|
مرة أخرى: مسيحيو مصر (عرض لمرض مجتمع).
طارق حجي
(Tarek Heggy)
الحوار المتمدن-العدد: 2584 - 2009 / 3 / 13 - 08:57
المحور:
مقابلات و حوارات
هذا هو النص الحرفي لحوار دار بيني وبين "مصري مسلم" يعتقد أن مسيحيَّ مصرَ يبالغون في إعتبار أنهم "مظلومون في مصر اليوم". وسأرمز للسائل باسم "سيف" لأن هدف كتابة ونشر هذا الحوار لا علاقة له بالأشخاص وإنما بالحالة العقلية التي أصبح مسيحيو مصرَ يعانون منها ومن كل أشكال السلوك المنبثقة منها: سيف: هل تعتقد أن مسيحي مصر مظلومون؟ أنا: يقيناً أنهم مظلومون. سيف: هل الظلم الذي ترى الأقباط يعانون منه ظلم بسيط أم متوسط أم كبير؟ أنا: لا يساورني شك أنه ظلم كبير. سيف: أعطني أمثلة على أشكال هذا الظلم. أنا: هناك عشرات من الأشكال لهذا الظلم. خذ عندك بعض الأمثلة: عدد الأقباط في مجلس الشعب وعدد الأقباط في مجلس الشورى وعدد الأقباط في وزارة الخارجية وعدد الأقباط في قيادات الجيش والشرطة .. وعدد الأقباط بين رجال القضاء والنيابة العامة .. وعدد الأقباط بين رؤساء تحرير الصحف وكبار رجال الإعلام .. وعدد الأقباط بين المحافظين ورؤساء المدن والأحياء .. إن عدد الأقباط في كل هذه المواقع (وغيرها كثير) لا يتناسب مع عددهم في المجتمع (من 15 إلى 17%). ويرجع ذلك إما لسياسةٍ موضوعةٍ (ولا أعتقد أن الأمر كذلك) أو لتمكن روح التعصب من كثيرين بما جعلهم يتمكنوا من الوصول بالواقع لهذه الحالة الراهنة. وقد كان كثيرون بالمواقع الرئيسية (خلال نصف القرن الأخير) غير مستعدين للقبول بوجود هذه المشكلة – وبالتالي فإنهم لم يواجهوا "روح التعصب" أو ذهنية التعصب" أو "ثقافة التعصب" التي عربدت في واقعنا وأوصلتنا لما نحن عليه اليوم. سيف: هل تتركز المشكلة في عدم وجود المسيحيين في هذه المواقع؟ أنا: لا .. المشكلة أكبر من ذلك. خذ عندك: التليفزيون المصري في كل قنواته يذيع القرآن والأحاديث النبوية والبرامج الدينية. ولا توجد أية مساحة زمنية معقولة على كل قنوات التليفزيون المصري للصلوات المسيحية أو للبرامج الدينية المسيحية أو للتراتيل الدينية القبطية. سيف: وماذا أيضاً؟ أنا: مأساة موضوع بناء الكنائس. فإذا كان الواقع قد شهد بعض التحسن في هذا المجال ، فإن الأمر المتصل ببناء الكنائس برمته لا يزال عامراً بكل ما هو غير منطقي وغير إنساني وغير عادل. سيف: وهل الجانب المسيحي في رأيك خال من المآخذ؟ أنا: لا .. هناك اليوم "درجة غير بسيطة" من ذهنية التعصب بين عدد من الأقباط. ولكنني كدارسٍ للشأن القبطي أؤكد أنه هذا العيب في بعض الأقباط "رد فعل" لما إستشرى في مجتمعنا من روح وذهنية وثقافة تعصب قادها دعاة الظلام ولم يتصدى لشيوع ذهنيتهم في مناخنا العام من كان من الواجب أن يفعلوا ذلك. أنني أدعوك لمطالعة بيانات جماعة الأمة القبطية في أوائل خمسينيات القرن الماضي – وستجد أنها نسخة منقحة من بيانات جماعة الأخوان المسلمين قبل سنوات قليلة (أي في نهاية الأربعينيات). إن مصلحة الأقباط أن يعيشوا في مصر لا تعرف التعصب وأكبر كابوس يشغلهم هو إستشراء التعصب في واقعنا وإذا زال التعصب فإنهم الرابحون الأوائل عندما تكون المواطنة هي أساس كل شئ كما كان الأمر في عهد الأقباط الذهبي (1919-1927) حيث كان كبير الأغلبية (سعد زغلول) يمنح الأقباط أكثر من مطالبهم – فمات بعضهم من أجل هذا المناخ العام.
