هو الحال عند نيتشه . والمعنى الوجودي في اطار المدلول الاولي والخطاب الفلسفي الشعري بوصفه خطابا بلاغيا يتعلق بالشفرة الشعرية والمجاز الشعري باعتباره حلقة اصلية في بلورة الفكرة لانها الوسيلة للحفاظ على البنائية الشعرية فهو تفصيل اولي يأتي من فوق انسجة المخيال ، ثم يأتي الصوت داخل النص وهو المجاز الخفي في النص لانه يحتوي على مجس اللغة فهو تاسيس للتماثل كما وصفه (نيتشه) بين المتباينات في المعادل الموضوعي من النص الشعري وهي اشارة لحركة التقنية من رمزية المعنى وحقيقة هذه الحشود المتحركة بالمجازات والكنايات ، فهي صور تتموضع بمنحى النص . والمتنبي وضع الحافز الرمزي باعتباره التشكيل الرئيسي في المنظومة البنائية للنص داخل انشطة انثروبولوجية انسانية فهو المعادل الموضوعي في تشكيلات التفكير والخروج عن هذا النمط الانثروبولوجي يعني خروجا عن ارادة القوة الانسانية وهي الإرادة الحقيقية الدافعة الى الابستمة والسيطرة الكاملة للقوة الفكرية لانها الحتمية وشروطها السيكولوجية وهي بلورة لهذا الاشكال الجوهري لاحداث خرق في البنية القديمة ومخططها الشعري الذي تضمن في مرتمسه (المداخل والمخارج) للنصوص الشعرية ، والعمل على السيطرة عليه ليتوضح هذا الوصف من خلال الاختلاف في التشكيلات اللغوية والتوصيف لتفاصيلها وما يعكس في نهاية الامر من قدرة للشاعر على التعامل مع هذا الهيولي الشعري القديم . فهو ليس انعدام القدرة فيه حتى في النهوض بمعنى التشكيل الجمالي المتعلق بالنزعات التجريبية الجمالية ، ويفترض بالمتنبي العمل على السيطرة من خلال هذا الاشكال في خواص الشفرة . فالمتعالي عند ابي الطيب هو ، المدخل الى المعنى داخل النص لأنه صيغة فكرية في اطار التواصل الابستمي لتأسيس فعل الاختلاف في التشكيل . وعليه تكون المعادلة : أنه لا شيء يدرك إلاّ بالتماثل الفعلي لاظهار الزمنية المستقلة داخل حلقة الرؤية وباختلاف جوهري متميز وإرادة فاعلة في تسوية الخلق الشعري باطار الشفرة وتفسيره لهذه المماثلة بين الوعي الاعتقادي والتماثل الموضعي في النظرة الى الاشياء من زاوية التفسير ، للمعنى والعلاقة المبنية وفق ارادة من الوعي والقوة لتشكيل الصورة المهمة – والمهيمنة وهي التي تتشكل في النهاية باعتبارها صورة دائمة التموضع في المعاني والسياقات واتصالها بالصياغات التاويلية الجديدة ولتاريخية الارتباط التصادفي والمفاهيم العملية الجديدة والمتداخلة ابستميا مما يجعلها سلسلة متصلة في تفكير المتنبي بغاية ومسعى حقيقي على نحو صلته بالمنظومة الشعرية المتناهية بالابستمولوجية ، ونرى حقيقة هذه العملية التراتبية وهي تأخذ مجالها في التوسع الابستمي داخل المنظومة الشعرية عند المتنبي . عندها نرى النقطة المجازية في استخدام هذا التحول بالاصوات في زمن كلامي قياسي مختلف في ذاته لتصل تحولاته بغرابة فنية تحدد معالمه باعتباره ايجازا ومجازا تواصليا للدال والمدلول في حين تتم الاشارة الى هذا الموضوع من خلال عملية الاستبدال لمدلول آخر لينتج في حقيقته مدلول هذه المركبات الطردية في المدلولات ولتضعنا في اطار موقف يتوسع منه عنصر التدليل في الشفرة دون الخوض في سلّم الخطاب الشعري ، وهذا جزء كبير من خواص البحث في الشأن الخطابي بالشعر القديم ومركباته المجازية ، لأن المتنبي باشر التصريح التحديثي داخل المنظومة الشعرية . فحدود الذات عند المتنبي : محررة من تشكيلاتها على مستوى الرمز والمجاز والذي يرجع بهما المتنبي الى (حقيقة القوى المقاومة) باعتبارهما وسيلتان منهجيتان داخل التحليل البنائي لشموله بالصيرورة والضرورة في تشكيل المعنى . والمتنبي شكل الكثير من المحاور داخل المنظومة الشعرية ، فهو لا يطيل في السرد الشعري (وقد حسب له الواحدي ان ما اشتمل عليه ديوانه فبلغت عدد ابياته خمسة آلاف واربعمائة وتسعين وهذا كل ما قاله في اكثر من خمس وثلاثين سنة . وقال ابن الرومي اكثر من هذا العدد)( ) ورغم ما تؤكده الاحداث من موقف للذات ومن فعل في المديح طيلة اتصاله بسيف الدولة وكافور الاخشيدي وابن العميد . فان المتنبي صاغ شعرا يتسم بالارادة والقوة باعتباره فعلا ذاتيا يجاري التفاصيل الدقيقة في المعنى ، ولذلك فان المتنبي كان مقلا في نظم الشعر ، لا يكثر فيه وانه كان يتعامل وكانه وليّ حميم او صديق لمدوحه منه بشاعر وظيفته المدح ، وكان منهجه في النظم هو منهج تأملي بخواص الحدث الشعري ، ولذلك كان قوي الارادة ويحمل قوة في الشخصية ومقاربة بالاحساس فيما يتعلق بتشكيل الملاحظة . فكانت رؤياه هي رؤيا ارادة باعتباره اكثر من وجود بل بوصفه نشأة في عملية الصيرورة وقوة مجردة لمواصلة الكفاح والنضال تحت سيطرة الرؤية الهاربة باتجاه الاعلى وباتجاه الفعل اللاواعي لأنه الميدان الاختلافي مع الذات وهو المضي بالقفزة الفعلية اللاواعية حتى الوصول الى الابستمولوجية الحقيقية والتي تركبت بها شخصية المتنبي وظاهرة شعره بالاستناد الى الفعل اللاواعي في المنظومة الشعرية المتغيرة جدليا . يقول ابي الطيب المتنبي بعد التغير الذي حصل لسيف الدولة . دخل عليه وانشده معاتبا :
ومالي إذا ما اشتقت ابصرت دونه

تنائف لا اشتاقها وسباسبا

وقد كان يدني مجلسي من سمائه

احادث فيها بدرها والكواكبا

اهذا جزاء الصدق ان كنت صادقا

اهذا جزاء الكذب ان كنت كاذبا

وهذه هي حقيقة اللاوعي الشعري عند المتنبي ، فانه يمضي في تشكيل الاشياء حتى في الحلقة المعرفية للآخر فهي قدرة على صنع اللحظة ليطل من خلالها على باحة صدع الآخر وهو في حجره لا يبالي ولا يهتم فيكشف حقيقة الحالة التعبيرية لهذه الذات الواسعة في اشارتها . ان الاجتياح اللاواعي هو اجتياحا فسيولوجيا بالنسبة الى المتنبي وذلك في اطار روح سيكولوجية تتخذ من الفلسفة الابستمية تصريحا قدسيا للقيم العليا وعناصرها المجردة ، وهي عودة الى التأمل في خواص الحياة التي يحكمها التقارب والفكر والادراك الحسي بالمقارنة مع التسوية العملية بالدمج والتي تقوم بها آلية اللاوعي الخارجية التي تكون مساراتها السيكولوجية وفق تأسيسات تميزها الترسيمة الكونية باعتبارها الخلية الاقوى في الحس الانساني ، وهي الرغبة الاضعف وفق العلاقة الجدلية بين الترميز والاستحواذ ولعبة القوى الارادية ، وهي عودة بالمنظومة الفكرية وتمايزاتها الى حالة (الطبيعة + القوة) والتي يتعدد تصنيفها في الحالة الاشكالية التي يظهرها المتنبي بالبحث عن سلسلة من المتناقضات وبترسيمات ارادة القوة داخل هذا المعترك الانساني فهو بجدارة إحساس بحقيقة المشكلات المطلقة بالنسبة الى التفكير عند المتنبي ومتناهياته الى اصغر قيمة استشراقية تحدد المراكز التعددية من وحدات الصيرورة .
يقول المتنبي :
ان كان سركم ما قال حاسدنا

فما لجرح إذا ارضاكم الم

وبيننا لو رعيتم ذاك مفرقة

ان المعارف في اهل النهى ذمم

كم تطالبون لنا عيبا فيعجزكم

ويكره الله ما تأتون والكرم

ما أبعده العيب والنقصان عن شرفي
أنا الثريا ، وذان الشيب والهرم

اذا ترحلت عن قوم وقد قدروا

أن لا نفارقهم فالراحلون هم

شر البلاد بلاد لا صديق بها

وشر ما يكسب الإنسان ما يصم

وشر ما قنصته راحتي قنص

شهب البزاة سواء فيه والرخم

هذا عتابك إلا أنه مقة

قد ضمن الدر إلاّ انه كلم

هناك صورة للشخصية الشعرية مأخوذة بالتماسك والاستمرارية باعتبارها طاقة تكون استمرار تاريخي في حلقة التشابه البنائي بين الخاص والعام بآلة سيكولوجية لافتة للنظر . ومنذ البيت الاول في هذه القصيدة اعلاه ، وتتعلق مناقشة المتنبي لارادة الصورة الانسانية وفق مجازية تتفجر في كل بيت شعري لتعيد لعبة سياق الحلقات المختلفة واختلاف هذه القوى ونزاعاتها داخل حركة فعل الأشياء ، والمتنبي عارض نظاما كانت صيرورته الحدود الاشكالية مع الآخر .
فالمتنبي صاغ انتقالات معرفية وقدمها على اساس كشف لمعنى النص الشعري وحدوده المعرفية مستندا الى وقائع اخلاقية واطارا فلسفيا لصورة الذات امام اشكالية صورة العالم الجمعي ، هذه الاصرة الفلسفية تشعرنا بان المتنبي كان اكثر وعيا من الكل الصامت والذي تديره مؤسسة الرغبة التي تمتد الى الآخر وفق مصلحة مطلقة ولكن السير الابستمي عند المتنبي كشف المنظور الوجودي للمعنى من ناحية التأسيس الكياني وحدوده ، التحليلية ودقة رؤيته في الاشكال الستراتيجي الذي يحل بصيغة المبادلة وفق المنظورات المبنية على اساس التحليلات واثبات تأسيساتها على مستوى الارادة الانسانية . وهنا اشارة الى الغرض المعلوم من هذه التعارضات التي اشار اليها المتنبي والتي جسد فيها المفهوم الانساني قبل صياغة الطروحات العقلية له . والمتنبي حدد هذه الاشتغالات الضمنية ، وفق منطق متحول انسانيا الى الاعلى .
يقول المتنبي :
ومن عرف الايام معرفتي بها

وبالناس ، روى رمحه غير راحم

فليس بمرحوم إذا ظفروا به

ولا في الردى الجاري عليهم بآثم

والحقيقة التي بقيت تجمعها هذه التفسيرات والتأويلات وهي تحفظ الجدل القائم حول المتنبي في تناوله للقضايا الحياتية والنظرية واشكاليات المعرفة والممارسة المحكومة بالوعي الفكري والتصميم على المواصلة بعيدا عن النمطية والاستكانه باكتساب المعنى وفق نمط يشترك فيه التأمل الذاتي العلوي والذي تأصل وتأسس وفق تعارضات المفهوم الاختلافي وثنائياته ، الفلسفية وهو تعارض يزول في رأي المتنبي بزوال الاثر التصنيفي وانبثاق الضرورة لا المصادفة لان الضرورة هي الادراك . والمتنبي هو المدرك بالحس + الفعل + السيكولوجية الابستمية = تعطينا حدسا ثقافيا بالاساليب التعددية في المنظومة الشعرية وهذا هو التعدد المتعارض لحركة المنظور في الخطاب الشعري . وما جرى في هذه المواجهة من الافهام في اطلاق للرؤية لعالم من المتناقضات المشتملة للاحكام الاختلافية والمتعدد الارادات بلهجة خالية من فعل الارادة وهذا هو مؤشر لما حصل من دسائس والذي شهده القرن الرابع بين (المتنبي والصاحب بن عباد) وما حدث من خصومة ومن المعروف ان الصاحب بن عباد كان يمثل حالة المخاطرة في استبعاد الكتاب والشعراء بطريقة شنيعة من المعاملة ، وهي تبدو وسيلة للانقضاض على الابداع . ومن المعروف كذلك بأن نفس شخصية بن عباد احيت بلا حكمة وبلا معرفة للوصول الى طريقة في اذلال شخصية المتنبي لكنه خاب وكانت هذه الخيبة هي لعبة في المخاطرة وجرح كبير وعميق الأثر في قلب بن عباد . فانفصم عري هذا التوازن ، وحقد على المتنبي بل وحرّض عليه كبار النقاد . وبالمقابل فقد ترّفع المتنبي عن مدح اشخاص آخرين لا يلزمهم التوازن امثال الصاحب بن عباد والوزير المهلبي . وهنا ينطوي فعل الضرورة في لعبة المصادفة : هو ان نعرف من خطاب المتنبي الذي بعثه الى الصابي – والصابي كان قد راسل المتنبي بان يقوم بمدحه (بقصيدتين) وكان الوسيط في ذلك رجلا من التجار المعروفين فكان رد ابي الطيب للوسيط :
(قل لأبي اسحاق) : والله ما رأيت بالعراق من يستحق المدح غيرك ولا اوجب في هذه البلاد من الحق ما اوجبته . وانا ان مدحتك تنكر لك الوزير يقصد الوزير المهلبي وتغير اتجاهك لأنني لم امدحه الى آخر الحكاية هو ان ابن عباد وجد نفسه وقد امتلأ حقدا على المتنبي لانه لم يمدحه فجيش عليه الوجود النقدي برمته في تلك المرحلة والتي حفظت آثارها الى الآن في كتب تضمنت هذا الدس امثال (كتاب الصناعتين لابي هلال العسكري) والذي تطرق فيه الى الخصائص الشعرية والنثرية ولكن عند التدقيق والتأمل نلاحظ ان في هذا الكتاب شيء من الدسائس الأدبية والاشكالات السيكولوجية التي وقعت بين المتنبي والصاحب بن عباد فابي هلال العسكري يغتنم الفرص ليشيد بالصاحب بن عباد وما كتبه بالادب ويحاول بطريقة اخرى للحديث ان يظهر المتنبي وكانه في حركة دورانية لا نهائية او يستخدم لغة تهكمية في الكشف عن النص الشعري عند المتنبي( ) ويقول في باب (تمييز المعاني) فهو يقول بيت للسيد الحميري :
يا رب اني لم ارد بالذي به
مدحت علياً غير وجهك فارحم

ثم يثني على هذا البيت باعتباره شكل تفردا في موقعه من المعنى ويقول عنه (فهذا كلام عاقل يضع الشيء موضعه ثم يستدرك ، ليس كمن قال وهو في زماننا :
جفخت وهم لا يجفحون بها بهم
شيم على الحسب الأغر دلائل

كل هذه الادلة توضّح تطرق العسكري في هذا المجال وذلك محاباة للصاحب بن عباد : وفي باب الكناية والتعريض يقول ابي الهلال العسكري (ومن شفيع الكنايات) قول بعض المتأخرين :
اني على شغفي بما في خمرها
لأعف عما في سراويلاتها

ثم يعلّق قائلا : سمعت بعض الشيوخ يقول : الفجور احسن من عفاف يعبر عنه بهذا اللفظ .
ويقول في التوشيح : ومما عيب من هذا الضرب قول بعض المتأخرين :
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا
فلافل عيش كلهن فلافل( )

ومن هذا المعترك استطاع ابي هلال العسكري في الصناعتين ان يشكل عائقا حول فهم وتشكيل المعنى النقدي في النصوص الشعرية عند المتنبي حيث تبنى الاسلوب التحريضي ضد ابي الطيب من اجل ارضاء الصاحب بن عباد له وهذه متعه وحشية يطبعان اسلوب ابي هلال العسكري فهو مثل الحد الكاشف والمحرض ادبيا وسيكولوجيا ضد نصوص المتنبي الشعرية فهو يأخذ التحديد التأريخي ليحمي به الصاحب بن عباد على ضوء الذاكرة التهكمية التاريخية ضد المتنبي فهو يقلب الحقائق رغم معرفته ببواطن الامور والمعرفة التاريخية والادبية لاشكالية الخلاف بين المتنبي والصاحب بن عباد ، لكنه وقع في الفخ رغم ادراكه لهذا الموضوع مسبّقا لكن اختياره انطوى على لعبة وضعته في مراهقة فيزيقية .


المتنبي
(بين رسالة الصاحب بن عباد ورسالة الحاتمي)
لقد باشر الصاحب بن عباد وبدافع الحقد كي يعيد الى وجهه الحياء ولم يكفه تحشيد الحاقدين على ابي الطيب المتنبي من النقاد .. فانه قام بكتابة رسالة فيها ما فيها من التفسيرات التاريخية والسخرية ، التامة التي انطوت على مفردات غاية في الحقد والكراهية ، والدوافع المريضة التي سمحت لنفسه ان يحتفظ بالخداع والزام الخدعة وفقا لتقاليد كانت مشاعة في تلك الفترة وهي تتبطن بالقطيعة والحسد للرجال المبدعين الذين شكلوا معنىً للحقيقة .
يقول الصاحب بن عباد في رسالته هذه :
(كنت ذاكرت بعض من يتوسم بالادب الاشعار وقائليها والمجودين فيها فسألني عن المتنبي فقلت : انه بعيد المرمى في شعره ، كثير الاصابة في نظمه إلا أنه ربما يأتي بالفقرة الغراء ، مشفوعة الكلمة العوراء فرأيته قد هاج وانزعج وحمى وتأجج ، وادعى ان شعره مستمر النظام ، متناسب الاقسام ولم يرض حتى تحداني فقال : ان كان الامر كما زعمت فأثبت في ورقة ما تنكره ، وقيد بالخطبة ما تذكره ، لتتصفحه العيون . وتسكبه العقول . ففعلت ، وان لم يكن تطلب العثرات من شمتي ولا تتبع الزلات من طريقتي . وقد قيل : أي عالم لا يهفو وأي صارم لا ينبو ، وأي جواد ؟ وإنما فعلت لئلا يقدر هذا المعترض اني ممن يروي قبل ان يروى ويخبر قبل ان يخبر ، فاستمع وأنصت واعدل وانصف ، فما اوردت فيه إلا قليلا ، ولا ذكرت من عظيم عيوبه الا يسيرا ، وقد بلينا بزمن يكان المنسم فيه يعلو الغارب ، ومنينا بأعياد أغمار اغتروا بممادح الجهال ، لا يضرعون لمن حلب الادب افاويقه ، والعلم اشطره ، لا سيما الشعر ، فهو فوق الثريا وهم دون الثرى ، وقد يوهمون انهم يعرفون ، فاذا احكموا رأيت بهائم مرسّنة وانعاما مجفّلة)( ) .
واذا تم ادراك ما انطوت عليه رسالة الصاحب من استحالة في الحقد في مواجهة الابداع الفكري والفني وبالمعنى التاريخي عند ابي الطيب المتنبي بانها رسالة تفيد بان المتنبي رجلا انصفه جهل الزمان وحافظ عليه نمط الاختلافية في المناهج التاريخية واستعادته شعريا لحظات النسيان وهذا يؤكد مرة اخرى التخريج الحاقد ضد جدل المعنى الشعري وانشطته الاجتماعية والفكرية ومفارقاته بتفاصيل هذا التقاطع الساذج والمريض الذي انتج هذه الحمى الدائمة في الرؤية لنصل من خلال هذه الشبكة التخريبية للوعي والتبدل الذي يحصل لهذه القيمة جراء الاختيارات والفروض والدسائس بوصفها تقع في حلقة التاريخ المفرطة بالنزعة العدوانية والقوة ، في رسم الحدود حول الابداع فهو يرجع بالنتيجة الى ازدواجية في الوضوح الاثباتي باعتباره تشخيص دقيق للكبت المزدوج لهذه الشخصية التي عبرت عن قصور معرفي . وحياة الصاحب بن عباد يشوبها الكبت التجريبي لما تنطوي عليه اللحظة العملية ، وقدرة التضمين المشوشة والنفعية التي تنغلق على ذاتها لتؤجج الصراع وتلقيه وفق نمطية من الانطباعات الخارجية التي لا ترتبط بحلقة الوعي حتى تبدأ لتخصص شيء جديد من انظمة العفونة السيكولوجية التي تمارس ضد الوعي الشعري الذي يقوده المتنبي .
النقد الذي قدمه الصاحب للمتنبي
حيث قال :
(ولقد مررت على مرثية له في ام سيف الدولة تدل على فساد الحس على سوء أدب النفس . وما ظنك بمن يخاطب ملكا في أمه بقوله : رواق العز فوقك مسبطر . ولعل لفظة (الاسبطرار) في مراثي النساء من الخذلان الصفيق الدقيق ، نعم هذه القصيدة يظن المتعصبون له أنها من شعره بمثابة (وقيل يا أرض ابلعي ماءك) من القرآن ، وفيها يقول :
وهذا اول الناعين طراً
لاول ميتة في ذا الجلال

ومن سمع باسم الشعر ، عرف تردده في انتهاك الستر . ولما أبدع في هذه القصيدة واخترع قال :
صلاة الله خالقنا حنوط
على وجه المكفن بالجمال

وقد قال بعض من يغلو فيه : هذه استعارة ، فقلت : صدقت ، ولكنها استعارة حداد في عرس . ولما احب تقريظ المتوفاة والافصاح عن انها من الكريمات أعمل دقائق فكره واستخرج زبد شعره ، فقال :
ولا من في جنازتها تجار
يكون وداعهم خفق النعال

سلت وسلت ثم سل سليلها . حتى جاء هذا المبدع بقوله :
وافجع من فقدنا وجدنا
قبيل الفقد مفقود المثال

(فالمصيبة في الراثي اعظم منها في المرثي . ومن أوابده التي لا يسمع طوال الدهر مثالها قوله :
اذا كان بعض الناس سيفاً لدولة
ففي الناس بوقات لها وطبول

وهذا التحاذق كغزل العجائز قبحا ، ودلال الشيوخ سماحة ، ولكن بقي أن يوحد من يسمع ومن افتتاحه الذي يفتح طرق الكرب ، ويغلق ابواب القلب قوله :
اراع كذا كل الانام همام
وسع له رسل الملوك غمام

(ولم لم يتكلم في الشعر إلا من هو أهله لما سمع مثل هذا)( ) .


رسالة الحاتمي
المعرفة بالرسالة الحاتمية
تقدم بها الحاتمي في ايجاد وحدة تقبل صيغة العزل ضد المتنبي . لقد بلغت هذه الرسالة مبلغ الطعنة القاتلة للمتنبي والذي شكك فيها بقدرات المتنبي وامكانياته الحقيقية في الشعر من خلال تاجيج الالسن عليه من النقاد الخصوم واتهمه بأن احكام المتنبي الشعرية راجعة الى كلام أرسططاليس فاراد بهذه التهمة ان ينال من المتنبي ويتحدث بعنف عن الافكار المعرفية عند المتنبي الا ان المتنبي مثل تقدما في المعرفة والنسق المؤسس للشعرية بوصفه صوت النبوءة البارز والواسع الانتشار الى درجة الحلم الانطولوجي وخطه العام . فهو استرجاعا لحقيقة المحتوى الخطابي الذي يستعيد فيه المتنبي غرابته المطلقة في نمط القراءة والكتابة الشعرية .
(جوهر الكينونة)
ما عبر عنه المتنبي بالقراءة الانطولوجية للوجود من خلال ارادة القوة . والقدرة على الاعتداد (بالزمكان) الذي يناسب جوهر الكينونة في الشخصية السيكولوجية التي عبر عنها المتنبي بالاطار المنطقي في حلقة الترابط ودراسة الموجودات بتماسك يهيمن عليه الواعي الرافض للتصميم الجاهز الذي يضعه الآخرين له ليعترف من جانب آخر بالتماسك الذي يؤدي الى تأسيس شروط للفعل السيكولوجي في تكوين الشخصية السوية . وما يعنينا من هذه المقاربة : هو ان المتنبي وجد صيغة تكوينية مستقلة في تحديد اتجاهاته السيكولوجية والشعرية وتأمله في هذا الوجود . فبدأ بتأسيس هذه الكينونة الفكرية للقوة باعتبارها ارادة واعية تقوم بتقديم فكرة كاملة عن الشيء باستقلالية ، فارادة القوة هي حجر الزاوية في هذه القضية الاختلافية وتعني بالبحث عن (الدال – والمدلول) وفق تأسيس ارادة القوة لانها الكلية ، وهي العودة الابدية الى الشيء نفسه أي العودة الى (الموت) فالتأسيس عند المتنبي في هذه الارادة هو الموت بالولادة لأن الحياة تبدأ بالموت وهي العودة الابدية بارجاع الحياة الى حالة وجودها الاصلي وهما أي : (الحياة + الموت) هما حدود الكينونة وبارادة القوة .
قال المتنبي بحق هذه الشخصية :
أنا الذي نظر الأعمى الى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم

وقال :
أنا ترب الندى ورب القوافي
وسهام العدى وغيظ الحسود

وهنا تعنينا القراءة المنطقية لهذه المفاهيم الاشكالية عند المتنبي ، هناك تقييم لحالة الوجود الانساني وتقييم لحالته الانسانية . فالوصول الى هذا الشيء يأتي بالارادة ، والامكان الباطني لهذه الابدية ، لأن المتنبي يعترف ويقر بتعددية الاساليب للوصول الى الامتياز الوجودي بالفعل على ضوء العقلية الفلسفية الطاليسية ، لان المتنبي كان قد اطلع على الفلسفة اليونانية – والباطنية الاسماعيلية ذات المنحى القرمطي الفكري والسياسي وهنا يطرح المتنبي مجال الصيرورة الفكرية التي كونته ورفعت اشكاليته بالارادة القوية وفق سلسلة متداخلة داخل خبرة موغلة بالصيرورة فكان المتنبي يستحضر العقلية الشعرية ليجسد بها ايماءاته ورؤياه بتذمر من تلك الاوضاع السياسية والفكرية الحرجة وهي ترسم الاطر الذاتية الى الاغبياء من الساسة والسلاطين ، ولذلك شكلت ارادة القوة موضوعه الرئيسي والمتقدم في هذا الوجود الانساني باعتباره هيمنة غير مدروسة دراسة معمقة من الناحية الوجودية ويعتقد المتنبي ان هناك دقة في التصميم للقراءة لهذا الواقع .
يقول المتنبي :
تحقر عندي همتي كل مطلب
ويقصر في عيني المدى المتطاول


واني اذا باشرت امراً أريده
تدانت أقاصيه وهان اشده


وهكذا كنت في اهلي وفي وطني
إن النفيس غريب حيثما كانا

فيقول في الحسين بن عبيد الله :
لا يجد بن ركابي نحوه أحد
قواصد كافور توارك غيره
مادمت حيا وما قلقلن كيرانا
ومن قصد البحر استقل السواقيا
ثم ذم كافور ويقول في سواده :
وانك لا تدري ألونك اسود
من الجهل أم قد صار ابيض صافيا

وكان استخفافه بالامراء دليلا على نقمته على الوضع السياسي المتهدم ويقول :
الا فتى يورد الهندي هامته
كيما تزول شكوك الناس والتهم

والمتنبي الآن يتحدث بشخصيتين داخل هذا النسيج السياسي الذي تكون دبلوماسيا فيه وكانت دبلوماسية منافقة متطرفة كحالة السياسة في تلك الفترة فنرى المتنبي يطّلع على سلوك هؤلاء الامراء والسلاطين وما حملوه من انهزامية وخذلان لا بسبب موقف المتنبي منهم بل بسبب سلوكهم الشاذ والمتركب اصلا على المنفعة الشخصية في الامتلاك والاستحواذ ، ولذلك كان رد فعل المتنبي وهو يتحدث بصوت آخر غير صوته عندما ينشد شعرا . والمتنبي خبر هذه الشخصيات وعايشهم فوجدهم دولة فارغة من الوعي والعقل ، والامر امثال كافور الأخشيدي هو عبارة عن إمّعة علفاء والمتنبي وجد المنفعة الشخصية في هذه الاشكال والسلوكيات لانهم ، يحملون لواء التطرف السياسي وعليه من الناحية الاستنتاجية للحدث السياسي المتطرف فقد ذم المتنبي سيف الدولة في حضرة كافور الاخشيدي :
رأيتكم لا يصون العرض جاركم
جزاء كل قريب منكم ملل
وإن بليت بود مثل ودكم
عند الهمام ابي المسك الذي غرفت
ولا يدر على مرعاكم اللّبن
وحظ كل محب منكم ضغن
فانني بفراق مثله قمن
في جوده مضر الحمراء واليمن

فنخلص الى نتيجة مفادها ان الترنيمة المتناغمة والمتطرفة لاصحاب المعالي من السلاطين والولاة هم الذين يدعون الشعراء والادباء الى اواوينهم ومخادعهم ليستمعوا لهم وهم يكيلون المديح لهم ايام الغزوات والحروب . وما قام به المتنبي من مديح لسيف الدولة لهو دليل قاطع على هذه الاشكالية في المناقشة . وما قام به ابي الطيب من فعل دبلوماسي اسس عليه نظرية (الولادة والقوة) واستخرج من هذه النظرية حلقة الاستفادة الوقتية من كرم السلاطين والولاة له ولغيره من الشعراء . وهكذا كانت العلاقات المصلحية متبادلة في المديح والذم ، وحيث تقع هذه المعادلة السيكولوجية ولكن بقي ان نقول شيء ، هو أن المتنبي كان متفوقا في العملية الشعرية وعلى جميع المستويات من بنائية ومن منظومة تتعلق بالمعنى والدلالة اللسانية بتفسيرها الحديث . وكذلك منظومة الوعي الفكري والقدرة الخارقة لمعرفة الآخر ومطارحته الافكار من الناحية التبادلية ولذلك كان المتنبي ، ينال اعجاب الولاة ... فاصبح المقرّب منهم لانه يمتلك فلسفة حياتية كاملة يقوم ببثها في اروقة وفضاءات السلاطين والولاة فسحرهم بها ، فقربوه ، فمدحهم – وذمهم في حالة وقوع الذي وباستحقاق وهذا ياتي من فعل القدرة والسيطرة السيكولوجية على الآخر مهما يكن مقامه الاجتماعي والسياسي . من هنا كانت قدرة المتنبي وقوته وجبروته في قول ما يشاء ومتى شاء داخل هذه المؤسسات السياسية الفاسدة .
فيقول عن كافور انه لم يكن جادا في مديحه :
ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة
ليضحك ربات الحداد البواكيا

ثم في علي ابن ابراهيم التنوخي :
اسرت ابا الحسين بمدح قوم
وظنوني مدحتهم قديما
نزلت بهم فسرت بغير زاد
وانت بما مدحتهم مرادي

ثم في كافور :
وشعر مدحت به الكركـ
فما كان ذلك مدحا له
ـدن بين القريض وبين الرقى
ولكنه كان هجو الورى



(بين المتنبي وصاحب كتاب الاغاني)
ربما نذهب مذهب المرامي نفسها فيما يتعلق بابي الطيب وعلاقته بصاحب كتاب الاغاني لابي فرج الاصفهاني والذي لم يذكر على الاطلاق في موسوعته الادبية هذه ابي الطيب المتنبي في حين ان ابي فرج الاصفهاني عاصر المتنبي وتوفى المتنبي قبله . فقد ولد ابي الفرج الاصفهاني في العام (284-356هـ / 897-967م) وولد المتنبي( ) في العام (303-354هـ / 915-965م) وتوفي المتنبي وكان يناهز الخمسين عام قبل وفاة ابي الفرج الاصفهاني بسنتين ، هذا يعني ان صاحب كتاب الاغاني كان على اطلاع كامل ودقيق على شعر المتنبي وما لعبه من دور كبير في السياسة والحرب والفكر الاّ ان تجاهل ابي الفرج الاصفهاني للمتنبي كان عن عمد ، لاسباب تتعلق في تقديري بمؤامرة سياسية قادها (الصاحب بن عباد) وسيف الدولة + الحاتمي وقد مر بنا قبل قليل ما قام به الصاحب بن عباد من تشويه ، لشخصية المتنبي وابراز المثالب في شعره . وعقبه الحاتمي الذي اتهمه بالسطو على افكار ارسططاليس الفلسفية واقحامها في شعره وما تجيش على السن الحاقدين من النقاد ، وقد فتح الصاحب بن عباد والحاتمي الباب على مصراعيه للنيل من شعر المتنبي وافكاره السياسية وهذا هو عين الحقد على الابداع ، والمبدعين . وكان للمتنبي علاقة طيبة مع الامراء والولاة ومنهم سيف الدولة الذي مدحه في اكثر قصائده ولكن هذه العلاقة كانت بين مد وجزر ، لسبب بسيط هو ان المتنبي كان مخالف لافكار سيف الدولة وغيره ، لان المتنبي كان يحمل الفكر الاسماعيلي ومنهجه السياسي كان منهجا قرمطيا . فهو الذي نصب نفسه داعية من دعاة الاسماعيلية ونبيا من انبيائها ، وقاد ثورة على الحكام والولاة حتى قبض عليه (لؤلؤ أمير حمص وسجنه) مدة سنتين . في شعر المتنبي انحياز الى الفكر الاسماعيلي ، بعد فترة اتصل بسيف الدولة ولبث عنده تسع سنوات كان فيها مخالفا له ، ولكن الآخر احتاجه شعريا في المديح له ولجيشه ثم اتصل بكافور ومدحه واختلف معه وهجاه لانه اساسا مختلف معه فكريا ثم عاد الى بغداد وترفع عن مدح الوزير المهلبي وهذا بدوره قاد حملة شعواء ضد ابي الطيب بعد ان قام بالتحريض عليه بجماعة من شعراء بغداد نالوا منه وهجوه ، فكان سبب الخلاف مع سيف الدولة هو انه لم يلبِّ طلبه لانه مختلف معه فكريا . ثم طواه الطريق الى ارجان لزيارة ابن العميد ثم الى شيراز نزولا عند رغبة عضد الدولة . ثم قصد بغداد فالكوفة . لم تتمخض حادثة موت المتنبي نهاية للخلاف والحقد والخصومة الذي ضمره النقاد والكتاب والشعراء لابي الطيب واعماله الشعرية ، وقد توضح هذا الحقد وبرهنوا عليه بالصمت كما عند ابي الفرج الاصفهاني الذي لم يذكر ابي الطيب في كتابه الاغاني وكذلك ضيع المرزباني المتوفي في العام (383هـ / 993م) والذي لم يشر في كتابه (الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء) ابي ابي الطيب بل باشروا بالهجوم عليه وبوقاحة . وكان الصاحب بن عباد الذي مازال يتذكر ان ابي الطيب فضل عليه الوزير ابن العميد وهي اشارة الى بدء الهجوم على المتنبي . ففي سنة (364هـ / 974م) قام بتأليف رسالة عنوانها (الكشف عن مساوئ شعر المتنبي) اما موقف ابي هلال العسكري صاحب كتاب (الصناعتين) فهو اختلف مع الحاتمي ، وعلى ما يبدو ان ابي هلال العسكري ، انه لم يلتق بالمتنبي وكان سبب عداوته له تنبثق من احكام ذاتية وهو القائل : (ولا اعرف احدا كان يتتبع عيوب فيأتيها غير مكترث الاّ المتنبي فان ضمن شعره جميع عيوب الكلام ما اعدمه شيئا منها) فكان نقد ابي هلال العسكري نقدا يقوم على امور ثانوية ، كتنافر الالفاظ وعدم الاصابة في الابتداء فظهر حقد العسكري وتحامله على المتنبي واتهامه باشنع الضلالات . ويروى ان الاصفهاني جمع كتابه (الاغاني)( ) في خمسين عام ثم حمله وقدمه الى سيف الدولة . فاعطاه (الف دينار) واعتذر اليه ، وهذا يعني ان سيف الدولة كان على علم بما تضمنه كتاب الاغاني من الاغفال للمتنبي وان كان مساهما في وضع الستار على هذه الشخصية الشعرية المتمردة . وهناك اسباب سياسية تتعلق بهذا الموضوع كما اشرنا اليها قبل قليل ، وتتعلق بالمنهج الفكري لشخصية المتنبي الشعرية المخالفة بالاساس للمنطق السياسي الذي يؤمن به سيف الدولة وصاحبه ابي الفرج الاصفهاني . من هنا كان الخلاف ، وقد شمل المستويات كافة ومنها المستوى الادبي .
وحكي عن الصاحب بن عباد وهو الشخص الذي يضد المتنبي ، وقد قام بتحريض النقاد ضد المتنبي وقد حرر رسالة يشرح فيها المثالب في شعر المتنبي بعد ان شن حملة شعواء ضده وهو الذي استقبل الخبر عندما عرف بالمكافأة التي قابل بها سيف الدولة كتاب الاغاني حيث قال : (لقد قصّر سيف الدولة وانه ليستحق اضعافها اذ كان مشحونا بالمحاسن المنتخبة والفقر الغريبة ، فهو للزاهد فكاهة وللعالم مادّة وزيادة ، وللكاتب والمتأدب بضاعة وتجارة ، وللبطل رحلة وشجاعة ، وللمتظرّف رياضة وصناعة وللملك طيبة ولذاذة) وهذا جزء من الاشكال عند الصاحب بن عباد لكنه كان فرحا لما طواه ابي الفرج والى الابد من القراءة الحقيقية لدرة الشعر في تلك الفترة وهو شعر المتنبي . فاذا حاولنا ان نبين خاصية المطابقة التي تفرد بها المتنبي في خواصه الفكرية والاستنتاج الذي حصل بالحسم للحد من ظاهرة المتنبي وحدوده الشعرية وارادته العقلية بوصفه ارادة في القوة والمباينة وهو يدشن العصر الاسطوري الذي يقوده الشاعر المتفلسف الذي اشّر فيه الايماءة الشعائرية في القصيدة فهي الصائبة دوما .
فالمقدرة عند المتنبي كانت قد تجاوزت مفاهيم الصاحب بن عباد وسيف الدولة الحمداني والحاتمي بخطاب شعري (اجتماعي وفكري) وابقاهم خلفه يرزحون تحت وطأة التخلف . من هذا الدليل جاء حقدهم وحسدهم في نبذ (ارادة القوة السيكولوجية عند ابي الطيب المتنبي) وتأملاته الفلسفية في اطار الوعي المتعالي والخالص من الناحية السيكولوجية . هذا الوعي الذي تضمن المكونات الرئيسية في الارادة والقوة والمعطيات التي تتعلق بالعالم ، وتنتمي اليه . هذا الوعي غير مقبول بالنسبة الى المؤسسة السياسية الفاسدة . والمتنبي ظاهرة فلسفية جديدة تظهر خواص هذا الوعي ونزوعه نحو رؤية سيكولوجية جديدة للوجود الانساني . من جهته ، فهو ينظر الى هذه المؤسسة السياسية الفاسدة نظرة استخفاف ، لانها مؤسسات متحللة ، فهو يقدم صورة علمية للنموذج السيكولوجي المتمرد ، ويطرح منهج فكري مسكون بالمعطيات العقلية داخل نسيج واقعي متعفن ، طبيعته تقدم معطيات ناقصة داخل شبكة فاسدة يقودها الولاة والامراء والخلفاء وهذه صورة يقدمها لنا كتاب الاغاني عن ميل بعض خلفاء بني أمية وبني العباس الى الترف والغناء . فكان الوليد بن يزيد (يلبس منه
- أي من الجوهر – العقود ويغيرها في اليوم مرارا كما تغيّر الثياب شغفا ، فكان يجمعه من كل وجه ويغالي به) وكذلك يزيد بن عبد الملك شديد التأثر بالغناء ، ومما جاء في كتاب الاغاني انه سمع معْبدا يغنّي فصاح : (احسنت والله يا مولاي! أعد فداك أبي وأمي ، فرّد مثل قوله الاول ، فأعاد ثم قال : أعْد فداك ابي وامي ، فاستخفه الطّرب حتى وثب وقال لجواريه : افعلْنَ كما أفعل ، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول :
يا دارُ دَوِّريني
آلْيتُ منذُ حينِ
ولا تواصِليني
يا قرْقرُ امْسكيني
حقّاً لتصْرميني
باللهِ فارحميني

لَمْ تدكُري يميني!
قال : فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه حتى خرَّ مغشيا عليه ووقعن فوقه ما يفعل ولا يفعلن ، فابتدره الخدم فأقاموه وأقاموا من كان على ظهره من جواريه وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت(60).
وكان ابي الفرج الاصفهاني وعلى هذا المستوى الرفيع من المرتبة العلمية وهو صديق لاصحاب هذه المؤسسة السياسية فكان معاقرا جيدا للخمر والعبث ووصف النساء .
المتنبي قدرة عقلية
وفضاء للكتابة
لان فضاءه الشعري ، كلمة منطوقة يتخللها محتوى الحلم في انموذج لفعل العمل الكامل في الذاكرة السيكولوجية . والشعرية عند المتنبي نص شعري مكتوب بالصورة والصوت باعتباره استدعاء مدروس لفعل الكتابة ومنزلة كبيرة في الكلام والصوت والمتنبي عقل واع كامن خلف ادراك الوعي الحسي . والكتابة عند المتنبي صيرورة مرئية ، واختفاء المعنى خلف النص : هي عملية حلم تفصيلية يجازف بها المتنبي في تسفيه أي قدرة توحي بانها تستطيع الوقوف على اشتغالات النص وسيكولوجيته المعرفية ، فهي ميراث وادراك حسي ينتهي الى ذاكرة فكرية دائمة الاشارات في عملية الاتقاد . والتشكيل السيكولوجي عند المتنبي يتأكد بالفعل الحسي وبالازمنة المجردة والتجريبية ، فهو جزء خاص من منهجية الاشتغال بالمنظومة الفكرية ، والمهيمن على جوهرية النص وما ينطوي عليه التأمل من اكتشاف تدريجي لخواص الكتابة والمجاز أو المجاز الكتابي في معناه العام : هي الكتابة بمعناها المجازي ، الكتابة الحية المتصلة بالطبيعة القدسية والموقنة الى المنزلة الاصلية للقيمة الانسانية ، فهي صوت الضمير الانساني لأنه القانون المقدس الذي يساوي الكائنات الانسانية في الحضور والتعامل المدرك داخل الاشكال التي تعتبر جزء كبير من متساوياتها واضدادها المتباينة لهذه الاضداد .
حيث يقول المتنبي :
وشبيه الشيء منجذب اليه
وأشبهنا بدنيانا الطغام

هذا الحلم الكبير عند المتنبي ، يكون مقدرة وليس ضعف ولذلك بقي صاحب (مقدرة وقوة) . وهو يقول :
كل حلم اتى بغير اقتدار
حجة لاجيء اليها اللّئام

لتاتي القدرة فوق الصيرورة العقل وبصيرته ، حيث ينظر المتنبي الى الاشياء نظرة فكر لكبرها الفعلي داخل منظومة العقل على اكمل وجه ليعطيها قدرة تؤشر حقيقتها وليحيط من خلال هذا الموقف النفوس والسلوكيات اللئيمة التي تحاول سد المنافذ وتبقي الاشياء على حالها .
يقول المتنبي :
ومن يك ذا فم مرٍ مريضٍ
يجد مراً به الماء الزلالا

فهو يدرس الحضور المتحرك باتجاه الحاجة الستراتيجية حيث يكوّن المتنبي المعرفة وفق ايماءة تحتفظ بالقراءة والمجاز الكتابي والايماءة المتحررة للأسيجة السيكولوجية المكونة بالاسى ويعلن الادراك عند المتنبي حسه الزمني تحت حدثية الكتابة وخرافة المجاز وقدسية العقل الصارمة ووجهة النظر التي يحملها النظام السيكولوجي داخل استخدام الصورة الدينامية في حقيقة القدرة والقوة ويقابلها من الطرف الآخر (الوقت والثورة) التي يستخدمها في ستراتيجية المنظومة الشعرية حتى يبقى الوعي محررا من الاستمرار داخل الصورة المجازية وهو التخلص من الهم الذي يبعث الهموم .
وفي هذا يقول المتنبي :
افاضل الناس اغراض لذا الزمن
يخلو من الهم أخلاهم من الفطن

هذا المنهج الذي افاض به ابي الطيب ، هو طريقة للصعود المتسارع نحو كنه الوعي وابعاد التشويش والمباشرة بصياغة التعبير الانساني للوجود وكان المعنى في منهجية المتنبي عملية التوحيد للمعرفة وحشد اتجاهاتها باتجاه تقنيات زمكانية انسانية عالمة ترفع شأن الانسان من خلال موضوعه العقلي الذي يشكل بعدا معقدا في المنظومة الفكرية الانسانية لتخليصه من الهوان لانه أثرت فيه قوة الكلام ولكن سرى به غطاء التأمل في التمثيل العيني لطريقة الحوار .
يقول المتنبي :
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرحٍ بميتٍ ايلام

ما يتعلق بجدل المتنبي تأسيس منظومة سيكولوجية يترسب من خلالها الاثر الموضوعي للتشكيلات المفاهيمية والتي ترجع بالشعرية الى الاختلافية ومفهوم الحضور الفكري داخل متماثلات جوهرية يدركها سياق النسق المبني وفق اختلافية للحضور تنتج ذاتا موضوعية تشكل التاجيج في الحضور للموقف الشعري المشكل بفعل الخطاب البنائي داخل بنية كتابية متجهة الى الغياب للحضور بالادارك الحسي والاثر الدائم واستبصارات الأثر العقلي والحدث الشعري الذي يتعزز بالحاضر من الصياغات الفلسفية كما هو الحال عند (هوسرل) في وعي التأجيل الخالص وما يعنينا من الوقائع هو مبدأ الواقع المطلق وهدف التغيير بغريزة الخطاب والفوز بالمتناهي من اللذة القانونية . والمتنبي انموذج لشاعر مثل خصائص الشعر العربي وقد بلغ مبلغا قدريا ان صح التعبير بالخاصية والافتتان وخصائص من التمثيل لعبقرية اختلافية في توازناتها المختلفة ، فقد انقطع الى الشعر والى التمثيل الحقيقي للحس والفكر في تمثيل الشعر العربي ولذلك جاء الاجماع كاملا ، بان المتنبي كان قد قدم مادة ثمينة للتفكير والتأمل فهو الذي حلّق بهذه الامة في فضاءات عديدة من الوعي الفكري والشعري والفلسفي والصوفي ، فهو واضح الامكان الاسلوبي الذي تغلب عليه قوة الفخامة والتعبير عن المشاعر والروح والجمال الخفي في النص واختلافاته المنطقية ونغماته الاخّاذة التي تطيل فيها عملية التفكير المنطقي في دواخل هذه الحياة ليغوص ويستخلص التجريبية والحكمة ويعطيك من عصارة هذه الشعرية فكرا صالحا وطراوة ندية وموسيقى تعرج على النغم الصافي فتطربه بقوة وبكبرياء موسومة بالحب وسمة يعادلها العنف . فالمتنبي كان حضورا ذاتيا وموضوعيا مطبوع بالآثار الحسنة والادراك الحسي الذي يكتنز فيه لغة الحضور والغياب فهو عبارة عن صيغ من التحولات المعرفية . لقد اكتشف المتنبي حب المصير الذي يستند الى خفايا القوة وطبيعتها التفكيرية ووجودها الذي يعتمد الاختلاف والحركة الفلسفية التي تستقطب امكانيات الصيرورة عبر سلّم من الاختلاف وتشاكلاته وانسيابه في لعبة المصادفة الفلسفية في تحقيق ارادة المعرفة وهي تلعب بوضوح دور الفعل الوجودي وحماسته الشديدة واختلافاته داخل هذه النهايات طالما من المؤكد ، ان المعرفة تعني : القوة الكبيرة في الوجود ، وبقي المتنبي يتحدث عن لغة الاثبات المنفتحة على ايماءة القوة وبشكل يدعو الى الحضور الفعلي لكنه الخطاب الشعري والامساك بالخطة المناسبة التي تتأكد بالقدر (وبالنظرية – والتطبيق) بوصفهما بنيتان تحذران من فعل اللّعبة لحل لغز الشفرة بالتفسير الضيق للمعنى ، وتمثيل القصد من منطلق ثانوي للنص دون الاستناد الى سياق يتعامل مع القضية المطروحة من حيث (الوحدات التركيبية) لا من حيث ملخص للحكم وهذا بدوره يستدعي ان نجرب تقنيات جديدة لاستعادة عملية المناقلة والمراجعة المستمرة للوحدات التي تنجز البحث عن القضية العالقة . والانجاز الذي قام به المتنبي في نظرته الى الحياة وما حدث بها من متغيرات وديوانه هو وصفا كهذه المتغيرات وحركاتها واطوارها المتقلبة بالتكوين المطلّسم . وما واجهه ابي الطيب المتنبي من انكسارات في هذه الحياة وفشل احاط به ثم اتصاله بسيف الدولة الحمداني ودخوله مصر واتصاله بكافور الاخشيدي وخروجه من مصر هاجيا كافور الى مصرعه على يد (فاتك الاسدي) . والمتنبي كان متمردا سيكولوجيا على كل الاشياء يتعامل – ويعامل الاشياء بحساسية دقيقة . فقد شكل انكساره وفشله في فرضية التتابع النظري وحسب شفرة النص . ويرى المتنبي ان لعبة النص المزدوج داخل نصّيه تهيمن على لغة مفتوحة فهي نصية تنغلق احيانا داخل تخومها وتفهم كثيرا من ان هذه الفكرة لا تجاري الطرف الآخر ، فتبقى غامضة مشوشة وتشويشها لا ينحل ولا يضيف شيء جديد الى محتواه داخل حدود النص . فقد تلقى المتنبي ضربات عديدة ادت به الى احتقار كل الاشياء وما سمى لنفسه من مسميات على ضوء مفهوم النص الذي واصله بالعمق داخل نهايات محددة ومفتوحة . فكان موقفه من الايمان بالدين موقف محايد هذا على سبيل المثال ، ونلاحظ بعض الاشارات تختلف في الوضوح والخفاء ، فهي تبرهن على وهن هذا الايمان وضعفه وغلبة الادب والفكر الجاهلي على سيكولوجية الآداب الاسلامية كما المحنا في بداية هذا الكتاب من ان المتنبي انتهج نفس تكنيك القصيدة الجاهلية من ناحية البناء ، وقد اكتشف القدماء من النقاد ذلك ما اشار اليه الجرجاني في (الوساطة – والثعالبي في يتيمة الدهر واخبار اهل العصر) .





















أبو الطيب المتنبي وشكسبير
يشترك المتنبي مع شكسبير في تشكيل هذه العاطفة ، حيث كانت عن المتنبي منعطفات في كل ادوار حياته من منهجية سيكولوجية في تفسير المنظومة الفكرية والدخول في تفصيلاتها ، وفي الحقيقة يناقش المتنبي اهمية الايمان من خلال مصدرية الموقف الفكري والسيكولوجي وضرورة التدليل في استخدام بنيات التحليل السيكولوجي في تناول موضوع الايمان من تأسيس يستند الى ادراك يعيد الحسابات بمنظومة الوعي للخروج بنتيجة من ان الايمان الديني ملحوظة لاحقة في التناول الموضوعي لوصف الوجود ودرجة التعارضات الثنائية فيه وكذلك نموذج الكبت العقلي العام المسكون بالخواء لهذا المحور وما يتعرض له الفكر من هواجس تجاه الدين وما يحمله من قوة ايمانية ضعيفة وخاوية استنادا الى التفكك الحاصل في ميزان الاستثمار السيكولوجي وقاعدته وانهماكه في استخدام التفكيك وممارسة الجدل التاريخي في الموضوع الانطولوجي .
يقول المتنبي :
أي محل ارتقي
وكل ما خلق الله
محتقر في همتي
أي عظيم أتقي
وما لم يخلق
كشعرة في مفرقي

هذه النصوص تؤكد العلاقة المنهجية بين الطموح المتطرق والتجاهل لكل الخليقة اثناء القراءة الوجودية حين فحص الاشياء فلم يجد متحقق في ان يلحظ الممكن بوصفه السبب حيث سحب المتنبي كل المرجعيات حين جال ودار ببصره فلم يجد أي قيمة تستحق الآمال – والطموحات وتستحق الاجلال والاحترام ويشترك في هذا (شكسبير) في مجال التفكيك للاشياء وهو يؤمن بعمق النقطة الديكارتية حين يستخف بالحلقة التي تتعلق بالانغلاق الايماني ويسعى الى تفكيك العمق الجوهري للانسان ليخرج اشكاليته في القراءة الفعلية للنص وادراك التحولات المعرفية داخل مخطط اللغة في استخدام هذه المنحنيات من ناحية القوة والضعف داخل بنائية دالة تنتجها القراءة الملحمية للنصوص وفق الادلة الاجرائية في انتاج نصية النص بعيدا عن لحظة التوسط الايماني والانتقال الى معنى الوضوح الذي يقدمه النص في لحظة الرغبة العارمة بعد ان تفصلت غاياتها باللغة وتحديد اللحظة والبراعة بالتناقض والاشكالية لتكون المفردة هي المحمول داخل هذه الازدواجية النصية باعتبارها واقعة قدرية في شخصيات شكسبير والضبابية التي غلّفت عودة ما كبث من الحرب منتصرا حتى خروج الساحرات اليه ن الأثير لتعلمنه بهذا المصير الدموي الذي ينتظره .
يقول المتنبي :
تتقاصر الافهام عن ادراكه
مثل الذي الافلاك فيه والدنى

في هذا الاشكال عند المتنبي يضع هذا الممدوح في مرتبة الخلق ، هذا يعني ان المتنبي يلتزم المقام السسيولوجي في افهام الآخر ، بان الايمان هو حقيقة منطقية ولكن ليس بالضرورة ان يكون محدد وله حدود شرعية واحكام قطعية .
انسكلوبيديا الصرخة الإيمانية
يتحقق من المفهوم الموضوعي للإيمان ليبرهن وفق تحليل علمي يعيد انتاج مفهوم الزمن الايماني بواقعية خارجة عن المنطق الفيزيقي رغبة منه في انتاج هذا المفهوم الايماني ليكون مبنيا على محمولات فيزيقية . وقد المح المتنبي هذه الاشكالية من خلال تمرده الوجودي ، فهو الذي فرق بين الوجود والزمان ، فالزمن بالنسبة الى المتنبي يخضع للتحليل باعتباره افق لفهم حالة الوجود ولازال مفهوم الزمن عند المتنبي وجود ذاتي ، هذه الاشكالية تعطينا انتاج مثالي للوجود وفق حدوده الذاتية دون الرجوع الى موضوعية الادراك بالحس . فالوجود بالنسبة الى ابي الطيب ، هو مرحلة مبكرة اخضعها الى التساؤل والتحليل الكوني بخواص شعرية متبادلة وهي تستند الى الحوار حيث يرى ان الوجود هو سابق الادراك دون المعنى وكان الحضور مدلولا في النص الشعري بلغة تشير الى اثر واضح ولا معنى للوجود في زمكانية مفتعلة الافتراض ، والزمن في نظره مدرك حسيا ويتقطع وفق منظومة سيكولوجية .
يقول المتنبي :
لو كان علمك بالاله مقسما
لو كان لفظك قيم ما انزل
في الناس ما بعث الاله رسولا
الفرقان والتوارة والانجيلا

فهو متأكد من هذا الاقحام الديني الذي يحمل خواص الايمان الوجودي الذي يقوم بتمزيق الرواسب الذاتية تحت مفاهيم انتاج المعاني الجوهرية للحياة وفق براعة منطقية دون الخداع الموضوعي . والمتنبي يؤكد قانون الكلمة المنطوقة التي تحمل معنى الاختلاف والتناقض الجدلي .
ويقول :
يرتشفن من فمي رشفات
هن فيه حلاوة التوحيد

ثم ينطلق الى الذات ليفصح عنها وبشكل جلي باعتباره نبيا من انبياء هذه الامة ولكن نبي يحمل آصرة الوعي الذاتي المطعم بالخواص الموضوعية عبر نسج صوفي للصورة الشعرية وببراعة نادرة .
ويقول :
ما مقامي بأرض نخلة الا
انا في أمة تداركها الله
كمقام المسيح بين اليهود
غريب كصالح في ثمود

ثم ينتقل الى اللاجدوى ، الى معجزات الانبياء وهي اجابة على خواص المعنى وتقديم اصل الاعجاز في منحى هذه الحياة وسؤال المتنبي عن البينات (الذاتية والموضوعية) وكيف يتم الربط بينهما داخل خفايا جوهر هذا البناء الجدلي التاريخي الكبير .
ويقول :
لو كان صادف رأسي عازر سيفه
أو كان لج البحر مثل يمينه
في يوم معركة لأعيا عيسى
ما انشق حتى جاز فيه موسى

ويتساءل المتنبي عن جوهر الموضوع الايماني بين الموضوعية المتشككة المفروزة داخل دينامية ذاتية . فالموضوعية المثالية كما يراها في ذاته المتعالية هي الذات نفسها ، فالتأمل داخل هذه الذاتية تنتج اطار موضوعي ولكن داخل آنية حاضرة حظورا جدليا وفي هذا يمنح نفسه تاريخا يتميز بتحركة استباقية يحوز في نهاية الامر عن استباق في الخطاب الفكري وكذلك الشعري ليتحول الى منهجية في التعبير عن الاشياء داخل منطق الروح .
ويقول ابي الطيب :
تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم
الا على شجب والخلف في الشجب

وهي وقفة دقيقة من مسألة الخلود باعتبارها ركن من اركان الفلسفة الدينية .
فقيل تخلص نفس المرء سالمة
ومن تفكر في الدنيا ومهجته
وقيل تشرك جسم المرء في العطب
أقامه الفكر بين العجز والتعب

وفي هذا لا يستطيع الانسان ان يترجم قوى الفعل ، فهي تبقى غير متحركة وكامنة سواء في الزناد او الحجر او الحديد حتى تجد من يمارس عملية القدح ، وهذا ينطبق مع السلم العقلي للانسان ، فهو يبقى عديم الفاعلية (أي بالقوة) بالجسم حتى ياتي من يوقظه وهو الانسان وهذا ما فعله النبي عند ابي الطيب . اولا يخرجه من القوة الى الفعل وان قيل ان القدرة الفعلية اعظم نعم الله للعباد فان اسم الفعل يأتي في المقدمة ويكون للنبي ، فهو العقل المدبر للاشياء ، في حين يبقى الفعل الانساني مرهون بالقوة(61) وهذه المعادلة هي من مطارحات المتنبي الفكرية وحدود طروحاته العلمية . يقول ابي الطيب المتنبي :
تبخل ايدينا بارواحنا
فهذه الارواح من وجوه
على زمان هن من كسبه
وهذه الاجساد من تربه

كذلك نظرته الى الخلود متأتية من المنظومة الفكرية نفسها بأنها تمثيل خلقة النص ، وهذا الدور الذي لعبته الفلسفة في تأسيس هذه المفاهيم وقد أفاضت في تحقيق

(61) انظر عبدالرحمن بدوي / من تاريخ الالحاد في الاسلام ص171.

