|
مابين الليبرالية و اليسارية و الديموقراطية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2584 - 2009 / 3 / 13 - 08:52
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
من المعلوم ان لكل المفاهيم و الافكار و الفلسفات شروطا تحضيرية واجبة التوفير كي تتجسد و تترسخ بشكل صحي عند تطبيق مضامينها ،الا انه هناك شروطا مشتركة لابد ان تتصف بها الوسط الاجتماعي العام لنجاح تحقيق المباديء وتوفير اسس المفاهيم و النظريات التي تخص المجتمع ، و منها النضوج السياسي الثقافي و الاجتماعي العام لدى المواطن و تفهمه لمضامين المفاهيم و استعداده للقيام بالواجبات اسوة بمطالبته بحقوقه ، و من ثم توفر المؤسسات المدنية الضرورية لتطبيق اليات و خطط التي تستوجبها المفاهيم و النظريات المراد تطبيقها و ترسيخها . لليسارية معاني واسعة و اشكال متعددة لا تحصى و لا تعد و الهدف العام هو ضمان العدالة الاجتماعية و الحرية و تكافؤ الفرص و المساواة لجميع افراد الشعب و بطرق واساليب و اليات مختلفة ، و لها اهداف و جواهر مشتركة مع الديموقراطية و شيئا ما مع جوانب من الليبرالية المعتدلة او الحديثة ، و الى حد يمكن ان نرصد الروابط العامة بينهم من اجل خدمة الانسانية و مستقبلها . لو القينا نظرة فاحصة على الليبرالية و الديموقراطية بمعنى و جوهر متوحد و متساوي و ذو ابعاد متشابهة ، و حاملين لصفات و فارضين لمقومات و نتيجة متطلبات الظروف التاريخية و الجغرافية و الامكانيات التكنولوجية والعلمية بعد توفر المصادر الضرورية لتشكيل النظام العام ، نحس بالعلاقة الوثيقة بيهما . الليبرالية و ما تعنيها من ايصال المجتمع و الوضع السياسي الى حال تتوفر فيها قمة حرية الفرد و استقلاليته المسؤولة في المجتمع الى حد يجب عدم تاثرالسلبي للمجتمع بها بحيث تمنع الفرص امام تشقق المجتمع او انفراطه او تفككه اثر الحرية الكاملة للفرد و اعماله ، و عليه ان يتحمل نتائج ما يصدر عن افعاله و اعماله بما توفرها له الحرية الكاملة المتاحة امامه و التي يتمتع بها في النطام الليبرالي الحديث . و يمكن ان نميز الليبرالية بعدة صفات و نفرقها عن الديموقراطية بحد ذاتها عدا ما تفرقها عن اليسارية بشكل عام ، جوهر النظام او المفهوم الليبرالي يعتمد بشكل خاص على فصل المجتمع عن الحكومة و يحدد ما يخص المجتمع و الفرد بشكل خاص و يحصره و يعزله عن الحكومة ، اي تحديد ما يخص المجتمع من الفرد و العشيرة و الاسرة و حتى الاقتصاد و الادارة الخاصة بهم ، و يلم بالدفاع عما يخص الفرد امام الحكومة . و الليبرالية هي التي تركز على وضع حدود و سدود مانعة امام سلطة الحكومة بقانون بحيث تمنع امكانية التعدي على حقوق الافراد و ان كانت على حساب الجماعة ، لا بل تفرض على الحكومة حفظ حقوق الفرد بقوانين و اطر عامة . و تهتم بشكل خاص بالدفاع عن الملكية الخاصة معهدفها الجوهري و هو اولوية الحرية عن المساواة، و حفظ المساحة او المجال الخاص لعدم تدخل السلطة السياسية بشكل عام في شؤون الافراد ، والحفاظ على التعددية للمؤسسات المدنية و محاولتها التمييز بين القوة و الشرعية و التسامح. اما ما يخص الديموقراطية التي يمكن ان تكون في المضمون ملتقيا و مشاركا لما يخص الليبرالية او متقاطعة معها ،فانها سوف تترتب وفق العلاقة الجدلية و الاليات العلمانية مع محتوى اليسارية الواقعية المعتدلة في كثير من الاوجه و النظرات . ان ما تتميز به الديموقراطية هو سلطة الشعب و قدرته على تاسيس و انبثاق الحكومة و انتقادها و اصلاحها و ازالتها او حلها متى ما شائت ،استنادا على مصالح المجتمع العامة، و اعتمادها على المساواة السياسية و عدم خرق حقوق المواطنين و التي هي باولوية في النظام الليبرالي و انما اولى الاولويات في النظام اليساري هي المساواة من كافة الجوانب الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية بشكل عام و ليست السياسية فقط، و العدالة الاجتماعية هي من اهم الاهداف التي تناضل من اجلها اليسارية بكافة اشكالها ، مع اهتمام كافة المفاهيم بتسلم المناصب من قبل الافراد و المشاركة في اصدار القرارات العامة و مراقبة السلطة و الحكومة