بمناسبة مقالي المئوي على "الحوار المتمدن " : الطبيب الصادق المستهجن أم الطبيب الكذوب المستحسن ؟
إذا كانت أَغلبية "شعوب العالم الثالث" ذات حظٍ متواضعٍ من التعليم والثقافة (ونسبة غير بسيطة من الأمية) كنتيجة لعوامل تاريخية ومجتمعية تراكمية ...وإذا كانت هذه الشعوب تكرر(حزمةً من الآراء الشائعة في معظم الأمور): آراء تقوم على ما يسميه العالمُ بالإنجليزية Sterio type views أي كلاشيهات من الآراء والأفكار تنبع من العواطف والإحباط لا من المعرفة العميقة والواسعة ...وإذا كان "عدد كبير من المفكرين" في هذه الدول (دول العالم الثالث) يرددون ما يردده معظم الناس...فهل يبقى من الصحيح والسليم أن يُسمى هؤلاء بمفكرين؟ أم أنهم "سياسيون" (على أساس أن إرضاء الناس هو هدف "السياسي" …بينما "الحقيقة" و "الصواب" هما غاية "المفكر" )؟ …ويبقى سؤَال أكثر أهمية: هل وظيفة المفكرين( مثل القادة في كل المواقع) هي أن "يقودوا" أم أن "ينقادوا"؟ …وما جدوى التكوين التعليمي والثقافي المتقدم للمفكرين إذا كانت النتيجة هي تبنيهم للشائع من "حزمة الآراء السائدة" بين متوسط عام متواضع التكوين الثقافي ؟ وما هو مآل المجتمعات التي أنتجت (في ظل ظروفٍ سلبيةٍ) هذا الفصيل من المفكرين الذين يتبنون حزم الآراء الشائعة بين جموع تكونت بشكل متواضع من الناحية التعليمية وكذا من الثقافية؟…وهل تبقى تسمية "الأنتلجنسيا" قابلة للإطلاق على من تحولوا من مهمة "الرؤية" و "قيادة الرأي العام" إلى مهمة "إستلهام نبض الجماهير" وهي مهمة لا جوهر لها إلا رنينها الخطابي – فالجماهير بحاجة لرؤية صالحة (على المستوى الفكري) وليست بحاجة لمن يتملقها بقوله "إنها مخزنُ الحكمةِ ومنها تستلهم الآراء الصائبة" – فالكل يعلمون أن ذلك مستحيل إستحالة مطلقة ، فالحكمة والصواب والآراء السليمة هي ثمار المستوى المتقدم من المعرفة والثقافة (وتلك أمور تتعلق بالعلم والمعرفة والزمن ودرجة تطور الإنسانية).
وخلاصة القول هنا ، أن المفكر الحقيقي هو الذي يروم "الحكمة" و"الرؤى الصائبة"...وتلك لا تستلهم من الجماهير بقدر ما تستلهم من العلم والتجارب الإنسانية والمجتمعية الناجحة. وإذا كان ذلك يقيني، فإنه من الطبيعي أن تكون وجهات نظري في العديد من المسائل والشئون العامة مغايرة للشائع والذائع من الآراء الكلاشيهية Sterio type views The والتي تتكرر في المجتمع...وليس في ذلك عيب… وإنما العيب أن يتبناها المفكرون الذين ينتظر أن تكون لهم "رؤية" و "منظومة من الآراء" تهدف لتطوير مجتمعاتهم لا لمسايرتها والعبث الوجداني بكبريائها وشعورها بالذات (الأنا المجتمعية) دون أن يعود ذلك عليها بأي تقدم حقيقي.
كان ذلك "توضيح لازم" لقراء كتاباتي التى ينشرها موقع "الحوار المتمدن" ؛ ففى هذه الكتابات الكثير (بل والكثير جدا) من "مخاصمة الآراء الشائعة" وهو أمر حتمي في إعتقادي عند من تكون غايته من الكتابة "التغيير إلى الأفضل" فى بيئة مفعمة بالتخلف وتأخر كافة المستويات كبيئات المجتمعات العربية" ...ولمن يحاول على الدوام جاهدا أن يدمج"عصارة علوم الإدارة الحديثة" مع "عوالم الفكر والثقافة" في ضفيرة من الفكر التى يحاول (قدر الطاقة) أن يجعلها تتسم بالرؤية التي تتوخى هدفا أسمي هو "التغيير إلى الأَفضل"... وفى إعتقادي أن من يتصدي لمثل هكذا مهمة فإن عليه أن ينشغل بوصف الداء وتشخيص الدواء دون أدنى عناية منه (أو منها) بتملق المريض ...فهذا جرم لا يقدر عليه من وقف على "حجم العلة" … "وجسامة إستشراءها" ...و"قدر تجاهل المريض المسكين لما ألم به" ... فى ظل "تخاذل جل الأطباء عن مواجهة الطامة المحدقة بالمريض".
طارق حجي - 10 مارس 2009
#طارق_حجي (هاشتاغ)
Tarek_Heggy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمثل هذا الموقع (الحوار المتمدن) -قد- نستطيع بدء نهضة ثقافية
...
-
من ذكريات زيارة حديثة لكردستان الرائعة
-
قرار تقسيم فلسطين نوفمبر 1947 : من دفاتري القديمة
-
تراجيديا المرأة فى مجتعنا - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة...
-
الشرق والغرب : الفهم المفقود.
-
رسالة للحكام العرب - بمناسبة اليوم العالمي للمرأة
-
نصيحة مجانية للرئيس إبن الرئيس ...
-
المرأة : نصف البشرية المعطل فى مجتمعاتنا الظلامية
-
بين ثقافة السلام وثقافة الحرب .
-
الصراع العربي الإسرائيلي في مفترق طرق .
-
العقلية العربية المعاصرة : عقلية خارج مسيرة التمدن !
-
هوامش على دفتر الإصلاح.
-
الثقافة .. أولاً وأخيراً .
-
.هلع العاجزين عن التغيير
-
عن التسامح المنشود.
-
موسوعة المصطلحات الدينية اليهودية
-
لماذا لا يستقيل أحد في مصر؟
-
العربي النبطي ... فى الشعر العربي
-
حوارات مع صديقي نصف العاقل
-
العقل العربي .. -مخدراً-.
المزيد.....
-
-خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|