منعطف في الرؤية الجدلية التاريخية من ناحية الزهد واللذة التي توجب هذا الوعي الجدلي . ويقول :
أبني أبينا نحن اهل المنازل
أبدا غراب البين فيها ينعق

وقال :
ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران دارهما العمر

وقال :
أنعم ولذ فللامور اواخر
أبدا اذا كانت لهن أوائل

والمنهج الذي اختطه المتنبي في سبيل بلوغ الاشياء هو انتزاع المعاني من نصوصها ومعرفتها ، ودراستها وتحليلها وتجاوزها بسبب بسيط هو ان طروحاته كانت طروحات فكرية جدلية فهي تغري الانسان باطار الزهد والابتعاد عن الملذات ، والمتنبي في هذا ليس رجل دين يؤدي الفرائض وكان لا يرى في هذا الوجود شيء يستحق كما قلنا القدسية او التقديس والدهر بالنسبة له زمن افلح والناس فيه خداعون ومهزومون وانصاف مشلولين اما الذي عاصرهم في حياته ، فوصفهم :
اذم الى هذا الزمان أهليه
واكرمهم كلب وابصرهم عم
فأعلمهم فَدْمٌ واحزمهم وغد
واسهدهم فهد واشجعهم قرد

ولا جدوى من هذه الحياة ولا جدوى من الصداقة ، فالمتنبي ما زال عنده ويعتقد جازما ان الصداقة محظورة تماما وان سيكولوجية العلاقة او الصداقة تعطي معنىً ظاهرياً للحياة ولذلك يضطر الانسان الى حل رموز هذه العلاقة فيجدها بلا معنى وهي عرض عاطفي فقط بلا عمق فالشعور هو موضوع كل الخفايا، والشعور يظهر الميول ، والاخفاء هو ايضا لا معنى له اذا توجب الكشف عن هذه العاطفة ، فالشعور هو الذي يكشف هذه القصدية .
ويقول :
صديقك انت لا من قلت خلي
وإن كثر التجمل والكلام

ان فلسفة الشعور عند المتنبي من خلال تفاصيله التفكيرية هو ان هذا الانجاز الذاتي من المعرفة ، يؤدي بدوره الى تكوين متبادل في الشعور مع الحقائق الموضوعية رغم عصر الاضطراب الذي عاشه المتنبي حيث النزاع بين المذاهب والافكار ، والزم هذا بالمقابل ضعف في المنهجية الفكرية وطغى على النفوس تراكيب الشك وهذا بدوره أثر تأثيراً غير مباشر على التكوين العقيدي لابي الطيب ويرجع هذا في تقديري الى تكوينه الفسيولوجي وتركيباته السيكولوجية ، ذلك انه بلا شك رجل قوي الارادة والشكيمة باعتباره رجلاً علمياً وواقعياً . فقد اعتمد على ارادته وشخصيته والتزامه قناعات واقعية غاية في التركيب فهو لا يسرح بالتأملات والآمال او الاوهام بعيد عن حقائق الحياة وكانت أفكاره واقعية فكان وثابا في تحقيق اشياءه بارادة قوية وواقعية وكان رجل شجاع وشاعر كبير ومبدع ومفكر ومقتدر فهو يصل الى الاشياء من خلال الادراك بالحس وبعبقرية تصّفى لنا حقيقة هذا الوجود الاجتماعي ، وكانت تصرفاته لها ايقاع في نفوس الناس وهذا هو سر قوة المتنبي وتقع في شخصيته وتفكيره الوجودي المتعالي وكبريائه المستل من حكمة هذه الحياة لانه كاشفها ، وكانت شخصية المتنبي بعيدة عن روح الايمان الديني لان الدين يبني تفاصيل معادلته الفكرية على الاعتقادات الفيزيقية ، وكان ابي الطيب يعتمد على شخصيته في تحقيق تراكيب هذه المعادلة الموضوعية من خلال الفعل الذاتي .
يقول المتنبي :
ان نيوب الزمان تعرفني
وفي ما قارع الخطوب وما
انا الذي طال عجمها عودي
آنستي بالمصائب السود

ان هذه التبادلية الابستمية يمكن ان يتم تأسيسها وفق أطر تحليلية قصدية يؤمن بها ابي الطيب المتنبي لانها نداء هذا التفاوت في مستوى الكفاح والنضال لأن المتنبي شخصية تجريبية تأخذ بعين الاعتبار العلاقة الافقية وكنهها وقيامه على شعور يؤكد الشروط الموجبة لهذه الحقائق . وكانت عبقرية المتنبي هي الدافع الرئيسي لصموده امام هذه المشكلات وكانت قوة عاطفته الباذخة وقوة انبعاثه بحركية هذا المصير . فكانت فلسفته فلسفة مكتئبة وحزينة وكانت مسيرة حياته قلقة يشوبها الاضطراب وكانت خاتمته خاتمة مأساوية .
فيما يتعلق بالجانب السيكولوجي ، كان تميز الذات هو الانطلاق لمرحلة الاختلاف المطلق ، ويبدو ان التشكيل الهندسي لمركزية الوعي ، وكذلك الصوت في هذه الفكرة الاختلافية يتكون وفق المنظومة الذاتية التي تشكل انتاج اختلافي قائم ومطلق لبنية الاختلاف ، ويبقى التحقق لهذا المرتسم مرهون على نحو غير مقصود في الخطاب السيكولوجي الاختلافي لانه يتجاوز هذه التحديدات الذاتية ، لان المتنبي يستند الى قاعدة فهم حركية الواقع الاجتماعي من خلال هاجس الاختلاف في الذاتية لانه يمتلك اسبقية وينتمي الى التشكيلات الابستمية والافق الافتراضي ، وان وجوده فهو محدد ابستميا . فالمتنبي يقوم بفاعلية هذه القصدية بوصفه داخل منظومة تتعلق بخواص هذه القصدية وهذه الابيات الشعرية ادناه تبين اشكال هذا الاختلاف داخل هذه المنظومة السيكولوجية .
يقول المتنبي :
تحقر عند همتي كل مطلب
ويقصد في عيني المدى المتطاول

*****
واني اذا باشرت امرا أريده
تدانت أقاصيه وهان أشده

*****
كفاني الذم أنني رجل
أكرم مال ملكته الكرم

*****
ولو برز الزمان إلىّ شخصاً
لخضب شعر مفرقه حسمي

*****
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبنفسي فخرت لا بجدودي

*****
وهكذا كنت في اهلي وفي وطني
إن النفيس غريب حيثما كانا

*****
لا تحسن الوفرة حتى ترى
منشورة الضفرين وقت القتال

فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
*****
من طلب المجد فليكن كعلي
يهب الالف وهو يبتسمُ

*****
تهلل قبل تسليمي عليه
والقي ماله قبل الوساد

*****
أني أنا الذهب المعروف مخبره
يزيد في السبك للدينار دينارا

يقول في رثاء جدته :
لو لم تكوني بنت اكرم والد
واني لمن قوم كأن نفوسنا
لكان اباك الضخم كونك لي أما
بها أنف أن تسكن اللحم والعظما

*****
يالك الويل، ليس يعجز موسى رجل حشو جلده فرعون

وقوله في جدته :
تغرب لا مستعظما غير نفسه
ولا قابلا إلا لخالقه حكما

*****
انام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم

*****
افكر في معاقرة المنايا
وقود الخيل مشرفة الهوادي

*****
زعيم للقنا الخطّي عزمي
الى كم ذا التخلّف والتواني
وشغل النفس عن طلب المعالي
بسفك دم الحواضر والبوادي
وكم هذا التمادي في التمادي
ببيع الشعر في سوق الكسادِ

*****
ايملك الملك – والأسياف ظامئة
من لو رآني ماء مات من ظمأ
ميعاد كل رقيق الشفرتين غدا
والطير جائعة – لحم على وضم
ولو مثلت له في النوم لم ينم
ومن عصى من ملوك العرب والعجم

*****
أبا الجود اعط الناس ما أنت مالك
ولا تعطين الناس ما أنا قائل

*****
ولي فيك ما لم يقل قائل
وما لم يسر قمر حيث سارا

*****
ليت ثنائي الذي أصوغ فدى
لو تيه دملجا على عضد
من صيغ فيه فانه خالد
لدولة ركنها له والد

*****
الا ما لسيف الدولة اليوم عاتبا
وما لي اذا ما اشتقت ابصرت دونه
فداه الورى امضى السيوف مضاربا
تنائف لا أشقاقهــــــا وسباسبا


التناص والبنية الصوتية
عند المتنبي
ان ما يتعلق باحكام البنية الصوتية وتشكيلاتها الميدانية في شعر المتنبي فهو استكشاف ميداني يسهم في اظهار القضية العلمية التي تضع المرحلة الجزئية في هذه العملية الى الخلف ، وتتقدم المرحلة الكلية عن طريق المرحلة التجريبية الاستقرائية لنتعرف اولا عن طريق الاستنتاج المتعلق بالمنطق العلمي باعتباره خاصية ابستمية مطلقة تحدد خضوع العملية الصوتية في النصوص الشعرية الى عملية بنائية منظمة وفق منحى يؤكد هذه الاتجاهات المتعلقة بالابستمولوجية وابعاد النزعات الجزئية وتفاصيلها البعيدة وقيام النزعة البنائية وفق خارطة التصور الموضوعي . وعليه فان علم الأصوات الإيقاعي يمثل ظاهرة تتحرك وفق سياق علمي بنائي موضوعي .
وفي احداث المقارنة المتشكلة بالعملية الاختلافية للبناء في النصوص الشعرية ما يميز هذه التشكيلة من الاصوات داخل النص الشعري ، وتقع في تناص ابستمي من ناحية التشكيل في المعنى استنادا الى حركية التاويل والجدل المتعاكس بين الاطر الواقعية والمعنى – والمعنى في حيثياته مرتبط بحركية المتكلم أي القصد ما ينطق به وما يفصله في الجملة أي ما يتعلق من نتاج بالعملية الاقترانية بين الوظيفة ذات الخواص المفهومة للحدث وبين الوظيفة الاسنادية وبالتالي هي عملية تعقل صوري يتعلق بالمضمون من ناحية التشكل . من هنا يكون فعل الخطاب الشعري بالجانب الآخر من الواقعة المتعلقة بالجدل . فالمعنى يشكل نظاماً للشفرة بحالتها المجهولة وهي تشكل معلماً افتراضياً . فاللغة مركبة من حركة الناس والمبالغة بالخواص الافتراضية ، وحالات الخطاب المتحول الى موضوع باطار المعنى في حالة النطق ، وقد يأخذ دورا افتراضيا من حركة التناص مع حركة افتراضية متقابلة (فيزيائيا) في نص شعري آخر ويأتي المرتسم العقلي للنص وفق ترجمة خطابية حيث يتشكل النص الشعري من معنى النطق وبفرضية الاتضاح وحلقة التميز للأصوات باختلافيتها في الخصائص كما هو الحال في التناص الصوتي – وتشكيل المعنى في شعر المتنبي مع نصوص لشعراء آخرين يؤدون حركية التقارب سواء على مستوى تفعيل الصوت بواسطة الفعل الهورموني وبين المعنى سواء المباشر او غير المباشر .
مثال على ذلك ما يقوله ابو تمام :
مقيم الظعن عندك والأماني
وان قلقت ركابي في البلاد

ثم يتحرك (الهمس – والمجاهرة في الاصوات) في البيت الثاني ادناه للمتنبي ليكون المعنى في التقارب وفي الانتاج العضوي لحركة التميز في الاصوات التي تتشكل بالمعنى الصوتي حيث تأخذ المفردة دورها الجوهري في الصوت وبالتفاصيل العضوية لمنطق الايقاع – واللفظ وان حركة الصوت تميز الدخول والخروج الصوتي داخل النص .
يقول المتنبي :
وإني عنك بعد غد لغاد
وقلبي عن فنائك غير غاد

من هنا : فان الذي يحدث في ترسيم اللغة يدور حول (شقوق الزمن) وما تدركه اللغة والبنية الايقاعية ، والمخارج والمداخل في تركيبات التناص داخل حفريات اللغة والتميز في بعض الكلمات مع البعض الآخر داخل الابيات . فالصوت والمعنى والتناص في المداخل والمخارج يعطي ملمحاً لاصول سيكولوجية وباراسيكولوجية تميز هذه الجدولة في ايقاع الاصوات ومكانة اللغة وعلاقتها بتشكيل الأصوات وهو المحور في الانتاجية النصية العامة . ربما ان الاختلاف في النصوص يولد الاختلاف في الاصوات والمعاني – والتناص ، ولكن التلازم في محور بنائي يركب كل هذه الجزئيات لتصبح تشكيلة محورية من (حركة الشقوق في الزمن) وهذا محور جديد يجب دراسته داخل منظومة الاصوات + محور المعنى المتركب داخل هذه المنظومة + التناص الذي يوحد هذه التراكيب عبر منظومة فيزيائية تتعلق بالباراسيكولوجي . ويرى (جاكوبسون) ان الاتجاه البنائي في الدراسة للمنظومات الصوتية انه لابد ان يقوم في اطار منهج تكاملي . ان كل حدث صوتي يدرس على انه وحدة جزئية من وحدات ومنظومات اخرى ومستويات مختلفة وان الحركة المتعلقة بالصوتيات التاريخية والتي تقع في المقدمة . هو ان هذا التعديل يقع في مقدمة النظام الداخلي وان ايّ متغير صوتي لا يمكن اغفال دوره الستراتيجي في المنظومة اللغوية( ) .


شقوق الزمن شقوق الزمن

اللّغة

المعنى التناص


الصوت
شقوق الزمن شقوق الزمن

مرتسم رقم (2)
فالمتغير الذي حصل في لسانيات المنظومة الخطابية والذي نطلق عليه تسمية علم الدلالة لتمييزه عن السيمياء بان تركيب الجملة الداخلية للنص عند المتكلم ، تتلخص بالاجراء النحوي وبادوات التحويل (Shifters)( ) وهذا كله تفصح عنه الجملة الشعرية بمعناها الموضوعي . فالمداخل الصوتية تتغير بتغير الابنية الاختلافية وتنتقل بالعلاقات التبادلية داخل المنظومة الصوتية لمعرفة المتغير المتبادل في وحدته الزمنية ، فلا يكفي ان نقوم بوصف حالة التغير هذه دون شرح والتفسير فحتى الوصف فهو الذي يبين لنا التشريعات المترابطة وفق مواقف في العملية التغييرية ، وهذا ما يدعونا الى توضيح هذا الاشكال في التغيير ، وبعد هذا يتم التحول الى السياق الستراتيجي في التاريخ ، ومنه الى المنعطف الكلي الخاص بهذه المسألة . فالتغير مستمر على كل المستويات الصوتية والمعنى والتناص واللغة ، أي كل هذه العوامل اللازمة لصنع النص ، هي عوامل متغيرة منذ اكتشاف اللغة ومنذ وجود الازل والذي يسمى الكون (cosmology)( ) والذي يدرس خواص الكون ، وحتى الكون له بداية زمنية ونضج لانه ارتبط بمفهوم الزمن وكل متغير مرتبط بالزمن وهذا يشمل (الصوت – واللغة – والتناص – والمعنى) وهي محفورة بشقوق الزمن . فالثبات في تفاصيل اللغة كما يقول (جاكوبسون) وهمي مجرد وهو فرض علمي مساعد وليس من خواص العناصر اللغوية( ) ما يتعلق بمفردات وسلّم اللغة وعناصر تكويناتها في النصوص (البلاغية – والبنية الاسلوبية) والبنى البلاغية جزء اساس من مستويات النص وهي (الاصوات – والمعاني) في اللغة والتناص وشقوق الزمن المتحولة . ونحن نتطرق الى هذه التكوينات ، علينا ان نؤشر مجموعة اخرى تساهم في تكوين البنى الاسلوبية قبل الجملة المقطعية والعلاقة بين المفردات والبنى اللغوية الواسعة – والبنى الفوقية وتاتي البلاغة في مقدمة الطبيعة الوظيفية وهي تختص بحركية النص وفعالياته في العملية الاتصالية . فالمنظومة الشعرية عند المتنبي التي نحن بصددها ، تتحرك وفق بنى بلاغية مهمة تتوضح بالنصوص الشعرية ، ويتأكد المتلقي من سلامتها لانها تتواصل باستمية الفعل الاسلوبي باعتبارها متغيرات قانونية في مرحلة من مراحل البنى النصية . هناك جمهرة من تفاصيل في السلم البنائي للبلاغة ودورها من الناحية الوظيفية بتمتين النص وخصائصه البلاغية بشكل عام تاتي في مقدمة الحلقة المتغيرة واحيانا تتجاوز المنحى النحوي لتنتقل الى عمليات التاويل باعتبارها تقع في دائرة المنظومة النظرية ثم تكون عرضه (لشقوق الزمن) المركبة تجريبيا ويشرف عليها (الباراسيكولوجي) لانتاج التناص داخل هذه الابنية النصية . والمتنبي قد تجلت فيه هذه الخواص باعتمادها على الاشكال المجازي للأبنية النصية والبلاغية اضافة الى تحقيقه فعلا تناصيا بمقاييس حركية الشقوق الزمنية التي متنت ايقاعه الشعري واسترساله وفق عدة من المعادلات الوظيفية :
1- المستوى الصوتي + المستوى الصرفي + المستوى النحوي والدلالي .
2- مستوى فعل التناص في تركيبة الشقوق الزمنية وهذا متاتي من اطلاعه على قوانين الشعر العربي ومداخلاته ونواظمه الكبيرة والمبكرة .
3- التكنيك في البناء للنص الشعري .
4- الوحدات اللغوية المتغيرة وفعل التغيير عند المتنبي وتأثره بها .
الخواص الفنية مثل أ) الاضافة ب) الحذف ج) القلب د) الاستبدال كما يقول : (فان ديجك) (Dijk. T. Avan)( ) .
وقد تمركز المتنبي في هذا الاستدلال ، عبر الابستمية (الذاتية –والموضوعية) بدلالة الافق الشعري وحدوده المعرفية . فالمتنبي وضع هذا الاستدلال داخل منظومة قصدية تشكل اضداداَ متناهية داخل تشكيل (الداخل والخارج) للنص والمأخوذة باتجاه عواملها الموضوعية والذاتية . واذا كان ابي الطيب قد اتجه هذا الاتجاه وهو مقتنع تعبيريا وعلميا لاحساسه بمركزية الاسناد في خواص التناص وشروعه الاختلافي تعبيرا عن احساسه بالوجود الذي يغلق منطقه العقلي وهيمنة الحضور المتشكل للنص وهو حضور كان قد هيمن على الوجود من خلال مدار النص من حيث ان مفهومه ينتقل الى الحقلة اللانهائية في كشف نموذج التفصيل السيكولوجي عند ابي الطيب بتشكيلات متشابهة من افعال التعبير والمعنى وفكرة الاستعادة لتاريخ (اللغة – والتناص والاصوات والمعنى) داخل تاريخ هذا التأمل الذي يظهر الغموض باعتباره غموضا في تركيب اللغة المجازية والاستنتاج الذي يظهر الاحساس بشكله العام من حيث طبيعة المعنى وفعل التناص والصوت داخل منظومة اللغة .
يقول البحتري :
واحب اقطار البلاد الى الفتى
ارض ينال بها كريم مطلب

ما يتعلق بالفعل التعبيري هو : تشكيلة الكلام داخل الجملة المقطعية الشعرية وعبر الفعل الادائي ، حيث يتضمن النص اختياراً في الحب من جانب الفتى الذي احب واختار ، فهي العملية الجدلية بين (واقع الحب والارض التي بها الكريم ذلك المطلب) وهذه العملية تنبع من قواعد دلالية تفصلها بنية الجملة الشعرية ، هناك قواعد اساسية في المنطق الاسلوبي : هي القوة الادائية لخطاب المعنى والاداء داخل هذه السمة العامة لأن النص الشعري كان قد تعرض الى سمة موضوعية تؤكد فعل الرغبات في الاثبات لهذه الافعال .
وكل امرئ يولي الجميل محبب
وكل مكان ينبت العز طيب

والنص الشعري عند المتنبي ادخل واكد الرغبة في اثبات ما قبله بشكل تناص يتعلق بالثبات والقوة والفعل التعبيري وقد تمثل بجدل الواقعة التناصية كما قال البحتري والمعنى في كلا الحالتين تطابقت قواعده النظرية مع قصد الاجابة عند المتنبي ، وهي القوة التي ميزت بيت المتنبي في تناصه ووجوبه ووجوده الدلالي بفعل هذا التطابق الطردي ،ثم نعود الى لغة الشعر وجوانبها المنهجية بأختلافية سياقاتها مع نمطية كل شاعر وأعتماده على الخلق الابداعي والبيان الجدلي لهذا الاختلاف وبدرجات مختلفة على مستوى (الصوت ، والنحو والصرف ، والبلاغة ، والمعنى ، والتأويل والتناص) وقوة منظومة نظرية كل شاعر سواء على مستوى الرمز او المستوى اللغوي والتقاليد والقيم الشعرية وتعدد الوظيفة الفنية فيهما .
ثم نأتي الى المنظومة الصوتية وتقع في المقدمة بطريقة استخدامها للغة وحروفها،
والايقاع وخواصه اضافة الى السلم النغمي ، ثم يأتي الايقاع وهو عمود المنظومة الصوتية بأعتباره المحور الرئيسي في البنية الايقاعية والنغمية ومقاماتها ومقاساتها الموسيقية وشبكة التوزيع داخل القافية وحدود النظام الموسيقي والصوتي ، ودلالة


الرمز والتعبير عن المدلول الفكري داخل النص الشعري (67) . كل هذه المكونات كانت قد ميزت شعر المتنبي داخل شبكة بلاغية ووفق منظومة لغوية تتخذ من البلاغة مصدرا وهي جزء يلتحق بالكل المكون ، ثم يأتي البحث داخل نمطية من العمل ويتمحور على المستوى الفعلي من تفاصيل الابنية الصوتية والصرفية ، والمتنبي قام بتشكيل التكرار التام في البيت ، تكرار بعض الاصوات داخل النص بتجانس حركي أختلافي كما في الشطر الاول من البيت + قام بتفصيل الصوت في النص وفق منظومة صوتية متحركة كما هو الحال في الشطر الثاني ،ثم تأتي اللواحق الصرفية داخل البيت وتكرار المعاني والكلمات ذات المصدرية الواحدة + فكان في البيت ترخيم موسيقي ثم يأتي التوازي في البيت الشطر الاول+ الشطر الثاني ثم يأتي الحذف ، فبين اقطار البلاد عند البحتري ويولي الجميل في بيت المتنبي .
فالمتنبي قام بتخصيص فقه المعنى وتركيبه في البيت وأتفق مع البحتري في عملية التناص داخل هذه الابنية ،لكن العناصر الدلالية عند المتنبي هي غيرها عند البحتري وهذا يتأكد بالذروة عند تصاعد النسق الشعري في البيتين ، ونكتشف من خلال هذه السياقات ان الامتداد الادبي في عملية التطبيق للخصائص التي تتعلق باللغة ، لايمكن التحول عنها لانها تتمحور حول الصوت والايقاع ، فالادب والشعر بشكل خاص يضعه في مقدمة أهتماماته لان بناء الاستحكامات الفنية تستند اليها والتوافقات التي تحصل داخل الجمل المقطعية لتقوم بأنشاء انظمة متبادلة تعمل على دفع الخواص الروحية والفكرية على القيام بأنتاج نوع من التفصيل الحي والمعبر عن اللغة المنظومة وليس اللغة العادية ، هذا هو المنعطف الذي تستند اليه اللغة الادبية والشعرية حصرا في تشكيل الصورة الفنية من خلال لغة شعرية تعود باللغة الى منابعها الاولى حيث تعود اللغة هي المنحى العلمي والعملي لتطور الشعوب والامم68)
ــــــــــــــــــــ
(67) د.فضل صلاح نظرية البنائية ص118 ص119.
(68)ralery paul "Variete I Trad , Buenos Aires 1956,p228.
يقول ابراهيم الكاتب:
أحاول أمــراً والقضاء يعوقه فبيني وبين الدهر فيه طراد
ولو الذي حاولت صعب مرامه لساعدني فيه عليه شــداد
والدراسات الدقيقة للنص تقتضي التنمية المتواصلة لفحص تأثير اللغة ومنهجية الابداع في الايحاء والتعبير ، والتي تزيد من قوة النص وتقدم المساهمة الزمنية حراكا في جدل هذه الواقعة ومحتواها التحاوري الذاتي مع زمن مطلق وعصّي . في هذا الخطاب حضور لزمكان بتشكيلة اللغة لانها اتصال (ذاتي وموضوعي) واللغة داخل النص الشعري هي حوار جوهري داخل بنية الخطاب ، ويحتفظ النص الشعري بحركية المعنى في تشكيل الخطاب بأعتباره فعل تمريري وأثبات ما يعنيه الاتفاق داخل هذا التوحد الذاتي في الخطاب الشعري ، وأبراهيم الكاتب حاول اعادة صياغة الوظيفة اللغوية داخل (حلقتين رئيسيتين في الذات والموضوع،) داخل نموذج تشكل لبناته أتصالا مفتوحا داخل حركية النص بين (الشاعر +الزمان والرسالة) كما يقول "رومان جاكوبسن " . ثم تأتي العناصر المكملة للحدث وتتمحور حول بنود ثلاثة تقوم بأثراء هذا النموذج في الحدث ، هذه البنود هي :
1. الشفرة .
2. منظومة الأتصال + السياق وعلى أساس هذه البنود المتشكلة من الشاعر +عملية الأنفعال + المتلقي مع الوظيفة ، والمتلقي مع عملية الانفعال +المتلقي مع عملية الاقناع أضافة للرسالة مع الشاعر أو الوظيفة الشعرية مع ملحق الشفرة اللغوية الشارحة وقنوات الاتصال والسياقات المتعلقة بالعملية التعاطفية ومرجعياتها .
يقول المتنبي :
أهم بشيء والليالي كأنها تطاردني عن كونه وأطاردُ
وبيت المتنبي يثير الوصف داخل الخطاب ويباشر بالانشاد كبقية أنفعالية داخل مرتسم الخطاب ، والبنية العقلية كانت قد تركبت عند المتنبي عبر سلسلة من التفصيلات الشقوقية للزمن ليلحق بالشفرة رابطا أتصالي تقابلي يستدعي أنموذج بحث فلسفي يوقر جدل هذه الواقعة داخل المعنى والوضوح المترتب مع البيتين الاولين لابراهيم الكاتب وهو سر هذه الواقعة الشقوقية .والمتنبي كان أكثر وضوحا في البحث عن المعترك الاختلافي للجمال ، هذا اللغز الشقوقي التناصي هو شرط أمكاني لتفاصيل البنية الشعرية ومداخلات التناص داخل حلقة الخطاب ، يبدو ان المتنبي أتهم بالسرقات لكنه بريء منها لان مفهوم الفعل التناصي يتعدى هذا الاتهام والمتنبي بقي يرفل نصه الشعري بالمعنى والتجذير اللغوي والصوت الخفي داخل النص والصوت الخارج من النص وتجريبيته الواقعة التي تنتقل الى الخلود داخل منحى الشقوق الزمنية لانها جدل الواقعة والمعنى ، والمتنبي قد أهتم بالواقعة التجريبية وعبر عنها بالتقاء هذا التبادل الفكري والسيكولوجي داخل الشفرة اللغوية وداخل ترابط الواقعة ذاتها بين (السماع ، الحوار ،التأريخ ، والفهم للمعنى ) كل هذه التناسبات والمتعاكسات تضع امرا تجانسيا وهو جواب العملية الخطابية التي تم نقلها بشفرة المعنى داخل حلقات الحوار وبمباركة المنحى الشقوقي للزمن الذي هو الترجمة الحقيقية لجوانب هذا الحوار من التناص الذي يضع أبي الطيب المتنبي في معيارية جوهر الخطاب الشعري ومخزاه الداخلي والخارجي ، فهو رديف اللغة وهي كحال عنصر الكتابة القانونية التي أرتبطت (بالانثروبولوجية) الانسانية وشفرة اللغة الكتابية، فالتناص يحمل البذرة الانثروبولوجية في الكتابة أي أن التناص يعيش بالفطرة الكتابية داخل سلم الانسان ككيان ، فوجود التناص داخل ابيات لمختلف الشعراء يعطينا دليلا قاطعا بأن التناص الشعري هو ضرب من أنواع الامكان الانساني يخرج عبر شقوق زمنية تكون متركبة غاية في الدقة ، والتطور العقلي لهذه الشقوق هاجس يظهر عند المبدعين من المفكرين والعلماء والشعراء الكبار وهو ليس أنتحال او سرقة للشعر .
ان ما ترجمه المتنبي من أستبصار وبصيرة مبتكرة تؤكد علاقتها بالموضوع وبالمنطق الدلالي عبر الحدس وضرورات التميز بأفتراض المعنى ، والشيء الفعلي الذي ترجمه المتنبي داخل بنية النص هو العلاقة الدالة على الذات الموضوعي وهي الولادة الكبيرة للمعنى وعلاقة هذا الوضوح ببنية أثر التعبير التي يطرحها النص الشعري بوضوح وعلى نحو تام داخل المشروع ( الأبستيمي) وتواصلا للهيمنة في أدراك الحس البنائي وحاجة النص الى هذا الحس بأعتباره حضورا ذاتيا يتلازم ومنطق أشتغال المعنى على عكس ما يطرحه الاخرين . من هنا ينتج المتنبي (قراءة حوارية للصوت والمعنى) هذا الحوار الذاتي بين الاثنين ينطلق بالعملية الشعرية بتشكيل بنية الكتابة وبنية الصوت ومن ثم أستقلال المعنى وفق قدرة حدسية تنطلق بشفافية غاية في الجمال . من هنا يبدأ المتنبي بحلقة الاختلاف في تشكيلات الاحاسيس والعلامات ، فالمتنبي يتحقق جوهريا من الخطاب الشعري وما يحمله من علاقة تأويلية بين (الصوت والكتابة الفلسفية) وبين التناول الذي يؤسس ملحمة أختلافية لجوهر القضية وهي تشير الى التماثلات وعلل العبث داخل مرجعيات (ديكارت وليبنتز) وما تقدم به من أزاحات وتحليل وقص داخل الشفرة الدلالية ، لان هذه المدارس توصف العقل الدلالي بسببيتة وأنسانيته ، فكيف اذا كان حجر الزاوية في الصياغات البنائية لمعالجة الحالة المتعلقة (بالتناص والصوت واللغة والشفرة والشقوق الزمنية ) .









(بين المتنبي وابن جني )
يبدو ان التفكير المتعالي عند ابي الطيب المتنبي [احمد بن الحسين الكوفي ]كان الخط الذي اوصله الى(( امام العربية وفقيهها هو[ابو الفتح عثمان بن جني الموصلي ]قبل اكثر من الف عام في بلاط سيف الدولة الحمداني بحلب فكانا يمثلا النبوغ والعبقرية العراقية والعربية .فالتفكير المتسامي والمتعالي جمع الاثنين وكان الانطلاق من قوة متناهية في الوعي اللغوي والشعري فكانت الانطلاقة من امكان موضوعية الوعي الفكري وقوته ومنتهاه لانه يفتح البعد الفلسفي امام اشكالية جمعت بين الاثنين صداقة متينة رافقها اعجاب بين الشخصيتين.فكان ابي الطيب يقول اذا راى ابا الفتح[هذا رجل لا يعرف قدره كثيرا من الناس]69.وكان ابو الفتح اذا تحدث عن ابي الطيب قال[وحدثني المتنبي شاعرنا وما عرفته الا صادقا ]70.
فكان المشروع البنائي هو الثمرة العقلية وجاء في كتابين من عيون اللغة العربية والنوادر في خصائص التراث العربي وهما الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]والشرح الصغير الذي سمي [الفتح الوهبي]وهذان الكتابان اقدم شروح ديوان المتنبي واوثقهما ولا يوجد شرح لديوان المتنبي لا يرجع في تفاصيل شرحه الى ابي الفتح بن جني.وكان من رد على ابن جني هو [ابن فورجه]الذي الف كتاب الف للرد على ابن جني اسماه [الفتح على فتح ابي الفتح]وهناك تعليقات لاحد تلاميذ ابن جني قرأ على يده الشرح ثم رواه وشرحه وعلق عليه من خلال عباراته . وكان المتنبي قد شغل الناس في تلك المرحلة التاريخية وقد تعددت الشروح والشراح حتى بلغت الشروح [اربعين شرحا]ما بين مطولات ومختصرات ثم تضاعفت هذه الشروح والتعليقات بعد عصر [ابن خلكان]حتى بلغت الاضعاف المضاعفة والتي لم يصلنا منها سوى [شرح الواحدي وشرح العكبري والشرح الكبير لابن جني ]والذي سمي
ــــــــــــــــــــــ
(69) انظر: معجم الادباء جـ5 ص25.
(70) انظر الخصائص جـ1 ص239.
[الفسر ] ويعد الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي في المرتبة الثانية من الشرح الكبير والذي سمي [الفسر]فكان المحتوى النقدي للشرح،وهو الذي احدث معادلة منطقية في الفعل التعبيري ونقل الحركة الادبية الابداعية من الشرح والتاويل الى الجدل لفعل البنية الشعرية وما تشكله من معنى ،فكانت الخاصية للخطاب الشعري عند المتنبي وشروحه قد احدثت اداء نقديا جديدا ورغبة في نقل الوعي النقدي لشعر المتنبي على مساحة اكثر اتساعا، فكانت الوقائع متداخلة داخـــــل الفرز لخواص المعنى ومن هذه الشروح ولنا عوده الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة .
ترتيب الشروح على النحو التالي : 1.التنبيه على خطاء ابن جني في تفسير شعر المتنبي لمؤلفه علي بن عيسى الربعي .72
2.قشر الفسر لابي سهل الزوزني (73 ) 3.التجني غلى ابن جني لابن فورجه ) 74( 4.السرد على ابن جني في شعر المتنبي لابي حيان التوحيدي)75 ( 5.تنبع ابيات المعاني التي تكلم عليها ابن جني والشريف المرتضى )76 ( 6.الفتح على فتح ابي الفتح لابن فورجه )77 ( 7.الواضح في مشكلات شعر المتنبي لابي القاسم عبد الله بن عبد
ـ 72.معجم الادباء ج5ص284
73.فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية ج2ص203
74.كشف الظنون ج1ص1233
75.معجم الادباء ج5ص381
76.المصدر السابق نفسه ص174
77.نشره محمد الطاهر بن عاشور بتونس سنة 1968.



الرحمن الاصفهاني( 78 )
والذي يهمنا من هذا ;هو ان اتجاهات التفسير لنصوص المتنبي الشعرية مشروطة بالغرض الواضح تعريفا ومحاولة تنشيط متن النص واضائته من ناحية التكوين البنائي والتكوين اللغوي ووحدة البنية داخل الجوهر للنص وما يطرقه المعنى وما تتخلله من وحدة في التعبير والايجاز والتاؤيل الذي اصبح المحور ومداخلات شرح النص عند ابي الطيب .
لقد حمل النص الشعري للمتنبي المعيار التصويري للحدث الشعري وقابليته على الافعال القصديه وروح الفعل الخطابي وحضور القصد الذي يتضمن المعنى
والقوه في جدلية واقع الحدث والتخارج وقابلية الفرز لمستوى الخطاب الشعري .
وما يعنينا من تطور في جدل الواقعة النصية ومداخلات المعنى هو المحتوى الخبري في جانبيه [الذاتي والموضوعي ]واذا كان منتصف القرن الرابع كان الحد الفاصل في ركود ريح الاختلاف حول ابي تمام .فقد تجددت بظهور ابي الطيب المتنبي ،هو الميل من الناحية الموضوعية يتاكد بقوة الشد ميلا الى تحديث الشعر سواء بالنسبة الى ابي تمام او البحتري ولكن المنعطف الجديد في هذه الاشكالية هي بظهور المتنبي الشاعر الذي جمع بين القديم والحديث كما قلنا في بداية الكتاب اضافة الى قوة البيان فقد تضمن شعره فلسفة منهجية للحياة وثقافة تتطلع الى التغيير دائما وهي تنتمي في حيثياتها الى نسيج القرن الرابع بكل خواصه الشعرية والنثرية ،ولكن المقاييس بقيت نسبية لما تحدثوا بها عن عمليات الاختلاف او الصراع بين القديم والحديث او المحدث كما يسمى احيانا. وكانت محاور النقاش الحامية تدور عن ميل ابي تمام او نزوع منهجه الى طريقة البحتري ولكن الحدث الجديد والمحدث الجديد هي الطريقة التي عطلت مقاييس النقاد إتجاه عمود الشعر . والمتنبي يمتلك شخصية وجرأة في المنطق الشعري واللغة والمبالغة في القصيدة التي
ـــــــــــــــــــ
78.الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي تحقيق الدكتور .غياض محسن ص11
يؤمن بها والاداء الفلسفي ومعرفته بالمرحلة التاريخية التي يعيش بها وفساد المؤسسات السياسية للولاة والامراء وتصرفه بالحكمة وباللغة المتينة العالية والقوة والصيرورة عند مخاطبتة الولاة والامراء اضافة الى خصومه الذين ارادوا تحطيمه شعريا وانتقاما من هذه الشخصية المتعالية .وكان شاغلهم الرئيس هو انصرافهم الى تاكيد موضوع هو ان [شعر المتنبي مصنوع من معاني الاخرين ]ولكنهم اخفقوا في ذلك بسبب الوسيلة النقدية البدائية عند الخصوم اضافة الى النسيج الشعري الجديد الذي جاء به المتنبي واكتفوا بابراز وتصوير هذا الاعجاب القلق او تفسير المعاني واللف والدوران حول النسيج الشعري .وما يتعلق بالامور التي تتعلق بالشكل ولكن على العموم كان للمتنبي موقفا مفروضا من الناحية الشعرية والفنية.وبانه ليس شاعرا عاديا وان اكثر ما دار حول المتنبي من نقد وهجوم لانه استنجد بالادوات النقدية القديمة والتي لاتتناسب والشعرية الجديدة للمتنبي وان ما طرحه النقد في تلك الفترة اي القرن الرابع وما تلاه من ادوات ولم ينشغل النقاد مع اي شاعر قدر انشغالهم بابي الطيب المتنبي وذلك لاحساس اصحاب المدارس النقدية بحجم قضية شعر المتنبي .وكان للحاتمي جهد كبير في هذا المضمار وكان جهده هذا ليس مقتصرا على ظاهرة المتنبي الجديدة ولكن وجود المتنبي بالعراق بعد ان غادر مصر اثار انتباهه وكانت تركيبته النقدية تؤكد جدل الواقعة [بالاختلاف والصراع]ولذلك جاء جدله النقدي مختلفا في تفاصيله من حيث التقدير للقواعد والاصول وبين الحدة والجزم في تعقب تلك السقطات.ويبدو ان الحاتمي كان يفهم الواقعة وقد اختلف عن النقاد لانه يحفظ الكثير وبشواهد دقيقة .وكان يختلف عن معاصريه في المجال النقدي وكانت نظرته تؤسس معلما صالحا في النقد فتعلم منه الدارسون . [مؤلفات الحاتمي النقدية ]
1.له كتاب [المعيار والموازنة ]لم يكمله .
2.كتابه[المجاز في الشعر ].
3.له كتاب بعنوان [الهلباجة في صنعة الشعر]كتبه واهداه للوزير بن سعدان في
رجل ذمه بمجلسه وسمي الرجل الهلباجة من غير ان يصرح باسمه.
4.كتاب [سر الصناعة في الشعر ].
5.كتاب[الحالي العاطل في صنعة الشعر ].وعرض فيه اصناف البديع كالتجنيس والتطبيق والاستعارة والاشارة والوحي والتشبيه والتبليغ والتصدير والتسهيم والتقسيم والتقريب والترصيع والتوشيح والموازنة والمقابلة والاستطراد والمماثلة والمكافاة والمبالغة والالتفات والمساواة .ويطالعنا في ترجمته لفن القول فهو يختلف عما قاله النقاد الذين سبقوه .
6.كتابه [حلية المحاضرة ]وهو عرض لما سبقه مع الرعاة للايجاز فهو كتاب صالح ومفيد لمن يطالعه.
[يقول الحاتمي ]

[فاذا كان اللفظ فصيحا والمعنى صريحا واللسان بالبيان مطردا والصواب مجديا والالة مسعدة والبديهة مسعفة والالفاظ لائحة غير مفتقرة الى تاءويل والمعاني متعاقبة غير مفتقرة الى دليل والحجج عند الحاجة ماثلة والاسماع قابلة والقلوب نحو الكلام منعطفة والافهام للمخاطب على قدر فهمه واقعا والذهن مجتمعا والبصيرة قادحة والقائل موجزا في موضوع الايجاز مطيلا اذا صحت الاطالة واقفا عند الكفاية وكان اللبس مامونا وشمائل القول حلوة والقدرة على التصرف عاضدة والطبع الذي هو دعامة المنطق شريفا والفصول ملتحمة والفضول محذوفة والفصول مقسومة وموارد الكلام عذبة ومصادره ...خارجه عن الشركة نقية من تكلف الصنعة فتلك هي البلاغة وهنالك النظام شمل الابانة].72
ــــــــــــــــــــــ
72.انظر.عباس احسان .تاريخ النقد الادبي عند العرب ص256ص257 .



[النسبة والتناسب في القصيدة برأي الحاتمي ]
وهي الوحدة العضوية في بناء القصيدة .حيث يقول ;
[فان القصيدة مثلها مثل خلق الانسان في اتصال بعض اعضائه ببعض فمتى انفصل الواحد عن الاخر او باينه في صحة التركيب غادر بالجسم عاهة تتحّيف(1) محاسنه وتعفي معالم جلاله ]73.
فالوحدة العضوية عند الحاتمي تعني معنى التكامل بحالة الاعتدال والانسجام.فكان الحاتمي يؤكد وحدة القصيدة ووحدة موضوعيتها في البناء وخاصة موضوعية الاختلاف في سلم القصيدة ويؤكد كذلك اشتراكها في منهجية الواقع البنائي وبالجانب المحدث الجديد من الشعر فهو الذي يحسن الاتقان في البناء وهي مختلفة ومتعثرة عند المدارس النقدية القديمة فهي تقتصر على التشكيل الخارجي للمواقع في القصيدة.والحاتمي في مجال النقد التطبيقي ينحو المنحى التعميمي دون التعليل وكشف الاسباب او ايراد الامثلة الشافية.وشغله الشاغل في ذلك هو اهتمامه بالسرقة الشعرية وما يتصل بها من اشكاليات.ونحن نقرأ له هذا الراي [وفرقت بين اصناف ذلك فروقا لم اسبق اليها ولا علمت ان احدا من علماء الشعر سبقني في جمعها ]يقصد الابواب التي وضعها الحاتمي في تعداد انواع الاخذ كمايسميها وهي تتعلق بالتناص الشعري.
ــــــــــ
(1)وهي في الاصل : تتحرق ،ووضع الناسخ فوقها لفظة "كذا"
(73) المصدر السابق نفسه ص257.
[عكوس النص ]
ان الزاوية الدلالية للسيميوطيقا التركيبية في تحديد البنيات الدفينة والواضحة من خلال فحص الدلالات المنطقية للبنية التركيبية للخطابات والنصوص الشعرية السردية،وجعل هذه البنيات الجوهرية والمنطقية هي السبب وراء تفكيك النصوص وارجاعها الى عناصرها ومضامينها الاولية.
فالنصوص الشكلية والمضمونية في قوانين السيميو طيقا تمر عبر قنوات الترشيح الضرورية من خلال فرز المولد الدلالي واستقراء الوظائف النصية التي تعمل على توليد الدلالة دون الرجوع الى الحيثيات من الناحيتين الذاتية والموضوعية وكذلك شكلانية النصوص التضادية داخل عناصرها الفنية.فالمعنى البنيوي المبني على النسقية لا يفهم الا من خلال الاختلافات.
وهذا ما اكده [سوسير]في دراساته العديدة وتتلخص;
ان الاختلاف اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية والالسنيةوهذه الفلاتر القائمة على اسس اختلاف النصوص تكشف ضبابية العناصر المختلفة داخل النص سواء البنيوي او الالسني.فالخطابات النصية الالسنية تتمحور حول القنوات التمظهرية لتتحول بعدها الى عملية الترشيح البنيوي والتوزيعي ومن ثم التوليدي والى الجمل اللامتناهية عبر التركيبات القاعدية المتناهية بحسب المكونات النحوية التمظهرية المتداولة ضمن سياق السيميوطيقا التوليدية المختلفة للنصوص.
ان الجانب اللغوي للنصوص البينية القديمة من الجانب التعييني المحدد هو ما يمثل من الظاهر والبارز من مكوناتها، وياتي النص البيني وهو الاسناد للاصل وان النص هو منتهى الاشياء وكلمة استقصيت يعني في هذا المجال ;استيضاح عن شيء وحتى تخرج كل ما عنده وحتى تستخرج راي القوم وتظهره بالاستيضاح للنص اي ما يدل على لفظ الدلالة وما تحمله من احكام.
والنص هو المجال المحدد والمغلق، والمكتفي من حيث الدلالة والمقصد الواحد ينطوي على نقطة ثابتة يوزع كل الروافد وهو الواضح والظاهر والجلي.
وهو الكيان الكامل والدلالة والنصوص البينية تقبل الغموض والابهام والنصوص البينية لا تتعدى معانيها ولا تكثر مدلولاتها او يعقد الدال والمدلول فيها.
النصوص البينية مباشرة تنطلق من نقطة وتصل الى المكان المحدد ووظيفتها هي التواصل ولا تنفصل عن منابع المركز الاساسي لها والارسالي الذي انطلقت منه والالتباس بين زمن الانطلاق للنصوص من منابعها الى مصبها .
لا اجتهاد في النص اي ان الخلاف والاختلاف في ضوء ما تقدم هو الخلاف والاختلاف بين الصوت ورجوع الصدى يكون شاحبا في لحظة الرجوع الى الطرف الثاني ، ولكن الاساس في كل الاحوال ثابت والفعل الاول للنص هي العلة او السبب،وياتي القارئ للنص باعتباره المعلول وكذلك المسؤول في عمليات التعليل والتحليل.
وفي هذه الحالة يغير القارئ بمستوى مفهوم النص في هذه المعاني كل واحد منهم معلول للعلة الاولى وكلاهما معلولان للعلة الاولى، وهو المؤلف او الشاعر وفي هذه الحالة يكون النص منقول مانص عليه وما مقصود منه من قبل القارئ،فالقيمة في هذه الحالة سلبية.
بهذا المنظور الفردي ضل سبيله ستكون القيمة المرجوة بمثل قيمة المراة الصافية التي تنقل دون ان يؤشر لها باية قيمة فيما تنقل ،فسلب القارئ من سلب النص فلا اجتهاد القارئ ولا اجتهاد في النص ولا قدرة على الالهام في الانتاج الفكري او الادبي ومنه الشعري حصرا انه سجين علاقات التنصيص المضمرة والظاهرة.
وان الانجاز في هذه الحالة يبقى هو القدرة على توضيح فعل المعنى المنصوص عليه من خلال دراسة الدلائل السيميولوجية القائمة على الدال والمدلول والدليل السوسيري لدراسة البنيات السيميوطقية الخاصة بنظم الدلالة اللغوية اللسانية وغير اللسانية(74)
ــــــــــــ
74-أنظر :صحيفة نداء المستقبل العراقية (لغة التناص) بقلم علاء هاشم مناف
العدد(3) السنة 1999م.
ما يعنينا من هذه الاحتمالية المشروطة باستخدام باب الانتحال والعرض من الناحية التعريفية هو محاولة شاعر ما اخذ ابياتا لشاعر اخر كما ركب [جرير]المعلول
ان الذين غدوا بلبك غادروا وشلا بعينيك ما يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ماذا لقيت من الهوى ولقينا
وفي سياق باب الانحال ;الحدث في القصيدة يتركب بطريقة معينة عند شاعر اخر وفي هذا الموضوع لناامثلة عند الامدي في حديث ابن سلام او كما فعل حماد الراوية في حديثه عن المطابقة عند خلف الاحمر وعن نحله الشعر ليتابط شرا والشنفري واخرين او في تفسيره لباب الاغارة في اخذ الابيات من شاعر اخر باينت مذاهبه في امثالها من شعر فيقوم باستنزال قائلها وهنا يعطينا الحاتمي مثالا لما فعله [الفرزدق]مع[ذي الرمة ]حين سمعه ينشد ;
احين اغارت بني تميم نساءها وجردت تجريد الحسام من الغمد
اضافة الى باب المعاني العقم ;وهي الابكار المبتدعة.ومن امثالها قول امرؤ القيس:
اذا ما استحمت كان فضل حميمها على متنتيها كالجمان على الحالي
وفي معنى المواردة في التقاء شاعرين يلتقيان في اطار المعنى ثم يتواردان في تفاصيل اللفظ في حين ان الشاعران لم يلتقيا ابدا وهذه الاشارة القصدية التي تعتمد على فواصل الشقوق الزمنية ومسلمة اللغة وانثروبولوجية التوزيع اللغوي وتخارجاته فيما وراء اللغة وكذلك المرافدة وما تعنيه من تنازل شاعر ما عن بعض نصوصه الشعرية يرقد ويشكل بها شاعر اخر حتى يغلب خصم له في الهجاء.
وياتي الاجتلاب او الاستلحاق في التصرف في النص الشعري وهو يعود الى شاعر اخر عن طريق التمثيل لا الامتلاك للنص او سرقته.وياتي الاصطراف وهو باب في ان يصرف الشاعر ابياتا الى احدى نصوصه الشعرية تعود الى تشكيلة شاعر اخر وذلك لجودة هذه الابيات في تلك القصيدة وياتي الاهتدام على وزن افتعال من الهدم هو عملية التغيير في البيت الماخوذ ويقوم بالتغيير الجزئي كقول الشاعر ;
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض ليلى بكل سبيل
وقول جميل بثينة :
اريد لانسى ذكرها فكانما تعرض لي ليلى على كل مرقب
وباب الاشتراك في اللفظ لشاعرين في شطر بيت ثم يختلفا في الثاني مثال على ذلك
دخيل قد دلف لها بخيل عليها الاسد تهتصر اهتصارا
ثم يقول اخر :
دخيل قد دلفت لها بخيل ترى فرسانها مثل الاسود
وياتي باب تكافؤ المتبع والمبتدع في الاحسان .مثال ذلك قول امرؤ القيس:
فلو انها نفس تموت احتسبتها ولكنها نفس تساقط انفسا
وقول عبدة بن الطيب :
وما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وفي باب تقصير المتبع عن احسان المبتدع.مثال على ذلك قول امرؤ القيس
كان قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
ثم اخذه ابو صخر الهذلي فقصر عنه حين قال:
كان قلوب الطير عند رمائها نوى القسب باق عند بعض المشارب
وياتي باب نقل المعنى الى صياغات مختلفة في اللفظ والمعنى وتقديم التورية عن الاتباع والاقتفاء والتطويع في النقل للمعنى ;هو ايقاظ ما كان راقدا.
وياتي التكافؤ للسابق والسارق في عملية الاساءة والتقصير مثل قول الفرزدق
فيا ليتنا كنا بعيدين لا نرى على منهل الا نشل ونقذف
ثم حوله كثير عزه فجاء به كذلك:
الا ليتنا يا عز كنا لذي غنى بعيدين نرعى في الفلاة ونغرب
وفي باب اخفاء السرقة قال اوس بن حجر:
الم تكسف الشمس والبدر والكواكب للقمر الواجب
ثم انظر الى هذا المعنى واخفاه كل اخفاء النابغة الذبياني فقال :
يقولون حصن ثم تابى نفوسهم وكيف بحصن والجبال جنوح
وفي باب كشف المعنى بازدياد.مثال قول امرؤ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة غداة نمير الماء غير المحلل
بعدها اخذه ذو الرمة فقال :
كحلاء في برج صفراء في نعج كانها فضة قد مسها ذهب
وياتي باب الالتقاط وترقيع الالفاظ وفق عملية تلفيقية تتكون من ابيات وحصرها في بيت واحد مثال قول ابن هرمة :
كانك لم تسر بجنوب خلص ولم تلملم على الطلل المحيل
التقطه من بيتين احدهما لجرير :
كانك لم تسر ببلاد نعم ولم تنظر بناظرة الخميل
والبيت الثاني للكميت :
الم تلملم على الطلل المحيل يعيد وما بكاؤك بالطلول
وياتي نظم المنثور وهو تمرير المعنى من النص المنثورالى النص المتركب شعريا.قال مؤبن الاسكندر ;حركنا سكونه.فقال ابو العتاهية ;قد لعمري حكيت لي غصص الموت وحركت كل من سكنا ويشير في هذا الدكتور احسان عباس الى المصدر في75.




ــــــــــــــــ

75.انظر حلية المحاضرة.الورقة80....99مخطوطة رقم2334.
75.انظر الدكتور احسان عباس تاريخ النقد الادبي عند العرب ص258ص259ص260.


الرد على رسالة الموضحة للحاتمي او الحاتمية
هذه البنود التي وضعها الحاتمي ليكوّن رائياً في عملية التخارج في خواص التناص وما يشكله من دلالة[للسيميوطيقا التركيبية]وفي تحديد الخواص الدفينة للبنية التركيبية للخطابات الشعرية والمتعلقة بالسرد.هذه البنيات المنطقية هي التي ادت الى تفكيك النص الشعري حصرا وارجاعه الى عناصره الاولية.
ان هذه المواضيع تمر عبر قنوات من الترشيح الجدلي التاريخي وما شكلته الامثلة اعلاه من منظومة تاريخية وان ما يتعلق بالسرقة فهي واضحة من ناحية تفسير هذه الابواب ولكن الحاتمي وضع هذه البنود باعتبارها لائحة اتهام لمن اراد السطو على نصوص غيره ولكن الحاتمي اخفق في ذلك لان ما تناوله من بنود في هذه اللائحة لا يشكل اتهام من [الناحية القانونية] لان النص الشعري لا يمكن اعادته في قوانين[السيميوطيقا]الا عبر فرز المولد الدلالي واستقراء المعنى الوظيفي للنص والذي يعمل بدوره على [توليد الدلالة].وعلى العموم فان الرجوع الى الحيثيات الاولية لشكلانية النصوص التضادية يطالعنا المعنى البنائي للنص وفق [فقه نسقي]يفهم من خلاله تفاصيل الاختلاف وهذا واضح عند [سوسير]في دراساته الكثيرة والتي تؤكد بان العملية الاختلافية هي اهم القنوات البينية للدراسات البنيوية لانها اصلا قائمة على اساس [العمليات الاختلافية].والنصوص الاصلية تكشف هذا الاغراق في لائحة [الحاتمي ]الاتهامية اضافة الى انها تكشف تلك الضبابية الطارئة داخل هذه القنوات التمظهرية .فالتوزيع يتم بالصياغات الجديدة التي يسميها الحاتمي سرقات وهي مكونات نحوية تمظهرية تداولية ضمن اطار معلم [السيميوطيقا التوليدية]للنصوص الاختلافية هذا الجانب التعييني في اللائحة الذي يمثله الظاهر والباطن للنص الشعري فهو المكون الجديد.
وهو ليس بالضرورة يكون المسند الاصلي وان النص الشعري كما هو معروف هو منتهى الاشياء والاستقصاء يعني الاستيضاح في المعادلة الشعرية وما يدل على اللفظ للدلالة وما تحمله من احكام قطعية لا احكام الحاتمي ولائحته الاتهامية والجدل الاعمق في [الرسالة الموضحة للحاتمي]تعبر عن عمق في احكام القواعد النظرية للنقد وهي الرسالة التي يمكنها ان تقوم باعادة الصياغة الجدلية للمعنى[عند ابي الطيب المتنبي]وتاثره [بارسطو]فهذا باب تطبيقي في اطار المنطق الفلسفي [للمتنبي]يقوم بتوضيحه الحاتمي في [جبهة الادب ]او[الحاتمية]وهي الرسالة التي صنفت في نقد شعر ابي الطيب المتنبي .
وكانت مداخلات هذه الرسالة وهي وليدة الصدفة في لقاء حدث بين [الحاتمي والمتنبي]تعمده الحاتمي اثر عودة المتنبي من مصر الى العراق ويعترف الحاتمي وهو دون الثلاثين من عمره بان [المهلبي]هو الذي حرضه على مهاجمة المتنبي.

