|
هل من تفسير ؟
طارق حجي
(Tarek Heggy)
الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 09:53
المحور:
مقابلات و حوارات
في سنة 1910 أغتيل رئيس الحكومة المصرية بطرس غالي أول قبطي (وليس أول مسيحي) يصبح رئيسا للوزراء … وفي سنة 1919 أطلق عياراً نارياً على يوسف وهبه (قبطي آخر) وهو-يومئذ-رئيسا للوزراء.. فجرح ولم يقتل… وهو ما تكرر مع سعد زغلول في صيف سنة 1924 وهو رئيس للوزراء إذ جرح ولم يمت. في فبراير 1945 أطلقت أعيرة نارية على أحمد ماهر وهو رئيس للوزراء فأردته قتيلاً… وفي سنة 1946 أطلقت مجموعة من الشباب النار على وزير المالية الوفدي السابق أمين عثمان فقتلته… وفي ديسمبر 1948 أطلق شاب من الإخوان المسلمين النار على محمود فهمي النقراشي وهو رئيس للوزراء فأرداه قتيلاً… وفي سنة 1954 أطلق شاب من الإخوان المسلمين النار على جمال عبد الناصر ولكنه لم يصبه… وفي أكتوبر 1981 أطلق آخرون من الإتجاه الإسلامي النار على الرئيس أنور السادات فقتلوه. وفي أديس أبابا في يونية 1995 أطلق آخرون من نفس الإتجاه النار على الرئيس مبارك ولكن هدف الجناة لم يتحقق ولم يصب الرئيس المصري بأي أذي. ونظراً لأنني أتحدث أساساً على رؤساء الدولة أو الحكومة الذين أطلقت عليهم النار-فإنني لم أذكر من الوقائع الأخرى إلا أمين عثمان (1946) وأضيف هنا رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الذي قتل في سنة 1990 برصاصات من أتباع نفس الإتجاه الذي قتل آخرين كالنقراشي والسادات وحاول قتل الرئيسين عبد الناصر ومبارك. كذلك لم أذكر حوادث إغتيال شخصيات عامة أخرى كثيرة مثل حسن عبد الرازق وسليم زكي والخازندار… وغيرهم… كما لم أذكر تفاصيل محاولات قتل عديدة فشلت كمحاولة إغتيال عاطف صدقي (رئيس الحكومة) والوزراء صفوت الشريف وحسن الألفي وحسن أبو باشا… إلخ
وفى كل حالات الإغتيالات التي ذكرتها (بما في ذلك الحالات التي لم يتحقق فيها للجناة غرضهم) فإن الفاعل (أو الفاعلين) كانوا إما من "الحزب الوطني" القديم (وهو حزب له بعد ديني مؤكد) أو من تيار الإسلام السياسي. وآمل أن يُعطي هذا الموضوع مؤرخ (أو أكثر من مؤرخ) وقتاً كافياً لدراسته وقراءة خلفياته وإستخلاص العبرة من هذه الدراسة. وينبغي أن يُشرك المؤرخون معهم علماء إجتماع وعلماء نفس وخبراء تعليم وتربية. فليس الغرض أن نقص على الناس القصص… وليس الغرض توجيه أصابع الإتهام لأحد… وليس الغرض تصفية أية حسابات مع أية جماعة أو أي تيار… فأنا رجل طلق آراءه المؤمنة بجدوي العقوبات الجنائية والتى كان مؤمنا بفعاليتها عندما كتب أطروحة للدكتوراة فى علمي الإجرام والعقاب منذ ثلث قرن من الزمان ؛ أما اليوم فأنا إنسان يؤمن بنظرية الدفاع الإجتماعي (السويدية) في تفسير السلوك الإجرامي، وهو ما يجعلني أتوخى معرفة الأسباب وطرائق تلافي وجود ظاهرة لا شك أن لها صلات بالظروف الإجتماعية والتعليم والسياسة والمفاهيم الدينية. وأؤكد على أنني هنا لا أُصدر أحكاماً، وإنما فقط أقول: أظن أَننا بحاجة لأن ندرس ونحلل ونتعلم… وأن نبدأ كل ذلك بدون أيَّ أحكام مسبقة. وقد يتسرع إنسان ويقول: "إن كل المجتمعاتِ بها عنفٌ مماثلٌ"… والرد العلمي هو: "لا… هناك درجات مختلفة من العنفِ في المجتمعات… كذلك فإن أسبابَ العنفِ في المجتمع الأمريكي غير أسباب العنف في مجتمعات الشرق الأوسط… غير أسباب العنف في مجتمع إفريقي مثل نيجريا". وعليه ؛ فإننا لا يليق بنا أن نتعلل بأن العنف موجود في كل مكان.. فإهتمامنا الأول هو بمصر… وهدفنا أن نفهم ونتعلم. إن سؤالاً هاماً كالسؤال الذي يطرحه هذا العمود.. لا ينبغي أن يتعرض للإجابة عنه إلا علماء ودارسو علم الإجتماع.. لأننا لا نبحث عن "إنطباعات شخصية" وإنما عن تحليل دقيق يستند لعلم رصين وفكر عميق.