بشكل خاص ايضا . اما الاهتمام الاكثر في الديموقراطية يكون بسلطة الاكثرية مع الحفاظ على حقوق الاقلية و تداول السلطة ، و هذه النقطة المشتركة لحد كبير و هي التي يمكن ان تؤسس الى بناء علاقة جدلية ايجابية بين المفاهيم الثلاثة لانبثاق نظام مشترك ان توفرت كافة الشروط الاخرى . اما ما يفرق الليبرالية عن الديموقراطية ، هو اعتماد الليبرالية على انواع و اشكال من الحكومات بينما الديموقراطية تعتمد على نوعمعين و هي حكومة ديموقراطية عامة ، والديموقراطية تتميز بتاريخ و تجارب وكما هي مفهوم قديم جدا ، اما الليبرالية حديث العهد ( و يمكن ان نتكلم عن الديموقراطية الحديثة ايضا ) و لكن لا يمكن ان نتحدث عن الليبرالية القديمة الا باشكال و اسماء و مفاهيم اخرى ربما مشابهة او متطابقة الى حد كبيرمعها . الديموقراتطية و منذ نشاتها لم تتغير جذريا ، بل التغيير مس الشكل و الهوامش و الاليات التي يمكن تطبيق الديموقراطية بها ، و بهذا لا يمكن ربط الليبرالية الحديثة مع الديموقراطية القديمة بشكل ملائم الا و يجب ان نغير في تركيبتهما وفق المستجدات العصرية . في حين تمنح الديموقراطية السلطة الواسعة للحكومة و باسترضاء و قناعة و قبول الاكثرية ، تقوم الليبرالية على تضييق السلطة للحكومة و تحاول تقسيمها على المؤسسات و تمنع تركيزها في موقع معين ، اي الفرق الشاسع هنا ، بين الديموقراطية الحقيقية و هي التي تمنح السلطة و بشكل واسع و قانوني بينما الليبرالية تضيق من السلطة و تقلل من مساحتها و اطرها و تقسمها على مراكز متعددة . ان ما يميز الديموقراطية و الليبرالية عن اليسارية هو فسح المجال امام التوجهات الرجعية و الغيبية لتثبيت اركانها دون رادع في الليبرالية و الديموقراطية و تكون حكوماتها ملتزمة و موفرة لارضية اللامساواة و لحساب مجموعة او قلة قليلة ، و تتوفر هنا ارضية التضليل و الاحتكار في الشؤون الاقتصادية و المالية ، بينما اليسارية تسد الطريق و تمنع الخلل و بقانون ، و ماتهمها و من اولوياتها المساواة و العدالة الاجتماعية و ضمان حقوق الجماعة و المجتمع بشكل عام . من المقارنات السابقة نلمس ان هناك نقاط مشتركة عديدة بين المفاهيم الثلاثة في الوقت هناك نقاط خلافية و مفرقة ايضا ، و عند التمعن و التفكيرفي توفير النظام العلماني التقدمي ، يمكن التقارب وفق العلاقة الجدلية و الاستناد على الاسس المشتركة لانبثاق نظام ليبرالي يساري ديموقراطي حديث عند توفر الشروط العامة اللازمة في المجتمع و نضوج الارضية و توفر العقليات المطلوبة و النخبة الطليعية في جو يفرض التفهم للمجتمع لما يجب ان يعمله بشكل عام .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع بحاجة الى المؤسسات و العقليات الثقافية التقدمية اكثر
...
-
اصرار البرلمان الكوردستاني على القائمة المغلقة للانتخابات ال
...
-
ما النظام السياسي و الحضارة التي تنصف المراة و تضمن حقوقها ؟
-
تمسك المراة بالروحانيات عادة مكتسبة
-
الشفافية تزيل الشكوك و الخوف من مجريات العملية السياسية الرا
...
-
العراق بحاجة ماسة الى اعادة التاهيل السياسي و الثقافي
-
اهمية ادارة التغيير و كيفية قطف ثمار الصراعات و الاختلافات
-
لماذا اختيار هذا الوقت لكشف تورط النواب العراقيين في الجرائم
...
-
اليسارية بين العقل والحرية
-
ماذا يحل بالمنطقة بعد نضوب النفط فيها ؟
-
هل ستنتظر امريكا نتائج انتخابات الرئاسة الايرانية لتتحذ الخط
...
-
على هامش اعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات في العراق
-
عوامل اخفاق اليسار في انتخابات مجالس المحافظات
-
سيطرة اليمين في اسرائيل و تاثيراتها على علاقاتها في المنطقة
-
التراجع في تطبيق ديموقراطية اقليم كوردستان
-
ترسيخ الفلسفة و النهج التربوي التقدمي اولى مهامات الدولة الح
...
-
اهمية الاصلاح داخل الاحزاب و تاثيراته على الوضع العام في الع
...
-
هل سيشهد اقليم كوردستان فوضا خلاقة و تغييرا جذريا
-
النهضة بحاجة الى العقلية التقدمية المنفتحة
-
كيف نسد الطريق امام محاولات تفريغ الديموقراطية من مضمونها
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|