[[نص اعتراف الحاتمي بالتحريض ]]

[سامني هتك حريمه وتمزيق اديمه ووكلني بتتبع عواره وتصفح اشعاره واحواجه الى مفارقة العراق]76*.ويذكر ان الرسالة التي كتبها الحاتمي لم تكن رسالة نقدية بقدر ما كانت رسالة تبغي غاية هي [استهداف شخصية المتنبي]ولم تكن محررة نقديا انما اراد بها الحاتمي ارضاء [الوزير المهلبي]اولا وتاسيسا للتحليل القصدي البسيط الذي جاء في الرسالة الحاتمية فالرسالة وضحت امور دقيقة جدا منها الامور المتعلقة [بالشق الذاتي]والتي اشملت :
1.الغرور والطيش الشبابي وابراز شعور الانا والشعور البعيد كل البعد عن المعرفة.
2.والمكرور في الرسالة والمحجوم فيها ينم عن عدم معرفة في مداخلات الوعي النقدي حتى في تلك الفترة لكن اخذت الرسالة الاستمرارية الذاتية في عملية التشبث في خلق الخصائص والمواضيع المصطنعة مثل باب الاشتراك في اللفظ وباب احسان
ــــــــــــــــ
76*.المصدر السابق نفسه ص263.
الامد وكان العملية الشعرية مصنوعة صناعة ولم يطلعنا الحاتمي عن خصائص تؤسس في المواضيع المدركة والمعروفة .
هذه المتعلقات التي وضحها الحاتمي متعلقات منفصلة عن اللحظة التي يجب ان تمثل قصديا .ومن المعروف فان المتعلقات القصدية جاءت دون الارادة الحرة اضافة فان من المعروف ان الموضوع المدرك هو الذي يعطينا مركز هذه الدلالة داخل هذه العملية الذاتية الصرفة .
اما فيما يتعلق بالشق الموضوعي
1.ارضاء الوزير [المهلبي ].ويعترف الحاتمي بهذه التخارجات وهو ما يعيب هذا السلوك في لحظة الوعي النقدي وموقفه من هذا الاعتقاد وما تمخض من مميزات حسية تتعلق بشخصية الحاتمي المهزومة ازاء الطمع والجشع والتقرب الى السلطان .
لان الحاتمي اعتمد الطريقة الانفعالية ويظهرها بطريقة محجوبة ومكرورة وهذا واضح في بنود اللائحة.والجولة الاولى ارضت المهلبي .لكن المفارقة جاءت في المناقشة التي امتدت في جلسة واحدة من [راد الضحى ....حتى نفضت الشمس صبغها وطغت على الظلام بطغلها ]وهذه هي خواص مركزية المناقشة التي وضحها ياقوت الحموي والتي وسمها باسم [جبهة الادب]
ومن هذه المناقشة في اول لقاء بعدها عاد الى بيته وضاع تلك الرسالة التي تسمى جبهة الادب وفي هذه الحالة كون العملية التبادلية سيكولوجيا بينه وبين الوزير المهلبي ولان المعرفة النقدية التبادلية شعوريا واضحة وجلية بين [الحاتمي والوزير المهلبي]وهذا هو سر التقسيم الجوهري للقطيعة بين الذات والموضوع .لان الموضوع قد انقسم الى [الانا]فالمعرفة التي ينشدها الحاتمي شكلت ذاتا عقيمة والموضوع لدى [الوزير المهلبي ]يفهم بالمباينة وكشفا للعلاقة المزيفة التي تصب في شراكات غير متناسبة ومن المفارقة الشعورية ما يدعيه الحاتمي بانه نازع [ابي الطيب ]في مجالس اخرى .ثم يدعي انه وقف بالمطالعة على مواضع من اجتلاباته وسرقاته وهذا مظهر على ما اعتقد يظهر ويكشف عن [انا]طافحة وجلية تتعدى الموضوعية وهذا يتضح سلوكيا بالميول والتوترات والدوافع.وهذه هي حدود علاقته بالمتنبي.اضافة الى ان الحاتمي يدعي انه الف رسالة وقدمها الى الوزير [ابي الفرج محمد بن العباس الشيرازي] ووسمها [بالموضحه]والغريب في الامر ان الموضحه كتبت بشكلها الكامل بعد وفاة المتنبي لماذا لان الحاتمي اراد ان يضع ما ليس بحقيقة ويضيف ما يعتقده ارضاء للوزير المهلبي وتشفيا بابي الطيب المتنبي وهذا هو المحجوب في اظهار الشعور الموجه نحو المتنبي بقصدية تامة وعنيدة
ووعد الحاتمي بتاليف رسالة يتابع بها نتاج المتنبي الشعري .وما يحتويه من سقوط في اللفظ والسرقات وما يحويه من اغراض تتعلق بمنهجه الشعري ولم تصلنا هذه الرسالة .
الان نعود الى ميزة الكشف التي يطالعنا بها [ابن جني ]عن المتنبي حيث تتوقف عند هذا الكشف واندفاعات [بن جني ]ودفاعه عن المتنبي ومقاومته السيكولوجية من الاعماق للدفاع عنه .
لقد اشتد تاريخ الخصومة للمتنبي في تحليل خطابه الشعري وكان الدافع في ذلك هو الحسد والحقد ضد الابداع وكانوا دائما يحاولون احداث شرخ في القضايا التي يرون فيها من مسوغ للموقف والمغالاة في استخدام المتنافرات في المعاني او المفاهيم التي يرونها تتناسب وصفة الكتابة المغالية ضده اما انصاره فكانوا يلذون بالهذيان الشفوي.ولا نجد لهم اي اثر مكتوب خاصة في [القرن الرابع]الذي شهد اعنف المعارك بين المتنبي وخصومه وكان انصار المتنبي وقد انصب اهتمامهم على المطارحات الشفوية في احاديث المجالس والحلقات الدراسية.في حين اتجه خصومه الى التدوين وقاعدة الكشف باختلافية واهتمام لما سوف يحدث من متغيرات على الساحة الشعرية والعودة الى ماضي المجادلات والتعديلات بينما انصاره كانوا يرون بالمتنبي شاعرا كبيرا .
نعم تاثر بقبله من الشعراء لكنه لم ياخذ معنى من احد .كان شاعرا مبدعا .ويقولون :
فاذا سلمنا بانه تاثر فانه من باب تقدم الاداء ونقول نحن من باب التناص في بناء النصوص الشعرية حيث نسمع بهذا الفريق الذي انتصر للمتنبي ولكن لم نسمع له صوتا ولا كتابا والذي يعنينا في هذا الموضوع هو :الرؤية الجدلية والعمق والاصالة واحكام نظرية اللغة في نصوص المتنبي الشعرية باعتبارها خطابا يمكن ان يقدم اعادة دقيقة للصياغات الواقعية للمعاني.فاللغة تتاكد بالعمق وبالمعنى وان المعرفة الشعرية هي العلامة التي تكتسب توجهها في استعمالها للخطاب الشعري .
وكانت جهود [ابو الفتح عثمان بن جني ]فقد كان له رئياً بالذين يحملون على ابي الطيب وذلك بسبب لغة الاصالة في الخطاب الشعري ما يؤكده من معنى وادراكا لسيمياء الخطاب الشعري وللعلامة باعتبارها منهج اختلافي بين حقيقة [الدال والمدلول]والدلالة ولكنها احالة الى شيء ما تمثله .وان حقيقة النظرية:هو المنطق الذي يربط التكوين الداخلي او المحايث التطبيقي للغة بالقصد المتعالي عند ابي الطيب وهو الذي يدرك معانيه وقد شرح ديوانه فيما ينيف على الف ورقة 1.وقام باستخراج المعاني ووضعها في كتاب [اي دليل]حتى [يقرب تناولها.ثم قام بكتابة كتابا ثالثا في النقض على ابن وكيع في شعر المتنبي وتخطأته]
وكان ابن جني صديقا مخلصا لابي الطيب ومعجبا بشعره وكان ابن جني يساير اهل الابستمة فيما يقولونه او يرويه هو عن ابي الطيب حتى قال كلامه المشهود في خصوم ابي الطيب [وما لهذا الرجل الفاضل من عيب عند هؤلاء السقطة الجهال وذوي النذالة والسفّال الا انه متاخر محدث وهل هذا لو عقلوا الا فضيلة ومنبهةعليه لانه جاد في زمان يعقم الخواطر ويصدئ الاذهان.فلم يزل فيه وحده بلا مضاه يساميه ولا نظيرا يعاليه.فكان كالقارح الجواد يتمطر في المهامة الشداد لا يواضح




نفسه الا نفسه ولا يتوجس الا جرسه].77*
وهذه السعة من الابستمة عند ابن [جني ]وهذا الاستدلال الكلي عن اشكالية الاحالة في شعر المتنبي من حيث هي استدلال عند المتلقي بالبنية الخطابية.
والمتنبي يشير الى هذا التعالق ويصفه بالمر المرهون بالجانب [الاقناعي]ما دام الخطاب الشعري هو الفعل الذي يشير الى هذا الموضوع الخفي الذي تصوره [ابن جني ]يوما او صوره [ابن جني ]يوما بانه تعسف وخروج عن الطور اللفظي في الصناعة النحوية.لانه حمل المفردة الشاذة والنادرة اضافة الى العمق لفعل المعنى وهي اشارة الى المنعطف الفكري عند المتنبي لان المتنبي يقوم باختراع المعاني بحثا عن المضامين والتحليلات في نظرية التأويل ولذلك جاءت معانيه صيغة استوفت قرارها القصدي.فالمتنبي كان يعي هذا المعترك لان دخوله بقصد الوعي لا الغفلة وابن جني هو الاقدر على الوصول الى عمق هذا المنحى لمعرفته بعمق النحو واللغة عند المتنبي من خلال ملازمته له ومناقشته له وقراءته لشعره يقول ابن جني في توضيح هذا الموضوع :


ــــــــــــــــــــ
1.ورد اسم هذا الشرح في المصادر على صور مختلفة فهو [الصبر] في انباء الرواة ص2ص337ومطبوعة ابن خلكان ص2ص411بعناية الشيخ [محي الدين عبد الحميد ]ويقول الدكتور احسان عباس وقد رجعت الى بعض النسخ الخطية من الوفيات فاذا الاسم في نسخة[ كوبر للي ]رقم 1192وهو [الفسر]وفي الظاهرية رقم 5418ومطبوعة ستسفيلد هو[الفسر ]ولم يعين الاسم في مخطوطة احمد الثالث رقم 2919او في الاجازة التي كتبها ابن جني ونقلها [ياقوت الحموي ][12...110]حيث قال[وكتابي في تفسير ديوان المتنبي الكبير وهو الف ورقة ونيف].
77*.انظر.د.عباس احسان تاريخ النقد الادبي عند العرب ص278.
[لاننا لم نكن نتجاوز شيئا من شعره وفيه نظر الا ويطول القول فيه جدا حتى ينقطع فيه الريب ولقد كان يستدعي تنكيتي عليه ويبعثني على البحث لما كان ينتج بيننا ولما كنت اورده عليه مما لم يكن عنده ان مثله يسال عنه لينظر فيه ويتامله قبل ان يضطر الى الجواب عنه في وقت ضيق او محفل كبير فلا يكون قدم الرؤية والنظر فيه فيلحقه خجل وانقطاع لكثرة خصومه وتوفر حساده ].78.*
واستطاع ابن جني ان يباشر في بناء الاسس النقدية في شرح ابيات المتنبي لخلق منطق تطبيقي يتواصل مع النص الشعري عند ابي الطيب المتنبي شارحا الغموض في المعنى الذي يكتنف البيت وشرحه للشواهد التي تقرب وجهة نظر ابي الطيب في شعره وطريقة الاقدمين في خواص التعبير والاستشهاد بشعر المحدثين واتخاذ المنهج العلمي تحليليا بنائيا في خواص التحليل الشعري وكانت شروح بن جني لشعر المتنبي طبقا للعنصرين [الدلالي والجمالي ]وكانت شروحه وثيقة الصلة بالحوار الذي كان يجري بينه وبين المتنبي وما ترتب عن ذلك من تشابك واخذ ورد وتوصيل في توصيل اللذة الشعرية التي هي محصلة من التقاء هذه الابنية الجمالية المختلفة وحبكة اللغة وتفاصيل المعنى.
فهنالك لذة في الشكل ولذة في المعنى وتكيف لدقة العمليات الايقاعية والكفاءة في تفاصيل التلقي لتلك الابنية الموسيقية التي تكمن تحت كل نص شعري ويمكن التقاط هذه الابنية مستقلة ومنعزلة عن عناصرها.وكان اسلوب المناقشة في الاخذ والرد حول بعض الحوارات مثال على ذلك:يقول ابن جني [سالته يوما عن قوله :
وقد عادت الاجفان قرحا من البكا وعاد بهارا في الخدود الشقائق
فقلت له :اقرحا منون جمع قرحه ام قرحى .ممال .فقال :قرحا منون ،ثم قال :الا ترى بعده وعاد بهارا في الخدود الشقائق .يقول :فكانما بهارا جمع بهاره وانما بينهما الهاء فكذلك قرحا جمع قرحة.ثم يقول ابن جني ويعلق على ذلك قائلا :فليت شعري
ـــــــــــــ
*78.المصدر السابق نفسه ص279
هل يصدر هذا عن فكر مدخول او رؤية مشتركة ].79.*
وفي الهامش نقراء الشرح ج2الورقة 21...22نسخة [قونية]ومن الغريب نسمع ابا الحسن الطرائفي يقول [كان ابو الفتح عثمان بن جني في حلب يحضر عند المتنبي الكثير ويناظره في شيء من النحو من ان يقرأ عليه ديوان شعره اكبارا لنفسه عن ذلك ]ياقوت الحموي ج12ص101ص102مع ان ابن جني يصرح في غير موطن بقوله [سالت المتنبي وقت القراءة].

[مايتعلق بالامور اللغوية ]
ما يتعلق بالابنية اللغوية.هناك القصيدة التي يشيع فيها الايحاء والخصائص فيما يتعلق تطابقيا في المجال الدلالي لكل حلقة رمزية تظهر في البنية الاساسية لقصيدة المتنبي.فالقصيدة عند المتنبي لا يمكن ان تغور وتستنفد الابعاد المتعلقة بالظاهرة الشعرية.فالهيكل اللغوي للقصيدة له من الاسس وشبكات التوصيل في الجمال والبناء والتوصيل الفكري والتحليل اللغوي يعد المهمة التحليلية عند [جاكوبسون]باعتباره مؤسس المنظومة البنائية اللغوية الحديثة.
فالحدث اللغوي عنده يخفي رسالة تتضمن اربعة عناصر مرتبطة بعضها مع البعض الاخر باصرة جدلية وهي:
1.المرسل +المتلقي .
2.محتوى الرسالة .
3.الكود او الشفرة .
ــــــــــــــــــ
79*.المصدر السابق نفسه ص280ويطالعنا الدكتور احسان عباس عن مصدره الشرح الورقة الاولى نسخة قونية وكذلك ج2: 149والورقة الثانية [نسخة دار الكتب ].


هذه العناصر متنوعة ومتغيرة وقد تعمل بعض العناصر بشكل استقلالية عن العناصر الاخرى ونجد بعض العناصر متماسكة لا تنفصل ولا تتكدس بل تنتظم في تفاصيل ومراتب مما يجعلنا ان نتعرف على عملها الاساس ووظيفتها الثانوية ويتقدم الشعر في هذا الموضوع التشكيل اللغوي من الوجهه الوظيفية الاساسية وهي الغالبة لانها الموضوع الرئيسي في تحليل الرسالة وتفاصيلها الذاتية.هذه العملية لا تقتصر على الشعر فقط ولكننا الان في مجال التحليل اللغوي للقصيدة عند المتنبي .
ومن هذه الوقفة اللغوية عن قول المتنبي [ومصبوحة لبن الشائل ]فقد قال [سالت ابا الطيب وقت القراءة عليه فقلت له ان الشائل لا لبن لها ،وانما التي لها بقية من لبنها هي التي يقال لها الشائلة، فقال :اردت الهاء وحذفتها ].80*
ثم يعتذر ابن جني بان مثل هذا جائز للشاعر ويستشهد بكثير عزة [واخلت بخيمات العذيب ظلالها ]اراد[العذيبه]فحذف الهاء .
فاللغة بهيكلها العام تفصيل جدلي تاريخي لعوامل تدخل في تركيبات القول والوعي -والمعنى-والخواص الداخلية والخارجية في اطار عملية التواصل الموضوعي لغويا، فالمرسل مرتبط بالمرسل اليه والسياق يمتزج باطاره والشفرة هي الحل للاشكالات ومن خلال التحليلات الاشكالية يتبين عمق الضرورة والتوصيل الفكريين والتبصير والبصيرة في عملية القراءة للنصوص والاشارة الى الدور الذي تلعبه اللغة في الربط السيكولوجي بين الطرفين المختلفين في المعنى ولكن تسعهما [بوتقة اللغة ].
وان العوامل التي تربط هذه الخواص المشتركة حيث تدخل في الايصال ليظهر الكود فعاليته للغة رغم التميز الظاهر بهذا الاختلاف وقد نجد شفرة لغوية لا تحقق سوى جانبا واحدا من جوانب عديدة وقد يظهر جانبا واحدا من هذه العملية ، مثل
ـــــــــــــــــــ
80*.المصدر السابق نفسه ص280ص281

السياق او وظيفة الاشارة وقد يتميز هذا الايقاع في لغة الايحاء او لغة الابستمة في المناهج العلمية.
والمتنبي شغل المنحى اللغوي بجانبه الفني ولذلك كانت مشاكل البنية اللغوية هي المهيمنة على النصوص الشعرية.وهي نفس الطريقة التي تشغل الفن التشكيلي في تحليل بنية الشكل للوحة وموضوعها.واذا كان علم اللغة يشمل جميع المفاصل للابنية اللغوية فان الشعر حصرا يعتبر جزءا مهما من هذا المعلم التاريخي للغة وجزءا مهما بالنسبة الى النظرية الرمزية العامة للغة [او السيميولوجية وهي دراسة العلامات والرموز ودلالتها وعلاقتها بموضوعية الرموز الطبيعية والانسانية]وكان [سوسير]هو مؤسس هذه المدرسة حيث حدد موضوعاتها بكل العلامات واعتبار اللغة هي محور العلامات الدالة.فاللغة عند [سوسير]تعتبر جزءاً رئيسيا من علم السيميولوجيا.81*
وهكذا فقد انعكست العلاقة فاخذوا يقدمون فضل اللغة على الدلالة السيميولوجية ومن المتحقق بان كل منطق الاشياء الحياتية يخضع الى ادلة متداخلة وربما تكون ذات استقلالية نسبية وان الانظمة السيميولوجية هي تشكيل من اصرة لغوية فكل فعاليات الحياة الاجتماعية والسياسية والفنية تقتضي منهجا لغويا وهذا ينعكس على السينما والفن التشكيلي والمأكل والملبس كل هذه الاشياء تمر عبر قناة اللغة.ثم يتم تشخيصها بدالتها العلمية والفنية .نريد ان نخلص الى نتيجة بان كل مرفق من مرافق وفعاليات هذه الحياة لابد ان يرتبط ويتخارج منطقي باصرة اللغة.والمعلم الدلالي جزء من المعلم اللغوي .هذا الموضوع يوصلنا الى [الكود ]المطبق في المنظومة الشعرية عند المتنبي ، وان حلقة الازدواج في تلابس اللغة [السيميولوجية]كانت ذات قصد من خلال القراءة للنص الشعري
وما طربي لما رايتك بدعة
لقد كنت ارجو ان اراك فاطرب
ـــــــــــــــــــ
81*انظر د.فضل صلاح.نظرية البنائية في النقد الادبي دار الشؤون الثقافية ص446ص447.
ووفق هذه المباشرة ، فان اللغة عند المتنبي هي وسيط كبير دقيق الدلالة وان المنطق السيميولوجي يعمل بشكل خفي في ظل حقيقة لغوية وهي تتسامى في مكوناتها لانها تمتص الهيكل العادي للغة وتتجاوزهما ثم تاتي بمكون ثانية .
وابن جني عندما عرف ان المتنبي كان يرمي ما وراء هذا المدح من معنى ، وعليه تحقق من هذا الاستنتاج ثم يقول [وهذا مذهبه في اكثر شعره لانه يطوي المديح على الهجاء حذقا منه بصنعة الشعر وتداهيا في القول ]ثم تنبه ابن جني الى ظاهرة التواصل السيكولوجي في الاهمية التي يقتضيها هذا الدرس في شعر المتنبي .وهو نمط اخر داخل المنظومة اللغوية مع الاختلاف في الدرجات .[فالسيميولوجيا]وضعت الاسس للابنية السيكولوجية على مستوى النص الحالي ميدانيا وهي الحلقة المركزية التي تحيط بالنص من الناحية اللغوية .فالنص كان قد اقتصر على التواصل اللغوي في حين امتد التواصل [الانثروبولوجي]الاجتماعي داخل النص في قول: يعلمن حين تحيا حسن مبسمها
وليس يعلم الا الله بالشنب
وقد يلقبه المجنون حاسده
اذا اختلطن وبعض العقل عقال
هكذا يتم تصنيف الابنية النصية عند المتنبي [سيميولوجيا]وتتمحور هذه العلاقة القائمة بين [الدال والمدلول]معيارا لخواص النص .82*وهي اشارة الى حقيقة الرموز التي تبناها [جاكوبسن]في الدراسات الحديثة
فهو يحدد ثلاثة محاور . محور الاشارات
محور الايقونات
محور الرموز
ــــــــــــــ
82-انظر:عباس احسان :تاريخ النقد الادبي عند العرب ص281 ص282 .
في هذه المحاور يعتمد تقسيم العملية الاختلافية بين هذه المحاور.فالعلاقة التجاورية عند المتنبي تتسم بالعلاقة بين [الدين والشعر]مع التفاوت في الدرجة السيكولوجية .فابن جني ينفي في قراراته النقدية بان الاراء والاعتقادات في الدين لا تقدح في جودة الشعر اي ان لا تناقض بحسب الاختلاف في الامور السيكولوجية وهنا ياتي المنطق الحسي الذي يربط بين [الدال والمدلول ]وهو يرتكز الى التجاوز الابستمي كما في قول المتنبي :
ان كنت ظاعنة فان مدامعي
تكفي مزادكم وتروي العيسا
هذا الانموذج الذي يشير الى العلاقة [الايقونية]بين [الدال والمدلول]في الاشتراك النوعي .وهنا ياتي احساس المتلقي في ذلك المشهد [السيميولوجي]وقوله :
ولا سقيت الثرى والمزن مخلفة
دمعا ينشفه من لوعة النفس
وهنا ياتي تنوع الدلالة بالمبالغة والاختلاف في التصوير التقليدي للحدث الشعري وفي طبيعة اللغة التي يستخدمها المتنبي في المديح بسبب ورود الفاظ من المتصوفة ويقول :وقد افتن في الفاظه كما افتن في معانيه.
ففي المرجعيات الاختلافية انواع كثيرة لهذه العلاقات التبادلية القائمة على [الدال والمدلول]والذي حققه ابن جني في هذا الموضوع هو استطاع ان يقرب ويحبب شعر ابي الطيب الى استاذه [ابي علي الفارسي ]لما له من مكانة مبرزة في نفسه .قال [ولقد ذكرت شيخنا ابا علي الحسن بن احمد الفارسي بمدينة السلام ليلا وقد اخلينا فاخذ يقرظه ، ويفضله ، فانشدته من حفظي :واحر قلباه ...فجعل يستحسنها فلما وصلت الى قوله:
وشر ما قنصته راحتي قنص
شهب البزاة سواء فيه والرخم
لم يزل يستعيده مني الى ان حفظه وقال :ما رايت رجلا في معناه مثله.فلو لم يكن له من الفضيلة الا قول ابي علي هذا فيه لكفاه لان ابا علي مع جلالة قدره في العلم ونباهة محله واقتدائه سنة ذوي الفضل من قبله لم يكن ليطلق هذا القول عليه الا وهو مستحق له عنده.فماذا يتعلق به من غض اهل النقص من فضله وهذا حاله في نظر فرد الزمان في علمه والمجتمع على اصالة حكمه]فالذي تحقق في هذا المحور التبادلي يتخلله [كود]ومحور للاشارات ومحور اخر [للايقونات ]والرموز وتدريجيا ينتقل الحدث الشعري بالتدريج من الضرورات القياسية المتعلقة بركب القدماء فيقول له [نعم لان هذا شعر كما ان ذلك شعر وكما يجوز ان يؤتي في النثر بما اتو به فكذلك يجوز في النظم ايضا]وفي هذا الموضوع هناك علامات اختلافية بين [الايقونات الرمزية -والرموز الايقونية]وهي محاولات ومحاورات للوصول الى الرمز اللغوي من خلال النص الشعري على اساس الوظيفة الايقونية والدور الذي تلعبه البنية السيميولوجية وهي تخضع للعديد من الاختلافات في [الكود ]وتكتسب اللغة السيميولوجية اهمية كبيرة من خلال العناصر [الايقونية]والرمزية من هنا فالانموذج هو [ابن جني]في متن الشروح والدراسات التي ظهرت حول [ابي الطيب ]تخللها وبرز فيها .الجانب الاعتذاري عن المتنبي من قبل ابن جني وهذا نابع من حبه وتقديره له ولذلك كثرت الردود على هذه الشروح التفسيرية حيث اصبحت هذه الشروح هي قراءة جديدة لشعر المتنبي من عدة مناهج اختلافية تتبنى على التشكيلات والتقسيمات السيميولوجية وعلاقتها التي تتضمن الاشارة وفق ارصدة لغوية والثانية وفق رابطة اشارية كغيرها من الاشارات التي سبقتها في التكوين الموضوعي للنص والعلاقة التي جمعت هذه التكوينات الاختلافية في معجم المتنبي [السيميولوجي]هي علاقات الرموز والكسب الاحتياطي لكل اشارة وفق ذاكرة منظمة تظم تشكيلات اختلافية في مناهج المعنى لكنها تؤشر الاستبدال في العلاقة الاشارية وفي السياقات المتجاورة اعني النص الشعري عند المتنبي بالعلاقة البنائية والتميز في المعنى وتركيبته المتعلقة

بالسيميولوجية ووعي المستويات الثلاثة من : محور الاشارات
محور الايقونات
محور الرموز
وقد تجاوز ابي الطيب المتنبي مرحلة الباطن الشعري او اللغز النصي الى الجذور والامتداد والانعتاق في المشابهة الرمزية ووعي الرموزالسيكولوجية بعقيدة وقوة اسطورية كبيرة تؤكد ثراء النص الشعري عند المتنبي .وعندما يترجم هذا الوعي الاسطوري -والرمزي والذي هو نتيجة جدلية للنظرة التحليلية والتي تعنى بالعلاقات الاختلافية في الاشارات باعتبارها تخارجات واشارات تسير وفق لحظة الضمير الرمزي الاختلافي والذي يعنى بمفهوم اللحظة المتكونة بالمنظومة الايديولوجية والوعي القياسي الذي يحدد المعنى وبطريقة تركيبية في علاقة جدلية متركبة ومتعددة الابعاد والايقونات الاشارية83
فحب الجبان النفس اورده التقى وحب الشجاع النفس اورده الحربا
ويختلف الرزقان والفعل واحد الى ان ترى احسان هذا ولذا ذنبا

ـــــــــــــــــــ
83*انظر:barthes,[ensays criticos] trad.baree iona 1970,p.252.
فالعلاقة بين العلامة السيميولوجية وفكرة النظم بتصور يربط هذه الاشارات المتلاحقة والمتداخلة سيكولوجيا بوضوح رمزي يحدد قيمة هذه العلاقة وباختيار سيميولوجي باطني يؤكد العمق الدلالي في لغة [المنهجية البنائية]التي تستند الى تصورات تتعلق بالاشياء والملاحظات وهذا يتكون ويتوفر بالحالة الانبثاقية وحركية الاتصال بموضوع المشاكلة في النصين اعلاه وهو موضوع يتعلق بالنسيج الشعري عند المتنبي وما يترتب عليه من اختيارات تتصل بتلك الحلقة الاشارية التي تشخصها السيميولوجيا وتشير الى الدلالة في عمق الاشياء واتصالها بدلالتها السيميولوجية.فالرجلان يقومان بالفعل الواحد وقول احمد بن علي الازدي المهلبي بقوله:واقول:انه لم يفهم معنى البيتين ولا ترتيب الاخر منهما على الاول.ومعنى البيت الاول [ان الجبان يحب نفسه فيحجم طلباللبقاء والشجاع يحب نفسه فيقدم طلبا للثناء.والبيت الثاني:مفسرا للاول يقول:فالجبان يرزق بحبه نفسه الذم-لا حجامه.والشجاع يرزق بحبه نفسه المدح لا قدامه فكلاهما محسن الى نفسه بحبه لها فاتفقا في الفعل الذي هو حب النفس واختلفا في الرزقين اللذين هما الذم -والمدح حتى ان الشجاع لو احسن الى نفسه يترك الاقدام كفعل الجبان لعد ذلك له ذنبا.فهذا هو المعنى وهذا في غاية الاحكام بل في غاية الاعجاز لا لما فسره ]وهذا يعني ان ابن

جني لم يدرك ما خصه ابي الطيب المتنبي في هذين البيتين من معنى 84*
ان التوصل الى بنية هذين البيتين لابد من تحديد اختيارات مشروطة بالنظم التي تخضع للسياقات في البحث السيميولوجي وتحديد وظيفة النظم الدالة والاختلافية في اللغة طبقا للمنهجية البنائية المتمثلة بالتصور الخاص بالاشياء والملاحظات المتوفرة لهذا الانبثاق والاتصال بالوعي الشعري ومقوماته ووجهات النظر في المنظومة المحورية التي حددتها السيميولوجية البنائية التي تناولها [ابي الطيب المتنبي ]في شعره والعنصر السياقي في التفسير الذي توصل اليه [ابن جني ]للوصول الى القوانين التركيبية التي احكمت اجزاء الطباق والتركيب في المنهجية الجدلية عند المتنبي .والتضامن الذي اقتضى تشابك تلك الوحدات في البيتين وبالضرورة التبادلية .وكانت السيميولوجيا هي التوفيق الاختلافي بين هذه الوحدات ابتداء بحركة الاختيارات وانتهاء بحدود التوفيق -والتوثيق بين المحاور الثلاثة المشار اليها في الصفحات السابقة ولنفس الغرض المطلوب .
والاختيار في تجميع القوانين النقدية التي تحكم النص الشعري -من الناحية الفنية وما يتعلق بالحرية التي توفق بين النصوص الشعرية والاسلوب النقدي. فهي اوسع
ــــــــــــــــــــ
84*انظر.الدكتور عباس احسان تاريخ النقد الادبي عند العرب ص285.
لمنطق الحرية منعطفا لمنطق الحرية لانها تخضع لقوانين النقد المتماسك الذي يتصل بالموضوع وما نعنيه [الميدان الفكري واللغوي ]وياتي السياق هنا بتدرج احتمالي ليتناسب عكسيا مع الحجم المتناسب للوحدات ويتصاعد هذا السياق كلما انتقلنا الى مستويات اعلى من الابداع.ويعد الاشكال النقدي على هذا الصعيد عند ابن جني وملابساته في شعر المتنبي ومن الواضح ان ابن جني وعلى وجه العموم لم يكن ناقدا ولذلك حدث الالتباس في الاحكام التي كان من السهل الاشارة لها او رفضها او تزييفها او التحكم في تفسيرها وهي اشارة الى القواعد النقدية المحددة.وهي وحدها كافية لتصور ذلك الصراع النقدي الذي دار بين انصار ابي الطيب المتنبي وخصومه.وكان سعد بن محمد الازدي البغدادي[كان عالما بالنحو واللغة والعروض وبارعا في الادب كما يقول فيه ياقوت في معجم الادباء ]وهو صاحب مؤلف شرح فيه ديوان ابي الطيب ولم يصلنا هذا الشرح ولكن كان الاعتماد على تعليقات ابن جني ويذكر ان هذه التعليقات جاءت بتماس مع ابي الطيب لان الازدي البغدادي عاصر ابي الطيب وكان في مصر حين كان ابي الطيب نزيلا فيها .وكانت له علاقة بابن خزابه احد خصوم ابي الطيب وانه كان على دراية بما يحاك من مؤامرات حول المتنبي في مصر قال [فوقفت من امره على شفا الهلاك ودعتني نفسي-لحب اهل الادب-الى استحثاثه على الخروج فخشيت على نفسي ان ينهى ذلك عني]وهو الذي شهد المتنبي [رجل يقرأ عليه شعره فيساله عن اشياء قريبة فما كان جوابه اياه جواب متقن وصاحب الكتاب نحوي متقن]85*
وقد تراه في مجالس سيف الدولة في حلب بعد ان فارق المتنبي لحضرته ومعروف انه له منهج خاص كان قد خاضه معه في حديث حول ابي الطيب.فهو على العموم متابع لخواص واخبار ابي الطيب في مراحل مختلفة او سمع اخباره منهم وعارض بعضها ثم حسبه خطا ابن جني،فهو يبدأ بتعريف اتجاهات متعددة ومختلفة تخرجه عن كل الاطوار فهو يتجه الى الطور النقدي اللاذع باحكام العدل وابن جني له اطلاع بصناعة الشعر الذي اوصله الى هذا الموقف هو العناد والتشدد الذي احكمه ومن ثم شنه الخصوم،والمتنبي شاعر ذو فضائل وعيوب اما الفضائل وتندرج في ما يلي:
1.طول النفس.
2.جزالة الكلام .
3.والمبالغة في خواص المعنى .

ــــــــــــــ
85*المصدر السابق نفسه ص288.

اما العيوب فهي:
1.عدم الدقة والتفتيح في الكلام .
2.استعمال الرذل من الغريب في اللغة -والغريب الحوشي.
3.التكرار في المعنى.
4.الغموض في شعره.
5.الخطأ في اللغة .
6.اللحن في الاعراب.
وابن جني في دفاعه عن ابي الطيب هو ان المتنبي قد ظلم وانه محاولا انصافه.والذي يعنينا بقوله هو ان المتنبي مثل القوانين التركيبية في قواعد التوفيق بين رموز اللغة والتوزيع العام للمستوى السياقي وان المستوى السياقي عند المتنبي يتكون من رموز حية تتعلق بمختلف الوظائف وتتبادل اطرافها الحية علاقة من الاختلافية والتبادل الموضوعي في تكوينات اختلافية من رموز العلاقات السياقية المتجاورة.والمتنبي وافق الاقتضاء لهذه الوحدات وفق اليه جدلية تحدد:
1.الضرورة والتبادل الحسي في مدحه سيف الدولة:
عذل العواذل حول قلب التائه
وهوى الاحبة منه في سودائه
يشكو الملام الى اللوائم حَّسره
ويصدُّ حينَ يلمنَ عن برحائِهِ
فهو الاشد والاشقى ان يشكو هذا الملام الى اللوائم ما يلقاه من حر هذا القلب في تفاصيل اختياره وفق عذابات تحدوها قوانين تحكم وتحتكم الى عمليات الخلق الفني والعاطفي.فالتوفيق بين هذه العمليات الاختلافية انما تخضع للتماسك الفكري المتصل عاطفيا مع الحدث.
2.الاقتضاء الفكري الذي يؤدي الى العمليات الاختلافية
أَأَحُبّهُ وأَحِبُ فيه ملامةً ؟ انّ الملامةَ فيه من اعدائِهِ
اجد الملامة في هواك لذيدة حباً لذكِركِ فليلمني اللّومُ . 86*
اضافة الى اقتضاء الملامة وهي الاطروحة الشعرية في فلسفة العقيدة في اللغة والملامة ثانية فيه تتصل بالميدان اللغوي باعتبارها احتمالية تتناسب طرديا مع الطباق الشعري ثم تاتي الملامة في هواك وهي اكتمال خصوصية التفاعل بين القوانين الثلاثة في [الاطروحة الشعرية +الطباق الشعري +التركيب الشعري الجديد في الحب
ـــــــــــ
86*انظر.الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي ..تاليف ابي الفتح عثمان بن جني تحقيق الدكتور محسن غياض دار الشؤون الثقافية بغداد 1990ص27.
لذكرك فليلمني اللوم وهو المستوى التركيبي في الاصرة اللغوية عند[سوسير]والتي يسميها قوانين التراكيب او قوانين المركبات الواقعة في ثلاثة محاور]:
محور الاطروحة الشعرية + محور الطباق الشعري محور التركيب الشعري الجديد وهو الذي يساوي المعنى في هذه التركيبة الفكرية وهي تتشاكل على ثلاثة اتجاهات تجمعها الوحدات اللغوية وقوانينها في حركية الاختيار وطبيعة حدود تكويناتها المختلفة على المستويات القياسية -والتبادلية داخل [البوتقة السيميولوجية]التي اصبحت هي المستوى العلمي للوصول الى الوحدات السياقية عن طريق التفكيك والتحليل والتركيب -والتجاور داخل التقابلات المتشابهة في المنظومة اللغوية.ومن الملاحظ ان اجتماع بعض عناصر الابنية التركيبية التي تتسم بالاطراد والذي ينطوي على مفهوم[نظام ظاهرة التركيب]طبقا لظاهرة تركيب المنظومة الصائبة على مستوى سياقات البنية.والمتنبي ادخل في هذا التنظيم عنصر الاتصال.فالبنية قد اتسمت بتشكيل العلاقة والتنظيم بالتوصيل بين اختلافية هذه التواصلات في المنظومة الوظيفية التي تحدد كتلتها عناصر دقيقة في المنظومة ، وهذا الذي توصلنا له من الناحية البنائية :وهو البحث عن تفاصيل متشاركة داخل التحليل الوظيفي للمنظومة الشعرية عند المتنبي وهو يهدف الى الكشف عن خواص للتواصل داخل هذه الحلقة المستعرة شعريا في قوله:
عَجِبَ الوشاة من اللحاة وقولهم
دَعْ ما نراك ضعفت عن اخفائه
والوشاة حوله والذات مفهوم متعلق بسياق خارج المعنى حتى كأن الفكر البنائي داخل هذا المعنى لا يعود فكرا مركزيا.فأن محور العلاقة هم الوشاة كقول قيس بن ذريح:
تكنفني الوشاة فأزعجوني
فيا للناس للواشي المطاع
وهنا يتمركز محور هذه العلاقة ، وحين يتحدد مسبقا وعندما يختلف الموقف باستمرار داخل هذه المنظومة الشعرية التي تظم مع غيره من الاشياء ، والذي اعجبه في هذا الضعف :هو عدم الاخفاء ما وجد من تفاصيل هذه اللعبة الذاتية الواضحة واذا لعب دورا صغيرا لتركه يكون في حالة ضعف اكثر وجوبا ، وهنا يأتي دور التكليف ، فهو خارج السياق الذاتي لانه فعل ما يعجز عما هو دونه ، ويأتي دور تحديد اللغة فهو الدور الحاسم في هذا المعنى وقد فشل في تشخيص العناصر المنفصلة ألا وفق العلاقات الخلافية في عناصرها المختلفة .ويقول:
ما الخل الا من أود بقلبه وأرى بطرف لا يرى بسوائه 87*
ـــــــــــ
87- المصدر السابق نفسه ص28

وفي هذين السياقين الذاتيين داخل المعنى والذي يتم البرهان في الاول مجرى السياق الذاتي الذي يعرش داخل حلقة الروح والسياق الثاني يتداخل مع السياق الاول ويتلابس معه في استحقاق الوعي الذاتي وباستخدام البناء وفق وظيفة حيوية كما حددها في البيت الاول والمنعطف الثاني يأتي عمليا داخل الذات اي يأتي دور الترجمة العملية في ذلك من خلال النص الشعري.
مثل قوله :
لساني وعيني والفؤاد وهمتي
أود اللواتي ذا اسمها منك والشطر
في البيت تقنيات ذاتية ترجع الى حضورها الذهني السيكولوجي في استمرار ما تبقى من امكانية لهذه العلاقة واذا استمرت ، فالذات هي القائمة لتتجاوز كل تقنيات الود المطروحة ، والعلاقة بالذات هي علاقة تأمل ببلوغ اللحظة التاريخية ، حيث يكون الفرد والذات هي العلاقة الودية بين هذا الفراغ السيكولوجي.
مثل قوله:
خليلك أنت لا من قلت خلي وان كثر التجمل والكلام
وفيها: ان المعين على الصبابة بالأسى أولى برحمة ربها وأخائه
كانت العلاقة قد استهلكت بالذات وهي الانموذج الفردي ضمن اطار المعرفة.فالتأمل يعي التخارجات الفردية في حالة استهلاك الحلقة الراهنة داخل الذات ويأتي الاضمحلال داخل هذه التشكيلات خاصة عند[لاكان]في تصريح العلاقة مع الذات والعون بالصبابة وهو شروع للمعونة بالاسى اي طلب المعونة في الاسى وهو اهتمام بطلب أصرة المواساة سيكولوجيا والنطق لسانيا من خلال المنظومة الشعرية .نعود الى موضوع هجوم الوحيد[ابو طالب سعد بن محمد الازدي البغدادي على ابن جني ، وانه في راي الازدي البغدادي :قد تصدى الى منعطف لا يحسنه حتى يقول له في بعض الاماكن [لو كان لنقد الشعر والحكم فيه محتسب لمنعك ايها الشيخ من ذلك لانه ليس من عملك ]وينصحه ان يكون معلم للصبيان فقط [عليك ايها الشيخ بنفض اللحية وتبريق العينين للصبيان ولا يحل لك التعرض للشعر]والوحيد الازدي جاء مخلصا المتنبي من ابن جني -وجدناه يحط من الاثنين بشكل عادل ، حيث يقول :وما قرأت ديوان شاعر من المحدثين فيه من العيوب ما في شعره ، فهلا اقتصدت في هواك وتجملت ولم تدع كتابك من الفاظك ما يشينك ولا يزينك]
فالذي اوضحه الوحيد الازدي انه انطلق من وقفة عاطفية لدراسة البنية الشعرية للمتنبي حيث تخللها الهوى والعصبية حتى نلحظ ببساطة انه يقوم بعملية نقدية منحازة الى ابن وكيع حيث اخذ هذا الناقد على ابي الطيب كراهته للخمر لانها تذهب العقل [وذو اللب يكره انفاقه]وذهب الوحيد الازدي حين قال : [انما العقلاء احتالوا في انفاق العقل وقتا ما ليزول عن النفس ثقله ، فأنه كالحافظ الرقيب يعترض على متبع الهوى ، فيثقل على النفس ، فاحتالوا في الراحة منه وقتا ما تخفيفا عن النفس ]والوحيد الازدي رغم هذا المعترك الاشكالي ورغم هذا التشابك ، والضبابية المكثفة والواهنة في الاساليب النقدية عند ابن جني ، كان الوحيد الازدي يعتمد المحاولات البنائية في اكتشاف منظومة المتنبي الشعرية ، وهو يعمل على اعادة انتاج هذه البنية وفق مبدأ انتاج الواقع وصياغة منظومته السسيولوجية بمعنى تفكيك حلقة الاثنين ،وهذا عمل منطقي لانه يتعلق بالبنية الشعرية والواقع ما يعنيه الوحيد الازدي هو الكشف عن هذه الاسباب والمسببات وحين امتدح ابن جني خلق المتنبي عارضه الوحيد بقوله:[ليس لذكر الاخلاق ها هنا معنى]ولما بادر ابن جني بالثناء لأستاذه ابي علي الفارسي على المتنبي قال له الوحيد الازدي[النقد لا يحتاج الى تقليد ولا تساوي الحكايات عند النقد شروي قبيل ، فاربع على ظلعك ، وابق ان شئت على نفسك]وعندما اراد ابن جني ان يقيم توافقا بين بيتين للمتنبي حسبهما متناقضين رد عليه الوحيد الازدي بقوله:[هذا يدل على اعتقاد صاحب الكتاب ان على الشاعر ان يساوي بين معانيه في جميع قصائده ، وهذا باطل ، فأن الشاعر قد يحمد الشيء ويصفه بالحسن بكلام حسن مقبول ثم يذمه في قصيدة اخرى... ولا سمعت على أحد من نقاد الشعر أخذ على شاعر مثل هذا ، وإنما يؤخذ عليه تناقض كلامه في حال واحدة في بيت واحد وأما في شعر أخر قد رمى فيه الى غرض سوى الاول فلا....]88*
(الوحيد الازدي وابن وكيع التنيسي
والاشكالية النقدية في شعر المتنبي )
ان التعريف للاتجاهات النقدية واحتماليتها المشروطة باستخدام العرض تعريفا واختزالا من الناحية البنيوية وهي تقع ضمن محاولة لعزل بنيات الانشطة الانسانية العامة والبنيوية في التقدير العالي للموقف ، هي الدراسة للاداب [ولانثروبولوجية اللغة]وحركة التاريخ ، والبنية:وحدة تتعلق بالتركيب الوجودي للغة والعلاقة داخل مكونات الوعي الموضوعي والبنية:مرتكزاتها تكوينيا من خلال مركبات هذه العناصر بعضها بالبعض الاخر وليس من مكونات الطبيعة الجوهرية المركبة لهذه العناصر ، والوحيد الازدي يتطرق الى الغلو في المعنى ، ولو حدث ذلك لكان المحدثون اشعر من الاوائل .يريد من خلال هذا التفسير ان يقول:ان ابن جني قد اخطأ التقدير حين
ـــــــــــــــ
88*انظر:د.عباس احسان :تاريخ النقد الادبي عند العرب ص289 ص290.


تناول شعر المتنبي من [مركب المعنى وحده]والوحيد يعود الى نظرية [الجاحظ]القديمة فيقول:[والمعاني يقدر عليها الزنج-والترك-والنبط...فيعتبرونها كل بلغته]ولذلك فالمؤاخذة على الشعراء المحدثين بان نصوصهم الشعرية يشوبها الغموض ، وتحتاج الى تفسير ، وهنا يعتقد [الوحيد الازدي]ان التفسير للنص الشعري هو منقصة لصاحب الشعر .والبنية النشيطة في تقديره هي التي تصف العناصر الجوهرية ، فكان ارسطو يصف التراجيديا ، بانها محاكات لفعل وقدر كامل في ذاته لان فيه احداث تثير الشفقة -والخوف لكي يتم التطهير وفق وصف البنية المتكاملة وصاحبة النشاط التراجيدي.كذلك ما دعاه [فرويد][بنيتي النرجسي -والاوديبي]وعند[بارت]المتسم بالتحول الذي يولد معنى معينا .وهنا يحدث التغير في منطقه النسبي ، ثم بعد ذلك يتحول الى تركيب جديد ينشد التغير .[ودريدا -ونيتشه يعتبران البنية وتفاصيل المعنى الذي اظهره المتنبي في نصوصه الشعرية:هو دراسة بنية العلامة السيميولوجية من خلال عرض الرغبة في التوجيه والضبط وعزل هذه الوحدات وما تشكله طريقتها من توجس وفق دراسة للمنظومة العضوية التاريخية من الناحية البنيوية ]واما الفكرة العامة لفلسفة النص الشعري عند ابي الطيب فهو نطاق الدراسة السيميولوجية كما قلنا من ناحية الامتداد التاريخي وما هو مفيد في حلقة المناقشة -والمعنى في خاصية التوضيح فيه من ناحية التوصيفات البنيوية لانه معنى واسع من ناحية التعيين لان [الوحيد الازدي]كان ذو حدود ضيقة في التفسير -والغموض هو من حركية الابداع في القصيدة .فاذا كتبنا بشكل مباشر وتعليمي ماذا بقي للمتلقي ؟ ونحن دائما نتذكر المنحى الفلسفي في شعر المتنبي -والوحيد يعتبره وجه من أوجه الماخذة في شعر المتنبي.نقول فأن من المعتاد الا نقوم بالتعيين الضيق للبنيوية الحديثة وباسمائها ومدارسها ابتداء من [الشكلانيين الروس]في النقد ، وسوسير وتروبتسكي في اللغة ، نقول ان الشكلانيون الروس 89*انشغلوا في مداخلات المقولات وعزلها من الناحية الوصفية المتعلقة بالنص الادبي ، وهو رد فعل على اسلوب العاطفة الذي شكل الرمز منهجه المتفكك ثم ياتي [بروب]في السرديات حيث تطورت بنيوية الرحلة الى اوروبا الشرقية -ولكن دريدا مثل التواصل البنيوي في هذه المرحلة الطويلة ، نقول ان الاشتغال على هذا الطريق الذي سلكه[الوحيد الازدي]في دراسة المعنى دون الدراسة[السيميولوجية]ودون دراسة القوانين المتنوعة في تشكيل البنيات ، وتفاصيل الوحدات[الصوتية]في انتاج المعنى وبنية العلامة نفسها في القياس المنطقي ، والذي يمثل وحدة تكاملية تنتج العلاقة الديلكتيكية بين [الدال والمدلول]وياتي النشاط البنيوي ليتشكل بقياسات تتمثل باللغة [والسيميوطيقا]ليضع ليفي شتراوس هذه المسلمات
ــــــــــــــــــــــ
89*انظر:صور دريدا ..المجلس الاعلى للثقافة السنة 2002 ص78
واضعا نصب عينيه احكام [مارسل موسى]في المقدمة الموضوعة لكتاب[السوسيولوجيا-والانثروبولوجيا]وهم يخطون بخطوات التشكيل الدلالي عند [تروبتسكي]90*لقد اخفق[الوحيد الازدي]في نقده لشعر المتنبي لضيق افقه في الدراسة لشعره ولفشله في اتهام المتنبي بانه بالغ في شعره وبافراط وهذه حقيقة :في ان المبالغة هي من خواص الشاعر ولا ضير في المبالغة اذا تطلب الامر وصفها في البيت الشعري ، واتهام المتنبي في ايراد الفاظ الصوفية -والفاظ في الطب -والفلسفة والوحيد الازدي اذا عاب على المتنبي هذه الخواص ، فهذا يعد شرفا في فلسفة النقد عند الوحيد الازدي لماذا :لان المتنبي لعب دور التجديد في البنيوية اللغوية فيما يخص العلوم -والفلسفة الاجتماعية ، وهو نفس الدور الذي لعبه العلماء في خدمة المعرفة والتجديد عند المتنبي على مستوى هذه العلوم ، هو بالكشف السيميولوجي لبنيوية اللغة والمنهجية اللغوية عند[تروبتسكي]وهي تنتقل من الصياغة المنهجية الواعية في اللغة الى الدراسة البنيوية التحتية للعناصر التي وصفت بالكيتونات وتحليل العلاقات بين العناصر وفق مفهوم تفاصيل النظام البنيوي المترابط وبين الانظمة الصوتية المتشكلة وفق منهج لغوي-بنيوي ، وهذا يؤدي الى اكتشاف القوانين
ــــــــــــــ
90*-المصدر السابق نفسه ص78
العامة ، ويعيب [الوحيد الازدي]على المتنبي صحبة الفاظ الصوفية ويعتبره عيب في صناعة الشعر.ونحن نتساءل عن هذا الايغال في الاتهام بمعنى:ان التحليل التاريخي الشامل لمعنى الخاصية البنيوية للشعر واللغة -باعتبارهما كائنان مترابطان في التأسيس وحيث تكون اللحظة المناسبة في تقييم هذه المداخلات سواء[الصوفية او الطبية او الفلسفية]التي يعيبها [الوحيد الازدي ]اصبح افتراضا خارج عن انسكلوبيديا الشعر عند المتنبي .والنص الشعري عند المتنبي في منهجه الحداثي تجاوز ممنوعات [الوحيد الازدي]لانه مهد الى المعلوماتية العلمية الحديثة وكان نص المتنبي مبشرا بالعلوم والمعارف .اما ما تناوله [الوحيد الازدي]فهو امكان نقدي متخلق ، فالمتنبي ناقدا تحديثيا وشاعرا مبشرا بالحداثة والابستمة ، وهو الذي أسس معنى التميز الذاتي في القصيدة التحديثية وموضوعه الشعري هو :[التقاء الذات بالموضوع]وفق وظيفة تعدد البناء الموجه بشكل خفي داخل بوتقة [رفعة النص من الناحية السيكولوجية-والانثروبولوجية]ونصوص المتنبي هي لعبة الوعي الفكري داخل نصية-متعلقة بالذات ، ومحور تركزها على الذات والموضوع -والبنية الصوتية والاداة الواصفة للبنية[الجراماتولوجية]فالوصف الموضوعي لحقيقة الذات يتعلق بمسار البنية [الجراماتولوجية]وبشكل واضح باعتبارها بنية.فالذات عند ابي الطيب حققت التوصيفات الموضوعية.من جهة اخرى فقد اشار ابن وكيع التنيسي واسمه:[ابو محمد الحسن بن علي]وهو شاعر ولد بمصر ونشأ فيها، ولكن الكتاب الذي الفه في اظهار سرقات المتنبي واسمه[المنصف للسارق والمسروق في اظهار سرقات المتنبي]وابا الحسن المهلبي صاحب كتاب [المسالك والممالك]يخبرنا انه الف الكتاب[للعزيز بالله الفاطمي]وهو الذي التقى المتنبي اثناء اقامته بمصر ، حيث توفي في العام [380]وكانت له صلة بابي القاسم [علي بن حمزة البصري رامية ابي الطيب وقد رحل من بغداد وتوفي بصقلية في العام [375]وابن وكيع كان قد اتصل بكل من عرف المتنبي -ويشير [بلاشير]وقد الف ذلك الكتاب وهو تضامنا مع ابن حنزابة الذي كان خصما للمتنبي ، لان المتنبي ترفع عن مدحه وعاش ابن حنزابة الى سنة [390]وقد عاصر بن وكيع والكتاب الذي الفه كان ردا من شاعر حاقد على شعرية ابي الطيب وردا على المناصرين لابي الطيب.وكان المتنبي وعند اقامته في مصر جمع حوله عدد من الانصار والمعجبين بشعره وكانوا يذهبون مذهبا بعيدا في هذا الحب.91*
1.فضلوه على من تقدم من الشعراء .
2.ان كل ما قاله المتنبي له معنى جديد ونادر وهو نتاج اولي لم يسبقه به احد من
ـــــــــــــــــ
91*-انظر:الدكتور عباس احسان تاريخ النقد الادبي عند العرب ص294
الشعراء .
3.كان يبتدع ولا يتبع للمعنى من احد فقد كان سابقا عليهم ولم يكن سارقا.
4.قوة الذات الباحثة -والباعثة خلق عند ابن وكيع غيضا مضاعفا.