وربما يكون السؤال الآخر الذي لا يصلح للإجابة عنه إلا علماء ودارسو علم الإجتماع هو ميلنا (كمصريين) في زمن الأمور الكبيرة (كحرب أكتوبر 1973) للتآلف والسلوك الرائع (كأن لا تقع جريمة واحدة في مصر في أيام هذه حرب 1973) ثم ميلنا الذي لا يخفى عن أحد للتناحر في الأوقات العادية. المصريون العاملون في البلدان العربية لا يفتأ كثيرون منهم يطعن في الكثيرين من أبناء وطنه "مصر"… ويتكرر ذلك السلوك داخلياً بنفس القوة… وخارجياً في كل مكان. حكى لي مؤخرا صديق يقيم في زيورخ أن الأقباط المقيمين في هذه المدينة واصلوا (من البداية) الإختلاف والتشرذم وهو ما أدى إلى إنقسامهم لمجموعتين: المجموعة الأولى تتعالى على الثانية وتطلق على كنيستها في زيورخ إسم (كنيسة الزمالك) بينما تطلق على كنيسة المجموعة الأخرى إسم (كنيسة القللي) لإدماغهم بأنهم أقل منهم شأناً!!...والزمالك حي قاهري أرستوقراطي ؛ أما القللي فحي قاهري للمصريين من أبناء وبنات الطبقة الوسطي-الدنيا.
لقد ذكر كرومر في كتابه "مصر الحديثة"، أنه تذكَّر في حفل وداعه الشهير أنه ما من "باشا" أو "بك" أو حتى "أمير" ممن حضروا حفل وداعه (في سنة 1907) إلاَّ وكان قد جاء إليه يستعديه على أحد أبناء بلده!… بل أن سفر أشعياء النبي (في العهد القديم) يتحدث عن ذلك بشكل واضح إذ يقول: (وأهيج مصريين على مصريين، فيحارب كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه… وأفنى مشورتهم… وأغلق على المصريين في يد مولى قاس، فيتسلط عليهم). وأنا شخصياً، عندما كنت رئيساً لشركة بترول عالمية، وكان مرؤوسي ينتمون لقرابة عشرين جنسية من كافة الخلفيات لاحظت-بوضوح-خلال تلك السنوات، أن الأوروبيين (عدا البريطانيين) يعرضون علي "القليل من خلافاتهم الكبيرة" وليس كل ما يحدث بينهم من خلافات… وكذلك الجنسيات العربية (من غير المصريين)… أما البريطانيون والمصريون فكانا يذهلاني… فخلال عشر سنوات كرئيس للعديد من البريطانيين لم يحدث "مرة واحدة" أن أقحموني في مشكلة مما كان يحدث بينهم وكانت أخبارها (أحياناً) تصل إليّ. وفي نفس الوقت كان المصريون يعرضون علي (يومياً) خلافات بعضها كبير وبعضها متوسط وبعضها بسيط بشكل لا يليق بأصحابها، فجلهم كان من العلماء وأصحاب أعلى الدرجات العلمية… كما أنهم كانوا أول من ينسحب من العمل الجماعي (الفريق) ويفضلون أن يعمل كل واحد منهم بمفرده.. أما إذا أجبروا على العمل في فريق، فإنهم (من الساعة الأولى) يبدأون في تجريح زملائهم المصريين (فقط) في الفريق. وعندي مئات القصص (الحقيقية) التي لا أريد أن أرويها لأنها مؤلمة. كنت أذهب في وفود مع مساعدس الألمان والبريطانيين والهولنديين والسويسريين)لمقابلة مسئولين كبار في بلدان خارج مصر، فكان هؤلاء المسئولون الكبار يهتمون بي كرئيس للوفد … أما في مصر، فكان كبار الموظفين عندما يلتقون بنا يصافحـون الأجـانب أولاً ويحيطـوهم بهالات من الإجلال والإكبار ولا يكادون يوجهون الحديث إلا لهم . ونظراً لأنني أحفظ أسفار العهد الجديد (الإنجيل) فقد كنت أردد دائماً لنفسي كلمات السيد المسيح عندما ألقاه أبناء مدينة (الناصرة) بالحجارة وقالوا: "حتى إبن مريم يتنبأ"… وقال هو: كلمته الخالدة التي يعرفها بلايين الناس على وجه الأرض-وإن كان البعض لا يعرف أن المسيح هو قائلها الأول.
هاأنذا أدعوا علماء ودارسو علم الإجتماع للنظر في هاتين المسألتين وإفادتنا عن الأسباب وطرائق العلاج.
#طارق_حجي (هاشتاغ)
Tarek_Heggy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لو كنت كرديا من سوريا ... : سلسلة - لو كنت ..... - الحلقة ال
...
-
مرة أخرى: مسيحيو مصر (عرض لمرض مجتمع).
-
بمثل هذا الموقع (الحوار المتمدن) -قد- نستطيع بدء نهضة ثقافية
...
-
من ذكريات زيارة حديثة لكردستان الرائعة
-
قرار تقسيم فلسطين نوفمبر 1947 : من دفاتري القديمة
-
تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...
-
الشرق والغرب : الفهم المفقود.
-
رسالة للحكام العرب - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
-
نصيحة مجانية للرئيس إبن الرئيس ...
-
المرأة : نصف البشرية المعطل فى مجتمعاتنا الظلامية
-
بين ثقافة السلام وثقافة الحرب .
-
الصراع العربي الإسرائيلي في مفترق طرق .
-
العقلية العربية المعاصرة : عقلية خارج مسيرة التمدن !
-
هوامش على دفتر الإصلاح.
-
الثقافة .. أولاً وأخيراً .
-
.هلع العاجزين عن التغيير
-
عن التسامح المنشود.
-
موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية
-
لماذا لا يستقيل أحد في مصر؟
-
العربي النبطي ... فى الشعر العربي
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|