[انصار الحداثة من المعجبين بشعر المتنبي ]
وقد تمثل هذا الاعجاب:
1.بالمنهجية البنيوية الجديدة وقوة الذات الباعثة والباحثة والتي اعادت الوضوح الى موضوعية الشعر عن طريق المحاكات باعتباره بنية تتعلق باطار المناقشات الشعرية الدقيقة السائدة في مصر والدائرة حول شخصية المتنبي الشعرية .
2.والبنيوية المصاغة وفق دراية عند المتنبي ، هو دليل على عبقرية هذا الشاعر والصورة ، والعقلية المفكرة تضاف الى الموضوع الانثروبولوجي اللغوي الذي تركب منه شعر المتنبي.
3.المقاومة الفعلية لما كان يطرحه بن وكيع في الكشف عن سرقات المتنبي.
4.فكرة الاتصال بالحلقات الانسانية وهي تنطوي عن فكرة التجديد في النص الشعري عند المتنبي.
5.كانت العلامة عند المتنبي :هو موضوع كشف لان العلامة متحركة في مجال الدلالة لانها فكرة حسية عارمة في حضورها.
6.والسيميولوجيا الفكرية عند المتنبي يمكن تحديد حضورها بالفكر الاسماعيلي والفلسفة السياسية للقرامطة ، وبالفلسفة اليونانية والحركات الصوفية التي التقاها بالشام وهم [اهل عين الجمع].
7.التعاضد في وحدة البيت الشعري وهذا موجود في التشكيل الرئيسي في وحدة الكتابة والبنية المتداخلة مع العلامة .
8.ان مفهوم العلامة عند المتنبي جاء منه مفهوم العلامة الثنائي الذي خصه سوسير وهو اتصال انفصالي للمدلول المتعالي فهو تعبير عن فيزيقية الحضور الى جانب هذا الموضوع نلاحظ ان السيميو لوجيا من ناحية المفهوم عند سوسير هو ان المدلول غير قابل للانفصال عن خارطة[الدال فالدال =المدلول]كذلك فان الصوت الذي يؤشر الحلقة المادية لا يمكن رجوعه الى اللغة كذلك المنحى اللغوي لا يمكن ارجاعه الى كنه الصوت وهكذا هي الاستعارة عند سوسير لمفهوم العلامة.
[جراماتولوجيا ابي الطيب المتنبي ]
ما يتعلق بالمناقشة اللغوية معروضا فيها ثنائية العلاقة عند المتنبي والتي يرفضها[سوسير]باعتباره يعارض العملية الثنائية ويعتبرها نمذجة بمعنى من المعاني لمنهج المدرسة النقدية البنيوية ، والمتنبي زاوج بين -[الدال والمدلول ][التزامني والتعاقبي]وهو تميز المنهج البنيوي عن المناهج الاخرى ، ونحن نناقش هذا الموضوع ينبغي[دراسة البنية التحتية اللاواعية]مستندين في ذلك الى فرويد في منهجية الذات عند المتنبي باعتبار ان الذات عند المتنبي هي :تعبير عن الاختيار العملي للدراسات التصنيفية ، ويدلنا المنهج العلمي ، بان العقل اللاواعي-لا يمكن حسمه وانه متواجد دائما وبفعل اخر ، وهو خارج القدرة السيكولوجية ويتضمن محاور لتأسيس انشطة عقلية واعية .وقد طرح سؤال من قبل حقيقة المقاربة[الجراماتولوجية]ما معنى التعارض بين الذات-والموضوع والذي يتحرك باتجاهه ، ويستند اليه الامكان التوصيفي الموضوعي من خلال طرح نتائج لموضوع ملوث وفق قوانين الذات وبرغبتها المتشكلة عبر رغبة غير متحققة علما.ونستطيع ان نحدد بعد المضي في التدقيق بان[الجراماتولوجيا]تستفسر من بنية الاختلاف الثنائية والمحاولة الى التساوق المتوازن بين الاطراف.والمتنبي في اتصاله الانفصالي لمدلوله المتعالي كان قد ابتعد عن [فيزيقية]المفاهيم منطلقا من الحضور للحاضر.
وما دام العقل اللاواعي لا يمكن حسمه وانه متواجد دائما وخارج القدرة [السيكولوجية].من هنا قد يحدث[الشطط]في المنهجية السلوكية-او الشعرية ومنها :
1.نقل اللفظ الركيك وغير الرصين.
2.وعكس الثناء-الهجاء كما حصل مع هجائه لسيف الدولة الحمداني.
3.استخراج المعنى من المعنى .
4.تقديم الاتباع على الابداع.
ولكن ازاء هذا الشطط نلاحظ المنطلق الحضوري في :
1.الدال والمدلول.
2.واستيفاء اللفظ وايجازه .
3.توليد المعاني الجديدة والحسنة.
4.التعاقب والتزامن في الخواص الشعرية.
5.الكتابة والاختلاف داخل بنية التفكيك البنيوية لايجاد مخرج يؤكد البنية المتميزة.
6.القوة التفسيرية في النص الشعري عبر المجتمع الانساني .
من جهة اخرى يصر الحاتمي متقصدا ان يخرج سرقات المتنبي الى الوجود حسب ما يعتقد هو ، من شعراء مغمورين لا يقارنون[بابي تمام والبحتري] ويتهم الحاتمي المتنبي بسرقة معاني نصر[الخبز أرزي]يقول:[وانا اعلم ان الافكار يقع بي في سرقته من نصر لانهم اذا كانوا يرغبون به عن السرقة ممن تقدم عصره وعظم في نفوس قدره كانوا ممن قارب عصره ولم يتناقل الادباء شعره ارغب ، وهذه الطائفة السامية بقدره ، المفرطة في تعظيم امره ، عرفته بعد خطوته وارتفاع صيته ورتبته ، ولم تعرفه وهو دقيق الخمول ، وهو بمنزلة المجهول ، وقد كان زمانه في هذه الحال اطول مسافة من زمانه في ارتفاع الحال ووجود المال الذي شهر اسمه ، وابان لهم فضله وعلمه ]92*لقد كانت النقطة الفاصلة في هذا الموضوع هو اساءة قراءة نصوص المتنبي ...وحتى ابي الطيب كان يعرف ما يتركبه العقل وما يعانيه الجنون في التحديث العقلي للجنون.فالعقل هو الوجه الاخر للتحديث الجنوني ، لان المتنبي يعد التشكيل الاختلافي في خواص العقل الواعي داخل منهجية الذات.وذات المتنبي ذات تعبر عن الاختيار العلمي في تشكيل الدراسات التصنيفية .
فالموضوع الذي طرحه الحاتمي باتهام المتنبي بسرقة معاني الشعراء المغمورين مثل[الخبز رزي]وهو محور متأسس على عقل غير واعي بدليل:هو ان الحاتمي تحدث بلسان الوجه الاخر للعقل وهو الجنون .والمتنبي كان قد فرق بين سياق العقل والصمت الصائت الذي جاء به الحاتمي ، وهو ليس عند الحاتمي هو تحقيق للفوز على المتنبي ، لكن الحاتمي اساء كما قلنا قراءة المتنبي وقراءة الاستنتاج الجنوني الذي اتى به وهو مثال على تكوين الحدث الجنوني عند الحاتمي وهي خلاصة جاءت متأخرة وانعكست بتأمله الجنوني ، ولذلك جاء منهجه الجنوني في [أنا الناقد وأناافكر]وانا المجنون وانا افكر هو تفصيل وانعكاسان قابلان لعملية التبادل السيكولوجية عند الحاتمي .وقد شكل ابن وكيع محورا وصفيا وحصريا وهوجزء من
ـــــــــــــــــــ
92*المصدر السابق نفسه ص304ص305.
حياكته المؤامرات ضد ابي الطيب هو وباسناد منه [لعلي بن حمزة البصري]وهنا علي بن حمزة البصري يتهم المتنبي برواية له ، بان المتنبي في مراحله الاولى من كتابته الشعر يسرق المعنى من[الخبز رزي]وانه كان يتوافق مع محاكاة قصائده حين يقول :[وأنا اورد عليك من خبره ما خبرني به ابو القاسم علي بن حمزة البصري-وكان من المجردين في صحبته والمفرقين في صنعته-ذكر انه حضر عند ابي الطيب وقت وصوله من مصر الى الكوفة ، وشيخ بحضرته فيه دعابة لا تقتضيها منزلة ابي الطيب في ذلك ، قال فرأيت ابا الطيب محتملا لما سمعه ، فقال له فيما قال :يا ابا الطيب ، خرجت من عندنا ولك ثلاثمائة قصيدة ، وعدت بعد ثلاثين سنة ولك مائة قصيدة ونيف من القصائد ، أفكنت تفرقها على المنقطعين من ابناء السبيل ؟ فقال له :الا تدع هزلك ؟ قال:فأخبرني عن قصيدتك الشاطرية التي خرجت من اجلها الى البصرة ، حتى اظهرت فيها معارضتك [الخبز رزي]لم اسقطتها ؟ فقال:تلك هفوات الصبا ، قال:فسألت الشيخ:اتحفظ منها شيئا؟ قال:فأنشدني ابياتا عدة ، قال ابو القاسم:فامهلت أبا الطيب مدة حسن معها السؤال وخفي المقصد ، فقلت له:أدخلت البصرة قط ؟ قال:نعم ، قلت:فأين كنت تسكن ؟ فخبرني عن منزل أعرفه ، كان[الخبز أرزي]منه على أدور يسيرة ، اربع او خمس ، فعلمت بأن الشيخ قد

صدق ]93*
في البداية نقول:ان المتنبي يوصف بانه كان اذا اراد ان يشخص من الناحية الشعرية فهو يشخص عصرا بكامله وبلغة عصرية قابلة للتجدد والتطور ، محكمة البنية والمعرفة ، والمتنبي في عصره اصبح سمة مميزة لذلك العصر لانه شخص البنية[الابستمية]في تشكيلاتها المتناقضة وهو يتحول بخطوات تجاوز فيها الابستمية نحو حلقة اكثر تطورا من الناحية الابستمية في هذا التطور حقق المتنبي منظومة[ابستمولوجية]في الشعر وبامتياز في عصر خاضه المتنبي وهو يقاوم ويقارع الخصوم ويدعو الى التطور بايجاز اركيولوجي في اطار المنظومة الابستمية واصفا حركة التاريخ ومنهجها الاختلافي وتاريخ الافكار نصب عينيه ومحاولة اعادة كتابة منظومة[مثيولوجيا الشعر العربي]خاصة بعد عودته من مصر الى الكوفة.والمتنبي حلم بخطاب فلسفي يجمع خواص الشعر وفي التركيز على الجانب الاكتمالي وقوة المجاز في اطار منظومة فلسفية شعرية خصبة.فالتاريخ الابستمي لابي الطيب كان تاريخا لبنية الافكار ، ونهاية لتاريخ الجنون الذي تمثل بمجموعة حاقدة على الابداع عملت دائما على تركيز الغل والحقد وقد تمثلت بشخصيات دفعها غلها وحقدها على
ــــــــــــــــــ
93*المصدر السابق نفسه ص305ص306
تطويق الابداع-لقتله امثال[الحاتمي وابن وكيع-والمهلبي-والوحيد الازدي]وغيرهم
وكان الدافع الى ذلك التصرف هو الدافع السياسي والتحريض السياسي ضد ابي الطيب ، ونحن في هذا الباب نؤكد على الحلم الذي حلم به المتنبي وهو يقتفي اثر الحلقة الجدلية في الشعر ويبتعد عن جنون الحاقدين فهو يسير وفق اشكال منطقي ويتحدث عن معنى الوجود في الصوت الذي هيمن على هذا الكون.فالمتنبي كان نصا ابديا يتحرك وفق ديالوغ العقل.فقد كان الاختلاف في المنظومة السيكولوجية.فلائحة الاتهام التي وجهت الى المتنبي بانه ضعيف باللغة وهذا افتراض معروف مغزاه ومعناه بعد ان فشلت خطاهم في الدس بسرقة المعنى والسطو على ابيات الاخرين.يعاود ابن وكيع الكرة ثانية في تعليقه على قول المتنبي:
ورد اذا ورد البحيرة شرباً بلغ الفرات زئيره والنيلا
يقول:[وتعظيم زئيره جيد ، وليس لصوت زئيره في الماء الا ماله في البر مع عدم الماء ، فكيف اقتصر على ذكر البحيرة-والفرات-والنيل ، اتراه لا يسمع الا في الماء]وهذا الموضوع ياتي في دور المبالغة في رسم الصورة الشعرية ولا خلاف في ذلك ، فالصورة الشعرية كلما تركبت فهي دليل على قوة عقلية وعاطفية متركبة عند الشاعر.وهذه ليست عيبا من عيوب الصورة الشعرية ثم ياتي الحاتمي ليتابع غيضه باتجاه المتنبي في تحقيق فعلته ، من ان المتنبي ضعيف اللغة وهو يعلق في الباب على ما قاله المتنبي[أذهب للغيط]انما يجوز[أشد اذهابا للغيط]ويدلل على هذا الموضوع بحديث يقوم باسناده الى الشيخ ابي الحسن المهلبي حيث يقول:[حضرته في مجلس لبعض الرؤساء ، وجرت مسألة في المذكر والمؤنث فقلت:قد يؤنث المذكر اذا نسبت لمؤنث-[مثل:كما شرقت صدر القناة من الدم]فقال:من قال هذا ؟ قلت:سيبويه...فقال:لا أعرف هذا ولعله مذهب -البصريين ولا اعمل على قولهم ، قال:فقلت:هذا في كتاب ابن-السكيت في المذكر والمؤنث:فقال:ليس ذلك فيه ، فأخرجته من خزانة الرئيس الذي كنا عنده ، فلما مرأه قال:ليس هذا بخط جيد ، أنا اكتب خيرا منه ، فقلت:ما جلسنا للتخاير بالخطوط فانقطع في يدي]94*وابن وكيع يؤسس موقفا سجاليا من خياله-باعتباره مفتاح للحقيقة والصدق في هذا الموضوع ، هو ان المتنبي كان يميز بين الحقيقة والخيال الجامد عند ابن وكيع في سجاله هذا يريد ان يحجب الجانب الامل في المغامرة عند المتنبي والجانب الذي يحل هذا اللغز العائم في حساب ابن وكيع ليسهل عملية القراءة لهذا السجال الفج في نهاية الموقف.فكان ابن وكيع هو والمهلبي شيخه الفج الذي يشكل الرقم الثاني في قضية الاتهام هو ان من المفارقة الغريبة هو:رفض فكرة المدلول -اولية المعنى الكلي على المفردة.فالمتنبي متشبع بالمتعالي
ــــــــــــــــــ
94*المصدر السابق نفسه ص306ص307
السيكولوجي بمنهج الاولوية للدال واولوية المفردة على المعنى ، ولكن الذي حصل هو ان ابن وكيع والمهلبي ارادا ان يعللا موقفهما في الكشف عن الاخطاء في اللغة عند المتنبي مع انه موضوع خارج عن اطار المناقشة اصلا ، وبلغ بابن وكيع مبلغا بان يهاجم المتنبي لان المتنبي لا يحب شرب الخمر حيث قال:
وجدت المدامة خلابـة تهيــج للقلـب اشواقـه
تسيء من المرء تاديبه ولكـن تحسـن اخلاقــه
وانفس مال الفتى لبـه وذو اللب يكـره انفاقــه
وقد مات امس بها موته وما يشتهي الموت من ذاقه
لان ابن وكيع كان مولعا بحب شرب الخمر لا يعجبه قول المتنبي فهو يعلق على البيت الثالث بقوله:[ولا اعرف شيئا دعا الناس الى محبة الشراب إلا ما نعلمه من انفاق العقل الذي اذا ذهب الليلة عاد غدا ، وقد أوحد ربحا من السرور تنتهز فرصته وتحلوا لذته فقد كره ابو الطيب ما أحبه الناس ، هذا مع فضائل يكثر عددها وتتواتر مددها ، منها ما يفعله الفرح في الجسم من زيادة اللحم والدم ...وربما بلغ السكر بالشارب العاقل الى غاية لا ترضي الصغار الغلمان وخساس العبدان ، ولكن لها ساعة تقل هذه البلايا في جبنها ، وتحمل على معاودة شربها ، وهي الحال التي

كرهها ابو الطيب]95*ومداخلات الموضوع تطلعنا على ما قام به ابن وكيع وغيره في بداية هذا الباب من اتهام المتنبي بتغليب المعنى وسرقة المعنى من الشعراء المغمورين والخطاء باللغة ومحاكمته بكل سماجه وبدون وجهة حق.فنحن نصل الى محصلة وقلناها في البداية من هذا الباب بان المتنبي كان مستهدفا سياسيا وبتحريض سياسي مسبق والا ماذا يعني هذا الفصيل من المدعين في النقد وتحويل امراضهم السيكولوجية وحقدهم وجهلهم في الشعر الى حراب في وجه ابداع المتنبي ، وهذه التجربة الذاتية الخاصة بابن وكيع يريد تعميمها على الاخرين لتكون مقياسا عاما لسيكولوجية بائسة تنشد الرغبة الذاتية اللاواعية ، وهكذا تمضي استجابة الدال الى الذات ، فابن وكيع عمم بدون دراية وادراك ، ان علاقته بالخمرة والحقد هي علاقة جدلية.فهو اعاد مرجعيته في اطار النظرة التحليلية لانها تقوم على البناء العقلي اللاواعي كما ان ابن وكيع له اسبقية في الذات متركبة ومتفردة بالمرض السيكولوجي حتى اعتقد انه يمكن تعميمها على الاخرين وفق اطار استعادتها وهي متفردة بخلاصتها العمومية.

ــــــــــــــــــــ
95*المصدر السابق نفسه ص310

[اعجاز المعنى واشكالية الدال عند ابي الطيب]
ان وصف الدال عند المتنبي:يعني حضور المعاني ، وخواص الدال عند المتنبي :وحده -جدلية فريدة ، فهي وجود طبيعي برموزه في الغياب والدال رغبة شديدة لا توجد حتى في تلافيف الذات ، انه دليل المعنى وهو الدال المهيمن على كل الرغبة العارمة وهو في هذا الموضوع يعكس رغبات متعددة من الوعي الانساني الكبير ، وهو الخوف حتى من الاخصاء ، وهو رسم لمواقف تدلل بمدلول متعال هو الوجود .وتعد البنية المركبة عند المتنبي قيمة دلالية تتشكل بالاداءوعلى كل المستويات المختلفة.فالمظهر البنيوي يعطينا قيمة دلالية تؤكد وحدة المعنى.فالبنية المركبة تعطينا معنى لحرية التاويل وصياغة للبنى الدلالية في توليد المعاني والمتنبي كما يقول[ابن رشيق]في عمدته:[ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس]وبهذه الفرضية التاويلية-بقيت وجهة نظرفي فلسفة الخطاب تتحرر بطابع وجودي وهي قائمة على واقعية منطقية تتناقض مع التمثيل البنيوي في فرضيات التاويل المتعاكسة بازدواجية جدلية لمعنى الخطاب في فلسفة [الدال الخطابي]وتجدر الاشارة ، هو ان المغزى والاحالة في حلقة المعنى في الدال تفضي بنا وفق عبارة ابن رشيق هو ما عجز عنه النقاد والخصوم ، والشراح ، وحقيقة الامر:ان المتنبي احدث ضجة في معنى العلم الدلالي بما شكله الخطاب الفلسفي من معنى واضاءة للنظرية الشعرية وشروط امكانها في الخطاب الذي حدث لابن الرومي نتيجة بسط لسانه في الانحاء حتى حذر منه القاسم فدس له السم وحسبك ما تركه ابي الطيب من خلافات واحالات ومنازعات سيكولوجية كقول:الجرجاني عن خصوم المتنبي وهذا الفريق[يسابقك الى مدح ابي تمام والبحتري ويسوغ لك قريظ ابن المعتز وابن الرومي حتى اذا ذكرت ابا الطيب ببعض فضائله واسميته في عداد من يعصر عن رتبته امتعض امتعاض الموتور ونفر نفر المضيم فغض طرفه وثنى عطفه وصعر خده واخذته العزة بالاثم]96*وعلة ذلك المنحى هو المنهج البنائي المعرفي للدال عند المتنبي باعتباره حقيقة تستفز هذا الحشد الحاقد من الجهلاء ويثير الامتعاض ويشعر المتلقي بانه امام صرح بنائي[للعلامتين][الكتابية -والصوتية]في انتاج المعنى واللغة بوصفهما يتناولان[البنيوية السيميولوجية]ويشتركا منطقيا مع الدال بوصفه اشكال صوتي يتعلق بلغة الذات المتعالية.وهذا ما يقوم بوصفه[الجرجاني في كتابه الوساطه]من ان الناس كانوا فريقين ، فريقا يعرفه وفريقا اخر يحكم من خلال شعره.وقد روي عن[ابو علي الفارسي]هو ان بيته كان يقع في طريق ابي الطيب الى عضد الدولة وكان ابو علي الفارسي لا يتراجع الى كبرياء المتنبي ، وكان ابن جني وهو الشخص المعجب
ـــــــــــــــــــــــ
96*انظر مختارات المازني عبد القادر دار الفكر بيروت سنة 1965ص11
بالمتنبي يكره من يذم المتنبي ويحط منه وكان يسوءه اطناب ابي علي الفارسي في ذم المتنبي وصادف ان قال ابا علي لابن جني[اذكر لنا بيتا من الشعر نبحث فيه مبدأ ابن جني فانشد:
حلت دون المزار فاليوم لوزر ت لحال النحول دون العناق
فاستحسنه ابو علي واستعاده ، وقال لمن هذا البيت فانه غريب المعنى ؟ فقال ابن جني للذي يقول:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
مضر كوضع السيف في موضع الندى
فقال وهذا احسن والله!لقد اطلت يا ابا الفتح فاخبرنا من القائل ؟ قال:هو الذي لا يزال الشيخ يستثقله ونستقبح فعله وزيه وما علينا من القشور اذا استقام اللب ؟ قال اظنك تعني المتنبي ؟ قال:نعم ، قال:والله لقد حببته الي 97*وكان ابن جني ينشد ما ارتبط باعماقه من شعر المتنبي فهو يمتد بالاشارة القصدية عند المتنبي معتمدا مسلمة متسامية الى ما وراء اللغة ، هذا التخارج المنطقي هو الاكثر اصالة في تفاصيل المعنى وبانطلاق انطولوجي نحو تجريبية المعنى الدال وجدله العميق باصالة النظرية
ــــــــــــــــ
97*المصدر السابق نفسه ص12
الشعرية بوصفها خطابا يعيد صياغة العملية الجدلية بين[الواقع-والمعنى-والدال]فاللغة هي عمق هذا التخارج والعلامة مثلت الاكتساب الفعلي من خلال استعمالها في الخطاب والسيمياء الخطابية كانت اداة التجريد في الدال والعلامة اصبحت اختلافا بين[الدال-والمدلول]والخلاصة:ان الدال عند المتنبي تمثل تعريف الاصالة للنظرية الشعرية التي تربط التكوينات الداخلية والمحايث التطبيقي في اللغة وبالقصدية المتعالية لموضوع اشكالية الدال عند ابي الطيب وهو المعيار النهائي لفلسفة الخطاب الشعري.
[العلامة الصوتية]
تعالج المنهج البنيوي لعلامة اللغة عند المتنبي بالوعي المتعالي للعلامة الصوتية ودور العلامة الصوتية في انتاج المعنى داخل محايث اللغة.فاللغة عند ابي الطيب هي عملية درس الكلام من خلال الصوت وانتاج العلامة والبنيويتان-[السيميولوجية-والسيكولوجية]يحركان[الدال الصوتي]باعتباره تعبيرا عن الوعي الذاتي في[الجراماتولوجيا]النصية ، يلحق المتنبي تكنيك النص الشعري باعتباره خرقا للكلام ، ويعني ان البنيوية السيميولوجية تشترك بالتفاصيل مع ذاتية الدال باعتبارها ركن صوتي يسمى اللغة الذاتية ، ويعود الاعتقاد بان الاشياء هي عالقة بالحضور الذاتي ، وان الدليل على هذا الحضور هو الاشكالية في الصوت والوحدات الصوتية الموضوعية ، وقد وضح هذا الموضوع[هوسرل]في كتابه[الكلام والظواهر]فكان صوت المتنبي اشبه بالصوت الصامت ويؤشر المتنبي هنا حالة الاستبصار المكبوت، في ان الحاصر دائما مسكون بالاختلاف ، والمتنبي وضح هذا الحضور الذاتي في الصوت المكبوت واقعيا ، وكان الصوت لابي الطيب صوتا باطنيا وكان صوته هو الانموذج لتكوين الوحدات الصوتية والانموذج الافصح للعلامات ، وصوت المتنبي ينتمي الى باطن جوهري في هذه الاشكالية الجدلية المتفاعلة والذي اختزل النزاع-والسماع بوصفه تفصيلا ذاتيا يتعلق بالباطن الوصفي للذات.
[المركزية الصوتية]
فهي ترتبط عند المتنبي بالنزعة الذاتية ، وافتراضا يكشف رغبة حركة الحضور المركزي[في البداية-والوسط-والنهاية]اما العلامة المركزية للصوت تبقى متعلقة بتقاربية انطولوجية مطلقه.وما يعنيه[الصوت-والوجود]وعلاقته بالمعنى الموضوعي وتقريبيته من[مثالية المعنى]وتاتي مركزية الصوت عند المتنبي في تقديري بتعيين تاريخي للمعنى الانطولوجي لانه الحضور الذي امتزج بالتعيينات الذاتية والتي تستند الى الموضوعية ويعني هذا في هذه المعادلة:من أن:
الحضور بوصفه ابتداء من لحظة+والحضور بوصفه عملية جوهرية+والحضور بوصفه وجودا+والحضور يعني الوعي الذاتي+والحضور يعني للاخر+الذات بوصفها خلاصة للأنا وهكذا تتعين كينونة الوجود بوصفها حضورا
العلامة الصوتية
العلامة المركزية الصوت والوجود

المتعالي المنهج
الوعي البنيوي
السيميولوجيا النص الشعري ذاتية الدال الصوتي
+ الدال
السيكولوجيا جراماتولوجيا

مثالية المعنى انتاج المعنى الأنطولوجية
المطلقة
مرتسم توضيحي رقم (3) يشير الى
العلامة الصوتية _ ومركزية الصوت
البيت الاول
من الحلم ان تستعمل الجهل دونه واذا اتسعت في الحلم طرق المظلم.
"العلامة الصوتية في انتاج المعنى"
*************
البيت الثاني
وأن ترد الماء الذي شطره دم فتسقى اذا لم يسق من لم يزاهم.
"السيميولوجيا+السيكولوجيا+الدال الصوتي"
************
البيت الثالث
ومن عرف الايام معرفتي بها وبالناس روى رمحه غير راهم.
"العلامة المركزية+الانطولوجية المطلقة"
************
البيت الرابع
فليس بمرحوم اذا ظفروا به ولا في الردى الجاري عليهم باثم.
"الصوت والوجود+مثالية المعنى"

البيت الخامس
اذا صلت لم اترك مصالا لصائل وان قلت لم اترك مقالا لعالم.
"الوعي المتعالي"
************
البيت السادس
والا فخانتني القوافي وعاقني عن ابن عبيد الله ضعف العزائم.
جراماتولوجيا النص الشعري
**********
البيت السابع
عن المقتنى بذل التلاد تلاده ومجتنب البخل اجتناب المحارم
"ذاتية الدال"
***********
البيت الثامن:ويتشكل من اربعـة ابيــات
تمر عليه الشمس وهي ضعيفــة تطالعه من بين ريش القشاعم
اذا ضؤوها لاقى من الطير فرجة تدور فوق البيض مثل الدراهم
ويخفي عليك البرق والرعد فوقه من اللمح في حافاته والهماهم
ارى ما دون ما بين الفرات وبرقه ضرابا يمشي الخيل فوق الجماجم98*
[المنهج البنيوي]
[بنية الاثر الفكري والحضور الذاتي]
هو ما يتعلق بالسلطة التراتبية في تشكيلاتها المركزية وهي مركزية الصوت داخل البنية هذا الموضوع هو الذي يعطي اسبقية للكتابة على الكلام في منهجية الدراسة للغة وما يتعلق[بالجراماتولوجية]عند المتنبي ، فهي اشارة الى النص الشعري المتكون داخل اشكال[امبريقي]وسياق عام لسلطة الصوت واللغة وغياب الحدث داخل منهج للبنية بالمعنى[الجراماتولوجي]والعنوان[اصرة الكتابة اولا]قبل الحرف اي ان هناك وعي كتابي قبل الكتابة[الامبريقية] هناك بنية تراتبية في اطار[سسيولوجي]والنص الشعري الكتابي عند المتنبي طرفا في اختيار الحدث القبلي ، وهو اختيار متكون اصلا بفعل الجذر الفكري عند ابي الطيب وهو ابعد من الجذر في الاخفاء لاصول الاشياء هذه الحركة الجذرية تتعلق بالاختلاف في ستراتيجية الاثر التاريخي للفكر داخل حركية التاريخ[الفيزيقي]او فلسفة النص الشعري حصرا من خلال وحدة اللغة ومن خلال صيرورة سيكولوجية تطرح اشكالية النص الفلسفي داخل تكوينات الكتابة
ــــــــــــــــــ
98*انظر البرقومي عبد الرحمن ج4ص240ص241

المكبوتة داخل صيرورة فورية انية تطرح خصائص النص الكتابي وهو نص اختلافي في منهج[العلو التراتبي]والاختلاف في هذه المنهجية يعني البديل الجديد او المكمل والذي يتطابق داخل هذه المفاهيم ويقوم بعملية ايجازية في حالة الاختلاف وصياغة حدود هذا الامتياز وفق درجة اسنادية للوجود اللغوي باعتباره تصور ، لسلطة المرجعية في نمطية اي اختلاف.والمتنبي يستثمر هيمنة الوعي الفكري في[الاجراماتولوجية]والهيمنة الثابتة للنصوص الشعرية والتي تنقل كلية الاشياء لتؤسس سياق تعريفي للحضور الذاتي يقول المتنبي:
أمعفر الليث الهزبر بَسوْطِهِ لمن ادَخَرْت الصارم المْصقَولا
وقعت على الاردْنَ منه بلية نُصِـدَت بها هامَ الرفاق تلوُلا
وَرْدٌ اذا وَرَدَ البحيرة شارباً وَرَدَ الفــراتَ زئيرهٌ والنيلا
هذا الوصف لاثر الاختلاف ، وهي اشارة الى المعنى اخلاقياً وحصر التعريف في الاصالة للنصوص ونقل هذا المؤشر في الازاحة ، وهي اشارة الى حركية البدائل بحدود بنية الاختلاف والتي تقوم بتدشين الحدث والاضافة الحضورية ذاتيا حيث تتضح بنية الاكتمال والتي تتضمن الانتصار لمرجعيات الابنية الفكرية وتكملة للابنية[الداخلية والخارجية]والجوهر الذي هيمن اختلافيا داخل وحدة الوعي الكتابي ونحو النظرية التي وحدت فلسفة النص من الناحية الابستمية وخرقا لحالة المألوف في اختراق الاحكام في مجال الادب والشعر حصرا.فالنص الشعري عند المتنبي هو:نص اختلافي يعمل على تاسيس معنى موحدا ويستمد حالة التماثل الشعورية في السيطرة الكاملة على الكشف في الوحدة المنهجية النقدية التي تستند الى التعدد في سياق المعاني من خلال وحدة جذرية تفكيكية تشد بنية النص من خلال حكم اللغة في:الهزبر:وهو الضخم الشديد:والحقيقة ان المتنبي ربط-الحدث بالبنية بمعناها العام وهو مفهوم يقوم على وصف الحدث من خلال الصراع مع الاسد بالسوط فلمن خبأت السيف المصقول.والتحليل النقدي ياتي في حركة التماثل بين[الاثرالفكري وذاتية الحدث]والتي تضمنت الاجراء التفكيكي في مجالات السيطرة على الصورة الشعرية لانها الاطار التماثلي من الناحية الجدلية وابعاد كل التعارضات التي علقت الثنائية التي علقت بالنص الشعري واختلفت مع ثنائية هذا التناقض بين[السوط-والسيف]والتسامي بالتناقض الاختلافي في الحضور ، فالصورة المركزية في الصوت النصي هي الصورة الاختلافية المتوازنة في نهايات المعنى وهي تطرح موضوع نظام اللحظة في تباعد واختلافية النص والبرهنة على اللحظة الشعرية التي تؤكد مجاز البيت في النص الفلسفي وانتشار المنهجية الفكرية والاستعادة الدفينة لاحتشاد الذات الثانية خارج الذاتية وهي البرهنة على عمق حقيقة النص الشعري.

[شفرة دال المجاز]Semic Code
ان تفكيك البنيات الابستمية باستخدام الدال بوصفها الاداة الجدلية ،لاستكشاف[المتعالي من الحقيقة]وحين نبدأ بفك الشفرة النصية قد نعثر على اختلاف اسنادي يحدث لنا اشكالا فكريا يكون على اثره فجوة في منظومة النص.وحين تقف امام الاختلاف الاسنادي واثره المنصوص عليه بالايجاز حين ذلك يظهر لنا انه قام بطمس هذه الاختلافية الفكرية.ثم تأتي بالتتبع لهذه المغامرات من خلال النص ،نلاحظ طريقة التفكيك لهذه البنية ،هي انها وضحت الاختلاف الكاشف في تعيين لحظة الالتباس هذه او تاتي عن طريق مفارقة كانت قد اندمجت في منظومة المعنى المتعلقة بالنص.والذي يحدث من تفاصيل لهذاالموضوع:هو اللحظة التي يتم فيها الانهيار لهذه المنظومة داخل[شفرة دال المجاز]الذي يربط المفردة في النص الشعري للمتنبي ، باعتبارهامفردة تمثل اداة استكشاف عمق النص الشعري ، وان ما تسمح به هذه الاشكالية من اجراء يتعلق باداةالاستكشاف لتصبح العلاقة بين[النص الشعري]واعادة تركيبه ما قبل تفكيكه والتي قد تكون عملية معقدة ، ولتبقى العملية التركيبية الجديدة متعلقة بالحدث المركب ، وتبقى القراءة الجديدة للنص صورة تكشف ستراتيجية دفينة تحت سطح النص الشعري ، وهي المادة الجديدة في[التركيبية الشعرية].وقد يكون الافتراض اجراء فرويديا والذي يهتم بالاجراءات الصغيرة بالنسبة لتكوين النص سيكولوجيا رغم قياسات التمثيل التي لا تقودنا بعيدا ولكن من المتعذر استنتاج نصوص تحمل فجوات تجعل التكوين الكتابي غير واضح حتى على مستوى[الصوت]بعد ان حلت في النص مفردات قامت بتشويه النص وتحويله الى ركام من المتناقضات.ولكن في نهاية الفصل المتعلق بتفكيك البنية النصية لشعر المتنبي يعطينا الاحساس بالافق الواسع للمعنى مع وجود تركيب جديد للنص يحمل احساس الى قرارات مثيرة ، وحدث يهيمن على فضاءات النص ودور"الكود" في لعبة المعنى ، وهناك برهنة تراتبية داخل هذه المنظومة الفكرية عند المتنبي حيث يوجد الاختلاف محتفظ بوعيه الاعلى من حيث قدرة التفكيك التي تعارض التلاعب بالنسق التراثي.عند ذلك يكون التمثيل في التركيبة البنائية[ما يتعلق بالجراماتولوجية]وهو الدفاع عن الاختلافية الجديدة في شعرالمتنبي وانشطته الجدلية والانشغال بالتطور التفكيكي وقلب هذا المحور بانبثاق مفهومي عن طريق منظومة التعارضات ،وعن هذا الطريق في[المنظومة الجراماتولوجية]للمتنبي يستطيع[النسق الكتابي]ان يمتحن النص الشعري ويعيد تعيين حدود شفرة النص-بالخطة المحسومة لكي نميز استكشاف مجاهيل[الدال المجازية]وتكويناتها التراتبية ومن اجل ازاحة ما بقي من مشكلات تتعلق[بالتشكيل التفكيكي]للنص وبايجاز محوري يؤكد سلطة النص الشعري عند المتنبي وسيطرة المعنى وفق تأمل تحديثي يخصص لوعي التفكيك عبر سيطرة تبين رغبة عارمة لاستحواذ النص على معنى تفكيكه بافتراض منهجية الضرورة باتخاذ اللغة مرجعية وبرمجة لمحاور تفكيك النص .يقول المتنبي:
في سرج ظامئة الفصوص طِمِّرةٍ يأبى تفُّردُها لها التمثيلا
نيــالة الطَّلبــاتِ لـولا أَنها تُعَطْي مكانَ لجاميها مانَيلا
والذي يتعلق بالرغبة في التفكيك النصي ، هو البحث عن تركيب تفكيكي جديد ، وهكذا هي الحركة الجدلية النقدية بوصفها بنية[جراماتولوجية]تحقق اداة فعل الشيء من حيث الرغبة والاستمرارية في البحث عن المنهجية الاختلافية داخل تحليل لا نهائي للنص.ومعنى التفكيك للنص هو تكرار لبنية[جراماتولوجية]تشكل فعل التفكيك بالتركيب الجديد وبفعل الاختيارات المتعلقة بهندسة-التركيب الجديد وهي الارادة[الابستمية]الجديدة التي ينشدها الناقد.بعدها ياتي القبول الفلسفي للنص بمدارات باطنية تتعلق بالفكر والمعنى والسلطة والامكان[الابستمولوجي]الذي يخلقه الشاعر المجدد الذي يبقي التحديث في النصوص الشعرية.
[المنظومة الصوتية]
[اشكالية الشفرة الرمزية Symbolic Code]والشفرة الصوتية ، حيث تكتب الرمزية وحيث الاستحكام في انتاج المعاني من خلال تصديقيه ايحائية في تركيبات اللغة.او بخاصية معينة للغة باعتبارها وظيفة جمالية تتعلق بخاصية الصوت في اطار شروط قياسية متصلة بالبحث التفصيلي في[الشفرة الصوتية]المتركبة من المنطق الدلالي وبنيته الاساسية في تحليل جوانبه الرمزية والصوتية في الشفرة وتشابكها مع الجوانب الدلالية ةالايحائية التي تختلط بعنصر المحاكاة باعتبارها عرض[Snowing]في مقابل السرد الشعري[Telling]لابيات ابي الطيب المتنبي:
إَنما بْدرُ بن عَمارٍ سحابُ هطَلُ فيه ثوابٌ وعِقَابٌ
إنما بَدْرٌ رَزايا وعطايا ومنايا وطعانٌ وضِرابُ
ما يُبجلُ الطْرفَ الا حمدتَهُ جَهَدها الايدي وذمتهُ الرقابُ
فالمحاكاة في الاصوات ، وهي الحلقة المباشرة في الايحاء مثل في الطعان والضراب في البيت الثاني اضافة الى اشتراك العنصر[السيميولوجي]وتدخله من الناحية الصوتية في تفاصيل الدلالة.والمتنبي يقدم منظومة لغوية في الايحاء يشترك فيها الحكي التامdiegesis-diegesis99*الكلام على لسانه حين يبدو خال من المحاكاة وهي نتيجة لتداعيات سردية تتعلق باللاشعور وبتراسل للحواس.فهو الدور الكبير في عملية الانطباع والتي تتسلل من خلال الايقاع الذي يصل الى الحواس او السمع او البصر
ــــــــــــــــــ
99*انظر:جيرالد برنس:قاموس السرديات ، ميريت للنشر والمعلومات القاهرة العام 2003ص112
اضافة الى خاصيات اخرى في المتشابهات-والمتناظرات والتي تعتمد القياس الذي يربط:المدلولات-والمنطوقات كما هو الحال في[النبر]وايحاءات الوعي البنائي في بنية الاصوات المختلفة الالوان والخصائص المختلفة[الانغلاق والانفتاح]على ضوء حركية الحروف والكلمات التي هي مرتبطة اصلا بالنسق والسياق الصوتي وتخارجات المنظومة اللغوية.وان اللغة والحروف هي موضوعات مرتبطة بالسياقات الصوتية.والايقاع هو المقياس بتاثيرات هذه البنية الصوتية في زمنية تؤكد من خلالها حركية الايحاء.لتؤكد هذه الوساطة.هو ان ما يميز الايحاء التام -والحكم التام بالنسبة الى فلسفة ارسطو التي تعتبر ان العمليات الفنية هي[محاكاة]وان انواع الفنون الاخرى هي مختلفة حسب موضوعاتها اضافة الى الصيغ الاختلافية والتي تتالف من هذه الثنائية المنطقية عند ارسطو التي استخدمها[هوميروس]في تشكيل ثلاثة اشياء للمحاكاة واستنادا الى الخلاصة الارسطية في تحديد نوعية السرديات الصوتية باعتبارها تقع في دائرة المحاكاة الفعلية[mimesis-praxeos]في استخدام الوسيلة اللغوية في مناقشة طروحات ارسطو في كتابة[الشعر لارسطو]وما علاقة هذا الكتاب بتقنيات السرد.ثم ياتي [بول ريكو]ليطرح منظومة الحبكة[plot]في زمن انساني كتشكيل اختلافي يقع بين[الزمن المتشكل في الحياة والفعل الانساني]والزمن الذي هو محصلة تركيبية للرد وربما يكون اقوى من سابقه من ناحية التشكيل الفعلي لمفهوم المحاكاة ، هذه العملية تاتي بارتباط مفهوم جديد للتمثيل المتعلق بالحياة الانسانية او من خلال المرور عبر قنوات مصطنعة لاعمال شعرية مطروقة تحديثيا لابي الطيب المتنبي والكشف الدقيق والجوهري-وعبر الامساك بعناية الايقاع والذي يؤكد المنطق الاسلوبي للنصوص الشعرية المفتوحة عند المتنبي وهي النقطة المتحولة ، من المنظومة اللغوية المتعلقة بالنظام الصوتي وحالة الانطلاق نحو تحليل استقرائي للنص وبتصور استنتاجي يقرب عملية التوصل الى اسلوبية تجسد معنى اللغة من خلال قضية نقل المعنى الى خواص ايحائية.وهذا ياتي في سياق جدلي بين اللغة والمعنى والايحاء.هذا التركيب هو الذي يولد الشفرة الرمزية للصوت في المنظومة الشعرية عند المتنبي.
[تشكيل الصوت]
هو التشكيل الذي يتعلق بالمادة المشكلة ، والتي تظهر في تفاصيل الخطاب الشعري ، باعتبارها رسالة موجهة الى المتلقي لتحدث تحولا صوتيا في صيغة السماع وهي حلقة متواجدة في لعبة التناغم واشكالية التعبير.وتتم المناقلة عبر هذه القنوات من خلال عنصر التلقي ليتحول الى خاصية معنية بالنص.هذه العملية بدورها احدثت بعدا صوتيا في [مثيولوجيا المنطوق الادبي المتوارث في تفاصيل موسيقى الشعر العربي ]او النثر وهي معايير لشبكات وزنية متكونة من الايقاع ، وياتي في مقدمة المعاني القاموسية لانماط الشعر-والنثر الفني عبر المراحل التاريخية.هذه الاشكال الصوتية تؤكد خروجها عن الاطر الوزنية لتقوم بعملية التكرار داخل الخطاب الشعري وتختص بالمعادلات[الجناسية]بانواعها والوانها سواء التامة منها او الناقصة او اللاحقة المكثفة او الربط بين[المعنى والدال]عندها يظهر الصوت على شكل منطق دلالي اضافة الى عمل الجناس المنقوص بدلالة الجمل المقطعية المختلفة لكنها تحتوي على تشكيلات من الانسجة الصوتية المتشابهة رغم اختلاف التغاير في المعاني والجمل المقطعية .وهذا يظهر الشكل البلاغي للنص الشعري وفق ادق مهارة في نسيج اللغة مثل قوله:
سُبْحانَ خالقِ نفْسي ، كَيفْ لذَّتُها فيمـا النُّفـُوسُ تراه غاية الالمِ
الدَّهْـرُ يعْجبُ من حْملي نوائبهُ وصْبرِ نفْسي على احِداثِهِ الحُطِمُ
هذا النسيج البلاغي السيكولوجي يقع في دائرة التالف التقني بين[الزمكان]في تشكيل النمط الصوتي وتجانسه مع الوضع السيكولوجي للشاعر .ونحن نقرأ شعر المتنبي لنعثر على التصويب البلاغي وانماط من التجانس في خواص المنطق الصوتي وهمزة الدال الفاعلة في المدلولات المتغايرة تظهر الجمل والمعاني المختلفة وتكوينات تتشكل بانماط متجاورة من التجنيس والتمثيل للتكوينات المتغايرة بانماط الدلالة
واشكالية اصواتها وهذا يظهر في الخواص الطردية من احكام المنهج اللغوي.وقد تمثل بقول المتنبي:
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
ويلاحظ في هذا المحور المتعاكس وهويتعلق بالانماط الصوتية متجاوزا منهجية[النحو والدلالة]ان يكون المرتسم باللفظ هو غاية التكرار الذي يميز التكوين اللغوي بدلالة اللفظ.ثم ياتي محور[الحزم الصوتية]وقد تمثل بالعملية المتعلقة بالانسجة الخطابية وهي التي تثير مكامن الايحاء ليقوم بالتعبير عن خواص المنظومة الشعرية حيث يتسامى المنحى اللغوي في العلاقة بين[الصوت والمعنى]او[الدال والمدلول]وهنا يترجم المنحى الخاص الذي تكون عبر موسيقى الجمل المقطعية التي تعبر عن طبيعة في الرؤية البصرية او حضور المعجم اللغوي الذي ينقل الحدث الصوتي ويحوله الى حلقات التحليل الاولى في الرصد والتصنيف والبحث في خواص التداخل والترابط بين -[الدال والمدلول]او بين الضوء-والموسيقى داخل بنائية شعرية متكونة من مرتسم اللغة وتشكيلها النحوي وتعقيدات حدودها الفاصلة بين هذه المستويات المختلفة.لانها تختلف عن مكوناتها النحوية.وقد تكون عرضه لتكرار بعض الأصوات دون المبالغة في حالة السيطرة ، مما يضعها في مرتقب الخاصيات التي يغلب عليها التشكيل النحوي في تفاصيله بالحذف للكلمات والجمل المقطعية في اطار السياقات العادية ، وهي نتيجة حتمية لضرورة الاستقامة للمنطق السياقي وحلقات[المنطق النحوي والدلالي]والذي يشكل منعطفا دقيقا في الصيغ البلاغية ونزعة الاختصار للمعنى المقصود ما دام السياق واضح والحذف لايؤثر على وجه الجملة لانه يقع في منظور الجملة التي سبقت هذه الجملة المقطعية يقول المتنبي:
لو كان لفظُك فيهم ، ما أنزل الفُرقان والتَّواة والانجيلا
وقوله:
وكُنْتُ من الناسِ في مَحْفِلٍ فَها أنا في َمحِفْلٍ من قُرودِ
ويعد المحور النحوي في اطار الحذف بالاعتماد على ايضاحات الجملة التي تقع بعد الجملة التي سبقتها ثم تحذف اضافة الى حذف ادوات الربط في الجملة الشعرية المقطعية ليتشكل محورا اخر يعطينا محصلة في سرعة ودقة الايقاع ، والتعبير في النص الشعري بعد عملية التصاعد في الانساق الشعرية باضافة جمل شعرية جديدة ، وظاهرة العكوس في النص الشعري التي تمثلت بالاضافات للجمل الشعرية المقطعية ، فهي تساعد الاشكال البلاغية ، والنحوية في تنظيم الايقاع الشعري او النثري والاستهلال واحد من هذه الاشكال.وقد تمثل في قول ابي الطيب:
[ترفع فيما بينناالحجابا]وياتي الختام في تكرار وتشابه في اطراف النص الشعري وهو يتشكل بالبلاغة العربية في عنوان الارصاد والتقاء الاطراف وفق نسق من التشابه البلاغي او تكرار يحصل داخل نمطية نحوية تقع في جمل متتالية ومتوازية حسب التنظيم الخطابي للقصيدة.وتاتي هذه الشعائر البلاغية وفق مقادير -ومتقاربات تتمثل في النص الشعري:مثل قول المتنبي:
عائِبٌ عابني لدْيك وَمِنه خُلِقتْ في ذوي العُيوب العُيُوبُ
وكقوله:
ومِنْ جاهلٍ بي ، وهو يجهلُ جِهْلهُ ويَجْهل عِلمي انّه بيًّ جاهِلُ
ومع هذا الاستيفاء للاقسام التحليلية في قضية التمثيل لعناصر اختلافية نقوم بتقديم نصا مغلقا يستخدم لجمع صياغات ومعاني مختلفة.وحتى يكتسب الخطاب الشعري طبيعة فكرية بتحقيق المعنى العلمي للتعالق في نهاية المقطع الواقع في النص الشعري وللوحدات المنشورة من خلالها ، يقعان اشكالان في تاريخ البناء للنصوص تلك المرحلة الاولى وتقع في الكلاسيكية .اما الثانية فتقع في منظومة الشعر الحديث ، اما ما يقع في التركيبة داخل الجملة الشعرية وهي المرحلة الاختلافية في الاشكال النحوي وقد تمثل[بالتقديم والتأخير]وهو خارج التسميات البلاغية رغم ما له من اهمية بارزة واختلافية في الاستخدام الامثل في المتغير الافهامي للكلمات مثل تقديم الحال.في قول المتنبي:
كئيبا توقاني العواذِلُ في الهوىْ كما يتوقىَّ ريَضَ الخَيلِ حازِمه
فالنظام في توالي الجمل المقطعية يتحقق بعملية الالتفات ليحدث في تفاصيل الضمائر ثم الافعال اضافة الى مكونات الجمل.وهذا يتصل بمكونات التوزيع للانساق النحوية وهي تقوم بدورها وفق عملية انتاجية للاشكال البلاغية باطار التوازي المتشكل نحويا ليقوم بهندسة الفقرات وفق منظور متماثل يقع على مستوى طول النغمة ومكوناتها النحوية وعلاقتها بموسيقى الشعر ، وهي اصرة جوهرية تربط اللغة باواصر متقابلة من الخطاب الشعري ، وهذا التشاكل الاختلافي له نمطية جوهرية داله حين ناقشها[جاكوبسن]من موقع المقتدر حيث اعتمد عليها-100[ليفين]في خواص التحليل لاشكال التداخل الشعرية وتزاوجها ببعضها مع البعض الاخر باعتبارها حدث يستحق الاهمية في انسجة اللغة .هذا الموضوع ادى بدوره الى اثارة الشقوق الزمنية وعلاقتها بالادامة التذكرية للنصوص الشعرية كما قلنا في بداية هذا الكتاب عن الشقوق الزمنية وعلاقتها بالتناص في الاستحضار الشعري عند المتنبي.ويعد التوازي الدلالي وعلاقته بجوهر البنية الشعرية هو الاكثر اتصالا -بالمستويات المتعددة من المنظومات الصوتية وفي نمطية الجمل المقطعية المعبرة عن عناصرها النحوية والوزنية وهي التي تؤدي مستوى الوعي المتكون من الناحية الشعرية.
ـــــــــــــ
100*انظر:فضل صلاح بلاغة الخطاب وعلم النص..عالم المعرفة الكويتية العدد164ص215
[السطوح الجمالية للغة عند المتنبي ]
وهو ما يتعلق[بعلم اللغة الحديث وعلاقته بالدراسات البنائية]في انساقه من نصوص المتنبي الشعرية.والموضوع ينطبق على النضج والثراء والدقة في الشعرية واللغة عند المتنبي التي تخطت الحاجز الى العلوم الصوتية وما يتعلق بمتغيرات[علم اللغة]وما قام به المتنبي من دور في تشكيل جمالية اللغة وهي اشارة الى مكمن[علم الصوتيات]وخطواته التي كانت قد تجاوزت بنية اللغة الى المعالجة للوحدات اللغوية على اسسها الجمالية ومنظوماتها التحليلية.وفي تناولنا لموضوع[جمالية اللغة]عند المتنبي لابد من العودة الى مفهوم السطوح اللغوية[الظاهرة والسطوح الدفينة]وفي المحور الاول تكون السطوح محسوسة او مفهومة ، اما في المحور الثاني فتكون السطوح[زمكانية]فبين هذان المتوازيان في الزمكان ، يتمثل حدثان هما:حدث الصوت بامتداده الزماني وحسه المرئي الذي ياتي عن طريق تجسيم اللفظ بالدلالة مثل قول المتنبي:
ويوما كأنَّ الحسنَ فيه علامة بعثْتِ بها والشَّمْسُ منكِ رسولِ
في هذا البيت مكونين رئيسيين للزمكان:فكان الحسن من علامات الصدق والشمس هي الرسول كما يقول البرقوقي ، ولكن الحبيبة بعثت ذلك الحسن -وفسر هذا ابن

جني في اثارة الغبار وهو الذي ستر الشمس فهي الرسول الى محبوبته.101*
فتجسيم اللفظ جاء في الحلقة الدلالية في[الزمكان]في الحسن وهو الجمال الحسي ، والشمس هي الجمال المكاني وهذا معنى الظاهر والباطن الجمالي في النص الشعري .وقد توازيا في[زمكان]فعلي في اللغة ، فالزمان اللغوي كان في النسق الصوتي وهو اللفظ في المعنى الحسي وطبيعة اللغة في التنسيق الصوتي الدلالي وما بقي من السطوح الدفينة ما يحس من معنى واراء السطوح الاولى وهي تتكون من[زمكان]يتعلق بالصوت الذي يؤكد موسيقى الشعر والدلالة المكانية.فالدلالة اللغوية في السطوح الدفينة هي المعنى ما وراء السطوح الظاهره.لان اللغة مع التنسيق الصوتي هو المعنى لهذه الالفاظ الا طبيعة اللغة والنسق الصوتي :يمثلان السطوح الاولى اما المحور الثاني من فنية السطوح فيتعلق بالاحساس ما وراء هذه السطوح بتركيبيها[اللغوي+الصوتي]وعنصريها[الزمكاني]اي بصوتها الموسيقي الشعري ، وتركيب دلالتها المكانية .
فالمعرفة بمكانية الدلالة لا يعني الاطلاق بالوعي اللغوي ، لكن المنحى الفني ، هو الذي يصور لنا المساحات على مختلف تصوراتها من ناحية[التجريد الصوتي للغة ،
ـــــــــــــــــــ
101*-انظر:البرقومي عبد الرحمن ج3ص220
والمساحة اللونية والمكانية للغة ]والخير الزمكاني:هو الخير الذي يقع بين[الظاهر-والباطن]من اللغة.فاللوحة التشكيلية على سبيل المثال اذا ادركنا مساحتها وادركنا المعرفة الحسية لهذه المساحات من القطعة اللونية ، لا يعني اننا قد انجزنا الرؤية لموضوع اللوحة.فالحال ينطبق على اللغة وما تحدده الجملة من اطار معرفي دقيق ودفين سواء على مستوى التقويم او الاستخفاف في صياغة المعنى .
[المعنى واللفظ]
وهما اللذان يرتبطان بالحدث الذي يعبر عن كنه اللغة وهما عنصران من عناصر المحور الاول في الظاهر ثم ياتي الانفصال اذا تحدثنا عن المعنى في المحور الثاني .فالمعنى في الحالتين يختلف في الاشكال اللغوي الذي يربط[اللفظ والمعنى]وفريق من يعطي المحور الاول[الاهمية في اللغة]والفريق الذي يفصل بين[اللفظ والمعنى]يناصر محور المعنى ، الذي يمثل السطوح الجمالية الدفينة في اللغة ويعطونها الاهمية الكبيرة اما الفريق الاخر من هذا المحور فهو الذي يعطي الصورة الاولى اللفظ نفس الاهمية من الناحية اللغوية.فالمقاربة السيكولوجية وتفاعلاتها تأخذ المنعطف الجدلي ليكون التركيز على المحور اللفظي ليكون الانتقال الى[الكود]وبهذا يكون المحور اللغوي خارج الزمكان ، وهذا يكون في لحظة الانتقال الى محور الخطاب اي ان اللفظ لا يكون دالا الا اذا تحول الى حلقة مرئية ليتحقق فعل القدرة اللغوية على الاداء.بمعنى ان فعل الخطاب اصبح واقعة حدثية ويفهم على انه معنى خبري ، وهو تحصيل لمحتوى الفعل الاسنادي في اللفظ ويبقى ان ما نريده من هذه الفلسفة القصدية للسطوح الجمالية للغة في الشهادة على العلاقة[الديلكتيكية]بين التعقل الصوري[Nocsis]والتعقل المضموني [102Nocma]*وتبقى السطوح الجمالية للغة هي محور هذا الاشكال التاويلي الجدلي في المنطق اللفظي الذي يحدث في الجملة المقطعية للغة فهو يحدث في المحور الاول[لان الاجناس والتشبيه يقال في محور السطوح الاولى للزمكان اي ان المنطق الصوتي الزماني يتصل بالمنطق المكاني في التشبيه والاستعارة كما قال المتنبي:
أنامُ ملءَ جُفُوني عن شواردها ويَسْهرُ الخْلقُ جَرََاها ويخْتصمُ
وتعد شوارد اشكال محوري ياتي في مقدمة اللفظة الواحدة ثم ياتي دور-الكلمات اي القصائد كما قال[ابن جني]وملء الجفون هو المصدر فجاء في المحور الاول[اللفظة الواحدة]وجاء في المحور الثاني دور الكلمات او كما يسمونها[القصائد]والمصدر الزمكاني الذي يعبر عن اشتراك المحورين بالحركة الجدلية ونجد من النقاد القدماء من يتحدث عن اللفظ ونقد المعنى[مثل قدامة بن جعفر]فهو يتحدث عن المحور الاول
ــــــــــــــــــ
102*انظر:بول ريكور نظرية التاويل المركز الثقافي العربي ص38
بمظهره[الزمكاني]والذي وضع مؤشرات على معاني[ابي تمام]كان في المحور الاول المكاني المرئي او الواضح في المحور الاول وقد انصب النقد على المحور الثاني لان المحور الاول تناول بالشيء اليسير والمحور الثاني ياتي من الناحية الحسية باعتباره قاعدة تقع في المقدمة من الجانب الحسي وهي القاعدة التحتية من النص الشعري وهي التي تحدد تفاصيل المحور الثاني من النص ، وعن التجربة الفنية من حيث انها تكامل لا يمكن تقسيمه.
والمحور الثاني يعتبر هو القاعدة لمفهوم الوعي السسيولوجي للشعر عند المتنبي.وان فهم جدلية الجمال ياتي من خلال الادراك الحسي لهذه الموازنة لذلك جاء الادراك الحسي في المحور الاول من النص.والجمال في الشعر العربي قد يكون في المحور الاول لا بالمحور الثاني ولذلك كان الشاعر العربي يحدثنا عن تكامل تفاصيل الصورة في شخصية الحبيبة ، في اجزاء جسدها ، ولا نجد مقابل ذلك من شاعر يحدثنا عن الوفاء او الحنان او ذكاء الحبيبة بحيث تقع هذه الصفات في المحور الاول من النص ولكن نجد هذا عند النقاد وقد اهتموا بالمحور الثاني من النص.ولكن الاغلب عني بالمحور الاول وبقي المعنى بوصفه منهجا جدليا داخليا يتأسس وفق منظومة خطاب محورية دفينة لانها المحتوى الخبري لموضوعية المعنى ، والفعل التميزي لابعاد النص الشعري ليمثل النطق ، وهو الجانب الذاتي لحركية المعنى.والمتنبي في حركيته للنصوص الشعرية وتركيباته وفق الاحكام التي تأسست على تفاصيل المحور الثاني من النص.والنحاة كانوا قد حولوا القضية الى صياغة المعنى وفق منعطف[اللفظ والمعنى]الدلالي والصياغة بهذا المعنى.وقد تكون الغلبة والتقديم للفظ على المعنى او قد يكون التقديم والتأخير اما في نظر[ابن جني]فهو نمط من انماط الكلام وقد نجده في[القراّن الكريم]او في النص الشعري او النثري وهو انواع عديدة مثل:[تأنيث المذكر او تذكير المؤنث او ايقاع المعنى في الواحد او العكس وهذا ياتي في الحمل الثاني على نمط اللفظ.وعليه قد يكون الاول اصلا او فرعا:واسلوب[ابن جني]هو:واحد من عدة اساليب في اللغة في خواص التعبير عن كنه المعنى ، وهو مذهب واسع وقد يصل الموضوع الى التعامل بالابهام.وهنا يحتاج الى عملية تأمل في اشراك ذهني دقيق ثم جاء-[الزمخشري ،بحلول لهذا النمط من الكلام]فياتي اللفظ على[معنى المعنى]وعند الاشارة عند ابن جني في انواع الحمل على المعنى وقد يستعمل اسم الاشارة هذا الخاص بالمذكر بالاشارة الى المؤنث ، وهنا يحتاج الى اشكالية التأويل في المشار اليه الى منزلة المذكر حتى وان حصل لفظ التأنيث.وكان قوله تعالى:[فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي]وهو التقدير المحذوف في بقاء اسم الاشارة في وضعه من الدلالة التذكير.[وابن جني]جعل مركز التأويل في دخول اسم الاشارة المذكر في الاية في اطار التأنيث عند[ابن جني]ثم جاء[الاخفش]في جعل التأويل ليوسع هذا المفهوم في المحافظة على اصول المعاني في القرأن الكريم.وان ظهور الشمس وذكر الرب في النص حيث قال لهم[هذا ربي]فهو تسامى بهم في مركزية النص الى الوحدانية الالهية ونخلص الى نتيجة منطقية بان كلام[ابن جني]:ان الحمل على المعنى:هو تحميل المعنى معنى اخر بالتذكير والتأنيث عبر شواهد شعرية مثل قول الحطيئة:
ثلاثة انفس وثلاث ذَوْد لقد جار الزمان على عيالي 103*
وحين جعل ابن قتيبة هذه الطريقة في التعبير للمنحى الاختلافي في ظاهر اللفظ ومعناه وهو خروج المنطق الكلامي خلاف[الظاهر والحمل]على المعاني.
فالذي حصل في هذه القضية:هو التنوع الخطابي والتنوع الكلامي ، والانتقال من حالة اسلوبية الى اخرى ، وهذا الذي يتعلق بالمعنى وتشعباته ومجاز الاسلوب وما يتعلق بتركيب النصوص من تحليل لغوي ودراسة تركيبية للنص والمتغيرات التي تحصل من خلال[حمل المعنى واللفظ]وما يشوبهما من تضمين واتساع وما يرافق ذلك من تغير في تشكيلات التراكيب واختلافية في التقديرات الدلالية وما يعتريها من تغيير في التقديم والتأخير او الحذف اثر التركيب الجديد للمفردة بعد حصول الوعي
ــــــــــــــــــــــــ
103*-انظر:تاريخ الامم والملوك ج9ص109
الجدلي من اتساع في[الحمل على المعنى]وما ال اليه المنهج التأويلي في الظاهر ودراسة اصل المعنى استنادا الى عمق البنية التي تختفي داخل سطوح النص الشعري.وهذا هو المنهج اللغوي الذي اختطه[سيبويه في دراسته للتركيب اللغوي وتأسسيه المدرسة القديمة درس النحو استنادا الى النصوص في القرأن الكريم.مثل الاخفش ، والقراء ومن المعاصرين مثل عبد القاهر الجرجاني]ويتجلى النص في قيمته من خلال ما يحتويه من خلاصة للمجاز لانه المحور الحقيقي للسطوح الجمالية للغة وهي تتفرد بالجملة العربية .والنص القرأني يتجلى في خواصه الجمالية العربية فهو نصا متساميا في خواصه المنطقية وقد تجلت تراكيبه المجازية في الدراسات القرأنية.
[النص والاسلوب]
ما يتعلق بالمدار البلاغي والفهم لمنطلق الصياغة وطريقة التفسير والتأويل-وتحديد الابنية السطحية التي تتعلق بالتمثيل الضمني للاحكام.وما هو متصور في اختلاف الثقافات.وكان[الجرجاني قابل ملتقى هذا الحوار في النص من خلال تأدية معناه باعادة الصياغة بلغة وانتاج وتركيب جديد للنص]الى معنى للفهم والمفهوم والى خلاصة بالاتيان للمعنى بعينه ، وايراد الكلام على حقيقته ، وان دلالات الالفاظ عند[المعري في لزومياته هي ظاهرة ايضاح لهذه-الدلالات في كتابه[زجر النابح]واذا اتينا الى المقارنة بين[الشعر والنثر]تتوضح الصيغة المنطقية في الكلام بعد ان حملت معاني عديدة.وهناك امثلة لما اورده المعري في كتابه اعلاه حين يقول: كن عابدا لله دون عبيده فالشرع يعبدُ والقياسُ يُحرّر
والمعنى ان الذي يحدث في مجال العبادة هو قرار بالنسبة للناس:فالشرع هو ان يعبد وانك يجب ان تكون عبدا لله.وان مقياس هذا اللغز هو التحرر بالقياس الذي هو التحرير والاظهار والاثبات وهنا القياس في معناه هو التحرير وهو الرجوع الى الاصول كما الالفاظ في الصياغات اللغوية.ولذلك كان[الجرجاني يبحث في حقيقة النظم وتوخي المعاني والاحكام وفروقها والعمل بالقوانين والاصول فيما يتعلق بالمعاني في التقديم والتأخير ووضعها في مكانها]مثل قول المتنبي بعد ان حمل عليه النقد:
ولذا سمّ أعطيهِ العيون جفونها مِن أَنها عَمَلَ السيوف عواملُ
فيأتي على عدة مشاهد وقوانين :
1.بذم هذا الجنس.
2.الفكر الزائد على المقدار.
3.سوء الدلالة .
4.ايداع المعنى في قالب غير سوي .
5.واذا اردت ابرازه او اظهاره خرج على غير عادته مشوه وناقص البنية والصورة 104*وبالقياس الى النسق في الاشارات ياتي ثلاثيا وهذا مسند نتعرف من خلاله على[الدال والمدلول]وترتيب هذه الاشارات بشكل ثنائي في المنظومة الشعرية عند المتنبي.فالدال والمدلول الجماليين هما محورا معرفيا يلجأ الى المجالات الشكلية للعلامات والمضامين والذي تدل عليه هذه المتشابهات وشكل الاشارات وهي المضامين التي تنحل في التركيب للنص الشعري.
هذا التركيب هو في تجريبيته اللغوية يوجد في عملية التسامي لكيان النص المتفاعل بالحدث ، وبالاشياء.وهي علامة يقوم باظهارها الوعي الشعري واختلافاته من خلال جمالية اللغة باعتبارها منهجا مطلق الولادة المستمرة للخطابات الجمالية ، حيث يتشكل النص الشعري ليعيد اشاراته في كلام يتجدد من خلال التوازنات الجمالية للنص وافتراضات للشرح في اطار العلامات المرئية ، وتقع في ثلاثة مستويات للغة وفق كينونة الكتابة.هذا التعقيد يخفي اشكالا يتأرجح باختلافية ثنائية تجعل النص الشعري بدلالة اللغة ووجود الشأن الكتابي في معترك هذه الاشياء.والنص الشعري
ـــــــــــــ
104*انظر:الدكتور المعلوف سمير احمد:حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز منشورات اتحاد الكتاب العرب ص242
عند المتنبي متواجد جماليا في مديات النظام العام للغة وهي تترتب بالتمثيل الجديد في
قيادة محور الظهور باشكالية جديدة يعطي معنى جماليا ، وبالفعل يتم التعرف على هذه الاشارات اللغوية ، وهي مرتبطة بما تعنيه من تصورات وتمثيل واستجابة فكرية حدثية تحيل المعنى والمغزى الدلالي الى امكان لغوي معلوم في حالة من الانتماء العميق للغة.
وكذلك المعلم[الابستمولوجي]باعتباره سيطرة اولية لمعنى الكتابة واللغة معا.ثم تتلاشى الطبقة الهشة التي يتقاطع معها[المرئي الابستمي]والمقروء في رؤيا البيان ، وتداخل الاشياء في لغة تكرس المعنى الجمالي في السماع.وتكون مهمة الخطاب الشعري هو اعلان التركيبة الفكرية والشعرية لوعي الثقافة في القرن الرابع الذي عاش فيه المتنبي ، وهو التركيب الذي يعي دلالة الاشارة في وعي سيادة التشبيه حيث ولادة الكينونة للاشارات ذات الغموض الرتيب في الشعر ، وهي اشارة الى اتجاهات وميول ابي الطيب المتنبي الى المعرفة التفكيرية الجديدة فيما يتعلق بغريزية الشعر الى اكبر مداحي العمود الشعري-اللذان عرفهما العصر السابق وهما[ابي تمام وتلميذه البحتري]والذي باشر ابي الطيب النشأة على ايديهما وفي هذه النشأة من القراءة تطبع ابي الطيب بطابع هذا الكيان من النفوذ والذي لم يستطع الافلات منه الا بعد ان امتلك الصفة الخطابية للشعر.ولكن بعد جهد جهيد من وظيفة التمثيل هذه.فكان التأثير يملك قيمة بوصفه خطابا وفن في طريقة البناء.فكانت اللغة تشكل حضورا متشكلا في تكوين هذه الشعرية اضافة الى[ثمة انحيازا عرقيا مسبقا لان ابا تمام والبحتري مثل ابي الطيب ينتسبان الى طي باعتبارها قبيلة عربية تقع في الجنوب وابي الطيب كان يعتقد مثل بقية من عاصرهم بان الوعي الشعري مرهونا بأليمنيين وهذا اجزء من التأثير بالشاعرين اي ان السبب كان في التأثير الشعري والتأثير العشائري او القبلي]105*لقد خلص ابي الطيب الى نتيجة في هذا الانحياز والتفضيل الى طريقة شعرية في البناء وهو صعود وظيفة التمثيل عند المتنبي في خاصية المدح باعتبارها هي السوق الدائمة في تلك الفترة ، وان الخاصية الابستمية وهي تعلن عن تكوين جديد يتخللها مضمون ينظم الاشياء من خلال علاقة[الدال بالمدلول]في حيز يكفل شكل مداخلات الابستمة وقيمها اللغوية وهي تنطوي على تمثيل يتضمن معالم ذلك العصر الذي عاش فيه ابي الطيب.ونرى ذلك في تطابق الاشارة في الانساق الشعرية وهي تخفي تحت طياتها[فكرة التشابه]او[التشكيل في المنظومة الثنائية لابي تمام وتلميذه البحتري]ثم الايقاع الشعري في التشكيل الذي اصبح ثلاثيا عندما التحق بهم ابي
ــــــــــــــــ
105*انظر:الدكتور ريجيس بلاشير:ابو الطيب المتنبي:ترجمة الدكتور ابراهيم الكيلاني منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ص40ص41
الطيب حين قلدهم وبقي التشكيل الثلاثي في كينونة الخطاب الشعري حتى تمت بلورة
التمثيل المستقل لابي الطيب ، والفكرة الدالة على خروجه من الكوفة وحدود هذا المدلول ودوره في التمثيل خارج مسقط رأسه.فكان المقصود هو اخفاء هذا الطموح والانتظار حتى تتشكل هذه الاصرة في الدالة المضمونية وتعيين خواص التمثيل ، ولكن الاقدار كانت اكبر في اظهار ما كان خفي في ترسيم الخريطة السياسية الجديدة لمدينة الكوفة.فالتمثيل الذي حدث في اواخر سنة[315 هجرية /927 ميلادية من القرن الرابع]هو ظهور كيفيات فكرية مختلفة من القرامطة تحت قيادة ابي طاهر بالهجوم مرة ثانية على الكوفة.وكان من نتائج هذا الترتيب الجديد من الغزو هو مضاعفة فكرة التمثيل الجديد خاصة بعد رحيل ابي طاهر بفكرة الظهور العمودي للاديولوجيا وفكرة التمثيل الشعبي الافقي الثنائي للثورة في داخل مدينة الكوفة وخارجها اي في ضواحيها ، ولكن هذان المحوران العمودي-والافقي اديا الى نزوع فكرة الرحيل المبكر لاصحاب الثروة من[البرجوازيين]الذين افزعهم[المنهج الشيوعي القرمطي]وهذا بدوره اثرا تاثيرا مباشرا في المتنبي على المستوى الشعري.
فكان المنهج التفكيري لابي الطيب قد امتد ليشمل التصور اي لحركية الفكرة القرمطية وهي تسكن في امتداده فكان للفكرة ادراكا مجردا ومجسدا للفكرة الابستمية العامة وهي التي تكونت بالحس والتمثيل لهذا الحس وبشفافية مطلقة.
وكان لتمثيل الفكرة والقدرة على استعادة الانتاج لهذه الفكرة في دقة ، بمعنى للكلمة من تدقيق للغة من مداخلاتها الجوهرية في الدلالة والقدرة والتوافق السياسي في تحليل هذا التصور وهو جزء من تفكير حقيقي يمثل بالذات ويرمي الى جملة اطلاقية يكون مضمونها منقسم الى قسمين ينعكسان في المعادل الجذري الاطلاقي الفكري وكذلك المعاينة السياسية في التقاء هذه الذات.فكان للمتنبي تشكيل فكري خطير ودقيق من حيث المواجهة التي تستدعي التداخل بين خاصية التطور الشعري من خلال تطور اللغة بالحدث السياسي واظهار الموازنة المأخوذة بشكية النسيج المحبوكة بالاثر الخارجي وعبر شبكة لا مرئية تقع داخل مكونات المنظومة العقلية والتي شكلت مشكلة كبيرة بالنسبة الى وعي المتنبي وواقعه المعقد حتى على مستوى اللغة اضافة الى سمك العالم المحيط به وسماجة مجتمعه في خلط الاشياء والاوراق فان كل هذه الاشكاليات كانت تستدعي لغة اخرى للمتنبي في تفسيره وشرحه وتأويله لجعل اللغة تتكلم وتتحرك وفق كينونة المنطق الحسي للاشياء من حيث القراءة الجديدة لمداخلات الواقع الاجتماعي ووجوده المحير للغة.وكان المتنبي يجد نفسه متمردا ثم يظهر متواريا في هذا التشكيل الاختلافي والذي يظهر بوجود هذا التجرد في منظومة اللغة وليس لها بدا سوى التطور والتغير من خلال القيمة والقدرة على صنع الحدث بالنسبة الى ابي الطيب وكان يناهز من العمر تسعة عشر عاما وكان نبوغه الشعري واللغوي مغمورا وكان لزامًا علينا ان نضعه في خانة التمرد على المستوى السياسي والديني باعتباره متمردا شابا في بداية حياته الشعرية.وكانت الدعوة القرمطية والايمان بها قد غلبت على هذا التمرد عند ابي الطيب في بيتين للشعر مؤرخين في سنة 321هجري/933ميلادي كما يقول الدكتور[ريجيس بلاشير في كتابه ابو الطيب المتنبي كما اشرنا اليه قبل قليل]حيث كان ابي الطيب مفتونا بالجرأة الفكرية لهذه الحركة القرمطية.وكان للغة دافعا جماليا متوثبا للمشاركة بهذه الثورة الشعبية .يقول المتنبي:
ِبكُل مُنْصلتٍ ما زالُ مُنْتظري حتى أدلت له من دولة الخدم 1*
شيخُ يرى الصلوات الخمس نافلة ويستحلُ دَمَ الحُجّاجِ في الحَرَمِ 2* 106*
وهنا تتكشف العلاقات الدينية والسياسية واللغوية بتشكيل هذا التمرد عند ابي الطيب ويمكن التحقق من وجودها ليس بهذين البيتين ، ولكن بخلاصة الخطاب الشعري وشروطه التمردية المطلقة حتى على النص الشعري وبتشابك هذه العلامات والكلمات
ـــــــــــــــــــــــ
106-*-المصدرالسابق نفسه ص83
1*-يقصد دولة الخدم الاتراك الذين تملكوا بالعراق.
2*-وهي اشارة الى المذابح التي قام بها القرمطي ابو طاهر في صفوف الحجاج سنة 317هجري/930ميلادي
باعتبار ان اللغة عند ابي الطيب تدخل في عملية تسامي جمالية حيث يكون النص الشعري شديد التماسك من الناحية اللغوية وهو يجري مجرى التسامي الفكري حتى تظهره لغة تاويلية شارحة كنه الاستدلال الجوهري للتمثيل الامكاني المفتوح بحيادية مطلقة الا ان مهمة الخطاب الشعري تنجز لغويا بالثبات الفكري الذاتي المخصب[قرمطيا]والممثل بالغامض المختفي المبهم ، تمثيل الاستقطاب وتحليل المركب في لعبة التبدلات والتمثيلات الذاتية من خلال اكتشاف المضامين وتحليل الاشياء الدفينة والمرئية ، والظاهره وتحليل اللغة خاصة القيمة ، المتركبة فكريا ، والدور السياسي الذي اختلط بالغموض حيث تم استنطاق اللغة وفق وظيفة مستقلة من الاشارات يطرح من خلالها حضور الكلمات وتمثلها بهذه الضرورة الجدلية والجمالية والتعارضات في المضامين المطروحة وتثبيت الدور التمثيلي للغة وفق اشكالية متميزة تضامنية ومتمفصلة متعلقة بعملية التركيب الجدلية الجديدة على المستوى الفكري في التاويل للكلمات وعلى مستوى بناء منظومة فلسفية من مفردات لغوية جديدة ذات تركيب جدلي تاريخي اضافة الى تنديد المتنبي بالمفردات العامة التي تصور عملية الخلط وبتمايز في التمثيل وفق كلمات عامة ومجردة وهي التي تقوم بعملية الشرخ وابعاد ما هو متضامنا والضرورة كل الضرورة باكتشاف لغة متطورة تواكب الاحداث التاريخية من ناحية التحليل والتجلي المنطقي بالنحو باعتباره تحليل واستنتاج لقيم ممثلة بتركيب المفردات وفق منظومة لغوية تكون اكثر كمالا ومتانة في صياغة النحو وامتلاك نسق الحروف في نظام لغوي متقدم ومتعالق مع منظومة
[زمكانية]تؤشر علاقات هذا التعاقب ومجاله في فحص الاشكالية البنائية وتحليل انماط الخطاب وقيمة الاستعارات وفق ، مختلف القيم والعلاقات التي تقيمها اللغة مع مضامين التمثيل الجوهري او توابع الحدث في مواجهة اللغة وفق مهمة تحديد العلاقة بما تمثله من اشكالية في متن اللغة وما يقع عليها من تبعات.والمقصود من هذا ، هو اعادة حقيقة الخطاب الشعري عند المتنبي الى علميته ، باعتباره خطابا خرج عن لسان نبي من الانبياء الى عامة الناس وهذا هو السائد في شعر المتنبي حين تستنطق اللغة جماليا انطلاقا من جدلية العصر التاريخية في تحديث اللغة وفق مفردة التمثيل عند المتنبي فهو يحافظ على اللغة داخل نظامها الالسني وفي صعود انساقها الجمالية وكينونتها.اما وعورة النص الملتزم تاريخيا بالمديح احيانا والمتنبي كان قد اخذ على عاتقه المهمة الصعبة والمستحيلة احيانا ، فكان متجددا دائما في ذاته الشعرية.وكانت اللغة بالنسبة الى ابي الطيب هي لغة الانتماء الى اللغة اولا والتمثيل لها ثانيا على المستوى اللانهائي في عملية التردد.واللغة الشعرية في نظر ابي الطيب وجودا كاملا في التمثيل الطبيعي للخطاب الشعري ، باشاراته اللفظية وخصوصية هذه الاشارات في التعامل الفني الذي يقوم بتسجيل عملية التمثيل داخل تركيبة وانساق تتعلق بالمدى التجديدي للبنية الشعرية ، حيث قال ابي الطيب ابيات مرتجلة في بني[القصيص]الذين بقوا اشداء رغم هزيمتهم وهكذا كان اتصاله[بابي عبد الله معاذ بن اسماعيل]رغم العقبات التي كانت قد اعترضت المتنبي بسبب حداثته في السن وهو يريد ان يحقق ما يريد بهذا الخطاب الشعري المرتجل ، فكان عليه ان يتصنع المبالغة وهذه جاءت من رصانة طبعه ومحاولة السيطرة على نفسه وتجنب كل ما يقلل من شخصيته ، وكان لا يتردد في السيطرة على الاوضاع اثناء تلاوة القصيدة.
يقول المتنبي:
أبا عبد الاله مُعــاذُ إني
قفيّ عنكَ في الهَيجْا مَقامي
ذكرْتُ جَسيمَ ما طَلَبي وإنا
تُخاطرُ فيه بالمهج الجسام
امثلي تأخذ النكباتْ مِنهُ
ويجزعُ مِنْ ملاقاة الحِمامِ
ولو برز الزمانُ اليَّ شخصاً
َلخضبَ شعرَ مفرقه حُسامي

وما بلغتُ مشيئتها الليالي
ولا سارتْ وفي يدها زِمامي
إذا امتلأتْ عُيُون الخيل منّي
فويلٌ في التيقظِ والمنامِ 107*
فكان للرسالة البنيوية عند المتنبي طابعها[الشعبي]بالاعتقاد وذلك في امتداد جذورها الاولى في صناعة الخطاب الشعري من نسق بالعلاقات والاختيارات للافراد وبهذه المنهجية في الخطاب استطاع ابي الطيب ان يحقق التمثيل اللغوي في بناء الخطاب الشعري بادوات[قرمطية]من الناحية الفكرية اضافة الى اعتقاداته[القرمطية]بالامامة بان الامامة هي ليست تنتهي بالوقوف وبالتمثيل على الامام علي واسرته من خلال الحكم الوراثي.بل ان الامامة في نظر[القرامطة]هي ولاية مشاعة لكل المسلمين.وبهذه الطريقة استطاع ابي الطيب اقناع اكثر عدد من سكان اللاذقية بفرض هذه الافكار التي اقنعت الكثير منهم من خلال الخيال[الشعبي]بان اراءه هي اراء يضفي عليها طابع النبوة.
وبهذا الخطاب الشعري البلاغي ، استطاع المتنبي ان يثبت ان العمق الشعري وعمق
ـــــــــــــــــ
107*-المصدر السابق نفسه ص84
اللغة الجمالي في[ظاهره وباطنه]كان وجودا ومعنى في حلقة اللغة الشعرية وكشفا عن الاشارات ، والافكار من خلال الحس الشعبي الجماهيري ، واستطاع المتنبي ان يملك الحالة الذهنية للناس عبر مركزية اللغة واشاراتها وتصورها التمثيلي الذي لعب دورا شعبيا حسب المنظومة التعاقبية واصواتها الجمعية ، ولغة الخطاب الشعري لابي الطيب كانت قد تمثلت الخطاب ليس دفعة واحدة في اختلافية فكرية بل كان على شكل دفعات شكلت أنظمة خطوط متزامنة لكنها منتظمة.وهذا التشكيل من الوعي يؤلف وحدة كبيرة في عملية المحافظة على التمثيل بالحس الجمعي.من هنا يبدأ التجميع المعرفي بتطبيق نظرية اللغة وفق تشكيل مسبق للتشكيلات اللسانية ودراسة المنظومة اللفظية وتشكيلاتها التزامنية ، والتمثيل بالوعي لهذا المقدار من الشعور الذي يطغي عليه فعل الاستنتاج داخل اللغة.فالموضوع التصوري لمركزية الخطاب الشعري يضعنا داخل اختلافية وتتابعات داخل حلقة النظام الضروري الشامل الذي اسسه ابي الطيب وتمثيله للغة بشكلها الطبيعي وحسب الوجهة الفكرية بالتناول والتمثيل والتحليل ، والتاويل بحالاتها المحسوسة ، والتمثيل للتصور مع البعد السيكولوجي للتفكير والشكل المنطقي للعقل من اجل تكوين منهج فلسفي يستعيد الاختيارات المختلفة وفق نظام للصورة ، حيث تشكل الوعي التفكيري لموضوع اللغة، وان هذا الغموض الواسع باتجاه معرفة الخطاب الشعري يعطينا استخلاصا لنتيجة:هو ان المتنبي كيف يتعامل مع اللغة باتجاه بلاغي حين يتناول المناهج التعبيرية والاستعارات والمعرفة التي تتميز بها اللغة وفق المنظومة الاشارية من الالفاظ ؟ فيكون التناول بطريقة التوزيع في تحليل الخطاب الشعري وفق سلسلة تعاقبية من البلاغة وتحديد معنى التمثيل الفكري داخل اللغة ، لان الوعي الفكري يولد مع اللغة.اما الحلقة النحوية فتتحدد بنظام لغوي يتوزع على زمنية هذا الحيز.والنحو يفترض الطبيعة البلاغية للغة عبر الخطاب الشعري.وكان للنحو دورا تفكيريا في منهجية اللغة وظهور العلاقة الجدلية مع اللغة باتجاه موضوعي للخطاب ، وما يطلق عليه ابي الطيب لغة الموضوع المتسامية على الحدثين[الذاتي والموضوعي]وهذا ما نعثر عليه في بعض القصائد.ويتفاقم المنحى السيكولوجي عند المتنبي بلغة قائمة على احتواء الموضوعية لا الذاتية فقط وهي تدل على طريقة في تركيب العناصر والاشارة الى كل المداخلات المحتملة عند هذا التمثيل والقدرة على الفعل المنظم للغة وفق خطاب يطلقه المتنبي ليحتفظ بالامكانية الذاتية واللغز المعرفي ازاء امكانية الاخرين الادنى-معرفيا منه.يقول المتنبي:
ليس التعللُ بالامال أدبي ولا القناعةُ بالإقلال مِن شيمي
ولا أظُنُ بناتِ الدّهْر تتركني حتى تسدُّ عليها طُرْقها هِممي
لقد تصبرتُ حتى لات مصطبرٍ فالان اقحَم حتى لات مقتحم
ارى اناساً ومحصولي على غنم وذِكَر جودٍ ومحصولي على الكلم
وَربَّ مالِ فقيراً مِن مُرُوءَتِهِ لم يُثْر مِنْها كما اثرى من العدم 108*
كان المتنبي ميالا الى نتائج كبيرة في الحاجة الى امتلاك فلسفة جديدة[للزمكان]يعود بها الى الرغبة المركزية لمعرفة الحقائق وفق ملكات الادلجة الشمولية لمنطق اللغة بشكل يتمركز فيه الامكان التزامني وجدولة الخطاب الشعري بمعرفية جديدة تعطيه مشروعية تمكنه من التحرك وفق روابط سيكولوجية شاملة تفصح عن لغة موضوعية تصور هذا التمثيل بمراقبة جدلية اساسها النظرة الى العالم نظرة كلية ، وان التمثيل والتدرج هذا بقواسمه المشتركة عالميا تسهل عملية التفوق وفق قرار الاكتساب الشرعي ليجعل المتنبي ان هذا الجمال الموسوعي للغة ، وهو القاسم المشترك لجميع الابنية اللغوية ولمعرفة ، تطورها الاختلافي الغائب في هذه الكليات المركبة والمتركبة بحدود موسوعية لكنها عملية من ناحية التصعيد الفوضوي للبنيان الانساني الذي اصبح يعاني شدة الاعجاز لبعده عن ابجدية اللغة والعمل على تطبيقها باتجاهات متعددة بمنظومة الوعي الانساني لكي يقيم ترادفات بين عدد كبير من تفاصيلها وفق عقلية موسوعية تنتظم بالامكان المعرفي باصولها وتشعباتها والولادة للصفات التي
ــــــــــــــــ
108*المصدر السابق نفسه ص87
عملت على تميزها وفق الطابع الكلي والجزئي باتجاه ظروف تجريبية تقوم بها وتشرف عليها الاشكالية الابستمية المحورية بكينونتها المتعالقة وفق محاور كلية للغة وتعزيز التكامل النحوي في شكله الاعم ومعرفة التاويل والتحليل للتزامن بما يتعادل مع هذه القواسم ومركباتها واجراءات الكشف العقلي ومعرفة هذا التخارج الموضعي وقيادته نحو الحس الابستمي.وفحص المثبت كما تقتضي المناهج العقلية والمنظومات الامكانية الجذرية التي تمثل مقتضيات المنطق الصحيح وطبيعته المتعلقة بجمالية اللغة.
يقول المتنبي:
سيصحبُ النصلُ مني مثل مضربه وينجلي خبري عن صمه الصَّممَ
لأتركنَّ وجُــوه الخيـل ساهمة والحربُ اقومُ من ساقٍ على قدمِ
والطَعن يحُرقها والزجر يقلقها حتى كأنّ بها ضرباً من اللمم
قد كلمتها العوالي فهي كالحة كانّما الصّابُ مذرورُ على الُلُجمِ
تنُسي البلادَ بروق الجَّو بارقتي وتكتفي بالدمَّ الجاري عن الدِّيِم 109*

ــــــــــــــــــــــــ
109*المصدر السابق نفسه ص88
هذا الانتماء الى المنابع الاولى للانسان باعتباره حقلا تاريخيا من حقول هذه اللغة في وجوبها المعرفي بالاستحداث في الاقدام واعلان الحرب على التسلط والتحكم بالاخرين.وكان المتنبي يضع التمرد كاملا في تشاكيل اللغة حتى يصبح هذا التسرب للغة داخل كلماتها وان هذه الاثار كانت تقع في مضامينها ان منهجية اللغة عند المتنبي تشكل ذاكرة تعلمنا متى تولد الافكار-والتمردات على السلطان والسلطات وهذه الايديولوجية تضع اللغة في مقدمة الاشياء لانها الولادة الاولى للخطاب ، وهي العلامة التي لا تمحي داخل هذه الارهاصات الفكرية للشعوب عندما يتسلط عليها الحكام بكل قواهم الهمجية وجبروتهم الاحمق وصارت حلقات اللغة تحليلا ، وتأويلا ، وانظمة[ذاتية وموضوعية]يقيمها هذا التزامن بكل ما اوتي من تعاقب وعلاقات عبر المراحل التاريخية.وتستطيع اللغة الجمالية ان تتوالد الوحدة بعد الاخرى وفي مقدمة هذه التفاصيل اللغة التي جاءت بها الكتب المقدسة في مخاطبة البشر والمقياس في هذا الموضوع هو[علاقة اللغة بالزمكان]وانعكاسها في حقيقة هذا التعاقب الذي كان يتحدد وفق اطر قانونية داخلية وخارجية.وكان للظاهر والباطن دورا كبيرا في تطور هذا الموضوع الخطير.فالظاهر المكاني في اللغة:هو التعبير عن خصوصية اللغة لا بامكانها التاريخي ، ويأتي الزمن يشكل باطنها في عملية التحليل ، لكنه ليس مكان لولادتها.والذي يعنينا من هذا الاهتمام ، هو التطور اللغوي ووضوحه في النصف الثاني من القرن الرابع وما شكله هذا التطور من تصنيفات وانماط من تلك[المنظومة اللغوية]والتفاعل المصحوب بوظيفة المفردة ووجودها بمنظومة المتنبي الشعرية.فالمنظومة اللغوية والشعرية بوصفها تحليلا وتاويلا وتعاقبا للخواص المتعينة والمستخدمة كادوات داخل منظومة التخييل.وتعيين الثابت والمتحول من النسيج اللغوي والشعري عند المتنبي ، والمناقلة التي تحدث داخل كل بيت وامكنة التاويل والتحليل ، والقيمة المتماثلة للغة.هناك جدولة وانماط لهذا التعاقب في هذا القرن ويتزامن الوحي اللغوي وفق عفوية للتصور وهذا قد سبقه قانون ومنظومة منطقية تتحكم بالاشكال من التحليل والتفسير ومن الظاهر والباطن من اللغة.اما ما يتعلق بقيمة اللغة من تاريخية عارضة وهيكلية اوما يصيبها من خلط لاوراقها ، فهذا لم يعد قانونا ولا حركة جدلية في عملية التطور.اما حلقة التطور الرئيسية بعملية الانتشار فتاتي في مقدمة هذا الموضوع من[الرحلات والحروب-والتجارة-والهجرة-والانتصارات-والفتوحات-والهزائم]فبعد مجيء الاسلام:حدث انقلاب كبير في متون اللغة العربية حيث تمخض هذا الانقلاب في ان يحول اللغة العربية الى لغة اممية.فكانت للفتوحات كما قلنا الاثر الكبير في انتشار اللغة من خلال انتشار الدين الاسلامي حيث وجد العرب انهم يحملون معنى انسانيا في هذه اللغة من خلال هذه التجربة الطويلة بعملية الانجاز العلمية ، والمعطيات التي ساعدتهم على السلطان والتطوير الكبير للعمران والصناعة اضافة الى الحاجات الاجتماعية-والسيكولوجية.فاللغة العربية كانت نتاج بيئتهم ، ثم حدثت عملية التطور العصرية لا كما كانت تمثل وفق النمذجة المثالية لعصورها الذهبية السالفة.فاللغة العربية:هي ارث قديم لاجداد العرب في الجاهلية ، فلما جاء القران ونسخت ديانات حيث تم نقل من اللغة العربية الفاظا تحددت في امكنة ونقلت من مكان الى مكان ، حيث تكشف عمق هذه اللغة وعلاقتها بالزمكان الجدلي التاريخي.فاللغة العربية في تكوينها هي:[صورة جدلية]مقرونة بحركة تتمركز فيها الدلالة وفق علاقة[تحليل وتاويل]وخواص التغاير وفق المنحى الشعري.فكانت مكة هي مركز هذا السوق وما يحتويه من البضائع ثم زادت القيمة الاقتصادية لمكة في ايام قريش حيث ارتبطت التجارة بالترحال الى بلاد فارس والشام واليمن.فكانوا يتسوقون من اليمن المنسوجات اليمنية الفاخرة ومن بلاد الشام الاغذية والاطعمة ومن بلاد فارس الشمع وكانوا يحملون معهم الى هذه البلدان والامصار لغتهم[اللغة العربية]وينقلون من هذه الامصار لغة وهي اكثر غموضا لم يعرفوها ثم ينقلون المشاهدات ورواتبها اثناء رحلاتهم ثم التشاكل الذي حدث بين الاصطلاحات والاساليب التي طبعت اللغة العربية وهو الطابع المرن.فجاء على السنة العامة منهم-باعتباره نقلة فنية بنائية تمركز في التأهل اللفظي الدال على الاكتساب القطعي في اللغة ومن ثم التعريب الذي اصبح من انشطة هذه الاسطورة اللغوية وتحولاتها على السن عامة التجار والرحالة.وهذا هو جزء من عملية الترويج للصناعة وتعريفا بامر جديد.ولذلك جاء في الخطاب القراني من الالفاظ ما دخل الى اللغة العربية من نقل للالفاظ والمفردات من الامم التي انتقلت الفاظها ومفرداتها اللغوية وفق كيفيات واقعية اصبحت مادة لغوية كونها جددت شروطها بلغة من خلال تشكيل القاسم المشترك اللغوي الذي صور هذه التطابقات والاشتراطات في المنظومة اللغوية ذات المكون الابستمي في عمق المعاينة للاشياء.حيث جاء في الخطاب [القراني]من الالفاظ وكما يلي:
الألفاظ ومصدرها نوعية اللّفظ
1- الألفاظ الفارسية
2- الفاظ روسية
3- الفاظ حبشية
4- ألفاظ سريانية
5- ألفاظ زنجية
6- ألفاظ عبرانية
7- ألفاظ تركية قديمة
8- ألفاظ هندية
9- ألفاظ قبطية اباريق_وسجيل _واستبرق
قسطاس -وصراط –وشيطان –وابليس
أَرائك- وجبب –ودرًِىِّ –وكفلين.
سرادق _ويّم _وطور_وربانيوّن.
حَصَب _وسَرىّ .
فوم .
غسّاف.
مشكاة "الكوة التي لا تنفذ"
هَيتَ لك .

جدول رقم [1]
وهذا ليس كل الكشف للالفاظ التي وردت في نصوص القران الكريم من الالفاظ الغريبة ، انما فيه الكثير من الاشياء.وقد قام الامام جلال الدين السيوطي بحصر هذه الالفاظ حيث بلغت[مائة كلمة ونيفا]ولكن المهم في هذا الموضوع:هو ان القران الكريم ووفق هذه التحولات اغنى اللغة العربية لانه اشتمل على حجر الزاوية بالنسبة الى اللغة التي اشتهرت بها القبائل العربية والتي ادت الى حركة التطور الجدلي التاريخي وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية وطرق التبادل-المتنوعة.واللغة لا تتطور بقوة تاريخية في داخلها اي انها بعيدة عن القانون الذاتي وعمق تطوره ، والانتشار يتم بالعملية الامتدادية وخطوط التمثيلات وتفاصيل هذه التصورات وعناصرها[الزمكانية]التي اشرنا اليها قبل قليل.فالتطور اي ان زمن التطور الفعلي للغة يأتي من منظومة الكلمات داخل باطن اللغة ، اضافة الى العامل الموضوعي فهو عامل مساعد بالامتداد ، ويتشكل من هذا الموضوع:هو تقديم العامل الابستمي للبنية اللغوية ، وهو التقدير على المستوى التمثيل الوظيفي للخطاب الشعري حصرا باعتباره هو محور القرار العمودي الذي يعمل على التعالق في الوظيفة الافقية للغة الخطاب التي ترتبط بالمنهج الفكري بشكل عام فيما يقوم به من معالجة للخطاب داخل انقسام عملي ووظيفي للتمثيل اللغوي والخطابي.وهذا الذي ندعوه التمفصل وهو ياتي بطرق عديدة.فالمتنبي شرع بهذه المفارقة في بناء الخطاب الشعري على ضروب عامة ليعالج من خلالها دور اللغة في الخطاب الشعري وبتميز في انساق التطابقات او الخواص الاختلافية التي تطرحها الظروف العفوية وفق تصنيفات وظيفية تتأسس من خلالها وقائع خطابية تمثل ضرورات متركبة من الناحية الخطابية وتمثل المحور المتكامل بألتحليل للعلاقة التي تربط النظرية بانماط المفردات وطريقة التقطيع والتمركز داخل نظرية الخطاب البلاغي عند المتنبي الذي اصبح متعالق مع نظرية الاصل الجذري لهذا التشاكل الخطابي وهو ياخذ بالاتساع والتنظيم والتجذير اضافة الى التشكيل الاعم في المنظومة اللغوية.واصبح الفعل بفلسفة المصادفة للخطاب ويقع تحت الانجاز من الجمل المقطعية-ليشرع بالانجاز اللغوي من الناحية الوظيفية للخطاب. ويبقى الموضوع الجوهري في اللغة هو:بالتماثل والشروط التي تعين عملية الابستمة بالمسند اللغوي والمحمول والصلة التي تربط الشروط اللازمة بالوجود والوجوب والصورة التقديرية للعبارات المنظوره التي تنطلق جزما من فعل النواة ومن داخل اقسام الكلام كالايضاحات التي يظهر فيها الفعل باعتباره تركيب ممزوج بقواعده المتركبة نحويا مثل الشروط والاضافات ، والتناسب في جميع المفردات والجمل ليتحقق الخطاب الملفوظ الذي خرج من حافة الاشارات المركزية في تكوينات اللغة.يقول ابي الطيب :
اذا ما الكأسُ أرعشتِ اليدين صحوتُ فلمْ تُحلْ بيَنْي وَبيني
وقال ابن جني:وهذا ما جاء في كلام الصوفية مثل قول قائلهم:
عجْبت مِنكَ وِمنّي افنيتني بكَ عَنِّي اممتني بمقامٍ ظنْنتُ أنك أنيّ
هجرت الخمَر كالذَّهبِ المصْفىَّ فخْمري ماءُ مُزْنٍ كالُّلجَيْن
أغارُ من الزجاجةِ وهي تجري على شفة الأمير أبي الحُسيْن
كأنّ بياظهــا والـراَّحُ فيها بياضُ محدقٌ بسوادِ عَيْن
أتيناه نُطالُبه برفدٍ يُطالبُ نفسُه مِنهُ بَدين 110*
وتعتبر هذه الارهاصات واضفاء[الزمكان]باعتباره حلقة مركزية داخل منظومته اللغوية.فالنصوص تحمل معاني زمنية في التكوين البيني ، والبين الذي يأتي مع العقل، والتوقفات التعبيرية في صورة الفعل وهي الدلالة على عمق الاشياء الدفينة في البيتين للمتصوفة اللذان ذكرهما ابن جني.وهنا تدليل على عمق البيت الاول




ــــــــــــــــ
110*انظر:البرقوقي عبد الرحمن ج4ص325ص326
وعمق الخطاب الباطني وهو خطاب اسنادي يقع بين زمنين في[بيني وبيني][افنيتني بك عني][في كلام الصوفية]ويكون استعمار الوظيفة الاسنادية في اللغة بعد ان اضيف اليها المعنى الدلالي[في الصوت والصورة الشعرية]ليصبح فعل اللغة في كينونة المعنى والدلالات بفعل التدليل على هذه الكينونات.والذي تاكد بهذه الذات الباطنة من اللغة ، هو ان هناك كينونات تعبيرية يجمعها باطن لغوي ، وكل اسناد خطابي يمكن ايجاده بفعل التدليل على لغة الكينونة.
من جهة اخرى ليس هناك لغة بدون التدليل على هذه الكينونة ، فنخلص الى معادلة جدلية هو ان لا كينونة بدون لغة ولا وجود فعل كوني دون كينونة-متمثلة باللغة وتبقى الكينونة وجودها من فعل اللغة وتبقى الكينونة هي الممثل الشرعي للغة فاللغة هي مرتسم خطابي للكلمة التي تجاوزت المنظومة الاشارية لتبلغ مدلول هذه الكينونة .
كينونة لغوية+فعل كوني متمثل بفعل اللغة+المرتسم الخطابي =مدلول هذه الكينونة اللغوية ، وان وجود القدرة يكمن في تفاصيل المعنى الذي اسس الصياغة للعبارة.مثال على ذلك ان الفعل الكوني ما يؤكده الاثبات في الحقول اللغوية وتمتعه بمداخلات الصياغة للمعاني.وما تعنيه كينونة الفعل الكونية يؤكدها الاثبات باعلان الوجهة الوجودية التي تجمع المتغيرات الزمنية في باطن الاشياء من حيث الجوهر لانه يمتلك جوهر جدلية الوحدة الزمانية وخواصها المستقبلية.هذه الصفة الجدلية في الانتزاع للاشياء تؤكد حركية:ان هناك اكثر من صفة للاثبات ، وان الفعل الكوني متمثل[بالموت والحياة في اثنين من الجوهرية كتفعيل الزمن ، حيث وجدت فيه الاشياء المطلقة باعتبارها حلقة لنسبة في الجوهر واسبقية في المنظومة التزامنية.فالتمثيل جاء على لسان المتنبي [اذا ما الكأس في المعنى الانطباعي يرافقه فعل الكينونة في اتجاهات كانت قد تجاوزت اللغة الى منظومة الاشارات العقلية في[بيني-وبيني]فكان التحديد بالفعل الذي يظهر هذا الاشكال بمنظور الكلمات ، وكانت اللغة هي المقياس المتقدم بتمثيل الفعل في ابستمه كانت قد تجاوزت هذه الاشارات بتركيبات موجهة من خلال دقائق الفعل باعتبارها البداية والاساس للقياس على النحو المحمول وخواص الصفة العامة لتبيان وظيفة الفعل العمومي عل النحو الذي يحرر انسيابية الوحدة التركيبية ، بعدها يظهر الفعل الكينوني من بين الكلمات المنسابة وتناسبها في عملية الاخفاء والقدرة للغة وهي تكشف بجلاء عن المسائل الاكثر حداثة وتقدما على مستوى الباطن اللغوي الذي عبر عن لغز بفعل هذه الكينونة وابراز مداخلاتها الجوهرية بقوة اللغة ومقدرتها على صنع المنظومة البنائية المرتبطة بعلاقات جدلية مع الكينونة.وان الانتقال الى موضوع الخطاب الشعري عند المتنبي في اسناده واثباته يقودنا الى اثبات العبارة الجوهرية في اقسام الخطاب.وهنا ياتي الدليل في تركيب الكينونة الذي يبرهن على موضوعية الخطاب الشعري وعلاقته بألتعيين والتخصيص وطبيعة التمثيل-والتماثل في الاسناد المنطقي الى نهاية الموقف المرتبط بالصياغة والاطلاق ومعرفة الفكرة التي استندت الى الغموض ، فهي تعمل على فك رموز الجملة ، وتوضيح المسند اليه او القضية الحملية باعتبارها من العناصر المشتركة من عمومية الاقسام التي مثلت الخطاب الشعري بكل تفاصيله ، وان تفصيل هذه العمومية يكون بتمثيل المحور الافقي الجمعي الاختلافي حين يكون ، التعميم متناقضا بخواصه التقاربية ومميزاته التي انطلق منها بواسطة غطاء اللغة باعتباره نظام من الترابطات والعموميات التي تعبر عن مفصل اللغة من الناحية الوظيفية.وان ما عبر عنه المتنبي في اشكالية اللغة الخطابية في الشعر يعني انه ما يزال فعل التمايز في ربط الوظيفة الاسنادية للغة بلغة الخطاب الحاضر وعقدة السسيولوجيا وهي تعين الكلمات والالفاظ التي تنقل الفعل الفكري وفق اشارية تركيبية في خواص التماثل في الاعراب والحاجة الى ادوات محورية[ظاهره-وباطنة]تمتلك مضامين وتشتمل على افكار لها مدلولات في اتصالها بشبكة جمعية من الوعي الرسمي تتخلله قيمة وقيم لغوية تمثل طبائع مختلفة في تمتين هذه الاختلافية المحورية من الاصغاء.

يقول المتنبي :
وجادَ فلولا جُوُدهُ غير شارب لقيل كريم هيجته ابنةُ الكَرمْ
اطعناكَ طْوعَ الدهرِ ياابن يوسفٍ لشهوتنا ، والحاسدون لكَ بالرُّغمْ
وثقنا بأن ُتعطْي فلوْ لم تُجدْ لنا لخلناك قد اعطيت من قوة الوهَمِ
أن الادراك لهذه التحليلات في موضوع الوعي التمثيلي وانتقالاته الى الميادين التركيبية وامكانياتها المجردة في تجسيدات فقه اللغة واختيار التقابلات داخل معرفة وظيفية تتسم بالتجسيم للصورة الشعرية وامتلاكها للتقاطعات اللفظية وحركة الاعراب التي تخللت هذه النصوص وتحليل شبكات الربط من ناحية الاتصال وروابطها التي تركزت في التقابلات حيث قدمت منظومة من التعديلات وافعال كانت قد اطلقت في تبيان التحليل وايجازه بالامكان الابستمي المتعلق بألخرق الجمعي الافقي تحت اسم الاختلافية اللفظية في[الكريم والكرم]وفي هذا يقول البحتري:
صحا واهتز للمعرو ف حتى قيل نشوانُ
في:طوع الدهر:هو جعل المصدر مضافا الى الفاعل ، فيكون المعنى من:اطعناك بعد أن أطاعك الدهر ، اضافة بالامكان ان نجعله مضافا الى المفعول فيكون ألمعنى اطعناك غاية الطاعة وفي قوله:الحاسدون لك ، اراد والحاسدون محذوف النون لانه شبه بالفعل ومثل هذا الموضوع كما قال[عبيد الابرص]:
ولقد يعني به جيرانُكِ المُمسْكو منكِ باسباب الوصالْ
أراد الممسكون ، وانشد جميع النحويين:
والحافظو عورة العشيرة لا يأتيهم من ورائنا وكف 111*
بهذه الكثافة النحوية التي تخللتها حركة الاصوات حيث المحافظة الابستمية على القضية التمثيلية المتعلقة بالالفاظ وانزيمات الدلالة والتصعيد للمعنى وهو يستند الى المدلولات الاكثر تصعيدا وانعكاساتها الثابتة في فقه اللغة.وتتكشف هذه العلاقة وفق صورة هذا التدليل ومكونات ارتباطها بالاشياء ، وهي اشارة الى التحولات المتعلقة بأصل الالفاظ والكلمات وموازنة هذه المشاكلة وتمفصلاتها والدور الاسنادي للحدث في ربط المضامين وتحليل الصور والتي تجد لها مكانا مناسبا في عمليات التبادل الكبرى ونحن بهذا الكشف الابستمي للغة نضع اشارة في الاتجاه المتعلق بالعمق وبما يقتضيه اللفظ او الاختيارات لموضوع الاستجابة وتحليل المنحى الجذري بما يتعارض وقدرة التعيين التي تمنح هذه الاشارة انفعالات التجسيد وحدود النمط الاتجاهي وبحركة معنية لايجاد الموقف الذي تظهره حركات اللغة باطلاق الاصوات ، وهي اشارة الى الاثر المتعلق بالانشطة الظاهرة وهي تخضع لامكانية التصور الذاتي الذي
ـــــــــــــــــــــــــ
111*المصدر السابق نفسه ص176
انطلقت منه هذه التصورات في حركاتها الايمائية كعلاقة عمق التفكير الامكاني في استخدام الايماءة وهي اشارة الى فكرة التطور الحسي التي اقترنت بتلك الالفاظ والاصوات من الناحية الاطلاقية بوجه التغيير الذي اصبح تعبيرا على هندسة اللغة من خلال الولادات الجديدة للمعاني والالفاظ .
يقول المتنبي:
عذلتْ منادمةُ الامير عواذلي في شُربها وكفت جوابَ السَّائل
مطرتْ سحابُ يديكَ رىَّ جوانحي وحملْتُ شُكركَ واصطناعكَ حاملي
فمتى اقومُ بشُكر ما أوليتني والقولُ فيكَ عُلُّو قدْرِ القائلِ 112*
ان تفعيل الحدث بالعذل الملام واطلاق الصيحة للصورة مع التميز الاطلاقي للاحساس باللوم على شرب الخمر وهو يعطينا احساس بالتشابك-والاشارات من داخل تكوين جاهز للغة وهي صورة بلا حراك وفاترة لان التنظيم الذي يلحق الاشارات الصوتية داخل معلول اللغة يعطينا تعبير للمنادمة بخاصية مصطنعة تؤسس عيله تطابقات تتعلق ، بالمضامين الذاتية المحدودة والتي لا تشبه صورة الاحساس الموضوعي ورجوعه الى الاقامات النهائية انطلاقا من مفهوم قديم للبنية التي تصور
ـــــــــــــ
112*المصدر السابق نفسه ج3ص364
حركة البيت على ضوء التدليل بالمعنى الحصري وفرضياته الذاتية ومنفى البيت في الاقامة الصوتية المتركبة بالمعنى الحركي المحدود كما هو الحال في البيت الثاني وحركة البيت الثالث بالمعنى المتماثل في صنع الاختيارات انطلاقا من لغة الفعل الحركي والذي يتبع للبيت الثاني.
فالمحاكاة وروابطها مصطنعة ، وهناك استخدام للمتشابهات داخل قائم ذاتي واحد يقترب بالاختلافات ويرتبط بحلقة التفكير المجاني البسيط ليكتشف النهايات بصورة متماثلة.فالابيات عبارة عن تقسيم ميكانيكي بين عمود اللغة وشعرية مكلفة بالتدليل بشبكة المفردات الافقية ، المتناثرة لتؤلف منطلقا من الصيحات اللااردية وبشكل عفوي وحركي لتفتش عن لغة في مناخات شفوية تدلل عن فروض بدائية في الصورة الشعرية وما يعنينا من الملاحظات النظرية للغة هو ان هذا التمفصل الاشتقاقي والتشكيل لاجزائه ، ياتي من المساندة لهذا التبادل وهو يعطي محتوى هذا التشكيل اللفظي حتى ليتعارض مع التسمية للاشياء مع التحقق من المنحى الاسنادي للغة.والذي يصل هذه النظرية بنقطة هذا الالتقاء الاسمى الذي يتعارض مع الايقاع العمودي القائم على تفاصيل الحركات والتجزئة للعموميات في ظل نظرية اشتقاقية قائمة على عمود اللغة التي تسربت الى حلقة التمثيل.فالصلة الوحيدة لاستقرار هذه النظرية هو مدى ارتباطها بجذور الاشتقاق التمثيلي لكي تكتسب العمومية في ظل المسميات العمومية المنطوقة بذاتها وصورتها المكانية والتقابل بين الاشتقاق او المقابلة فيما بينها.وهذا يحصل من خلال عملية التمازج والتداخل وحصول الانطلاق من القيمة الفعلية واسسها المكتسبة بامتداد هذه المتغيرات في تلك المحاور من فعل اللغة. وهذا ينطبق على انتاج المعنى اذا كان الشعر هو الباعث الكبير للاخلاق والشجاعة والتضحية-بالاستناد الى ما سبق ذلك من معاني في تشكيل النشأة الادبية والشعرية حصرا.فالذين تربوا على نتاج من سبقهم في اثبات الوعي الشعري وتركيبات اللغة الشعرية والتغيرات التي تحدث للمنظومة البنائية وايصال القضية الى المستوى التقني والمستوى التطوري وما يميز الثنائية الاختلافية وما يميز ثباتها[الاستاتيكي]بالاجابة الثبوتية في لحظتها التوقيتية ، يعطينا هذا الصنف من التشكيلات والمادة التي تصهر الفطرة وتقدم معطيات تتعايش مع المنطق الجديد للشعر بثنائيته التوقيتية والاسلوبية الاختلافية.وهكذا وجدت التشكيلات الشعرية المشهورة[كالحماسات لابي تمام والبحتري وابن الشجري]اضافة الى المفضليات للضبي.ويجدر بنا ان نقف على طبيعة هذا الشعر باعتباره مادة لدراسته طبقا لمداخلات البنية ، والصورة الشعرية وهو اختيار كانوا قد تربوا عليه الراغبون لهذه الصنعة وهي مادة ادبية توضح الحقيقة الاعتدالية فيما يتعلق بالشعر التعليمي.ولنأخذ
مثال لما يرويه[ابن قتينة]حين يقول:[كان عمرو بن العلاء ليستجيب للمثقب العبدي قصيدته التي منها:
فإما أن تكون اخي بحقٍ فاعرف منك غثي من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني.
وهنا يأتي النقد ليضع حلقة التوصيل داخل مجس المعنى واول هذا المنحى منحى الفائدة ، وهو اصطلاح سائد في تلك الفترة من الناحية المادية وهي التي تدفع المحاربين الى ساحة المعركة ومنهم الجبناء كذلك تضع حد للشحيح ، فتخلق منه انسانا كريما.وهنا تتركب الصورة الموضوعية بدل التصوير الذاتي للحدث.وهذا الذي كان قد فتش عنه ابن قتيبة في معنى قول الشاعر:
ولما قضينا من منىً كل حاجة ومسح بالاركان من هو ماسح
وشدت على هدب المهاري حالنا ولم يعرف الغادي الذي هو رائح
أخذنا باطراف الاحاديث بيننا وسالت باعتاق المطيء الأباطح 113*

ــــــــــــــــــ
113*انظر:اسماعيل عز الدين :(الاسس الجمالية في النقد الادبي دار الشوؤن الثقافية العراق وزارة الثقافة والاعلام ص177)

ويقول ابن قتيبة[إذا انت فتشته لم تجد هناك فائدة في المعنى ، هذه الالفاظ كما ترى احسن شيء مخارج ومقاطع وإن نظرت الى ما تحتها من المعنى وجدته:لما قطعنا ايام منى ، واستلمنا الاركان ، وعالينا إبلنا الأنظاء ،ومضى الناس لا ينظروا الغادي والرائح ، ابتدأنا في الحديث ،وسارت المطي في الابطح]وهنا يتشكل الزمكان بتقنيات الصورة الاولى والبحث عن المعنى.بهذه الخاصية يعني البحث عن المحور المكاني في نفس الصورة الاولى ، وهنا يأتي الكلام بغير تفاصيله الموضوعة ، ورغم بحوثه القائمة على الالفاظ وتشخيصها وسردها وفق صيغة اسلوبية تؤكد ثنائية التمثيل المفهومي.ولكن ابن قتيبة في بنيته يبحث عن دليل اخر ، وهو دليل الفائدة كما قال.لكنه فتش بالبداية عن المحور الثاني في الصورة الثانية ، وهي غير الصورة اللفظية ، وهي صورة اخرى لم يعثر عليها ابن قتيبة ، إلا ان التفتيش عن المعنى يكون صعبا بالنسبة الى نقد الشعر ، وهذا ادى الى الحكم على شعر[ذي الذمة من انه[نقط عروس تضمحل عن قليل وكذلك الحال ما حدث به محمد بن الحسن اليشكري حين قال[انشد ابو حاتم السجستاني شعرا لأبي تمام فاستحسن بعضه واستقبح بعضا وجعل الذي يقرأه يسأله عن معانيه فلا يعرفها ابو حاتم ، فقال:ما اشبه شعر هذا الرجل إلا بثياب مصقلات خلقان لها روعة وليس لها مفتش].
وقد كان الميدان المتحقق في الصورة الثانية او المعنى والذي اسكنه الجاحظ في اللب من الموضوع الشعري والنثري باعتباره متفردا عند العرب ، حيث يتم الانتقال بشكل مباشر الى الصورة الثانية التي يتضمنها هذا المحور الادبي.وقد عني بهذا الموضوع ثم تحول الى خصوصية الحكمة مثل[ابي العتاهية]و[صالح بن عبد القدوس]وكان هذا الشعر من افضاله وهو الذي يثير الهمم والنخوة والحكمة والافادة من تربية الابناء.ولكن الكثير من النقاد بحثوا عن الصورة الثانية الا ان الادباء لم يهتموا بهذه الصورة في نصوصهم ، وبالتالي لم يكونوا على وعي كامل بهذا الموضوع.114*
[اشكالية المعنى الدلالي]
ان المزج العضوي في طريقة الاستخدام عند ابي الطيب ، في نقل المعنى عن طريق الشكل الدلالي واعطائه نمطية استدلالية ، ونحن نعتقد ان الصور التي تظهر في الابيات في قصيدة[على قدر اهل العزم]تعتبر في تفاصيلها البلاغية هي[بصرية]في معظمها وهذا ما يجعلنا ان نقول:بان المتنبي اعتمد على الشاهد بالعين في[ارض معركة الحدث مع الروم]وإننا في هذا المعترك نعثر على محاور عديدة من التصنيفات البلاغية ومجازاتها وعناصر الاستبدال فيها ، وما يتصل بالجملة والخطاب
ـــــــــــــــــــ
114*المصدر السابق نفسه ص179
[الشعريين]وعلاقتهما بالسياقات والتجاور بالمعاني ، وعلاقة كل هذا بقصدية القطع والتبادل الاستعاري ونحن نعرف بان اللغة:هي ايقاع يخلق الجديد باستمرار من المعاني-وتداعيات الاخرى من المعاني القائمة وهي تتعلق بالاجراء التغييري للمعنى، والذي يفضي الى ملازمة في الاستبدال لمنطق المفردة الشعرية او ما يحدث من تغير في الاشطر الشعرية ، وما نجده في النصوص الشعرية.هناك شطر يتعلق بالمعنى والاحساس قد انصب بالقطع بايقاع كان قد تسلل بعيدا عن الرؤية ومستوياتها الفكرية والشعورية من خلال الصورة وهو الارتكاز الدلالي في الجملة الشعرية.
كقول المتنبي:
وقفتُ وما في الموت شكُ لواقفٍ كانك في جفن الردى وهو نائمُ
تمر بك الأبطال كلّمى هزيمة ووجهك وضّاح وثغرك باسمُ
من خلال عملية التوافق في المحاور الدلالية لهذه الابيات ، نلاحظ التشابه في النص الشعري ، حيث يتم انتقال المتلقي في مرتسم البيت في الحالة الاولى وهو يستعين بمقضيات المنظومة اللغوية للدلالة ومعرفتها-لمنظومة النص التصديقية من الناحية البلاغية والاصرار على معرفة العوالم في ايجاد المعنى اللغوي للدلالة.وعلاقة كل هذا بتشابك النصين-بالمعنى اللغوي وهي اشارة الى انكار سيف الدولة على المتنبي تطبيق المعنى[في عجزي البيتين على تصديقهما]
حيث قال المتنبي:ينبغي ان نقول:
وقفت وما في الموت شكُ لواقفٍ ووجهك وضّاح وثغرك باسمُ
تمر بك الابطالُ كلّمى هزيمة كانك في جفن الردى وهو نائمُ
وهذا يأتي بحكم الحكم الذي تطلقه دلالة المعنى الذي جمع ما بين[النظام اللغوي]و[المنظومة التجذيرية التي وحدت الربط بين الدلالة وعمق المعنى]وهي اشارة الى العملية التجذيرية في جوهرية النص الشعري والنظام التفاعلي للمعنى في العجز الاول وتلابسه مع العجز الثاني-وتلابس العجز الثاني مع العجز الاول وهذا راجع الى اشكالية اللغة ومجازاتها في عملية الاستبدال والتركيب المتعلق بالسياق الشعري ، وحتى يكتسب قيمته الدلالية من خلال المعنى استنادا الى تفاعلات التكثيف البلاغي بالمجاز حيث يصبح التفاعل في النصين كما قلنا في عجز البيت الاول مع الثاني-وعجز الثاني مع الاول ليستقيم المنحى البلاغي في معناه وهو الشبيه بقول امرئ القيس:
كاني لم اركب جواداً للذةِ ولم اتبطن كاعبا ذات خلخالِ
ولم اسبأ الزقّ الروي ولم اقل لخيلي كُرِّى كرَّة بعدَ إجفالِ 115*
ـــــــــــــــــــــــــ
115*انظر:البرقوقي عبد الرحمن ج4ص101

فيكون ركوب الخيل مع الايعاز للخيل بأمر[الكر]-كذلك يكون سباء الخمر مع تبطن الكاعب.وفي مجال ذكره للموت في صدر البيت الاول اتبعه ذكر الردى ليضع توافقا تجانسيا ، واذا اعتبرنا ان وجه المهزوم في المعركة ، يرافقه انكسار على المستويين[الذاتي-والموضوعي]فقال:ووجهك وضاح وثغرك باسم.وهكذا جمع ابي الطيب الاضداد في المعنى ، وهو الادراك بالاحساس الخفي للإيقاع فهو ينتشر بهذا الايقاع بعيدا حتى يصل الى مستويات فكرية في النقل والفهم ، اي انه يستطيع ان يؤثر في السمع عن طريق العمق السيكولوجي في السحر الصوتي والحركة قبل الوصول الى الماهيات بالمنطق الحسي الجديد في هذا الموضوع عند ابي الطيب ، هو مدى احرازه لهذا الايقاع المتفرد على مستوى الموسيقى اللفظية ومضامينها المتنوعة والفنية وان علاقة التجاور للنصوص يتصل بالانساق الدلالية للمعاني ، وليس متركبا بالالتماس الحسي باطاره الموضوعي ، وان المحور المجازي يقوم على تشابك[الكلي بالجزئي]بصيغته المنطقية وبالاعتماد على التقاء الطرفين في منحى العناصر الدلالية الجزئية.
فالمجازين المرسلين يرتبطان بالعملية التجاورية وعلاقتها الخارجية بين الاشياء والمعاني.فعندما يقول المتنبي:
اتوك يجُّرون الحديد كأنهم سروا بجيادٍ مالهنَّ قوائِمُ
فأللمسة الدلالية ارتبطت بالشكل المتجاور[للروم وتجييشهم الجيش من العدة والعديد]فهي لم تمس سيف الدولة ولا المتنبي فالامر كان قد تعلق بالحالة الحسية الموضوعية بينما التعديل هو في التعديل المشار اليه بالتفصيل البلاغي الذي يدخل برصد اليات الدلالة-والمساحة التي شغلها النص ، وهذه المعادلة الوصفية تتعلق بالخاصية الفردية والاشكال المتعلقة بالنص الشعري وانتشاره.وهنا يأتي الفرق بين الاستخدام الجزئي باطار تعبيري ، وبين استخدام انساق برموزها الكاملة.كل هذه التفاصيل هي تعالقات متكونة وفق درجة من الكثافة والنمطية لتوظيف مختلف الفعاليات في النص واطار تدرجها التحليلي واستخدام الصيغ العلمية بقراءة النصوص الشعرية على المستويين[العمودي والافقي]ولاتنحصر هذه الاحصائيات بالصياغات البلاغية للنصوص وكثافتها ومساحتها ، إنما الحساب يكون وفق منحى التوازي المزدوج الدلالي حيث يقوم بعملية الانصات الترددي للاصوات والدلالات بمحطات كانت قد وزعت على اماكن النص افقيا وفق تشاكل عمودي يتعلق بالبنية الهرمية للنص الشعري بعيدا عن التفاصيل البلاغية-وإيغالا بالبنية التركيبية والتشاكل بين[الاصوات والدلالات]وفق نمطية تعنى بالتدقيق الايقاعي الذي ينعطف بالاوزان الى محاور كانت قد جدولت هذه النصوص وفق اسس سابقة متعلقة بمتانة اللغة واداءها لوظيفة الابداع الجمالي.فاللغة شعريا تأخذ افقا اخر في تشاكيل الشخصية في التأثير-والتأثر ونقل هذا الاثر من المبدع باتجاه المتلقي نقلا ممتلئا وامينا من المنحى الفردي الى المنحى الجماعي وفق استخدامات علمية ، لأن الالفاظ الشعرية تمتلك معجم[الحيوية الصوتية]وفق علاقة كانت قد ارتبطت [بالصوت الشعري]وهي مثل الموسيقى تثير المتعة باطار التذوق الموسيقي في الشعر ولذلك أصبح قانون الشعرية هو من تتوفر فيه جملة من العناصر وهي ثلاثة:
1.المنحى العقلي
2.المنحى التخييلي
3.اضافة الى الاصوات المتصلة بالجمل الشعرية باتصال ايقاعي.
فالنصوص الشعرية يجب ان تتوفر فيها الاوزان والايقاعات[والاصوات والاوزان]باعتبارهما عنصران مهمان في العمل الفني لا يمكن انفصالهما عن المعنى 116*وتاتي البنية بطابعها التجريدي ، فهي الكيفية في البناء التركيبي يتعلق بالكيفية لتجميع المادة المكونة للاشياء وتفاعلاتها داخل عملية تصورية تجريدية لخلق العملية الذهنية ، فهي الانموذج الذي يقيمه الفاحص من الناحية العقلية بعد ان يتم تمثيل المعلم باستفاضة ، اضافة الى التتابعات التي تنبثق بمعترك-اختلافي قد لا
ـــــــــــــــ
116*Wellek,R:Tho Theory of Litera ture, P177.
يسعها.والبنية الادبية والمنحى الشعري حصرا ، فهي ليست اشياء حسية يتم ادراكها باطنيا ، إنما هي تصورات تجريدية حتى ولو تم تمثيلها من الناحية التركيبية فهي تبقى رموزا وعمليات توصيلية تتعلق بحقيقة الواقع الذاتي والموضوعي.وما يتعلق بالابنية البلاغية ومستوياتها المتحققة على محاور الجمل والكلمات ، فهي المدخل الحقيقي للبناء العمودي للنص الشعري وانساقه العليا.فالذي يعنينا هو عملية الاستخدام للغة في حدود الانساق العليا الكلاسيكية ، وهنا ياتي دور الاتساع والقدرة للمنحى البلاغي وفلسفته بمجال النصوص الشعرية باعتباره منحى تقليديا ، ولكن الجانب الاخر من الدراسة لهذا النسق في العلوم الحديثة هو البناء النصي-وحدوده واستخداماته الوقتية لهذه العلوم مثل[الدعاية والاعلام]هذا المحور يبقى محدود التكوين حتى وان اخذ الجانب التخصصي ، ولكن الجانب الاخر من هذه الانساق البنائية العمودية وابنيتها الدلالية يفترض النظر اليها ككل مشترك لانهما يختلفان عن الاستخدامات العملية كما قلنا قبل قليل في المجال الاعلامي او الدعاية ، إنما النظر الى النص وانساقه العمودية-والافقية باعتباره يمثل الصفة الكلية والشمولية لمرتكزات هذه الانساق من الابنية المشتتة موضعيا.فالمناقشة العلمية لهذه النصوص هي مناقشة للكل النصي بتكويناته[العمودية والافقية]كذلك المفاصل الدقيقة المتعلقة باجزاء النصوص.وان الابنية العليا او المرفق العمودي والبناء الافقي فهما يتكونا من وحدات مرتبطة بذلك النسق الهيكلي للنص والبناء الافقي باعتباره البناء الذي يأخذ ألمساحة الكلية للحدث.
وان الابنية العليا او المحور الافقي لا يوجدا بشكل مستقل عن المنحى النحوي او اللغوي حتى وان وجد الفعل التقليدي المعرفي بخواص هذا البناء وتفاصيله دون عملية الابداع المتعلقة بالحدث المرتبط بالنسق الشعري ، وان الاتقان النحوي واللغوي من اولى المهام المرتبطة بفعل النسق الشعري وبناء هيكله.
اما ما يتعلق بالفراغات الذاتية من انساق السرد النثري او الحكاواتي ، فهي لا تمثل هذا المنحى من الابنية.ونحن نريد ان نصل الى محور:هو ان الابنية النصية الشعرية التي تتخذ من النسق العلوي الهيكلي نظام تجريدي ، يتأسس عليه منظومة النص الشعري وهي تخضع لقوانين واعراف وامكانيات توافقية قابلة للتطور والتحديث وفق متوازيات وصياغات للوصول الى منظومة[سيميولوجية]شعرية تتعلق باللغة-والنحو-والمنطق الذي يقتضي تواصلا مع الابنية العمودية العليا-والافقية القواعدية بالاحكام لقواعد توافقية لهذه الاختلافات المتعلقة بعلم النص وتشكيلات اللغة المختلفة وتلابساتها مع الظواهر والحالات التوافقية المتعلقة بانماط الوزن والموسيقى والقافية.اضافة الى تلك النمطية الخفية التي تقوم بتركيب هذه الابنية وفق منظومة اختلافية قابلة للتحول ضمن اصرة هذه الابنية ومكوناتها اللغوية وانساقها البنائية وانظمة الايقاع المتعلقة بالنظم الشعرية.والابنية الصوتية والموسيقية والنحوية والصرفية وكل ما يتعلق بالنص الشعري واستقلاله المضموني وبنائه الدلالي اضافة الى البنية التداولية في النصوص اللغوية البرهانية وتقييسا للسياقات التي تؤكد الالزام بالنظرية النصية من الناحية اللغوية والفلسفية النحوية[وسيميولوجيا الابنية النصية]وفق ألمرتكزات الصوتية والدلالية التداولية ، هناك فرز يتم على المستويين العمودي من الابنية والافقي الموضعي طبقا للامتدادات المتعلقة بالفضاءات النصية وخواصها بالاستخدام وفق طريقة دلالية تنتج من خلالها منهجية متميزة من هذه الابنية سواء العمودية او الافقية الموضعية باعتبارها اعرافا من الانساق البلاغية والنحوية وهي من الاجزاء الباطنية في النص ، اضافة الى فقرات الرموز السيميولوجية ودلالاتها وحدود موضوعاتها وعلاقتها باللغة باعتبارها جزء رئيسيا من هذه العلامات وبهذا تكون اللغة جزء من اصطلاح السيميولوجيا بمحاور الابنية النصية وقصيدة المتنبي التي يمدح بها الحسين بن إسحق التنوخي هي مثال على ذلك
ملامي النَّوَى في ظُلمِها غاية الظُّلمْ لعلَّ بها ِمثْلَ الذي بي من السُّقمْ
في التصنيف للابنية الشعرية باطار[السيميولوجيا].هناك علاقة جدلية بين-[الدال-والمدلول]وهو المعيار الذي يتكون باصرة لغوية ، تقوم بانتاج خصائص متميزة في
المعنى.فألمناقلة بين النوى المؤنثة-والفراق وهو غاية الظلم هذا ما قاله:محمد بن وهيب:
وحاربني فيه ريب الزماني كأن الزمان لهُ ما يشقُ
وقول البحتري:
وقد بيَّن البينُ المُفِّرقُ بيننا عِشقَ النّوى لربيب ذاك الرْبَرب
وهنا تتأكد الاشارات الايقونية والرموز بتقسيم يعتمد على منطق اختلافي في التجاور اي بين[الدال والمدلول]بالاشارة الحسية التي تنحو المنحى الواقعي ولكن الوقع الايقوني لهذا التجاور وهو ينحو منحى المشاركة النسبية في التفسير للنص الشعري وفق منظور للعلاقة والتشابه بدلالة الصورة ، الايقونية في النص.وبيت البحتري يمثل التشخيص الدقيق في تقديس هذه الدلالة من منظور العلاقة[السيميولوجية]بين[البين وعشق النوى]وهي اشارة الى اختلافية رمزية وتنوع في الدلالة ومخالفة لاصرة المعنى احيانا.ويواصل ابي الطيب ابياته:
ترّشفتُ فاها سُحْرةً فكأنني ترشفت حرَّ الوجد من بارد الظلم 117*
فتاةٌ تساوى عِقُدها وَكلامُها وَمبْسُمها الدُّريَّ في الحُسْنِ والنظمْ
ــــــــــــــــــــــــــــ
117*البرقوقي عبد الرحمن ج4ص167
في اطار هذا الربط الدلالي في الترشف بالبيت الاول يعطينا فعل العلاقة التبادلية بين[ترشفت فاها]وهو تنوع تدريجي بحالة الانتقال الى[ترشفت حر الوجد]بمنظومة تبادلية تؤكد السحر والظلم لماء-الاسنان وبريقها وهي نفس النكهة اخر الليل والنصوص تتوضح بالعلاقة السيميولوجية من خلال اعادة التوزيع بعد التفكيك والبناء. ويمثل النص الشعري عند ابي الطيب عملية استبدالية بنصوص شعرية اخرى في تشكيلة من التناص الشعري بنص اخر كقول امرئ القيس:
كأنَّ المدامَ وصْوبَ الغَمامِ وريح الخزامي ونَشر القُطُرْ
ويُعلُّ به بَرْدُ انيابها إذا طّربَ الطاِئرَ المْستحِرْ
وقول الحارثي:
كأن بِفيها قهْوةً بابلَّيةً بماء سماءِ بعد وَهْنٍ مزاجُها
وان الفضاءات للنصوص الشعرية ربما تتقاطع سمات واقوال متركبة وفق اصرة نصية اخرى.وفي هذا المركب الجديد من التقاطع يحدث بعد التحييد ومن ثم نقضه ، وهذا الاشكال مرتبط عند[كرستيفا]من ان فكرة النص باعتباره آصرة[ايديولوجية][Id,eoiogeme]وهي من اشكاليات البحوث السيميولوجية وتتعلق بطريقة بلاغية قديمة تخص الاجناس الادبية.اما الابتكار الذي يتعلق بعلم النص وانماطه المختلفة ، بالتعريف على خصوصية النظام الذي يهيمن عليها ، ووضعها بسياقها الثقافي الذي ينتمي اليه.وبهذا، فان التقاء النظام النصي المعطي كممارسة سيميولوجية بالاقوال والمتتاليات التي يشملها بفضائه ، او التي يحيل اليها فضاء النصوص ذاتها.يطلق عليه[وحدة ايديولوجية]118*وبهذا الاتجاه تكون الحلقة الارتباطية للتناص تقع في التجسيد للقراءة ومستوياتها المختلفة وحتى تكون ملائمة لتشكيلات النص من جانبها بهذا الامتداد الموحد لذا فهي تشكل نسقا مهما بالسياق[السسيوتاريخي] من ناحية-العلاقات السيميولوجية وما تشكله من علاقة داخلية بين[الدال والمدلول]وخارجية بارتباطها الاشاري واندماجها بالسياق[السسيوتاريخي]وهي إشارة الى العلاقة التجاورية بالحس بين[الدال والمدلول]ويقع المحور الرمزي للدلالة بخاصيته التناصية وفق التمثيل المتراتب بين الدال والمدلول التناصي مع الملاحظة للتنوع التدريجي بالانتقال التراتبي وان محور الايقونة[المرمزة]او المرموز الايقوني باعتباره محاولات لتناول الرمزية السيميولوجية باشكالياتها الايقونية للعب الدور الرئيسي وفق مستويات البنية السيميولوجية ، وان المظهر الاشاري للسيميولوجيا يخضع للعديد من لغة الاشارة لكي تكتسب فاصلة ستراتيجية في الدراسات السيميولوجية.
ــــــــــــــــــــــــ
118*انظر:الدكتور فضل صلاح:بلاغة الخطاب وعلم النص:عالم المعرفة العدد 64 آب السنة 1992ص230
وهنا يأتي دور التحديد للنص باعتباره حالة تسامي بالنظرية وهو نقد للغات الواصفة ومراجعة لسلم ونسق الخطاب.ولهذا يكون التحول في اطاره العلمي.وهذا الرأي[لرولان بارت]في ربط عملية الترشف حرّ الوجود=بارد الظلم.كقول ابن الرومي في هذه الابيات:
أعانقها والنفسُ بعـــدُ مشـوقةٌ وهــلْ بعــد العنــاق تدان
والثمُ فاهاكــي تزول حرارتــي فيــشتُّد ما القــي من الهيمانِ
وما كانَّ مقدار الذي بي من الجوى ليشفيــه مــا ترشُفُ الشفتانِ
كـأنَّ فؤادي ليــس يشفي غليله سوى أن يُرى الرُّوحان يمتزجانِ
وهنا دور التناص باعتباره ممارسة سيميولوجية دلالية وان من دقائق عملها هو التقاء الفاعل مع اللغة وان الوظيفة للنص هي التجسيد الحي لهذه الواقعة الدلالية وهي التميز الحقيقي للتصنيف الذي يتم بموجبه اعادة الطاقة الفعلية للجملة وهذه المفاهيم ليست اجراء يتعلق بالافعال بالاعتماد على المنهجية القديمة للالسنية وهي تقع بين آلية الحدث+القناة التي تبث الحدث+المتلقي بالاعتماد على فيزيقية الفاعل وتجريبية النص في العملية الانتاجية والذي يتطلب تقنية عالية في بناء النص الشعري.وهنا يتفاعل النص+القارئ+اللغة+الحركة التركيبية=المنهجية الخطابية كما هو حاصل في ابيات ابن الرومي اعلاه ، وهذا ما بلوره[رولان بارت]في البحث الذي كتبه ، بعنوان[من العمل الى النص]وهو مفهوم تفكيكي[Deconstruire]في مقدمة النص المنهجي والانشطة الانتاجية لكي نتأكد من ان النص تجريبيا في تميزه من الناحية الموضوعية اضافة الى القوة النصية المتحولة والتي تتجاوز الوقائع لتصبح ذات رؤية جدلية تشكل نقيضا دائما للمفاهيم الجديدة اضافة الى ممارسة النص التأجيل المستديم والاختلاف في الدلالة وحسابه يشبه حساب اللغة لكنه بعيد عن التمركز او الاغلاق.انه يتمثل باللانهائية ، وانه يتضمن اشارات واصداء للغات-وثقافات اخرى تتكامل وفق اشكاليات التعدد الدلالي ودور المؤلف يمثل الاحتكاك بالنص دون معرفة ارهاصاته لانه عملية اللاانتماء للابوة وهو مفتوح ينتجه القارئ في المشاركة بصميمية وهو تلاقح بين البنية والقراءة لانها تعبر عن اندماجية بخواص الدلالة الواحدة.وهنا يأتي دور اللذة المتشاكلة من الناحية الجنسية لأنها واقعة من الغزل-ومجموعة كبيرة من المفاهيم [السيكولوجية]119*ودور المنظور في النص الشعري عند ابي الطيب المتنبي في البيت الثاني هو انه كان قد تساوى كل من قلادتها-ونطقها-وثغرها الذي تبسم عنه سواء على مستوى الحس-والنظم فهي:درية العقد والكلام والثغر-وهذا هو دور اللذة المتشابكة من الناحية الجمالية والجنسية وهذا
ــــــــــــــــ
119*المصدر السابق نفسه ص231
المعنى متداول كقول البحتري:
فمنْ لُؤلؤٍ تُبديه عند ابتسامها ومن لُؤلؤٍ عند الحديث تساقطه
ويأتي التعدد الدلالي في لؤلؤ تبديه عند ابتسامها+لؤلؤ عند الحديث تساقطه وهنا ياتي الذكر في شيئين ، وقال المؤمل بن أميل:
وإن نطقت دُرُّ فُدرَّ كلامها ولَمْ أرَ دُرَّا قبلها ينظمُ الدرا
وهنا ذكر شيئا واحدا ثم اخذ ابو المطاع بن ناصر الدولة هذا المعنى فقال:
ومفارقٍ نفسي الفداءُ لنفسه وَدَّعتُ صْبري عَنْه في توديعه
ورأيتُ منه مثل لؤلؤ عقده من ثَغْرهِ وحديثهِ ودموعه
وفي هذا زاد ذكر الدمع على ابي الطيب المتنبي 120*من هنا فان النص يتمثل بتشكيلات معينة من العلاقات التي تحمل اختلافية بمنظور الابنية التي تقام خارج حزام النص.فالنص المتعلق بالمنظور الشعري خلاصاته علامات اللغة+الموسيقى والايقاع+الاصوات+العروض+الصورة الشعرية وهذا يسمى [سور النص الشعري]فحدود النص لازمة تقوم على منظومة العلامات المتجسدة تكوينيا طبقا لحالة التضمن في النص مقابل جميع مفردات الابنية التي يختفي فيها أي ملمح كابنية اللغة التي تحدد[الكلمة والجملة المقطعية].
ـــــــــــــــــــــــــ
120*انظر:البرقوقي عبد الرحمن ج4ص167ص168
وهناك تشاكل خفي بين النص والجملة والكلمة والنص يحتوي على منظومة دلالية غير قابلة للتجزئة مثل القصيدة الشعرية بمنظورها الدلالي ، فجوهرية النص مرهون بدلالته الجديدة دوما وهي تتشاكل وتتراتب في انقسام منظومته الى[فرعية وتركيبية]الى الحضور التفكيكي داخليا كحدود للنواظم الفرعية باعتبارها انماط مختلفة مثل اشكالية[الفصل-والمقطع]في النثر-والاشطر-والابيات في الشعر وهذا متعلق بنظام الدلالة وتفاصيله البنيوية في ملازمته للنص.فوجود البنية شرط من شروط مكونات النص.واذا اردنا ان نتعرف على حقيقة النص فيجب ان نتلمس التشكيل البنائي له والمستوى التنظمي ، فهي الرابطة الجدلية بهذا التحديد ، وان التحليل لهذا الموجب في تركيبه الافقي يقع بين بداية النص وفضائه ونهايته ، ومن الواجب ان لا نغفل حدود التركيب للبنية والامتداد أو الانحسار لا يمثل الحلقة النهائية في تحديد القيمة النوعية للنص.
[التأريخية الفلسفية للنص
عند ابي الطيب المتنبي]
يتم الارتكاز على التصورات الجديدة للنص في الالغاء للاستمرار والانقطاع ، باعتباره منهج داخلي من الانفتاح+الانغلاق في الوقت نفسه ، وهذا الموضوع ينقلنا الى[جينالوجيا البحث]عن الولادة.فالنص بلا ولادة ولا جذور وهو في الوقت نفسه[نسقا وجذرا بلا انساق وجذور]والنص لا يسير بخط مستقيم واحد لانه منظور تفكيكي وهو يحمل تصوران[ستاتيكي-وديناميكي]باعتباره وجها محوريا بتشاكله[العمودي والافقي]وبتفصيلات من الابنية المركبة باوجهها-المتعددة والذي نجم عن انتاج يخضع للاستقامة الطويلة وقابلية لعملية الفهم ورغبة في تشكيل التحليلات للالتقاط الفعل التركيبي الناتج لعملية جدلية ناتجة لهذا التصور بالمداخلات للنصوص.ووفق هذا التصور بدأ المنظوران العمودي والافقي من مستويات اختلافية بالاصوات اللغوية +الوحدات الدلالية والموضوعات الجدلية من التفاصيل الهيكلية والمحاور الرئيسية بانتاج التنظيم العضوي.هذه المستويات التي مثلتها الوظيفة بطريقة الفحص والقراءة لمجاميع من الصيغ والتحليلات الاسلوبية التي إرتكزت على المحوريات الصوتية ووحدات الدلالة وعبر قراءة بنيوية لهذه المحاور من منظور[سيميولوجي]بتعدده الصوتي في[جينالوجية ستاتيكية]وفق صيغة البحث والاستقصاء لمنظور النص واطراف نسبه التي مثلت الركيزة [الفسيولوجية]بمحاور الاختيارات وفق العلائق الاستبدالية التي تحولت الى محاور لتركيبات ودلالات اشارية اضافة الى الفضاء[الجينالوجي الغائب بتشكيلة النص]وهذا الامر ينقلنا الى المحور الديناميكي الذي يخرج وفق هذا التصور للنص ووفق تخارجات تحليلية بألكشف عن قابلية هذا النص بتناصه ، وبحكم العوامل الانتاجية له مثل وحدات[التأمل+المظهرية للنص] ["Genealogie" phenomenoiogie du Texteوتوالديته] كان الاول قد تمثل بالسطح الظواهري وفق مفهوم[هوسرل]في الاعتماد على الشفرة الخاصة بالابنية اللغوية.اما الثاني فقد تمثل بالتعالق بين[الدال+
المدلول]وفق سلم متفاوت الدرجات في التشابك والتعقيد او الامتداد.فالتشكيل المتوالد يتكون في الابنية المظهرية وامتدادها اللاشعوري ، وهنا يلتقي بالتناص مع التشكيل الاخر من النصوص المختلفة 121*يقول المتنبي:
ونكهتها والمندليُّ وقْرقفٌ معتّقةٌ صَهْباءُ في الريِّح والطّعمْ
فالتحليل ياتي وفق مفهوم انتاجية الفكرة ، فهي متصلة بالنكهه-والمندلي الاول يعني رائحة الفم+والمندلى وهو العود الذي يتبخر به ومندل هو المكان الذي يقع بالهند جغرافيا ، يجلب منه العود ومثله قما او قامرون وهو ايضا موضع في بلاد الهند وفي هذا يقول ابن هرمة:
أحبُّ اللّيل إنَّ خيال سلمى اذا نمنا ألّم بنا فزارا
كأن الركب إذا طرقتك باتوا بمندل أو بقارعتيْ قمارا
هنا يقع التناص وفق عملية اتصالية بالامتصاص والتحول باتجاه الكلي والجزئي
ـــــــــــــــــ
121*انظر:الفضل صلاح:بلاغة الخطاب وعلم النص ص238ص240
وفق جذرية من النصوص المتشاكلة.
فالنص الشعري متعالق اصلا في فضاءات نصية اخرى يتسرب من خلالها المؤثر بالمقاربة بمنطق الحوارات وبالممارسات النوعية وهذا الفاصل التجريبي في التناص قد ينقلنا الى مداخلات جديدة مثل الشكل-والايقاع اضافة الى ما تضمنه النص من ابنية ، والجمل المقطعية بحدود استخدامها التناصي وما تشكله المحاور من تمتين، لهذا الحوار سواء على مستوى الانعكاس في عملية التشاكل الفعلي او على مستوى الاقتباسات لنصوص شعرية اخرى. ولكن المحور الرئيسي بهذا الموضوع هو الانعكاس الجوهري وما يتركه من نمطية في التركيز على مستوى تكوين المحاور التفصيلية وترتيب الانساق النصية باطار بنية كلية تنشط فوق تركيز موضوع الجهد البلاغي في التاويل بعد متواليات وتفاصيل تتعلق بالاسلوب وهذا قد اتضح من خلال شرح مركبات وتركيبات البنية البلاغية ووحدة النص الخطابي عند ابي الطيب المتنبي ، وقد يقع هذا التشاكل المعرفي للنص بتحولات عديدة لبرهان التناص ، لينقلنا الى الصيغ التحليلية في انتاج الخطاب الشعري بحدود تركيباته الشاملة بالجمل المقطعية بعد ان تخضع[لجينالوجيا]عملية التشفير بسبب تعلقها[بالسيميولوجيا البرهانية للنص]
يقول عمر بن ابي ربيعة:
لِمن نارٌ قبْيل الصُّبح عند البيت ما تخْبوُ
إذا ما أخمِدتُ يلْقى عليها المندلُ الرطبُ
ويروي إذا ما أوقدت ، يقول كثير:
بأطيبَ من أراد ان عَّزةَ موهناً وقد أوقدتْ بالمندل الرَّطْب نَارُها
يقول:حين يدبر الليل القاه موهنا او في منتصفه او في ساعاته الاولى وينقل البرقوقي :بان احدى المدنيات قالت لكثير:فضى الله فاك ، انك القائل:باطيب من اراد ان عزة ...البيت؟ فقال:نعم ، قالت:أرأيت لو ان زنجية بخرت أردانها بمندل رطب أما كانت تطيب؟ هلا قالت كما قال سيدكم امرؤ القيس:
الم ترياني كلما جئت طارقاً وَجدْتُ بها طيباً وإن لم تطيَّب؟
هنا في هذا البيت والابيات السابقة[لعمر بن ابي ربيعة]هي الممارسة العملية للتناص وفي هذا الانتاج من التقصي في التقتير للصورة يمضي البيت متفردا بملامحه في ابراز الاسلوب والصورة الشعرية وقد تضمن خواص التفرد في الكينونة لكنه يمتاز بالاجراء النظري المتركب بحلقة التاويل البلاغية باعتباره تناصا مركبا ينتمي الى منظومة شعرية واحدة في حقل الخطاب البلاغي وحدوده البنائية وسياقاته الخاصة بتركيب وتفصيل[جينالوجيا الخطاب]ومنظوماته الامكانية في خواص الشفرة[code]كما يقول[امبرتوايكو].
نعود الى بيت ابي الطيب السابق:
ياتي القرقف وهو من اسماء الخمر وكذلك الصهباء بحالة معطوفة على الفاعل[تساوى]في البيت السابق يقول:استوت كل هذه الاشياء في طيب الرائحة والذوق ، الا ان الواحدي قال:وقد استوى في هذا الذوق شيئان:النكهة+الخمر واراد ان يقول في الطعم شيئين وتعد النكهة بلا طعم لانها مرتبطة برائحة الفم ، وياتي الاستفهام بألكلام في ذكر الريح ثم الاحتياج الى القافية والى اقامة الوزن-فذكر الطعم فافسد ، لاختلاف ذكره في الطعم ، وياتي العكبري ليخالف هذا الرأي ، لان عند المتنبي كانت قد استوت نكهتها والمندلي وقرقف وعند وصفه القرقف استطاع ان يقول في الريح والطعم ولم يرد فقط[الخمر في الطعم]وتاتي القيمة الدلالية للتناص في اطار بنية مركبة بمستويات مختلفة والمظهر في تشكيلات البنية يعطينا قيمة دلالية منفردة بمعناها.فالمعنى يظهر متعدد الاشكال الاسلوبية ثم يقوم بتركيبة جديدة يثري فيها المضمون الفني بتناص المعنى وفق حدود متخارجة باللغة وهي تخضع لمستويات عديدة في التعبير وفي انتاج الرؤية الفكرية والجمالية والتاويل النسبي لهذه الصياغات وفق ايقاع رمزي يجمع العديد من الدلالات من خلال التوليد المستجد للمعاني بخواص التناص.فالذي نقوله ان تعدد المحاولات في التحليل البنائي يتضمن فلسفة تطبيقية للنص ببروز البنية الفلسفية للنص ، وان ما فعله المتنبي هو:القدرة في خلق المناخات الحساسة من المعاني والتعدد بالحس الجدلي الذي يصب ببحر اكتشافات المعادل الموضوعي للتناص بالاشارة الى تعدد المعاني والامساك بالمعنى القانوني والتاريخي للنص.فالتفرد عند المتنبي متعدد الاوجه ومنفتح على اختلافية في المعاني وهي محصلة وقابلية بنائية لمعان متشكلة بجوهرية رمزية تعتمد على الصورة بتعدد المعاني والتغير في الانماط وبالفروض للرؤية المركزية وانفتاح على المعنى والتاويل بتبادلية لخلق تمثيل مكثف داخل معنى النص عملا وتأملا في رصد ما حدث من تاويل بموقف الصورة الفنية للنصوص الشعرية ، وتناصها التاويلي في زمنية البنية-والمنهج والمعنى وهم التيار الثلاثي في اشكالية البنية الشعرية عند المتنبي ، وما هو مستخدم لكلمة[الاكتمال]في اظهار القصيدة وباطراد كبير ، بانها نسق اكتمالي للبنية الشعرية.
فالمتنبي كان مكمن للتفكير في شعرية الثقافة ليلائم القول بالمعنى وبين الوصف والتصريح باستخدامه للمفردة وهي التي تدلل على الاشياء ويزيح المبهم ليثبت[الدال-والمدلول]هذه الازاحات تتضمن وحدة اختلافية تتعلق بوحدة الاكمال الثقافي.فوحدة الاكمال[Supplementary]تتعلق بالرغبة والحديث يطول عن المكمل ومفردته ورغبة ابي الطيب في محاولته تحديد اجابة دقيقة عن هذا الاستطراد بالمنظومة الشعرية يقول المتنبي:
جفتني كأنيِّ لست انطق قومها وأطعنُهمْ والشُّهبُ في صورة الدُّهمِ
يحاذرُني حتفي كأنيِّ حتفه وتنكُرني ألأفعى فيقُتلها سمِّي
في البيتين هناك اشارة الى الشهب من الخيل ووصف للالوان ببياض غلب عليه السواد والدهم يطلق على السود وهناك جفاء وهجر والنساء العربيات يعشقن الشجاع والفصيح من الرجال ، وهنا يحضر قول العنبري عندما وجدته امرأته يطحن فازدرته:
تقول وصكّتْ وجهها بيمينها أبعلي هذا بالرَّحى المتقاعسُ
فقلت لها لا تعجلي وتبيَّني بلائي إذا التفت عليَّ الفوارسُ
يريد ان يقول لها انه شجاع فهو حسن البلاء في الحرب حتى ترغب فيه فذكر ابو الطيب ان هذه غادرة ناقضة عادة امثالها بجفائه وهو عندما يصور الشهب في صورة الدهم السوداء يريد من ذلك ان يصور انه اذا رؤيت الخيل الشهب سوداء ذلك لتلطخها بالدماء وجفاف الدماء عليها كما قال النابغة الجعدي:
وتُنكرُ يْومَ الرّوْعِ الوانَ خْيلنا من الطّعنِ حتى تحْسبَ الجْون أشقرا
ثم ياتي الوحدي ليقول:بان الحتف لا يصور الحذر إنما يريد ان يقول ان قرني الذي منه حتفي اذا قاتلني لحذرني كاني حتفه:أي كاني اقتله حتما وانتصر عليه فهو يحذرني حذر من تيقن هلاكه من الانسان وقد يكون هذا مجازا وصيغ من المبالغة في الوصف للبطولة ثم ياتي قوله وتنكرني الافعى:اي عندما يتعرض لي اعدى اعدائي فانتصر عليه فالاعتداء صنفين:حاذرا يحازره ومعترضا يهلكه عندما سماه الافعى واطلق على نفسه[سما]وذلك لشدة تأثره بعدوه 122*وتاتي حلقة التنافر في التنظير ، فالمتنبي يتحدث من الناحية الشعرية في الثقافة بدليل يتعلق بتفاصيل النص ومنه تفصيل المضمر في النص وتشكيل التناص الذي ظهر بالمنحنيات الشعرية ليشغل التاريخ النسبي بهذا النص المضمر ويخص الاصول الشعرية للثقافة وهذه الاشارات الواردة في الشروح تعطينا ثقافة شعرية تاريخية بل هي السيادة التاريخية للشعر والشعرية الثقافية وهي تؤثر وتؤجج الوعي الشعري الثقافي وتنشره بممارسات شعرية تناصية حيث تنشأ في المضمور من الانساق الشعرية عند المتنبي وغيره من الشعراء ثم الانتقال من مزاج الى صورة الى مزاج الى مرتسم ثم الى صورة بهذه النصوص بممارسة تناصية تتعلق بفحولة الشاعر وفصاحته بمرتسمات القصيدة العربية وتأكيد استمرار عملية التأثير والتأثر في مرتسمات الخطاب الشعري وما يتعلق بالبداية ثم الانتقال الى وسط القصيدة ثم الى التكوين النهائي للمرتسم في الوصف والخلاصة الدقيقة للخطاب من اجل الانتقال الى الحدود التقريبية وتكريس-
ـــــــــــــــــــــــ
122*البرقوقي عبد الرحمن ج4ص170
المرتسم النصي وبيان قراءته في نزعة مبكرة لعالم يتحول الى منعطف ثقافي وقواعدي من الشعرية الثقافية ، وان الرصد لهذه التكوينات الثقافية في الشعر وطبيعة النسق المعرفي بالوقوف على الحدث وما يتلون به من صيغة سواء بالمرحلة الجاهلية او المرحلة الاسلامية.وتعد هذه القيمة بوصفها ربما عمقا انسانيا مطلقا وهي معرفة في القدم على طلل حديث اي ذات منحى اسلامي مثلا ، مقارنة بالطلل الجاهلي.كل هذه المفارقات تعطينا تاملا شعريا يحمل في طياته كلتا المرحلتين القديمة والحديثة في الرؤية.ولكن الرغبة الاكمالية بطرف النهايات وهي مفارقة بالنسبة الى ابي الطيب ، فهي شكل من المرتسم النصي يتنازعه بنغمة الشاعر المفسر والمهيمن على النهايات وهو يتبنى النغمة الفلسفية الارسطية ومشهدها[المثيولوجي]في نصوص المتنبي الشعرية كما اتهم بها هو ، وهذه هي النشوة التي ينطوي عليها حلمه بانتاج مكمنه الشعري والذي يدخل بتكوين هذه القوة المعرفية في الشعر لأنها قوة متناهية ، وهي ليست خدعة كتابية اسلامية وهي ليست حلم بعيد عن الحقيقة كذلك هو ليس ثغرة في عملية الانغلاق على النسق الضامر بحقيقة النص ، لكنه في النهاية يكون كشفا للمستور في النصوص الشعرية وتطورا حداثيا باشكالية هذه الظاهرة الثقافية.
وما مطروح من قضايا جدلية في الحديث عن قضية الشعر عند ابي الطيب وقضية اللغة الشعرية ، هذه الحدود تدخل في حدود تمايزها باعتبارها خصائص للمفارقة عند البعض وهو ما يتعلق بالاسلوبية وهي تشارف على النهاية في مقدمة الاشياء ، هذه الاشكالية تنطوي عند المتنبي كانها صياغة بتشكيل النص الشعري وعلاقته بمعجم المتنبي الشعري وهو يدشن التعاملات بخواص شعرية الثقافة حيث توحي المفردة الشعرية ببداية منعطف النظرية ورفض المقدمة المعرفية وما تحتويه من سياقات وتشاكيل تحدد تحركات الشاعر باستعمال جملة من المفردات والجمل الشعرية.فالمتنبي كان يرفض هذه الحدود لكنه كان يلتزم بسياقات الوعي القبلي للشعر بكل قوانينه وباختيار معرفي ومطلق لخواص هذه المقدمة الشعرية في الرفض للمساءلة ما دامت لا تخرج عن قوانين الشعر المطلقة.وإننا نقول بان نظرية ابي الطيب الشعرية ترفض المساءلة والاحتكام الى جمالية النص ، اي ان فعل القراءة يحيط بالولادة الجديدة من خلال تشكيل هذا التناص بمفردات متفردة وبمفهوم يقع على امتياز في حسابه سلسلة من التبدلات تظهر خصائص المنهج الاسلوبي المتميز باستبدالية منهجية ذاتية في اللغة.فالثنائية الاسلوبية اللغوية وتركيباتها تنتهي عند المتنبي بالصياغة الشعرية وحدود امكاناتها الواضحة باختلافية منهجية بين[الدال-والمدلول].لكن الاختلافية على هذا النحو يستبدلها المتنبي بفكرة التحول في منهجية النص والاختلاف التام على هذا النحو في اطار المنظومة اللغوية وتشكيلاتها النصية.إننا نقوم بنقل مدلولات شعرية ومناقشتها استنادا الى ادلة دالة او أداة تتعلق بالنصوص الشعرية عند المتنبي ، والمبحث اللغوي او الاسلوبي بهذا الموضوع يضعنا باشكالية هذا التناص الذي يظهر عند الشعراء الاخرين من مختلف الاجيال داخل منهجية تفكيكية يتأسس عليها البعد الفلسفي للنص في اطار لعبة مزدوجة في الحضور الشعري المجرد ومناقشته الدقيقة للفوارق الفلسفية وفكرة الحضور في الاستخدامات للمنهج التفكيكي بفعالية تمثل عبقرية الوجود داخل المسار التفكيكي للنص. وكان المنحى النقدي في الفترات السابقة واللاحقة يقوم بتفعيل الجهود للكشف عن ما وراء النص من اشكاليات في العمل الشعري والوقوف على النص بشفراته الثقافية وهي قراءة للنصوص في مجال التنظير النقدي باطار بعيد عن المداخلات الجمالية وحتى الاسهام في نقل العمل بالنسق الذهني وفق اشكال خطابي وبتحول عبر مرحلة جوهرية وتاريخية ، وهذه جهود معرفية طبعت بالاكتشافات داخل منهاجية النص الشعرية حيث المرحلة الحداثية الجديدة التي تمخضت عن البنيوية باطار وعي ما بعد الحداثة الى مرحلة ما بعد[الكولونياليه]وحيث الاستخدام الأمثل لمنحنيات اعمق في مجالات الوعي وحدود منطق النظرية الجمالية في اللغة البلاغية وهي التي تضع افتراضات تتعلق بدلالة العنصر الخطابي والاتقان في كشف الدلالة ولكن ما يتعين من كشوفات بقيت رهينة التحولات فيما بعد الحداثة وقد تعالقت هذه المخفيات من العناصر التي ركبت النص من مضمر في التركيبات التي تتعلق بالذات او الموضوع او الفعل الدلالي باعتباره المشكل بالمنظور التحليلي.فالمحور الجمالي في النصوص الشعرية للمتنبي لا تعطينا مفهوما رسميا تحت يافطة النظرية الجمالية في اللغة والبلاغة إنما تعطينا خطابا فاعلا نصفه الاخر يلتزم به المتلقي.فالمتلقي هو النصف الاخر للحقيقة الجمالية العامة.والنص الشعري عند المتنبي ، هو ليس نتاج بلاغي احتكاري لكن شروط الاحتكار يكسرها المتلقي باستلهامه للوعي الجمالي في النص.ثم بعد ذلك يأتي دور الناقد وهو الكاشف لهذه النصوص لمعرفة خفايا النص بالاستناد الى الثقافة الفكرية والادبية والمعرفية بشكل عام.وان فعل الكشف لا ياتي من لا شيء اي ان الناقد مطلوب منه ثقافة واسعه لكي يعرف مكمن ما يحويه النص من شروط ثقافية وحضارية.واصبح النص منتوج اقتصادي وحيث ما يحقق من ارباح على مستوى الثقافة وبالتالي فهو وسيلة واداة تنفيذية حسب مفهوم الوعي الثقافي الجديد واصبح النص ليس الغاية والهدف ، بل هو المحور الرئيسي في اطار اشكالية الوعي الثقافي لانه تمثيل للمنظومات السردية والتفاصيل المتعلقة بالنسق التمثيلي والتحليلي والغاية القصوى بهذا الاشكال وما يتعلق بالمنهجية الذاتية في تشاكلها السسيولوجي وهي تتموضع نصوصيا.123*
ــــــــــــــــــــ
123*انظر:RJohnson:what is cultural studies any way?in J [storey "ed" what is cultural studies[75
وما يتشكل بالمراهنة على خلاصات المتنبي بالمعالجة للمشاكل التي تمثلت بالصياغات الشعرية وفق سياقات التأسيس لثقافة مختلفة بموضوعية التاريخ للنص واختيار هذا المحور البلاغي الايديولوجي الذي يتواصل مع سياسات التفكيك النصية وليؤكد من وراء ذلك من ان النص الشعري نص متدفق ومنشغل بطريقة تجسد الوعي واثره في الثقافة واثر هذا التنبؤ بشخصية ابي الطيب وهو يتساءل عن حقيقة الوضع الشرعي وهو يؤثر على انبثاق رؤية تتعلق بالسلطة المرجعية بعد اكتشافات المتنبي لعقدة الروح داخل هذه النفس البشرية لانها[وعر]لا يعرف الهوان.لقد منح المتنبي هذه العقدة والمصابرة في البحث عن مركزية الوعي الشعري ثم بدأ يغوص في ذلك اللهب الذي يطهر النفس البشرية لينقلها الى حالة التسامي انطلاقا من حالة السياق الشعري.
يقول المتنبي :
سيصْحبُ النَّصْل منِّي مثل مضْربهِ وينجْلي خبــري عَنْ صَّمة الصِّممَِ
لقد تصبَّرْتُ حتَّى لاتَ مُصطبرٍ فالأن أقحُــم حتــَّى لات مقْتحمِ
ميعادُ كلِّ رقيق الشِّفرتين غداً ومن عصى من مُلوك العُربِ والعَجَمِ
فأنْ أجابُوا فما قصدي بها لُهُم وإن توّلوْا ، فما ارضَى لهـا بِهـِـم
وتوحي الاجمالية في التشكيل اللغوي ، بان التركيب يهيء مواضع في المتن الشعري تكون قابلة للحركة والتمحور ووفق استخدام امثل لاغراض هذه التراكيب.فالتركيب الاكبر في المتن اللغوي ينقلنا الى علاقة هذا المتن والتطور التاريخي للنص.وثمة علاقة دقيقة بين المتن في النص الشعري والهامش الاعتيادي بمنطق النص فهو يشبه الاشياء في عالمنا الحقيقي ويبرز هذا الوجود عبر السياق العام للنسق الشعري وكما هو واضح في البيت الثاني فهو يكشف اي النص عن اغشية رقيقة قابلة للرؤية رغم وجود الفواصل لكن-الاختيار يأتي وفق معايير تتركز عليها الابيات لتحقق منعطف حقيقي.والهامش عند المتنبي لغويا لباقي المتن في مجال التعبير اللفظي لانه هو الشكل المحرك للعمل الشعري ويقع ضمن هذا الفراغ ومرتبط بخيوط غير مرئية ليؤلف دائرة الكلمات داخل متن النص.وقد مضى ابي الطيب في تشكيله الشعري في رسم الخطوط البيانية وهو يشمل الوعي الشعري الدائب في احكام الرؤية وتطوير الاداة وتشخيص اللحظة من الناحية الادراكية.ان شيئا لديه سوف يقوله ، هذا على مستوى المتن في النسيج الشعري اما على مستوى الهامش وهو المسلك البشري الواضح ايضا.والمألوف في حركة التطور اي ان التجربة هي حقيقة التجريب التي يبحث عنها الشاعر بل يسعى اليها ويتقبلها بشكل فعلي وهذا الهامش هو الخميرة المتوقدة في انتاج التأمل والاطلاع والرغبات والعلاقات اضافة الى[منطق الشهوة+المغامرة]وفي الحالتين اي حالتي[المتن والهامش]هما خطان يسيران ويلتقيا في مرتفع عال ليحققا المعنى الشعري من خلال احتشاد هذه التجربة وتبلور التجريبية وفق الصياغات الفنية المتقدمة ليتلابس فيهما الشكل مع المضمون.وما يتعلق بهذا الاشكال التأريخي ولغة العصور وما يتعلق بالذوق اللغوي والصوري الخاص بذلك العصر او القيمة الفكرية في عملية التصوير والمرتبطة بين الشكل والمضمون او فصل المعنى عن تراتبيته الشعرية والمتعلقة بخواص ذلك العصر.رغم كل هذه التفاصيل ، فقد احتفظت اللغة الشعرية عبر هذه العصور بكل ألمقدمات الفنية في النمو وهذا جاء بفضل-العبقرية الشعرية التي جاء بها المتنبي التي اثرت في الصياغات والمعاني كما انها اثرت بالتجربة الشعرية والتجريبية الفنية وقواعدها اللغوية والفاظها وما يتعلق بالتجديد فهو يتقدم الموضوعات في المجالين الجوهري والتجذيري لانهما الحلقة[الابستمية]في أسلوب المعاني وكذلك السمو في مناهج اللغة والمهارة في صناعة النص عبر رؤية شعرية تقنية متقدمة من خلال الاستفادة من منهجية الثقافات العالمية والشعرية حصرا وربط الشعر سسيولوجيا بعلو المعايير المتسامية بعمود الشعر.124*
ــــــــــــــــــــــــــ
124*انظر:الفنيمي محمد هلال النقد الادبي الحديث ص167

[الصورة الشعرية عند المتنبي]
وتؤثر هذه المعايير بالمبدع والمتلقي كذلك فيما يتعلق بالشعرية.فالمحتوى المفهومي هو ما يتعلق باللغة وتركيباتها والفاظها والاصوات المتعينة بخلاصات النسق الضامر والموسيقى اضافة الى المنجز الخفي للمحتوى العقلي والايحاء ، واتصال كل هذا بالمفردات حيث يتكون ايقاع متفرد تستوي فيه شروط الوعي الشعري من خلال منهجية نظرية للشعر وتفاصيلها التي تتأكد بألصورة الشعرية بايضاحها للمفاهيم الحياتية.فالحياة الخفية للقصيدة عند ابي الطيب تنقلنا الى مبدأ التعاقب بالاشكالية الفكرية-واتجاهاتها واختلاف العملية التاريخية في تحديد المنحى داخل حركة القصيدة.في هذه الحالة يجري توظيف الصورة الشعرية باعتبارها مادة تنظيرية تكنيكية مكونة ، لتشكل النص الشعري ومن ثم احتياجات المرحلة التاريخية لتفصيل المرحلة الجوهرية للشعر عبر قنوات مختلفة وهذا ينقلنا بدوره الى حلقة التوصيل ودرجة الوضوح والدقة لمسار الفعاليات داخل بوتقة الابداع هذه ، حيث تتأكد المناقشات الاختلافية ومن خلال هذا المنظور التنظيري ، هناك دعوة للخروج من هذه القولبة النظرية والجمالية والانتقال الى السوق كما يقول البعض ممن تأثروا بالنظريات ما بعد الحداثوية وارادوا ان يترجموا ما جاء به المنظرون الغربيون حول الشعر العربي واتهموا المتنبي بالشاعر الذي يستجدي في شعره ولم يحقق اي تطور على مستوى الايصال الشعبي[وسوف نعود الى هذا الموضوع في الصفحات القادمة]والصورة الشعرية باعتبارها احدالاصناف الموضوعية[Category] التي تتعلق بالعملية الابداعية في مكونات القصيدة[والصورة الشعرية]تركيب معقد وعنصر مكون للعمل الادبي والشعري حصرا ومستقلا داخل هذا الفعل الجوهري ، لان اصطلاح الصورة[Image]متشكل من دلالات ومعاني ، والقصيدة عند ابي الطيب تتركب من صور عديدة فالاستنتاج بهذا الموضوع يحدد لنا خواص الاسلوب فهو في حالة تغير دائم وكذلك الوزن وحتى اشكالية الموضوع يمكن ان تتغير ولكن تبقى القصيدة عند المتنبي وحدة صورية وتشكيلات من تركيب للصورة الواحدة وهي القوام الرشيق في معناه للاشياء حيث الرسم الدقيق بالكلمات وباشكال يجيز بقاء المجاز ظاهر داخل الصورة لانه قياس ابداعي ، وان قوة المجاز عند الشاعر ياتي من قوة شعره كما يقول[هربرت ريد]كذلك قول[ارسطو]وهو يتحدث عن المجاز في الشعر[ان الشيءالعظيم هو الى حد بعيد قابلية التحكم في المجاز وهذا وحده لا يمكن ابانته من جانب شخص اخر ، فهو علاقة النبوغ]125*
ـــــــــــــــــــــ
125*انظر:سي دي لويس[الصورة الشعرية]وزارة الثقافة والاعلام العراقية دار الرشيد 1982ص20
وكل المركبات المتعلقة بالوصف والمجاز او التشبيه والاصوات المبثوثة في ثنايا ومتون القصيدة ، هي التي تركب الصورة الشعرية ، والصورة الشعرية بشكل عام تقدم لنا رؤية تفيق الوصف بدلالة تفوقه على ذلك الانعكاس المتقن للحقيقة الموضوعية.والصورة الشعرية عند المتنبي رغم حقيقتها الموضوعية او الذاتية فهي الى جانب ذلك تعبر عن مجازية جوهرية متجذرة في سياقات الملاحظة وقابلة للحركة[الديلكتيكية]اذا باشرنا بتفاصيل الصورة الشعرية عند ابي الطيب لانها الطابع التجذيري للقصيدة ولانها تعبر عن رؤية دفينة داخل النص الشعري المضمر.فهي تعبر عن الحس السيكولوجي وترابطه المرئي-واللامرئي فهي في النهاية تستقي كل جوهريتها هذه من الحس الدفين باستقرائية منهجية متطورة تتميز باشكالية التفكير الفلسفي والعلمي ، وهي انشطة واعية تساعد في عمليات البحث العلمي وبالتالي فهي شكل من اشكال هذا الاستيعاب للعالم بامكانية الكشف عن جوهر هذه العلاقات المرتبطة بالواقع الموضوعي. وبهذه النتاجات الفكرية والعلمية وما يعنيه الوضوح والحدة بالمقارنة لهذه الانشطة وهي تتوصل الى الانشطة النظرية والعملية للبشر ووضعها باتجاه المفاهيم الفكرية والمنطقية المتعلقة بحلقة التنظير والنظرية وتطبيقاتها بشكل عام.هذه الوحدات تشكل المادة الاساسية والحتمية الراسخة بتأكيدها ألنظرية الانعكاسية باطارها المادي الجدلي التاريخي.وان الوعي الذي ارَّخته البشرية وفق هذا المنظور التجذيري الجوهري لا يمكن ان يعود عمليات بسيطة تسعى لتجفيف منعطفات ذاتية داخل معترك موضوعي ، اضافة الى ذلك ، فان الحقائق الموضوعية حددت في الادراك باعتباره مفهوم انساني يلتقي وجوبا من اجل ذاته التطبيقية وعليه فان الوعي الانساني وفق هذه النظرية والتنظيرية الجوهرية الخاصة لا يحدد صيغة الانعكاس فحسب بل يقوم بعملية الخلق لوجوده.126*وان هذه الوحدة الجدلية في الانعكاس للنظرية والتطبيق والروابط التبادلية ووحدة الانشطة الواعية تكون-مترابطة لكنها غير متشابهة بميادين هذه الانشطة المادية ، فهو يجاهد الى التأكيد لنفسه من الناحية الذاتية تطبيقا لتخلق عالم مفعم بالمشاعر والاحاسيس الفكرية.ومن هذه المعادلة نستنتج ، بان النظرية الموضوعية للعالم المنعكس في الفقرة أ-وهو الانعكاس الموضوعي.اما الاشكال المتعلقة بالتطبيق فهي العملية او المعادلة في الخلق وتحرر في ب-ويصبح العالم الموضوعي بكل مفاهيمه وتصوراته ، هو خلاصة لنتاجات تتعلق بالصورة الفنية.من خلال هذه العلاقة المرتبطة بالواقع الموضوعي في ج-فالمعادلة تصبح كما يلي أ-المنعكس في+ب =الناتج التطوري للواقع الموضوعي في ج نقول ان المتنبي في هذه المعادلة الفنية قد قام بخلق ظاهرة نوعية عميقة من خلال
ــــــــــــــــــــــ
126*انظر:المادية الديلكتيكية دار التقدم موسكو ص35
طبيعته الموضوعية ويتكشف هذا الموضوع وبعمق من نشاطه الحقيقي في الانعكاس عبر التغلغل الجوهري باعماق الانسان وكيانه الحي ، هذا التمثيل يتضح بالخلق الفكري والتاريخي للصورة الشعرية حتى من الناحية الفنية حيث التداخل للشاعر الكبير في الشاعر الصغير وفي مواضع اخرى نشاهد علامات التغير التي ظهرت في شعره خاصة بعد الكبر هو تقديمه الثقة بالله على الثقة بسيفه.هذا الاثر السيكولوجي كان سببه جدته التي منحته هذه التربية وهذا النصح.
يقول المتنبي وهو بالكتاتيب:
الى أيّ حينٍ أنت في زيِّ مُحْرم وحتَّى متى في شقْوة وإلى كَم !!
والاّ تمُتْ تحت السُّيوف مكرَّماً تمُتْ وتقاس الذُّلَّ غَيرْ مكرَّمِ
فَثِبْ واثقاً بالله وثبْة ماجدٍ يرى الموتَ في الهْيجا جنى النّحْلِ في الفمِ 127*
فاذا دققنا في الصورتين للشاعر الكبير والشاعر الصغير فهما يحملان اهمية شعورية وصوتا ورائحة واشياء دفينة.وان هاتان الصورتان[في الكبر والصغر]تعطينا اثرا حسيا في استكمال الصرخة الموضوعية في تقديم الحدث الشعري المتسامي بقوام هذه الابيات المارة الذكر وهي تلامس المنطق الحسي في المرحلتين التأريخيتين من
ـــــــــــــــــ
127*انظر:محمود محمد شاكر[المتنبي]ص185
اعلان الموقف من الحدث التاريخي الذي ركز فيه المتنبي على طردية الصورة الشعرية في هذه الابيات من الناحية الفنية.ويبقى الظل في الصورة الشعرية وهي تتمخض عن اعلان حسي خفي ومضمر في النص الشعري مشبع بالعاطفة والحس وهو الصوت الذي يحذر من الحسد-والحقد ، والبحث عن خلاص بالانعطافة والتفوق الشعري على غيره من اترابه.فهو يتذكر يوما وهو في وطنه بالعراق وبالكوفة في العام [321]حين رحل الى الشام كان يلقي هذا السلوك والعنت من هؤلاء الحساد الحاقدين حين القوا عليه من تلك العيوب حين فاقهم في خاصية الشعر زاد حقدهم ووشايتهم فاذا قوة الهوان تدميهم وتبددهم ، فبقي ابي الطيب يتذكر هذا الموقف على مدى حياته في[كبره وصغره]وقد ذكر المتنبي هذه المواقف وهو في انطاكية فيما بعد.
يقول ابي الطيب المتنبي:
أبْدُو فيحْسُدُ منْ بالسُّوء يُذكُرني فلا اعاتبهُ صفحاً وإهوانَا
[وهكذا اكنت في اهلي وفي وطني] إنَّ النَّفيس غريبُ حيثُما كانا
[مُحسَّدُ الفضْلِ مكذوبٌ على أثري] ألقي الكمى ويلقاني إذا حانا
***************
فالصورة الشعرية عند المتنبي قد طفحت بحركة الوضع العام وطارحته من خواص في المرحلة الفردية التاريخية وما طرحته من معاني مشحونة بالاحساس السسيولوجي ورغم كل هذه المعادلة في تشخيص الحدث تبفى الصورة الشعرية لا تميز الملمح الشعري للشاعر اي انها تعبر عن ادلة جوهرية لفعل النبوغ الاصيل عند الشاعر وما توفره العاطفة من فكر وصور تتوافق في ايقاظ هذه العاطفة.ويبقى ايضاح هذه القيمة وموازنتها وليس مناقضة ما يقوله [ارسطو]-[بان المأثور هو السيطرة على المجاز هي علاقة النبوغ الشعري]وقيمة الصورة الشعرية عند المتنبي هو الانجاز للخلق الشعري وتحويل الالم والانكسار وتلك حقيقة سيكولوجية الى شاهد على هذا الصدق فيما يقوله ابي الطيب-بانهماكه بالجهاد والثورة على كل شيء في هذه الارض.وهذا الموقف هو الموقف الحياتي العام الذي يحوله من حالته الذاتية الى اشياء عامة وخصبه ، وهو على يقين ، بان الحياة لدى الشخص الحساس المدرك لابد ان تكون عصيبة ومؤلمة ، وهو يعرف ولذلك فانه مضى الى عالمه المؤلم ليرى فيما وراء هذا الحس والجمال والقبح ، ان يرى الخوف والانتصار وحول مصدرية الشعر.لابد من الاشارة الى ان المتنبي اخذ بناحية الالم للشاعر هذا الالم هو ليس قيمة بذاته لكنه قيمة لفهم معترك الحياة وبالتالي فهو مادة فنية ، وهكذا تحول الموقف عند المتنبي الى شيء اكبر وارحب في مواقفه واصالته.وهنا نتذكر ما كتبه اليوت حين قال[كلما كان الفنان اكثر كمالا كان الانفصال لديه اتم بين الانسان الذي يتألم والعقل الذي يخلق]فالقيمة هنا تأتي بالاصرار على الوصف لحركة الصورة وتلابسها بالعاطفة وبالتدفق الشعري.من هنا فالقصيدة كانت قد عبرت عن موضوع متجانس وموحد من خلال ادراكها للعاطفة والتطور بجدلية العاطفة اكثر من كونها عملية نقل للعاطفة ، وهنا يكمن الفرق بين العاطفة الانسانية والعاطفة التي تظهر بعملية جدلية خلاصتها الصورة الشعرية ، والمتنبي واسع المعرفة ، فقد سمع الكثير وجادل وكتب وقرأ وحفظ حتى توضح ذلك في شعره الاول وهذا بيان فكري لا لبس فيه ولاخفاء ثم بدأ هذا المنوال يتقدم حتى استحكم الشعر في دخيلته وموهبته.يقول المتنبي من مفردات علم الكلام:
وضاقت الأرض حتى كان هاربهم اذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وهو في هذا يريد ان يقول[لا شيء]فابدل في الصورة الشعرية صورة متركبة من[لا شيء وغيره]والجواب ظنه رجلا
ويقول:
يترشفن من فمي رشفات هن فيه حلاوة التوحيد
في هذه الالفاظ يتم الانتقال الى المتصوفة في مجال الوعي المتطابق وحدود التجلي في الكشف عن الحالة الصورية المطلقة بنضال فكري لمعرفة حدود الجمال في الصورة الشعرية.يقول المتنبي:
كتمت حبك حتى منك تكرمة ثم استوى فيه إسراري وإعلاني
كأنه زاد حتى فاض عن جسدي فصار سقمي به في[جسم كتماني]
***************
قال ابن سكره يصف الشعر[قول إذا شاء سحر ، وقلب الصور لا يهاب أن يخرق الإجماع ، ويقتسير الطباع]128*فالتأمل الذي يتميز به المتنبي في تولد الصورة من الناحية الحسية والانطباع الذي يتحرك داخل المفردة باعتباره انطباع تجريدي ياتي من مداخلات العقل سيكولوجيا.فالصورة الشعرية عند المتنبي هي انعكاس لوقائع موجودة اصلا والصورة هي تسمية للاشياء وخلق لواقع موضوعي يتركب من صور متداخلة الى خلق لمعنى بنتائجه التجريدية وفق منظومة حسية تستجيب لتوكيدات الروح اضافة للحس.ثم تاتي اللغة فهي ليست البديل للصورة الشعرية انما هي طريقة الفصل في توضيح المعنى-والحقيقة على ضوء المكاشفة لمعنى الجمال في النصوص الشعرية.وهنا تصبح الصورة الشعرية بالنسبة لمدرسة التصوف هي الصورة المتسامية.كما في هذين البيتين وحصرا البيت الثاني.فقد تداخلت الصورة الشعرية حتى اصبحت تشكل لوحة حسية متسامية في قول المتنبي:
[فصار سقمي به في"جسم كتماني"]
ــــــــــــــــــــــ
128*انظر:ادونيس الصوفية والسريالية دار الساقى ص195
ويقول:
لما وجدت دواء دائي عندها هانت علي[صفات جالينوسا]
بشر[تصور غاية]في آية تنفي الظنون[وتفسد التقييسا]
وهذا منحى اختلافي في منظومة الطب فقوله[بصاف جالينوسا]يريد من هذا المنحى ما يصفه جالينوس للامراض من الدواء وهذه الصورة تعطينا دليلا قاطعا على ان المتنبي كان قارئا ومتابعا لكتب العلم والطب خصوصا.ونحن ما يعنينا من هذا الايضاح ، هو شعور المتنبي بالبداهه العلمية ومركزية الحدث الذي يوصفه بتداخل هذه الالفاظ وموضوعية ، المصدرية بالاقيسه.وهذا دليل تصوري آخر على فكرته الكلية عن الموضوع العلمي والبعيد عن الجزئية اضافة الى انها تعتبر ظاهره مدركة لحالة التصور العلمي وبناءه الداخلي الذي يترتب وفق تعميمية تدل على الخصوبة في الصورة بالاشارة المرجعية الى الفلسفة والعلوم الاخرى وكان لواقع الالم على المتنبي كبير وشديد ، فاستطاع ان ينجو ثم يسمو فوقه حيث احتوائه للألم بالقوة المقدرة الحسية ان يسيطر على هذا الالم وادراك ابي الطيب لمثل هذا الاشكال من داخل معترك هذه الحياة وادراكه للشر الذي سيطر على هذا الكون الكبير وهو الذي جعله يدرك هذا الشر ضمنا في اطار قوة هذه الاشكالية بان من الممكن ان يوجد حالة من الخير تتعادل على اقل تقدير مع حالة الشر بعد ان ذاق الالم والمراره واستطاع أن يمقت الصحوة الميته والرجاء الساذج وان يرى-بصبرة ان الشعر ومرتكزاته يخلق من خلال حالة الالم وليس هذا وحسب بل استطاع ابي الطيب ان يوحد صورته الشعرية بهذا الالم المستديم بهذه الامة وان ما حصل عليه من موروث لهذه الامة كان يستمد منه احواله الشعرية والشعورية.يقول المتنبي:
لم الليالي التي أخنت على جدتي برقة الحال واعذرني ولا تلم
أرى أناسا ومحصولي على غنم وذكر جود ومحصولي على الكلم
ان ظهور التجريبية الخفية في النصوص الشعرية لابي الطيب وهي التي عبرت عن التنظير البلاغي في الصورة الشعرية متقدمة وفي طليعة هذا التقدم حركية المعاني وظهور اللغة الشعرية بتركيبات عقلانية في النص وقد تداخلت شعرية المتنبي وفق قوة تحديث وذاتية وقوة في اللغة وبلاغة بالتشكيلات الصورية وهو المرتسم الدقيق في جدار التحديث اللغوي حيث الالتقاء في التمثيل للادراك الحسي والتعبير عن موضوع حسي تتشكل الصورة الشعرية منه والصورة الشعرية عند المتنبي هي خلاصة للتعامل الفكري مع العالم المادي والصورة[mage]هي الإصطلاح الذي يحدد صفة[المادة وحالة التذكر]لمادتها الرئيسية التي يتعامل معها المنطق الفكري ، وهذا هو الانطباع الابتدائي الذي يداهم مقدمه جهاز العصاب اضافة الى هذا الاشكال نقول ان هذا النشاط الفكري وما يكتنفه من مفارقات ونحن بافتراضنا هذه الصور التي اوجدها المتنبي ، هي تصورات واعتقادات تشمل العالم المادي المهيمن-وهذه حقائق.اما ما موجود من افتراضات نظرية وتنظيرية عن هذه الصورة الشعرية المجازية باعتبار ان العالم الذي ارخه المتنبي هو العالم الذهني الواقعي وان الصورة المتركبة في الادراك الحسي تعتبر عنصرًا متركباً من صفات باطنية استحضرتها الذاكرة لوجود عملية كبت كانت قد مرت بهذا التمثيل الذهني وهي تتكشف بخلاصات دقيقة لهذا الحدس وفق صيغة التعبير لهذا التعدد من الصور الشعرية ومن خلال هذا المنحى يمكن الوصول الى المعارف الحدسية وهي تنقل المعاني عن طريق التركيب العقلي المزدوج لهذه العلاقة والا كيف تستطيع نقل هذا المعنى بصورة فردية مستقلة ؟ وعند هذا الاشكال استطاع المنهج التفكيري عند المتنبي ان ينقل الصورة الشعرية الى آفاق جديدة من خلال المعرفة العلمية وامكانات لغوية متطورة ، وكان ابي الطيب يمنهج الصورة الشعرية وفق منطق بلاغي اساسه المنهجية الفكرية وهذا المحور هو الذي اوجد الاصالة في شعره وابقاه الى الوقت الحاضر ينبض بالحياة من خلال الدخول في المسالك والممالك الروحية والفكرية وهو الجديد دائما في الصورة الشعرية.وكان المتنبي في الكوفة الى العام 317ثم توجه الى بادية الجزيرة التي تفضي الى نجد تسمى بادية السماوة فالتقى القبائل واخذ بالتنقل بين العام 319الى اوائل 320دخل المتنبي بغداد ليرى العجب من الاحداث السياسية وشغب الجند على الخلفاء وظهور الموالي من العجم والديلم-والترك على مواليهم اضافة الى الامراء والخلفاء وتصرفهم في شؤون الدولة وتصريفهم سياستها التي انبنت على الشهوات -والمنازعات لهذه الاهواء وهم لا يرتدعون ولايرعوون وتوقف ابي الطيب مذهولا وعف ابي الطيب عن المدح لاحد من هؤلاء وانف ان يتكسب بشعره ورضى بحاله الفقير وبدأ يغلي فعج صدره بأللهب ففي العام[320]قرر الخروج من الكوفة رغم معارضته جدته له فكانت تخاف عليه من هذه الانقباضات السيكولوجية قد يصاب من وراءها بمرض.وهذه الابيات هي آخر ما قاله ابي الطيب وهو بالكوفة ولعله كان خطابا موجها الى جدته حيث قال:
محبــي قيامـــي ما لذلكم النصَّل بريئاً من الجرحى سليما من القتـل
أرى من فرندى قطعــة فرنـــده وجودة ضرب الهام في جودة الصقل
وخضرة ثوب العيش في الخضرة التي أرتك احمرار الموت في مدرج النمل
أمط عنك تشبيهـي بمــا وكأنــه فمــا أحــد فـوقي ولا احد مثلي
وذرنــى وإيـــاه وطرفي وذابلي نكن واحدا يلقى الورى وأنظرن فعلي
****************
[محبي قيامي]وما يعنيه في هذا من ثورة وظهور وخروج ، والنصوص الشعرية تعطينا صورة لثورة الصبا والغرور المستحكم في شخصية المتنبي المتقدة عزيمة وهي دلالة بلاغية على خفاء هذه العزيمة-129*المضمرة في النص ودلالة الاباء كذلك الادراك لما يحدث من أمر وما يلوح في الافق من تشاكيل وهذا الاحتباس السيكولوجي الذي ينفثه المتنبي في ثنايا هذه النصوص هو احتباس الوعي ومكوناته بالخروج عن المألوف الساكن الجامد المتخلق وعكس هذا هو التمرد-والموت المتداخل بهذه الحياة[ارتك احمرار الموت في مدرج النمل فما أحد فوقي ولا أحد مثلي]بهذه اللسعات الواعية والحصار المستديم تشكلت الصورة من هذا الاضطراب السيكولوجي.فكان الخروج الى المنافى لخلق النشاط التوليدي للروح واعادتها الى مصدرها الاصلي وهي الحرية وكينونتها لانها اصبحت مقيدة بهذه الامصار-فكانت اللغة هي البنية والصورة هي الايقاع والاسطورة والرمز الفكري هو المعطي الشفاف والوصي على الخرق ، ومن وراءه المادة المنشطة للشرايين وهي الحرية التجريبية باتجاه المحاولات الدقيقة لادراك المغزى من هذا التمثيل الفكري داخل الصورة الشعرية لانه تمثيل حاد ومبدع لانه يحاكي الحياة من وراء هذا الغشاء الحديدي الشفاف والنصوص الشعرية تمثل الاغتراب داخل المنجز الشعري ومعطياته الثقافية بوصفه يعيش الحرقة والغربة يبتكر نسق آخر للرؤية ، وطرق تعبيرية بين اللغة
ـــــــــــــــــ
129*انظر:جاكوب كورك..اللغة في الادب الحديث-الحداثة والتجريب دار المأمون ص228
وانظمة القيم وهكذا فالنص عند المتنبي يخرج من مجاهيل غريبة الاطوار والاحكام فيستلزم القراءة الدقيقة بوصفه مرجعا مهما يعبر عن اطار ذاتي-موضوعي وقراءته قراءة بآفاق متسامية الخاصيات ، في نصوص المتنبي هناك صورة شعرية ودلالات ومعاني اضفتها التجريبية من حركة الاشياء والمسميات واللغة التي تقدمته لغة كشف بالخروج لهذه الاشياء ومعبرة عن ماضيها الغامض لهذا المعترك الاجتماعي وطريقة التعبير عنه ومداخلات الصورة الشعرية ومداخلات هذا التصور في تجديد الاشياء وتجديد هذه اللغة وهي تنشئ علاقات وتحدد هوية لتحديد الماهيات ، والمتنبي لا ينتهي بهذه الاشكالية بل يبحث عن الافصاح داخل خواص هذا العالم الغريب عبر الصورة الشعرية.ويستقصي النص الشعري وصورته الحركة التي تؤكد مسار التواصل التي تحركه اللغة والاشياء ابتداء بالكشف الغامض عن هذه العلاقات وما تنتهي اليه الصورة الشعرية.
يقول المتنبي:
دعوتك لمّا براني البلاءُ وأوهنَ رجليَّ ثقل الحديد
وقد كان مشيهما في النِّعال فقد صار مشيُهما في القيود
وكنتُ من الناس في مَْحفل فَهَا أنا في مَحْفلٍ من قُرُودِ
فلا تسْمَعَنَّ من الكاشحين ولا تعبانَّ[بعجل اليهود]
وكُنْ فارِقاً بين دَعْوى[أردتَ] ودَعْوى[فعْلتَ]بشأوٍ بَعيدِ
في نصوص المتنبي الشعرية ارهاصات ذاتية شديدة الأسى وهي تمثل تمسكا بالموقف الفكري وجذريته في حركته اليومية والتشبيه والاستعارة المتداخلة في هذه الابيات وهي اجوبة يتأسس عليها الحدث المجهول وتغايراته التي تأسست على التواصل مع هذا المجهول وعلاقته المترابطة في هذه الصورة التي تقوم على خلخلة النص وفق نظام من الرؤية الاختلافية لتجسد انعطافة فكرية داخل هذا المعترك الثقافي.فالتجريبية عند المتنبي قامت على العمود الفكري وافقية الحدث السياسي وتطابقاته المتناقضة وذهنيته التي تمثل منطق الحقيقة ، اما البواطن الخفية للنصوص، فهناك يقظة تمثيلية للحدس الفعلي في اشراقة الرؤية حيث الارتباط المعرفي بالاسطورة[بعجل اليهود]هذا التغاير يتكامل بتعدد الاصوات الخفية في النص والتي بدأت بالذات والآخر وعرجت على الجانب [الابستمي والجانب السسيولوجي]وهو الايقاع الخفي في هذه الشخصية الاسطورية في اللغة ، فهو ينتهي بحركية في خواص الحواس ثم الانتقال الى الفعل ، ويصبح المتنبي كيان اسطوري في الحياة وحقيقة متسامية.ويتضح المشكل[الذاتي-موضوعي]عند ابي الطيب هو مشكل الذات بالآخر وهو سيف الدولة داخل مقولة العلاقة بالآخر كما هو مبين في هذه الابيات:
وتعذر الاصرار صير ظهرها إلااليك على ظهر حرام
[أنت الغريبة]في زمان أهله ولدت مكارمهم لغير تمام
اكثرت من بذل النوال ، ولم تزل علما على الإفضال والإنعام
صغرت كل كبيرة ، وكبرت عن لكأنه ، وعددت سن غلام
ورفلت في حلل الثناء ، وإنما عدم الثناء نهاية الإعدام
عيب عليك ترى بسيف في الوغى ما يصنع الصمصام بالصمصام؟
إن كان مثلك كان أو هو كائن فبرئت حينئذ من الاسلام
**************
كان ابي الطيب قد لقي سيف الدولة وكان الاتصال بينهما على الود والحب في هذه النصوص يتضح ان سيف الدولة وقد كان مقاربا في سنه من سن المتنبي حيث الفضل والكرم من قبل سيف الدولة وقد أحب ابي الطيب والغريب في الامر ان هذه القصيدة هي اول قصائده يدلل فيها عن حبه لسيف الدولة بعد أتصاله به في العام "337" (130) في القصيدة اشكالية ذاتية تظهرها الصورة الشعرية حيث العلاقة بسف الدولة هذه العلاقة يكتنفها الوعي والاحترام ومعرفة الاخر عبر هذه القنوات باعتبارها طاقة خلاقة في الصورة وايحاء ينقل فعل الحدث الى مستوى وجودي تبرزه الصورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(130) أنظر : محمود محمد شاكر في كتابه المتنبي ص217
الشعرية بعد ان ينصهر فيه الاحتفاء والرؤية المشرقة ، لتتحقق المعاني على المستويات كافة من أخلاقية وسياسية وفكرية ، هذه العلاقة على مستوى الوعي التطوري تظهره الصورة بأعتباره افقا تتأسس عليه التجربة الثقافية التي تضيء معنى هذه العلاقة . ويبدو ان المتنبي بتشاكيل هذه الصور يرفع مستوى هذا الحشد ولكن بنبضات شعورية تتفجر وفق وظيفة عقلانية مهمتها الاساسية هي الكشف عن اعماق هذه التراث والتغيرات المفاجئة التي تحدث من فيض الثناء والحلم الى سيف الدولة في لحظة يتماسك بها الموت بلحظة القبض على مداخلات الحياة واستمرارها . وما يعنينا من هذا الايضاح هو افتراض وجود حالة من الاستجابات للقصيدة ، وما معروف من الناحية السيكولوجية . ان النصوص عند المتنبي تتحدث عن عاطفة جياشة تحرك خلاصاته الجمالية في القصيدة ويستطيع الاحساس العاطفي ان ينتاب الشاعر في حالة الوعي الذاتي بخطوات متوازنة عند الاحداث والاعمال المبرزه التي جاء بها "يونغ" و ريتشاردز" بخصوص التحليل للصورة الشعرية والاستجابة لهذه النصوص والذي نطرحه الان من مداخلات هو الحذر من المساواة بين القصيدة والعناصر السيكولوجية التي يفرزها كل متلقي وفق حالات متفردة . والملاحظة التي نشهدها في هذه الصور الشعرية للمتنبي هي صور تعبر عن موقف فكري يرافقه خط عاطفي انساني بسياقاته ومشحون بالاحساس والعاطفة الشعرية . فهذه تنساب نحو القارئ وفق خلاصات سيكولوجية خاصة عندما يرى المتنبي ، ان الكوفه بدأت تزداد ظلاما وانه حان وقت الرحيل ، وهي شبيه بالموقف بصورته الطردية في الشعر من العلاقة التي جمعته بسيف الدولة من الناحية السسيولوجية "كحبه لخولة أخت سيف الدولة" أومن مواقفه الاخلاقية وعلاقته بصدق مع سيف الدولة رغم الاختلاف في المناهج السياسية بين الاثنيين والمتنبي لم يمدح احد من الخلفاء وابنائهم في العراق ولا احد من كبار العراقيين سواء من الامراء او من الخلفاء فقط بني حمدان وحدهم وذلك لان بني حمدان كانوا يصلون جدته في حال نكبتها جزاء لهذا الموقف المشرف من الحمدانيين ذكر المتنبي ابوي سيف الدولة وأخوته في قوله :
صلى الاله عليك موّدعٌ وسقى ثرى أبواك صوب عمام
قومٌ تفرست المنايا فيكم فرأت لكم في الحرب صبر كرام
تالله ما علم أمرء لولاكم كيف السخاء وكيف ضرب الهام
في هذه القصيدة كانت المادة الرئيسية الملموسة هي فخامة الشكل المضمر في النص وهي الصورة الشعرية التي توضحت في شخصية المتنبي اثيرة الطموح حيث التوافق مع سبق الدولة في السن والفتوة والصورة شكلت المعنى كذلك في الشكل والموهبة الشعرية وفقط الشد في الصورة والجهد وسمة الكمال في هذا الشعر والتجانس الغريب الذي جمعهما ، الا ان المتنبي كانت تجيش في شخصية حقيقية الوقت والثورة اللذان لايفترقان واصبحا شغلة – الشاغل ولذلك فارقه ، وضرج من ديار بني حمدان ومن الوان سبق الدولة الى الشام ، وهناك بدات الحوادث تدفى عليه حتى رمت به المقادير في السجن ، وكان المتنبي قبل هذا الوقت معروفا بقصائده قبل دخوله الى الشام ، وكانوا جواسيس العباسيين وشلل العلويين الذين عرفوه وظلموه اضافة الى مراقبته العلويين الفاطميين وقد راجت دعوة الفاطميين الى حزب العباسيين والقضاء على الدولة العباسييه واقامة دوله العلويين الفاطميه والذي امسك هذه الخريطه الاعلاميه عن المتنبي فيما قاله من شخص قبل التقائه سبق الدوله في العام 321 وكان في طريقة الى العراق / قال شعرا القضهم اليه لكن الذي جال دون ذلك هو ابا سعيد المجمري لقاء الملوك امتداحهم حيث قال : اباسعيد جنب العتابا * فروب راي – اخطا الصوابا
فانّهم قد اكثروا الحجابا * واستوقفوا لردنا البوابا
وان حد الصارم القرضابا * والذابلات السمر والعرابا
ترفع فيما بيننا الحجابا 131*

ـــــــــــــــــــــ
131* المصدر السابق نفسه ص 219
وقد شكل اصطلاح الوقت الثورة في انسكلوبيديا المتنبي الشعرية منظومة متطورة للعقل الحر وان كل جملة فلسفية في هذا المنظور الفكري تعد انتصارا للتخلص
من الغرابة في هذا الزمن الافليج ، ان عبارة الوقت والثورة او عبارة العقل الحر عند ابي الطيب لايمكن فهمها الا وفق هذا المقياس في استعادة الذات لتملكها ، والمتنبي احدث تغيرا بمنهجية المفاهيم الفكريه في تلك الفترة ليس على مستوى الصورة الشعرية واللغة بل على مستوى الايديولوجيا ، فكان المتنبي حاد الذكاء ورصين المنظومة الشعرية ، قاسيا وساخرا وصاحب رفعة ذهنية وذوق نبيل ، فكانت الثورة هي هاجسه وهي العلاج لعناد ذلك العصر ودسائسه الغربية والعجيبة والدسائس المضمرة والثورات السرية التي تنفجر بين اونة واخرى ، وتاريخ تلك الفترة على اثر دخوله العراق حيث لقي الكيد – والحقد بسبب اعتناقه فلسفة (الوقت والثورة ) باعتبارها هي الحل للمشكلات القائمة . يقول المتنبي :
رماني خساس الناس من صائب استه واخر قطن من يديه الخبــادل
ومن جاهل بي ، وهو يجهل جهله واني على ظهر السماكين راجل
ويتفجرالمتنبي فكريا في هذه الصور ويخرج لغته ليحررها من الوظيفة الرسمية والعقلانية ، وكان يعني مايقول في هذا التفجير الذاتي – الموضوعي والكشف عن اعماق هذه الذات الثورية واسرار وجودها بفيض من التفجير والتغيير والتوترات بحيث تكون هذه الفترة الشعرية مليئة بالفيض والتوق الى حالة الثورة ،هذا الحوار الذاتي هو في الوقت نفسه حوارا موضوعيا لكائن تجرع المر من هؤلاء الجهلاء ، هذا الحوارالذاتي الاكثر قدرة على كشف حالات الذات للاخر وهي بحاجة الى هذا البعد الثوري ، فالمتنبي يعيد خلق وحدة الكون بالوقت والثورة وحالة النشور عنده هو الجذر والاستيقاظ والنشوة والصحوة الابدية وهي مأخوذة بهذه الصيرورة الشعرية الثورية للعالم ، وتتيح هذه النصوص الشعرية الكشف عن القدرة الذاتية للفعل وحاجة هذا البعد لكي يتماثل ويتفرد في تشكيل هذا الوعي ، والمتنبي يعيد خلق وحدة سسيولوجية ليعطيها الحياة والنشوة ولكن النشوة والصحوة التي تبشر بصيرورة (المجد والعلى ) كما يسميه هذا المجد الذي ينطلق من (الوقت والثورة ) يقول المتنبي:
تحقّر عندي هِّمتـي كُلَّ مطْلــبٍ ويقْصرُ في عيني المدى المتطاولُ
ومازلتُ طوداً لاتزول مناكبــي إِلى ان بـدت ( للضَّيمْ فيَّ زَلازلُ )
ومن يَبْع ماابغْي من المجد والعُلى تســاقَ المحايتـي عِندْهُ والمقاتلُ
الا ليست الحاجـاتُ الا نفوسكُـم ْ وليــس لنــا إِلاّ السُّيوفُ وسائلُ
فاللغة عند ابي الطيب من خلال ايقاع الصورة الشعرية تصف لنا المأساة الذاتية ، ثم توصلنا الى الهاويه التي لايتم فيها الخلاص الا بالثورة 0 فالضيم والقهر هو الذي يرفقق الى الثوره ، وهذه الرؤيه هي حلقة التمرد والانفجار 0 فالصورة الشعرية وتضع ما هية الوجود والجوهرفي اكتشاف صيرورة وعن الثورة بالانفجار 0 والصورة الشعرية تقدم لنا ادراكا ضمينا بان الثورة اتية وان الجوهر الحقيقي بهذا الانعكاس للحياة يأتي عن طريق الصورة الشعرية التي تعكس صنفهم الخلق للوقت والثورة في عالم جديد . عالم نوعي ينطوي على قيم جيدة وضرورية في صورة شعرية تتحدث عن معنى الحياة وقيمة التمرد والثورة التي تجدد الحياة . فالمتنبي يحاكي الحياة الجديدة بالثورة وبهذا المعنى يتم يتم تحريك معادلة الابداع لخلق اشكالية متعددة الوجوه داخل هذا المبنى في الرؤية الشعرية . واللمتنبي يحرص على عملية التطور من خلال منح المجال امام الصورة الشعرية لكي تعبر عن مكنونات هذه النزعة الحياتية المتطورة بخاصة عمق الوقت والثورة وعمق الصورة الشعرية التي تفور جذورها في نسيج وعمق الحدث الشعري ، وتبدو وكأنها تمتلك الارادة على المراقبة والسيطرة من خلال تفاصيل المنحنى الشعري وتفاصيل الصياغة قي الحدث الذي يتركب وخاصية ومعنى الصورة الشعرية .



"اختلافية المعنى في الصورة الشعرية"
فيما يتعلق باختلافية المعنى في فلسفة الصورة الشعرية عند ابي الطيب المتنبي هو مايتعلق بدرجة الباعث الفكري ومتعة التصور وهو الموضوع الذي – وضعنا في ( سيميائية جمالية ابداعية ) واستمرارية في القراءة والبناء وسط مشهد من التصورات الذاتية والموضوعية بتعبيرات المنظومة الشعرية التي تنتمي في مشاهدها وانماطها الى قراءات فلسفية وعلميةمختلفة والى دلالات متغايرة بطريقة الابنية النصية . من هنا تكمن المفارقة الغريبة بالتنوع النصي والابتعاد بل واقصاء عملية الموازنة التي تشكلت بالتماثل بالصورة الشعرية حيث جاءت المقومات الدلالية اختلافية بالايحاء والنزوع المستمر الى التمرد والثورة باعتبار ان الصورة الشعرية .
في فلسفة المتنبي هي صورة لتحقيق المعنى والانفتاح على الكم من الاختلافات والمجازات ، واصبح النص الشعري وصورته استثنائيا لانهما الاكثر ميلا للاستنطاق طالما بقي المتنبي يضع النص بمعترك الثورة لانه ليستهويه التهويم والتأجيج . فالمتنبي يستنطق النص الشعري ليضعه بحالة التغاير والجدلية المستمرة حتى ايقظت هواجسهم النقدية المضادة من خلال المماحكات القولية والرهان على مفردات غريبة الطباع في شعره راهنوا علىعملية التفكيك من الناحية النقدية للوصول الى نتائج وافكار كانت قد صيغت مسبقا وفق ماتمليه الظروف السياسية من اهواء اكدت على موضوعة الذات عند ابي الطيب(passions) وعلاقتها بالتطورات الموضوعية باشكالية الغريب في اللفظ والمعنى وكان لهذه المعرفية في فلسفة المتنبي للصورة الشعرية ، هو الغوص في فضاءات النص لاحداث نقلة نوعية تحديثية قائمة على حركة البنية الابستيمية والحدث التصويري والمفارق بخلاصات العملية الجوهرية والتجذيرية التي اضفت الى ابي الطيب الطابع الفكري والايدلوجي المضمر بجذرية النص الشعري واثارة الابستمية التي يستوجبها الوعي البنيوي من اوسع قراءاته اعتمادا على تصورات التمركز بصياغة الكتابة الاختلافية او تخارجات الكشف الموضعي للنص رغم اقصاء الذي له من قبل النقاد الحاقدين امثال ( الحاتمي – والصاحب بن عباد ) وبقي النص الشعري عصي لعمقه في العمليات الاسترجاعية في تشكيل المعاني المضمرة التي تغيبت على ايدي النقاد ، ولكن تاريخية النص الشعري وصورته بقيتا هما السبيل الابستمولوجي الى تجاوز الحركات التاريخية التي عملت وتعمل على تاخير العملية التفكيرية للشعر وهي تكتب على ايدي المتخلفين من خدم البلاطات والتابعين لهم .
نقول ان النص الشعري وصورته المتركبة عند المتنبي بقيت قريبة من ذات الثورة ووقتها المرتبطان بالوعي الفلسفي الذي يتحرك من خلال النسق المضمر بالنص وهو خارج السور الذاتي ولكن الوهم الذي اطلقه بعض المدعين بان المتنبي يبعث على التشكيك في نصوصه الشعرية المختلفة هؤلاء المدعين مارسوا تعارفا سطحيا للنص دون الغوص في ثناياه وتركييباته لكنهم بقوااسيري هذا الواقع السطحي الهلامي دون الغور في جذور الوعي الفلسفي لهذا النص وصورته ، حيث كانت تتستر قراءاتهم بعملية التلمس للاحداث دون المعاينة والرصانة في وعي الدراسة العلمية الدقيقة، وقد تلمس هؤلاء العكس بالقراءة وبقي الحصاد الابستمي بمستوى التعريق الاختلافي وبقوا يلوكون المزاجية المتركبة بايحاءات النصوص وتداعيات الالفاظ الساقطة اصلا من النصوص والمؤثر بها سلفا ، وكان النص الشعري هو لحظة متقدمة وانخراط في التشكيل الدلالي وماتحدده المواضيع من استهلال يختص بها النص باختيار الملاحظة وباعتماد نقاط التشبث وتوسيع رقعة الدوائر وفق منظور علمي يشترك فيه الاجراء التقني لهندسة النص الشعري حيث يبدأ المتنبي من نقطة الكشف للمحاور والتقصي لكن الافتراضات التي تحيط (بالزمكان) والعمق +الارتحال الفضائي في النص والدرجة الممكنة لصياغات التفكير وماتقع عليه النتيجة المفترضة لهذا الوعي ، فالمتنبي شكل ارتحالا مبكرا في الامكان النصي رغم مامطروح من اشكاليات ومكاشفات للمعاني والتجاوز المستمر لالية الدفع الساكنة والمتأثرة بلعبة المقايسه والمماثلة بالقراءات المسطحة للنصوص الشعرية – وصورتها الملتبسة على النقد التشكيلي ، هذا الموضوع ينقلنا الى التحليل المنطقي للنص الذي يتحمل الصيغة الاولى للفكرة البسيطة والثانية هي الصيغة للفكرة العادية النسبية اما في مرحلته الثالثة الوحيدة لعملية التركيب التي تشكل الوحدة المباشرة لاكثر من فكرتين والتي لايمكن اختزالها الى صيغتين او زوجين التي تضمنت الفكرة الرئيسية المعبر(une paire depaires) عنها ، فالقياسات تنطلق من هنا اي من محاور ثلاثة للنص وكما يلي :
1- المحور الابستمي ثم حلقة المعنى او البحث عن القوانين النقدية ثم تاتي الصياغات الخاصة بالتركيبات البلاغية وكذلك المنطق ينطلق من ثلاثة فروع .
2- النحو النظري – او النحو الخالص وهو (السيموطيقيا ) بالمعنى الحصري الدقيق.
3- المعنى النقدي
4- والميتودوتيقا وماتعنيه البلاغة الخالصة والتي تؤكد هذا التقابل بالابعاد الثلاثة للعلامة .
***********
1- ابعاد الممثل (representamen)
2– والموضوع: (lobget)
3- المؤول (Linterpretant) وهنا تشتبك العلامة ودلالاتها عند (يبرس )رغم الاختلاف النظري لان (بيرس) لم يؤكد هذا الاستعمال سوى الافكار الاستنتاجية الجديدة التي تعبر عن مباحث جديدة كما هو الحال بالنسبة الى بحوثه الخاصة . لانريد ان نطيل في هذا الموضوع نقول ان الذين درسوا نصوص المتنبي الشعرية وهاجموه لم يستندوا الى حقائق علمية سليمة وجامعه بل اخذوا حقيقة الامر بحالته الخاصه والمجتزأه دون الامعان في تفاصيل المبحث النقدي للنص الشعري ولذلك جاءت كل بحوثهم غير موفقه لانها خالية من العلمية والمنطقية (123) : يقول ابي الطيب في مدحه عضد الدولة ، ويذكر وقعة (( وهشو ذان بن محمد الكردي)) بالطرم وكان والده ركن الدولة انقذ اليه جيشا من الري فهزمه واخذ بلده
إِثْلثْ فَإِنّا أَيهُّـــا الطَّلَلُ نْبكي وَترْزمُ تحتنا الإبـِلُ
أَوْ لاَ فلا عتْبَ علـي طللِ إِنَّ الطُّلـُولَ لِمثلْنــا فُعُلُ
لوْ كنْتَ تنطقُ قُلْتَ معتذراً بي غيرُ مابك أَيُّها الرَّجـلُ
أَبكاكَ أَنَّكَ بعْضُ من شغُفوا لمْ أَبكِ أَني بعضُ مَـن قتلوا
أَنَّ الذْينَ اقمـت واحتملُـوا أَيامُهـُـمْ لديارهـــمْ دُولُ
الحسنُ يرحلُ كُلمَّا رحلـوا مَعُهمُ وينزلُ حيثُمـــا نزلُوا

ـــــــــــــــ
(123) انظر جيرار دولودال السيميائية او نظرية العلامات دار الحوار ، دمشق ،ص24
ان التشكيل الذي ظهر في هذه الصورة الشعرية المتركبة من الرجلين وثلثاهما الطلل فيقول ( اثلث) اي كن ثالثا فهو خطاب ودعوة الطلل للاشتراك بالبكاء .فالصورة تركبت من ثلاثة (( فانا نبكي والابل تبكي وانك الثالث ايها الطلل في البكاء على فقد الاحبة )).
فالصورة الشعرية في ظل الطلل صورة حسية تشد محور المحسوس. وهنا ياتي التامل الذاتي في الصورة عند المتنبي من خلال الصياغة للنص وكذلك الانطباع الذي يتم تولده من خلال اشتراك الطلل وهنا يصبح النص الشعري نصا تجريديا يشترك فيه العقل والجانب السيكيولوجي وياتي من اصرة كبيرة للشاعر والصورة الشعرية هي عملية انعكاس لحركة الواقع المسبوقة بالتسمية للاشياء . وان لخلق الواقع الموضوعي في صورة تؤكد فصاحة المعنى في ضوء الجمالية وصورتها المتمثلة بالحدس وصيغ التعبير المتعددة ، فكانت الصورة الشعرية في هذه الابيات هي فرصه لنقل افاق متنوعة الى عالم من الحس وذلك لتطوير مواقف جديدة في اللغة والصورة . وهكذا الحال في الرمزية الفرنسية التي اعتبرت الاشياء اكثر مصنفات البلاغة وحتى من قدرة الافكار ان الاحداس الاولية هي التي تظهر المجازية كمحور اولي كمايقول البحتري :
أطلبا ثالثا سوى فأني رابع العيس والدجى والبيد
وفي هذه يقول التهامي :
بكيت فحنت ناقتي فاجابها صهيل جوادي حين لاحت ديارها
باعتبارها الحركة والسيرورة( Semiosis) ( Semse )
ويتم الاشتراك بثلاثة عناصر هي :
1- هي العلاقة التي تمثلت بالعاشق وهي الممثل .
2- والعلامة الموضوع والتي تمثلت بالابل.
3- والعلامة المؤول وهي الطلل .
وتصبح المعادلة كما يلي :
العلامة تعني العاشق + العلامة الموضوع وتعني الابل والعلامة المؤول وهو
الطلل= العلامة + العلامة + العلامه
ــــ ــــ ــــ
العاشق الموضوع المؤول
والسيموطيقا
semiotic- semiotigue
وهي النظرية الضرورية او التشكيلية للعلامات وهي ليست كمنطق بيرس.
والعلاقة الثلاثية بين علامات فرعيهsign -signe والعلامة
والابعاد الثلاثةهي : الممثل والموضوع – والمؤول ـ والمؤول الثالث باعتباره العنصرالفعال في العلاقة بين الممثل الاول + الموضوع الثاني ـ والمؤول الثالث: العاشق
(1) العاشق



حنين الابل (2) (3) المركب الثلاثي"الطلل"

وهذه الشروط التقابلية الثلاثة مرتسم النصوص الشعرية لابي الطيب المتنبي والمتكون من :
ثلاثي البكاء ويتكون من العاشق + الابل + الطلل . ومن هذه نلاحظ ان المتنبي تبنى الموقف السيكولوجي في التشكيل اللغوي كما هو الحال عند ((سوسير )) وكذلك تمكن من تحديد موقفه السيكولوجي في تشكيل النص الشعري ، ويظهر هذا في النصوص الشعرية للمتنبي ،اي ان المتنبي قد لابس في موقفه ببناء اللغة من الناصة النصة عما هو في نمطية (( بيرس السيميو لوجية )) وبيرس قد وضح الامر عبر الجسم المتحرك وليس الحركة في المنظومة الجسمية اي ان وقائعنا في افكارنا وليس الافكار التي فينا ـ و (بيرس ) ينكر الاستعانة
بالسيكو لوجيا عند سوسير ولكن، المتنبي كان قد لابس بين تلك النظريتين قبل اكتشافهما من سيكو لوجية سوسير اللغوية وسيميوطيقية ( بيرس ) ومذهبه الذرائعي. وسوسيرعالم لغة وليس منظر باللغة في حين ان السيمولوجيا لاتاتي الا بعد سياق عام للعلامات اللغوية كذلك لم ـ تستأ ثربه ( السميو لوجيا السوسيريه ) : انت تدخل في اقيسة ترابطية عند ابي الطيب في بناء النص الشعري ، وان العلامة اللغوية كما يقول (( مونان )) بين المفهوم العام لهذه الحالات والصورة الصوتية ، اي هنا الربط الجدلي بين اللغة + الفكر لان اللغة في المفهوم السوسيري هي ظاهرة اجتماعية حسب نظرية ((اميل دوركايم وان بيرس يلتزم بالنظرية السلوكية التي دافع عنها والتي بنى عليها نظريته للعلامات)) تعود الى نظرية المتنبي الشعريةـ فيركب صورته السيكولوجية حسب سوسير في خطابة الى الطلل فيقول له (( اثلث )) أي كن ثالثا ايها الطلل بالبكاء لاني ابكي والإبل تبكي وانت مدعو الى البكاء لفقد الاحبه وهذه الصوره السلوكية عند بيرس وعلاقتها بالحس وهي تشد التأمل الذاتي بحلقته الاجتماعية فهي صورة مجازية الانطباع ـ حدسي حقيقي ، والذي يتم تولده باشتراك الطلل تجريديا ، وهنا يشترك الجانب السيكولوجي عند سوسير + الجانب السلوكي عند بيرس + الصورة الصوتية + التشكيل المتلابس عند المتنبي فتكون المعادلة كما يلي : التلابس السيكولوجي في نظرية سوسير + التلابس السلوكي عند بيرس + التشكيل المتلابس عند الاثنين يعطينا اشكالية التلابس عند ابي الطيب
المتنبي والصورة الصوتية التي تشكل الاطار الموضوعي للتشكيلات الثلاث:
-أ- أشكالية التلابس عند "المتنبي"
د
الصورة
الصوتية
-ب- -ج-
الاشكالية السيكولوجية عند"سوسير" الاشكالية السلوكية عند "بيرس"

وتكون المعادلة كما يلي : بان أ = ب + ج + الصورة في( د) وهي المعالة التركيبية الجديدة في الصورة الشعرية وهي الفكرة الواحدة في الصورة الصوتية التي تجمع النظريات الثلاث :1ـ نظرية التلابس عند (المتنبي )والنظرية السيكولوجية عند (سوسير) والنظرية السلوكية عند (بيرس 0) وقد كان (بيرس) يضع حلقة التطور امام عينية( بالمعنى المخبري او المعنى العقلي) والذي يصبح الاختيار هو الحل كما في الفيزياء ـ والرياضيات ، وقد عكف على الدرس العلمي وترك الطريقة الاستبطانية لحالات الوعي ، وتساءل (بيرس) : ما هي العلامة ؟ فكان رفض بيرس للسيكولوجيا عند سوسير هو الذي دفعه الى التطور السسيولوجي وربطه بالسيميوطيقا كما ارتبطت الذرائعية ـ بالنقد الديكارتي ، وقد رفض بيرس ( فاعل الخطاب ،
) ، وقد دافع بيرس عن الطبيعة السسيولوجية للعلامةLe sujetdu discours)
كما دافع ابي الطيب عن فعل عن هذه الطبيعة كما في الابيات الشعرية الواردة والتي مرت قبل قليل وهو ليس كما يفعل ـ سوسير بمعارضه التشكيل اللغوي بل باقصاء الخطاب، فالانا عنده هي حالة اجتماعية ترجع الى سيميوطيقا المتنبي وهي مرتبطة بنظرية بيرس حول تشكيل العلامات باعتبارها نظرية جمعية ملتزمة بالدلالة السياسية وهذا المحور الجمعي بالتزامه للعلامة يرجع الى سيموطيقيا بيرس 133* .








ــــــــــــــــــــــ
133 ـ المصدر السابق نفسه ص47
المفهوم النظري "للوقت والثورة في فكرالمتنبي "
وتنقسم الى منحيين بخلاصات للتأثير والتأثر . هناك تأسيس نظري يتمحور في الممارسة الفكرية لابي الطيب المتنبي ويتصل هذا المنحى الفكري بمفهوم الزمن الشعري المتطور الذي يصب في أستنطاق استرجاعي يتلابس بالخواص الفكرية الحديثة ويتطور بها ، هذا التحديث لا يفارق الوعي الفكري للشاعر بل يجعله في وضع دائم المراجعة والحلقة الثانية في هذا المنحى ، فهو يتصل "بالوقت والثورة" ليسقط الاختلافية الزمنية بعملية الانقطاع كما يحلو للبعض ان يتهمه بها ، فالحداثة وما وراء الحداثة هي الصفة الغالبة في التشكيل الشعري للمتنبي، ثم يتلابس بهذه الزمنية وصفاتها الغالبة بحال من يخص المتنبي حتى في حالة المضايقة له ، ولكن النظرية مستمرة في الاختيار الذي يظل هو المقدمة والمدار المفتوح للمفاهيم المنطقية والعقلية والمتعلقة بالارادة والمقدرة الفعلية للوصول الى الحقيقة عندما تكون الارادة هي في الرفض للغريب والقدرة الخلاقة في التحول بهذا الشأن وعملية التفاعل بخلاصة الصفات في اطار مفهوم "الزمكان" المتجسد في "الوقت والثورة " رغم المدار المغلق الذي يدور حوله هذا الزمن ،وهذا الوجه الاخر للعملية الاستبطانية يرفضه المتنبي ، ومقاومته لهذه الازمنه الرديئة استطاع المضي بطريق البحث عن الثورة وفي أي وقت زمني سواء الذاتي منه اوالموضوعي، اما الاشكالية التراثية بفهم الزمن حسب المنظور الثقافي التطبيقي والتي تضع الزمن في مقدمة الوعي النظري والطموحات المتركبة بحلقاته التصاعدية كما نجد هذا الاستبطان واضحاً في المنحى الفلسفي عند ابي الطيب .
هذا الاستبطان هو الذي صاغ المفهوم الزمني المتصاعد والذي اقترن بحقيقة وعي المتنبي المتقدم والمتطور الذي صنع منه رجلا سياسيا ورجل فكر عبر عن اعتزالية عقلية، حيث أقترن هذا المنحى بملمح متقدم في حركة الفكر العربي والشعري منه حصرا ، هذا الملمح الخلاق الذي كشف عنه المتنبي باقتدار ، فقد اسس من خلاله نظرية فكرية خلاقة كانت اضافة جديدة لاستمرار حضوره الفكري وبلغته الشعرية بعد ان جعل من هذا المفهوم الفكري هوشيء من المقاربة في الزمنية الدائرية ، وهو مفهوم يبدأ بجدلية "الزمنية التأريخية" وحركتها التي لا تتوقف الا لتتركب من جديد وفق معادلة ( الاطروحة +الطباق=التركيب) .
فالمسار الابدي لحركة التاريخ والتي تتطابق في استعادتها للعودة الى التراكيب الجدلية ، فهي التي تعود الى نقطة الابتداء ، وهي التراكيب باكثر من معنى حيث يتم الالزام الفكري بزمنية دائرية تدعم ما اقترن( بالوقت والثورة ) وما يوازيهما اوما يتجسد بهما بعملية التعاقب لفصول (( تاريخ الثورة)) وحركة المجتمعات التي تتمحور داخل هذا المدار عينه .فالزمن والثورة يتاكد بحركة التمثيل الشعري ، ثم يبدا بمفهوم الزمن الدائري - (زمن) لافت بانساقة وسياقاتة حيث يقوم على وقائع ملازمة في عملية التسليم بخواص الزمن مثل: ( حقيقة الثورة ) واقترانها بلحظة وجودية كلحظة الابتداء في عصر يبحث عن الانقاذ والانبعاث باتجاه حركية المكان وافقيا بحركية الثورة ورأسيا باتجاه جدلية التاريخ والعصور التي اتصلت بلحظة الامتداد الافقي ( للوقت والثورة ) وهي تتفرغ للنزوع نحو الجوهر الى الذروة بتشكيل الامتداد المتعاقب ومسار الخط حيث الابتداء بدائرة الثورة الزمنية لتكتمل الدائرة والصورة المتحولة الى الابتداع لانها تعبر عن الثنائية (في الوقت والثورة) لينتهي الصراع بانتصار الابتداع الثوري والعقل التاويلي الذي يضع اسبقية المفاهيم العضوية بين (( الثقافة الابتداعية )) – و(دائرة الالزام الفكري) التي تضع السبب في لزوم يفترض تحقيقه بالثورة وجعل الازمنة الفاتره والمنحدره هي التعريق للمدارالمغلق لانه
الحركة الغائبه داخل الانسان. فالخطيئة الاولى للانسان كانت ببتعاده عن الوقت والثورة ومعناهما ودلالتهما التبشيرية التي لا تفارق حركته التاريخ الذي لا يفارق دلالته التي ارتبطت بالانسان ونتائجه التطابقية وتماثله الابستيمي اتجاه هذه الموازنه في الانحدار الدائري حيث الاستجابة للموازنه بالسبب والنتيجة وبالعلاقة التماثلية . فالتمثيل الزمني في عصور الانحدار غير جدير بالثقة، فكيف يمكن الوثوق به وهو متلبس بالضديه من "الوقت والثورة " ؟ ، ولا علاقة للزمن المنحدر وفاعلية العقل الا بالثورة من منظور الفاعلية الثقافية والقدرة العقلية على التمييز بالاشياء بفروض الحتمية التاريخيه وهي لاتاتي صدفة بل تأتي نتيجة قوة فاعلة في المنظور التاريخي فلا فاعلية في التمثيل الجدي للزمن والوصايا للخصوم في الازمنة المنحدرة ، فالمنزلة المعرفية للنسق العقلي هوفي البحث عن الخلاص من الوعي المتهالك اوالزمن الهابط نحو الدرك الاسفل حتى التراتبية الافقية التي تجمع الناس على الارادة المتعالية ، يجب تمثيلها بالثورة وبدرجات تفوقها العمودية ،فهو الحراك المتمثل بالاعلى دائما ، فلا سبيل الى التجاوزالا بحركة الثورة ، فالاعلى يظل هو (الوقت والثورة ) لاكتسابه المعنى الثقافي والشعري والادنى يظل ادنى بالتراتبية ومحتوم عليه بالانهيار والمقدرة على نقل الوعي الى المطلق هو الذي يضع العقل في مقدمة هذا التمثيل للوعي ، ويبقى الحراك بمستويات الحضور الفعلي لهذه الطباع الممثلة بطباع الثورة وهي الاكثر نزوعا نحو الفاعلية العلمية والثقافية والمتعددة في المجالات والتنوع الامكاني واتساع رقعة وانحسار رقعة الجنوح الهابط والمستكين ، فالتيار العلمي والثقافي هو جزء من فعل الوعي للوقت والثورة وحضور العلم والثقافة من الناحية التكميلية تظل مدارا مغلقا على الخواص التراتبية وتعاليمها الصارمة والتي تضع في المقدمة اصحاب المصلحة الحقيقية بهذا التراتب لان الذي يدعو الى المعرفة والعلم والثقافة هو المتقدم الاعلى وتسقط كل دلالة الحضور المزيف الذي يدعو في مناهجه الى التخلف والى السلف والى كل مجالات العلوم والثقافة والفنون والاداب الى حلقة فيزيقية تنحصر بسياق المعنى اللاهوتي والذي ينطبق على العلم والمعرفة والثقافة وينزل العلم الى الاسبق الفيزيقي والاقرب الى ذهنيتة ووعيه المتخلف بالايعاز العلمي الذي يشع متى قدروا التابعين فيزيقيا حتى ينتهي بالحالة العلمية والثقافية الى حالة من الانحدار الكامل ويغدو السلم المعرفي مرهون بالسلم المعياري الذي يطول بالتكرار لهذا الانحدار وهذه الادلة واضحة في نظرية السبق على مستوى الوجود والمقاييس المتقدمة في ذلك وهي الادلة والدلالة الثبوتية التي تؤكد حالة الوعي العلمي والثقافي الى كل ماسبق واللاحق يظل تابعا لسابقه وهكذا يكون السبق الى الحدود المطلقة والسلف الصالح هو الاكتمالي العلمي والثقافي والمعرفي اما الجديد بهذا المعنى فهو المكرور والمقدر سلفا ومكتوب بالمطلق لانه يتكرر ويختلف من مرحلة تاريخية الى مرحلة تاريخية اخرى ، وتبقى العلوم والمعارف والاداب والفنون هي عملية اتباع لما سبق ويترسخ هذا المنعطف وحسمه بقضية القضاء والقدر، وانت ترى بأم عينيك عملية الانحدار بهذه الرؤية المرجعية المغلقة التي عوقت عملية التقدم والابداع والاستقلال العلمي والثقافي ، وان العلوم يجب ان تأخذ طريقها الى امام اما ما يسمى بالسلف الصالح فكان الاولى بهذه النظريات الفيزيقية ان تنقل الانسان الى مرحلة التطور النسبي فالعلم هو العمق الكبير للمغزى الروحي والديني ، وهذا الانغلاق على العلوم والثقافات والمعارف يزيد من عملية الجمود والتعصب فيتحول الى عملية سياسية قمعية تؤدي في النهاية الى عرقلة التقدم العلمي والثقافي ما يعنينا من كل ذلك هو ما حققه ابي الطيب من رؤية متقدمة في مجال التراتبية المعرفية فهو الذي سبق الوعي الزمني للسلف وذلك برفضه كل حالة الرتابة والجمود التي لا تحقق للانسان اي فعل نحو التقدم فجاء رفضه بالتمرد والثورة على كل القيم المتخلفة معلنا تمسكه بحركة الفكر الحر ورفض مسار الزمن المنحدر الى الهاوية ، هذا الزمن الذي اصبح قيدا صارما على كل العلوم والفنون والثقافات ولذلك ان كل ما انتجه المتنبي من نصوص شعرية تعتبر علامة متقدمة ودليل على حداثة المتنبي الشعرية حيث المتغيرات التي تحدث في الازمنة الصعبة داخليا ، لكنه كان يحسها خارجيا من خلال ترحاله وتطوافه في البلدان المجاورة ومشاركته في الحروب التي قادها سيف الدولة . والمتنبي باشر الحداثة الشعرية وقدمها فكريا بطبق "الوقت والثورة" وعلى هذا الاساس كان تأسيس الوعي الفكري في الشعر الذي سبق الكثير من الشعراء بنقله "الضرورة والحرية" الى مرتكزات الوعي الفكري واستفاد من العلماء والفلاسفة والمبدعين من غير العرب من خلال رحلاته في ارجاء المعمورة .فالمتنبي كان يحمل حسا انسانيا كبيرا وقد تصاعد هذا الحس بحبه لجدته ورجوعه الى الكوفة وحبه "لخولة اخت سيف الدولة حتى ادى به هذا الحب الى ان يفارق سيف الدولة لهذا السبب الانساني وهذا يعني ان تحقيق الطموحات الانسانية لا يتم الا بالتغيير الجذري والثورة ولذلك فقد تنازل المتنبي عن طموحه الشخصي في سبيل الطموح الانساني الكبير وطموحه كان مرهون بمحاربة التخلف في الداخل ومحاربة الخطر الداهم على البلاد العربية والتهديد بالكوارث وكان هذا التصاعد يأتي خوفا من الاحتلال والغزو وقد ارتبط بقضية القلق الذي رافقه طيلة حياته كان يشده هذا القلق الى الامتزاج بقضيته من خلال منطلقة الفكري الانساني وعروبته ونزعته العقلية التجريبية التي تأسس في داخلها التيار المعرفي الثقافي ومفهوم الزمن المنحدر ومفاهيم الانسانية ومعرفة حقيقة المنظور الفكري الذي تلبس المتنبي منذ الصغر، فكانت نظرية ."الوقت والثورة "وهي الخلاصة لهذا الوعي خصوصا ما يتعلق بتهديد الانسان لمرتكزاته ووعية وثقافته العلمية.
"المرتكز الشعري"
ما دام الانحدار الزمني يأخذ مجاله على كل المستويات ومنها المرتكز الشعري وعملية التدني هذه عبر الزمنية التتابعية الممسوخة والفاسدة كانت قد تحولت بل اعادت تركيب ما افسد من العناصر السابقة الجاهزية واتساقها بقضية الاعتقاد والذي سمي المتأخر في تقدمه وهي عملية الاستعاده الهيكلية لايصال النموذج المراد توصيفه او احتذاءه ، فجاءت قضية المرتكز الشعري الجاهلي وهو ابتداء زماني يتعلق بتبرير المرجعية الشعرية من الناحية التأويلية بحيث تجعل الشعر الجاهلي هو العمود الاول في الاعانة على فهم "القرآن الكريم" عند الالتباس الفني وهناك احاديث كانت قد نسبت الى ابن عباس والحديث ما معناه "اذا تعاجم عليكم شيء من القران فأستعينوا بالشعر لان القرآن عربي" وان هذه العودة الى الشعر الجاهلي هي الاستعانه به على الفهم لما اتى في القرآن من غريب وهو العون اللغوي ، وهذا يعني ان عملية انتقال قد حصلت من الاخروي الى الدنيوي واسقاطا للاخروي على الدنيوي وفي هذا قد استمد القداسة المبرر بالاسبق الاخروي وهذا ينطبق كذلك على الشعر الجاهلي ، وكان الخلاف على مبدا هذا القياس في القرآن على الشعر الجاهلي هو ما خالفه طه حسين من ان الحياة الجاهلية نراها متجسدة في القرآن لافي الشعر الجاهلي وهذا الراي المنهجي كان في كتابة (( في الشعر الجاهلي )) في العام 1926 الذي احدث ضجة والذي يقول في الصفحة الثانية من الكتاب ( اريد ان اقول الشك اريد الانقبل شيئا مما قاله القدماء في الادب وتاريخه الا بعد بحث وتشبث ان لم ينتهيا الى اليقين فقد ينتهيان الى الرجحان ) ثم يقول ( ان الكثرة المطلقة مما نسميه شعرا جاهليا ليست من الجاهليه في شيء ، وانما هي منتحله مختلفه بعد ظهور الاسلام فهي اسلامية تمثل حياة المسلمين وميولهم واهواءهم اكثر مما تمثل حياة الجاهليين ) ويقول " وانانستطيع ان نتصوره تصورا واضحا قويا صحيحا ولكن بشرط الا نعتمد على الشعر بل على القرآن الكريم من ناحية التاريخ والاساطير من ناحية اخرى"134
كان طه حسين ينقض كل ما جاء به المذهب الاتباعي حتى لحظة الابتداء في اي مبررلوجود هذه النظرية ويسقط حركية الاخروي على الدنيوي ثم يقوم بتحيطم هذه القداسة المصنوعة فيزيقيا ويستمر هذا الزمن المحوري والمنحدر بانسانه وبقيمه الادبية والشعريه حصرا من لحظة الابتداء هذه الى لحظة الانحدار بمنزلة الحكام والامراء في الجاهلية، يقولون ويامرون فريض كل شيء يقولونه وفيهم الاقتداء والاحتذاء وهي مكانة مرموقة وهي الاقدام في الوصف كما اشار اليها ابن سينا والشعراء كانوا كالانبياء في الامم والشعوب ثم تساموا واصبحوا افضل الخلق في المنزله الاولى ثم الى المنحدر وهذا عين التباين في الحالتين، ثم ناتي الى القياس والمعيار وهو قياس كل لاحق على كل سابق وهذه العملية تخضع لمنحى الراي والموافقة كذلك نتائجها المختلفة، فالقياس على العموم متوجه الى السابق ، فالسابق هو


ــــــــــــــــ
134 ـ انظر : الدكتور طه حسين : في الشعر الجاهلي دار الكتب المصرية 1926 ص7 ص8

المرجعي وهو المعياري الذي يثبت قيمته الموجبه او ينفيها واما المعايير فهي الموازين التي يتم التحديد بموجبها لانها القياس الذي يعيد به اللاحق عملية الانجاز للسابق وبوسائل كثيرة وكان لصيغ البلاغة وقع كبير في هذا الموضوع فتحدث البلغاء
عن:
1- السبر.
2-التقسيم.
3-الفك.
4-السبك.
5-القلب.
6-الكشف.
7-التوليد.
8-المعارضة.
9-المضاعفة.
10-التفصيل.
11-الاضافة.
12-التبديل.
13-التضمين.
14-التفريع.
15-الاتكاء.
16-التمليط.
17-الارتقاء.
18-الاقتباس.
وكل ما حدث من نتائج منطقية في تتبع سير الاخرين فالنصب على السرقات الشعرية وكأنه هو الموضوع الرئيس في هذه المنهجية البلاغية ، فكثر التأليف في هذا الموضوع وبدأ النقاد والبلاغيون يتقصدون سير القدماء السابقين بالاحقين ويرصدون انواع السرقات الشعرية والشعراء المتأخرين اخذوا مما سبقهم وكانت مهمة الناقد هوارجاع ما مأخوذ الى اصله مهما بلغت براعة الشاعر المتأخر بالاختفاء ، فالشاعر المتأخر يأخذ من الذي سبقه شرط ان يخرج بشيء جديد مضاف الى ما سبقه وهكذا فقد انتشرت كتب السرقات مثل كبار الشعراء أمثال:-
1- أبي نؤاس.
2- أبي تمام
3- والمتنبي والمعارك النقدية التي دارت حوله والاراء المزعومة بالسرقة حيث تبارى فيها الكثيرون على مستوى الوطن العربي ، هذا يعني ان ازدهار مجال البحث في السرقات الشعرية على النحو الذي برز فيه المتقدم والمضمر بهذا النسب بأن المتأخر وتابع الى المتقدم وعلى كل حال فأن ما يضعه المتأخر هي أضافة كمية لما سبق من معاني للمتقدم وحدث فعل آخر ، هو فعل الموازنات وهذا كان ملازما للكشف عن السرقات الشعرية ، فقد ألف الامدي كتاب أسماه "الموازنة بين الطائيين" والكتاب هو مقارنة تفصيلية بين ابي تمام الذي خرج على عمود الشعر والبحتري المحافظ على هذا العمود من خلال تفضيل الثاني على الاول ، والذي ينفر منه الامدي لخروجه على التقاليد ، وهذا النفور من شعره هو الذي وضع اشياء كثيرة متحديا وقاهراً للزمان ، وكل ما اقترن بالشروط التي تحقق منطق الضرورة ، وتقع حجر عثرة في طريق الحرية وكل ما جاء به الامدي ينطلق من الاطر المرجعية التابعة التي انطلق منها في تشخيصه للشعر والتي لا تخلو من قولية ومن ايمان مضمن للنسق الشعري بانحدار الازمنه المتوازنه ذلك لغياب الوعي والارادة المقدرة لهذا الوعي ، وقد حاول " ابو تمام " ان يضع قدرته وفرضها في حلبة الصراع الشعري ووجوده لترفع هذا الشاعر في المضي الى امام . فخر صريعا بين القصائد لانه لا يمتلك موقفا اخلاقيا ، والامدي لا يختلف في نزعاته هذه عن ابن المعتز الشاعر الناقد وموقفه من الشعراء المحدثين الذين وصل بهم "ابو تمام" وبحركتهم التجديدية الى عنفوانها ، الا ان خطة ابن المعتز بالهجوم على شعر المحدثين كان قائما على تقويض صفات الجدة التي ميزته والتي لم ير فيها ابن المعتز أي جديد انما هو قديم وموجود في "القرآن الكريم" واللغة واحاديث النبي واقوال الصحابة واشعار المتقدمين ، وان كل ما فعله المحدثين هو اختلافهم عن القدماء حيث الاسراف في الاستخدام والمبالغة فيه ، هذا الاسراف والمبالغة كانت اساءة لافراطهم ولا تخلو هذه من المحاججة من المخاتلة باعتبار ان المحدثين ومذهبهم:
1- لايمكن اختزاله بالعناصر البلاغية الجزيئية التي وصفها ابن المعتز وهي خمسة عناصر:
1-الاستعارة
2-الطباق
3-التجنيس
4-رد العجز على الصدر
5- المذهب الكلامي
وترجع الى المحدثين في الفقر:
2-رد المقصور الى السلف وتعرية ما جاء به الخلف من أيّ ميزة.
3-الكمية التي لا تؤدي الى تغيير جوهري ثابت .
4-التقديس للقديم ورفض الجديد وهذا نوع من التطرف والعصبية التي جعلت الشعر افضل شعر واللغة احسن لغة ، ومن جهة اخرى يؤكد ابو حاتم الرازي : ان لغات الامم اكثر من ان يحصيها احدا ويحيط من وراءها محيط او يبلغ معرفة كنهها ، ويؤكد ابو حاتم الرازي :ان افضل السنة الامم كلها أربعة :
1-العربية
2-العبرانية
3-السريانية
4-الفارسية
وبالطبع السبب ديني لان الله انزل كتبه على انبيائه عليهم السلام.آدم –نوح-ابراهيم ومن بعدهم من انبياء بني اسرائيل"بالسريانية والعبرانية" وقيل ان المجوس كان لهم نبي وكتاب "بالفارسية" اما خاتم الانبياء فهو الذي نزل عليه كتاب الله بالعربية والتي اكمل فيها خالقه دينه وفضلها كذلك على كل لغة بما فيها اللغات السابقة ولذلك فلغة العرب هي افصح اللغات واكملها واتمها واعذبها وابينها ويكمل "ابو حاتم" هذه الحماسة "للغة العربية بتعصبية" (135) وكبرياء في حين ان اللغة العربية خضعت
ـــــــــــــــــ
135-انظر : الدكتور جابر عصفور لوازم الماضوية الادبية صحيفة الحياة الدولية العدد 65520 في 28 أيلول 2005م
للتطور الجدلي التأريخي ولاستنتاجات تفصيلية عن السياق الحقيقي وعن حاجة هذا السياق الى معنى التطور في المجالات اللفظية والتعبيرية كغيرها من اللغات في العالم ، وان ما يعنينا هو هذه الاتباعية المرهونة بالقصدية الشكلية المتكونة في نظر البعض على انها نهاية المعنى ونهاية المضامين ونهاية الصيغ البلاغية ، واننا في هذا الادراك نعي ما ندركه من خلال خواص لغتنا وتغيراتها واشتقاقها بالنظر الى وعي الاخر الذي لا ينضوي ، مع رأي المتعصبين تحت هذه الاشكالية : لكننا نتصور ان معنى الرؤية الدقيقة للغة هو ليس الاكتفاء برؤية الظاهر من الاشياء ، ونحن نعلم ان التأمل الباطني او ما هو مضمر من النسق واشيائه.
هو اننا لا نكتفي بتكرار العملية الظاهرة بالنص اللغوي ، لكن القصد ما نراه مضمر في حقيقة النص وما نراه كذلك من صورة سيكولوجية للمتطابق في اللغة بين الظاهر والباطن المضمر وصورته الحقيقية التي يحاكيها النص الشعري ، والمتنبي كان قد حرك الاشياء والانساق المضمرة في اللغة من خلال حبكة النص الشعري ونقلاته- التجريبية داخل الانموذج الامثل وخصائصه الفكرية والانسانية حيث تفرد النص عند المتنبي جوهريا وفق مميزات النقل للطاقة السيكولوجية بفعل الحدث الشعري وموضوعه الاجمالي الذي تميزه الاشكاليات الاختلافية والتطابق الابداعي في انتاج الحدث الفعلي واستنتاجاته داخل اشيائه ، والافصاح عن التصور المتغاير بتفاصيل الحس فنيا ، فالاشياء في الحدث احيانا تختلف- مسافة بين هامش اللغة ومتنها وبهذا المعنى حصرا يتكون واقعا متناقضا وعبثيا من حيث التشكيل للادلة وبمرتسمات الصورة الشعرية وطبيعة المنظور المراد تشخيصة وفق تركيبات الوعي النقدي باستبصار المنهج الكشفي للغة النص .
فهو يقع داخل محرك ديناميكي وينتهي في صورة جديدة لعالم ينتعش فنيا ، في هذه الحالة يصبح الهامش متركب من المتن ويصبح المتن جزء لا يتجزأ من هذا الهامش في هذا الحال تبطل عصبية المتعصبين للاتباع اللغوي والمرجعية في التشكيلات القصوى لان اللغة العربية هي لغة توافق ولغة حس جمالي حتى بتشكيلة حروفها كما يقول "الامام علي بن ابي طالب" في كلام ينسب اليه بأن "الخط الجميل يزيد الحق وضوحا" (136) هذا يعني بأن اللغة العربية متركبة من حس جمالي – وصورة ومعنى – وحق وكل كلمةحبلى بالطاقات الخلاقة وهي جسر يربطها بباقي اللغات .
****************


ـــــــــــــــــــــــــ
136-أنظر :ادونيس الصوفية والسريالية ص 202
" الغموض أو الابهام في شعر المتنبي"
من الواضح ان الغموض الشعري قد يحدث في النص وحصرا بالمفردة الشعرية وهي نتيجة لغرابة تحدث في اللفظ اوالتباس في العمل الفني المتقدم وهذا العمل ربما يكون واضحا ومفهوما ، لان الغموض في البناء الشعري وتركيباته ليس عنصرا مضافا لهذا العمل بل هو جزء من عملية التكوين الفنية للشعر مثله مثل الايقاع الداخلي للقصيدة وهذا يختلف باختلاف اللغة ، واللفظ المستعمل لان اللون المتركب بالصوت الذي يصدر عن اللفظ. والغموض الشعري يتكون بمؤثرات عديدة منها سيكيولوجيه اوانفعالات سلوكية ربما تكون طارئة او تاتي نتيجة مركب انفعالي وغير ذلك، والغموض الشعري ياتي ايضا نتيجة المركب الفني الذي تحكمه تركيبات (سيميولوجية ) وهي التي تشكل الغموض حيث تنشط وتتصاعد ، وحتى تثير جدلا فكريا ونقديا ، فعلى المستوى (السيميولوجي) تطرح بعض المفاهيم المتعلقة بالاساسيات ( السيموطيقية المتعلقة بالتماثل لمفهوم الغموض على قاعدة ( بيرس ) الثلاثية فهو يعطينا بعض الاشكالية في التحليل العلاماتي ، هذه العملية الاشكالية كان قد افرزها ( سوسير ) لكن تركيب منظوماته كانت ثنائية ولذلك لم يسعفه نظامه في حل هذه الاشكالية " ففي سيموطيقيا بيرس " لدى "سوسير " يتعلق المحور الاول : هو ان هناك ترابط بيّن لحلقة الفكر بحلقة العلامات فبدون العلامات لايمكن التوصل الى المحورين بشكل واضح ومتصاعد ودائم ، وكذلك الاختلاف بالعلامات حسب سوسير يعطينا وعي كامل بالغموض وبالطبع فأن العلامة ليس بها أي خصوصية محدودة لانها مستقلة ولاتتطابق مع أي علامة اخرى لابراز الغموض، فلا توجد في المنظومة اللغوية الا الاختلافات وحتى الدال والمدلول فهما ماخوذان بشكل تفاضلي ويكونان سالبان وحتى المقاربة بينهما تكون في حالة طردية ايجابية .هذا الموضوع يخلق نظام من القيم الغامضة بمنظومة النص الشعري وهو الذي يشكل الانموذج الصوتي والانموذج السيبكولوجي داخل كل مفردة شعرية وداخل كل علامة غامضة ،وما يميز العلامات وما يكونها في المنطق " السيمولوجي " هي الحالة الاختلافية التي تعطي الطابع القيمي للغموض، وهذا ما يؤكده المنطق التطوري للشعر . فعلى سبيل المثال عندما يختلط اشكالان اثنان وذلك بسبب التغير الصوتي داخل النص الشعري مثال على ذلك :
( pus- crisdecre’pit decre’pit decrepitus )
فعلى اثر ذلك تختلط المنظومات الفكرية وتتاثر بهذا الغموض وان كان مفعولها قليل التاثر بالخواص التناسبية ، ولكن الاختلاف يظهر حتى يصبح اختلافا دالاً ، وان(بيرس)ُيظهر هذا بحالة اخرى وقد يكون لافرق في المنهجية الدلالية ولكن يكون الاختلاف بالانجاز الشعري بعد ظهور الغموض بشكل مباشر . من جهة اخرى يتساءل(بيرس ) عن تحاشيه لمكونات الالفاظ هذه،الاختلافية في المخادعات هي التي تدخل الاختلاف النحوي بين مفردتين لكي ينتقل هذا الاختلاف الى الحلقات الفكرية التي تعبر عن هذا الغموض ، من هنا نقول اذا كانت كل هذه الاشياء تؤدي الى منطق الغموض الشعري ، اذاً يتم التعبير بالتحليل الذي يميز هذا الغموض عبر تفكيك النص الشعري وفق عملية ( التحليل والتفكيك ) يقول التنبي :
وما ارضي لمقلته بحلم اذا انتبهت توهمه ابتشاكا
والابتشاك : يعني الكذب ـ ثم يقول :
جفخت وهم لايجفخون بهابهم شيم على الحسب الاغرد دلائل وهنا تاتي لفظة جفخ وهي غريبة الاطوار وغليظة وانجازها يسبر ازمنه وعره من الناحية ( السيميوطيقية ) وكان ابي الطيب في هذا التحليل يستعمل مفردة فخرت بدل عنها والتي تعطي معناها وهذا الموضوع ينقلنا الى مستويات مختلفة في العلاقة : 1 مع المثيل للمفردة وتحليل علامتها ذاتها بالعلامة الذاتيه الصفه سيكولوجياً 2ـ والعلاقة بالموضوع او بالمعنى الشعري 3 ـ والعلاقة بحلقة التاويل مع علاقة المؤول و العلاقة بالعلامة او بتشكيل العلامات الذي يضع القارىء او المستمع فيه هو الذي يشخص موضوعية الزمن بالقياس الثلاثي ، هو الاستعاده (السيميوطيقية ) وان وجود الزمنين الثاني والاول ، فالزمن الثاني يوجد المستوى الاول وفق تحليل ( بيرس ) فالمفردتان 1 ـ ابتشاكا
:"Lesous-signes" 2-جفخت
هناك تسعة انماط مع العلامات الفرعية (137)
3 2 1 غريب الكلام
علامة عرفية
علامة عرفية علامة فردية
علامة فردية علامة وصفية
علامة وصفية 1-ابتشاكا
2-جفخت
رمز
=
برهان
= قرينة
=
علامة ثنائية
= أيقونه
=
المستوى الثنائي
= 1- =
2- =
2- =
1- =
جدول يبين غريب الكلام عند المتنبي وفق التسعة انماط للعلامات الفرعية .
فكان ابي الطيب مولع باللغات الشاذة وتركيباتها الضعيفة او المختلف في استعمالاتها مثل لفظة (السهم) بدل لفظة الاسم كما في قوله:
ـــــــــــــــ
(137)أنظر :جيرار دلو دابل السيميائيات ص60.
أشاروا بتسليم فجدنا بالنفس لتسيل من الاماق والسهم أدمع
يقع هنا المتنبي بمنهجية خطية في العلامة وهي وقعية تضع الابداع في المقدمة والبيت الشعري يحرك :
1- العلامة اللغوية بين المفهوم المتقدم والصورة السمعية وهي توجد بين " الدال -المدلول" لانها جوهر سيكولوجي يقع في محورين .
1- العلاقة الحقيقية بالمعنى الفعال للعلامة + الاثر المشترك بالالفاظ وتلمس حقيقة هذه المناسبات ليظفر المتنبي بما يسمونه "التجنيس" او مراعاة النظير او ما يؤشر
من انواع البديع وهو الكثير الذي يحفل به شعر المتنبي وقد يكون غموض الالفاظ لما يسمونه المعاظلة او ما يتعلق بالتعقيد اللفظي مثل قول المتنبي:
ولذا أسم أغطيه العيون جفونها من أنها عمل السيوف عوامل
وقوله :
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعوا والدمع أشفاه ساجمه
اما ما يتعلق بغموض المعاني عند المتنبي فهي كثيرة وكما يلي :
1- استعمال اللفظ المشترك .
2- من وقوع كنايه بعيدة أوناتج من أستعارة مضمره او ايجاز مخل الى مثال ذلك مما بحث فيه علم البيان قد أستقصى النقاد من المتقدمين ، هو ان اسباب الغموض في النصوص النثرية والنصوص الشعرية الى ثلاثة محاور :
1- التقديم والتأخير وما شابههما
2- سلوك الطريق الابعد والوعر
3- الايقاع المشترك
الا ان هناك عدة مميزات للغموض وهي ميزات حسنة تُظهر براعة الشاعر المبدع الا انها تعبرعن حالة الغموض مثل :
ما يسمونه الموجه والذي فيه يحتمل الكلام لمعنيين ضدين وغير ضدين فالضدين مثل قول المتنبي في مدحه لكافور:
وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً لمن بات في نعمائه يتقلب
فالبيت يتركب من معنيين متضادين :
1- أحدهما يعني ان المنعم عليه يحسد المنعم .
2- والآخر أن المنعم يحسد المنعم عليه .
كقوله من قصيدة يمدحه:
وأن نلت ما أملت منك فربما شربت بماء يعجز الطير ورده
ان تشكيلة هذا البيت تحتمل مدحا وذما ، فإذا أخذ من غير النظر الى ما قبله فأنه يقع بالذم وهو اولى منه بالمدح لانه كان قد تضمن وصفا لنواله وفق درجات البعد والشذوذ وان صدر البيت كان منفتحا بأن الشرطية وكان الجواب بلفظ رُّب والتي يعني معناها تقع في التقليل اي انك لست من نوالك على يقين ، فأن الذي نلته فربما وصلت الى مورد لم يستطع ان يصل اليه الطير لانه محال . واذا نظرنا الى ماسبق هذا البيت فأنه يدل على المدح وهذه مفارقة خاصة لان ارتباطه بالمعنى الذي سبقه . والمتنبي كان كثير الحضور لهذا النوع من النصوص الشعرية ويتبين هذا في قصائده الكثيرة لكافور.
وحكى ابن جني قال :
قرأت على ابي الطيب ديوانه الى ان وصلت الى قصيدته التي اولها !
"أغالب فيك الشوق والشوق أغلب"
فأتيت منها على هذا البيت :
وما طربي لما رأيتك بدعة لقد كنت أرجو ان أراك فأطرب
فقلت يا أبى الطيب : لم ترد على ان جعلته أبا زنة – أي قرداً – فضحك لقوله . أما ما يتعلق بغير الضدين فكقول المتنبي من قصيدته في عضد الدولة :
لو فطنت خيله لنائله لم يرضها أن تراه يرضاها
فالاستنباط يأتي بمعنيين غير ان : أحدهما ان خيله لو علمت مقدار هذا العطاء السيكلوجي لما رضيت له ان تكون جمله عطاياه سيكلوجيه . اما المحور الثاني فان خليه لو علمت انه يهبها من جملة هذه العطايا لما قبلت ذلك لانها تكره هذه العطايا اولاً وثانياً تكره خروجها عن ملكه وهذا النوع من الغموض يسمى ( الموجه ) وترا ه يرد كثيراً عند الشعراء الفحول المتقدمين منهم والمتاخرين ، وذلك يقع في باب الكنايه وهو باب واسع في اللغة العربية حتى ان المتقدمين كانوا قد ا فردوا له الكتب والاسفار وكتاب الكنايات للثعالبي ويقع في ذلك المقايظات المعنويه وهي من التجنيس ، وذلك ان يذكر معنى من المعاني له مثل في شيئ اخر او مخالف والنقيض يكون افضل موقعاً والطف ماخذاً
كقول المتنبي :
يشهلمو بكل اقب نهد لفارسه على الخيل الخيار
وكل اصم يغسل جانباه على الكعبين منه دم مماز
يغادر كل ملتفت اليه وليته لثعلبه وجار
فوقع اسم الثعلب وهو الحيوان المعروف وياتي الوجار اسم بيت الثعلب ومعنى الثعلب ياتي : هو طرف سنان الرمح وهذا وقع اتفاق الاسمان
بين الثعلبين اسمه الحقيقي + طرف سنان الرمح فاحسن ذكر الوجار في طرف السنان وهذا يعني تم نقل المعنى من تمثله في ا لمفردتين.
وقد تشكل الغموض الشعري عبر المراحل التاريخيه ولايزال ماثلا في الاذهان ـ
وعندنا مثال هو( ابو تمام ) وما تركب من غموض في شعره وما دار من جدل نقدي حوله من خلال كتابي الموازنه بين شعر ( ابي تمام ) و( البحتري ) للامدي وكذلك اخبار ( ابي تمام ) للصولي وما حدث في العصر العباسي من تشكيل لمدرستان شعريتان حيث ترك الامدي من اشهركتبه ( الموازنه بين الطائين ) وهي مقارنه تفصيليه ودقيقه بين ابي تمام الذي خرج عن عمود الشعر والبحتري الشاعر المحافظ على هذا العمود والقيام بتفضيل الثاني على الاول والذي نفر الامدي من ابي تمام لخروجه الشجاع عن التقاليد الشعريه الابويه . وعلى شاكلة هاتان المدرستان الشعريتان تشكل اتجاهان نقديان احدها ينحاز الى مدرسة الوضوح . وكان ابا اسحاق ابراهيم الصابي هو من المناصرين للغموض، وكان الصابي يعتبر ان الغموض سمه شعرية ومن اشهر قوله:
(افخر الشعر ما غمض فلم يعطيك غرضه الا بعد مماطله منه ) الى جانب هذا الراي للصابي هناك (الجرجاني ) الذي شكل موقفا منحازا لذهنية الغموض الشعريه وهذا الموقف مدون في كتابة ( اسرار البلاغه ) و( دلائل الاعجاز ) اما الذين يصوتون للموضوع فهم كثر امثال ( ابن سنان الخفاجي في كتابة سر الفصاحة ) وابو الحسن (حازم القرطاجي في كتابه مناهج البلاغاء وسراج الادباء ) اما في الوقت الحاضر فالاتجاه يتمثل(بالحداثة الشعرية ) (وما بعد الحداثة الشعرية )من الناحية البنية والانساب المضمرة في النص الشعري ، ولكن بحلول العصر العباسي بدأ يتشكل النسق الابهامي او نسق الغموض الشعري وتجسد هذا ( بأبي تمام في النص الشعري ) ويطلعنا ابي تمام على تساؤل كان قد وجه اليه من قبل ابي سعيد الضرير وابي العميثل في حوار جرى بينهما وابي تمام حول قصيدته التي يمدح فيها عبد الله بن طاهر يقول فيها :
هنّ عوادي يوسف وصواحبه فعزما. وقدما . ادرك الثأر طالبه
وكان التساؤل هو (لمَ لا تقول ما يفهم ؟! ) وسبب هذا التساؤل هو الغموض الذي لف الشعر في العصر العباسي وقد اصابت بعض شعرائه وعلى رأسه" ابي تمام" الذي هيمن الغموض على شعره ، وقد تشكل هذا على مستوى الفكر والثقافة، وكان للترجمة دوراً كبيرا فترجمت عن الحضارة الهندية فلسفتها وعلومها وكذلك الحضارة الفارسية فلسفتها وعلومها واليونان وما حققوه من معارف علمية وفكرية وفلسفية ، وقد شهد العصر العباسي حلقات للمحاورة والمناضرات الفكرية والمذهبية وقد خلق هذا الجو مناخا فكريا وثقافيا واسعا غير مفاهيم كثيرة على مستوى الوعي الثقافي ، وكان الشعر من جملة هذه المتغيرات ، وقد ترك هذا العصر اندماجا في المعرفة . يقول بشار ابن برد :
شفاء العمى طول السؤال وانما تمام العمى طول السكوت على الجهل
فكن سائــلا عما عناك فإنم دعيت اخا عقل لتبحث بالعقل(138) فكان لهذه المناهج الثقافية المختلفة والعميقة والمتلابسة بتلك – الثقافات العالمية التي ترجمت الى العربية ، والثقافة العربية المتفاعلة في خواصها ومع الاخر الابستيمي . فكان التأثير متبادل في خواصه وخفاياه وتأثيراته على الشعر في تلك الفترة من العصر العباسي ، فجاء الغموض كلون وتركيبه وهو نتاج هذه التطورات والمؤثرات الى حد ان ابن قتيبة لفت انتباه شعر ابي نؤاس الذي اصابه نسق الغموض الحديث بعد ان وصفه بالمتفنن حيث اورد له بعض الابيات تحمل سر هذا الغموض مثل قوله :
ألم تر الشمس حلتْ الحملا وقام وزن الزمان فأعتدلا
وغنت الطير بعد عجمتها واستوقفت الخمر حولها كملا
ثم يقول :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(138) انظر الابهام في شعر الحداثة عبد الرحمن محمد القعود، عالم المعرفة الكويتية العدد 279 ص 19

تخيرت النجوم وقفٌ لم يتمكن بها المدار
وحين تخير ابن قتيبة هذه الابيات لانها تحمل سنّة المعرفة والتطوروهي تؤكد مغزى العلم الذي يحمله صاحب الابيات :
ومعرفته بعلم الفلك ، يقول ابن قتيبة "يريدان الخمر تخيرت حين خلق الله الفلك واصحاب الحساب يذكرون ان الله تعالى حين خلق النجوم جعلها مجتمعه واقفه في برج ثم سيرها من هناك . وانها لا تزال جارية حتى تجتمع في ذلك البرج الذي ابتدأها فيه واذا عادت اليه قامت القيامة وبطل العالم . والهند تقول : انها في زمان نوح اجتمعت في الحوت الا يسيرا منها فهلك الخلق بالطوفان وبقي منه بقدر ما بقي منها خارجا عن الحوت ثم يستمر ابن قتيبة موضحا ولم اذكر هذا لانه عندي صحيح بل اردت به التنبيه الى معنى البيت) (139) وهكذا فقد كان للتطور العلمي والفلسفي التي اطلع عليها الشاعر العربي من خلال الترجمة الى اتساع خياله وتعقد صورته الشعرية وتعقد تركيبات النص الشعري ، فأصبحت المفردات الشعرية غامضة احيانا وقد لفها الابهام حتى اطلق عليها بأنها مفردات غامضة او ان الابيات يشوبها الغموض كما هو الحال عند ابي الطيب المتنبي والذي يعود الى اطلاع المتنبي على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
139) انظر ابن قتيبة الشعر والشعراء الجزء الثاني تحقيق وشرح احمد محمد شاكر ، دار المعارف مصر ص768
الفلسفة اليونانية ومعاني "ارسططاليس" وما تعرض له المتنبي من اتهام في الكشف على يد الصاحب بن عباد ، وقد نا قشنا هذا الموضوع في بداية الكتاب الا ان "ابن فورجه" له متكأ نقدي عاماً ، فهو يعتقد ان الشعر قد يصيبه الغموض من ثلاثة اوجه :
1- هناك الشعر الذي يصدك جهل غريبه عن تصّور غرضه
2- والشعر الذي يعميه أعرابه لمجاز فيه وحذف في اللفظ او تقديم وتأخير سوغه الاعراب " وسقط الثالث لسقوط اوراق في المخطوطه . والمتنبي يلفه الابهام لهذه الاسباب جميعا ولكن "ابن فرجه " كاستاذه ابي العلاء يحب شعر المتنبي فهو يدافع عنه بالاعتماد الى الروايات الصحيحة وبالاعتماد على الحس الذوقي فهو يقف عند قول ابي الطيب :
وانت ابو الهجاء ابن حمدان يا ابنه تشابه مولود كريم ووالد
محمدان وحمــدون وحــارث وحارث لقمان ولقمان راشد
والبيت الثاني مما عيب على ابي الطيب ، قال "هذا المعنى من احسن معاني هذه القصيدة والبيتان من خيار ابياتهاوما لاحد من الشعراء قصيدة على هذا الوزن الا وهذه احسن منها واجود فاليعلم ذلك ) ولكن ابن فورجة رغم حماسته لشعر المتنبي فهي لا تجعله يغفل بعض سيئات المتنبي او يعتذر عنها فهو الذي يقول في قصيدته العينية " مثل القطر أعطشها ربوعا" هذه القصيدة كلها من الشعر الرذل الذي لا نفع فيه ولا بتفسيره(140) وقد يعتري شعر المتنبي القيمة الفلسفية من خلال (الحس التركيبي للجملة الشعرية) وابتكار اللفظ الغامض وفق المنظومة التدوينية التي تتقدمها الخواص التحليلية وقوة التجميع في انتصار المفردة الصوتية والالحاق الذي يحصل بالكتابة والكلام الذي يترتب بعملية اسنادية للحروف والاصوات التي تجعلنا نعير انتباهنا لما حدث . في تركيبة النص الشعري ومخارجه مثل قول المتنبي :
ولجدت حتى كدت تبخل حائلا للمنتهى ومن السرور بكاء
وقوله :
تمتع من سهاد او رقـاد ولا تأمل كرى تحت الرجام
فأن الثالث الحالين معنى سوى معنى انتباهك والمنام
وقد تمثل لابن جني في هذه المعاني بقوله"أرجو الا يكون اراد بذلك ان نومه القبر لا انتباه لها" وقد تسيطر المعاني الفكرية التي يمكن ان تقرأ بعدة اوجه من التأويل حتى على مستوى الصوت . وهذا يعني اختباء البنية "الزمكانية" خاصة لمنظومة العلامات . وقد تمثل هذا الموضوع لابن جني في هذه المعاني اعلاه ، فقد اقترن
ــــــــــــــــــــــ
140-أنظر الدكتور أحسان عباس،تأريخ النقد الادبي عند العرب ص393 ص394
النسق المرتكب اقترانا عميقا بخواص النقل الزماني للصوت . اضافة الى الخواص المكانية للعلامات وباكتمال الطابع المكاني للغة ظهور صورة الوعي الابستيمي للمتنبي بترتيب قوة الصوت القريب من الحضور الشعري رغم اتصال النصوص الشعرية بالعلامات المجردة والتي ترسم وتؤطر المنطق الفلسفي للنص الشعري عند ابي الطيب . وتأتي الخطوة الاخرى في العثور على العمق الفلسفي عند ابي تمام والذي يطلعنا عليه الامدي من خلال تخارج الخطاب الشعري وقد اورد القاضي الجرجاني هذه الابيات:
قسمت لي وقاسمتني بسلطــا ن. من السحــر مقلتا عبدوس
فالقسيم القاسم عن لحظــات منهما يختلسن حــب النفوس
فالذي قاسمت بلحظ إذا الليــ ـل تمطى من الكرى المنفوس
في هذه الابيات تجربة رمزية واشارية وتلميحات للنص الشعري بحالة تغزل. نرى ان هذه الابيات الثلاثة كانت قد تركبت بصورة صناعية فنية لانها تتقاطع في ابعاد دلالاتها حين تتجسد هناك فرضية للتواصل في الحالة الذوقية . فهذه النصوص الشعرية الثلاثة لا تحمل اسرار تخيلية وحتى تفاصيل مركبات الذات . فالنصوص تمثل غربة فنية داخل تجربة تجريدية داخل معطي شعري ثقافي.

فالنصوص تقدم على ممارسات ورؤية تتعلق بمنظومة مركبة صناعيا فهي تقلب صغية المعادلة نحو المجهول لذا تستلزم قراءة في المعلوم من هذا الغموض الثقافي والفلسفي المجهول.
كقول المتنبي:
كبر العيان علي حتى انه صار اليقين من العيان توهما
وقوله:
وبه يضن على البرية لابها وعليه معنها لا عليها يؤس
وقوله:
ولولا انني في غير نوم لكنت أظنني مني خيالا
وقوله :
ونحن من ضايق الزمان فيـ ـك وخانته من قربك الايام
فالقراءة لهذه الابيات تتعلق بالخروج من التقليد في الدلالات والمعاني والصور الى الصغية الفعلية للمسميات والمفردات الابستيمية ومنها المنحى المعرفي الصوفي الذي يتقدمه الغموض الشعري ليكشف عن الاشياء في ماضيها وحاضرها وبأسمائها الصوفية وهو كشف يحدث طريقة في التعبير الشعري مضيفا اليها الصورة التغييرية من حيث انها تجديد في اللغة التجريدية وحيث منشأ المفردة الصوفية .، فالاشياء عند المتنبي غير مسماة والعالم الموصوف عالم يتعين بالحس ، والانسان فيه عصي على اشياءه فهو متحرك ليخلق هويته بالافصاح بشكل جديد عن هذا العالم . فالمتنبي يستقصي الموضوع من خلال المنحى الذاتي، والمفردة الشعرية ليست اداة مجردة بل هي تخارج خطابي جدلي لانه يستقصي الحركة والتحرك ويتيح عملية الانفصال عن المسار ذاته الى الموضوع ويتيح التواصل مع الغيب استقصاءا وتحركا داخل مسافة وزمن يفصل الاشياء ، وهنا تكمن ابداعات المتنبي في الكشف عن العلاقات الغامضة داخل مسار( الفيزيقية الكونية) التي لاينتهي الغموض فيها . هذه النصوص الشعرية تمثل تيار ثقافي جارف ونوع من الابستيمية الثقافية الجذرية المرتبطة بالثورة وفقهها وهي تتضمن الجوانب التي تتأسس عليها العلاقات والاشياء المرتبطة بالوعي المطلق ( للوقت والثورة) وان منظومة الرؤيا عند المتنبي ترتبط بنشأة التجارب الصوفية في مناخاتها الثقافية وبايمان حتمي يجسد حقيقة الوعي الثوري بالاستناد الى منظومة سياسية تتطابق مع الحدث الفكري والحقيقة الشرعية التي تستمد من النسق المضمر والباطن الخفي من حقيقة الظاهر المتمثلة بشريعة العقل والوقت والثورة اضافة الى وسائط عديدة تتمثل في القلب اضافة الى الحدس الاشراقي والرؤيا المرتبطة بتجريبية التغاير الموضعي ، وهي ليست بما يقال في مايمكن قوله ولكن في قوة مايعتذر قوله ، انه الغموض والخفاء - والامتناهي ، والوتر الذي يعزف عليه المتنبي وتر التجريبية الصوفية في معرفة السر الانساني واشيائه التي لايمكن الوصول اليها عن طريق العقل او العاطفة انما عن طريق الخفاء المعرفي الذي لايمكن معرفته
الغموض واسبابه في شعر المتنبي""
هناك الوان من الغموض تعد من محاسن الكلام واللغة فهي ليست تجريدات بل هي موضوعات تتعلق بالبنية الشعرية والعلامات اللغوية ، وهي جزء اساسي ورئيسي من بنية الشعر العربي ولا يخلو منظوم او منثور من اشكالية الغموض واسسه السكيولوجية فهو اساس التجريدات والصور ، التي تشكل بشكل جمعي سميولوجية مجتمعية اللغة عند المتنبي ، والغموض هو اتفاق على حقائق سكيولوجية مبدعة فهي حقائق تقع في مستقر ذهني باعتبارها دلائل في براعة اللغة بالاضافة الى العلامات اللغوية فهي ليست تجريدات ، فالدال بدون مدلول لاتشكل تحولا في اشيائه وكذلك العكس . والمتنبي وان كان مطبوعا لكنه يضطر الى الصنعة ، على ان هذا التركيب للعلامات فالممثل والموضوع والمأول تخرج في كونها علامات اذا اخذت باستقلالية عن بعضها البعض . فالالتحام بهذه العلامات يشكل الاشكال التجريبي للغموض ، ويأتي صدى العلامة في السيمييلوجيا وهذا ماحدده سوسير شانه شأن ( بيرس) في تفاصيل هذا التميز بين العلامة السيميولوجية والصدى المعجمي – والمركب الصوتي ، هو ليس عنصرا ماديا ينتمي الى اللغة ولذلك بقي الابهام او الغموض عند المتنبي مركبا من الصوت واللغة وهذه الاتفاقية الجدلية التطابقية تعتبر عنصرا ملموسا تحدد قيمتها بهذا التركيب . فالدال عند المتنبي دلا معنويا أي ان علامته علامة عرفية حيث يحتشد ويبلغ اقصاه في مدح مثل (ابن العميد) ، وياخذ على المتنبي مأخذا عند مدحه سيف الدولة عند اول اتصاله به ، ومايتعلق بالدال اللغوي وهو العنصر المضمر في العلاقة المعنوية (أي علامة دقيقة بالمعنى البيرسي) ثم ياتي الصوت ليحرك منظومة الوعي واشتراطاته المتعددة، ويقرر المتنبي في هذه السيميولوجيه حسب (سوسير) باعتبارها ثنائية العلامه اللغوية لانها لاتوجد بين الشيء والاسم بل توجد بين المفهوم والصورة السمعية والمفهوم يقوم بالدور المأول.
لكن سوسير يلتقي مع المتنبي بالقرينة والرمز البيرسيين والمتنبي في ذلك اذ قال (رجزا) كان يطول (رئبة العجاج )فتأتي اراجيزه حافلة بالغرابة والغريب والامعان في المنظومة السيميولوجية ، والمتنبي نشأ في الباديه وتلقى اللغة من مصدرها أي من (الاعراب الخلّص) ثم ظهر في بيئته بالكوفة فكانت مدينة الكوفة غاصة بالرواة والعلماء باللغة واساطين البيان ، وكان المتنبي شاعرا طموحا جاب الكثير من الانحاء وسبر الاغوار وحفل شعره بالغريب والغامض احيانا والتوليد الغريب والعجيب والدقيق ولايتكلف هذا الاحتفال والاحتشاد والاستنباط الخفي من القريحة بحوافز سيكولوجية اضافة الى قوة الاحكام في مرتكزات السيميولوجيا . جاء هذا عبر تدقيق وتمحيص بمعترك اللغة واشكالياتها ، وكانت قيمة هذه الاختلافية هو في التشخيص السيكولوجي للغة وعدم اختلاطها بالعلامات المفتعلة داخل نظام الخطوط الذي يكون قرينة داخل هذه المنظومة السيميولوجية باعتبارها منظومة اختلافية تشكل اشارة فنية للعلامة اللغوية . والمتنبي اعتمد على قدرة التخيل الاعلى (ربة الشعر كما يقال) فجاء شعره مغرقا بالخيال وايغالا بتشكيلات الصورة الشعرية واستنباطا لتشكيل المعاني واختراعا للصورة الفنية وكان مبدعا في ابراز المعاني التجريدية الذاتية الحس حيث تدل هذه المرتسمات ، بان المتنبي كان حاد الذكاء وباهر التفكير فجاءت ابياته متميزة بالتفكير العلمي والفلسفي وقد اصاب منه منزلة في ذلك العصر من الناحية الشعرية . ولذلك اصبح شاعرا ينشد الحداثة دائما وكان اسلوبه اسلوبا عصريا بمنزلته لانه اقرب الى القلوب وفيه البيئة المتحضرة التي تنشد العقل الراجح في الشعر الحضاري . فكان اكثر فنية لان العصر الذي عاش فيه المتنبي والذي تطور فيه الشعر العربي كان نصيب ابي الطيب بمنهجيته الشعرية هي منهجية متطورة وحديثة رغم مدحه الملوك والتمجيد لكرمهم المبالغ فيه في الحروب مثل سيف الدولة ، وهذا اقتضى التصوير الدقيق للمعارك في الضرب والطعن والاسر مااستلزمه ذلك من ذكر للجيوش الجرارة والخيل والنياق الصحارى البوادي والى جانب هذا فقد كان نصيب ابي الطيب نصيبا مبدعا في مجال الجمال ، فلم تغب عنه المدينة وجمالها وحركة الابداع والابتكار فيها ، فكان المتنبي يتعامل مع الابداع الشعري باعتباره ملهمه ومصدره .
"طبيعة الرمز المبهم"
عند قراءة المتنبي لاتستطيع ان تفهم شعره دون شروح واذا فهمت الشرح اختلفت عندك صيغة النظم ، والرمز عند المتنبي يستعمله باعتباره مفهوم ويعني اسم اخر للعلامة المعرفية واستعماله المفردات الغامضة والمبهمة بالمعنى الذي يتم فيه تفسير هذه المفردات ، ثم ينتقل المفسر لهذه المفردات واشباعها الى تفسير المراد بالمعاني فهو يستطيع تحديد العلامة اللغوية لان الرمز يبدو وكانه ليس في حالة تقليدية واعتباطية فهي ليست فارغة . وان هناك عنصرا جدليا يربط بين الدال والمدلول . فالميزان قد يكون رمزا للعدالة وليس للسيف ولهذا كانت مفردات المتنبي وهي (Onomatoee تعبر عن اصواتها الحقيقة . ولذلك قد ترى الشارع لم يحصل على المعنى الا باعتماده على العديد من القرائن . ولهذا فقد اختلف الكثير من الشراح على تفسيره لشدة غموضها وربما فسروا بيتا لم يعنيه المتنبي وبقي المراد في ذهن المتنبي مضمر النسق والامثلة كثيرة مثل قوله :
جللا كما بي فليك التبريح اغذاء ذا الرشا الاغن الشيح

"التقابل الثلاثي للابهام عند المتنبي"
حسب التطابق البيرسي للمفهوم السوسيري ان تحديد معنى الغموض الذي تأول بالمفهوم الوحيد للمدلول ، اما الحال فيقع بين العلامات التركيبية والعلاقات الادماجية . ففي الشطر الاول يقع التبريح في الهوى ( حللا كما بي ) وتقدم المتأخر وهو من ضروب البلاغة وهذا مفهوم برهاني . الا ان (سوسير) يقابله بالرفض لان النظرية التي انتشرت وهي التي تقع في الشطر الثاني ، فقد اقتضى التاويل داخل هذه المنهجية حيث تؤكد هذه النظرية بان الجمل الشعرية هي الوحدات الملموسة الوحيدة . في هذه الحالة تعتبر منتهية لان الصلة اللفظية بينها وبين الصدر مفقود اذا كان التفسير ينحو هذا المنحى واذا نحن تصورنا ان مجموع الالفاظ لاتتشابه ابدا فيما بينها ومايسود هذاالبيت هو عملية التمايز ونحن اذا حاولنا البحث عما يربط بين ملفوظات هذا البيت فإننا نجد ان غذاء هذا الرشأ مثل غزلان الصحراء بالطبع هذا الجواب كلا .لان غذاءه من قلب عاشقة ولهذا ينحّله ويمرضه ويورثه هذا التبريح . فالكلمه بخواصها النحوية والشعرية تحتاج ايصال بين الصدر والعجز حتى يستقيم المعنى عند المتنبي . واذا اردنا اختصارا للكلام هو ان نقول بتثبيت جدولا يؤكد المفهوم (البيرسي للسيميوطيقا) الى جانب مفاهيم (سوسير) التي يتم تطابقها مع (مفاهيم بيرس ) اما ماموجود من خانات (2-3) فهي تشير الى حقيقة الابهام الذي تعرض له النص الشعري عند المتنبي فهو جزء من هذا التطابق الثنائي ويقع (في مرتكز ثلاثي ) حقيقة ابي الطيب المتنبي في (مزج الثنائي بالثلاثي كما شرحنا هذا الموضوع في الصفحات السابقة من هذا الكتاب .
(3)

الصدر
والعجز علامة عامة


الغموض المضمر في النص الشعري




(2)

الصلة اللفظية
وهي من ضروب البلاغة وفق قاعدة الغموض

الغموض المضمر في النص الشعري (1)

اثر الصوت
السكيولوجي



تحليل المتنبي الكلمه الغامضه

جللا
التبريح

العلامة الصوتية

العلامة الصوتية

= = مفهوم اللفظ والمعنى عند المتنبي العلامة غير معللة بالقيمة الاتفاقية
تصنيف المتنبي الثلاثي للمفاهيم الثنائية كما هي عند بيرس وسوسير141 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(141)Ecrits sur signe – e’diction du seui -1- studies ( 76) انظر:
ضمن تفسيراليازجي :
وفاؤكما كالربع اسجاه قاسمه بان تسعدا فالدمع اشفاه ساجمه
وياتي وفاؤكما مبتدأ وخبره كالربع . ثم تأتي كلمة اسجاه في ركن التفضيل وذلك من اشجاه الامر اذا احزنه الامر ، وطاسمه دارسه . والجملة حال من الربع وتسعدا وهي بمعنى تساعدا وتاتي الباء متعلقة بوفاء وهي من المسائل الضرورية القبيحة لان الاسم لايخبر عنه الا بعد تمامه والساجم الساكب ، وساجمه ساكبه . هناك تفسير للالفاظ وتركيب الجمل للحصول على المعنى ، ثم تاتي المخاطبة لصاحبيه اللذين عاهداه بالمساعدة على البكاء عند ربع الاحبة فهو يقول : وفاؤكما في المساعة بالبكاء قد اشتد حزني لفقد من اتاسى به ، وفي قوله : والدمع اجفاه ساجمه هو بيان لعذره في البكاء واقامه على صاحبيه بانهما خالفاه كما هو في امره من الحزن ،هكذا تسلسل المعنى في اطار العلة والمعلول ، فاين المنحى الشعري ؟ في حين ان النظرة الثنائية في نفس القصيدة حتى تشعبت في المهجة من جديد فان فعلت اصبحت النظرة الثنائية لما تلقفته في الاولى .
قفي تغرم الاولى من اللحظ مهجتي بثانية والمتلف الشيء غارمه
وهناك الكثير من هذه الصور التي تنحو منحى الغموض ، وفي عملية التاويل المراد منها في قوله :
ضروب مابين الحسام ضيق بصير ومابين الشجاعين مظلم
فهو الحاذق والمجرب في امر الحرب فاذا اشتد وطيسها هناك السيف لايجاد مساغ في القتل حتى ادلهم جو القتال فاصبح لايبصر القرن قرنه ، وهنا قد تباعد المعنى واللفظ بتباعد دلالتهما ،فالمتنبي لايعطي شكلا منتظما لتركيب البيت الشعري ولايتذوق من تعبيراته في اطار التقابلية الثلاثية ، والمتنبي عليه التعبير بالنسق ( الثلاثي ) فلا وجود للمعنى واللفظ دون المنطق الدلالي ، وفي الحالات الاخرى يستحيل تكوين منعطف ثالث واصيل لتغيير المرتكز في ثلاثة منعطفات : المعنى ، اللفظ، المرتكز الدلالي ، والمنحى الثالث وهو الدلالي : لايمكنتباعده ، فاعطاء المعنى في (أ – الى- ب اللفظ فهو جزء من ج وهو المنحى الدلالي ) وهنا تتشكل الاصرة الثلاثية بتركيبة ثلاثية (ويكون الاثبات كون أ- المعنى يعطي ج الدلالة الى ب اللفظ عن طريق جمع العلاقات المزدوجة بين أ وب وج = ج أ + أ ب و أ - يعطي ج وب يعطي أ ويعطي ج ويعطي ب ، وفي هذه العلاقة الثلاثيةالمزدوجة تكون خصوصية اللغة بوصفها المنعطف الذي يضع المقتربات اللسانية تحت العنوان الكبير هو :علم الدلالة وظاهراتية (المعنى - واللفظ) وهو: المبحث المنطقي الذي اكد عليه (هوسرل) وهذا النوع ، من التحليل يتميز بالوصف (السيميولوجي) لمداخلات اللغة في مرتكزاتها الثلاثية في (المعنى- واللفظ – ومنطق الدلالة )
المحتويات

التسلسل الموضوع رقم الصفحة

1 المقدمــة 3 2 نبذة تاريخية عن العصرالذي 6
عاش فيه ابي الطيب المتنبي
3 حياة ابي الطيب المتنبي- القسم الأول- 7 4 نشأته 8 5 تنصيب نفسه داعية من دعاة الاسماعيلية 9 6 حياة المتنبي - القسم الثاني 10 7 الأختلاف في شعره 17 8 أطروحة التأويل المتنبيه 19 9 الطروحات وفق المنظومة الشعرية 21 10 المتنبي (الخطاب المربوط بخطاب النص) 25
11 المتنبي وأختراع المعاني 30 12 التبطين الخطابي 33
13 البنائية الجديدة في شعر المتنبي 42
14 مطارحات البنائية 47 15 مطارحات الرؤية 50 16 المنحى الحسي عند المتنبي 61 17 العلامة الصوتية والكتابية 65 (التفكيك المتعالي)
18 المتنبي بين رسالة الصاحب بن عباد 78 ورسالة الحاتمي
19 النقد الذي قدمه الصاحب بن عباد للمتنبي 79
20 رسالة الحاتمي المعرفة(بالرسالة الحاتمية) 81 21 جوهر الكينونة 81 22 بين المتنبي وصاحب كتاب الأغاني 85 23 المتنبي قدرة عقلية وفضاء للكتابة 89 24 ابو الطيب المتنبي وشكسبير 94 25 انسكلوبيديا الصرخة الايمانية 95 26 التناص والبنية الصوتية عند المتنبي 102 27 بين المتنبي وأبن جني 113 28 ترتيب الشروح على النحو التالي 114 29 مؤلفات الحاتمي النقدية 116 30 يقول الحاتمي 117 31 النسبة والتناسب في القصيدة 118
في رأي الحاتمي
32 لغـــة التناص 119 33 الرد على الرسالة الموضحة للحاتمي 124 أو الحاتميـــــة
34 نص اعتراف الحاتمي بالتحريض 125 35 ما يتعلق بالامور اللغوية 131 36 الوحيد الازدي وابي الوكيع التنيسي 149 والاشكالية النقدية في شعر المتنبي
37 أنصار الحداثة من المعجبين بشعر المتنبي 155
38 جراماتولوجيا ابي الطيب المتنبي 156
39 اعجاز المعنى واشكالية الدال 166
عند ابي الطيب المتنبي
40 العلامة الصوتية 169
41 المركزية الصوتية 170
42 المنهج البنيوي 174
(بنية الاثر الفكري والحضور الذاتي)
43 شفرة دال المجاز 177
44 المنضومة الصوتية 179
45 تشكيل الصوت 182
46 السطوح الجمالية للغة عند المتنبي 188 47 المعنى واللفظ 190 48 النص والاسلوب 195 49 اشكالية المعنى الدلالي 228 50 التاريخية الفلسفية عند ابي الطيب المتنبي 243 51 الصورة الشعرية عند ابي الطيب المتنبي 259 52 اختلافية المعنى في الصورة الشعرية 282 53 المفهوم النظري (للوقت والثورة )في فكر المتنبي 293 54 المرتكز الشعري 299 55 الغموض والابهام في شعر المتنبي 309 56 الغموض واشكاله في شعر المتنبي 326
57 طبيعة الرمز المبهم 329 58 التقابل الثلاثي للابهام عند المتنبي 330
حسب التطابق البيرسي للمفهوم السوسيري
59 المحتويات 334




*تـــمـــت *












المراجع
1-حنا الفاخوري:الجامع في تاريخ الادب العربي القديم دارد ذوي القربي.
2-ناصيف اليازجي : العزف الطيب في شرح ديوان ابي الطيب الجزء الاول.
3-"محمود محمد الشاكر" المتنبي مطبعة المدني بالقاهرة.
4-مجلة الموقف الادبي السوري يصدرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق العدد(411) السنة الخامسة والثلاثون تموز2005م.
5-محمد شوقي الزين تأويلات وتفكيكات المركز الثقافي العربي.
6-ابي علي الحسن بن رشيق القيرواني الازدي العمدة دار الجيل بيروت لبنان.
7-عبد القاهر الجرجاني اسرار البلاغة قراءة شاكر الملي جده السنة 1991.
8-الدكتور احسان عباس تاريخ النقد الادبي عند العرب دار الشروق عمان الاردن 1986م.
9-بول ريكور نظرية التأويل المركز الثقافي العربي.
10-أدموند هوسرل ابحاث منطقية ترجمة فندلي 1970.
11-الدكتور صلاح فضل بلاغة الخطاب وعلم النص عالم المعرفة الكويتيه العدد (164) السنه 1992م.
12-عبد الرحمن البرقوقي شرح ديوان المتنبي دار الكتاب العربي بيروت لبنان .
13-الاتقان للسيوطي مكتبة محمود توفيق القاهرة الجزء الثاني.
14-السكاكي مفتاح العلوم دار الكتب العلمية بيروت لبنان .
15-عبد القاهر الجرجاني دلائل الأعجاز قراءة شاكر الخانجي السنة 1984م.
16-حسن القبا عز الدين الشعرية والثقافة المركزالثقافي العربي.
17-صور دريدا ثلاث مقالات عن التفكيكية المجلس الاعلى للثقافة 2002م.
18-عبد القادر المازني رأس الادب دار الفكر بيروت لبنان السنة 1965م.
19-الدكتور زكي مبارك مجلة الهلال المصرية عدد خاص عن المتنبي السنة 1934م
20-الدكتور رجيس بلاشيد "أبو الطيب المتنبي "ترجمة الدكتور ابراهيم الكيلاني منشورات اتحاد الادباء العرب دمشق السنة 2001م.
21-عبد الرحمن بدوي : من تاريخ الالحاد في الاسلام السنة 1945م.
22-الدكتور صلاح فضل نظرية البنائية في النقد الادبي وزارة الثقافة والاعلام العراقية دار الشؤون الثقافية العامة بغداد السنة 1987م.
23-مجلة العربي الكويتية العدد(561) السنة 2005م
24-معجم الادباء للحموي الجزء الخامس .
25-الخصائص الجزء الاول.
26-صحيفة نداء المستقبل العراقية "لغة التناص " بقلم علاء هاشم مناف العدد (3) السنة 1999م .
27-حلية المحاضرة مخطوطة.
28-ابو الفتح عثمان بن جني "الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي "تحقيق الدكتور محسن فياض دار الشؤون الثقافية بغداد السنة 1990م .
29-عبد القادرالمازني "مختارات المازني" دار الفكر بيروت السنة2003م .
30-جيرالد برنس قاموس السرديات "ميريت للنشر والمعلومات" القاهرة السنة 2003.
31-الطبري :تاريخ الامم والملوك الجزء التاسع.
32-سمير احمد المعلوق: حيوية اللغة بين الحقيقة والمجاز من منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق.
33-عز الدين اسماعيل : الاسس الجمالية في النقد الادبي دار الشؤون الثقافية بغداد السنة1986
34-محمد غني هلال النقد الادبي الحديث دار الثقافة بيروت لبنان ودار العودة بيروت لبنان السنة 1973
35-سي دي لويس " الصورة الشعرية" وزارة الثقافة والاعلام العراقية دار الرشيد السنة1982م.
36-المادية الدلكيتكية "مجموعة من السوفيت" دار التقدم موسكو السنة 1975م
37-ادونيس "الصوفية والسريالية"دار الساقي.
38-جاكوب كروك "اللغة في الادب الحديث – الحداثة والتجريب ترجمة ليون يوسف وعزيز عمانوئيل دار المأمون للترجمة والنشر بغداد السنة 1989م.
39-جيرار دولو دال "السيميائية او نظرية العلامات" دار الحوار دمشق.
40-الدكتور طه حسين "في الشعر الجاهلي دار الكتب المصرية السنة 1926.
41-الدكتور جابر عصفور"لوازم الماضوية الادبية" صحيفة الحياة الدولية العدد 65520 في 28 ايلول السنة 2005م.
42-عبد الرحمن محمد القعود "الابهام في شعر الحداثة" عالم المعرفة الكويتية العدد 279 السنة 2002م.
43-ابن قتيبة "الشعر والشعراء"الجزء الثاني تحقيق وشرح احمد محمد شاكر دار المعارف القاهره.


ثبت المراجع الاجنبية
1.Burthes, R olund , Le degre Zero de L Ecriture , Paris 1973 , P.Z05 .
2. Valery puul , "Varie" I Trad ,1956, P.228
3. Barthes, "Ensays criticos" Trad . Baree 10 na 1970 P.252
4. Wellek ,R: Tho Theoryof Litera ture , P. 177.
5. R Johnson : Whet is cu Itural studiss any way ? in Jstore "ed" what is cu IturaI studles .
6. Ecrits sur Ie Signe . edicti du seui studies "76".



#علاء_هاشم_مناف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فائض المضاربة والاستثمار أنتج تراجعاً في أسعار النفط
- نمط الإنتاج الرأسمالية بين التراكم الدائم وتوزيع الدخل
- الرأسمالية العالمية تجاوز الأزمة ...أم المواجهة مع الشعوب ال ...
- آلية الاعتماد المتبادل للرأسمال الاقتصادي
- فينومينولوجيا الوعي النقدي للأدب
- خفايا المكمن الثنائي الهرمينوطيقي للفينومينولوجيا
- الأدلة الإستقرائية في إثبات المنطق العقلي للكون
- الاستقراء الاحتمالي
- الحلم والتصور المتناهي للثقافة والمثقف والسلطة (اشكالية المك ...
- الدلالي للمعنى الحداثي -Paradigme-
- الاسطورة في شعر الجواهري دراسة نقدية
- (المنحى الحسي عند المتنبي)
- المتنبي (الخطاب المربوط بخطاب النص)
- يقظة الوعي الفكري(الوقت الثورة)
- صلاة الوثني
- يقظة الوعي الفكري (( الوقت – والثورة ))
- الرؤية الإيقاعية عند سعدي يوسف
- سياق الوحدة التركيبية في النص الشعري
- جدلية الرؤية في شعر سعدي يوسف
- البطل الأسطوري في شعر سعدي يوسف – ومحمود درويش


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء هاشم مناف - حفريات الأنساق الأبستمولوجية في شعر أبي الطيب المتنبي